-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 53 بالعامية

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل الثالث والخمسون

النسخة العامية


نزلت على الدرج وهي لا تفهم ما الذي يحدث بعد أن ارتدت ملابس وجدتها على الأريكة قد أعدتها لها "روان" وتركت بالقرب منها ورقة صغيرة بأن ترتديها لتجدها جديدة بالكامل، لابد من أنها قد ابتاعتها لها وهي لم تلحظ اثناء تسوقهما معًا بالأيام الماضية.. 


وجدت ثلاثتهم بالمطبخ ليبتسم لها الجميع فتحدثت سائلة:

- صباح الخير، هو احنا رايحين فين؟ 


نهض "يونس" واتجه نحوها ليُمسك بيـ ـدها لتشعر بالإحراج وهي أمام أخيها ولكنها لم توقفه وحاولت التغلب على الارتباك بداخلها ليقترب بعدها "عمر" و "روان" ثم اجابها كلاهما باقتضاب:

- صباح الخير. 


وجدت "روان" تهمس لـ "عمر" بشيء لم تستطع سماعه بينما أجاب "يونس" سؤالها:

- وتبقى مفاجأة ازاي، يالا بينا بسرعة بقا عشان منتأخرش.. 


نظرت لكلاهما باستفسار بينما وجدته يجذ بها نحو الخارج ليبتسم لها "عمر" وهو يخبرها:

- كل سنة وانتِ طيبة.. 


لم ينتظر الآخر أن تُجيبه فقد كانا بالفعل بالخارج لتحدثه "روان" بابتسامة بعد أن رأت كيف يهرولان للذهاب:

- اهدى بقا كده عليهم ومن حقه يعني ياخد الـ credit كله بما إنه صاحب الفكرة وخليهم يتبسطوا، وبعدين بطل تكشير في وش يونس بقا، مالك كده عامل زي الحما الشريرة. 


اتجهت هي الأخرى نحو الخارج وهو يتبعها على مضض وعقب بسخرية:

- أنا حما شريرة! 


أغلقت الأضواء بينما أغلق هو الباب وكلاهما يدخلان السيارة التي ينتظرهما بها "محمود" حيث سيوصلهما للمطار ولقد سبقهما كلًا من "عنود" و "يونس" بسيارته الرياضية وذهبا للمطار ليجدها تقول بمجرد جلوسهما وانطلاق السيارة:

- آه حما شريرة، ضارب بوز قد كده طول ما كان مستني عنود، بص كنت عامل كده. 


التفت نحوها ليجدها تعقد حاجباها وتمط شـ ـفتاها للأمام ليرفع حاجباه وسألها: 

- أنا ببقا عامل كده؟ 

- آه. 


نظر لملامحها الممتعضة فاقترب ليهمس بأذنها: 

- ده أنا ببقا حلو اوي وأنا ضارب بوز على كده. 


ضيقت عيناها نحوه بغيظ وابتعدت عنه قليلًا وغمغمت بغيظ:

- حتى الهزار بتقلبه لـ

- إيه؟ 


قاطعها ثم نظر بتحذير نحو "محمود" وأعاد نظره إليها لتشير بيـ ـدها أنها ستتوقف ولكنها بدأت في وضع خطة لليوم أو هي بالفعل قد فعلتها ولكنها لم تُرد إخباره حتى لا يقوم بالرفض: 

- احنا نوصل، تسيبهم براحتهم خالص عشان أنت مش هتعرف تتنطط معاهم ويونس هيجننها لف أنا متأكدة، أنا وأنت هنقعد في الاوتيل شوية ونغير هدومنا، هنروح نعمل شوبنج عشان عايزة أجيب لعنود حاجات هتبسطها اوي، وبعدين هنتعشا في آخر اليوم في الاوتيل، ونشوف بقا عايزين يكملوا قاعدة معانا ولا يروحوا مكان تاني أو ممكن نسهر لغاية معاد الطيارة بليل.. 


همهم بتفهم وتمتم:

- ده أنتِ مجهزة كل حاجة. 


اتسعت عيناها وهي ترد معقبة بحماس:

- طبعًا.. فيه brands كتير مش موجودة في مصر وملحقناش نجيب أي make-up خالص فيادوب نلحق، أنا كمان عاملة حسابي وواخدة أكتر من شنطة فاضية عشان احطلها كل حاجة ولما نزلنا سوا اليومين اللي فاتوا عرفت مقاسها وذوقها ومتأكدة إن هيعجبها كل اللي هجيبه. 

- آه، make-up.. تمام! 


تعجبت لتعقيبه بهذه السخرية فسألته بإنكار:

- أنت بتتريق ولا إيه؟ 


تفقد ملامحها ولان فـ ـمه بابتسامة ليجيبها بمصداقية: 

- لا وهتريق ليه يعني، شكرًا على اللي أنتِ بتعمليه معاها. 


عقدت حاجباها وهي تطالعه بتفحص واومأت كرد مقتضب ثم أخبرته بجدية:

- على فكرة يونس إنسان كويس مش وحش، حاول تبقا معاه أحسن من كده شوية. 


شرد بملامحها ليشعر بالانزعاج من تلك الرغبة المتقدة بداخله ليتكلم بخفوت مستهجنًا بتنهيدة:

- ولما هو كويس متجوزتيهوش ليه؟   


شعرت بالإهانة من سؤاله واكفهر وجهها بمجرد أن هذا الأمر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما حدث بينهما لتجيبه بجدية وصوت هامس لكي لا يستمع إليهما سائقه: 

- عشان دايمًا شايفة إنه أخويا، زي بسام بس على أكبر، وللأسف اتشديت ليك أنت ومتشدتش لأي حد اتقدملي، نصيبك إني كنت إنسانة سطحية جدًا وأخدت بالمظاهر وبس.. أوعدك المرة الجاية مش هاكرر غلطتي تاني.. 


❈-❈-❈


- يا يونس استنى بس احنا حرفيًا بنجري في وسط المطار الناس هيقولوا علينا ايه؟


جذبها ليتوجه كلاهما إلى مقهى شهير بداخل المطار ثم وقف أمام البائع وهو يجيبها بسرعة:

- يقولوا اللي يقولوه، عايز بس نلحق نجيب قهوة من هنا وتدوقيها قبل ما نطلع الطيارة عشان هتتاخد مننا، هتفوقك من النوم ده كمان ولسه قدامنا اليوم طويل. 


تفقدته بابتسامة وأومأت له بالموافقة ثم وجدته يقوم بطلب القهوة لكلاهما والتفتت لتنظر حولها ولم تظن قط أنها كادت لتكون بالمطار من أجل الاحتفال بيوم ميلادها، لقد كانت تظن بالسابق أنها ستأتي إلى هُنا فقط عندما تهرب من منزل عائلتها للأبد، ربما يبدو الأمر تافه للغاية ولكن بداخلها شعرت بأن قلبها سيتوقف من شدة تتابع ضرباته. 


وجدته يناولها الكوب الورقي واتجه كلاهما لطاولة صغيرة فجلست أمامه وهو يُحدثها بحماس: 

- النهاردة كل ما تحـ ـسي إنك هتنامي تشربي قهوة عشان تصحصحي كويس، أحنا هنلف كتير وعايز الحق اوريكي كل حاجة. وكنت متفق مع روان إنك تنامي من بدري، أنتِ نمتي بعد ما كلمتك امبارح فعلًا؟ 


ابتسمت له واجابته ثم سألته: 

- اه والله نمت من الساعة عشرة إلا، هو احنا هنعمل ليه؟ وبعدين احنا مسافرين فين؟ 


أومأ بالإنكار وأجابها:

- مش هتعرفي غير لما نبقا على البوابة.. أنتِ هتتبسطي النهاردة يعني هتتبسطي، أوعي بعد المرمطة دي كلها تبوزي، والله ارمي نفسي من فوق برج خليفة.. بلاش زعل بقا وخليكي حلوة كده عشان لسه قدامنا اليوم طويل. 


تنهدت وهي تتفقده واستندت بوجهها على يـ ـدها واتسعت ابتسامتها لتخبره:

- لا مفيش بوز بعد المفاجأة الحلوة دي، بس هو روان وعمر فين؟ 


طالع ملامحها حتى شرد بها وأشار بكلتا سبابتاه ليرسم دائرة وقال:

- التدويرة دي بتجنني.. بلاش تسندي وشك كده أرجوكِ 


قطبت جبينها بتعجب وسألته بعفوية: 

- تدويرة إيه؟ 


أعاد نفس الإشارة من جديد وهو يجيبها:

- الخدود، مكونتش أعرف إني بحب الخدود أوي كده.. يالا كفاية قهوة.. تعالي عشان نلحق الطيارة. 


نهض وجذ بها بخفة لتنهض وهي تتبعه وحاولت مواكبة خطواته الواسعة نظرًا لفارق الطول بينهما وحدثته قائلة:

- استنى بس احنا ملحقناش نقعد. 

- حلو!

- هو ايه اللي حلو؟ 


لمحها بطرف عينيه لتسقط على وجنتيها لينزعج من الأمر فتنهد وهو يرد على سؤالها:

- لما الوقت بيبقا حلو بيعدي بسرعة، كده احنا ماشين صح لغاية دلوقتي.. يالا بقا امشي بسرعة شوية ولا عايزة الطيارة تفوتنا؟ 


❈-❈-❈


وصل كلاهما لمقعديهما بالطائرة بعد أن دام الصمت ولام نفسه على ما قاله ولكنه لم يعتذر على قوله حتى الآن ووجد كلًا من "يونس" و "عنود" يجلسان خلفهما بمقعدين في الدرجة الأولى وينهمكان بحديث ما ولكن تلك الابتسامة على وجه أخته جعلته يشعر بالاطمئنان وتنازل عن هذا الغيظ الذي بداخله لعدم استطاعته رؤيتهما طوال الرحلة وجلس بجانبها فالتفت نحوها ونظر لها مطولًا ولكنها لم تبادله فزفر بعمق وأرغم نفسه على الحديث:

- أنا مبطيقهوش، وأنتِ فاهمة ليه، تخيلي كده لو مكانش عندك ابن خالة، مش يمكن كل حاجة كانت تبقى أحسن دلوقتي وموصلناش للي وصلناله؟ 


ذُهلت من قوله الذي أرغمها على الالتفات نحوه والنظر له لتعقب بنفس طريقته بل واشتقت من كلماته:

- تخيل كده لو كنت إنسان كويس وصارحتني وأنا بكلمك في البيت قبل ما تخدرني أو حتى لما طلعتني من الصندوق اللي كنت محبوسة فيه، مش يمكن كل حاجة كانت تبقى أحسن دلوقتي وموصلناش للي وصلناله؟ 


أشاح بنظره عنها وسلطه أمامه لتواصل هي منفجرة بالحديث:

- الخيال حلو، مش كده؟ تخيل لو كنت اتعالجت من أول مرة قولتلك أنت محتاج تروح لدكتور وقولتلي إن ده هبل والدكتور النفسي ده مجرد واحد حافظ كلمتين وعنده قدرة على الإقناع، أو تخيل لو كنت حبيتك وعرفتك بجد قبل الجواز، تخيل لو كنت صارحتني بإني شبه يُمنى، تخيل لو كنت لما رفضت اتجوزك في الأول خالص قبل ما تهددني طلعت إنسان كويس وكسبتلي القضية وعرفتني بجد كنت هاحبك وأنا اللي هقرب منك من غير ما تجبرني، تخيل لو مكانش عندك أب زي باباك و

- كفاية! 


قاطعها لتتنهد هي ثم عقدت ذرا عيها أمام صـ ـدرها وحاولت أن تُسلط تركيزها على أنفاسها بينما شعر هو بالغضب الشديد، لأن من سوء حظه كل ما قالته كان صحيح للغاية، لو كان أي من هذا حدث لما وصل كلاهما للافتراق الحتمي الذي لا مفر منه! 

شعرت أنها بالغت بما قالته لأنها فهمت تلك النظرة منه منذ قليل وهو يتفوه بكلماته، لقد تكلم دون خبث أو نظرات متفحصة، لم يكن ينوي سوء النية على الإطلاق، حسنًا عليها أن تستعيد هذا الهدوء بينهما بأي طريقة كانت.. 


حمحمت وأعادت خصلاتها خلف أذنيها والتفتت نحوه بملامح صادقة وحدثته قائلة:

- معلش أنا مقصدش، أنا فاهمة إنك مبسوط أوي آخر كام يوم، وأنا مبسوطة زيك يا عمر! 


التفت لها ليستطيع رؤية ملامحها بالمقعد المجاور بعد أن حصلت على انتباهه:

- أنا زيي زيك، ببص لحياتنا دلوقتي بكل ملامحها مفيهاش غلطة، نفس حياتنا لما كنا مبيبقاش فيها مشاكل، بس اللي حصل أنا مش قادرة اعديه.. ساعات بجبر نفسي افتكر كل حاجة عشان مزعلش إن كل ده في الآخر مش هيدوم. 


نظر لها بحسرة بعد ذلك الدمار الذي سببته بداخله وتابعت بمصداقية:

- أنا بقيت اهدى وأحسن وحتى مش خايفة منك ولا خايفة اتعامل معاك، بقا عندي ثقة إنك مش بتكدب عليا، ومريم أكتر من مرة اكدتلي إنك فعلًا ملتزم في كل حاجة بتعملها، فأنا زيي زيك صعبان عليا إننا وصلنا لكل حاجة كان نفسي فيها.. بس بعد ما كل حاجة باظت.. أنا كرامتي عمرها ما هتقبل كل اللي حصلي واكمل معاك، أه يمكن دايما بينا مشاعر مبنقدرش نوقفها بس مش هاينفع، فأنا فاهمة أنت قولت كده ليه، بس غصب عني أنا كمان اضطريت أقـ

- فاهمك.. خلاص محصلش حاجة، أنا مكونتش اقصد أنا كمان، ولو على كرامتك فصدقي هردهالك وعمرك ما هتحـ ـسي إنك مأخدتيش حقك معايا. 


قاطعها فأومأت له بالموافقة وجلس كلاهما في صمت دام للحظات لتجده يلتفت نحوها ففعلت هي الأخرى بتلقائية ظنًا أنه سيقول شيئًا ما وبالفعل تكلم بنفس ملامحه: 

- هو من ضمن الحاجات دي أنا بس عايز أسأل على حاجة مهمة! 


هزت رأسها بالموافقة ليستطرد مستفهمًا:

- هو ليه الأربع أيام اللي فاتوا بصحى الاقيكي في حضني؟ ده برضو تبع التغير والحاجات الجديدة ولا تبع حاجة تانية؟


ابتسم بخبث لتتفحصه بغيظ واتسعت ابتسامتها بحماس لتهمس بأذنه متسائلة بنفس خبثه تمامًا ليندهش أنها لاحظت الأمر عندما يشرد بها برغبة لا يستطيع التحكم بها وابتلع بإحراج ليمنع ابتسامته لتظن أنها انتصرت بجولتها فاقترب ليهمس لها:

- تأثيرك.. 


رمقته بلمحة خاطفة والغطرسة تتضح بجلستها وتحركاتها فلطالما كانت معتزة بأنوثتها المهلكة وهو لم يبالغ مرة واحدة عندما أخبرها آلاف المرات أنها مثالية فعدل جلسته واستند برأسه على المقعد خلفه وهو يحدق بالأعلى وقال بمصداقية وتنهيدة انعكست من تلك البؤرة المتقدة بداخله:

- كل اللي مريم بتعمله معايا في الموضوع ده مش نافع! 


تبًا، لقد كانت تشكو لها نفس الشكوى بخصوص نفس الأمر، يبدو أنهما متشابهان بهذا ولا يستطيع أيًا منهما أن يخمد رغبته تجاه الآخر التي تأتي بمنتهى التلقائية عند تعاملهما مع بعضهما البعض. 


نظرت أمامها في صمت لتُحدثه وهي تلتفت له:

- أكيد لما نبعد عن بعض الموضوع هيقل يعني مش هيفضل كده، لما كنت في مينيسوتا مكونتش كده، أنت كمان هترجع شغلك وأنا هرجع شغلي وهنتشغل! 

- تفتكري؟ 


همهمت له بالموافقة فابتسم قائلًا:

- أنا مش هاينفع اتخيلك مكان القاضي واللي بتشوفيه ده مينفعش يحصل في المحكمة! 


ضحكت من مجرد تخيل المنظر وحدثته بلهجة آمرة:

- اتلم بقا وسيطر على نفسك شوية.. وسبني أنام ساعة قبل ما نوصل.. أنا معرفتش أنام خالص امبارح. 

- كنتي بتشاوري عقلك ولا إيه؟


غمز إليها بتلاعب وهزت رأسها باستنكار لقوله وأغلقت الضوء ثم قامت باستخراج الغطاء من كيسه البلاستيكي ومددت المقعد وأغمضت عيناها لتحاول الحصول على القليل من الراحة قبل وصولهم. 


 ❈-❈-❈

بعد مرور خمس ساعات..


- لأ، لا لأ، انسي.. أنا مش هاكمل معاكي وأنتِ بتجيبلها الحاجات دي! 


وقف أمام تلك الملابس الفاضحة التي لا يجب أن يعلم أخ عن أخته شيئًا ولا يتخيلها بداخل تلك الملابس فالتفتت له وتحدثت بعفوية:

- مش عروسة طيب، وبعدين أنا يعني مكونتش بلبسلك الحاجات دي، فيها إيه، ليه كنت قابل ده لنفسك ومش قابله لأختك! 


حمحم وهو ينظر حولهما خوفًا من أن يستمع لهما أحد واقترب لها قائلًا:

- أول حاجة دي أختي وأنتي مراتي، تاني حاجة أنا مكونتش بحب الهدوم أصلًا، بركز في الأساسيات، ولا نسيتي! 


قلبت عيناها وتكلمت بعفوية شديدة:

- يونس بقا بيحب و..


توقفت من تلقاء نفسها لترى الذهول ولمحة من الغضب على وجهه لتصحح ما قالته:

- عنود هي اللي قالتلي يعني.. كانت سألته، عرسان وكده .. بقولك ايه يا عمر، أنت صح، مينفعش تكون معايا وأنا بجيب الحاجات دي.. أقولك، روح هاتلي قهوة take away، هات white mocha, skimmed milk من ستاربكس أكون خلصت وهقابلك برا قدام البوابة دي. 


تفقدها بملامح منزعجة وتوجه للخارج لتشعر بأنها بالغت في قولها وأخذت تلوم نفسها على ما قالته فلم يحق لها أن تخبره بالأمر وخصوصًا أن "عنود" من ائتمنتها على ذلك وترددت قليلًا لتحسم أمرها واقتربت من واحدة من البائعات وأدركت أنها ليست عربية فكلمتها بالإنجليزية: 

- عفوًا هل يمكنك حفظ هذه لأجلي، علي الذهاب للمرحاض وسأعود فورًا..

- حسنًا سيدتي


تركت العربة بالقرب منها بكل ما فيها وذهبت لتتبعه لكي تعتذر له بينما وجدته متوقف أمام نافذة زجاجية لمتجر وتابعته لتجده منبهرًا بما يراه وكأنه شاب مراهق يرى أمر ما لأول مرة في حياته فوقفت خلفه دون أن يراها لتجده متجر للتبغ وأدوات التدخين وعلمت أن بالطبع هناك غليون ما أعجبه فاقتربت منه وهي تثرثر بانزعاج:

- يووه بقا، مش قولتلك هاتلي قهوة، أنا قربت أخلص على فكرة ومش هنعرف نمشي طول اليوم بالحاجات دي لازم نروح نرجعهم الاوتيل وبجد حاسة إني هموت من قلة النوم، روح هات القهوة وخليهم يزودوا shot كمان!


طالعها وملامحه تحمل القليل من الانزعاج وأومأ لها في صمت لتلح هي عليه: 

- يالا بقا مش هنلحق نخلص بجد.. 


ذهب وتركها وبمجرد ذهابه تيقنت أنه لا يراها ودخلت للمتجر سريعًا لتتحدث للبائع بالإنجليزية: 

- عقوًا لقد اعجبني هذا الغليون المعروض بالخارج وأود شراؤه، هل يمكنك مساعدتي سريعًا، لا أريد أن أتأخر على موعد طائرتي أرجوك! 

- بالطبع سيدتي.


أخرجت بطاقتها الائتمانية سريعًا وتبعته لتشير له على ما ظنت أنه كان مرمى بصره فقال لها البائع:

- هذه القطعة الأخيرة، حظك جيد، كما أنها لم تعد تصنع بعد الآن، اختيار جيد.  


هزت رأسها له بامتنان وعادت من جديد للداخل بعد أن وضعها بالحقيبة وقام بتغليفها مع أدواتها الكاملة التي تُشبهها تمامًا فقامت بإخفائها بحقيبة يـ ـدها وذهبت لتقوم بالدفع عند موظف آخر لتفهم لما كان يمدح اختيارها لأن سعرها عبر الثلاثة آلاف درهم وغادرت ثم اتجهت سريعًا لتُكمل التسوق. 


❈-❈-❈


عاد ليقف أمام البوابة كما اتفقا ولكنها لم تظهر بعد فاتجه مرة ثانية ليُفكر بابتياع الغليون ليجد أنها ليست معروضة فتوجه للداخل واقترب منه واحد من موظفين المبيعات وحدثه بابتسامة:

- مرحبًا سيدي، هل تبحث عن شيء مُعين؟ 


هز رأسه له وأجابه وهو يشير نحو نافذة العرض:

- لقد كان هناك غليون بالخارج، مجموعة كاملة.. أريد شراءها. 


اختلفت ملامح الرجل ليفهم سريعًا أنه خبر ليس جيد واستمع لقوله:

- هذه المجموعة قد تم بيعها منذ عشرة دقائق فقط، ولكن نملك أكثر من اختيار آخر، يمكنني أن أطلعك عليها.. تفضل معي. 


أومأ له بالإنكار وذهب للخارج شاعرًا باليأس، حتى أمر تافه كهذا لا يُمكنه الحصول عليه، تبًا للقهوة، ها هي القهوة كادت أن تبرد وهي لم تنته بعد! 


رفع رأسه ليجدها أمامه فتوجه نحوها بغيظ وناولها الكوب فابتسمت له وسألته:

- شكرًا.. بس هامسكها ازاي بكل الشنط دي؟ 


قلب عيناه بنفاذ صبر ومد يـ ـده بعنف ليتناول الحقائب منها ولم يفهم لماذا قامت بابتياع كل هذه الأشياء بالإضافة لما قامتا بابتياعه بالأيام الماضية، ستحتاج أخته إلى غرفة ملابس أكبر من تلك التي تملكها "روان" ليجدها توقفه:

- استنى بس، تعالى نقعد الأول وبعدين نشوف هنعمل ايه! 


زفر بضيق ولكنه لم يُعقب وتبعها لتتعجب لانزعاجه الشديد وملامح وجهه المختلفة للغاية وهي لم تفهم، ما قالته كان بعفوية وهي لم تقصد، ولكن ربما تلك الهدية ستغير مزاجه قليلًا، عليها أن تسأله أولًا ماذا به بمجرد جلوسهما. 


جلس كلاهما بأقرب مقهى بطريقهما فسألته وهي ترتب الحقائب على المقعد الفارغ على مائدتهما وعلى الأرضية:

- مالك ضارب بوز ليه؟ 

- مفيش! 


تعجبت لرده المقتضب والمباشر فتفقدته جيدًا وتنهدت وهي تحدثه بنبرة اعتذار:

- صدقني الكلام طلع مني بعفوية وعنود هي اللي قالتلي إن يـ.

- ما خلاص بقا أنا أصلًا نسيت الموضوع! 


تفحصته بعسليتيها وهي تتناول من قهوتها وابتلعت دفعة منها كبيرة وكررت سؤالها:

- لو نسيت يبقا ايه اللي مضايقك طيب؟ 


تأفف من إلحاحها وأجاب بمصداقية:

- موضوع تافه، كنت عايز أجيب حاجة ولقيتها اتباعت، افتكرت إن النحس هيفضل ملازمني. 


همهمت له بالتفهم وتصنعت التلقائية وحدثته بمواساة:

- معلش، ممكن ندور على اللي أنت عايزه والـ mall هنا فيه محلات كتيرة أكيد هنلاقيها عند حد تاني، هو أنت كنت عايز تشتري ايه؟ 


نظر لها بجدية وزجرها بنبرة قاسية:

- ما خلاص فيه ايه، موقف وعدا، هتفضلي ترغي في نفس الموضوع! 


 تصنعت الحزن من طريقته وتناولت من قهوتها بينما آتى النادل وسألهما عما سيتناولانه ونظر لتلك الكوب التي تحمل اسم مقهى آخر فنظرت له "روان" بجسارة ليُنهي هو هذا الشجار الوشيك حدوثه:

- قهوة ومياه. 


نفخت باستنكار وهي تهر رأسها باستهجان وفتحت حقيبتها لتخرج له الغليون بينما قال شاعرًا بالاستفزاز:

- معترضة على إيه، يعني داخلة عندهم ومعاكي قهوتك، يبقا هم ايه لازمتهم.. هو مش غلطان على فكرة. 

- ايوة يا متر قول كمان! 


أغمض عيناه بضيق وهو يُعيد رأسه للخلف ليزجرها بجدية:

- طب اسكتي عشان كفاية استفزاز النهاردة لغاية كده! 

- أوك!


رفعت حاجباها بملامح جعلته يشعر بالاستفزاز ثم أخرجت حقيبة ورقية وتركتها على الطاولة بينهما وأخبرته:

- يمكن تعجبك بدل الحاجة اللي أنت ملقتهاش. 


تفقدها باستغراب فأشارت بهزة من رأسها نحو الحقيبة فتفقد ما بها لتختلف ملامحه مائة وثمانين درجة فابتسمت لتلك الطريقة التي يتفحص بها الغليون ورفع نظره لها وتعجب بذهول:

- دي نفس اللي كنت هشتريها.. أنتِ عرفتي منين إني عايزها؟


تبًا، لو كان كل شيء بينهما بخير لكانت نهضت لتقبله الآن، عليها أن تتوقف عن التفكير بهذه الطريقة، فقط لتعبر عن اعتذارها عما قالته ولينتهي الأمر:

- روحت وراك عشان افتكرتك زعلت ومكونتش عايزانا نتخانق عشان عنود لما ترجع تلاقينا كويسين وشوفتك وأنت بتبص عليها، فقولت بدل ما اعتذر كده اجيبلك حاجة عجبتك.. 


تابع قراءة الفصل