-->

رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 14 - 1

 

قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية تعويذة العشق الأبدي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 

الفصل الرابع عشر

الجزء الأول 



قبل أن تتكلم عليك أن تفكر فيما تقول..

 وفي من يستمع إلى ما تقوله..

 وأين ومتى تتكلم حتى تجد الأذن التي تصغي وتفهم ما تقوله.


حكمة فرعونية


❈-❈-❈

 

بعد خروجهما من المشفى توجها إلى شركة السياحة الخاصة بهما لمباشرة عملهما ولكي يتابع يونس سير العمل في فندق الأقصر فمن الواضح أن إقامته في القاهرة ستطول أكثر من ذلك فهناك شيء بداخله يمنعه من المغادرة لا يعلم ما هو هذا الشيء ولكن ما يعلمه جيدًا أنه لن يغادر في القريب العاجل.


قاطع انشغاله بالعمل رنين هاتفه فمد يده ليأخذه من فوق الطاولة التي أمامه ليزفر بضيق عندما رأى شاشته تنير بإسم والده فتنفس بعمق قبل أن يجيبه:


- ألو إزيك يا بابا عامل إيه؟


تجاهل سؤاله وحدثه بانزعاج:


- صحيح الكلام اللي وصلني ده يا يونس بيه؟


عقد حاجبيه بتعجب سائلًا إياه عما يقصد:


- كلام إيه يا بابا؟ خير؟


- صحيح إنك بقالك اسبوع في القاهرة؟ 


زفر بضيق وأجابه بتردد فهو يعلم جيدًا ردة فعل والده عند تأكيده لحديثه:


- أيوة يا بابا أنا فعلًا بقالي اسبوع هنا بخلص شغل و...


لم يمهله لينهي حديثه ليجده يصيح بغضب لدرجة أنه قد أبعد الهاتف عن أذنه وهو يستمع لصوت صياحه:


- شيء ميهمنيش جاي في شغل ولا فسحة اللي يهمني ان ابني الوحيد نزل القاهرة من غيرما يكلف نفسه ويجي بيته او حتى يكلمني انا وأمه ويبلغنا بوصوله.


حاول امتصاص غضبه بأية طريقة حتى يكف عن صياحه الذي أصم أذنيه:


- عندك حق طبعا يا بابا أنا فعلا غلطان بس كنت مشغول جدًا عشان كدا مقدرتش آجي وكنت ناوي أكلمكم النهاردة بس العصفورة سبقتني وبلغت حضرتك.


تهكم فور سماعه لما قاله وكأنه سيصدق هذا الهراء الذي تفوه به للتو:


- على أساس شايفني عيل صغير وهصدق كلامك ده؟ على العموم دا العادي بتاعك من ساعة ما اتلميت على ابن فؤاد وهو عرف يبعدك عننا.


قلب عيناه بملل عند استماعه لتلك الكلمات المكررة التي لا ينفك والده أن يسمعه إياها في كل جدال يحدث بينهما:


- ولزومه ايه الكلام ده دلوقتي بس يا بابا وهو إيه دخله بالموضوع؟ 


قال ذلك وهو ينظر إلى مروان نظرة ذات مغزى ليفهم منها أنه المقصود بالحديث فهز رأسه بقلة حيلة ووابتسم بتهكم وهو يعود لإكمال عمله فهذا هو المعتاد من والد صديقه.


- انا ماليش دعوة بيه انا اللي يهمني ابني اعمل حسابك تجيب حاجتك وتيجي تقعد معانا من النهاردة.


كان ذلك رد والده على حديثه ليعقب قائلًا:


- صعب يا بابا صدقني أنا...


قاطعه بنفاذ صبر:


- مش هقبل أعذار دا آخر كلام عندي تتفضل تجيب شنطتك وترجع بيتك دا آخر كلام عندي مع السلامة.


قال جملته الأخيرة وأنهى المكالمة دون انتظار رد منه ليزفر يونس بغضب وكاد أن يلقي بالهاتف لولا أنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة لينظر له صديقه متعجبًا وتحدث عاقدًا حاجبيه:


- إيه يبني اللي حصل؟ جلال بيه زود العيار ولا ايه؟


هز رأسه بقلة حيلة وهو يجلس وألقي بالهاتف أمامه بإهمال ليجيب وهو يضع يديه على جانبي جبهته يدلكهما:


- العادي بتاعه إيه الجديد يعني؟ حد بلغه إني موجود هنا وطبيعي يكون دا رد فعله ما أنت عارفه.


ترك مروان ما بيده من أوراق ونهض ليجلس على المقعد الذي أمامه وحدثه باهتمام:


- طب وانت ناوي على إيه؟


هز كتفيه بقلة حيلة وهو يجيبه قالبًا شفتيه:


- ولا حاجة هروح بعد الشغل اتغدى معاهم وأحاول ألم الدور وأقنعهم إني أفضل في الفندق أنا معنديش استعداد أفضل في البيت والست سيلا تنطلي كل شوية مفييش دماغ ليها نهائي.


- يا باي دي عليها برود يكفي بلد انا مش عارف هي طايقة نفسها إزاي والله، على العموم ربنا معاك يا صاحبي ويعدي الزيارة دي على خير.


كان ذلك رد مروان ليزفر يونس بارهاق وتحدث وهو يتجه إلى جهاز الحاسب الآلي المحمول الخاص به ليكمل عمله:


- ربنا يستر، انا هروح أخلص شغلي أحسن.


أماء له بالموافقة وذهب ليكمل عمله هو الآخر.


❈-❈-❈


يقف أمام ورشته ليتابع النساء المارات من أمامه ويمطرهن بعباراته البذيئة فلمح عادل يمر من أمامه فصاح بصوت عالٍ:


- على فين العزم يا أبو نسب؟


ابتسم له ابتسامته الصفراء وتحدث مشيرا بيده للأمام:


- يا مرحب ب عم الاسطوات رايح القهوة اشربلي حجرين تيجي معايا؟


- وعلى ايه مشوار القهوة تعالى وأنا أشربك أحلى حجرين متعمرين يوزنوا أجدعها دماغ أدخل أدخل يا خويا ورشتك ومطرحك.


أنهى حديثه وهو يشير إليه لكي يلج إلى الداخل وصاح بطفل صغير يعمل لديه:


- روح ياد يا بلية وهات اتنين شيشة من القهوة وإياك تتأخر.


هرول الطفل وهو يقول بصوت مرتفع:


- حمامة يسطا.


جلسا في انتظاره ليدس عزب يــ ده في جيب سترته الزرقاء الخاصة بالعمل ويخرج شيء صغير ملفوف في ورق ملون وأعطاه لعادل وهو يغمز له بإحدى عينيه:


- خد يسطا عشان تعدل مزاجك وتدعيلي دا صنف عالي أوي متلاقيهوش في حتة تانية أبدًا محدش يعرف يستحصل عليه غير محسوبك.


أنهى جملته وهو يضر ب على صد ره بفخر فمد الآخر يــ ده ليأخده منه بلهفة شديدة وأخذ يتشممه لتظهر على وجهه علامات السعادة وسأله بانبهار:


- ودا وقعت عليه فين ده يسطا دا صنف عليوي أوي؟


أجابه بزهو وهو يرجع بظهره للخلف مستندا على الكرسي الجالس عليه:


- دا بيجي لمحسوبك مخصوص مفيش حد فيكي يا حارة يقدر على تمنه إلا العبد لله.


نظر عادل إلى قطعة الحشيش التي بين أصا بعه بشغف شديد وقبل أن يعقب على حديثه جاء الطفل يلهث وهو يحمل اثنين من الأرجيلة ووضعهما أمامهما ليبدآ في إضافة الحشيش وتدخينه مغمضين العينين ليخرجا الدخان من أنفيهما وهما يشعران يكثير من النشوى وبعد بضع أنفاس استأنف عزب حديثه متسائلًا:


- مقولتليش يا أبو نسب عملتلي إيه في موضوعنا؟


أخذ نفس طويل من الأرجيلة وأجابه بعد أن أخرج الدخان من أنفه:


- اعتبر الموضوع خلصان يا عزب يا خويا كتب الكتاب والدخلة بعد شهر من تاريخه.


لمعت عيناه بانتصار فلقد قارب على الظفر بما يريد فلطالما قللت منه تلك الوعد واستهزأت به هي وشقيقتها ذات اللسان السليط والآن حانت الفرصة له ليأخذ بثأره منهما كما يريد نعم لا ينكر بينه وبين نفسه أنه كان يريد الظفر بالشقيقة الكبرى ولكنه يعلم أنها صعبة المنال والحصول عليها الآن درب من دروب المحال فلتكن الصغرى إذن بمثابة السلم الذي سيصل إليها من خلاله فستأتي الفرصة إليه إن عاجلًا او آجلًا وسيحصل عليها لا محالة عليه فقط التحلي بالصبر وانتظار اللحظة المناسبة للظفر بالصيد الثمين فتلك الصفقة بمثابة الحصول على اثنين بسعر واحدة كما يحدث في محلات الملابس.


عند هذه النقطة تهكم بداخله وتحدث بابتسامة خبيثة وهو ينظر له بطرف عينيه:


- وانت ليك مني تعميره زي دي كل يوم لحد الشهر ما يخلص ونبقى كدا خالصين بمهر المزمازيل، استبينا يا اسطا عادل؟


أجابه دون تردد بابتسامة واسعة:


- استبينا يا اسطا عزب.


❈-❈-❈


صف سيارته أمام منزل والديه ليشعر بغضب جم عندما رأى سيارة سيلا واقفة أمامه فتيقن من وحودها بالداخل ليخرج من السيارة وهو يهز رأسه وتهكم بداخله قائلا:


- مبتضيعيش وقت أبدا يخر بيتك.


دخل المنزل ليستقبله أحد العاملين بابتسامة مرحبًا به:


- يونس بيه حمدلله على سلامتك يبني إيه الغيبة دي كلها؟


بادله الإبتسامة وقام بمصافحته وحدثه بود صادق:


- عامل ايه يا عم محمد؟ واحشني والله.


- بخير يبني الحمد لله انت اللي إيه أخبارك؟ طولت الغيبة المرادي.


- مشاغل يا عم محمد، هي ماما فين؟


- ربنا يعينك يبني، الست هانم في الصالون مع سيلا هانم.


أماء له وقد تغيرت ملامحه لتظهر على وجهه علامات الاستياء وهو يتجه حيث تجلسان على مضض متمنيًا أن تنتهي هذه الزيارة سريعًا فهو لم يعد يحتمل رؤيتها كثيرًا.


هرولت إليه والدته عندما لمحته قادم في اتجاههما لتحتـ ضنه وهي تحدثه بعتاب:


- بقى كدا يا يونس تبقى موجود في القاهرة من أسبوع ومتجيش تشوفني!


ربت على ظهرها وحدثها بحنان:


- حقك عليا يا ماما غصب عني والله بس كنت مشغول جدًا.


غادرت أحضـا نه ونظرت إليه بلوم وعدم تصديق:


- متحججش بالشغل حتى لو مشغول كنت تقدر تكلمنا في التليفون وتقولنا انك رجعت مش نعرف الخبر من حد غريب وكأنك معندكش أهل.


يعرف أنها محقة في ذلك  فآثر أن يوافقها على رأيها حتى ينتهي من تلك الزيارة سريعًا فهز رأسه لأعلى ولأسفل وحدثها باقتضاب:


- في دي عندك حق أنا آسف.


وضعت يدها على وجهه وحدثته بابتسامة:


- المهم عندي إنك اهتميت وجيت يا حبيبي تعالى اقعد دي سيلا قاعدة مستنياك من بدري 


قلب عيناه عند سماعه لكلمات أمه فهي لا تكف عن محاولاتها المستميتة للتقريب بينهما ولكنه ذهب معها على مضض ليجد الأخرى جالسة على غير عادتها فلقد اعتاد منها أن تهرول وتتعلق بعنـ قه كلما وجدته أمامها وما زاد من دهشته أكثر هو انه وجدها تنظر أرضًا هل ما يراه الآن هو إحدى أحلام العصر أم ماذا؟ فآخر شيء ممكن يتخيله هو أن يراها هكذا.


جلس على الأريكة المجاورة للمقعد الذي تجلس عليه دون أن يتحدث معها ليتآكلها الغيظ ولكنها لم تبدي ذلك لتمضي في خطتها الجديدة للنهاية فإن لم يجدي الإغراء نفع معه ليكن إدعاء الخجل إذن ولا مانع من القليل من الشعور بالذنب والإعتذار إن لزم الأمر.


نظرت اليها والدته بتعجب هي الأخرى لتوجه إليها الحديث:


- إيه سيلا يا حبيبتي ساكتة ليه؟ وانت يا يونس معقول تقعد من غير ما تسلم على بنت عمك؟ 


نظرت إليه سيلا بعتاب أتقنته ليبادلها النظر بابتسامة لم تلامس عيناه وحدثها باقتضاب:


- عاملة إيه؟


نظرت اليه متسائلة بينها وبين نفسها هل سيظل يتحدث اليها بهذا البرود إلى الأبد أم ماذا؟ فأجابته دون التخلي عن خجلها الزائف:


- كويسة وانت عامل إيه؟


- بخير.


نهضت سوزان تاركة إليهما المجال لكي يتحدثا سويًا علهم يعودان لسابق عهدهما عندما كانا في الجامعة:


- أنا هقوم أخليهم يحضروا السفرة ويبلغوا باباك إنك جيت.


أنهت حديثها وهي تغمز لسيلا بإحدى عينيها ثم غادرتهما ليقلب عينيه بيأس من محاولاتها التي لا تنتهي وقرر ألا يعير ذلك اهتمام فأخرج هاتفه لكي يتصفح إحدى صفحات التواصل الإجتماعي ليتابع بملل تلك الأخبار التي باتت تبعث الإكتئاب في النفوس فمعظمها أخبار مصطنعة غرضها الشهرة والحصول على أعلى نسبة مشاهدة ليس أكثر حتى باتت مدعاة للسخرية واختلط الحابل بالنابل وضاعت الحقيقة وسط كل هذا القدر من الهراء و الزيف.


تنبه على صوت حمحمة تلك الجالسة بجواره فنظر إليها بطرق عيناه ليجدها تنظر إليه بحرج وتفرك يديها فرفع حاجبه بتعجب مقسمًا بداخله بأنه لا يتذكر متى رآها وعلامات الخجل ظاهرة على وجهها بهذا الشكل ولكنه لم يعيرها اهتمام وأعاد نظره لهاتفه مرة أخرى ليجدها تتحدث بتلعثم وبصوت منخفض:


- sorry يا يونس.


ضيقق ما بين حاجبيه ونظر اليها بعدم فهم وهو يسألها باستفهام:


- sorry على ايه بالظبط؟


هذا ما كانت تريده بالضبط أن تحظى بانتباهه والباقي معتمد على مهارتها في إتقان دورها وهل سيصدقها أم لا؟ فحمحمت وهي تضع خصلات شعرها خلف أذنها وتحاشت النظر في عيناه وتحدثت بندم زائف ولكنها اتقنته لأقصى درجة فمن يسمعها سيصدقها حتمًا لا محالة لتتراهن بينها وبين نفسها بأنه سيلتقط الطعم بأكمله كما تريد تمامًا:


- على كل حاجة عملتها بطيش وخلتك تزعل مني وتبصلي بصة مش كويسة.


هل ما سمعه الآن حقيقي أم أنه تناول عقار ما جعله يسمع ويرى هذه الهلاوس؟ أم ترا أنه قد حان وقت قيام الساعة الآن؟ فما يسمعه منها الآن لا يمكن أن يتخيل بأنه سوف يحدث ولو بعد مائة عام فوجد نفسه دون إرادة منه ينظر إليها مطولًا مضيقًا عيناه وكأنه يريد أن يخترق عقلها ليرى هل ما تقوله الآن حقيقي بالفعل أم أنها تكذب كعادتها ولكتها حاولت إتقان دورها فبادلته النظر على استحياء وقامت من مقعدها وجلست بجواره وهي تستأأنف حديثها:


- أنا عارفة إنك ممكن متصدقنيش وعارفة إني عملت حاجات كتير غلط خلتك تفقد ثقتك فيا بس أنا مش طالبة منك غير فرصة واحدة، please just one chance.


قالت ذلك وهي تقلب شفتيها وتنظر له تلك النظرة البريئة التي لم يرها منذ سنوات ثم أردفت قبل أن يتحدث:


- أنا هأثبتلك إني اتغيرت وصدقني مش عايزة حاجة غير إننا نرجع Best friends تاني زي زمان مش أكتر من كدا.


أماء برأسه موافقًا على مضض غاصبًا تلك الإبتسامة التي لم تلامس عيناه أن ترتسم على وجهه فبالرغم من أنه لم يقتنع بحديثها كثيرًا ولكنه قرر إعطائها هذه الفرصة الأخيرة على أية حال ليعلم ما هو السر وراء تحولها المفاجئ هذا ليجدها تبادر بالحديث مقاطعة تلك الأفكار التي تدور في ذهنه حولها:


- أفهم من كدا إنك وافقت تديني فرصة؟


اكتفى بإماءة أخرى من رأسه ليجدها تسرع باحتضا نه فأحاطت خصــ ره بزر اعيها ووضعت رأسها على صد ره فربت على ظهــ رها وهو يتحدث بضيق:


- ماشي يا سيلا هنشوف.


ها هي قد وصلت لمنتصف الطريق وشيئًا فشيئُا ستصل لقلبه مرة أخرى عليها فقط التحلي بالصبر وإتقان دورها.


رفعت رأسها ونظرت اليه بابتسامة وهي تقول:


- أوعدك إنك مش هتندم.


❈-❈-❈


جلسوا على مائدة الطعام وبدأوا في تناوله في صمت ليقطعه جلال وهو يوجه حديثه إليه قائلًا:


- ها ناوي تقعد في القاهرة قد إيه؟


ابتلع ما في فمه من طعام ليجيبه بإجابة غير محددة:


- لسة مش عارف على حسب الشغل.


أماء برأسه متفهمًا ليباغته بما أوقف الطعام في حلقه:


- طب اعمل حسابك انك هتعيش معانا هنا طول مدة قعادك في القاهرة عيب أوي لما يبقى عندنا فيلا طويلة عريضة زي دي وانت تقلد ابن فؤاد وتقعد في أوتيل.


زفر بضيق عند سماعه لحديث والده خاصة وهو يذكر اسم مروان في كل مرة يتحدث معه، لقد كان يتجنب الصدام معه طوال الفترة الماضية ولكن فيما يبدو أن فترة الهدنة التي كانت بينهما ستنتهي الآن لا محالة، فتجنب النظر إليه مباشرةً وتحدث وهو ينظر إلى الفراغ:


- معلش يا بابا مش هينفع ياريت تسيبني على راحتي.


تجلت علامات الغضب بسخاء على وجه جلال ليتحدث بصوت مرتفع وعينيه يتطاير منهما شرارات الغضب:


- يعني إيه الكلام اللي انت بتقوله ده؟ وإيه اللي يخليه مينفعش؟ 


صوته العالي أعاد إليه ذكريات كان يظن أنه قد نسيها منذ زمن ليجد نفسه يصيح بصوت مرتفع يوازي لصوت والده:


- لو سمحت يا بابا من غير زعيق وأظن إني مبقتش الطفل الصغير اللي بترسمله مستقبله وتقوله يعمل إيه وميعملش ايه وميملكش حرية الإختيار أفتكر إني كبرت بما فيه الكفاية وأقدر أحدد أنا عايز ايه وأعمله من غير وصاية من حد.


رفع إحدى حاجبية وهو يشتق من حديثه إليه مردفًا:


- وصاية من حد؟ انت شايف إني لما أقول لابني يجي يقعد في بيته كام يوم يبقى كدا أنا بفرض وصايتي عليك؟ على العموم اعمل اللي يريحك انت مبقيتش صغير زي ما قولت.


أنهى حديثه وهو ينهض عن مائدة الطعام ملقيًا منديل المائدة بغضب أمامهم وغادرهم في اتجاه غرفة مكتبه لتلحق به زو جته وهى تنظر ليونس بنظرات مليئة باللوم والعتاب ليشعر ببعض من تأنيب الضمير لأنه تحدث مع والده بتلك الطريقة الفظة لينتبه من شروده على صوت سيلا لتحدثه باهتمام مصطنع وهي تضع يــ دها على كتفه:


- متزعلش من كلام عمي يا يونس انت أكتر واحد عارف هو بيحبك قد ايه.


ابتسم بتهكم من طريقتها الجديدة التي لا يستسيغها إلى الآن وحدثها بضيق وهو يزفر بعــ نف:


- عارف إنه بيحبني بس حب الدبة اللي قتـ لت صاحبها وهو دا السبب اللي خلاني أسيب الشغل معاه.


قال جملته بمرارة ونهض ليغادر فأمسكت يـ ده تمنعه محاولة كسب وده بأية طريقة:


- اهدى بس رايح فين؟


- ماشي.


أخبرها بذلك ليغادر دون أن يلتفت لها لتقف وهي تعـ ض خدها من الداخل من كثرة الغيظ لقد أفسد معظم ما خططت إليه ولكنها جلست مرة أخرى وعلامات الانتصار بادية على وجهها فما أحرزته اليوم ليس بالسيء على الإطلاق فلتكتفي بأول الغيث الآن والباقي قادم بلا شك.

تابع قراءة الفصل