رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 14
قراءة رواية البريئة والوحش كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية البريئة والوحش
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أميرة عمار
الفصل الرابع عشر
سأغلق نافذتي فالضياء يعكّر ظلمتي البارده سأسدل هذا الستار السميك على صفحة القصة البائده وأطرد صوت الرياح البليد وإشعاعة الأنجم الحاقده وأسند رأسي إلى الذكريات وأغمس عينيّ في دمعتين وأرسل حبي يلفّ القتيل ويدفئ جبهته الهامدة لعلي أردّ إليه الحياة وأمسح من زرقة الشـ ـفتين سأغلق نافذتي فالقتيل يحب الظلام العميق العميق وأكره أن يتمطّى الضياء على جـ ـسمه الشاعريّ الرقيق على جبهة زرعتها النجوم ولوّنها ضوؤها بالبريق وكانت تشعّ الحياة فعادت تمجّ الأسى والرّدى والعذاب تخطّ عليها ذراع الممات أساطير عهد سحيق سحيق
❈-❈-❈
تنظر من نافذة الطائرة بشرود....ترى العالم بأكمله صغير للغاية،شعور رائع جداً أنك تُبصر
الأشياء من نافذة الطائرة،كل شئ يبدو كحجم النواة...البيوت متلاصقة مع بعضها البعض
الهواء العليل يضرب وجهها بدون رحمة،لا تعلم أهو عدوها يلطمها بشدة وكأنه يسحقها ضرباََ
أم صديقها الذي يرطب عليها بنسماته
بعض الأحلام تتحقق بالفعل ولكن شئ هكذا لم تحلم به طوال فكانت تراه شيئاً من سابع المستحيلات،تركب طائرة وتجلس على كرسيها المريح للغاية كان أبعد من تصوراتها...تحلف أنها لو كانت بلحظة أخرى غير تلك لكان نبت لها جناحين تطير بهم من كثرة فرحها بهذا المعجزة
ولكن الآن واجمة...لا تُصدر أي رد فعل بعد الحوار الذي دار بينهم في غرفة نومهم،كان حوار مرهق لها بشدة،لدرجة أنه ترك بعض الندوب بقلبها تشعر بحرقانها الآن....لم تتوقع في يوم أن يكون لديه عقدة من موضوع كموضوع الخلفة وهذا ما إستنبطته من حديثه بطلوع الأنفس
أبعدت عيناها عن النافذة وأرجعت ظهرها إلى خلف حتى تستند على ظهر الكرسي لترتاح بجلستها ومن ثم صوبت أعينها للسقف
تتذكر ما حدث منذ ساعات بينهم
جاء صوت فارس هادماََ لكل ما تشعر به بتلك اللحظة عندما قال:
-إبقي فكريني يا نغم نجيب برشام منع الحمل
وإحنا في الطريق
لم يستوعب عقلها الجملة غير بعد مدة وجيزة
رفعت رأسها من على صدره بصدمة ومن ثم وجهت أنظارها له قائلة بإستغراب وصدمة:
-إنتَ بتقول إيه؟!!
تهرب من أنظارها للجهة الآخرى وقال بصوت جادي لا يحمل بطياته أي نبرة مازحة:
-أنا مش عاوز أخلف يا نغم
-يعني إيه مش عاوز تخلف؟
رددت حديثه على هيئة سؤال ومازال وجهها يتلون بإمارات الصدمة
-مش عاوز أخلف يا نغم إيه اللي مش مفهوم في الكلمة!!!
-طب وأنا؟
خرجت منها هاتان الكلمتان بتيه واضح على وجهها حتى الآن لم تدرك مقاصد حديثه
ذرة بداخلها تُخبرها أنه يمزح...ولكنه مزاح ثقيل للغاية،فهي بالكاد تستطيع التنفس الآن من هول الصدمة التى كان أثرها عليها كالقنبلة
وضع يـ ـديه على كتفيها محاوطاََ إياهم وعلق أنظاره بعيناها مُردفاََ:
-موضوع ملوش لازمة إن وشك يتقلب كده يا نغم
-إنت بتلعب بيا يا فارس؟
خرج سؤالها بدون وعي ليس له علاقة بحديثه الذى قاله منذ قليل ولا للموقف...ولكن هذا ما توصل إليه مخها أنه من الممكن أن يكون تزوجها للمتعة فقط ولا يريد أن يكون له إبن من صلبه يخرج من أحشائها
هز رأسه مستنكراً لجملتها الذي إخترقت سمعه كالنووي...لم يعلم أي تفكير أدى بها لذلك ولكن
لم يكن بنيته يوم أنه سيتزوجها لفترة ومن ثم يقوم بتطليقها...هو يتذكر جيداً أنه كان يريدها زوجة له حاملة لإسمه وبأي طريقة كانت،وباتت مشاعره يوم بعد يوم تتضح وتزداد
خرج صوته محشرج وهو يقول:
-إنتِ مش كورة كفر هلعب بيكي يا نغم...إعقلي كلامك قبل ما تقوليه
-ولما أنا مش كورة كفر ليه بتعمل كده؟...ليه عاوز تحرمني من أفضل شعور في الدنيا،ليه في اللحظة دي حسيتك أناني أوي....ولو إنتَ مقرر حاجة زي دي بينك وبين نفسك ليه
مقولتليش قبل الجواز،وأنا وقتها اللي كنت أقرر أنا موافقة على القرار ده ولا لاء
-وأنا لو كنت قولتلك كنتي هتوافقي على الجواز؟
خرج حديثها ممزوج بصراخ حاد قائلة:
-مستحيل...مستحيل كنت أوافق يا فارس
ولا هوافق عمري
ثم إسترسلت حديثها بقهرة قائلة:
-مش مستنضف إني أشيل إبنك يا فارس
هزها بعنف بيـ ـديه الموضوعه على ذراعيها وهو يقول بغضب:
-إنتِ بتقولي إيه يا مجنونة
-بقول الحقيقة اللي أنا فهمتها...قولت دي بنت غلبانة وملهاش حد، أتجوزها يومين ألعب بيها وبعدين أرميها
ظهرت عروقه بوضوح من شدة الغضب...يشعر بفوران الدماء بعروقه،لا يصدق أنها تقول هذا الكلام المشين بحقه وبحق كل كلمة حب كان يتغني بها لها
أردف بصوت عالٍ غاضب:
-حقيقة إيه!!!.....أنا شَيلتك إسمي مش هشيلك إبني؟
-ولما إنتَ مش بتلعب بيا عاوز تمنعني من الخلفة ليه
دار برأسه يمين ويسار بغضب بلغ ذروته يريد أن يُهدئ نفسه بأي طريقة حتى لا يؤذيها يعلم أن أعصابه إن فلتت منه سينسي من تكون
لذلك أخرج صوته بهدوء تام جاهد نفسه حتى يصل لتلك النبرة المستكينة:
-يا نغم إفهمي المشكلة فيا أنا...أنا اللي مش عاوز أولاد على الأقل دلوقتي،ليه أجيب طفل في الدنيا دي يتبهدل فيها؟...طب تقدري تقوليلي لو جبنا طفل وأنا حصلي أي حاجة مصيره هيكون إيه؟
هو لا يكذب عليها فهذا هو تفكيره حقاََ الذي البعض يراه عقيم ولكنه يقتنع به إقتناع تام...يتذكر حتى الآن ذلك اليوم الذي أخبرته فيه سارة بحملها ووضعها له أمام الأمر الواقع
ثار وكسر كل ما بالغرفة من أساس...ومن ثم جلس على الأرض يلهث من شدة التعب
وأخذه تفكيره بمناجاة ربه،ذهب إلى المرحاض توضأ وصلي وأخذ يخرج كل ما بجبعته من مخاوف وعقد إلى رب العالمين...يشعر بمسؤلية كبيرة للغاية عند إنجاب طفل،إن حدث له شئ يشعر بتأنيب ضمير لانه من أتي به إلى هذه الحياة بعد إرادة الله بالطبع
حتى اليوم يخاف على مالك وبشدة،يخشى أن يحدث له شئ فيضيع مالك من بعدها...يحبه حباََ لا مثيل له ولا يتخيل أنه من الممكن إن أنجب مرة أخرى يحب إبنه الآخر مثلما يحب مالك وها هي عقدة أخرى له
تبدلت ملامح وجهها تماماً بعد حديثه وأدركت أن ما فكرت به خطأ فعلى ما يبدو لها أن لديه عقدة من هذا الموضوع...فكيف لإنسان بالغ ورزين مثله يفكر مثل هذا التفكير العقيم!!
فكل إنسان يتمنى أن يكون له ولداََ من صلبه يحمل إسمه من بعد مماته،يستند عليه عندما يشيب...الناس يذهبن إلى الأطباء بالخارج حتى يعالجوا أنفسهم ويفعلوا العمليات حتى يرزقهم الله بطفل وهذا يقول لا يريد؟!!!
لم تريد أن تتجادل معه أو الصراحة تشعر بإنتهاك من الحوار،لازالت تشعر بالصدمة حتى الآن وأثارها على دوران رأسها
فقالت بصوت هادئ غير مبالي بما قال منذ قليل:
-رأيك وإنتَ حر فيه
-يعني إيه؟
خرج صوته متسائلاً بترقب يحاول الوصول لأي حل جذري معها
رفعت يـ ـديها ومن ثم وضعتها على خاصته التي مازالت موضوعة على ذراعيها...أنزلتهم بكل هدوء وقالت له بنبرة لأول مرة يستشفها منها:
-يعني لو مش عاوز تخلف متقربليش أما أنا عمري ما هاخد أي حاجة تمنع إني أخلف
أغمضت عيناها قليلاََ حتى تستريح من التفكير في هذا الموضوع المُرهق لها ولكن راودتها الذكريات...عقب أن قالت جملتها الأخيرة قام من مكانه بإنتفضاة وهو يصيح بها بغضب رافضاً لما قالته قلباََ وقالباً
وأخذ يكسر ما بالغرفة من أساس حتى يخرج تلك النيران المشتعلة بداخله،يريد أن يخرجها بأس شئ سواها...لا يريد أن يتغابى عليها أو يفقد صوابه معها فتكون تلك سبب كافي لكرهها له لذلك كان يكبح غضبه وثوراته من عليها
وبعد نصف ساعة تقريباً هدأ وخرج من الغرفة
لا تعلم إلى أين ذهب ولكنه لم يتأخر وعدة دقائق وكان يقف أمامها بوجه جامد قائلاََ
"جهزي نفسك عشان ميعاد الطيارة"
كانت تود أن ترفض أن تذهب معه بمكان بعدما قال وفعل ولكنها شعرت بالخوف منه ومن وجهه الذي تبدل تماماً لذلك أماءت له برأسها بدون أي حديث يذكر
أدارت رأسها ناحيته وجدته يجلس على كرسي بالجهة المقابلة لها ويضع رأسه بين يـ ـديه
ماداََ جزعه للأمام قليلاََ وعلى ما يبدو أن حالته ليست أحسن من حالتها...لا يعلم كيف آلت الأمور إلى هنا؟...كان أبعد شئ عن مخيلته أنهم يصيروا بعيدين هكذا في ثاني أيام زواجهم
فكرت به أفكار كثيرة بعيدة عنه تماماً...إتهمته أنه يلعب بها ويتخذها زوجة له للمتعة لا أكثر
لا ينكر أنه كان يريدها وبشدة بين يـ ـديه في بادئ الأمر ولكن الأمور إختلفت تماماً بعدما تقرب منها،أحبها وكأنها أخر شئ سيحبه لم يفكر يوم بشئ مثلما يفكر بها دائماََ
لا يعكر صفوه سوىٰ خداعه لها...حتى الآن يخشى اللحظة التي ستعرف بها بزواجه من أخرى،لا يعلم وقتها بماذا سيبرر لها موقفه سوى أنه كان يحبها لذلك خبأ عليها
تقول أنه لا يريد أطفال منها ولا تعلم أنه يتمني
لو كان مالك ولده الوحيد إبناََ لها أتى من رحمها هي وليس غيرها،كان يتمني أن تكون والدته وتهتم به وتراعيه...يعلم وقتها أن بحنانها الكبير كانت ستغمر مالك به
ولكنه الآن غير مستعد بالمرة أن يجلب طفل أخر لهذه الدنيا...كل تفكيره منشغل بمالك فقط وكيفية بنيان رجل صالحاََ يُعتمد عليه فيما بعد
لم يستطيع أن يأخذ إهتمامه طفلاً أخر فإن فعل فسيهمل مالك كثيراً وهذا ما لم يريده هو
رفع أنظاره لها وجدها تنظر إليه هي الأخر ولكن ما أن إلتقت عيناهم.. أدارت وجهها سريعاً للجهة الأخرى
أخفض بصره مرة إخرى وهو يدعي ربه أن يحل الأمور بينهم وأن تتقبل فكرة أنه لا يريد أطفال...فهو يعلم نفسه جيداً من المستحيل أن يقاوم سحرها الأخاذ،لم ولن يقدر على الثبات وهي أمامه وز.وجته ولا يجد شئ يمنعها عنه
❈-❈-❈
يجلسون بجو أسرى مرح بغرفة الإستقبال
يخططون لما سيفعلونه في زفافهم
يمسك سامح بـيـ ـده كوب من القهوة يرتشف منه بهدوء وهو ينظر لهم وهم يتفقون على ما سيفعلونه في الزفاف
أردفت رانيا بإعتراض شديد:
-لاء طبعاً يا زين إيه القرف اللي إنتَ بتقول عليه ده
-طب جامليني يا رانيا حتى
قالها زين بإستنكار مازح على طريقة حديثها الفجة
قهقه سامح بشدة وقال بصوت رزين:
-بالك إنتِ يا رانيا الواد زين ابني ده طول عمره إختياراته زفت
ثم إسترسل حديثه وهو يقول مستثنياََ:
-إلا إنتِ يا قمر طلعتي فلتة من وسط إختياراته
إبتسمت رانيا بملئ فمها وهي تقول:
-ربنا يخليك يا عمو مع إني زعلانة منك
فهم سامح سبب زعلاها منه سريعاً فقال وهو يضحك:
-ما إنتِ اللي هبلة وبيضحك عليكي بسرعة
ضحك زين هو الآخر على حديث أبيه وقال:
-لاء يا بابا أنا مش معاك في دي ده رانيا مراتي ما شاء الله عليها في الذكاء معندهاش ياما إرحميني
لكزته رانيا الجالسة بجواره في كتفه وهي تقول بصوت منخفض:
-إتريق إتريق يا منبع الذكاء
جاءت سمر وهي تحمل بين يـ ــديها صنية موضوع عليها الكثير من أطباق الحلويات
وضعت الصِنية على المنضدة الموضوعة بالمنتصف وقالت:
-إنتوا مزعلين رانيا ليه إنتَ وهو
ردت عليها رانيا بنبرة حزن مصطنعة:
-إتكتروا عليا في غيابك يا طنط وبيقولوا عليا غبية
أردفت بإستهجان:
-غبية!!..هي مين دي اللي غبية ده إنتِ ما شاء الله عليكي عديتي الغباء بمراحل
بعدما تبسمت رانيا ظناََ منها أن حماتها ستنصرها بعد ما قالته... صدمتها من بقية حديثها وإختفت الإبتسامة وهي تقول بعبس:
-حتى إنتِ كمان عليا يا طنط
-بقي يا بت يا هبلة تسلمي فارس لسامح تسليم أهالي كده
-ما أنا كنت واثقة في عمو يا طنط ده جزاتي يعني
-لاء يا حبيبة عمك...حقك عليا أنا عشان إستغليتك وصدقيني مش هتحصل تاني
❈-❈-❈
تجلس على سريرها تهز ساقيها بتوتر وهي ماسكة هاتفها بين يـ ـديها، تنتظر منه رسالة أو علامة تطمئنها عليه....آخر ظهور له على تطبيق المراسلة منذ أمس عندما تحدثوا
لم يفتح اليوم نهائياً منذ الصباح...تنتظر منه مشاكساته الذي إعتادت عليها أمس ولكن إنتظارها بلا فائدة
تخشى أن تهاتفه فليس لديها الشجاعة أن تفعل ذلك...فهو كان من يبادر بالإتصال والسؤال وليس هي لذلك تجلس منتظره إتصاله
رمت الهاتف بضيق على الفراش بجوارها ومن ثم قامت من علي الفراش وهي تسير بالغرفة بلا هوادة...إتجهت نحو البلكونة الخاصة بغرفتها وجلست على الكرسي الهزاز الموجود بها،تفكر بيونس...لا تتذكر كيف إقتحم فكرها وبالها بتلك السرعة،مرض وتغلغل بداخلها دون إنذار أو تمهيد
تشعر بإنجذابها له فهي من كانت لم تبالي بأحد
ولم يلفت نظرها أي شخص بسهولة
صارت جالسة الآن تنتظر منه إتصال
تتذكر البارحة عندما هاتفها بعدما عادت مع أحمد من النادي...ظلوا يتحدثون طوال الليل ولم يغلقوا الهاتف إلا في قبيل النهار
كان الهدف الأول من المكالمة هو الإطمئنان عليها خوفاً من أن يكون أحمد عاقبها ومن ثم أخذهم الكلام،فأخذت تحدثه عن نفسها بإستفاضة كبيرة وهو الآخر حدثها عن نفسه وعن طموحاته ونقاط ضغفه وقوته
قامت من مكانها سريعاً وهي تسمع رنين هاتفها أتي من الداخل...طوت الأرض أسفل قدميها وفي ثانية كانت تقف أمام الفراش تلتقط الهاتف من عليه
إبتهج وجهها وصدق حدسها عندما رأت أسمه على الشاشة
ضغطت على زر الإستجابة سريعاََ وسكتت منتظرة حديثه
-صباح الجمال على الجميل
ضحكت على جملته ومن ثم قالت:
-صباح إيه بقى دي الساعة ٣ العصر
-الله يسامحها اللي لغبطت نومي وخلت أبويا يهزأني عشان مرُحتش الشركة النهاردة
قالها بمزاح بنبرته الناعسة ومشكاسة معتاد عليها
ردت عليه بنبرة تملؤها الإستنكار متسائلة:
-إنتَ لسه صاحي يا يونس؟
-لسه على السرير أصلاً...قولت ما ينفع أبدأ يومي من غير ما أسمع صوتك
توردت وجنتيها بخجل فطري وقالت:
-طب قوم يلا وروح الشركة عشان باباك
-لاء مش هروح كده كده إتهزأت وخلاص...أنا نازل النادي ما تيجي عاوز أشوفك
-بس مالك مش عليه تدريب النهاردة
نقل الهاتف من على أذنه اليمين إلي اليسار وهو يقول بنذق:
-مش لازم مالك قولي لباباكي هتخرجي تشمي هوا في النادي...إيه المشكلة؟
-خلاص هشوف وأرد عليك
❈-❈-❈
هبطت الطائرة أرض مصر الحبيبة أخيراً ونزل منها المدعو "مازن"...عاد إلى أرضه بعد سنين من الغربة،غربة فرضها على نفسه بعدما إستسلم....
أنهي إجراءات وصوله القانونية ومن ثم أخذ حقائبه ووقف بالخارج ينتظر السيارة الخاصة بأبيه التي قال له أنها ستنظره أمام المطار
دار برأسه يميناً ويساراً ينظر إلى المباني والناس...يأخذ شهيقاََ كبيرة من هذا الهواء الذي لطالما كان يقول أن مهما الإنسان ذهب وأتى لم يجد مثل هواء مصر ورائحتها العطرة
هاجت دقات قلبه عندما أتيت إلى ذهنه تلك التي كان يتهرب من وجهها منذ سفره
أصبح الآن تحت سقف بلدةََ واحدة معها
يتنفسون نفس الهواء ويمشون بنفس الشوارع
ضربته الذكريات بشدة....تذكر كل ما حدث منذ عدة سنوات،جرح قلبه الذي كان يظن أنه إختفى ولكن لما يشعر به الآن ينزيفه؟!!... لطالما عاهد نفسه أنه لم ولن يعود إلى تلك البلدة مرة أخرى وفي الآخر ها هو هنا الآن دون إرادته
فاق من شروده على صوت السيارة التي وقفت أمامه...خرج السائق سريعاً يحمل الحقائب من يديه بعدما فتح حقيبة السيارة الخلفية يضعهم بها
ثم عاد إليه يفتح له الباب الخلفي:
-حمدالله على سلامتك يا مازن بيه مصر كلها نورت بوجودك
أعطاه إبتسامة باردة دون أن يتحدث...ومن ثم دخل إلي السيارة وأغلق الباب خلفه
❈-❈-❈
يجلس على طاولته المفضلة بالنادي يرتدي نظارته الشمسية منتظر قدومها.....لا يعلم ما هو سر سعادته تلك ولكن يتذكر فرحته التي ظهرت جلية على وجهه عندما هاتفته وأخبرته أنها قادمة...جلس مع فتيات بعدد شعر رأسه
وتحدث مع أخريات ولكن هذه مختلفة
بها شئ يميزها عن غيرها لا يعلم ماهيته ولكنه يستشعره عند الحديث معها
خطفته عندما رأها لأول مرة بخطوبة أخته وظلت عالقة بذهنه حتى رأها بالنادي
لا يعلم ماذا يريد منها ولكن يكفيه سعادته الآن بمصاحبتها
وجه أنظاره إلى الأمام عندما رأها أتيه نحوه
نمت إبتسامة صغيرة على وجهه وهو يتأملها
فتاة تستهويها النفس دون أدني مجهود
يعشق جمالها الهادئ الذي لا تمل أبداً من تأمله
فتاة صغيرة ليس إلا...لديها وجه طفولي
فرحها وحزنها مثل الأطفال تماماً من يراها من بعيد يظن أنها ذات الشخصية الصعبة ولكن من يقترب منها يعرف أنها طفلة من داخلها
عيناها التى حتى الآن لا يعلم ما لونها تطعله يخُر صريعاً لها
إبتسمت هي الأخري إبتسامة واسعة وهي قادمة نحوه ومن ثم سحبت الكرسي الموجود أمامه وهي تقول متسائلة:
-إتأخرت عليك؟
-إتأخري براحتك يا ستي ولا يهمك
قالها بمزاح وهو ينظر لها برموشه الكثيفة بنظرة مدققة
أخفضت وجهها على الطاولة وقالت:
-أنا أسفة بس الطريق كان زحمة
-ولا يهمك...ها تشربي إيه
-مانجا
أماء لها برأسه ...ثم أشار للنادل أن يأتي وأخبره أن يجلب كأس مانجو وكوب من القهوة سادة
-مالك متوترة ليه
خرج السؤال من فم يونس مستغرباً لإلتفاتها حول نفسها
أردفت بإرتباك مجاوبة على سؤاله :
-خايفة حد يشوفنا
رد عليها بإستنكار لحديثها الغريب بالنسبة إليه:
-ما اللي يشوفنا يشوفنا إيه يعني...إحنا بنعمل حاجة غلط؟!!
-لاء مش بنعمل بس لو أحمد شافنا أو أي حد من أهلي هيبقى فيه مشكلة كبيرة ليا
-غريبة مع إنك كنتي عايشة في بلد متفتحة جداََ يعني المفروض تكوني أوبن مايند عن كده ،إحنا أصدقاء وقاعدين في مكان عام بنتكلم فين المشكلة؟
أنهى حديثه وهو ينظر لها مدققاََ على تعبيرات وجهها أثر حديثه...يريد أن يعرف إذا كانت فعلا من هذا النوع أم لا،كان إختبار مبطن لها
لم تفهمه
فردت على حديثه بالرفض قائلة:
-لاء طبعاً مش معنى إني كنت عايشة في الغرب أبقى أوبن مايند أو أبقى زيهم...أنا بابا كان حريص جداً إني أفضل على أخلاقي لدرجة إنه كان بيختارلي صحابي هناك
أخفض عينه من على وجهها..وإبتسم إبتسامة لم تظهر على وجهه،إطمئن قلبه فهو كان يريد أن يعلم إذا كانت دخلت في أي علاقة مع شاب أو كانت تفعل ما يفعلوا بالغرب أم لا
ولكنه لم يتسطيع أن يسألها بشكل مباشر
لذلك إستخدم تلك الطريقة الملتوية في الحديث
أسترسلت حديثها وهي تقول له بحزن على ما إقترفته:
-تعرف إني قلعت الحجاب وأنا هناك
رفع أنظاره مرة أخرى لها وقال بتساؤل يملؤه الإستنكار:
-قلعتي الطرحة؟!!
أماءت له برأسها وهي تقول له موضحة:
-جت عليا فترة دخلت في مرحلة إكتئاب كبيرة بسبب تنمر صحابي في الجامعة عليا
وده طبعاً لأني عربية وكمان لابسة طرحة
وكانوا بينادوني بالإرهابية كمان...فقررت إني أخلع الحجاب وبابا أيدني في القرار ده لأني كنت بدأت أشوه الحجاب بلبسي الضيق وشعري اللي بقى يبان من الطرحة
-وإيه اللي خلاكي تلبسيه تاني
خرج السؤال من بين شفـ ـتيه مستعلماََ
-يوم خطوبة أحمد ورقية فارس مكنش يعرف إني قلعت الحجاب لأني مكنتش بخرج
طبعاً لقاني نازلة بفستان شبه عا.ري وبشعري
إتهزأت وحلف إني مش خارجة بالمنظر ده ولا هحضر الفرح غير وأنا لابسة طرحة وفعلا غيرت ولبست طرحه عشان أروح الخطوبة
وبعدها جالي أوضتي وفهمني حاجات في الدين كنت غافلة عنها.. لدرجة إني يومها قعدت طول الليل اصلي وأعيط لربنا عشان يسامحني
-إنتِ كنتي مهزوزة مش أكتر يا لين وفي بنات كتير كده حالياً ومش في الغرب ولا حاجة لاء دول في مصر...بس القوة في إنك تعودي لصوابك تاني وترجعي لربك،ودي حاجة يتشادلك بيها إنك هزمتي شيطانك
❈-❈-❈
مسطحة على الفراش تنازع من كثرة الألم....
وجهها شاحب للغاية مثل الأموات تماماََ...حواجبها ممسوحة لا يوجد بها شعرة واحدة،رقبتها منتفخة بشدة كما ولو كانت منفوخة بتدخل شخص ما
دموعها تهبط على وجنتيها وهي تآن من كثرة الآلم تلتوي يميناً ويساراً برأسها،تلك اللحظات
تكون أسوء لحظات في يومها تشعر بالحسرة على حياتها وعمرها الذي هُدر...وجعها النفسي أكثر مئة مرة من هذا الوجع
تشعر بنفسها مُهانة عندما يداهمها هذا الوجع
القاتل...تشعر بالحسرة على نفسها فهي من كانت تتمتع بصحة جيدة وجمال باهي
ترقد الآن على الفراش ترى الموت بأعينها
شعرت بالدماء تسيل من فمها...فنظرت لز.وجها الواقف بجوارها ينظر إلى تألمها ودموعها بقلة حيلة،هو من لا يشفق على أحد،يقف الآن أمامها وقلبه يأن من الوجع عليها...لم يعلم قيمتها سوىٰ الآن وهو يراها تذبل وتذبل بسرعة فائقة
ندم على كل لحظة قسى عليها بها وأشعرها بالنقص،كل مرة خانها بها بمعرفتها...يريد وبتلك اللحظة بشدة أن تأخذه بأحضانها ليبكي ويطلب منها السماح...
أغلق عينه قليلاََ حتى يستجمع شتات نفسه،وإتجه نحو الكوميدينو المجاور للفراش وسحب من علبة المناديل الموضوعة عليه عدة مناديل ومن ثم إستدار إليها ومسح فمها من الدماء المتساقطة عليه وهو يكبح دموع عيناه
ألقى المناديل بسلة القمامة المجاورة للفراش وهو واقف مكانه،ومن ثم نظر إليها مرة أخرى وجدها مثبتة أنظارها عليه وهى تتأمل وجهه
صعوداً ونزلاََ
خرج صوتها مرهق كثيراً من أثر ما تُعانيه وهي تقول بتهكم:
-إيه يا علي زعلان عليا
لم يرد عليها ولا على سؤالها المتهكم الذي معها كل الحق به مُغيراََ مجرى الحوار لا يُريد تذكر دنائته معها الآن...أردف بنبرة جدية حاسمة لا يقبل فيها نقاش:
-إنتِ لازم تعملي العملية النهاردة قبل بكرة يا شمس
هزت له رأسها بالنفي بوهن شديد وهي تقول له بجدية:
-مش هعمل عملية غير لما إبني يكون جمبي
ثم إسترسلت حديثها بتوسل ورجاء:
-عاوزة أشوفوا قبل ما أموت يا علي
إقترب الخطوة الفاصلة بينه وبين الفراش
وضع يـ ـده فوق خاصتها بحنان وهو يقول:
-صدقيني قولتلوا وعرفته كل حاجة وقالي إنه جاي النهاردة وبعتله السواق كمان...بس مش عارف كان بيسرح بيا ولا إيه
نزلت دموعها مرة أخرى بعدما كانت جفت وقالت بصراخ:
-منك لله يا علي إنتَ السبب في بعده عني...حرام عليك كنت سبهولي أتسند عليه مش كفاية أخته اللي راحت من بين إيـ ـدينا
-إبنك مشي عشان جبان مش بسببي أنا يا شمس
-معاك حق هو اللي مشي بمزاجه وهنت عليه
يسبني ويمشي وأهو دلوقتي لما إحتاجته هُنت عليه برضو
دخل مازن الغرفة من بابها المفتوح بسرعة عقب سماعه لجملتها الأخيرة :
-عمرك ما تهوني عليا يا أمي
صدمت بل صعقت عندما إستمعت إلى صوت إبنها الغائب منذ سنوات فـ والله هو صوته لم تخطئ به أبداََ ولو مرت السنوات
أدرات وجهها سريعاً ناحية الباب...رأته يقف أمامه وهو موجه أنظاره بالكامل لها
لا تعرف كيف ومتى أتى،ظهر بلمح البصر كما لو كانت الأرضية الذي يقف عليها هي من زرعته مكانه
وجدته رجلاً بالغاََ وليس ذاك المراهق الصغير
الذي كان يرقد بأحضانها في المساء ويشكي لها همومه....
خرجت همسه صغيرة من شـ ـفتيها هاتفة بإسمه غير مصدقة لما تراه أمامها
تقدم مازن إلى الأمام قاصداً الفراش الراقدة عليه حتى وقف أمامه تماماً بمحاذة أبيه
فرت دمعة وحيدة من عينه عندما رأى منظر والدته التى كانت كالبدر المنير سابقاً،أخذ المرض منها مأخذه،راقدة دون حول ولا قوة
رفعت يـ ـديها تلمس وجهه بحنان وإبتسامة صغيرة نمت على شفـ ـتيها...وقوفه أمامها الآن كالحلم بالنسبة لها لا تصدق أنها رأته بعد كل تلك السنين ويـ ـدها ملامسه وجنته
وضع يـ ـده على خاصتها الموضوعة على وجنته ومن ثم طبع عليها قبلة مطولة وهو يقول بصوته الحاني:
-وحشتيني يا ماما
لم تفعل شئ سوا أنها أخذته بأحضانها بقوة لم تعلم من أين أتتها..وأجهشت في البكاء بأحضانه،ثواني وكان هو الآخر يبكي معها وهو يدفس رأسه برقبتها،يبكي بكاء الأطفال بكاء لم يبكيه عندما زهق قلبه وتفتت من الوجع
كان يشتكي لها ببكائه عن وجعه الذي مازال حتى الآن يشعر به بالرغم من مرور السنين عليه...يبكي على شكل والدته الجديد عليه
سلب المرض منها جمالها الذي كانت تتمتع به دون رحمة...يبكي على محبوبته التي خانته وخانت قلبه المخلص لها...يبكي على عدم شرف أبيه الذي دمر له حياته سابقاً وجعله إنسان لم يكن عليه يوماً
أما هي فكانت تبكي شوقاََ له وشوقاََ للعمر الذي ضاع من دون وجوده..تشكي له قسوة أبيه عليها،وقسوة المرض وآلامه التي لم تعد تستطيع تحملها،تبكي إشتياقاََ لفتاتها الصغيرة التى سُلبت منها....تشكي وتشكي وتشكي ولكن كل هذا دون حديث مرئي...شكواها تتمثل في بكائها مثله تماماً
بعد مازن عن أحضانها قليلاََ ومد يـ ـديه يمسح دموعها التى كانت تهبط على وجهها كالشلالات ومن ثم رفع كفه يمسح دموعه هو الآخر
وقال بصوت متحشرج من أثر البكاء:
-إنتِ لازم تعملي العملية النهاردة يا ماما
أماءت له برأسها بالإيجاب وقالت بصوت حاني :
-أعملها في أي وقت إنتَ عاوزه يا حبيبي ولو نجحت يبقى ربنا رضي عليا وهيخليني أعيش معاك الباقي من عمري ولو منجحتش يبقى رضي عليا برضو إنك اول واحد هتشيل كفني ودي كانت أمنية حياتي
هز رأسه لها وهو يقول بإعتراض على حديثها الأخير:
-متقوليش كده يا ماما عشان خاطري...هتنجح والله العظيم هتنجح وهتبقي أحسن وهتقومي بالسلامة إن شاء الله
-كنت خايفة أموت ومتحضرش جنازتي يا مازن
خرج علي من الغرفة ليتركهم مع بعض دون مقاطعتهم ودموع عيناه مغرورقة تهدد بالنزول
فمازن لم يلقي عليه نظرة واحدة ومعه كامل الحق بالتأكيد ولكن لما يشعر بتلك النغزة المؤلمة بقلبه؟
❈-❈-❈
دخلت مها صديقة سارة الغرفة بعدما طرقتها عدة طرقات وسمعت صوت صديقتها سامحة لها بالدخول
وجدتها جالسة على كرسي الأنترية ماسكة هاتفها تتفحص شئ به بدقة شديدة
ذهبت إليها وهي تقول:
-إيه يا سارة جيباني على ملا وشي ليه؟
رفعت سارة أنظارها من على الهاتف موجهها إلى صديقتها قبل أن تقول:
-تعالي يا مها شوفي اللي أنا فيه
تقدمت مها منها حتى جلست بجوارها وهي تقول بإستغراب:
-فيه إيه مالك قلقتيني عليكي
مدت يـ ـدها بالهاتف مثبتاه أمام عيناها لتريها صورة فارس وهو يمسك يـ ـد نغم
مسكت مها الهاتف بيـ ـديها بإستغراب حتى تدقق النظر بالصورة ومن ثم قالت بإستغراب:
-مين دي اللي فارس ماسك إيـ ـديها يا سارة
-بيقول إنها السكرتيرة بتاعته يا مها،بس انا قلبي مش مطمن
-فعلاََ يا سارة الصورة متدلش على علاقة مدير بسكرتيرته...البت دي وراها حاجة
قامت سارة من مكانها بغضب وقالت وهي تدور حول نفسها:
-هتجنن يا مها والله هتجنن،فارس عمره ما كان بتاع الكلام ده ومعنى إنه يمسك إيـ ـديها كده يبقى بينهم حاجة كبيرة
قامت مها ووقفت خلفها وهي تقول مهدئة إياها:
-طب إهدي يا سارة عشان تعرفي تفكري
ثم إسترسلت حديثها قائلة بتساؤل:
-هتبقى إيه بالنسبة لفارس أكتر من سكرتيرته مثلاً
-ممكن يكون بيحبها
خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيها بحزن
-طب ولو هو بيحبها متجو.زهاش ليه إيه اللي مانعه؟
فكرت سارة في سؤال مها بعمق فحقاََ لا يوجد شئ يمنعه من زو.اجه بأخرى فمن سيقدر على منع فارس بالأساس؟
أردفت وهي تتنهد ببعض من الراحة:
-مفيش أي حاجة تمنعه
-يبقى تفكي كده ومتوجعيش دماغك بالكلام ده
عادت إليها أفكارها تهاجمها مرة أخرى وهي تقول:
-بس هو أحواله مش مظبوطة اليومين دول يا مها...تخيلي انه سافر تركيا ومش هيجي غير بعد شهر!!،ودي حاجة لأول مرة يعملها
لعب الفأر بداخل مها هي الأخرى عقب جملة صديقتها التي قالتها الآن فأردفت بحسم:
-إنتِ تخدي بعضك وتطلعي بكرة على الشركة يا سارة وتشوفي البت دي هناك في الشركة ولا لاء...ولو مش في الشركة يبقى هي سافرت معاه
أوماءت إليها بشرود وهي تدعي بداخلها أن يكون حدسها خاطئ فهي تحملت كثيراً وعانت أكثر فيفوق على كل هذا خيانته لها!!...فسيكون ظلماََ كبيراً لها،تريد أن تحيا حياة طبيعية لا تعلم كيف ولكن هذا هو أملها الوحيد بالحياة
تريد أن تحياها معه أو مع غيره المهم أن تحيا
دائماََ القدر يلعب معها العاب غير عادلة...تتمني يوم أن تشعر بالسعادة كما كانت تشعر سابقاََ
كل شئ تفعله الآن من اجل إسعادها تشعر أنه ناقص
رفعت بصرها للسقف وهي تدعي ربها بسرها
أن يتلطف بها ويرزقها ما تتمنى
❈-❈-❈
تجلس على الفراش الموجود بالغرفة التي أدخلها ووضع الحقائب بها وهي تهز ساقيها بتوتر لا تعلم ماذا تفعل معه ولا كيف تعامله
مازالت تحت أثر الصدمة حتى الآن ولكن بالتأكيد لم ولن تقبل بحديثه أبداََ
قررت بينها وبين نفسها الآن أنها ستعامله كما لو لم يكن شئ حدث وهو الذي عليه الإختيار
مثلما قالت له من قبل،إرتاحت لهذه الفكرة وقررت فعلها معه فور مجيئه
ولكن لما تأخر كذلك؟...فهو فور وصولهم وإدخاله للحقائب غادر المكان سريعاً دون أن يقول شئ سوىٰ"أنا خارج ومش راجع دلوقتي"
ومن وقتها لم يأتي بالفعل فتعدى على غيابه أكثر من ثلاث ساعات،تنهدت بحسرة وهي تقول لنفسها:
-بقى هو ده شهر العسل!!!
سمعت صوت تكات المفتاح في الباب...ثواني وكان يفتح ويُغلق بقوة
قامت من مكانها سريعاً وغادرت الغرفة متوجهة إلى الخارج.....رأته يدخل دون أن يعيرها أدنى إنتباه حتى أنه تخطاها
فسارعت حتى تصل أمامه وهي تقول له بصوت هادئ:
-أنا جعانة
أنزل بصره إليها وصمت لفترة وجيزة.. فحقاََ قد مر وقت طويل على أخر وجبة تناولوها بمصر وحتى الآن لم يذيقوا ولو تمرة، شعر بتأنيب الضمير على عدم تذكره لشئ هكذا ومن ثم خرج صوته هادئاََ أكثر وهو يقول بتساؤل:
-عاوزة تاكلي إيه وأنا أطلبه؟
-أي حاجة على زوقك
قالتها وهي تنظر إليه بعمق حتى تستطيع معرفة إذا كان غاضب منها هي أم حدث شئ أخر أحزنه
لو كان بوقت آخر لكان رقص قلبه فرحاََ على تقديمها له وجعله هو من يتريس الأمور ولكن لم يفعل شئ سوى أنه أماء لها إماءة بسيطة
وتخطها متجهاً نحو الغرفة
وقفت مكانها وهي تنظر لظهره مستنكرة لأفعاله فمن له الحق أن يحزن ويقاطعه!!؟
لما يتخذ دورها؟!...فما هذا الذي يفعله
دخلت بعد قليل الغرفة وجدته أبدل ثيابه إلى أخري بيتية مريحة ومتسطح على الفراش بتكاسل واضعاً يـ ـده فوق رأسه فوق جبهته ناظراً للسقف
لا تعلم ماذا تفعل فهي لم تقدر على هذا الصمت المبالغ فيه،فلِما هو يعاقبها بصمته هذا وهي من المفترض أن تحزن وتنأ عنه دون حديث
ولكنها قررت أنها لم تقاطعه فهو بالأخير له سبب غير الذي فكرت به وأسبابه تلك إن دلت على شئ فهو أنه مرض نفسي فليس من الطبيعي أن يفكروا الناس مثل ما يفكر هو بذلك الموضوع
اتجهت إليه حتى وقفت أمام الفراش تماماً وقالت بضجر:
-أنا جوعت أكتر يا فارس
أنزل فارس ساعده من على جبينه عندما وصل إليه صوتها،نظر إليها وقال ببرود:
-طلبت الأكل وربع ساعة وجاي
-ربع ساعة كتير يا فارس بقولك جعانة
إستقام من على الفراش فجأة وقال بإندفاع:
-تعالي كُليني يا نغم..تعالي
عادت إلى الخلف خطوة عندما إستقام بخوف وقالتبصوت متحشرج على وشك البكاء:
-إنتَ متعصب عليا ليه،هو أنا عملتلك حاجة؟
-هتعصب ليه أنا هادي خالص أهو
-فارس متعاملنيش بالطريقة الباردة دي
رن جرس الباب بهذه اللحظة...فقام من على الفراش متجهاً لخار الغرفة حتى يفتح الباب لعامل التوصيل دون أن يرد على حديثها
ضربت بقدميها على الأرض كالأطفال من تصرفاته التى تثير أعصابها وبشدة...فهي لم تقدر على تجاهله مثلما فعل هو،تنهدت بضيق
وجلست على الكرسي الموجود خلفها وهي تفكر بماذا تفعل معه حتي يتخلص من هذا الأسلوب المستفز
دخل الغرفة مرة أخرى وقال لها بهدوء:
-الأكل في المطبخ إدخلي حطيه في أطباق
خرجت من الغرفة متجهة للمطبخ دون أن تعقب على حديثه وهى تشتمه بسرها
❈-❈-❈
نظر إليها بطرف عيناه وجدها سارحة في الطبق الذي أمامها ولم يلمس الطعام فمها
فأردف بتساؤل:
-مابتكليش ليه مش كنتي جعانة؟
خرجت من شرودها على صوته فرفعت انظارها من على الطبق إليه وقالت بهدوء:
-فارس إحنا لازم نتكلم
-ما إحنا بنتكلم أهو
-فارس لو سمحت بلاش الأسلوب ده...إنتَ عارف قصدي على إيه بالظبط
وضع الملعقة على السفرة بعصبية ومن ثم عدل نبرته إلى الإعتدال وقال:
-مش قولتي اللي عندك يا نغم عاوزة إيه تاني؟
-يعني إيه عاوزة إيه تاني هنعيش طول حياتنا كده يعني!!!!...هتفضل تعاملني بالاسلوب ده كتير وكأني أنا اللي غلطانة في حقك مش العكس
خرجت كلماتها صائحة مستنكرة لوضعهم الذي جد
-وإنتِ لما تبقى شيفاني إنسان وسـ ـخ وبلعب بيكي تبقي مغلطيش فيا يا نغم؟
-أنا قولت كده لما إتصدمت يا فارس..تقدر تقولى إيه كان هيجي في بالي ساعتها غير إنك بتلعب بيا؟
-بلعب بيكي إيه يا بنتي هو أنا ضارب معاكي ورقتين عُرفي!!!....أنا مشيلك إسمي فاهمة يعني إيه؟
أنهي حديثه بصوت عالٍ حاد،فكلما تذكر حديثها الذي ألقته على مسمعه صباحاً تفور الدماء بعروقه من شدة الغضب
-إنتَ فاكر اللي قولته سهل يا فارس للدرجة
دي؟
ثم إسترسلت حديثها بحزن والدموع ملأت عيناها:
-الواحدة تاني يوم جوا.زها بتبقي مستنية جو.زها يقولها قد إيه هو مبسوط إنه معاها
وفرحان إنهم خلاص بقوا في بيت واحد والكلام ده...أما إنتَ قولتلي إيه،قولتلي فكريني يا نغم نجيب برشام منع الحمل
برشام منع الحمل إيه ده اللي إنتَ عاوزني أخده هو إنتَ كنت تعرف أنا بخلف ولا لاء أو إنت كمان بتخلف ولا لاء
أغمض عينه لثواني حتى يُهدأ أعصابه الذي إستثارت ومن ثم فتحها وقال بجدية:
-أنا قولتلك اللي عندي يا نغم وسبب رفضي لموضوع الخِلفة فياريت يا بنت الحلال تقتنعي وتخلي حياتنا تمشي طبيعي
ربعت ذراعيها على صدرها وقالت هي الأخرى بنبرة أكثر جدية:
-وانا كمان قولت اللي عندي يا فارس وهو إني مش هاخد حبوب ولو مش عاوز تخلف متقربش مني
ثم إستكملت حديثها وهي تقول برجاء:
-بس ياريت متعاملنيش بالأسلوب البارد ده وراعي إني لسه عروسة والمفروض إني في شهر عسل...خلينا نتعامل عادي ومش مهم الموضوع ده طالما إنتَ متمسك برأيك وأنا متمسكة برأيي
لم يتحدث ولم يفعل شئ سوا أنه مد يـ ـده
يلقي الطبق الذي كان أمامه على الأرضية
أحدث ضوضاء وتحطم الطبق إلى أشلاء
أما هي فوضعت يـ ـديها على فمها بصدمة ولم تقوى على الحديث... فهي شعرت بالخوف أن تعود إليه تلك النوبة التي أتته وهما بمصر
والتي جعلته يُكسر كل ما تقع عيناه عليه
قام من مكانه وإتجه إلى الكرسي الجالسه عليه... أخفض رأسه قليلاََ إلى أسفل حتى يكون بمستواها قائلة بصوت رجولي قوي:
-لو فاكرة إنك مسكاني من إيـ ـدي اللي بتوجعني بالموضوع ده تبقي غلطانة،مش فارس الهواري اللي يفرق معاه الكلام ده
ياااا ماسة
أنهى جملته مطولة حتى قال إسمها الذي يناديه بها دائماََ في حالات روقانه
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية