-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 51 بالعامية - 2

  رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل الحادي والخمسون

النسخة العامية


 

العودة للصفحة السابقة


 

ازداد غضب ملامحها ثم صاحت به:

-       وأنا اغير عليك ليه، ما تعمل اللي تعمله، روح اتجوزها بكرة لو حابب وابقا اعزمني على فرحكم.

 

التفتت لتغادره وعادت لداخل المنزل من جديد فترك الحاسوب مرة ثانية فوق تلك الطاولة وتبعها سريعًا بينما وجدها تسكب كوب جديد من القهوة مرة ثانية وشعرت به يتبعها فتحدثت باستهجان:

-       ناوي تسيبني اشرب قهوتي في هدوء ولا الخناقة النهاردة هتبتدي بدري ألحق أشوف أي مكان أروحه؟

 

طالعها للحظة باستمتاع وتذكر تلك المرات التي كان يرى بها نفس ملامحها عندما تشعر بالغيرة فسألها بهدوء وجدية وطريقة مباشرة:

-       عايزة تعرفي إيه عن مايا؟

 

أمسكت بكوبها واتجهت للجهة الأخرى للمنزل حتى تجلس أمام حمام السباحة وأجابته بطريقها:

-       مش عايزة أعرف حاجة.

 

الآن الأمر لم يعد غيرة فقط، بل غيرة وكبرياء وشعور الأُنثى المُهددة بوجود سواها، حسنًا يفهم تلك المشاعر، وسيُخلصها منها الآن!

ذهب ليقف بجانبها وهو يلمحها بطرف عينيه فزفرت بضيق ونظرت بعيدًا عنه بعد أن عدلت من جلستها ليكون بعيدًا عن مرمى عينيها فدعا نفسه للجلوس أمامها ليرى اضطراب ملامحها وأوقفها عندما رأى محاولة نهوضها من فوق المقعد وحدثها بنبرة هادئة:

-       مايا محبتش حد بعد جوزها اللي مات من ست سنين، وهي أكبر مني بتلت سنين أصلًا، أنتي عارفة أن علاقاتي كلها بتفشل مع اللي أكبر مني ويمنى أكبر مثال، مش محتاج أكررها تاني يعني.

 

نظرت له وهي تزيف عدم اكتراثها وعقبت بانزعاج:

-       البقية في حياتها، وبعدين أنا لا سألتك ولا يهمني أعرف حاجة عنك، ما بكرة هنتطلق وأنت ابقا روح اتجوز وأنا أكيد يعني مش هاوقف حياتي عليك.. من حق كل واحد فينا يكمل حياته!

 

تأهبت لكي تنهض من جديد فدفعها بخفة حتى لا تفعل ثم تكلم بجدية:

-       صح، أنتِ مش هتوقفي حياتك وهتكمليها، بس أنا مش هاعرف أحب حد بعد منك.

 

تفقدته بلمعة حزن بمقلتيها سرعان ما تهربت من عينيه عندما أدركت أنه فهمها بسهولة وعلم تمامًا ما تمر به فاستطرد مكملًا:

-       يعني اللي حبيتها بعد كل اللي شافته مني قاعدة جانبي وبتساعدني في وقت مظنش حد يعرف يتعامل معايا فيه وعايزاني بعد كل ده أروح اتجوز بعدها، دي يا حبيبتي اسمها بجاحة!

 

بالطبع، كلماته التي كانت منذ عامان تدخل قلبها بمنتهى السهولة، ربما يستغل الأمر بعد أن عجبته تلك الحياة الجديدة التي يتعايشان بها، أو ربما لا يتذكر ما الذي يحدث بينهما، هل يظن أنهما بخير؟ لما كان تفوه عن أمر استكمالها لحياتها، هي لا تعرف لعنة ما يُفكر به ولكن المهم أنها لن تستجيب لتلك الحجج الواهية منه!

 

-       أنتِ لسه صغيرة وممرتيش بتجارب كتير وجوازنا كان تجربة صعبة، من حقك تجربي تاني، ألف واحد هيتمناكي، إنما أنا مش مضطر أبدًا احمل مسئوليتي لحد واتجوز واحدة أجبرها إنها متخلفش مني.. غير إني هافضل افكر فيكي وأقارن، مالهاش لازمة أظن!

 

استمعت لكلماته في صمت تام ولم تُعقب على أي من كلماته كما أنها تحاشت النظر له مباشرة لتجده يتابع:

-       أنا ومايا اتقابلنا صُدفة في الـ gym، كانت رغاية وما زالت رغاية مبتفصلش وبتكلم كل الناس ومرة مع مرة شافتني وأنا باخد الدوا وأخوها كان bipolar فكنت بحاول أفهم اتعاملت معاه ازاي.. وفيه كده ما بينا كلام قليل مش كتير يعني.. بس مش اللي دماغك بتفكر فيه.

 

لمحته سريعًا لتقول باقتضاب:

-       أوك.

 

رأى أن ملامحها لم تتغير بعد فتوسعت ابتسامته وحدثها بتنهيدة:

-       اللي يبقا معاه واحدة زيك ويفتكر يجرب بعدها واحدة تانية يبقا غبي بصراحة وأنا مش ناقص ابقا غبي ومجنون، كفاية عليا واحدة فيهم.

 

لانت ملامحها قليلًا وأومأت بهزة رأس ضئيلة ثم قالت مدعية عدم الاكتراث:

-       أنت حر دي حياتك وأعمل فيها اللي تحبه.

 

اتسعت ابتسامته وهو يرخي جـ ـسده بمقعده وتابعها وهو تتناول من قهوتها ليعقب على ما قالته بسخرية:

-       لما عملت اللي بحبه حياتي باظت، يمكن المرادي لو عملت المنطقي متبوظش اوي.

-       أوك، براحتك.

 

لم يعد يفهم تمامًا ما الذي عليه فعله حتى يحصل على نفس تلك الملامح بالتي وجدها بالصباح فسألها:

-       لما هو أوك وبراحتي وأنا حُر، لسه مكشرة ليه؟

 

أنهت ما بكوبها ثم أجابته:

-       مش مكشرة أهو أنا كويسة.

 

نهضت وتصنعت أنها ستعيد الكوب ليس إلا فتبعها ثم جذبها من يـ ـدها وتفقدها بجدية ليحدثها قائلًا:

-       مش هتبطلي تكدبي عليا بقا، ولا هو عشان عديتهالك كام مرة بقا أسلوب حياة خلاص، أنا من يوم ما صحيت وكنا متطلقين كنت عارف ومتأكد إني لو شوفت مليون ست عمري ما هتجوز ولا هاحب غيرك.

 

واجهته بمثل جديته وعقبت بنبرة هادئة في البداية تحولت لأخرى حادة مع تتابع كلماتها:

-       فأنت فاكر إن تبريرك مثلًا وكلامك ده هيفرحني شوية، أو هايغير من أي حاجة، أو حتى فاكر نفسك كده بتضحي علشاني، يا ريت بقا منتكلمش في المواضيع دي تاني، لأن كل حاجة اليومين دول بتبقا حلوة وكل اللي كنت بترفضه زمان بقيت دلوقتي بتعمله من نفسك ومبيفكرنيش غير إن أنا الوحيدة اللي دفعت تمن اللي وصلناله، حلو إنك تتحسن وجميل إنك بتتعالج وحاجة كويسة إن تفكيرك بقا كده وكل تصرفاتك اتغيرت بس..

 

لم تقصد على الإطلاق أن تفقد كل ما عملت عليه بالأيام الماضية أو ربما لم تعد تتقبل فكرة أنها تعيش حياة ربما كانت تتمناها طوال الوقت معه حتى كادت أن تبدو مثالية ولا ينقصها إلا أن يتحول هذا الزو اج لزو اج فعلي حقيقي وليس مؤقت تحت إجبار، لم يكن عليها أن تتفوه بتلك الكلمات وهو ليس مؤهل لهذا، ربما لن يتذكر أي مما يحدث!

-       أنا آسفة مقصدش، انسى اللي قولته.

 

حاولت التخلص منه لكي تذهب وتبقى بمفردها لبعض الوقت فمنعها وحال بينها وبين الطريق ولكنه أخفض يـ ـده عنها وطالبها بإلحاح:

-       كملي كلامك.

-       خلاص يا عمر مفيش حاجة.

 

ابتسم بسخرية وقال:

-       قولي قولي، كده كده هنسى، أنا عمري ما بنسى اللي قريته عن الجلسات دي، من أول الحاجات اللي قريت عنها من أكتر من سنة فاتت وفاهم كويس أنا بيحصلي إيه.  

 

تفقدته بملامح معاتبه واكتفت بالرد بتساؤل مستنكر:

-       ولو افتكرت؟

 

تنهد وأجابها متخذًا سؤالها على محمل الجدية:

-       عادي مظنش بقا فيه بيني وبينك حاجة تستخبى.

 

تحاشت النظر إليه وأكتفت بهذه الحُجة المانعة التي ربما سيتفهمها دون إلحاح منه:

-       بالظبط كده، صعب تعيش وتمر بكل ده مع حد عارفك وفاهمك ومفيش ما بينكم حاجة بتستخبى وحياتكم تبوظ وابقا أنا الوحيدة اللي بدفع التمن! دي خلاصة كلامي.. بعد اذنك عشان ورايا كام حاجة هاعملها وشوف حابب تعمل إيه النهاردة وهجيلك كمان شوية.

--

في مساء نفس اليوم..

حاولت أن تكبت هذا القهر بداخلها وهي تجبر نفسها أن تُصدق أن كل ما يحدث مجرد مرحلة وستمر، قد لا يفلح الأمر معه في النهاية، قد يعود ليُصبح أسوأ مما كان، ولكن في قرارة نفسها أدركت أنها لا تريد لأي أحد ليس له ولا لغيره أن يُصبح في حالة سيئة، لم تكن تتمنى سوء الأحوال لأحد في حياتها بأكملها، هل هي الآن ليست طبيعية لأنها لا تريد أن ترى أحد في حالة سيئة؟!

 

تهاوت دموعها وهي تحاول التفكير، لا تتذكر أن هناك مرة أحد أساء لها وأرادت أن تراه يُعاني، ربما أرادت أن تحافظ على أموالها وأموال والدها ولجأت له، ربما قد تقوم بخصم من الرواتب لبعض العاملين، وربما قد تقسو على "علا" ببعض الكلمات، ونعم لقد أرادت رؤيته يتألم لبعض الوقت وعندما فعلتها كان ألمه لم يُفدها على الإطلاق، لم تستفد شيئًا، ولكن ألمها هي ما زال كما هو، لا يتغير ولا يتبدل، ما زالت متألمة وبقسوة، الألم هو هو نفسه وازداد عندما تحول كل شيء لكل ما أرادته مما يجعلها لا تدري هل عليها أن تتألم على ما حدث أم تتألم على يقينها بفقدان هذه الحياة التي أرادتها بشدة يومًا ما، ومازالت متألمة من فكرة ما فعله والده بإجبارها أن تعود من جديد لحياة كاملة لا يتواجد بها سواه، كل مرة تقترب له بها تجد نفسها في حياة أخرى تمامًا وكل ما يحيط بها هو "عمر الجندي" بتفاصيله وبكل ما هو عليه، سواء اقتربت برغبتها أو بالإجبار لا تدري كيف تتحول الحياة بكل مظاهرها لتصبح حياة كاملة خالية من البشر سواه هو وحده!  

 

ألقت بملابسها بصندوق الملابس ثم أخذت ملابس مُريحة لترتديها بالمنزل واتجهت للحمام لتقوم بغسل وجهها فرفعت شعرها للأعلى وقامت بإزالة مستحضرات التجميل القليلة على كل حال وغسلت وجهها ثم جففته واتجهت للخارج وحملت هرها وأخذت تُقبـ ـله بعد أن ضمته إليها ونزلت لغرفة الجلوس لتقوم بتشغيل أي شيء تشاهده حتى يقتل هذا الوقت وبكل ما بها تضرعت أن تمر الأيام القادمة بسرعة قدر الإمكان حتى تستطيع العودة لنفس الدوامة التي كانت تُشغلها للأبد.

 

لمحته يأتي من بعيد فلم تُسلط تركيزها سوى على ما يُعرض على الشاشة فجلس بالقرب منها على مسافة مقبولة وسألها:

-       كنتِ بتعيطي ليه؟

 

ادعت أنها لن تفقد عقلها من قدرته على معرفة كل شيء يدور بداخلها وتابعت الفيلم واجابته متصنعة السأم:

-       مكونتش بعيط، عشان مسحت الـ make-up مش أكتر.

 

همهم بعدم اقتناع ثم سألها مرة ثانية:

-       بتتفرجي على إيه؟

 

لم تلتفت له ثم اجابت متنهدة بنفاذ صبر وأعصابها على شفا حفرة من الانفجار:

-       فيلم، اللي لقيته قدامي.

-       طيب هاتيه من الأول.

 

التفتت نحوه لتجده يتمدد باسترخاء في انتظار أن تفعل لترفع حاجبيها وأمسكت جهاز التحكم عن بُعد وأعادت تشغيل الفيلم منذ البداية وأوقفته وهي تحاول السيطرة على الغضب الذي تشعر به وتنفست بعمق والتفتت له لتسأله:

-       تشرب hot chocolate؟

 

هز رأسه بالموافقة فنهضت هي وحاولت استلهام بعض الهدوء فهي كل ما تود فعله هو البكاء والانتهاء من ها الألم بداخلها وتماسكت قليلًا وهي تُسكن نفسها بتلك الفكرة أنها مجرد فترة وستمر وسيعود "عمر الجندي" من جديد لحياته وستعود هي "روان صادق" لدوامة العمل والتسوق والعناية بنفسها، الأمر ليس إلا حلم وستستيقظ منه عما قريب عليها أن تتحمل القليل بعد ليس إلا!

 

زفرت وهي تنتظر نضوج مسحوق الشوكولا الذي اضافته للبن بداخل جهاز التسخين وفُزعت عندما وجدته إلى جانبها وبمجرد التقاء أعينهما سألها مرة ثانية:

-       احنا كنا برا وكنتِي كويسة ومكانش فيه أي حاجة، إيه اللي مضايقك دلوقتي؟ حابة تروحي لمامتك شوية أو تحبي أرجع البيت يومين لغاية معاد الجلسة الجاية؟

 

لم يستطع التعرف سوى على الحزن بمقلتيها وهي تومأ له بالنفي ثم توقف جهاز التسخين فأخرجت كوبه ووضعته بالقرب منه ليُمسكه وتناولت كوبها واتجهت لتتابع هذا الفيلم الذي تُجبر نفسها على مشاهدته معه فقط ليبقى أسفل أنظارها فهي لم تعد تريد المغامرة بأي شيء معه فوجدته يتبعها وأمسك بجهاز التحكم عن بُعد وأوقف الفيلم بعد أن قامت هي بتشغيله وحدثها بهدوء وهو يمنعها عن تناول الجهاز منها:

-       أنا عارف إنك مش مبسوطة، اصبري كمان شوية معلش، بالكتير بعد فرح عنود بكام يوم هنتطلق، أنا مقدر كل اللي بتعمليه معايا وعارف لولاكي مكونتش هعدي الفترة دي، بس خليكي فاكرة إني ممكن امشي في أي وقت تحبيه أو حتى ترجعي عند مامتك.

 

ضيقت ما بين حاجبيها وسألته:

-       وأنت عرفت منين؟

 

عقد حاجباه ولم يُرد أن يخبرها عما يحاول فعله وحدثها قائلًا:

-       يعني، هتصرف مع بابا بس أنتِ عارفة، ممكن يمسك في إن عنود متتجوزش، ومش هاستبعد إنه يعمل أي حاجة الفترة الجاية، كلها تلت شهور أو أربعة بالكتير وبعد فرحها هنتطلق.

 

شعرت بفراغ شديد بداخل عقلها وحتى بمشاعرها ولم يتكون بداخل أي منهما أمر واضح تستطيع التعرف عليه أو صوغه وأومأت له بالموافقة ليواصل هو بإطناب محافظًا على نفس هدوئه:

-       أنا اتكلمت معاه النهاردة قبل ما ننزل، هو الفترة دي كويس ومش شايف أي مشاكل ولا حا سس بأي حاجة، فخلينا كده وعموما الفترة الجاية أنتِ هترجعي شغلك وأنا هيبقا عندي قضايا كتير أوي ياريت بس أقدر الاقيلهم وقت، ومن بكرة كمان هحاول أخد فكرة عن كل حاجة واكتب اللي أقدر اكتبه عشان بعد ما أخلص الجلسات أرجع لشغلي في أقرب فُرصة، ويمكن مريم والدكاترة يقولو ناقص جلستين، محدش عارف، أنا شايف إني بتحسن شوية عن الفترة اللي فاتت، فمتقلقيش مش هتفضلي مستحملة الوضع ده كتير.

 

أشاحت بنظرها بعيدًا عن وجهه والتزمت الصمت بعد أن هزت رأسها وقربت كوبها لتشرب البعض منه ليُردف بألم:

-       أنا بعد اللي حصل بيني وبينك اتعلمت إني مظلمش حد، وصدقيني لو أي حاجة حصلت قريب أنا عارف بابا هيقول على جواز يونس وعنود لأ، ومش معنى أنهم كاتبين الكتاب يبقا خلاص كده بقوا متجوزين، أنتِ فاهمة كويس ممكن يعمل إيه.

 

لم تستطع منع نفسها عن استغلال الفُرصة ومن جديد فاتحته بالأمر ولن تنسى أن تذكر هذا في كتابتها اليومية لكل ما يحدث بيومه:

-       عمر أنتم كلكم مظلومين مع باباك، لو كنت اتعلمت ده مكونتش سيبته يعامل مامتك وعدي كده، ولا أنت بس عشان بقيت كويس مع عنود هتحاول تدافع عنها قدامه إنما الباقيين لأ!

 

التفتت له بعد أن قالت كلماتها وسرعان ما حولت المناقشة لتعود لها وله وكل ما يتعلق بهما وهي تضيف:

-       صدقني مبقتش واثقة فيك وأنت عارف قد إيه هو ظلمني وظلمك وظلمهم بس أنت بتختار تدافع بس عن اللي بتحبه.. أنت مبيفرقش معاك الظلم، أنت بيفرق عندك اللي بتحبه!

 

حاولت جذب جهاز التحكم من بين يـ ـديه فمنعها وهو يعقب على كلماتها:

-       ماما وعدي مش زي ما أنتِ ما متخيلة، أنتِ متعرفيهومش قدي.

 

توسعت عيناها بالانزعاج وشردت بالأرضية لترد بهدوء:

-       يمكن معرفهومش بس أعرف اللي شوفته.

 

التفتت نحوه وتابعت بجدية:

-       معرفش إن كنت لسه فاكر لما سافرت معاك البلد ولا لأ، بس اللي شوفته إن باباك بيهزأ أخوك قدام الناس وبيضرب مامتك وأي حد عنده إحـ ـساس أو ضمير أو مبيرضاش بالظلم مش هيوافق أبدًا على اللي شافه.. سواء كان الإنسان ده وحش ولا لأ، أنا مقبلتش أبدًا اللي حصل لمامتك قدام عينيا، وأنت عارف وفاهم إن عمر ما حد هيقدر على باباك غيرك..

 

نهضت وهي تتنهد ثم أمسكت بـ "تايني" وكوبها وأضافت باقتضاب:

-       ابقا قولي الفيلم حلو ولا وحش.

 

اتجهت لتغادر فتبعها بخطوات سريعة ووقف أمامها ليسألها بملامح مشتتة:

-       أنتِ عايزة إيه يا روان؟

 

تفقدته مليًا وأجابته وهي تتمنى لو تستطيع إقناعه بهذا:

-       اللي عايزاه إنك تكون كويس زي ما كنت عايزة ده من أول يوم، لنفسك قبل ما يوكن ليا.. لو فعلًا شايف نفسك بتتغير عمرك ما هتوافق على جبروت باباك اللي أذى كل اللي حواليه سواء أنت ولا أخواتك ومامتك ولا أنا شخصيًا.. محاولتش تفكر بعد كل جلساتك مع مريم دي قد ايه باباك هو السبب في كل اللي بيحصلك؟

 

أطلقت زفرة ساخرة وتابعت:

-       لو مكنش أجبرك تدخل مدرسة تتساب فيها بالشهور لواحدك، لو مكنش سابك في المستشفى، لو مكنش كرهك في شغلك ودخلك حقوق غصب عنك، لو مكنش أجبرنا نتجوز تاني.. مش معقول بعد كل اللي وصلتله ده تشوف إن باباك ملاك نازل من السما وأنت قدامك آلف دليل إن أغلب اللي أنت فيه ده بسببه!

 

تفقدته بنظرات شفقة وكتمت بداخلها أمر لا يُمكنها أن تذكره الآن، لن تُلقي بآخر ما تملكه كدليل ضد والده سوى بالنهاية، عندما يكون واعيًا بعيدًا عن الاكتئاب والهوس وبعيدًا كل البُعد عن الارتياب بها لتخبره بآخر ما تبقى لديها:

-       متبقاش تنسى نبقا نكتب الكلام ده لو يهمك عشان تبقا تفتكره وتفكر فيه.. أنا طالعة أنام، أنت بقيت أحسن بكتير، تصبح على خير! 





 يتبع..



إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة