-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب - الفصل 9

 

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني




الفصل التاسع

 " عروس بقلب متجبر "


ظنت صمته وإرتـ ـخاء سـ ـاقيه الذى دل عليه إسراعه بالجلوس على حافة الفراش ، أن عقله بدأ بتحليل ما ألقته على مسامعه ، فليس من السهل بمكان أن يكون هو المالك لتلك الإمبراطورية التى نشأت منذ زمن بعيد ، ويصبح هكذا لا يملك منها فلساً واحداً ، بل آلت إليها بأكملها ولم تدع له مجال للطعن بحديثها ، إذ ذهبت إلى حقيبتها الجـ ـلدية الخاصة بالعمل ، وأخرجت منها تلك الأوراق التى تثبت صحة أقوالها ، وعادت إليه وهى تمد يـ ـدها له بالأوراق ، التى كانت نصب عيـ ـنيه ، مما جعله يقرأ تلك الصفة التى تحملها وهى عقود البيع والشراء 


ولكن قبل أن يرفع يـ ـده ليأخذها منها ، حملق بها بهدوء ، بل أنه لم يبدو عليه التأثر بما سمعه منها ، كأنها أخبرته بأحوال الطقس وليس أنه أصبح الآن فاقداً لأمواله وأملاكه من إرث أباه ، فبعد إكتفاءه من النظر إليها ، أخذ من يـ ـدها الأوراق ، ولكنه لم ينظر بها ، بل وضعها بجانبه على الفراش ، وعاد يرمقها بهدوء بعدما أرتكز بمرفقيه على سـ ـاقيه يضم كـ ـفيه أسفل ذقـ ـنه ، أصبح الصمت بينهما ثقيلاً وخانقاً ، كأحد أيام الصيف شديدة الحرارة والتى تكاد تصيب بالإعياء ، وما أن سأمت من وضعهما الصامت ، عادت وأخذت الأوراق من جانبه ووضعتها أمام وجـ ـهه مرة أخرى ، بل هـ ـزت يـ ـدها بها لعله ينتبه أنها تريد أن تسمع رآيه بما قالته 


رفع راسل يـ ـده وحط بها على الأوراق جعلها تخفضها من أمام وجـ ـهه ، فقال بهدوء يُحسد عليه :

- مبروك عليكى يا حياء تتهنى بيها إن شاء الله 


تلا حم شـ ـفتيها من شعورها بالترقب والجفاف ، جعلها تشعر بألم طفيف لا يذكر وهى تحاول أن تحل تلا حمها ، لكى تتيح المجال لأن تفغر فاها تعبيراً عن دهشتها بسماع رده ، أين ثورته وأين صياحه وإعتراضه ؟ فهى وضعت كل الإحتمالات بردود أفعاله بعد سماع قولها ، إلا أن رده الهادئ والبارد لم يكن ضمن تلك الإحتمالات 


قطبت حياء جبينها وتساءلت بدهشة وترقب :

- يعنى أنت مش زعلان ولا مضايق أن أنا أخدت منك كل حاجة يا راسل ، حتى كمان كان ليك حساب فى البنك كان بيتحط فيه أرباح الشركات والأملاك ، أنا برضه سحبت الفلوس وتقريباً مبقاش حيلتك حاجة ، ده كله مش مخليك مضايق أو زعلان أو حتى غضبان 


- لاء مش زعلان يا حبيبتى 

قالها راسل وحرك رأ سه نافياً دلالة على أنه لا يشعر بالغضب والضيق لفعلتها ، بل عاد يرمقها بهدوء ولا يبدو على محياه وقسمات وجـ ـهه سوى علامات الإسترخاء والهدوء ، وهذا ما كاد يصيبها بالحيرة والغرابة ، ولكن ليس هذا ما تريده ، فهى ظنت أن تلك الخطوة الأولى ، ستبدأ فى تجريده من هدوءه ، وهذا ما كانت بإنتظاره ، كونها لا تريد خوض تلك الحرب بينهما ، وهو مازال متسلحاً ببروده وهدوءه ، بل تريد أن تثير أعصابه حد الموت ، ولا تجعله يهنأ بلحظة واحدة طالما مازالا يجمعهما سقف واحد 


ترك راسل مكانه وأنتصبت قامته المديدة ووضع إحدى يـ ـديه بجيب بنطاله قائلاً بهدوء :

- لو مكنتيش لسه أتعشيتى ، أنزلى علشان تأكلى يا حياء متناميش من غير عشا ، لأن باين عليكى الإرهاق 


حتماً هو يريد أن يصيبها بالجنون من بروده وجموده ، أطاحت بالأوراق من يـ ـدها وعلا صوتها وهى تقول بصوت صارم :

- مش عايزة أسمع منك مرة تانية أنك تقولى أعملى إيه ومتعمليش إيه ولا أنك تحاول تبينلى أنك جو زى اللى خايف عليها ويهمه مصلحتى وصحتى ماشى يا دكتور راسل 


يقسم أنه لم يعد يملك طاقة على الجدال والمناقشة ، وربما تلك البراكين المتفجرة بداخله ، قادرة على حرق الجميع ، ولكن لن يسمح لحمم غضبه البركانية أن تطفو على سطح وجـ ـهه ، بل سيظل محافظاً على هدوءه ، حتى يحين موعد مغادرته للمنزل وعودته من حيث آتى ، فيكفيها ما حدث لها منه ، لذلك لا يريد أن يزيد من موقفه سوءًا أمامها 


- لو أنتى اللى ميهمنيش مصلحتها وصحتها ، مين اللى يهمنى يا حياء 


نطق بها راسل بصوت خفيض ،وكل ما قالته وفعلته لم يمنعانه من أن يمد يـ ـده لوجنتها ، يمرر إبهـ ـامه عليها ، حتى أصابته الرجفة بإصطدام إصـ ـبعه بثغـ ـرها الوردى ، ولكنها لم تدع له مجالاً بأن يفكر أنها ستتركه يضع يـ ـده عليها مرة أخرى ، لذلك صفعت ظاهر يـ ـده بشئ من الحدة كلطمة كانت تتمنى لو أن تحط بها على وجـ ـهه ، ولم تكتفى بذلك بل دفعته بقوة ، حتى أختل توازنه وكاد يسقط أرضاً لولا وجود تلك الأريكة خلفه التى سقط جالساً عليها ولم يكن هو وحده بل قبضه على طرف حجابها بعفوية ، جعلها تسقط هى الأخرى معه ، ولم يدع لها مجالاً للهرب من بين ذرا عيه اللتان طوقتها بتملك


غمغمت حياء بضيق وهى تنظر بوجـ ـهه :

- شيل ايدك من عليا ، أحسن مش هكتفى بأن اخدت أملاكك من باباك ، لاء هزعلك زيادة و هاخد منك المستشفى وأى حاجة تانية تملكها ، وأبقى ورينى هتصرف منين على الحلوة مراتك التانية ، لما مش هيبقى معاك جنيه واحد من فلوس عيلة النعمانى


تشابك أنفـ ـاسهما وقربه منها جعلها تشعر بالنفور ، كأنها ستتقئ كلما نظرت بوجـ ـهه وتتذكر ما فعله معها ، فإستماتت بأن تبتعد عنه ، خاصة بعد إحكام ذرا عيه حولها ومنعها من تستقيم بوقفتها ، بل زاد الأمر توترًا وإرتباكاً ، بأنه أسند جبـ ـينه لجبـ ـينها وهو يقول بنبرة تفيض بالحنان والحب:

- أنتى لو أخدتى عمرى وروحى وحياتى كلها يا حياء مستحيل أزعل ، ولو اللى بتعمليه ده هيريحك وهتبقى مبسوطة أنا مستعد أتنازلك عن المستشفى وعن أى حاجة بمتلكها ، حتى لو حاسة أن موتى هيريحك موتينى يا حبيبتى ، المهم تكونى سعيدة ومرتاحة ، أنا ميهمنيش إلا راحتك


لو كانت جاءتها عبارته تلك بوقت غير زى وقت ، لطارت فرحًا ، ولكن كأنها أخذت مناعة ضد كلامه المعسول ، ولم تعد تشعر بشئ فى قلبها وجوفها سوى تلك المرارة التى طغت على روحها وأسبغتها بذلك السواد الذى بدا بنظراتها النارية ، فبحزم حلت ذرا عيه من حولها وإستقامت بوقفتها ، ولم تكتفى بذلك بل رفعت يـ ـدها وأشارت لباب الغرفة وهى تقول ببرود:

- أطلع برا أوضتى ووفر كلامك ده لنفسك خلاص لا أنت ولا كلامك بقيتوا تهمونى ، برا


رغم ثباتها وتلك القوة التى تشعر بها ، إلا أنها ما أن رآته يترك الأريكة ، خطت خطوتين للخلف ، كأنها أثارت أعصاب مارد من الجن ، وستجده يقتص منها بما لم تضعه بحسبانها ، فهى تعلم طباعه وتعلم إذا فقد بروده ونفذ صبره ، تكون النتائج غير مرضية لأحد سواه هو ، ولكن لدهشتها وجدته يعدل من هندامه وغرز يـ ـده بين خصيلاته ، وخرج من الغرفة دون أن يفه بكلمة 


فهرعت تجاه الباب وأغلقته بالمفتاح خشية أن يعود إليها ، فإرتخت قد ميها حتى سقطت أرضاً ، وأسندت ظهـ ـرها ورأ سها لباب الغرفة ، ضمت ركبتيها وطوقتهما بذرا عيها ، فعطره اللعين صار يعبق داخل أنـ ـفها ، يذكرها بتلك الأيام الخوالى ، عندما كانت تفرط بإستنشاقه وتملأ رئتيها منه ، رفعت يـ ـدها وفركت خـ ـدها بقوة كأنها تريد إزالة أثار يـ ـده من على وجـ ـنتها ، بل لم تكتفى بذلك ، بل ذهبت للمرحاض وجلست بالمغطس وقامت بتشغيل الماء وظلت تفرك وتحـ ـك جلد ذرا عيها ووجـ ـهها وهى تبكى ، كأنها صارت مدنسة بلمـ ـساته ، وكاد الدم يطفر من ذرا عيها وهى تغرز أظافرها به كأنها تريد إستبدال جلدها بجلد أخر ، فأحمر جلدها وشعرت بالألم ، فكفت عما تفعله ، ووضعت رأ سها بين ذرا عيها ريثما تنتهى من بكاءها ، وبعد أن أكتفت من البكاء أغتسلت وأبدلت ثيابها وخرجت من الغرفة 


هبطت الدرج وجدتهم جالسين بالصالة ، فخرجت للحديقة دون أن توجه كلمة لأحد منهم ، وصلت لحظيرة الخيول ، وأخرجت ذلك الجواد الأبيض ، الذى اعتادت أن تمتطيه بعد تعلمها ركوب الخيل ، وبرشاقة إمتطت الجواد ، وراحت تعدو به على تلك الحواجز بذلك المضمار الذى تم بناءه قريباً من الحظيرة 


- ماااامى 

صاحت بها سجود لتخرجها من شرودها وتجعلها تنتبه عليها ، فشدت حياء اللجام حتى وقف الجواد ثابتاً ، وأسرعت سجود بالركض إليها ، كونها هى الأخرى تعشق ركوب الخيل 


رفعت الصغيرة ذرا عيها لها وقالت برجاء :

- مامى عايزة أركب الحصان أنا كمان 


ولكن قبل أن تهم حياء بالرد عليها ، جاءها صوت أباها وهو يقول برفض :

- مفيش ركوب حصان دلوقتى يا سيجو 


إستدارت الصغيرة إليه وعيناها ملأتها الدموع ، ولكنها لم تنتبه إلا لإنحناء حياء إليها ورفعها من ذرا عيها ، حتى جلست أمامها على سرج الجواد ، وحدقت حياء بزو جها بتحدى ، قبل أن توكز الجواد ليبدأ بالعدو والركض 


كور راسل قبضته بغضب من فعلتها ، فربما تتسبب بإيذاءهما دون أن تدرى ، خاصة أن الجواد يعدو بسرعة على تلك الحواجز الخشبية ، وربما إذا فقدت حياء السيطرة على الأمر ، ستكون الخسائر فادحة ، ولكن تشتت إنتباهه بسماعه صوت صيحات الصغير على مقربة منه ، فرآى ساندرا قادمة وهى تحمله ، وأكملت سيرها حتى وقفت بجواره 


نظرت لحظيرة الخيول فإبتسمت وهى تقول بإعجاب :

- حلو الخيل ده راسل ، البيت كله جميل ، متخيلتش أن عيلتك أغنياء كده 


سمعت حياء قول ساندرا أثناء إقترابها منهم ، فإذن هى تشعر بالغبطة والسعادة لرؤية كل هذا ، لذلك أرادت تعكير صفو مزاجها وجعلها تدرك حقيقة الوضع ، رفعت سجود من على الجواد وجعلتها تطأ الأرض بقدميها وتبعتها هى الأخرى ، فوقفت بجوار الجواد ممسكة باللجام وقالت بتهكم وهى تنظر لساندرا بنظرة شامتة :

- متفرحيش أوى كده لأن كل اللى أنتى شيفاه ده ملكى أنا ، وراسل ميملكش أى حاجة فيه ، معلش رسمك طلع على الفاضى ، بس أنا كريمة جدا لعلمك يعنى ، وممكن تاخدى راحتك فى البيت ولو عايزة تركبى حصان اتفضلى ، أن برضه أحب أكرم ضيوفى أخر كرم ، علشان لما تمشوا تبقوا ماشين مبسوطين ، ولو محتاجين أى فلوس أطلبوا متتكسفوش الجيب واحد يا دكتور راسل 


قضم راسل شـ ـفته السفلى ، وأمعن بها النظر حتى جعلها بالأخير ، تحيد بعـ ـينيها عن مرمى عيـ ـناه المتفحصتين ، ولكن سرعان ما عادت تنظر إليه بعدما رأته ينحنى برأ سه تجاه ساندرا هامساً بأذنيها بكلمات لم تسمع منها شيئاً ، وما لبثت أن رآت ساندرا تبتسم له بل أخذت الصغير وولجت للداخل ، ولكن يكفى أن تراه يقف بجوار أنثى أخرى ، قادرة على إستنشاق عطره والشعور بدفء أنفاسه والإقتراب منه وقتما تريد ، بل أن ساندرا حصدت منه أكثر منها بأن حملت بأحشاءها طفل منه ، ولم تحظى هى بذلك 


فإن كاد يجزم كل من يراها الآن وهى تقف بثبات وشموخ وعيناها خاليتان من الشعور ، بأنها لا ترى ما يحدث أمامها ، إلا أنها من داخلها تشعر بإنصهار وإحتراق قلبها بالغيرة ، ولكنها لن تبديها له ، ولن تجعله يشعر بإنتصاره بأنه يستطيع إثارة غيرتها وقتما يريد ، مستنداً بذلك إلى تصريحاتها السابقة بأنها تعشقه حد الهوس والجنون ، بل وتغار بشدة حتى وصل بها الأمر إلى أن تشعر بالغيرة من زوجته الأولى ، كونها حظيت بوقت من الأوقات وكانت له زوجة وأنجبت له سجود ، كأنها ستظل تراه يغدق نساء أخريات بعاطفته المحـ ـمومة وكل منهما تنجب له طفلاً ، وستظل هى ترى وتحصد ثمار خيانته لها بكل غدوة وروحة 

❈-❈-❈


لا يفوح من ذلك القبو الشبيه بالقبر إلا روائح كريهة ، ربما ستصيب ساكنه بالإختناق حد الموت . كساه الغبار من رأسه لأخمص قدميه ، وبات شبيها بأحد الشخصيات المرعبة بشعر رأ سه ولحيته اللتان طالتا عن الحد المعتاد ، ولكن لم يكن هذا الذى يجعل الرائى إليه يشعر بالغثيان أو أن تجف دماءه من هيئته الغير أدمية ، بل ثيابه الملطخة بالدماء والتى ظهرت بوضوح على جسده ، مما تدل على أنه عانى من تعذيب غير أدمى ربما قضى على ما تبقى له من قدرة على أن يبدى إعتراضاً على ما يلاقيه ، علاوة على أطراف أصابعه التى تم بترها الواحد تلو الأخر ، فعلى مدار عام بأكمله عانى من أبشع أنواع التعذيب الجـ ـسدى ، وكلما ظن أن النهاية ستأتيه سريعاً ، يعود عمرو ويفقده الأمل ، بأن يجلب له طبيب لمعالجته ، حتى لا يتركه يموت بتلك السهولة التى يظنها ، فلم يكن يعلم أن القصاص سيأتيه هكذا قاسياً عنـ ـيفاً ، لا تتحمله النفس البشرية التواقة للراحة مما تعانيه وتلاقيه من آلام 


-آاه فى حد جاى 

قالها بأنين بعدما سمع صوت صرير الباب ، دلالة على أن أحدهم قادماً ، فرفع رأ سه المثقل ونظر بعيناه الغائرتان اللتان أعتلت وجنتان شاحبتان وممتلئتان بالكدمات الزرقاء وبعض الندوب الغائرة ، كأن من وهبه تلك الندوب رسام بوهيمى ترك يـ ـده تترك بصماتها بأى مكان بوجـ ـهه 


رآى عمرو يلج القبو برفقة ذلك الجلاد الذى يتولى تعذيبه وحراسته ، فحتى الآن عمرو لم يمد إليه طرف يـ ـده بل ترك تلك المهمة لرجل أخر مكتفياً بالجلوس ومراقبته بجلسات التعذيب التى أعدها من أجله حتى رمقه الأخير ، وبعد أن يشبع عيـ ـناه وأذنيه من رؤية دماءه وسماع صوت صراخه ، يأمر بمجئ الطبيب لمعالجته ، حتى يحين وقت مجيئه إليه بوقت أخر


قال بصوت خفيض قدر سماح أحباله الصوتية ، التى كانت على وشك التلف من صياحه وصراخه أثناء تعذيبه :

- غريبة جاى بدرى النهاردة يا عمرو ، إيه لحقت أوحشك بسرعة كده ، مقولتليش مامتك عاملة إيه دلوقتى ، تلاقيها لسه بتعيط عليا ، أصل أنا متنسيش أبدًا


جلس عمرو على ذلك المقعد ، الذى إعتاد الجلوس عليه كلما جاء لذلك القبو ، فوضع ساق على الأخرى ونظر لزو ج والدته بصمت ، ولكن تلك الإبتسامة التى رآها على وجه زو ج والدته كأن رغم ما يلاقيه مازال قادراً على أن يبتسم تلك الإبتسامة ، التى تثير بنفس عمرو الضيق والغضب ، فضم كفيه وأنحنى للأمام قائلاً بحنق :

- أنت فعلاً متتنسيش لأنك أقذر بنى أدم على وجه الأرض ، حتى كلمة بنى أدم مش لايقه عليك ، أنت حيوان ، ومتتخيلش وأنا شايفك كده مذلول زى الكلب ببقى مبسوط وفرحان إزاى ، وقريب أوى هخلص منك وهمسحك من حياتى نهائى وساعتها هبدأ حياتى من أول وجديد 


ضحك زو ج والدته بعدما رفع رأسه للأعلى قائلاً بإستفزاز قوى :

- هتبدأ حياتك مع خطيبتك ، حتة العيلة دى ، شاطر فى إختيارك يا عمرو ، بس المصيبة أنك هتتكشف بسرعة لو اتجو زتها ، وهتبقى فضيحتك بجلاجل لما.....


لم يتركه عمرو يكمل حديثه ، إذ أنتفض من مقعده وأنقض عليه يلكمه بوجهه حتى أدمى أنفه وشفتيه وهو يقول بصياح :

- أخرس خالص مش عايز أسمع صوتك أخرررررس


تخضبت يـ ـد عمرو بدماءه ولم يشعر إلا بجذب الحارس له حتى يكف عما يفعله وسيؤدى بالنهاية لقتل زو ج والدته ، كبل الحارس جـ ـسد عمرو وهو يهتف به قائلاً برجاء :

- إهدى يا عمرو بيه كده هيموت فى إيـ ـدك 


وكأن عبارة الحارس أعادت إليه رشده ، فهو لا يريد قـ ـتله بهذا الوقت تحديداً قبل أن ينتهى من خططه التى وضعها ليصبح شخص أخر ، كأنه يريد أن يثبت له أنه تخطى تلك المحنة التى ظل غارقاً بها لسنوات عدة ، وربما بعدها سيعمل على التخلص منه 


رنين هاتفه جعله يسرع بالخروج من القبو حتى وصل لسيارته ، فأخرجه من جيب بنطاله ، وجد إسم والد سهى ، قضم طرف إبهامه وهو يفكر فيما يخبره يفسر عدم ذهابه لمقابلته حتى الآن ، فمنذ ما حدث بينه وبين سهى ، وهو لم يفكر مطلقاً بالعودة لمنزلها ومقابلة والدها 


حمحم يجلى صوته ورد قائلاً بهدوء :

- أيوة يا عمى ، أخبار حضرتك إيه 


رد والد سهى بنبرة جافة :

- عمرو أنا عايز أقابلك ضرورى ، حاولت أكلمك كتير أو أشوفك فى الشركة مش بلاقيك وحتى قولت لسهى تكلمك بس شكلها أنشغلت ونسيت ، فعايزك تجيلى البيت النهاردة إذا وقتك يسمح يعنى 


نبرة صوت والد سهى الجافة والباردة ، كانت خير دليل على أنه وصل لحافة صبره من خطبته لإبنته ، فأى خطبة تلك التى لم يرى بها زو ج إبنته المستقبلى إلا بضعة مرات خلال عامين كاملين ، لذلك لم يجد عمرو مهرب ولا مفر من الذهاب إليه ، فرد قائلاً بلين :

- حاضر يا عمى أنا جاى لحضرتك ربع ساعة وهكون عندك


أنهى عمرو المكالمة وإستقل سيارته بعدما أوصى الحارس بتوخى الحذر ، حتى لا ينكشف أمر زو ج والدته أمام أحد ، وإلا بذلك سيقع بمأزق كبير ، حرك الحارس رأسه بطاعة ، وأسرع بالدخول حيث سيتولى مهام حراسته ، قاد السيارة حتى وصل لإحدى متاجر بيع الورود ، فقرر شراء باقة من الزهور وبعض الهدايا ، لعل ذلك يشفع له قليلاً عند والد سهى ، ويظهر له مدى سخاءه بشراء الهدايا وربما ليقنعه أن عدم مجيئه لشئ خارج عن إرادته لضغوط العمل أو ما شابه 


وصل لمنزل خطيبته ودق الجرس ، فتحت سهى الباب وأختفت إبتسامتها على الفور عندما أبصرته واقفاً أمام الباب ، فقالت بصوت خالى من الود :

- أتفضل 


خطى عمرو خطوتين للداخل ووضع الهدايا من يده بينما ناولها باقة الورود وهو يقول بنبرة حملت بين طياتها ندمه وإعتذاره على ما بدر منه بحقها ، عندما حاول معانقتها رغماً عنه :

- أتفضلى دى علشانك 


أخذت سهى باقة الزهور من يـ ـده ووضعتها على المائدة بالصالة ، ورفعت يـ ـدها تشير له بالدخول لغرفة المعيشة ، ريثما يأتى أباها من غرفته ، وصلا للغرفة ولكن قبل أن تخرج نظر إليها قائلاً بإعتذار :

- سهى أنا أسف على اللى حصل منى صدقينى مكنش قصدى 


عقدت سهى ذرا عيها وقالت بسخرية فجة:

- شكلك كنت متقل العيار فى الشم ولا حاجة ومكنتش دراى بنفسك 


شعور عارم بالحرج والغضب والضيق إكتسح خلاياه ، كأنها لن تمحى من ذاكرتها رؤيتها له وهو يتعاطى المخدرات ، فهل هى عمياء لكى لا ترى ذلك التغير الجذرى الذى حدث له ؟ 


كز عمرو على أسنانه ورد قائلاً بضيق :

- أنا بطلت يا سهى أتعاطى مخدرات من بعد أسبوع واحد من خطبتنا ، يعنى أنا دلوقتى لا مدمن ولا نيلة ، ليه مش عايزة تغيرى فكرتك دى عنى 


لولا علمها بأن أمر خطبتهما لا يتعدى كونه مزحة بينهما ، لكانت ظنت أنه الآن يستميت لأن تمحى صورته القديمة من عقلها ، وتراه من منظور أخر ، ولكن أى منظور هذا الذى بإمكانها أن تراه منه وهى من قابلته بوقت حالك ، كانت به على وشك خسارة حياتها وكان سيكون هو طرفاً بتدميرها ، لولا إستيقاظ شهامته وعمل على إنقاذها ، فالإقتراب من عالمه ، شبيه بإلقاء نفسها وسط جحيم مستعر سيلتهم روحها ولن يحصد الخسارة والحسرة أحدًا غيرها ، لذلك من الأنسب والأفضل لها أن تظل بمأمن ومنأى عن عالمه ، الذى رآت منه لمحة قادرة على أن تجعلها ترى مستقبلها معه محفوف بالمخاطر والأشواك 


أبتلعت سهى لعابها وردت قائلة بإرتباك :

- أنا لا عايزة أغير فكرتى عنك ولا عايزة منك حاجة ، أنا مقدرة شهامتك أنك ساعدتنى ، بس اظن دلوقتى خلاص ملوش لازمة نكمل فى اللعبة دى ، ولما ييجى بابا ولو لقيته شد معاك فى الكلام قوله خلاص نفسخ الخطوبة ماشى 


تركها تكمل حديثها للنهاية دون محاولة منه أن يقاطعها ، بل أعارها كامل إنتباهه حتى فرغت من قولها ، ولكن ساهم قدوم والدها بجعلها تلتزم الصمت وجلست على أقرب مقعد وجدته 


أقترب والدها من عمرو وصافحه وجلس قريباً منه على تلك الأريكة العريضة ، صمت لبرهة ولكن سرعان ما قال وهو يوزع نظراته بينه وبين إبنته :

- وأخرتها إيه بقى إن شاء الله لعبة الخطوبة بتاعتكم دى


جفت دماءهما بعد سماع قوله ، فنظرا لبعظهما البعض بإرتباك ، فعبارة أبيها تدل على أنه ربما علم بحقيقة خطبتهما ، مـ ـسح عمرو على عنقه وإبتسم قائلاً بتوتر :

- قصدك إيه يا عمى 


اكفهرت ملامح وجه والد سهى ، ورمق عمرو قائلاً بإستياء :

- أنت مش فاهم قصدى إيه ، أنت خلتنى رفضت إبن أخويا علشان حضرتك تعلقها سنتين خطوبة ، وبتيجى تزورها كل سنة مرة وتقولى أقصد إيه ، فقولى يا ابنى أخرة عمايلك دى إيه علشان كل شئ وله أخر 


نصف ساعة تقريباً والحديث بينهما قائماً بين شد وجذب ، وكلما حاول عمرو تبرير غيابه وتأخيره فى المجئ لزيارتهما بإنشغاله بأعماله وأعباءه ، يعود والد سهى ويخبره بأن الأمر برمته صار يثير حنقه ولم يعد لديه طاقة على إهدار المزيد من الوقت بالحديث معه 


شد عمرو على يـ ـد والد سهى قائلاً بهدوء:

- خلاص يا عمى أنا مستعد أتجـ ـوز سهى الإسبوع الجاى ، حضرتك أؤمر وأنا هنفذ 


قفزت سهى على قدميها كالملدوغة من حية سامة ، فصاحت بإعتراض :

- جو از إيه اللى بعد أسبوع ، لاء طبعاً مش هينفع مش هينفع خالص 


رمقها والدها بشك ، فحالها لا يدل على أنها هى بذاتها التى كادت تطير فرحًا يوم خطبتها ، وكلما تحدث معها عن زوا جها المرتقب يصطبغ وجـ ـهها وتلتزم الصمت ، كأنها تشعر بالخجل من حديثه 


ترك أبيها مقعده ووقف أمامها متسائلاً بدهشة:

- مالك أتفزعتى كده مرة واحدة لما سمعت كلام عمرو هو فى إيه بالظبط يا سهى