رواية جديدة نفوس طاغية لشهد السيد - الفصل 13
قراءة رواية نفوس طاغية كاملةتنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نفوس طاغية
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة شهد السيد
الفصل الثالث عشر
•إنه الوحيد الذي يحاول وباستمرار أن يدفع عني الأسى، الوحيد الذي يجعلني أتجدد وكأن الأرض كلها لي•
بدأ كل شئ بالوضوح بعد جلوسه رفقة "فجر" و "مهران" الذين بدأو بأخباره بكل شئ عدا جزئية أنه رأي "أيمان" قبل مو-تها وأخذ الخنجر التي طُعـ ـ نت به، كل ما قاله أنه لديه عداوة خاصة مع "رياض" وبعض شركاءه تاركًا مجال الحديث لـ "فجر"..
الآن فقط وضحت الصورة له كاملة عنها منذ البداية، شعر بقلة الحيلة والغرق فى كل شئ فـ دلفت والدته بعد الطرق فوق باب غرفة الضيوف وقالت:
-" الليلة أنفضت يا ولدي، وما يصح يفضل ضيوفنا كل هاد من غير أكل".
أرشدهم "عدي" حيث والده وقام بتعرفيه عليهم وتركهما بصحبته وصعد للأعلي حيث غرفة حبيبته النائمة بفضل الدواء المنوم، أقترب وجلس على عقبيه أمامها يتأمل عن قرب ملامح وجهها الشاحبة والحزن الواضح عليها، شبة أبتسامة يأسه أرتسمت على وجهة وعدل من وضع الغطاء عليها وأستقام بوقفته يزفر الهواء بتروي، وتحولت أبتسامته لأخري حنونة وهو يردف فى نفسه قائلًا:
-"زينة والله زينة".
غادر الغرفة وكان على وشك مغادرة المنزل كليًا فاوقفه والده "شاهين" بحديثة الهادئ والوقور:
-"عنيك بتحكي كتير يا ولدي، إيه اللى سمعته عكر بالك وغير رأيك".
أقترب يطبع قبلـ ـة فوق كف يـ ـد والده وقال بهدوء:
-"كل شئ بأوانه يا أبوي، الموضوع غير ما كنا شايفين".
أبتسم "شاهين" بدعم وربت على ظهر "عدي" بتشجيع قائل:
-"ولد الأنصاري قدها وقدود، نظرتي لولدي عمرها ما تخيب، يمكن نتفاجئ ونفكر أن مفيش حلول بس أكبر حل بيبقي موجود بقوتك وشجاعتك، وأهم شئ التفكير قبل التصرف.. وقبل كل هاد لازم ما تنسي عاداتنا وتقاليدنا والأهم منهم نفسك الأمارة بالسوء، هي ما تحل ليك حتي تقرب منها وتدخل غرفتها، هي حُرمه وغريبة عنك اللي ما نرضاه على بناتنا ما نرضاه على غيرنا يا ولدي ".
اومأت وفضل الصمت معترفًا بخطأه واستأذن للخروج لقضاء أمر هام، وما كان سوي البحث عن شئ أفضل من المنوم حتي تستطيع التعافي من الأدمان..
❈-❈-❈
منذ ساعتين لا يعلمون إلى أين عليهم التوجهة، الصحراء محيطة بهم من كل جانب، بلغ غضبهم ذروته فـ ما كان أمامهم سوي الوقوف بجانب سيارة واقفة بمنتصف الصحراء ويقف أمامها شخص لا تظهر ملامحة بسبب عتمة الليل وأتبعوه حتي أشار نحو أحدي المنازل البعيدة وقال:
-"هون".
أستعد الجميع جيدًا وزادت سرعة السيارتين حتي توقفوا أمام المنزل وأنزل "صفوت" نافذته وقال للغفير الذي أعتدل بأنتباه:
-"ناديلي اللي مشغلك".
عدل الغفير من وضع سلاحة وأجابة بخشونة:
-"الحج شاهين نايم هالحين تعال بالصباح.. ".
أتسعت أعين الغفير وعاد للخلف سريعًا عندما أندفعت السيارة تصدم البوابة الحديدية فأنفتحت على مصراعيها ونهض الغفر سريعًا يطلقون النيـ ـران بالهواء ووقفوا ثلاثتهم أمام باب المنزل الداخلي يشهرون
أسلـ ـحتهم بقوة وعزم..
وهبط الحرس المصاحبين لـ" صفوت" و "رياض" يشهرون أسلـ ـحتهم بالمقابل وقد فاق عددهم عدد غفر "شاهين الأنصاري " الذى هرع للخارج سريعًا يصيح
بحـ ـدة وقوة قائل:
-"مين أنتم وكيف تدخلون بيتي بهالطريقة".
كان المتحدث منهم هو "رياض" الذي أردف بفظاظة وقال:
-"ندخل بالطريقة اللي نحبها طالما بتخبوا قتـ ـالين
القتـ ـله في بيتكم، بكل هدوء ومن غير شوشرة أكتر من كده تجبلي البت اللي عندكم عشان نمشي ويا دار ما دخلك شـ ـر".
وقبل أن يُجيب "شاهين" خرج مهران يقف لجوارة وقال بقوة:
-"انتَ تحترم صاحب البيت اللي واقف فيه بدل ما أقل منك ده اولًا وتمشي من غير مطرود ثانيًا بدل ما أجيبلك الحكومة تتصرف معاك".
لحظات من الصمت مرت قبل أن يضحك "رياض" بأستهزاء وأشار نحو "مهران" بسخرية وقال:
-"بقى انتَ تقل مني أنا.؟"
لم يجيبه "مهران" واكتفي بنظراته المتحدية والتي تكاد تقدح شرار حارق بعدما أشتعلت نيـ ـران غضبه فور رؤيته لهما في أول مواجهة بينهم.
وأستفاق "صفوت" من تحديقه الطويل لـ "مهران" وأردف بصوت منخفض:
-"بلاش تلخبط في الكلام الناس دي ممكن تدفنا هنا، أعقل ونتفاهم مع الراجل بالأدب".
لم يبالي "رياض" لحديثه وأشار لأحد حراسه وقال:
-"هاتولي اللي عامل فيها عنتر أبن شداد ده".
أنتبهت الأعين لصوت أنثوي لفتاة ضئيلة الحجم خرجت للتو من المنزل تتـمـ ـسك بيـ ـد "مهران" بخـ ـوف وقالت:
-"محدش يقربله واحنا منعرفش زينة فين ومفيش حد هنا".
أبتسامة خبيثة أرتسمت فوق وجه "رياض" واقترب منهم بخطوات بطيئة وهو يقول:
-"انتِ البت اللي جيتي معاها قبل كده البيت مش كده؟... قولي لعمو رياض يا حلوة زينة فين".
وقبل أن يمد يـ ـده ليمـ ـسكها تفاجئ بقدم "مهران" تصتدم بصـ ـدره بعـ ـنف أسقطه أرضًا وأندفع "مهران" فوقه يضغط بكلتا يـ ـديه حول عنقه حتي أنسحب الهواء من رئتيه وهو يردف بغل:
-"انتَ شيـ ـطان".
عم الهرج والمرج وأحاطوهم حرس "رياض" وصاح "صفوت" محاولًا أثارة خـ ـوفه:
-"انتَ كده هتضيع نفسك.. أبعد عنه".
منع "شاهين" "فجر" من الأقتراب فـ صاحت برجاء:
-"سيبه يا مهران عشان خاطري متضيعش نفسك عليه".
أرخي "مهران" قبضته قليلًا وقال بأنفاس متسارعة:
-"خلي رجالتك يبعدوا... أخلص بدل ما أخلص عليك".
أشار "صفوت" لهم بالأبتعاد ونظر "مهران" نحو "رياض" بالقليل من التردد، يستمع لأنفاس "أيمان" الأخيرة بالحياة بعدما غـ ـدر بها ذلك الوغد الذي بين يـ ـديه، وقبل أن يقوده غضبه من جديد ويعيد أحكام قبضته
أنتبه الجميع لسيارة تقتحم البوابة المفتوحة بسرعة جنونية فـ فر "صفوت" سريعًا من أمامها وقال بقلق:
-"الله يخرب بيتك يا رياض ".
هبط" عدي " كـ عاصفة هوجاء يجهز سـ ـلاحه للأطلاق وقال بنبرة وحشية:
-"شكلك متعرفش مين هما عيلة الأنصاري عشان تعمل كده في وجود كبيرهم وعلى أرضنا، أركع".
أنهي حديثة بتهـ ـديد لكلاهما فـ وضع "صفوت"
سـ ـلاحه وركع وكذلك فعل الحرس المصاحبين لهم وأشار "عدي" لأحد الغفر قائلًا:
-"أقفل البوابة ولم السـ ـلاح اللي معاهم ".
أنصاع الغفير لما قيل وبدأ بجمع أسـ ـلحتهم بينما أقترب
" عدي" من "رياض" المسطح أرضًا بعدما نهض "مهران" من فوقه وجذبه بحـ ـده قائلًا:
-"طغيانك عماك عن قدرة اللي حواليك وأفتكرت أن كل حاجة بالساهل، بس قسمًا بالله لتدفع القديم والجديد، وزي ما دخلت هنا برجليك هخرجك مكسح".
أقترب الغفير من البوابة يغلقها فـ عاد للخلف خطوتين يرفع يـ ـديه بأستسلام عندما أنصدم من أقتراب عناصر الشرطة وصاح "جلال" بخشونة:
-"أفتح الباب".
فتح الباب ووقف جانبًا ووضع "عدي" سـ ـلاحه بجيب جلبابه وعم الصمت ونظر "رياض" نحو "جلال" بقلق وتوتر، لم يلاحظ نهائي كونه تحت مراقبة الشرطة..
سارعت "فجر" بالدخول عندما أشار "مهران" لها بفعل ذلك وانتبه الجميع لصوت "جلال" الذي أظهر بطاقته
لـ "شاهين" وقال:
-"النقيب جلال عبد القادر ".
صافحه" شاهين " وقال بهدوء تام:
-"نورتنا.. خير يا باشا ".
نظر" جلال " نحو "رياض" بضيق وأردف:
-"جالي معلومات أن رياض بيه جايب بلطـ ـجيه وجاي يتهـ ـجم على بيتك، بعد عزا مراته بيوم واحد ".
من تحدث كان" عدي " الذي حاول الهدوء قدر المستطاع وقال مُجبرًا خوفًا من تطور الأمور وتفتيش المنزل إن تحدث "رياض" عن أحتمالية وجود "زينة" هنا:
-"لا يا باشا رياض بيه جاي فى الخير، النهاردة كان سنوية جدي وبنعزم حبيبنا كلهم يتغدوا معانا، وهو متعود يجي يبات من بليل".
نظر "جلال" لـ "عدي" بعدم أقتناع تام ونظر نحو الرجال الواقفين وقال:
-"وبالنسبة للرجالة اللي جايين معاه".
طال صمت "رياض" ولم يجد مبرر فـ تدخل"صفوت " بالحديث وقال:
-"حضرتك عارف يا باشا الجو ليل أحتمال يبقي فيه قطاعين طرق وكده ورياض مبيأمنش يسافر من غير حماية شخصية له.. صح يا رياض.. ريـــاض".
انهي "صفوت" حديثة بتحذير فـ اومأ "رياض" بأرتباك وأجاب قائلًا:
-"صح.. كلام صفوت صح".
زفر "جلال" بغضب ظهر عليه وهو ينظر للجميع من حوله ينتظر أن يعترض أحد على ما قيل لكن.. الصمت كان الشئ الوحيد السائد و أول من تحدث كان "شاهين":
-" أتفضل أشرب الشاي معانا".
حرك "جلال" رأسه بالرفض وهم بالمغادرة فـ أوقفته جملة "عدي":
-" ممكن الكارت بتاعك".
❈-❈-❈
بمنزل الأسطي "رضا"...
توقفت سيارات الأسعاف والشرطة أسفل المنزل فـ تسألت أحدي الواقفات:
-" هو أي اللي حصل ياختي".
أجابتها الأخري بريبة مما سمعت:
-"بيقولوا بعيد الشر عنا صلاح كان بيخـ ـون تامر أخوه مع مراته وانه لما عرف مسكوا في خناق بعض لحد ما قتـ ـلوا بعض والمخفية سمر أخدت بعضها وطفشت".
شهقت الأولي بعدم تصديق وأردفت بشفقة:
-"من يوم وفـ ـاة الأسطي رضا وحالهم أتشقلب، البت فجر مشيت وأمها أتحجزت في المستشفي ودلوقتي أخواتها خلصوا على بعض، ربنا يبعد عنا المصايب دي يارب".
تابعت الأنظار هبوط المُسعفين الحاملين للفراش المتنقل وكان الفراش الأول موجود فوقه جـ ـثة "صلاح" المغطي بمفرش أبيض وملوث بالدماء، والتالي كان "تامر"..
نهايتهم كان مأساوية بعدما أستطاعت" سمر " السيطرة على أفكار "تامر" وجعله يقلب تصرفاته مع عائلته من قبل وفاة والده ومن بعدها بجحوده على والدته ورفضها الشديد للبحث عن "فجر"..
كانت تظن بأنها ستسطيع أن تحصل على المال و"صلاح" ومن ثم يهربوا بعيدًا لكن يشاء القدر بأن يعود "تامر" مبكرًا من زيارة والدته ويراها هي و شقيقة فى وضع فاضـ ـح فوق سطح البناية فـ ما كان أمامه سوي محاولة دفـ ـن
العـ ـار و قتـ ـلهما لكن "صلاح" دافع عن نفسه وعنها
أحتضن "صلاح" جـ ـسد "تامر" واستطاع دفعه نحو السيخ الحديدي البارز من أحدي الأعمدة غير مكتملة البناء فـ قام "تامر" بطـ ـعن "صلاح" بالسكـ ـين الموجود بحوزته..
❈-❈-❈
الواحدة ظهرًا..
بعدما هـ ـرب أمس من تساؤلات والدته ونظرات والده بأعجوبة بعد أن غادر الضابط" جلال " وكذلك "صفوت" و"رياض"، أنشغل هو بتأمين مكان بعيد عن الأنظار لتقضي به فترة التعافي من الأدمان..
دلف للمنزل فـ وجد والدته تجلس وبجانبها شقيقاته الثلاثة وبالغرفة المجاورة لباب المنزل أستمع لصوت صياح أولاد شقيقاته، الضيق مرتسم على وجه أربعتهم بعدما وبكل تأكيد أخبرتهم والدته عن كل ما حدث ليلة أمس
وها هما مُجتمعين لتوبيخه كـ طفل صغير، أقترب يلقي التحية عليهم فـ نهضت "شيماء" شقيقته الكبري وقالت:
-"منين راح يجي الخير من ورا هالبنت اللي موجودة وسطنا، آخر شئ كنا نتوقعه أن الحكومة تدخل دارنا وناس يتهـ ـجموا علينا بنص الليل ".
وافقتها شقيقته الوسطي" أسماء " الرأي وقالت:
-"ولا هي شبهنا ولا تعرف عن أصولنا شئ، كَنك_مالك_ يا أخوي تحب الشئ الصعب دائمًا ليش، أيش يخليك تخبي بدارنا ناس ما نعرفهم ولا نعرف أيش مخبيين ".
نهضت شقيقته الصغري "حسناء" تقف لجواره تربت فوق كتفه بلطف قائلة:
-" أتركها تعاود مكان ما جت وأنا بنفسي راح روح لحد دار هند وأفتاحها بأمر خطبتكم وبالتأكيد هالمرة راح توافق، ما هاد اللي كنت تريده؟ ".
أبعد" عدي " يـ ـد "حسناء" بجفاء وأرتسم الضيق على وجه وتحدث بأصرار وغضب:
-"كَنكم، أحس كأني صبي صغير تحاسبونه على كل شئ وأنتم ما من حقكم هاد، كل واحدة فيكم تحتفظ برأيها أنا ما أريد رأي حدا منكم، ما حدا قالكم عني إني هول غبي حتي ما أعرف نية اللي أمامي، برأيكم ما أستاهل أختار الإنسانة اللي أريدها تكمل معي الباقي من عمري.؟
عم الصمت لثواني معدودة قبل أن يـ ـدوي بالمثل صوت صراخ حـ ـاد قادم من الأعلي، صرخة أنتفض على أثرها فؤاده فـ هرول نحو الأعلي مقتحمًا الغرفة فـ وجد "زينة" تحاول الوصول لشظايا الزجاج المُهشم و "فجر" تعانقها بقوة تحاول أبعادها قدر المُستطاع قائلة:
-"أنك تنهي حياتك او تكمليها شئ مش بأيـ ـدك أهدي بقىٰ".
حاولت "زينة" دفعها بشـ ـراسة وأزداد صراخها بشكل هستيري وتشنج جـ ـسـ ـدها بشكل ملحوظ
أقترب "عدي" يكبل كلتا يـ ـديها بيـ ـد واحدة ووجه حديثة لـ "فجر" قائلًا:
-"شيلي الأزاز بسرعة الدكتور زمانه على وصول".
أسرعت "فجر" بجمع الشظايا وبدون أنتباة منها جـ ـرحت أصبعها وأنسابت الد-ماء فـ وجودت يـ ـد تُمـ ـسك بجـ ـرحها وصوته الأجش يردف:
-"طلع عندك د-م ودي حاجة حلوة بس متسرعة ودي حاجة مش حلوة".
سحبت "فجر" يـ ـديها ونهضت ترمق "مهران" بغيظ وهبطت لتتخلص من الزجاج وأنتبه هو لمحاولة "زينة" بأبعاد "عدي" وعندما يأست وبدون وعي قامت
بخـ ـدش عنقه بقـ ـسوة فـ ترك يـ ـديها رغمًا عنه
وقبل أن تتحرك خطوة واحدة أقتربت منها "شيماء" تكبل يـ ـديها خلف ظهرها وقالت للجميع:
-"ما يصح تقترب منها أكثر من هيك يا عدي، خذ صديقك وأطلعوا ونحن راح نسيطر عليها لحد ما يأتي الطبيب".
كان أقتراحها هو الأنسب فـ أنسحب هو ووالده و "مهران" نحو الخارج وبقيت هي برفقتهم بعدما قلّت مقاومتها لكن لم ينقطع بكائها
الألـ ـم كان أقوي منها بمراحل، كـ ذئب يقم بنهـ ـش عقلها دون رحمة، أرهقت جفونها المُشابهة لجمـ ـر مشتعل وقبل أن تغمض رأت "أيمان" تقترب منها بخطوات رزينة كـ عادتها وجثت على ركبتيها أمامها ومدت يـ ـدها تُمسد فوق خصلات شعرها مرورًا بوجهها كما كانت تفعل بكل مرة تراها أمامها
وأبتسامتها البشوشة الحنونة لم تزول، وانحنت بجزعها العلوي تطبع قبـ ـلة فوق رأسها هامـ ـسة:
-" كُل مُر سَيمر".
❈-❈-❈
بعد مرور خمسة أيام...
جالسة أمام بحيرة صغيرة من المياة العذبة ينعكس عليها غروب الشمس والهدوء يعم من حولها لا يخترقه شئ سوي صوت زقزقة العصافير التي عادت للأشجار المحيطة بضفاف البحيرة
نقاء الهواء ينقي الروح من كل مشقة مرت عليها، تشعر بالسلام النفسي الآن بعدما دعمها كل من حولها فـ بعدما أنتقلت لمنزل بسيط قرب البحيرة ليكون مصحة علاجها وشاركتها به "فجر" وأهتمت بتحضير الطعام لها بكل حب وعناية، كانت تهتم بها وترعها كـ طفل صغير بمقتبل عمره
ولا تنسي أهتمام "عدي" وأحضاره للطبيب كل يومين لمتابعة أستجابتها للدواء وجلب كل ما يلزم لهم ويقضي بعض الوقت معها يحاول به التخفيف عنها وعدم التطرف لأي شئ مما قد حدث قبل مجيئها حتي تتعافي تمامًا..
كان بمثابة شفاء لروحها المُتعبة بعدما تسابق الجميع على تحطيمها، "عدي" كان الضياء وسط عتمة سنوات عمرها..
تركت الرمال الناعمة تنساب من بين كف يـ ـدها، كانت محظوظة بعض الشئ عندما لم تطيل فترة التعاطي واخبرهم الطبيب أن ذلك سيكون سببًا في التعافي بشكل أسرع..
أيضًا شقيقاته كانوا لطفاء معها فقد أتو لزيارتها مرة واحدة منذ يومان وأحست بالألفة نحوهم، على عكس والدته التي شعرت بعدم رضاها عن كل ما يحدث
أدارت رأسها نحو الجانب الأيمن فـ رأته يتقدم منها بجلباب أسود وبيـ ـده مُمـ ـسكًا بلجام جواده وأرشده نحو العشب القريب منهم ليأكل وجلس جوارها محافظًا على مسافة بينهم
يتمعن النظر بأعينها السوداء بعدما رفعت غطاء الوجه الخاص بها خشية أن يراها أحدهم، أستندت برأسها فوق قدميها المضمومتين لصـ ـدرها تنظر نحوه بحب عجزت كلماتها عن البوح به، وكأنها بالنظر له تستريح من عناء كل ما مضي
فـ أردف "عدي" بعدما طال الصمت بينهما قائل:
-"قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحقّ دين محمّد"
طبقة رقيقة من الدموع غلفت أعينها وأجابت "زينة" بنبرة متحشرجة وقالت:
-"ساعات بستغرب إن رغم كل اللي سمعته عني لسه قابلني في حياتك ومش خايـ ـف إنك تتأ ذي بسبب قربي منك".
ظهرت أبتسامة هادئة على وجهه ونظر نحو البحيرة للحظات قبل أن يعيد النظر نحوها قائل:
-"أنا هبقي خايب لو سيبتك يا زينة، مش مهم بالنسبالي إيه اللي سمعته عنك المهم اللي شوفته منك، انتِ تستحقي كل الّلين والحلو اللي في الحياة.. ".
-"أنا بحبك يا عدي".
رغم خفقان فؤاده لجملتها التي نُطقت بأروع نبرة سمعها على الأطلاق إلا أنه لم يبدي رد فعل فـ أكملت هي بصدق ورفعت أصابعها تزيل دموعها قبل أنسيابها:
-" مش مهم تكون بتحبني ولا لأ بس عشان خاطري متسبنيش أنا مبقاش ليا غيرك، مش عاوزة أحس إني كل لما أحب حد بيمشي، أنا كنت بخـ ـاف أوي من مشاعري ناحيتك عشان كده كنت بحاول أبعد عنك، كنت بخـ ـاف تكتشف كدبي في يوم وتكرهني وتبص للفرق اللي بينا
بس أنا غصب عني مقدرتش أنساك ولا اتخطي حبي ليك، وفي كل لحظة صعبة كانت بتمر عليا كنت ببقي عاوزة أجري عليك أشكيلك، أنا فضلت يومين في الشارع يا عدي بحاول ألاقي أي وسيلة أوصلك بيها وخايـ ـفة أتحرك يتقبض عليا في حاجة معملتهاش.. والله العظيم ما قتـ ـلتها.. دي أمي ".
أنسابت دموعها واحدة تلو الأخري دون توقف ووضعت يـ ـديها فوق وجهها بعدما فقدت السيطرة على نفسها فـ أعتدل هو يحاول مواساتها بحديثة قائل:
-" أنا مصدقك يا زينة متقلقيش هعمل كل حاجة واي حاجة عشان أثبت براءتك، متخافيش طول ما أنا جمبك، عمري ما هبعد عنك لأي سبب كان ".
أبعدت يـ ـديها وتسألت بعدم تصديق ولهفة:
-" بجد يا عدي.. انتَ مصدقني".
اومأ بإبتسامة دافئة فـ شعر بها على وشك أن تحتضنه فـ عاد بجزعه العلوي للخلف ورأي التعجب على وجهها فأردف موضحًا برفق:
-"بلاش.. عاوز أفضل محافظ عليكِ حتى من نفسي.. كل حاجة فى وقتها الصح بتبقي أفضل، متزعليش ".
أبتسمت ولمع الأمتنان الشديد بأعينها تدرك صواب أختيارها له كل يوم عن سابقة، بكل مرة يكون معها يرمم جـ ـروح لم يفعلها هو..
صدرت منها شهقة فزعة عندما أستمعت لصوت صهيل الجواد فجأة فـ ضحك هو بخفة ونهض يطمئنها بقوله:
-" متقلقيش هو عاوز يقرب للبحيرة بس اللجام قصير فـ بيندهلي".
فك قيّد الجواد واقترب به من البحيرة ليرتوي من ماءها فـ أقتربت هي منهما بفضول قائلة:
-"ده بتاعك لوحدك ".؟
اومأ بالإيجاب مُبتسمًا فـ أكملت هي:
-"أسمه أي".
" سُكر".
تمعنت النظر بالجواد ذو اللون البُني والغُرة البيضاء التي تتوسط جبهته وبتردد وضعت كف يـ ـدها فوق ظهره فـ وجدته مازال على هدوئه، نظرت نظرة أخيرة نحو السماء التي أختلطت بظلمة الليل وغروب الشمس معًا ونظرت بجانبها فـ وجدت "عدي" محدقًا بها ولم تنمحي الأبتسامة عن وجهة..
ولأن إبتسامتها بحر تنسي الغريق ويلات الغرق و سماء التأملات وقت الغسق كيف لا تجعل قلبي يتخبط ليالي الأرق
و هي التي فعلت !!
❈-❈-❈
-"طب وبعدين في معاملة مرات الأب دي".!
نطقها "مهران" بعدم رضا تام عن مُعاملتها له منذ أن وطأت قدمهم تلك الأراضي، تتعامل معه بتجاهل يثير أعصابه بشكل كبير وفوق كل هذا ترفض دخوله للمنزل، منذ أن جاء وهو يقف أمام الباب كـ الجروي المتشرد كما قالت له منذ دقائق
وعلى عكس ما توقع ظلّت"فجر" مُلتزمة بتجاهلها وأبتعدت من أمام الشرفة بعدما وقفت بها لتطمئن على "زينة" وارتشفت من كوب الشاي الخاص بها وقالت بلامبالاة:
-"بحب أعمل حدود بيني وبين الناس اللي ملهاش أمان وحياتها كلها أسرار".
كاد"مهران" يجن من أستفزازها المتواصل له وتسأل بأنفعال:
-"أقولك أي أكتر من اللي قولته أنا قولت كل حاجة ".
ضيقت"فجر" عينيها الزرقاء وقالت بشك:
-" يا ولا.!
طب عيني في عينك كده".؟
مرر"مهران" كف يـ ـده فوق وجهة بضيق وتسأل بنفاذ صبر:
-"عاوزة تعرفي أى، تعالي معايا دوغري".
همهمت"فجر" بهدوء قبل أن تضع الكوب بحـ ـدة فوق الطاولة المجاورة لها وقالت:
-"عاوزة أعرف ليه خبيت على عدي أن عندك عـ ـداوة مع الناس دي، وليه برضو قاعد معانا لحد دلوقتي ومتحاولش تقنعني إنك بتعمل كده لله وللوطن انتَ وراك مصيبة وانا قلبي بيحس بالمصايب من على بُعد، والمرة دى أنا مش هجري معاك زى الهبلة لما ألاقيك بتهرب من حد وأنا مش فاهمة، وبعدين اللابتوب فيه أي يخليك شايلة على قلبك رايح جاي كده زي العيل اللي لسه بيرضع هـ... ".
نهوض"مهران" وصاح مقاطعًا وصلة حديثها اللامتناهية وقال:
-"أهدي عليا بس أي كل الأسئلة دي أنا لو فى
المـ ـوسـ ـاد مش هتسأليني كل ده".
عقدت "فجر" يـ ـدها أمام صـ ـدرها ورفعا رأسها بكبرياء قائلة:
-"هو ده اللي عندي.. يا تجاوب يا تقطع علاقتك بيا، هي علاقة نحس من البداية اصلًا وانتَ مبيجيبش من وراك خير، ثم خد تعالىٰ هنا ".
أقترب" مهران"بتلقائية ظنًا منه بأنها أخيرًا ستسمح له بالدخول فـ صاحت "فجر" ولوحت بيـ ـدها قائلة:
-"أنا بقول كده تعبير مجازي متجيش أرجع مكانك تاني".
زفر محاولًا التحلي بالصبر وعاد للخلف مجددًا فـ رفعت هي حاجبها بتحدي وقالت:
-"أنا لما خبيت شنطتك قبل كده يومها لعبت في اللاب بتاعك وعرفت إنك مهـ ـكر تليفونات رياض وصفوت وبتسمع مكالمتهم بس ملحقتش أسمع حاجة عشان اللاب فصل شحن.. منين مراقب تليفوناتهم ومنين معرفتش انهم عرفوا المكان وجولنا على هنا يا هـ ـاكر نص كم".
نظر حوله بحثًا عن حجارة يقذفها بها ليوفر عناء الصراخ عليها فـ لم يجد وأجاب بهدوء غير متوقع:
-"معلموكيش في المدرسة متمديش أيـ ـدك على حاجة غيرك عشان دي قلة أدب".؟
أبتسمت بأستفزاز وأجابته بهدوء وبساطة:
-"أصل أنا كنت فى نفس المدرسة اللي علمتك أن شحططة الناس بالساهل وانك تمرمطهم وراك فى نِصاص الليل عادي، واللي علمتك برضو الكدب يا كداب".
قطم شفـ ـته السُفلية وأحمر وجه غضبًا وهم بالأنقضاض عليها فـ عادت للخلف بتلقائية تخفي خـ ـوفها خلف قناع شجاعتها الزائف قائلة:
-"أي هتمد أيـ ـدك على واحدة بنت.. ما هو ده اللي ناقص ".
رفع"مهران" سبابته أمام وجهها بتحذير وقلب دفة الحديث قائلًا:
-"أنا جيتلك بدل المرة أتنين وسافرت معاكِ خـ ـوفًا عليكِ رغم إني مش مُلزم بـ ده وحكيتلك حاجات مش من حقك ولا من حق حد يعرفها وقاعد في مكان غريب عليا برضو علشانك وعشان تحاولي تسامحيني على غلطي وخطوبتي ليكِ وبعدها أختفائي،بس لحد كده وكفاية بقىٰ من النهاردة ملكيش دعوة بيا تاني أبدًا مهما حصل ".
أنهي حديثة بغضب حقيقي وغادر بخطوات سريعة يصيح بأسم" عدي " يحثه على الأسراع للمغادرة، وظلّت هي واقفة بأرتباك حتي أتت "زينة" وودلف كلامها للداخل
وأعطت "فجر" الدواء لـ "زينة" ووضعت لها الطعام فـ أمتنعت "زينة" عن تناوله وتسألت:
-"أحكيلي الأول في أي، أنا من ساعة ما جيت هنا مش فاهمة حاجة، أي اللي بيحصل ومين مهران ده و واي جابه ومشي متعصب ليه".!!
زفرت الأخري وصمتت للحظات قبل أن تردف بأستسلام:
-"هحكيلك".
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شهد السيد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية