-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 49 بالعامية - 2

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع الفصل التاسع والأربعون

النسخة العامية



 

العودة للصفحة السابقة



جمعت أشياءها وتركت تلك السيجارة بالمنفضة واتجهت لسيارتها:

-       تمام، شكرًا.

 

أنهت المكالمة وهي لا تعرف هل ستستغل الأمر لصالحها هذه المرة دون أن تتراكم كل تلك الذكريات بينهما وتقف كعائق لعين في طريقها، عليها أن تكون بخير معه حتى تشعر ولو بالقليل من الراحة تجاه هذا الرجل الذي أفسد عليها كل شيء، بداية بتدميره للرجل الذي عشقته ونهايةً بهذا الزوا ج الذي باتت محاصرة بداخله.

قامت بإرسال رسالة صوتية لسائقها ثم حدثته بلهجة آمرة:

-       عايزاك تخلي هدى تجهزلي tiny وتجيبهولي وتسيبهولي في البيت اللي فـ *** عشان مش هالحق أروح النهاردة وهقعد يومين هناك.

 

انتهت من الأمر فقامت بإرسال رسالة أخرى لأخيها وهي تقود متجهة نحو المشفى:

-       بسام أنا هرجع شوية البيت، عمر خلاص فضي وهاخد يومين إجازة من الشغل وممكن نيجي تقعد معاكم كمان خمس أيام كده ولا حاجة هبقا أكد عليكم هاعمل إيه.

 

تركت هاتفها جانبًا وتفقدت الوقت بالسيارة لتجد أن الوقت قارب على الثامنة فأسرعت قليلًا لتصل بالساعة الثامنة وعشر دقائق فسرعان ما تحدثت إلى "محمود" وسألت بالمشفى لتستطيع العثور عليه.

--

بعد قليل..

وقفت أمام غرفة الإفاقة التي تم وضعه بها ولم تستطع نسيان كيف بدا وهو يتجه من غرفة إلى الأخرى فوق تلك الناقلة الطبية وانتظرت بارتباك خروج أي منهم إلى أن فعل ممرض فقامت بسؤاله:

-       هو قدامه كتير ويفوق؟

 

هز رأسه بالنفي وأجابها برسمية:

-       ربع ساعة وهتلاقيه فاق إن شاء الله وشوية والدكتور هيجي يطمن عليه.

 

توقفت بتردد إلى أن غادر جميعهم وتابعته من على مسافة إلى أن آتى واحد من الممرضين وقام بإغلاق الباب فجلست على مقعد أمام الغرفة بالرواق وهي شاردة ومشوشة للغاية، تتمنى لو نهضت لتبقى بجانبه، وتمنت لو أنها لم تره بحياتها على الاطلاق.

-       مستنية حد؟

 

همهمت باستفهام لذلك الصوت الأنثوي وهي ترى من الذي يسألها لتجد امرأة جميلة صهباء بجـ ـسد ممشوق وملابس غير رسمية وعملية للغاية تقف مستندة على الجدار خلفها فأومأت لها بالموافقة واجابتها:

-       آه، مستنية جوزي، قالوا شوية وهيفوق.

 

همهمت لها وعقبت قائلة وهي تتجاذب أطراف الحديث معها فهي ليست من محبي الصمت على الاطلاق وعليها أن تجد طريقة تُشغل دقائق انتظارها:

-       وأنا كمان، واحد من أصحابي، اكتشفت صدفة إنه جاي لوحده فكان لازم حد يكون معاه بعد الجلسة. 

 

ابتسمت لها "روان" برسمية وشعرت بتشويشها يزداد بينما أخرجتها الأخرى من صمتها:

-       شكلك متوترة اوي، أنتِ أول مرة تيجي معاه؟

 

نظرت إليها واجابتها بتنهيدة:

-       ايوة.

-       عشان كده شكلك تايهة، بس متقلقيش، المستشفى هنا كويسة جدًا وأخويا الصغير جرب الجلسات وجابت معاه نتيجة حلوة.

 

ضيقت ما بين حاجبيها لتسألها بعفوية:

-       وبعد الجلسة كان تعبان أو حاجة؟

 

ابتسمت إليها بود وهي تتنهد وأجابتها:

-       صداع، بيحس إنه جـ ـسمه شوية مرهق، ممكن بوقه يوجعه، بعدها بكام ساعة بعد ما الغثيان بتاع التخدير بيروح ممكن يجوع لأنه بيبقا صايم قبلها، توهان كده ونسيان وهتحسي أنه بيبصلك بطريقة غريبة، بيبقى أحيانًا زي البيبي، بس شوية بشوية بيرجع يفتكر وبعد ما يخلص الجلسات بشهر أو شهرين أقصاها بيرجع زي الأول.

 

هزت رأسها بالموافقة وارتبكت عسليتاها وسألتها:

-       يعني مبيتعصبوش أو بيتضايقوا أو ممكن يعملوا تصرف مش منطقي؟

 

اتسعت ابتسامتها لها بود وأجابتها بعفوية:

-       لا متقلقيش مش كده خالص، بالعكس، أنتِ شكلك خايفة عليه وبتحبيه أوي، هيبقا كويس اتطمني.

 

يا للسخرية، هي تشعر بالرعب لو فعل بها أمر ما، ولكن ليس ما صاغته على الإطلاق، ولكن على كل حال هذه تجربة واقعية من تلك المرأة وربما كل شيء سيكون بخير بعدها.

 

بادلتها الابتسامة وأخبرتها بلباقة:

-       شكرًا، أنا كنت مستغربة بس الموضوع عشان جه بسرعة وأنا مكونتش مرتباله.

-       على إيه أنا معملتش حاجة.. أنا اسمي مايا على فكرة.

 

اقتربت منها لتصافحها فبادلتها وعرفت نفسها:

-       أنا روان، اسمك حلو اوي.

 

قلبت عيناها وتحدثت باستهجان:

-       أنا الوحيدة اللي فلت من الأسامي الغريبة، لو شوفتي أسماء اخواتي هتضحكي، شيڤان، ودارا، ودارا ده الولد.

 

ابتسمت لها وتساءلت:

-       هي اسامي غريبة فعلًا، ايه الأسامي دي؟

 

أعادت خصلاتها خلف أذنها وأجابتها:

-       أنا مامتي من ايرلندا وبابايا مصري، سماني أنا مايا وشيڤان، ودارا اسامي في ايرلندا بس من الحضارة الـ gaelic عندنا، ماما هي اللي صممت تسميهم، زي ما فيه مثلًا اسامي فرعونية غريبة، احنا كمان لسه من حضارتنا بنسمي الأسامي القديمة.

 

أطلقت همهمة بتفهمها للأمر بينما تابعت "مايا" ثرثرتها التي تعشقها:

-       بس مقولكيش لما بيجوا مصر محدش فيهم بيقول اسمه الحقيقي، شيڤان بتقول إن اسمها شريهان، ودارا دايمًا بيقول إن اسمه محمد عشان يخلص من التريقة.

-       وأنتِ عايشة هنا مع باباكي؟

 

أومأت بالإنكار واجابتها:

-       بابا مات من سبع سنين وأنا كنت جيت هنا وكملت دراستي، سافرت برا شوية ورجعت تاني عشان أكمل شغلي، أنا صحافية، بس الفترة الأخيرة مش بشتغل كتير اوي عـ

-       حد فيكم مستني يطمن على عمر يزيد الجندي؟

 

ألقى واحد من الممرضين بسؤاله ليقاطع الحديث وهو يقرأ من تلك الورقة أمامه لتجيب كلتاهما عليه في نفس الوقت:

-       أنا.

--

 أين هو؟ ما هذا الهدوء، لماذا يشتم رائحة سيئة؟ هل يُمكن تقليل هذا الضوء، لا يشعر بالراحة مع الضوء الأبيض، ما سبب هذه الرائحة؟

نظر لهؤلاء الأغراب، لا يعرفهم، من هذا؟ ومن ذاك؟ هي مشفى، لابد أنهما من الأطباء، لماذا يُناديه بـ "عمر"؟ نعم، تذكر، هذا اسمه على ما يعتقد!

-       كويس بس..

 

ما هذا الألم اللعين، هل تشاجر مع أحد وقام بلكمه بفمه؟ لماذا يواجه صعوبة في التحدث؟ ما الذي حدث؟

حاول أن يتذكر ولكن تواجد تلك الفاتنة جعله مذهول، من هذه الرائعة بعسليتيها وخصلاتها ومظهرها الأنثوي الفاتن؟ لماذا يشعر وكأنه يعرفها؟ هي تعرفه، لقد نادت باسمه، تبًا، شـ ـفتاها رائعتان، لماذا لا تأتي وتُقبله قبل أن يتقيأ؟ قُبلة واحدة فقط ولا يريد سوى هذا!

 

ومن هذه؟ فاتنة أخرى بشعر أحمر وبشرة بيضاء، وجـ ـسدها يبدو كتمثال روماني نحته فنان شهير، لماذا يتذكر التماثيل؟ وما الذي فعله حتى يملك كلتاهما؟ هل فاز باليانصيب؟ وما اليانصيب؟ هل هو بالجنة؟ لا هذه مشفى!

 

-       عمر، أنا مايا صاحبتك في الـ gym، متقلقش، أنت كويس جدًا وبعد الجلسة بس محتاج تريح شوية وكل حاجة هتوضح، واحدة واحدة على نفسك وهتفتكر كل حاجة.  

 

رفع حاجباه وهو يتفقدها باندهاش، عن أي جلسة تتحدث؟ ملامحها تبدو مألوفة، ولكن الأخرى التي تقف بجانبها مثالية بشكل مُزعج، ما اسمها؟ لابد أن يتذكره سريعًا!

انزعجت بشدة مما فعلته وهي تتدخل بالأمر ولكنها دفنت غيظها وحدثته مثلما فعلت تلك المرأة الغريبة:

-       أنا روان، مراتك.

 

تهللت ملامحه وابتسم لها، لابد من أنه فعل أمر ما وكافئه القدر بالزوا ج من تلك الفاتنة، سيُقبلها بمجرد أن يُصبحان وحدهما، لماذا لا يستطيع التحدث؟

-       روان.

 

النطق بتلك الحروف جعله يشعر بالألم وكأن فكه يقتله، لا يستطيع التحدث، هل سيبقى هكذا فترة كبيرة؟ ما الذي يحدث له؟! ولماذا تهمس تلك الـ "مايا" بأذنها؟ هي زو جته ولابد من أن يعرف ما ستعرفه؟

 

-       حاولي تمسكي أيـ ده وهديه شوية وفهميه إنه هيقدر يتكلم عادي زي ما الدكاترة قالوا، هو أكيد مسمعش عشان مركز ومحتاج حد يطمنه.

 

رمقتها بانزعاج وهي مُرتبكة من فعل الأمر الذي همسته لها بأذنها واقتربت لتُمـسك بيـ ـده بتوتر فسرعان ما وجدت قبضته تشتد ونظر إليها لتلاحظ أن عيناه تائهتان وهناك طيف من الانزعاج بهما فأخبرته بهدوء:

-       متقلقش، واحنا مروحين في الطريق هتقدر تتكلم عادي والوجع هيروح.

 

من هذه المرأة الثالثة؟ هل هذه والدته؟ أم والدة زوجته؟ ملامحها مألوفة للغاية ولكنه لا يستطيع تحديد شيء، من هي؟

-       حمد الله على سلامتك يا عمر، أنا دكتور مريم الدكتورة بتاعتك، متتعبش نفسك بالكلام، عايزاك تحاول تقعد بالراحة وشاورلي ايه اللي وجعك أو مضايقك.

 

ابتلع ولم يترك يـ ـدها ثم حاول الجلوس ليستطيع أن يفعلها ولكن لا يدري لماذا يشعر بأنه لا يُريد ترك يـ ـد "روان" .. هل كانت في سفر بعيد؟ هل يُمكنه أن يعا نقها؟ لماذا يشتاق إليها وكأن هناك شيء خاطئ يمنعه عنها؟

 

وجدت تلك الـ "مايا" تنظر لها نحو الخارج بإلحاح ولم ترد ما الذي تريده منها فأخبرته:

-       ممكن ثانية بس وهارجعلك؟

 

تفقدها بعينيه الشاردتين فأماء لها بالموافقة لتتجه كلتاهما للخارج لتجدها تُحدثها بإهتمام:

-       اطمني هو شوية وهيكون كويس، أنا أصلًا كنت بقوله كتير يعرفنا عليكي وتيجي تخرجي معانا بس هو كان بيرفض، اللي هو فيه ده طبيعي وأنتِ شكلك متوتر أوي، متقلقيش.. حاولي تتعاملي معاه عادي خالص كأن مفيش أي حاجة وابعدي عن أي مشاكل لغاية ما تحـ ـسي إنه بقا طبيعي.

 

اشارت لها بالموافقة باقتضاب وسألتها:

-       يعرفكم عليا، أنتو مين بالظبط؟

 

ابتسمت لها بعفوية وأجابتها:

-       أصلًا احنا عرفنا عمر من الـ gym، وهو ابتدا يعرف كذا حد بس أنا زقيته كده بدل ما كان قاعد ساكت.

 

همهمت لها وهزت رأسها برسمية ثم اخبرتها بفتور:

-       أكيد في مرة هبقا اجي معاه.

 

كادت أن تعود للداخل فأوقفتها "مايا" وتحدثت مخبرة إياها بود:

-       كده كده رقمي مع عمر، لو شايفة إنك مش عارفة تتعاملي كلميني في أي وقت عشان أنا جربت اتعامل مع نفس الموقف كتير جدًا أو حتى ممكن تكلمي الدكتور بتاعته، بس حاولي تبطلي توتر، هيكون كويس متخافيش.

 

تفقدتها بنظرة غير مُرحبة وأجبرت نفسها أن تبتسم لها بامتنان زائف وعادت للداخل بسرعة وهي لا تدري لماذا هي متوترة، هل تكترث من أجله كما تخبرها تلك الساذجة التي يبدو أنها لا تفهم ما الذي حدث بينهما، أم هي تود أن تهرب من كل ما يحيطها ولا تراه مجددًا للأبد؟!

--

بدأ نوعًا ما يتذكر القليل وزال التشويش عنه ولم يترك يـ ـدها بعد ليجد نفسه يتجه لخارج المشفى ورأى رجل مألوف الملامح وسيارة تنتظره فقام بالدخول وبعدها جلست بجانبه فالتفت نحوها بعد دقيقتان واقترب منها وعيناه لا تتركان وجهها ولكنه عانقها بغتة ليشعر بجـ ـسدها يتصلب بين ذرا عيه وأصبحت كالمشلولة لا تدري أتبادله أم تدفعه بعيدًا عنها وقبل أن تحدد ما الذي ستفعله وجدته يسألها بعفوية:

-       هو احنا ليه متخانقين، وهو أنتي كنتي مسافرة؟

 

رفعت عيناها وهي تنظر له وشعرت بالتردد في اجابتها ولكنها تنازلت أمام الموقف على الأقل حتى يُصبح بخير:

-       ريح بس دلوقتي وهبقا أقولك بعدين، أنت لسه حاسس إن بوقك بيوجعك؟  

 

أشار باقتضاب لها بالموافقة وسكت عن الكلام وضمـ ـها إليه ليجد توتر بعنا قهما لم يفهمه ولكنه يشعر وكأن هناك سبب ما جعل كل هذا يحدث، متى تزوجها؟ لا يعرف ولكن يبدو وكأن الأمر حدث ليلة أمس، هناك شجار حدث بينهما، هو واثق، ولكن ما السبب؟

 

اخفض نظره إليها وسألها قائلًا:

-       أنتِ زعلانة مني؟

 

تنهدت ثم اجابته دون أن تتحدث بالكثير لكي لا يتوتر:

-       لا، أنا تمام.

 

عقد حاجباه وعقله لا يتوقف عن إزاحة هذا التشويش عن رأسه ليجد إجابات على الأسئلة التي لا تتوقف بداخل رأسه ليجدها ابتعدت عنه قليلًا وسألته:

-       تحب تشرب أو تاكل حاجة؟

 

تفقدها بشرود وأماء لها بالموافقة فابتعدت بهدوء ثم أمسكت بهاتفها لتقوم بطلب الطعام ليصل إلى المنزل عن طريق واحد من التطبيقات وقامت بالدفع مُسبقًا وهذا التشويش الذي يدور بعقله كان يُماثل ما يدور بعقلها تمامًا، فهي لا تدري أتشفق عليه أم تصرخ بوجهه وسيتقبل هذا الصراخ، هل يُمكن أن يكون يُزيف كل ما يمر به ويخدعها من جديد؟!

 

ما الذي فعله بالقضية؟ هو محامي، هو يُدرك هذا الآن، بالخامسة والثلاثين من عمره، يتذكر مدرسته العسكرية، ولكن لماذا لم يأتِ والده اليوم؟! هل نشى الموعد أم لديه قضية هامة يعمل عليها؟ ولماذا كان بالمشفى؟ ما سبب شجاره معها؟ هو يظن أنه يتذكر الجدال والبكاء، ولكن ما السبب؟ هل زارته في مكتبه قريبًا من أجل قضية ما، يتذكر أنها كانت ضد عمها؟ هو يتذكر أن هذا حدث! تبًا، التشويش لا يتوقف، يُدرك أنه يعرفها منذ الكثير من الوقت، وكأنها أعوام، كان يجلس معها بالجامعة، شعرها كان قصيرًا كما أن عينيها كانت بلون مختلف، يظن أنها خضراء، ما اسمها، "روان" أم "يُمنى"؟ تبًا، هل عشق نفس الملامح مرتان؟

 

جلس طوال الطريق في صمت وهو يحاول أن يتذكر قدر استطاعته مما يعرفه عنها وعن نفسه وحتى هذا السائق يبدو وكأنه يعرفه منذ الكثير من الوقت ولكن لا يملك كامل الإجابات بداخله لأي شيء، لا يفهم الكثير، لا يتذكر المواقف بشكل واضح، وكأنها أنصاف لمواقف وأحداث مرت بالفعل، ما الذي حدث له؟

 

ترجل للخارج عندما توقفت السيارة ونظر لهذا المنزل، شكله يبدو غريب نوعًا ما وكأنه لم يره بالسابق، لماذا لا يحمل مفتاحه، يملك بسترته سلسلة مفاتيح لا يعرف إن كانت تخص هذا المنزل أم لا!

 

-       روان.

 

التفتت له بعد أن ناداها وهي تحمل ذلك الطعام الذي تناولته على البوابة من رجل الأمن لتجده يقترب منها وهو يرفع خصلاتها ليضعها خلف أذنها وضم وجهها بين يـ  ـديه لتشعر بأمواج متلاطمة من التخبط في مشاعرها التي لا تستطيع أن تصيغها هل هي كراهية بحتة أم تعاطف لما يمر به وتحمل هو ذلك الألم بفكيه ولكنه شعر بحتمية اخبارها بهذا:

-       أنا عارف إنك زعلانة مني، أنا آسف، بحاول افتكر، هنحل كل حاجة، متقلقيش.

 

دنا ليطبع قبـ ـلة على جبهتها وهو ينظر لها بامتنان شديد وابتسم باعتذار لتجد الدموع تنهمر من عينيها، لا تدري ما الذي قد تقوله في مثل هذا الموقف، تتمنى لو كان هناك أمر يستطيع أن يُرمم ذلك الدمار الذي حدث بينهما، لو كان هناك مُعجزة ما لتقوم بنقلهما عامان ماضيان فقط في مثل هذا التوقيت تمامًا، كانت تستطيع أن تبدأ حياتها مع رجل بمثل هذه الحالة، ولكن يستحيل أن تنسى ما فعله معها!

-       متعيطيش، كل حاجة هتبقا كويسة، أيًا كان اللي عملته وضايقك مش هاعمله تاني.  

 

هزت رأسها بالموافقة له وقررت أن تخفي حقيقة ما يجري بينهما ولو لقليل من الوقت على الأقل حتى تمر تلك الساعات الأولى بعد أول جلسة فلقد نصحتها "مريم" بأنه قد يكون مشوشًا وسيبدأ في التذكر بشكل طبيعي بعدها، وتلك الأحداث السابقة للجلسة تمامًا قد ينساها بالكامل لوقت طويل.

-       تعالى ندخل عشان نتعشا، أنا عارفة إنك كنت صايم قبل الجلسة وزمانك محتاج تاكل وتريح.

 

تبعها ودلف لداخل المنزل الذي بدا وكأنه لم يتواجد به قط وشعر بقرارة نفسه وكأنه ليس بمنزله وإما هو لا يتذكر أي شيء عن الأمر مثلما تشوش كل ما يعرفه عن نفسه.

رآها تتجه حيث المطبخ فتوجه هو الآخر ليجلس وهو يُتابعها تقوم بتحضير الطعام وهي تخرجه من التغليف ليتعجب وهو يسألها:

-       هو انا كنت ليه في المستشفى؟

 

شعر بأن فكيه مازالا يؤلماه ولكن ليس مثل السابق وباتت قدرته على التحدث أفضل نوعًا ما لتجيبه دون أن تنظر له مباشرة ولكنها حاولت أن تخبره بحرص:

-       أنت اخدت جلسة عشان تحسنلك المود شوية، وكلها وقت قُليل وهتفتكر كل حاجة..

 

همهم بتفهم ونظر حوله من جديد وسألها مجددًا:

-       هو احنا بنقعد هنا على طول؟

 

أومأت بالنفي واجابته بما يحتاج لمعرفته إلى الآن:

-       عندنا كذا بيت تاني، ساعات بنقعد في بيت القطامية وساعات هنا وساعات عن مامتي.

 

عقد حاجباه وهو يتذكر منزل وكأنه مكث به لفترة طويلة، بوابته الخارجية تُشابه هذه البوابة التي مر خلالها منذ قليل ولكن بقية الملامح مختلفة، لا ليست الملامح، بل هو نفسه وكأن المنزل اختفى وأقيم مكانه منزل آخر، متى حدث ذلك؟ هل فعل هو ذلك؟

 

وضعت له الطعام بطبق أمامه فبدأ بالتناول منه وقامت بإحضار بعض المياه وكوب من العصير بعد أن أدركت أنه آتى بعدة أشياء ووضعها بالمبرد، ولكن كيف وهو لا يملك مفتاح المنزل، لابد من أنه أخبر السائق بأن يفعل هذا.

 

تفقدته لبرهة وهي تشعر بالشتات كعادتها في مثل هذه المواقف الجديدة التي لم تختبرها قط لتشعر بأن عليها الابتعاد سريعًا قبل أن يسألها بالمزيد:

-       ثواني وهاجي اتعشى معاك، هادخل الحمام.

 

هربت وهي لا تعرف ما الذي عليها فعله وأفكارها تتخبط بداخل رأسها، كل ما أخبرتها به "مريم"، كل ما فعله وسبب خضوعه لهذه الجلسات من أجل أن ينهي على تلك الأمور السلبية، هي الوحيدة التي تورطت في أمره وهي التي ستكون مصدره عن كل شيء يعرفه بالساعات القليلة القادمة، هل هناك أسوأ من هذه الكارثة؟ أن تزيف تلك الحياة السعيدة حتى يُصبح بخير قليلًا، أم تصرخ بوجهه لتخبره أنه لا يستحق أن تنظر له ولو بلمحة من الشفقة بعد أن تعيد على مسامعه بكامل التفاصيل كل أفعاله الشنيعة التي أحلقها بها؟!

 

أغلقت باب المرحاض عليها ووجدت نفسها تحاول أن تمنع شهقاتها لكي لا يستمع إليها إن كان يتبعها بعد أن دخلت بنوبة بُكاء شديدة. 



 يتبع..



إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة