رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 48 بالعامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
الفصل الثامن والأربعون
النسخة العامية
التزمت الصمت ليُطالعها بحيرة، كان من المفترض أن تغضب أو تصيح أو حتى تفعل البعض مما فعله بها، ولكن سكوتها المتواصل يجعله يشعر بالقلق تجاه ما قد يحدث لها وتجاه ما قد تؤول إليه الأمور.
-
ليه خرجتيني، كان ممكن تسيبيني جوا.
امتلأت رأسها بالسخرية الهائلة مما سمعته وحافظت على
صمتها وهي تُراجع كل ما حدث خلال الساعات الماضية ليزداد تشبثها بقطها حتى شعر
بالاختناق ففل منها للفراش ومنها للأرض ليقف بينهما وهي يوزع نظراته وهو يموء
لكلاهما وفجأة أعرض عنهما ليذهب للخارج بعد هذا السكوت والإهمال وهو لا يجد أيًا
منهما يستجيب له.
-
إيه اللي حصل خلاكي ترجعي في كلامك؟
سؤال آخر والنهاية واحدة، النهاية أنها ليست هذا الشخص
الذي سيقوم باحتجاز أحد أو بالتسلط عليه أو التعامل بقسوة من أجل الانتقام، شاءت
أم آبت لقد اختارت هي ذلك، وشاءت أم آبت هي ليست بالشخصية التي تنتقم من الجميع
وإلا لكان كل شيء انهار فوق رأسها منذ وفاة والدها.
-
روان ردي عليا، إيه اللي حصل؟
اقترب ليجلس أمامها فلم تتغير هيئتها واستكملت شرودها
لتتكلم بصوت خافت في النهاية بعد دقائق من انتظاره:
-
أنا كنت عارفة كل حاجة من الأول بس ده كان اختياري،
امشي، تقدر تمشي.
لم يفهم أي من قولها وشعر بحالة من التشتت وكلماتها تحمل
آلاف المعاني فسألها وهو يُطالعها بحزن:
-
ايه اللي كنتي عارفاه؟
اجابته وهي ما زالت شاردة بيأس:
-
إنك كنت كده وكنت ممكن تعمل أكتر من كده، بس كنت غبية
لما صدقت إنك ممكن تكون أحسن لو لقيت نفسك مبسوط معايا، لو أنت مسئول عن تصرفاتك
اللي أنت عملتها فيا سواء كانت في وعيك ولا لأ، أنا مسئولة عن اختياري.
حروف واضحة صاغت القليل من الكلمات ولكن استمع لليأس، هناك
هم هائل يتجلى بنبرتها، لوهلة ظن أن هذا ضعف منها، الضعيف هو المستسلم، وبعض
الأفكار تحتاج الكثير من الوقت حتى تتغير بداخل رأس الإنسان، كتلك الفكرة التي
أخذت منها أكثر من عام وبعض الشهور لتدرك صدمة ما حدث لها!
انعقد لسانه وهي لا يدري بماذا يتحدث ليُنفي ما تتهم
نفسها به وأخبرها مناشدًا:
-
أرجوكِ بلاش تتكلمي بالأسلوب ده، أنتِ كل غلطاتك كانت رد
فعل لغلطاتي معاكي!
تحرك طفيف انعكس على شـ ـفتيها لنبرته التي تستمع لها
منه وتحدثت بهدوء بعث القشعريرة بجـ ـسده لتتكلم أثناء شرودها بإطناب:
-
أنا فكرت كتير، لو كنت كملت وحبستك يبقا أكيد باباك
هيدور عليك، يا ترى بقا هقابله امتى؟ كمان يوم ولا عشرة ولا شهر، ممكن يؤذي أهلي
لو عِرف أنا بعمل إيه فيك، طيب ما أخليهم يسافروا برا وابعدهم بعد ما أقنعهم
بالسفر، طريقة كويسة، بس هدمر حياة أخويا اللي لسه بتبتدي في جامعته ومع بنت
اختارها، كل ده عشان انتقم منك؟ وأعمل نفس اللي عملته فيا؟ طب وبعدين، بعد ما أعمل
ده، آخرتها هتكون إيه؟ هتشنق نفسك في أوضة ولا فجأة هلاقيك بترمي نفسك من بلكونة
وأنت من غير أدوية ومن غير علاج وعايش تحت ضغط، آخرتها إيه بجد؟ ما كنت انتقمت من
عمي اللي كان شايف من حقه فلوس بابي، أو انتقمت من نفسي على إن بابي مات وسابني،
كان ممكن انتقم من كل حاجة في حياتي وأقول إن الحياة ظالمة وأفضل عايشة بغضب من
الدنيا كلها واكتئب ومروحش لا شغل ولا أعمل أي حاجة في حياتي، بس دي مش أنا.
تهاوت دموعها لمُجرد تذكرها بما مرت به ليتكلم بانزعاج
وهو لا يفهم ما الذي تمر به:
-
ممكن تفهميني أنـ
-
كفاية كلام!
قاطعته بهدوء أصابه بمزيد من القلق وتابعت:
-
احنا لو كملنا في اللي فيه مش هنخلص، كفاية أوي عليك
اللي أنت فيه، روح شوف حياتك، شُغلك ولا أهلك، شوف أُمك الست المظلومة اللي
بتتبهدل من سنين، ولا شوف أُختك اللي ملهاش حد وإنسانة تايهة ومش عارفة تتصرف في
حاجة، معتقدش يزيد الجندي هيعيش قد اللي عاشه، وأنا لو كان حظي كويس هتطلق منك قُريب
من غير مشاكل، ولو حظي وحش هاطلق منك كمان سنة أو اتنين أو يمكن تلاتة.. خلاص
كفاية أوي كده عليا وأنا قبلت الفكرة، قبلت إن كل اللي حصل ذنبنا احنا الاتنين،
أنا اخترت غلط وأنت رفضت كل الحلول اللي كانت ممكن تخلينا ننجح في يوم.. مريض أو
لأ مش هتفرق، كنت في وعيك أو مش حاسس مش هتفرق، ابعد عني، أحسن فترة في حياتي لما
كنت بعيد عني، أنا لما رجعت من المصحة كنت ممكن ابقا كويسة، بس لما شوفتك كل حاجة
اتفتحت من أول وجديد، تجريحك فيا، الظلم اللي شوفته وعرفته بسببك وبسبب باباك،
ابعد لو كنت فعلًا حبتني.. روح شوف حياتك وشغلك وأهلك!
لم تنظر له ولم يختلف شرودها، لم تتابع بُكائها هذه
المرة، ملامحها كانت مبرر قوي أن يذهب ويقتل نفسه مرة ثانية وثالثة وآلف لتجدد ذلك
الألم من جديد بداخله، لم يعد لديه المزيد من الحيل أو الكلمات التي قد تمكنه من
تغيير ولو القليل مما يراه، لقد باتت حقيقة هذا الدمار واضحة كالشمس في منتصف
النهار، هذه المرأة أمامه لم يعد له صلة بها على الاطلاق، لا يعرفها، ولا يعرف كيف
تُفكر، ولا يستطيع أن يقنعها بالمزيد من ترهاته!
-
ابعد عني، خلي تعاملنا للضروريات، عيش لحياتك، لعلاجك،
لمامتك وأختك، أنت بتعرف تقنع أي حد بكلامك، أقنعها شوية تكون جنب أختك في الفترة
دي، ولو شايف إنك اتغيرت وبقيت بتحاول تعمل كل حاجة صح روح ابدأ من أول وجديد مع
أهلك، أنا بدايتي كانت مع أهلي، بابي علمني الشغل والدلع وإن اللي بيعمل حاجة صح هيكون
في مكان أحسن ومامي علمتني إني أحب كل اللي قريبين مني مهما كانوا عاملين ازاي
وبسام علمني إن الأخوات عمرهم ما يكرهوا بعض مهما كان، اعتبرني كنت إنسانة في
حياتك وبعدت عنك أو مُت.. لو عايز تحترمني مرة واحدة في حياتك وعايز تثبت إن كل
اللي مريت بيه معايا كان ليه لازمة ابعد عني، روح عيش لنفسك وشيلني من حساباتك،
وابقا متشكرة ليك جدًا لو لقيت حل اننا نتطلق بهدوء في اقرب وقت، كفاية بهدلة، كفاية
كلام، لو انتقمت منك ولو اتكلمت سنين معاك مش هينفع حد فينا ولا هيغير اللي حصل، انا
بقيت عاملة زي اللي بيلعب وفاكر نفسه كل ما يوجع اللي قدامه يكسب أكتر بس في الأول
وفي الآخر هي لعبة مقرفة ملهاش لازمة غير مشاعر لحظية وبعدها بتختفي!
نهضت سريعًا ثم توجهت للمرحاض دون أن تنظر له نظرة واحدة
وكاد أن يتبعها ولكنه أدرك أن هذه كانت النهاية، وأنها مُحقة، المزيد من هذه الحرب
لن تتركه سوى بحالة جنون كاملة وستتركها هي بروح محترقة لن تخلف سوى الرماد. لو
كان يملك القليل من رجاحة عقل متبقية بداخله، يرى أن من الصحيح أن يتركها كما يحلو
لها لعل هذا يُصلح ولو القليل مما أفسده..
❈-❈-❈
منذ ساعات..
حاولت السيطرة على بُكائها وهي تراه مُلقى أرضًا بنفس
جلسته عبر شاشة هاتفها وصـ ـدرها لم يعد يجد المقدرة على التنفس بشكل سليم..
يستحيل أن ينتهي الأمر هكذا، لا تدري ما الذي تفعله، هل عليها أن تقتله، تسافر به
بعيدًا، ما الذي سيفعله والده، وما الذي سيحدث لو تعرض لنوبة قوية، واحد منهما
سيلقى حتفه، لو آلمته مثل ما فعل معها إما سيغضب وسيقتلها وإما سيقتل نفسه، ولو
حدث واستطاعت أن تنجح باحتجازه والهرب به بعيدًا، ما الذي سيحدث لوالدتها وأخيها؟
هل سيختطف والده "بسام" هذه المرة حقًا؟ هل ستُصاب والدتها بتوقف قلبها؟
ربما سيسافران، يبتعدان للأبد، وتحصل هي عليه، ثم..
توقفت أفكارها لتدخل بنوبة بُكاء جديدة وهي تشعر بالألم
الغائر الذي لا يتوقف ولمحته من جديد خلف هذا الباب وهو ساقط أرضًا بتلك الملابس
البيضاء لتستمع لتلك الشعارات المتوالية فشعرت بالرعب واحتبست أنفاسها بتلقائية
وكل ما فكرت به هو يقين والده بكل ما يحدث..
تفقدت سريعًا تلك الاشعارات لتجدها آتت من أخته عبر
تطبيق للرسائل لتقرأ ما بها:
-
روان
-
معرفش إن كنتي فاضية ولا لأ بس أنا محتاجة أتكلم معاكي
-
لما تكوني فاضية عرفيني ضروري
-
أنا سهرانة شوية لو شوفتي الرسايل
ابتلعت وهي تحاول أن تتجنب هذا التفكير بعقلها ولكن ربما
"عنود" تعلم شيء عما يفعله والدها، قد تكون بما فعلته من أجلها بالأيام
الماضية جعل كل شيء يعود كما السابق بينهما وهي تريد أن تُحذرها ليس إلا.
حاولت أن ترتوي بالقليل من المياه ونهضت لتُلقي ببعض
الماء البارد على وجهها وبعد عناء استطاعت تنظيم أنفاسها لتقوم بالاتصال بها
لتجيبها الأخرى على الفور وبعد تبادل تلك الترحيبات وامتنان "عنود" على
ما فعلته "روان" معها بالأيام الماضية اطمأنت قليلًا بأنه ليس هناك شيء
ولا يعلم والده بعد فسألتها:
-
احكيلي بقا فيه ايه؟
آتت زفرة الأخرى العميقة لدرجة أن "روان" أحـ
ـست بالاستغراب وترقبت سماع كلماتها التي كانت عبارة عن سؤال تهرب منه منذ الكثير
من الوقت:
-
أنا عارفة إني سألتك كتير وكمان سألت عمر، بس هو انتو
حصل ما بينكم ايه؟
تريثت لبُرهة وهي تُفكر بإجابة مناسبة لفتاة تصغرها
بحوالي تسع سنوات لتوها تبدأ حياتها وتدرك في نفس الوقت أنها لن تستطيع البوح
صراحةً عما حدث لتستطرد بتردد:
-
أنا مش قادرة أنسى كلامك لماما يومها، ولا فاهمة فيه
إيه، هو عمر فعلًا كان بيضربك وبيشتمك زي ما قلتِ؟
تنهدت بعمق ثم أجابتها قائلة:
-
بصي، منكرش إن عمر كان صعب اوي، بس هو اتغير كتير، ولو
بتسألي إن ده حصل فهو آه حصل بس زمان، في أول الجواز لغاية ما اتطلقنا، من ساعة ما
رجعنا لبعض بصراحة محصلش.
فكرت بكلماتها لتندفع رغم عنها بنبرة حادة ومُهتمة في
نفس الوقت:
-
ازاي ده يحصل وترجعيله أصلًا؟ ولو حصل هو إيه بيمثل عليا
كل ده وهو بيعاملني كويس؟
انتقت الكلمات التي ستجيبها بها ليأتي صوتها بتردد:
-
بصي يا عنود أنتِ مالكيش ذنب تكرهيه ما دام معملكيش حاجة
وحشة و
-
بس عمر مرة ضربني وأنا في البيت عندكم، اليوم اللي كنت
معاكي برا فيه ويونس جه عشان يشوفني
قاطعت محاولتها في الدفاع عنه وهي في الأساس لا تجد مبرر
له لكل أفعاله وتصرفاته وسكتت وهي لا تجد الكلمات المناسبة لتواصل الأخرى حديثها:
-
ويوم الخطوبة وفترة كتب الكتاب وحتى إنه أتكلم مع بابا
واقنعه بجوازي أنا ويونس، وزمان لما خلى بابا يغير رأيه عن فكرة الختان دي، وبعدين
جابلي بيت وعربية وبيحاول يكون كويس معايا، مبقتش عارفة أقول عمر كويس ولا وِحش..
بيعمل الحاجة وعكسها.
تمزق عقلها في البحث عن رد مناسب لتقول في النهاية بعد
أن أخذت وقتها بالتفكير:
-
عنود، أنا وبسام بنتخانق كتير، مبتوصلش إني أضربه أو يضربني،
بس الأخوات بيحصل ما بينهم مشاكل، وأهم حاجة بالنسبالك تحكمي على تعامل عمر معاكي،
مش كل العلاقات زي بعض، فلو لقيتيه كويس عامليه كويس، ولو وحش تجنبيه، بس متقبليش
أبدًا إنه يضربك أو يهينك، مفيش حد أصلًا يقبل بده.
فكرت بكلماتها لتتنهد لبُرهة وسألتها بتردد:
-
طيب أنتو خلاص حليتو مشاكلكم؟
ابتسمت بسخرية وهي تتذكر ما حدث منذ قليل واكتفت
بالهمهمة لها واجابت وهي تحاول أن تتكلم دون أن تدخل بنوبة من البكاء:
-
امال رجعنا لبعض ليه، احنا بقينا تمام.
عانت قليلًا قبل أن تُكلمها وتخبرها بما تريده لتندفع بغتة
بالكلام:
-
طيب أنا دلوقتي عندي مُشكلة مع يونس، شايف كده إني دبش
وطوبة وأنا مش عارفة اتعامل معاه خالص، أنا معرفش حد متجوز غيرك وقريب مني، وأنتِ
عارفة بابا وماما مفيش ما بينهم الكلام الحلو والهزار ده، والله أنا بحبه جدًا بس
أول ما بشوفه ولا بسمع صوته لساني بيتربط ومش ببقا عارفة أرد ازاي أو اتصرف ازاي
وغصب عني لو سمعت منه كلمة واحدة شبه اللي بابا بيقولها بلاقي نفسي بتعصب جامد
وبرمي كلام زي الزفت. مش عارفة اعمل ايه يا روان معاه وأنا مش عايزة ازعله بصراحة،
نفسي يفهم إني بحبه، بس أنا مش متعودة على إني أقول كلام حلو وحـ ـساه مش فاهم ده.
همهمت بشرود وهي تستغرق بالتفكير، في الحقيقة خبرتها في
هذا الأمر ليست بالكبيرة ولكن ربما كلماتها ستُساعد:
-
بصي، هو عشان يفهم إنك بتحبيه وريله ده في تصرفاتك
الأول، حاولي تقربي منه وتعرفيه، شوفيه بيحب إيه وشاركيه فيه، يارا أكتر واحدة
تعرفه ولو سألتيها هتجاوبك غير إنها أكيد هتبقا عايزة يونس مبسوط، مثلًا عمر كان
بيحب القراية والتاريخ فأنا
توقفت من تلقاء نفسها عندما خرجت منها تلك الكلمات بعفوية
ليأتي صوت "عنود" من الطرف الآخر:
-
أنتِ إيه، كملي.
زفرت بعمق وهي تغمض عيناها بألم وتابعت:
-
كنت بفضل اسمعه وهو بيقرا واهتميت باللي بيحبه مع إن ده
مش من اهتماماتي، كان بيحب يتكلم في حاجات كتير وكنت بسمعه، زي القضايا والكتب
اللي بيقراها، وهو كمان كان بيحاول يتفرج معايا على الأفلام اللي بحبها، كنا بنحب
نخرج مع بعض ونسافر، لما كنت ببقا تعبانة كان بيهتم بيا وبيهتم بمامي وبسام عشان
عارف إني بحبهم، عمر بيحب مراته تاخد رأيه في كل حاجة وتحسسه إنه مهم ومحبوب فكنت
باخد رأيه في هدومي بالذات لو خارجين مع بعض، ولما قبلت عمر بكل ما فيه..
توقفت لبرهة وهي تفتح عيناها لتتهاوى دموعها وعقلها لا
يتذكر سوى آخر فترة في زوا جها قبل أن يفعل فعلته الشنيعة فتابعت دون أن تتركها
تشعر ببكائها:
-
كان بيبقا عنده استعداد يعمل أي حاجة عشاني.. أنا وعمر
كل مُشكلتنا كانت إننا بنعند وكل واحد عايز الحاجة من وجهة نظره ومكنش فيه صراحة
ما بينا، أنا لما بخاف من حاجة مكونتش بواجهه وهو لما يشك في حاجة مكانش بيواجهني،
فاعرفي أنتِ ويونس مشكلتكم فين وحاولوا تلاقوا حل ليها، دي محدش هيعرف يحددها غيرك
أنتِ وهو وبتيجي مع الوقت وكُتر التعامل، الصراحة كمان مهمة بين أي اتنين، يعني
مثلًا قوليله أنا مش قابلة كذا واديله فرصة يوريكي التغيير وهيفرق معاه إنك
بتضايقي من حاجة ولا لأ، هو كمان من حقه يقولك أنا مش قابل كذا وكذا وحطوا plan وحاولوا
تتجنبوا الحاجات اللي بتضايقكم من بعض.. وشوفي برضو إذا كنتِ هتلاقي تغيير ولا لأ،
وأعرف دكتور كويسة بتدي couple
therapy ممكن
تروحيلها مرة قبل الجواز لو مش عارفة تتعاملي ازاي وهتساعدك كده في كام حاجة على الأقل
هتساعدك ازاي تعبري عن مشاعرك ليه أو تقربي منه.
جففت دموعها
وكتمت الصوت وهي تحاول التنفس ومنع نفسها عن البكاء لتستمع لسؤالها الذي آتى بعد
فترة من الصمت:
-
يعني أنتِ وعمر مشاكلكم اتحلت كده؟ وروحتو للدكتور دي؟
سؤالها دفعها للمزيد من البكاء ولكنها سيطرت على نفسها
بأعجوبة لتُجيبها وهي تُهمهم:
-
أيوة، لما كل واحد فينا واجه نفسه بغلطاته وحاول عشان
التاني الدنيا مشيت، غير كمان لما تبقي بتحبي حد، الحب بيغير حاجات كتيرة. مبيخلكيش
عايزة تشوفي اللي بتحبيه بيعاني بسببك.
-
وهو يعني عمر ضرب نفسه بالنار بسهولة كده بعد ما كل حاجة
بينكم اتحلت؟
عليها أن تتوقف عن تلك الأسئلة التي لا تجد إجابة عليها
سوى بالألم والدموع وإعادة فتح نفس الجروح مرة أخرى فأجابتها وهي تحاول أن تتحكم
في نبرة صوتها:
-
احنا كل حاجة اتحلت بينا بعد الطلاق والتجربة اللي كل
واحد مر بيها، هو شاف إنه كان غلط في حاجات وطبعًا الموت مكانش حل ولا نوع من
أنواع الاعتذار ليا، وأنا عرفت إني كنت مندفعة في حاجات ودي مكانتش احسن طريقة
اتعامل بيه معاها، لما راجعنا نفسنا كل حاجة كانت أوضح بكتير.
كتمت الصوت لتدع لنفسها الفُرصة بالبكاء ولو لثواني
قليلة وصعدت وهي تتجه نحو الغرفة التي احتجزته بها ثم قامت بفتح الباب وتوجهت
للخارج لتُكمل حديثها الذي ما زالت تستمع له:
-
إن شاء الله تكونوا كويسين، أنا كمان هفكر كده في
الحاجات اللي بتضايقني فيه وفكرة حلوة بتاعت الدكتور دي ممكن أبقى أروح معاكي في
مرة، صحيح عمر قالي إنه كمان متابع مع حد، هو عمر بيتعالج من حاجة أو عنده مُشكلة
كبيرة؟
زفرت بعمق وهي تحاول الهدوء وكانت الإجابة بمثابة
النهاية للكثير مما يؤلمها ويجعل عقلها يتمزق وكأنها تُجيب نفسها ولا توجه الكلمات
لأخته، هذه هي الإجابة على ما أرادته منذ البداية ودفعت ثمنه وحدها بالكامل:
-
عمر بيتعالج آه، عشان كده في الفترة الأخيرة بقا كويس،
حاولي تكوني جانبه أكتر وتعرفي عن الموضوع بس طبعًا لو وافق يقولك، جربي معاه
بالهدوء، ادعيله بس يكمل العلاج على خير ومفيش حاجة تحصل تبوظ كل ده.
هو يفعل، ويستحيل أن تُنكر الأمر، لقد تغير بعد عناء
قامت هي بدفع ثمنه، والانتكاسة له قد تعيد الماضي بأكمله من جديد، لم تعد هي الشخص
المناسب للبقاء بجانبه، ستؤلمه وسيؤلمها وستستمر بتلك الأفكار الانتقامية بداخلها
للأبد وستجد نفسها تدور بنفس الدائرة، ربما حان الوقت لتقبل نتيجة خطأها باختيارها
وخطئه فيما فعله وعدم انتباهه لفعلته، لا تدري إن كانت تملك المقدرة على المغفرة
أو النسيان، ولكن يُمكنها أن تنقذ ما تبقى من نفسها قبل أن تتحول بالكامل لامرأة
لا تُشبه نفسها!