رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 53 بالعامية 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
تابع قراءة الفصل الثالث والخمسون
النسخة العامية
تلك النظرة العاشقة من عينيه التي تحفظها عن ظهر قلب، عليه أن يتوقف عن
النظر لها وكأنها أفضل امرأة بالحياة، طريقته معها لن تُفيد ولن تؤدي سوى لسوء
الوضع أكثر فأكثر ولا تعلم كيف سينتهي بهما الحال بعد كل ما يحدث بينهما بالآونة
الأخيرة!
-
شكرًا..
هزت رأسها له بامتنان وتحاشت النظر إليه فهي لا تريد أن تتذكر هذه الأوقات
لاحقًا لكيلا تُصاب بمزيد من الألم لتستمع له يتابع:
-
عارفة، أنا مش فاكر آخر مرة حد جابلي فيها هدية امتى.
أرغمها على النظر له مرة أخرى بما قاله فنظرت له وكادت أن تقول شيئًا
ولكنها أخبرته بأمر آخر بمرح:
-
أنا افكرك، مايا جابتلك نسخة لكتاب عن التاريخ كان الطبعة التانية بعد آخر
جلسة.. اتجوزها بقا وخلاص، شكلكوا انتو الاتنين بتحبوا القراية زي بعض.
التوى ثغره بحسرة وهو لا يتذكر على الإطلاق وحدق بالغليون وأعاده لغلافه
مرة أخرى ووضعه بحقيبته وبدلًا من أن يشعر باليأس حاول أن يجاريها بما تقوله ليخبرها:
-
قولتلك طويلة، مش اديتك المواصفات ولا لسه مش مصدقة إني عايز واحدة زيك في
كل حاجة؟!
شردت بتفكير للحظة وأعادت نظرتها له بحماس وقامت بانتزاع شعره من رأسها
ليتعجب من فعلتها ليجدها تقول:
-
جرب الاستنساخ والعلم اتطور.
وضعت الشعرة أمامه على الطاولة ليهز رأسه بإنكار وتناولها ورفعها للأعلى ثم
وضعها بحقيبة الغليون وارتشف من قهوته التي تركها النادل منذ دقائق قليلة لتتناول
هي من المياه وتفقدت الوقت لتخبره بإطناب وتوالي بكلماتها جعله ينزعج:
-
احنا يا دوب نلحق نقوم نودي الحاجات دي في الاوتيل ولسه عايزة أروح sephora ده هياخد مني وقت طويل وبعدين أعدي
على gucci عايزة أجيب
حاجة من هناك ونرجع تاني عشان نغير ونتقابل على العشا ونعملها عيد الميلاد وبجد أنا
مش عايزة الوقت يضيع عشان عنود تتبسط بالحاجة.. خلص بقا قهوتك بسرعة لسه كمان على
ما السواق يجي ونكلمه، أقولك أنا أخليه يطلع من الجراج وفيه هنا gate قريبة مننا، يالا اشربها كلها
دي اسبرسو يعني..
غمغم بإرهاق وهي لا تتوقف عن الكلام:
-
الستات مبيبطلوش رغي فعلًا!
-
قولت إيه أنا مسمعتش؟
سألته وهي تتفقد رقم السائق بهاتفها ولم تستمع له حقًا فابتسم وتأكد أنها
لن تثرثر بكل هذا إلا لو كانت سعيدة بما يحدث فهز رأسه بالنفي وأجابها:
-
مفيش، بفكر نبقا نيجي هنا تاني.
نظرت له باستفهام ليتدارك ما قاله:
-
يعني لو عنود حبت تيجي تاني قبل فرحها وتكمل باقي الشوبنج هنا.
-
فكرة حلوة فعلًا.. نعم مرحبًا.. سنكون أمام البوابة رقم أربعة الآن، هل
يمكنك أن تستعد؟
الاقتراب منها بأي شكل وبأي طريقة وتحت أي مسمى بات يجعله يشعر بسعادة لم
يشعر بها قط في حياته ويندم الآن أشد الندم على تلك الأيام التي أضاعها دون أن
يشاركها كل هذا، لابد أن يبتعد عنها بأسرع وقت قبل أن يُصاب بأمر ما لا يُمكنه
تحمله!
❈-❈-❈
قهقهت ضاحكة عند توقفهما وكل ما حدث كان كلمح البصر من شدة السرعة ونظرت له
فبادلها وحدثها قائلًا:
-
قولتلك دي هتبهدلك الحجاب، لما نجربها في Disney هتلاقيها
كمان أسرع وأصعب، بس نودي جامدة شكلها كده وقلبها ميت ومبيفرقش معاها الحاجات دي،
فاجئتيني بصراحة كنت فاكرك هتخافي.
قام بتعديل حجابها وهو يقوم بمساعدتها على وضع شعرها بالداخل مرة أخرى وسألته:
-
أنا نفسي مكونتش أعرف إني مبخافش من الحاجات دي، بس هو احنا هنروح Disney فعلًا؟
همهم لها وترجل كلاهما من هذه العربة للخارج فحدقته باستفسار وسألته
مجددًا:
-
امتى؟ في الهوني مون؟
أومأ لها بالموافقة وأجابها بابتسامة:
-
أيوة، وهنروح أماكن تانية كتير، نتجوز بس ونروح مكان ما تحبي
لاحظ عيناها تلتمع بالسعادة ولم يعد هناك بداخلها تلك الفتاة التي تعرف
عليها أول مرة لتخبره:
-
أنا كنت عايزة نقعد نتكلم سوا ونختار هنروح فين وكده..
-
طبعًا هنعمل ده.. عندي كام فكرة حلوة وروحت كذا مكان هيعجبوكي..
مد يـ ـده من جديد ليدخل خصلة تفلتت من حجابها بفعل السرعة الشديدة واندفاع
الهواء الذي أفسد مظهرها فرفعت يـ ـدها بتلقائية لتشعر بأن كل هذا لابد من أن تقوم
بتعديله فتلمـ ـست أنامله بعفوية ولم تبتعد سريعًا مثل ما كانت تفعل بالماضي
وابتسمت بخجل غلف وجهها بأكمله ليخبرها متسائلًا بخبث:
-
إيه الرضا ده كله، عشان سافرنا ولا عشان عيد ميلاد وكل سنة وأنا طيب؟
قضمت شـ ـفتاها وزجرته بانزعاج:
-
بس يا يونس بقا..
أخرجت هاتفها ونظرت به لتفزع مما تبدو عليه وقالت:
-
ده منظر ده، أنا لازم اروح أي حمام بسعرة أفكه كله واعدله تاني.
-
ولا الهوا، شكلك أحلى كمان والخدود كِبرت وأنتِ مبسوطة، بتدور كده وبيبقا
شكلها تحفة!
هزت رأسها باستنكار لقوله وضيقت عيناها نحوه ثم أخبرته:
-
أنا هاروح الحمام وهاعدل الحجاب واتوضا واشوف مكان أصلي فيه ضهر وعصر عشان الصلاة
متفوتنيش، روح اتوضا أنت كمان وصلي ونتقابل قدام الحمام لما نخلص.
هز رأسه بالموافقة ورافقها حتى المرحاض ثم تركها لتذهب سريعًا وهي تقوم
بنزع حجابها بالداخل لتحدق بوجهها بالمرآة وشعرت بالخوف الشديد لو فقدت هذه
السعادة التي تشعر بها معه لأي سبب من الأسباب ولم تتمن أكثر من أن يكونا معًا
بمنزل واحد في أسرع وقت ممكن!
❈-❈-❈
في مساء نفس اليوم..
خرج من الحمام الملحق بالغرفة بعد أن ارتدى كامل ملابسه ليراها ترتدي قطعة
واحدة من الثياب بيضاء اللون وبنطالها يتصل بالجزء العلوي وتضع أحمر الشـ ـفاة
اللعين الذي لا تحتاج له بلونه القاني الذي سيجعلها فاتنة للغاية وهي لا تحتاج
لمزيد من الأنوثة لتعذبه بها!
-
ايه خلصت؟
سألته بلمحة خاطفة لتجد تلك النظرة نفسها التي كان ينظر لها بها كلما تأنقت
للذهاب معه ليتناولا العشاء بالخارج فحاولت أن تتجنب النظر لوجهه وتناولت زجاجة
عطرها وتصنعت الانشغال بنثره ثم العبث بحقيبتها وقالت بانزعاج متحدثة له:
-
هو أنا شعري هايش اوي وباظ ولا ايه؟
اقترب نحوها وجذبها له وهو يتفقدها، يريد أن يرى بها شيء وحيد ليس ملائم،
ذرة واحدة توضح له أنها ليست مثالية، أي خطأ، لابد من أنها تملك بعض التفاصيل التي
تُزعجه، يفشل ككل مرة، يفشل معها كما يفشل في كل شيء آخر، إن لم تكن هي مثالية،
فمن التي تستحق هذه الكلمة سواها؟ لم يرها بعد..
ابتلع وهو يعدل من خصلاتها وهز رأسه بالنفي ثم أجابها:
-
حلوة اوي، شعرك وشكلك ولبسك وكل حاجة فيكي حلوة.
أومأت له بالموافقة وارتبكت قليلًا عندما استمر في الإمـ ـساك بها فحاولت
أن تتهرب من ملامحه التي لا تدل سوى على اقترابه من فعل أمر من اثنين، يا إما
سيخبرها بأنه يعشقها، وإما سيقوم بتقبيلها:
-
طيب كويس، يالا عشان منتأخرش على يونس وعنود.
هز رأسه بالاستجابة وحدثها بجدية وأنفاس مضطربة:
-
أنا عايز اسألك سؤال، ومستني منك تجاوبيني بصراحة.
تفقدته ورأى الوضوح بمقلتيها وأخبرته:
-
اسأل.
تفحصها مطولًا وتردد بسؤاله الذي آتى بعد برهة من صمته:
-
أنا لو مكونتش صحيت، لو كنت قتلت نفسي، كنتِ هتزعلي عليا ومش هتفتكري غير
كل الوحش اللي عملته؟ مكونتيش هتفتكري ليا أي حاجة حلوة عشناها مع بعض؟!
تيبس جـ ـسدها وهي تنظر له وكان لديها آلف وسيلة للهروب، لا، ليس عليها
الهروب، بل من حقها أن تمتنع عن إجابة السؤال، ولكن على الأقل هي تحتاج لسماع هذا
بصوت مسموع بإقرارها لنفسها بمواجهة الأمر الذي ربما الإفصاح عنه له ولها هي نفسها
أمامه سيصيبها بالراحة التي ستدفعها لتحرير كل ما تشعر به شيئًا فشيئًا إلى أن تصل
لأسمى درجات التقبل والتخلص من صدمات كل ما عايشته!
حاولت ألا تبكي وهي تبوح بما حدث وأجابته بصدق:
-
عمر أنا ادمنت وبقيت بشرب بسبب إني كنت فاكرة إنك مش هتصحى مكونتش بعرف
أنام من الفكرة نفسها، كنت عايشة بذنب إن أنا السبب في اللي حصلك، على قد ما اذتني
كنت كارهاك بجد وقتها، بس عمري أبدًا ما أفكر أموت أي إنسان، سواء أنت أو حتى
باباك وعمي.. دول أكتر تلاتة آذوني في حياتي ويمكن فكرت اخد منك أنت وهم حقي بس متمناش
لأي حد فيكم الموت!
خفضت نظرها للأرضية وتابعت:
-
أنا دايمًا كنت بسأل عُدي عن أي اخبار عنك، الشغل والشرب وكل اللي كان في
حياتي في الفترة دي كانت محاولة هروب مني عشان عقلي مكانش مستوعب اللي بيحصل.
استخرجت هاتفها من حقيبتها وذهبت للمحادثات بينها وبين "عدي"
وناولته إياها وواصلت:
-
أنا لما عرفت إنك صحيت ومموتش، ساعتها قدرت استحمل فكرة كل اللي حصل وسافرت
في يومها على مينيسوتا عشان أحاول اتعالج سواء من الشرب ولا من كل اللي حصل.
شعر بالذهول مما تقوله ونظر بتلك الرسائل بينها وبين "عدي" التي
لم تكن كثيرة على كل حال ليقرأ تلك الرسالة التي كانت بنفس يوم استيقاظه
"اطمني، عمر صحي وبقا كويس"
وجدها تشرد بالأرضية ليرفع وجهها له بأنامله متلمـ ـسًا ذقنها وقبل أن يدفعها
للبكاء حدثته بتوسل:
-
أرجوك بلاش تقول حاجة تضايقني بدل ما وشي يقلب وعنود ويونس ياخدو بالهم ويتضايقوا،
أجل أي كلام لبعدين!
هز رأسه بالموافقة ولم يشعر بداخله سوى بزيادة المقت والاشمئزاز تجاه نفسه
واقترب في لحظة شعرت خلالها بأنها تعبر من زمن لزمن آخر وتخبط شديد بداخلها لا
تدري على هذا هو شعور الراحة أم الألم على ما تذكرته ووجدته يُقبل جبهتها وتكلم
قائلًا:
-
حاضر، هاعمل كل اللي أنتِ عايزاه، في كل حاجة.
❈-❈-❈
بعد مرور ساعة..
اتسعت ابتسامتها بسعادة عندما رأت تلك الكعكة الصغيرة المُزينة بالشوكولا
وهي تحمل الشموع المشتعلة بعد أن تناولت العشاء مع ثلاثتهم وتلك البالونات التي
تحمل اسمها ورقم عمرها وبعد انتهاء الأغنية الخاصة بأعياد الميلاد التي انتشر
صوتها بالمطعم بأكمله أسفل أنظار كل المتواجدين بالمطعم وكلًا من "يونس"
و "روان" يكرران كلمات الأغنية وهما يُهنئاها نهضت الأخيرة ثم أمسكت
بهاتفها وقالت بابتسامة:
-
يالا طفي الشمع بقا وهاخدلك صورة عشان تبقا ذكرى حلوة.
نظرت نحو "يونس" بامتنان ولم يسعها قول المزيد فهي تظن أن رأسها
لا يستطيع إيجاد التعابير اللازمة لكلمات الشُكر والثناء منذ بداية اليوم حتى
الآن، وقامت بإطفاء الشمع ليحيطها "يونس" بذراعه وطالع ملامحها في راحة
واطمئنان وهي مُنشغلة بإزالة الشمع من الكعكة وبات لديه يقين أن كل شيء بينهما
سيكون أفضل ربما فقط ينقصها بعض الثقة والأمان ولن يتحقق أيًا منهما إلا بعد
مغادرتها منزل عائلتها للأبد!
-
كل سنة وأنتِ طيبة يا حبيبتي.
رفعت عيناها نحوه وردت بابتسامة:
-
وأنت طيب يا حبيبي.
تناول الشمع من يدها ليتركه جانبًا وأخبرها:
-
سيبي دول وحد هيجي يقطعها متقلقيش
-
بصولي كده بقا عشان اصوركم.
لأول مرة منذ أن صمم على فكرة القضية واستعداده للسجن يشعر بأنه دخيل على
كل من حوله فأفسح المجال وأعاد مقعده للخلف قليلًا حتى لا يظهر بالصورة التي
تجمعهما وراقبهما في صمت ثم نظر نحو "روان" وهي تفعل كل هذا، هي ليست
بمضطرة، وليس عليها أن تتحمله هو أو أخته، هذه هي التفاصيل الصغيرة التي تؤكد له
أنه مهما حدث سيظل بداخلها تلك الفتاة التي عشقها، فلطالما كانت فتاة وامرأة جيدة
بالرغم من كل ما باتت عليه بسببه.
-
تعالي بقا اتصوري معاها وأنا هصوركم.
التقطت كلاهما بعض اللقطات وبعد انتهائهما نظرت "روان" نحوه وهو
جالس في صمت لتقول بنبرة وصلت لمسامع ثلاثتهم:
-
عمر قوم أتصور مع عنود.
-
آه يالا صح أنتو متصورتوش خالص.
قالها "يونس" ووجد "روان" تجذبه فنهض في صمت وابتسم لـ
"عنود" وحدثها مخبرًا إياها:
-
كل سنة وأنتِ طيبة.
-
وأنت طيب، أنا عارفة لو مكونتش جيت معانا مكانش اليوم هيبقا حلو كده، شكرًا
يا عمر.
قبل جبهتها ووقف بجانبها ليلتقط لهما "يونس" الصورة وتحدث بعفوية
وهو يبتسم:
-
حلوة أوي، يالا يا روان عشان تتصوروا أنتو متصورتوش.
-
ايوة صح، تعالي يا روان.
ابتعدت عنه لكي تقترب "روان" وتذكر أنهما منذ سفرهما لأوروبا لم
يلتقطا ولو صورة واحدة فقررت هي أن تحافظ على المُتبقي من أجواء هذه الليلة
السعيدة لكي لا تفسد بمجرد رفضها لالتقاط صورة معه واقتربت ليتبادلا النظرات لوهلة
وسألته بهمس:
-
مش عايز تتصور معايا؟
ابتسم لها وهو يظن أن هذه قد تكون الصورة الأخيرة التي ستجمعهما وأجابها
قائلًا:
-
أنا أطول برضو أتصور مع أحلى ست في الدنيا.
ضيقت عيناها نحوه بغيظ وهمست بابتسامة لكيلا يستمع لهما أحد:
-
كلامك الحلو اللي مبيخلصش، نتصور يالا ولا هنقضيها رغي؟!
جذب خصـ ـرها ليقربها منه وتراجع خلفها قليلًا لتبدو وكأنه يُعا نقها
وابتسم كلاهما والتقط "يونس" الصورة لهما ثم قال:
-
ايه ده، لو models
الصور مش هتطلع كده، خدتلكو كام صورة حلوين أوي.. اتفرجوا عليهم هتعجبكم.
ناول لـ "روان" هاتفها ثم اقترب ليُمسك بواحد من الصحون وشوكة وقام
بأخذ القليل ليُطعم البعض لـ "عنود" وتناول هو الآخر قطعتان صغيرتان ثم
أخبرهما:
-
أنا بس عايز اوري عنود حاجة بسرعة قبل ما نمشي وهنرجعلكم تاني.. تحبوا
تستنونا هنا ولا نتقابل في الاوتيل؟
تعجبت "عنود" مما يقوله فلقد ذهبا بالفعل لأماكن كثيرة لتنظر
"روان" نحو "عمر" باستفهام ومن ثم أخذت توزع نظراتها بين
ثلاثتهم وأجابته معقبة:
-
لا احنا هناكل الـ cake ونشرب حاجة وبعدين نروح الاوتيل.. خلصوا براحتكم ونتقابل في
المطار، تمام ولا إيه؟
-
ماشي، نتقابل في المطار.
قالها "عمر" مؤكدًا على كلمات "روان" ليهز
"يونس" رأسه بالتفهم بينما تساءلت "عنود" بتعجب:
-
احنا هنروح فين تاني؟
-
تعالي بس عشان نلحق..
أمسك بيـ ـدها وتوجها سويًا فتابعتهما "روان" بابتسامة لتخبره:
-
شكلهم حلو أوي مع بعض.
جلس وهو يومأ بالموافقة ثم أخبرها بجدية:
-
ابقي خليكي جنبهم بعد ما يتجوزوا، أنتِ بقيتي قريبة أوي لعنود وواضح إنك
كويسة مع يارا ويونس دايمًا بيسمع كلام أخته.. لو حصل مشاكل بينهم ابقي حاولي
تحليها.
جلست وهي تطالعه بتعجب وسألته بعفوية:
-
ليه يعني وأنت هتروح فين؟ ناوي بعد ما يتجوزوا تخلع ولا إيه؟
لانت ملامحه ليشرد وهز كتفيه ولم يفصح بالحقيقة وأجابها:
-
مش عارف، بس عادي يعني، ممكن ابقى تعبان ولا مكتئب ولا أي زفت فمش هعرف
أعمل زي اللي أنتِ بتعمليه.
همهمت وهي تقرب واحد من الصحون منها لتتناول الكعكة وعقبت باقتضاب:
-
أوك، ماشي، هبقا أخد بالي منهم بس لو حصل حاجة هاجي اقولك، مش هشيل لواحدي.
هل لو سُجن مثلًا ستأتي لتزوره يومًا ما؟ يا تُرى لكم سنة؟ هل سيقتنع
القاضي بالسجن المؤبد، تهديدها لتوقع على التوكيل، اغتـ ـصابه لها أثناء نوبة هوسه،
ما فعله بها طيلة ذلك الشهر؟ هل ستكفي تلك الأوراق التي قام بتزويرها من أجل أن
تكون دليل من مشفى كتقرير لحالتها بهذا الوقت؟
حاولت ألا تنظر له وسلطت تركيزها على الصور وبمجرد أن وصلت لتك الصور التي
التقطها "يونس" وهما ينظران لبعضهما البعض ثم تلك الصورة التي تجمعهما
وهما ينظران نحوه، كل ما هما عليه يبدو مثالي، لا أحد يعرف الحقيقة، لا حقيقته ولا
حقيقة ما مرا به معًا.
تنهدت ثم ناولته الهاتف لتجده شاردًا بها وأخبرته:
-
صورنا حلوة، وصور عنود ويونس كمان، خد اتفرج عليهم.
همهم لها بعدم تركيز وتحاشى تفقد هذه الصور حتى لا تُصبح ذكرى جديدة ستؤلمه
لاحقًا كلما تذكرها وابتسم لها وأخبرها:
-
وهحتاج الصور ليه وأنا قدام عيني الأصل.
قلبت عيناها باستهجان وتناولت المزيد لتبتلعه وغمغمت:
-
خلاص هبعتهملك، ابقا اتفرج براحتك.
قامت بتحديد كل الصور وأرسلتهم له ليراهم لاحقًا لتسمعه يخبرها:
-
اليوم كان حلو أوي، مكونتش فاكر إني هتبسط بس اتبسطت فعلًا.
التفتت نحوه وتفقدته بعسليتيها ليشعر بمزيد من اليأس بداخله، آلف من
الافتراضات توالت على عقله، لو لم يحدث ما حدث، لو لم يكن مريض، لو لم يظن بها
سوءًا، لو كان تقبل أي من اقتراحاتها بشأن الذهاب لطبيب، ولكنه كاد أن يفعل، لماذا
لم تنتظر؟ لماذا لم تُعطه المزيد من الفُرص؟ حياتهما كانت ستكون مثالية للأبد،
مثلها هي، كان سيفعل كل ما يحلو لها لو كانت فقط تحلت بالقليل من الصبر، عام كان
فترة قليلة للغاية.
-
طيب ما دام أنت مش سامعني وقاعد متنح يالا بينا على الأوضة عشان الحق اجهز
الحاجة في الشنط ونطلع على المطار عشان منتأخرش.
انتبه لقولها عندما احتدت نبرتها قليلًا ليفيق من شروده ومشى معها ولا يُفكر
سوى بها وبتلك الحياة التي كانا ليمتلكاها لو تحقق ما بعقله.
بمجرد تواجدهما بالغرفة وجدها تحدثه بتلقائية:
-
عمر حط الـ card
عشان النور.
تجاهل كل ما تقوله وأغلق الباب ثم انطلقت الكلمات منه دون تفكير:
-
لو كان محصلش اللي حصل احنا حياتنا كانت هتبقا حلوة أوي!
لم تفهم ما يقصده هل هذا سؤال أم مجرد حسرة على ما حدث؟ ولماذا لا ترى
الأنوار إلي الآن؟ هل يُمكن أن كل تلك الجلسات لم تُفده في الخروج من نوبة
اكتئابه؟!
-
عمر، مظنش إن الكلام ده ليه لازمة.
وقف ليتلمـ ـس يـ ـدها وقال بخفوت معقبًا:
-
لأ ليه لازمة عشان أفهم كل يوم أنا ضيعت ايه!
في لمح البصر كان يُقبلها، لا تدري هل لانعدام الضوء وخبثه أم هذا مجرد
تتابع لهذا الهدوء الذي كانا يمران به بالأيام الأخيرة، أم من أجل اليوم، عليه أن
يبتعد، لن يُمكنها الموافقة أبدًا على ما يفعله، لن تقبل أبدًا مجاراته بهذا،
تتمنى فقط أن تجد المقدرة على صده!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية