رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 9 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الفصل التاسع
الجزء الثاني
ضمت سهى شـ ـفتيها ، ريثما تفتش بداخل عقلها عن سبب مقنع تخبره إياه ، فلو إنكشف أمرها وعلم أبيها بكل ما دبرته هى وعمرو سوياً ، فحتماً لن تفلت من عقابه الأليم ، وربما يعود ويجبرها على الزو اج من إبن عمها ، أو أى شاب أخر دون الحاجة لموافقتها ، فازدردت لعابها وردت قائلة بتوتر :
- هو يابابا يعنى أنت عارف الكلية وكده وكمان الإمتحان الأسبوع الجاى ، يبقى أتجـ ـوز ولا أمتحن
تلك الحجة هى ما أنقذتها من سؤال أبيها المُلح ، فعاد يحك ذقنه بتفكير ، ولكن أسرع عمرو قائلاً بمكر :
- خلاص يا عمى نعمل الفرح بعد ما تخلص إمتحان وأنا فى الفترة دى هجهز كل حاجة
عاد أبيها يجلس بجوار عمرو ، وأسترخت ملامحه فجأة ، كأنه إستحسن قوله ، رمقته سهى بترقب لسماع رآيه بما سمعه ، وظلت تبتهل بداخلها على أن يبدى رفضه لإقتراح عمرو ، ولكن جاء رده مخيباً لأمالها ، إذ قال وهو يهز رأسه بالموافقة :
- تمام مفيش مشكلة على خير إن شاء الله
أغتمت ملامحها وأظلمت قسماتها عندما تم الإتفاق بين عمرو وأبيها على أن يقام زفافهما بعد إنتهاءها من تأدية إختباراتها بالكلية ، وما أن أنتهيا من حديثهما وإتفاقهما على إقامة مراسم الزفاف وعقد القران وما شابه غادر عمرو ، بينما هى ولجت لغرفتها وهى تكاد تصاب بحالة من الجنون ، ولم يكفيها ندب حظها كعادتها ، بل راحت تدور حول نفسها بالغرفة تبحث عن حل أو مخرج ، فأخذت هاتفها لتتحدث مع عمرو ليجد حلاً لذلك المأزق الذى وضعها به ، ولكنه لم يجيب على إتصالاتها التى وصلت حد عشرون محاولة منها فى أن تجعله يجيب على إتصالها ، وما أن تيقنت من أنه يفعل ذلك عمدًا لكى لا يمنحها فرصة بأن تفسد الزيجة ، ألقت الهاتف من يـ ـدها وكانت سعيدة الحظ ، إذ سقط على الفراش ، وإلا كان تحطم بإصطدامه بالأرض ، فلا شئ يدور بعقلها بتلك اللحظة سوى أنها تريد القبض على عنق عمرو حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وربما بعدها تشعر بالهدوء والسكينة ، ولكن من أين سيأتي الهدوء عندما ستكون على وشك مواجهة تلك العاصفة التي ستحدث تغييرا في مواسم حياتها ، لكنها على يقين من أن العاصفة لن تهدأ ما لم تضع حدا لها بيـ ـديها ، حتى لو أجبرتها الظروف أن تكون عروساً بقلب من جليد ، وتضطر لإظهار عدم قبولها لزو جها وتتجبر فى إظهار إعراضها عنه ونفورها منه
❈-❈-❈
منذ مجيئها لمنزل والدها وهى تقضى وقتها بين جلوسها بتلك الغرفة التى كانت لها سابقاً قبل زوا جها ، وبين خروجها برفقة والدتها للتنزة أو زيارة صديقاتها ، ولكن منذ البارحة وهى رافضة ترك فراشها ، لشعورها بالإحباط من أن زو جها ، أكتفى فقط بأن يهاتفها يومياً ولكن دون أن يخبرها بنيته للمجئ لإصطحابها من بيت أبيها ، فهى جاءت للإسكندرية منذ أسبوع ، وأنتظرت كل يوم أن ترى كرم يلج من باب المنزل ويخبرها أنه إشتاق إليها ولم يقوى على تركها كل هذا الوقت بعيداً عنه ، ولكن أقتصر الأمر على سؤاله العابر عنها ، كأنه واجب مقدس ، يريد تأديته حفاظاً على ماء الوجه ، وهذا ما جعلها تشعر بالإمتعاض ، فلولا شعورها بالغضب من تصرفه معها ، لكانت هى التى عادت إليه على جناح السرعة ، ولكن كبرياءها لها بالمرصاد ، لا تريد العودة قبل مجيئه هو ويفرط فى إظهار إشتياقه لها أيضاً
رفعت الهاتف من على الكومود ، ونظرت لصورة خلفية الشاشة والتى كانت إحدى صور زفافهما ، ففتحته وبحثت عن أرقام هواتف صديقاتها اللواتى لم ترى أى واحدة منهن منذ وقت طويل ، فبعد مهاتفتها لثلاثة من صديقاتها اتفقن على أن يتقابلن بالنادى الرياضى ، الذى إعتادت أن ترتاده برفقتهن
تركت الفراش وأرتدت ثيابها ووقفت أمام المرآة تمشط خصيلاتها الطويلة وبعد إنتهاءها ، وجدت والدتها تلج الغرفة ، فإبتسمت لها وهى تقترب منها ، ربتت على ظـ ـهرها وتساءلت :
- إنتى راحة فين يا هند
وضعت هند فرشاة الشعر من يـ ـدها وردت قائلة وهى تطلى شـ ـفتيها بحمرة خفيفة:
- هروح النادى يا ماما هشوف صحباتى ، فى حاجة ؟
هزت والدتها رأ سها بالنفى ، إلا أن عيـ ـنيها إرتسما بهما القلق بوضوح ، فهى تشعر بوجود خطب بين إبنتها وزو جها ، رغم عدم تصريح هند بذلك ، ولكن عدم مجئ كرم معها أثناء زيارتهما كالمعتاد ، جعلها تتيقن من أن هند تخفى عنها أمرًا ، رغم ظهورها بأن كل شئ على ما يرام ، بل قدمت تفسيرها لغياب زو جها بأن لديه عمل طارئ منعه من المجئ معها ، ولكن غريزتها كأم انبأتها بأن ربما هند وكرم نشأ بينهما خلاف، أدى لمجيئها بمفردها دون إصطحاب زو جها
جذبت والدتها ذرا عها برفق وسألتها بإهتمام :
- هند قوليلى الحقيقة فى حاجة حصلت بينك وبين كرم ، لأن مش مقتنعة بأنك جاية كده عادى زى عوايدك ، حتى باين عليكى أنك مضايقة ، فقوليلى أنا مامتك ، ثم كمان موضوع الخلفة ده ساكتين عليه ليه لدلوقتى ، مرحتوش تكشفوا وتعرفوا سبب التأخير ، دا أنتوا بقالكم سنتين ، وأنا وباباكى نفسنا ومنى عينينا نشوف ولادك
أطرقت هند برأ سها أرضاً هرباً من مواجهة والدتها ، وبدأت تشعر بوخز الدموع فى مقلتيها ، ولكنها لن يكون بإستطاعتها أن تخبرها أنها وزو جها متفقان على عدم الإنجاب بالوقت الحالى ، بل دائماً ما تقدم تبريرها لوالديها بأن الله لم يأذن بعد لهما بالإنجاب، على الرغم من أنهما هما من يحتطان بذلك الأمر ، خاصة زو جها المتشدد بإرغامها على إتباع تلك الوسائل المانعة للحمل
لم تشأ أن تتجاذب الحديث مع والدتها وتفضى لها بمكنون قلبها بوقتها الحالى ، لذلك أقتربت منها تقبـ ـلها على وجنتها وقالت وهى تتأهب للخروج من الغرفة :
- لسه ربنا مش رايد يا ماما بس إطمنى أنا وكرم كويسين وصحتنا كويسة ومعندناش حاجة تمنعنا من الخلفة ، هى مسألة وقت وعن إذنك علشان متأخرش على صحباتى علشان وحشونى
خرجت هند من الغرفة ومنها للمرآب وإستقل سيارتها الرياضية ، التى كانت تهوى دائماً قيادتها ، فكأن أبيها مازال شديد العناية بكل ما كان لها بالمنزل ، لذلك وجدت سيارتها كأنها تركتها بالأمس ، قادت السيارة حتى خرجت من البيت ،وبدأ الهواء يضرب وجـ ـهها وتتطاير خصيلاتها ، حتى شعرت بإنتعاش من النسمات الباردة والتى ساهمت بصرف ضيقها مؤقتاً
وصلت النادى الرياضى ، وجدت صديقاتها بإنتظارها ، بل تركن مكانهن وهرولن تجاهها وهم يصيحن بسعادة ، فإحتـ ـضنتهن تباعاً وهى تعرب لهن عن مدى سعادتها برؤيتهن ، جلسن على إحدى الطاولات وبدأن يثرثرن حول أمورهن الشخصية ، حتى قالت إحدى صديقاتها بمداعبة :
- مقولتلناش بقى يا هند عاملة إيه فى الأقصر مبسوطة هناك
ردت هند قائلة بإبتسامة متكلفة :
- الحمد لله تمام ، بس أنتوا وحشتونى والله
وكزتها إحداهن وهى تقول بمكر :
- ومتبقاش مبسوطة ليه طالما مع حبيب القلب لدرجة أنها نسيتنا خلاص
إبتسمت هند إبتسامة خالية من الدفء والمرح ، وأرادت فض النقاش بينهن حول حياتها الزو جية ، فأقترحت عليهن الذهاب للتسوق والترفيه ومن ثم تناول الطعام بأحد المطاعم الفاخرة الخاصة بعمل المأكولات البحرية
بعد قضاءهن عدة ساعات بالتسوق والتنزه ، عادت هند للمنزل تحمل ما إبتاعته بتلك البطاقة الإئتمانية ، التى يحرص أباها على تزويدها بالنقود من أجلها ، وصلت للصالة ومنها لغرفتها ، فتحت الباب ومدت يـ ـدها لزر الإضاءة وسريعاً ما أنتشر الضوء بالغرفة ، ولكن إرتعدت هند بخفة وشهقت بخفوت ، عندما رآت زو جها مستلقياً على فراشها
وضعت يـ ـدها على صـ ـدرها وتمتمت بخوف :
- بسم الله الرحمن الرحيم ده كرم بجد ولا تهيؤات
هرعت ناحية الفراش ومدت أناملها ولمست ذرا عه ، وأيقنت أنه هو كرم زو جها وليس شبحاً كما ظنت بالبداية ، ولكنه نائماً بإرتياح ولم ينتبه بعد على مجيئها ، فجلست بجواره على الفراش وأنحنت إليه وقبـ ـلت وجنته بإشتياق ، كأن ضيقها وإمتعاضها تبخر فجأة ما أن رآته أمامها
تململ كرم بنومه وفتح رماديتيه الناعستين وابصرها وهى قريبة منه حتى كاد يتنفس أنفـ ـاسها المشتاقة ، رفع كفيه وأحاط وجـ ـهها وهو يقول بنبرة ناعسة :
- أنتى كنت فين ده كله يا هند
مررت يـ ـدها على لحيته الخفيفة وردت قائلة بصوت هامس :
- كنت مع صحباتى بس ليه أنت مقولتليش أنك جاى ولما وصلت مرنيتش عليا ليه
- لما وصلت خالتو قالتلى أنك مش هتتأخرى فمن التعب نمت محستش بنفسى
قال كرم بصوته الناعس وما لبث أن جذبها إليه وأدناها منه حتى توسدت صـ ـدره ، وراح يمسد بإحدى يـ ـديه على رأسها وكفه الأخر يمرره بلطف على وجـ ـهها ، فهو إفتقدها وإشتاقها كثيراً ، وكأن منزله صار جنة مهجورة دون وجودها ، حتى وهى بين ذرا عيه الآن ، يكاد يشعر بأن قلبه سيتفتت لوعة من إشتياقه إليها ، لذلك أرسل لها رسالة بليغة من عنـ ـاقه الحـ ـار ، بأنه بحاجة لزو جته راغباً فى ودها ووصالها ، حتى إنه لم ينتبه على أن باب الغرفة ليس موصد بإحكام
دفعته هند عنها بلطف وهى تقول بتوتر :
- كرم باب الأوضة مفتوح
تركها كرم وأتجه صوب الباب ليغلقه ، فتعثرت قدميه بتلك الحقائب ، التى جلبتها هند معها ، فتبعثرت محتوياتها من ثياب وأحذية ، أنحنى بجزعه العلوى ورفع الحقائب من على الأرض ورمق زو جته بتساؤل صامت ، أسندت هند ظـ ـهرها للوسائد خلفها ، وتبادلت النظرات الصامتة معه ، لعلمها بأن ربما سيثير كرم مشهداً درامياً كعادته عندما يراها تحصل على شئ من أباها
فركت هند كفيها وقالت بهدوء :
- كنت وأصحابى بنعمل شوبينج فعجبتنى الحاجات دى وإشترتها
بلل كرم شـ ـفته السفلى بطرف لسانه ، وسرعان ما قضمها بأسنانه ، لعلمه أن ثمن تلك المشتريات ربما يعادل ما يربحه هو من وظيفتيه فى بضعة أشهر ، مد قدمه واغلق باب الغرفة ، وحمل حقائب المشتريات ووضعها على أحد المقاعد ، وإنتظرت هند أن يعود إليها ليكملان ما تركاه عالقاً ولكنه خرج للشرفة ، زفرت هند بيأس من أفعاله وإحـ ـساسه المرهف كلما حصلت من والدها على النقود أو ما شابه
تركت الفراش وولجت للشرفة ، وأرادت تأدية واجبها للنهاية ، وضعت كفها الناعم على يـ ـده وقالت باسمة :
- تعرف أن أحلى حاجة فى اليوم النهاردة لما رجعت البيت ولقيتك حتى إفتكرت أن بتخيل أنك هنا ونايم
رمقها بطرف عيـ ـنه وأطلق نهدة عميقة ورد قائلاً بصدق :
- أنا جيت علشان أنتى وحشتينى والبيت ملوش طعم من غيرك ، فقولت أجى نقضى مع بعض يومين هنا قبل ما نرجع الأقصر ، اعتذار منى على يوم عيد جوا زنا
جذبت هند ذر اعه حتى صار يقف قبالتها ، رفعت يـ ـدها ووضعتها أسفل ذقنه لتجعله ينظر لها ، لعلها تنهى صراعه الداخلى ويفضى لها بما فى قلبه ، لعلهما بعد ذلك يهنئ عيشهما ، فقالت بصوت حانى :
- كرم يا حبيبى قولى إيه جواك وليه دايما بحس إنك حاطط حواجز بينا ، لو فى حاجة صارحنى وقولى ، مش عايزة أجمل سنين عمرنا تضيع من إيـ ـدينا ، فأرجوك لو فى حاجة مضيقاك قولى عليها
تسللت يـ ـده حتى وصلت ليـ ـدها الموضوعة أسفل ذقنه ، فتشابكت أصابعهما وأخذ كرم نفساً عميقاً وقال بشعور غريب من الحيرة والتخبط بأفكاره :
- هند أنا عرفت أن باباكى لما راح المستشفى تانى مرة والدكتور قال إن عنده السكر وتعبان إن دى كانت خطة منه علشان يقربنا من بعض علشان أنتى كنتى زعلانة وكمان يوم فرحنا سمعت المعازيم بيضحكوا عليا علشان أنا فقير وأن أنا ضحكت عليكى واتجو زتك علشان فلوس باباكى ، الكلام وجعنى أوى يا هند ، بقيت عايز أعمل أى حاجة علشان يقولوا بالرغم من أنه فقير بس قدر يعيشها كويس ومحتاجش لفلوس حماه ، حبى ليكى وكرامتى خلونى عايز أعمل أى حاجة علشان متحتاجيش لأى حاجة من باباكى
انطلقت زفرة كبيرة من أعماقها . فكان يجدر بها أن تدرك ذلك منذ البداية وما كان يجب أن تغفل عن أفعاله التى حرص من خلالها على تقديم الأفضل لها وهى تعلم مدى إعتزازه بنفسه وكبرياءه ورغـ ـبته فى إعطاءها ماهو أفضل
إلتصقت به حتى تلاحـ ـمت نبضات قلبيهما ووضعت راحتيها على صـ ـدره وهى تقول بفخر :
- كرم يا حبيبى أنت مش مقصر في أى حاجة وأنا والله راضية أعيش معاك فى أى مستوى زى ما قولتلك قبل كده ثم أنت الوحيد اللى يقدر يدينى أغلى حاجة أنا بتمناها فى الدنيا دى كلها ونفسى فيها
بدت عليه الحيرة وقال متسائلاً:
- وهى إيه أغلى حاجة بتتمنيها ونفسك فيها ياهند ، ولو بإمكانى أحققهالك مش هتأخر يا حبيبتى
إبتسمت هند وأقتربت من أذنه هامسة برجاء :
- كرم أنا عايزة بيبى منك ، عايزة يبقى عندنا بيبى وأحبه زى ما بحبك ، هو ده اللى بتمناه بجد ، يكون عندنا ولد أو بنت وأحكيلهم قصة حبنا ، وقد إيه أنا بحبك وبموت فيك
بحنان فائق جذب رأسها إلى كتفه وكبح جماح نفسه وهو يربت على وجهها ، بينما قبـ ـلته الدافـ ـئة التى وضعها على رأ سها ، خير دليل على أن سهمها الأخير أصاب هدفه ، شهقت بصوت منخفض وهى ترى جـ ـسدها يطيح بخفة حتى إستقر بين ذرا عيه ، وضعت رأ سها على كتفه وطوقتهما بنعومة ، وأخفت إبتسامة وضاءة بين ثنايا عنقه حيث دفـ ـنت وجـ ـهها ، فإن كانت ساورته فكرة عدم الإنجاب سابقاً ، فالأن لن يستطيع أن يخيب رجاءها به ، وكيف يفعل ذلك ؟ وهو ما أن يضـ ـمها إليه ويعبق عطرها فى أنفه ويرتد قدها المياس بين ذرا عيه وتتساوى خفقات قلبيهما ، ينسى كل جدل ونقاش حدث بينهما ، ولا يتذكر سوى أنها خُلقت خصيصاً من أجله
كم تخلب عقله عندما تكون سعيدة وتهبه نفسها دون تحفظ ، ولا يعود هو قادراً على رفض ما عرضته عليه بسخاء من جمالها ودلالها ، أطلقت هند كل ما فى قلبها من عواطف وأحاسيس وسرها ذلك الشعور بالسيطرة عليه ، وتعاظمت دهشتها عندما وجدت أن همستها الرقيقة الحنونة ، قد جعلته يوافق على مطلبها بأن تنجب منه وليس ككل مرة كان يجعلها تغلق باب النقاش والحوار بذلك الأمر ، يكفيها أنها قريبة منه مطمئنة بين ذرا عيه وتنوى الإحتفاظ بما أحرزته من تقدم بمحاولتها صرف تفكيره عن أن يرى ذاته دون مستواها ولن يستطيع تحقيق أمنياتها ، عانـ ـقته وراحت تصب بأذنيه عبارات عاطفية كفيلة بجعله يطمئن أنها لا تريد العيش بدونه ، وإنه هو الوحيد القادر على أن يهبها كل ما تتمناه فى هذا العالم
❈-❈-❈
تعرق وجـ ـهه وجـ ـسده بالكامل بفعل تلك الحرارة التى تملكت منه وهو يهذى بذلك الحلم ، الذى لم يفارقه منذ العاميين الماضيين ، رؤية حبيبته بالمشفى ، وعلمه بموتها ، وفقدانه لحبه الأول ، كل هذا تحالف بخياله ، ليمنعه الراحة والنوم بهدوء ، كأنه يلوم نفسه على ما لاقته ، فلولا إنكشاف أمره بأنه غرق بعشقها ، لربما كانت ستظل على قيد الحياة ، ولكن لم يعد يفيد الندم ، ولن يعود بإمكانه أن يعيد الزمن للوراء ، ولكن تبدل حلمه المزعج ، بذلك الحلم الذى طالما كان يريد تحقيقه ، وهو أن يراها أمامه ، ويشعر بها قريبة من قلبه ، تنثر عطرها بوجدانه ، وتجعله أسعد الرجال حظاً بإمتلاكها
إرتجفت شـ ـفتيه وإنتفض جـ ـسده من الشعور بتلك اللمـ ـسات التى يراها بحلمه ، حتى كاد يظن أن ما يحدث حقيقة ، فإسترخت ملامحه وراح يهذى بإسم محبوبته ، وهو يراها بحلمه تبادله العناق ، ولكن ما يراه بمخيلته ينافى ذلك الشعور الذى بدا كأنه حقيقة ، فإن كانت ياسمين بأحلامه مثلما كانت بالحقيقة فتاة خجولة رقيقة ، حتى أنه رسم أحلامه بها وفقاً لتلك الصفات التى كانت تتحلى بها ، فما يشعر به بتلك اللحظة لم يمت لحلمه الناعم بصلة ، لذلك عقد حاجبيه بدهشة وهو يشعر بتلك اليـ ـد التى تجرى على قسمات وجهه وكتفيه وتزداد جرأة وتطلباً
- ماذا تفعلين هنا ؟
قالها ديفيد بفزع بعدما فتح عيـ ـناه على الفور ، ووجد تلك الفتاة التى من المفترض إنها ضيفته ، هى من كانت تفعل ذلك ، وهى من إستغلت وقوعه تحت تأثير الحلم وبدأت بالتقـ ـرب منه
عادت الفتاة تقترب من وجـ ـهه وهى تقول كالمغيبة :
- لا أفعل شيئاً جديداً ديفيد ، أفعل ما كنا نفعله دائماً أنسيت يا عزيزى أننا كنا على وشك الزو اج لولا رحيلك ، أنت لا تعلم كم أشتقت إليك ، خاصة أننا لم نتقابل منذ أكثر من عامين ، فأنت رحلت عن صقلية وأنا غادرت أيضاً، ولم أصدق عيناى عندما عدت لصقلية وجدت أنك كنت هناك منذ عامين وعدت شريكاً لأبى ، ولكن قبل أن تسمح لى بالإقتراب منك رحلت ثانية ، لذلك جئت إليك هنا يا حبيبى ، فأنا على إستعداد لأن أصبح لك زو جة مثلما كنت تريد
علم ديفيد أنه وقع بشرك من صنع يـ ـده عندما أبدى موافقته على إستقبالها بتلك الزيارة التى من المفترض أنها ستقوم بها فى الإسكندرية ، فحتى وإن كانت إحدى فتياته بالماضى ، بل كانا على وشك الزو اج بإحدى نزواته الغرامية ، إلا أنه لم يعد يشعر بالرغـ ـبة فى التقـ ـرب منها أو من تلك الفتيات على شاكلتها ، بل كأنه مازال يبحث عن ياسمين ، ولا يعلم لما يصر على تعذيب قلبه وذاته بتلك الأمنية المجنونة والمستحيلة
جلس ديفيد بالفراش وجعلها تبتعد عنه قليلاً ريثما يستطيع النظر بوجـ ـهها ويجعلها تفهم أن ما كان بينهما أنتهى إلى غير رجعة ، فأخذ نفساً عميقاً وقال بهدوء :
- ما كان بيننا أنتهى الآن ، فأنا لم أعد ديفيد الذى كنتِ تعرفينه بالماضى ، بل حدثت أشياء كثيرة جعلتنى لا أفكر فى الزو اج منك أو من أى فتاة كانت
عقدت الفتاة حاجبيها وتساءلت بدهشة:
- لم لا تريد الزو اج منى ؟ هل وجدت فتاة أخرى غيرى يا ديفيد ؟
مـ ـسح ديفيد وجـ ـهه بكفيه وترك الفراش ووقف أمام النافذة وهو يقول بغصة :
- لم تعد على قيد الحياة بل توفت منذ عامين ، لذلك لم أعد كما أنا ولم أستطع أن أجد فتاة غيرها ، كأن قلبى تم دفنه معها بلحدها
تعاظمت دهشة الفتاة من وصف عشقه لتلك الفتاة التى يتحدث عنها ، لأنها تعلم طباع ديفيد جيداً ، وإنغماسه بعلاقاته الغرامية ، حتى وإن حظيت هى بوقت وكانت حبيبته ، لم يكن يظهر لها أكثر من تعلق شاب بفتاة خارج نطاق العشق والوله
وضعت قدميها أرضاً ووقفت خلفه ووضعت يـ ـدها على ظـ ـهره ، فشعرت بتقلصات عضلاته كأنه رافضاً لمـ ـساتها ، وهذا ما زاد بجنونها ، كأنه ظن أن ما أن يجعلها تقيم بفندق بعيداً عن منزله ، ستتركه بحاله ، فها هى الأن داخل غرفته الخاصة ببيته دون جهد يذكر ، وربما ساهم معرفة العاملين فى المنزل بطباع ديفيد وعلاقاته الغرامية ، بجعلها تلج لغرفته دون محاولة من أحد أن يمنعها
أرادت إعادة الكرة مرة أخرى ، فجذبت ذرا عه لتجعله ينظر إليها ولكى ترى وجـ ـهه بوضوح ، لعل عناقها له يعيد إليه رشده ، ولكن ما أنقذه بذلك الوقت هو رنين هاتفه
أقترب من الكومود ورفع الهاتف مبتسماً بعد رؤية إسم شقيقته ، فوضعه على أذنه قائلاً بحنان :
- صباح الجمال على حبيبة أخوها
إبتسمت حياء وردت قائلة بصوتها العذب:
- صباح النور ،ديفيد أن كنت عيزاك فى حاجة ضرورى ....
أنصت لها ديفيد بإهتمام حتى أنتهت من قول مطلبها ، فرد قائلاً بهدوء:
- تمام يا حياء أدينى ساعة وهكون عندك
أغلق الهاتف ونظر لتلك الفتاة التى جلست على إطار النافذة ، فأخبرها بضرورة خروجه من المنزل من أجل أمر هام وطارئ ، ولكنه أوصى أحد رجاله بأن يصطحبها بجولتها السياحية ، على أن يوافيها بالفندق مساءًا للإطمئنان على أحوالها ، فبالأخير هى ضيفته ويجب أن يأمن سلامتها حتى تعود لبلادها
ولج ديفيد المرحاض وأنتهى من إغتساله سريعاً وخرج لتنفيذ ما أخبرته به حياء ، فإبتسم بإتساع وإنتشاء كلما تخيل وجه زو ج شقيقته إذا رآه ، وصل لقصر النعمانى وأطلق بوق سيارته ، فأسرع أحد الحراس بفتح الباب ، بعد أن أوصتهم حياء بسماح دخول شقيقها ، وصل ديفيد بسيارته أمام الباب الداخلى وترجل من السيارة ، فإبتسم بمكر ما أن رآى راسل يقف بشرفة إحدى الغرف بالطابق الثاني
جن جنون راسل بعد رؤيته لديفيد يلج للداخل ، فخرج من الغرفة وهبط الدرج حتى وصل لبهو المنزل ، وقبل أن يخطو ديفيد خطوة أخرى سد راسل عليه الطريق ، فقال وهو يدفعه بصدره :
- أنت إيه اللى جابك هنا دلوقتى ، أمشى أطلع برا ، مش عايز أشوف وشك ، ليك عين تيجى لحد بيتى كمان وأنت السبب فى كل المصايب اللى حصلت
حاول ديفيد قمع غضبه ، فرد قائلاً من بين أسنانه :
- جاى أشوف أختى عندك مانع ، وسع كده من طريقى ، هو ده إستقبالك لأهل مراتك
حاول ديفيد مد يـ ـده ليجعل راسل يتنحى جانباً ليسمح بمروره ، ولكن وجده يقبض على ياقه قميصه ، ممهداً لبدء عراك جديد بينهما ، إلا أن صوت خطوات حياء على الدرج ، جعلته يلتفت برأ سه إليها ، وجدها قادمة تجاههما وجذبت ذراع شقيقها وهى ترمقه بضيق ومن ثم نظرت لشقيقها وقالت بإبتسامة صافية :
- فين شنطتك يا ديفيد
عدل ديفيد ياقة قميصه ، التى تجعدت من قبض راسل عليها بكفيه ، فرد قائلاً بدهاء :
- الشنطة فى العربية برا
- أنا هنادى على حد من الشغالين يخرج يجبها حالاً
قالت حياء وما لبثت أن نادت على إحدى الخادمات وأخبرتها بأن تجلب حقيبة ثياب شقيقها من سيارته ، وكل هذا وراسل يقف لا يفقه شيئا مما يحدث
وما أن رآى الخادمة تعود وهى تجر خلفها حقيبة ثياب كبيرة ، نظر لحياء متسائلاً:
-شنطة إيه دى وبتعمل إيه هنا عايز أعرف
وضعت حياء يدها بذراع شقيقها وتأبطته وهى تحدق بزو جها بإبتسامة برعت فى رسمها على شـ ـفتيها ، فقالت وهى توزع نظراتها بينهما :
- دى شنطة هدوم ديفيد علشان هيعيش معايا هنا فى البيت ، ماهو مش معقول هيسيب أخته تعيش فى بيتها مع ناس أغراب ، ثم إن ده بيتى وأنا حرة أستضيف فيه اللى يعجبنى ، واللى مش عاجبه الباب يفوت الجمل يا حبيبى
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية