-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 28

 

قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الثامن والعشرون


فتح باب الأسطبل القديم بطرازه بقدم المنزل نفسه، تسمر بانبهار فور أن وقعت عينيه عليها، و كانت مستندة بمرفقيها الأثنين على السور الخشبي، شعرها الأسود الحريري كان يطير بتمرد خلف ظهرها وهي شاردة بهيئتها كالملاك، هذه اول مرة يرى شعرها منذ سنوات طويلة، من وقت أن كان ضفيرتين على جانبي رأسها حينما كانت طفلة، لم يتوقع في أقصى خيلاته انها من دون الحجاب تكن بهذه الروعة، لو كانت في وقت آخر كان حرم عينيه من رؤيتها كاشفة الرأس، لكنه الاَن، أو بمعنى أدق، هو علم منذ البداية انها حلاله، ابنة عمه التي انكتبت له من قبل حتى أن يعي هو لذلك.

تحرك بخطواته، وكلما اقترب من القمر، ازداد ازبهلال، وهي لم تكن تدري أصلًا لشرودها في فكر عميق وانظارها مرتكزة على الأحصنة، ليستغل هو ويخف قدمه حتى أصبح يسير على اطراف اصابعه، حتى أتى خلفها ودنى إلى أذنها يهمس بشقاوة:

' صباح الجمال .

شهقت مفزوعة لتلتف له واضعة كفها على موضع قلبها تسأله لاهثة:

- انت هنا من امتى ؟!

اجاب بابتسامة رائعة:

 - انا هنا من زماااااان، اسير لجمالك اللى يفتن ويسحر.

ابتسامة خجلة اعتلت ثغرها اخفتها على الفور لترسم الجدية، وقد اربكها حضوره المفاجيء، ثم هذا القرب لترتد للخلف عنه، وهي تحاول سحب حجابها لأعلى حتى تداري رأسها، وعقب هو:

- بتشدي في الطرحة وعايزة تدارى عني شعرك ليه؟

قطبت تجيبه باستغراب:

- كيف يعنى ما اداريهوش؟ انت نسيت الاصول ولا الحرام والحلال؟

بابتسامة خبثية رد مدحت عن قصد:

- اللي انتي شايفاه دلوك حرام، جريب جوى هيبجى حلال ان شاء الله.

فهمت قصده واستدركت تعود لأفكارها السوداء قائلة بغموض:

- إنت متأكد؟!

جملتها العابرة كانت من الغرابة حتى افقدته المرح، وكأنها ضغطت على الزر الذي ابطل السحر ليقول بتجهم:

-  وهى دى فيها متأكد ولا مش متأكد؟ انت مالك يا نهال ؟.

سمعت لتشيح بوجهها نحو المهر الصغير ووالدته، لتجيب بتذكر:

- والله انت اللى جولت، ولا مش فاكر لما جيبتلى مها خطيبتك الجديمه مثال!

تعقد جبينه ليقول بحزم:

- وافرضى جيبت مها كمثل فى لحظة غضب، دا معناه ان انتى مثلا زيها، او اللى عملتوا انا مع مها، هعملوا معاكى .

عادت تهز رأسها باستفسار سائلة:

- مش فاهمة، يعنى إيه؟.

تطلع بعينيها لحظات ليقول بثقة:

- يعنى انتى حبيبتى وبنت عمى، وما عندكيش مهرب منى، غير بطلوع روحك او روحى .

ناظرته صامتة عن الرد، وكأنها تستوعب الكلمات وهي تعود بعينيها نحو الأحصنة، ولكنه فاجئها، بأن أمسك طرف ذقنها ليعيد وجهها إليه، يقول باستجداء:

- نهال، انا طول الوجت وانا حاسسها بس، لكن كمان نفسى اسمعها منك، ريحى جلبى وجوليها .

، هى ايه؟

سألته ليجيبها بصوت يكتنفه الرجاء:

- إنك بتحبينى يا نهال، لو حاساها من جلبك جولى وريحينى .

ازاحت قبضته على ذقنها لتشيح بوجهها عنه كالسابق، ولكن هذه المرة، اشعرته بخيبة الأمل حتى هم ان يتركها بإحباطه، ولكنه وقبل أن يستدير جيدًا اوقفته بقولها:

- انت شايف الفرسه الكبيره دى؟

تطلع نحو ما تشير برأسها، ليقول باستفهام:

-  مالها الفرسة الكبيرة؟!

اجابت نهال وانظارها على نفس الجهة:

- ياما حاولت اركبها واجرى بيها زيك، لما كنت تطير بيها زمان، لحد اما فى مرة وجعت من عليها ورجلى اتكسرت، وبرضوا ما كرهتهاش، عارف ليه؟

ردد خلفها بعدم فهم:

-  ليه؟

التفت هذه المرة تجيبه، وهي تواجه بعيناها: 

-  عشان دايما كانت بتفكرنى بالمره الوحيدة اللى ركبتها معاك وانا عيلة عمري ١٢ سنة، انا  كنت ساعتها راجعة من المدرسة، وانت كنت بتجرى بيها فى البلد زى عاصم كدة، ندهت عليا وشيلتنى بإيديك الاتنين وركبتنى جدامك،  عشان الشمس كانت شديدة جوى فى يوميها، يمكن انت مش فاكر اليوم ده، لكن انا لا يمكن انسى اللحظة دى، وانا طايرة فيها من الفرح، وانتى بتجرى بالفرسة  وانا جاعدة جدامك وشايفة حلمى اللى ياما حلمتوا، اخيرا اتحجج . 

بعدم استيعاب وكأنه لا يصدق ما وصل لذهنه، رد بصوت متخم بالمشاعر:

-  يعنى من غير مبالغة، انا كنت فارس احلامك يا نهال؟

اومأت تهز رأسها وتقول بتأكيد:

- وعمرى ما شوفت حد غيرك .

اعترافها البسيط كان من الروعة كنزول المطر على الأرض الجافة للمياه، لترويها وتعيد الحياة إليها، اعترافها كان اقوى من الخيال وأقوى من الأحلام إليه، حتى جعله يقف مزبهلًا منعقد اللسان للحظات، يتأملها بنهم، يحجم نفسه بصعوبة حتى لا يفعل ما يدور برأسه الاَن، تعبيرًا عن فرحته ولهفته بكلماتها، ان يحتضنها وبقوة حتى يوجع عظامها، كما أوجعته هي بكتمانها لكل هذا العشق له بقلبها، وقد كان في أشد الحاجة إليه!

- ساكت ليه؟ هو انت مستغرب كلامي؟

سأئلته ببرائة غافلة عما يفكر به في هذه اللحظة، حتى خرجت الأجابة منه وهو يقضم بأسنانه على شفته السفلى:

- يعنى عايزانى اجولك ايه؟ دا انتى نشفتى ريجى يا شيخه بتجلك ودلعك عليا، دا انا كان ناجص انى اكلم نفسى، وابجى زى المجانين اللى فى الشارع، عشان تحسي على دمك وتريحني بكلمة حتى.

ضحكت نهال تردد بدهشة:

- يا سلام، لدرجادى يعنى ؟

هتف بها يردد بجنون: .

- لدرجادي وأكتر، ولا انتى ما كنتيش واخدة بالك كمان؟ عشان تبجى تمت.

خبئت ابتسامتها فجأة لتقول بوجع:

- وافرض كنت واخدة بالى بس مش مصدجة، إنت ناسى إنك اتجدمت لاختى!

استدرك مقصدها الصريح ليقول:

- اه، جينا للمهم، اسمعى يا نهال وعشان تعرفى من الاول، عايزك تنسى موضوع بدور دا نهائي، لأن انا نفسى نسيته من اول يوم شوفتك فيه هنا فى بيت جدى بعد سنين من بعدي عن البلد، ارجوكى دا موضوع واتجفل، يعنى كانت غلطه وراحت لحالها، بدور حاليا انا شايفها أخت مراتى اللى هى اختى فاهمانى؟

لم تركز في الأخيرة بقدر تركيزها فيما سبقتها، لتردد خلفه بانتباه:

- مراتك!

سمعها منها واعتلى ملامحه ابتسامة تعرفها جيدًا حينما يكون مصرًا على شيء ما، والذي ظهر في قوله:

- أيوة مراتى، ولا انتي عندك مانع ؟!

بخجل شديد وابتسامة مستترة نفت بهز رأسها، وهي تتهرب بعيناها عنه، لتزيده جنونًا ومشاكسة يردد:

- ما تجولي، ليكون يعنى عندك مانع ولا حاجة؟

تصنعت الجدية لتقول بتهرب وهي ترتد بأقدامها لتخفي ارتباكها الذي تفضحه عينيها:

-ماشي يا سيدي، طب انا ماشيه بجى...

بمجرد أن استدرات وجدته يتصدر أمامها بسماجة قائلًا:

- ما جاوبتيش يعنى على سؤالى؟

- ومش هارد عليك بس ها.

هتفت بها بغيظ وهي تدفعه من أمامها، لتركض مغادرة الاسطبل، يصلها صوت ضحكاته التي كانت تجلجل من خلفها.


❈-❈-❈


- يا مرارك يا انتصار، يا غلبك يا انتصار، كان دا كله مستخبيلى فين بس يا مرى يا مرى .

- هدى نفسك شوية يا ست هانم، إنتى كده ممكن تتعبى ولا تجرالك حاجة لا قدر الله.

هذا ما كانت تتفوه به الخادمة فوقية، من أجل تهدئة انتصار التي لا تكف عن الندب والنواح، بعد القبض على ابنها وزو جها، وهي تعيد:

- اتعب! هو انا لسه هتعب؟ الراجل والواد الحيلة الاتنين محبوسين، الاتنين ياخيتى الاتنين .

قالت فوقية بلؤم:

- مدام مظلومين، يبجى اكيد ربنا هيظهر برائتهم، مش هما مظلومين برضك يا ست هانم؟

برقت عيني انتصار لتردد بحزم:

- طبعا مظلومين يا ختي، ولا هو فيه حد جال غير كده كمان؟

نفت فوقية على الفور:

- أبدا يا ست هانم، انا محدش جالي حاجة، بس اصل كلام الناس كتير .

ازداد اشتعال انتصار لتهتف بها بعصبية:

- كلام إيه يا بت؟! مين اللي بيتكلم؟ وإيه بيجولوا الناس الحوش دول؟

بخبث ردت فوقية :

- ناس كتير يا هانم اللي بيجولوا إن كلام الحكومة عن العمدة صح، فى حكاية الاثارات والحشــ يش والبانــ جو .

صاحت بها انتصار منفعلة، تأخذها العزة بالأثم:

- بجى جــ وزى انا بتاع اَثارات وحشــ يش وبانــ جو، العمدة هاشم اللي تتهزلوا بلاد يجولوا عليه كدة؟ ربنا ياخدهم كلهم اللى بيتبلوا على جــ وزى بالكلام الكدب .

بملاوعة وتصنع المؤازرة كانت تردد فوقية:

- عندك حج يا هانم ، ربنا يظهر الحجيجة ويخرج العمدة المظلوم برائة، ناس ظالمه ونكارة جميل، ما بتصدج تلاجى حاجه وتمسك فيه، دا حتى البيه الصغير مصدجين فيه.

صرخت بها انتصار بعدم تحمل:

-هما كمان بيجيبوا فى سيرة ولدى؟ ومالهم بولدي ولاد الكلب عشان يجيبوا سيرته:

بتشفي داخلها واستياء تدعيه في الظاهر ردت فوقية:

- أيوه يا هانم وبيجولوا عليه يستاهل، عشان مشيوا غلط .

كزت انتصار على أسنانها بغيظ عظيم تتمتم:

- بجى انا ولدى مشيوا غلط؟ ماشى يا بلد، انا ان معرفت الناس دى شغلها مابجاش انا.

توقفت لتغمغم لنفسها:

- كله منك يا ياسين ال...... إنت السبب فى كل اللى حاصل، ومسيرى اردهولك .


❈-❈-❈


بعد مرور ساعة من الوقت

على مائدة السفرة الكبيرة جلس ياسين يتناول الأفطار، وسط أولاده، وأحفاده من حوله، ولج إليهم مدحت  هاتفًا كطفل كبير بلهفة وحماس:

- صباح الخير يا جدى، صباح الخير عليكم كلكم .

ردد الجميع خلفه التحية وقال ياسين باستغراب 

- باه، كنت فين يا عم الدكتور؟! محدش شايفك من الصبح يعني؟

رد مدحت وهو يسحب كرسي لكي يجلس ويشاركهم الطعام:

- اصل كنت بلف بالفرسة فى البلد يا جدى، وخدني الوجت ومحسيتش بيه.

تدخل عبد الحميد سائلًا بدهشة:

- بتلف بالفرسة الكبيرة كدة وع الصبح بدرى كمان، دا انت بجالك سنين ماركبتهاش!

رد مدحت بابتسامة متوسعة وانظاره نحو نهال التي كانت منكفئة بخجل نحو طبقها:

- اصلها وحشتنى جوى جوى يا بوى، واكتشفت النهاردة اني بحبها جوي.

كلماته كانت بها تلميح صريح، حتى بدأ ان بعض الجالسين قد فهمو، حتى رائف عقب قائلًا:

- هى إيه الحكاية؟! هو انت اخويا الدكتور برضك ولا حد غيرك ولا بدلوك بواحد تاني ؟!.

قال بلال يجاربه في مزحته:

- بصراحة يا عم رائف انا شاكك انه مش اخوك ، لأن اللى شايفه جدامي دا، مش واد عمى خالص اللى سيبتوا جبل ما اسافر

حربي أيضا:

- انت لازم تدور كويس يا عم رائف في الموضوع ده، حكم انا نفسي شاكك كمان

التوى ثغر مدحت يرد عليهم بحنق:

- يا بوي على أم الإستظراف، خفوا يا جماعة والنبي، محدش فيه حيل لدمكم الخفيف ده.

قالها وانطقلت الضحكات من العديد منهم، وقالت راضية مؤازرة له:

- اسم الله عليك يا حبيبى، عينى عليك باردة، سيبك من العيال دى.

التقط بلال هفوتها ليهتف مدعي الحزن:

- باه يا مــ رة عمى انا عيال برضك؟ وجالك جلب تجوليها عليا؟

ارتبكت راضية تقول نافية:

- يا حبيبى مجصديش عليك يا مري، دا انت الكبير برضك دا كلام! وزينة الشباب كمان. 

تدخل محسن يقول معقبًا:

- بطل مناكشة بخبثك دا يا بلال كدة ع الصبح، وانت يا عم مدحت انا نفسي مستغرب طلعتلك على وش الصبح بالفرسة، أصلها مش عوايدك يا ولدي.

تحمحم الاَخير ليرد بجدية يستغل التجمع:

- هي فعلا مش عوايدي، بس انا جايم النهاردة وكلي نشاط، عشان عايز اخلص موضوعى بسرعة وارجع شغلي وانا مطمن ماشى يا عم راجح .. ماشى يا جدى، ركزوا معابا الله يخليكم. 

ضحك عاصم ليقول وعيناه تنتقل نحو بدور التي كانت تبادله الأبتسام والضحك:

- حامى جوى انت يا واد عمي، بس يا ريت متنساش، ان انا كمان عايز اخلص موضوعى 

سمع منهم راجح ليتجه بسؤاله نحو ياسين:

- موضوع إيه تانى كمان؟ هو احنا مش هنفضها اياك

أومأ له ياسين يقول بمهادنة:

- بعدين، بعد الفطار ان شاء الله هفهمك كل حاجة، مش وجت كلام ع الوكل .

أكمل مدحت وهو يحاصرها بنظراته وهي كالعادة تتهرب منه:

- ماشى يا جدى نستنى لبعد الفطار، يعنى احنا هنروح فين من بعض يعنى ؟! .

بدوره سأل حربي هامسًا لوالدته التي كانت تعوج فمها يمينًا ويسارًا: 

- موضوع ايه ياما اللى بيجولوا عليه؟

ردت هديه ترمقه بنظرة ساخطة:

- ادينا جاعدين وهنشوف يا ولدى مواضيع ايه ؟! .. مع انى عارفاها .


❈-❈-❈


بعد انتهاء وجبة الأفطار، انتقل ياسين بأبناءه وأحفاده الشباب إلى المندرة، يرتشفوا الشاي ويتبادلوا الأحاديث قليلًا، قبل ذهاب كل فرد منهم إلى مصلحته، وكان المبادر بينهم مدحت بفتح موضوعه:

- ها يا جدى انت وعمى راجح، انا مش عايز خطوبة ولا كلام فاضي ، انا عايز جواز على طول .

اجفل راجح ليردد خلفه بعدم استيعاب؛

-وه، خطوبة ايه ولا جواز مين؟! 

بتسرع واندفاع رد مدحت:

- خطوبتى انا ونهال يا عمى، انا مش جايلك فى المستشفى جبل سابج انى خطبتها من جدى.

بغيظ شديد وجه راجح الخطاب نحو شقيقه:

طب جولى انت يا عبد الحميد، إن كان يعجبك الكلام ده ؟

تدخل ياسين ملطفًا، بعد ان حدج الاَخر بتحذير:

- يا ولدى ما يجصدتش، انت الخير والبركة، هو بس ملهوف شوية.

اضاف على قوله عبد الحميد:

خبرا ايه يا راجح؟ هو جدها برضوا مش زى ابوها؟

عاد راجح لانفعاله يصيح به:

- يعنى انا لو جولتلك دلوك ان بتك نيره خطبها حربى من جدها من غير ما يجولك، هتزعل ولا مش هتزعل؟

تمتم حربي ساخطًا:

- وايه اللى جاب سيرة حربى دلوك؟ وه!

تدراك عبد الحميد فقال لترضية أخيه:

- إنت عندك حج فى كل زعلك يا واد ابوي، بس كمان هو ميجصدتش يجلل منك.

قال مدحت أيضًا:

- حاش لله يا عمى انى اجلل منك ولا حاجة، انا بس عايز اختصر واتمم جوازي على طول.

زم فمه راجح يرد بضيق:

- طب اها شوف يا بوى بنفسك، الدكتور عايز يتجوز على طول، هو انا لسة وافجت ولا اتاخد رأيى عشان تقرر من مخك وعايز تتجوزها طوالي.

قال الأخيرة بعصبية نحو مدحت الذي ارتبك من تعنت عمه الشديد، وتولى ياسين الرد عنه:

- يا ولدى ما يجصدتش، دا بيجولك عشان ياخد رأيك جدامنا كلنا اها.

تدخل عاصم:

- طب وبالمره كمان، يا ريت تجولى رأيك فى موضوع جوازى انا من بدور يا عمى .

عقب حربي بتهكم:

- وانت كمان يا عاصم؟ دي احلوت جوي!

رد محسن بعتب مبطن فهمه ياسين:

- ايوه يا ولدى، اصلك ما تعرفش ان عاصم خطب بدور من جدها هو كمان؟

قال حربي حانقًا:

- وه دا انا على كده اخر من يعلم فى العيله دي، خبر ايه يا جدى؟! إنت مش جولت محدش هيتجوز بدور من العيلة واصل، إيه اللى حصل بجى؟

تمتم سالم بضيق:

- لا اله الا الله، خبر ايه يا جماعة هو هنجلبها نكد ليه بس ؟! ما كنا زين من شوية. 

رد ياسين بحسم:

- ربنا ما يجيب نكد ان شاء الله، بس يا حربى انت وابوك محسن عشان تفهموا، انا مخطبتش حد لحد، المرة دى البت هى بنفسها اللى جالت عايزة عاصم واد عمى، ومدام البت اختارت واد عمها، مجدرش انا اوجف الحال .

قال بلال بفضول:

- خبر ايه يا جدعان؟ أنا جاعد وسطيكم زى الاطرش فى الزفه ومش فاهم؟ اللى عرفتوا هو ان مدحت يبجى خطيب نهال.

صاح به راجح بتذمر:

- اها شوفتوا انا بجول إيه؟ الكل فاكره خطيبها من جبل انا مااعرف ولا ادى راى حتى!


-❈-❈-❈


خلف باب المندرة كانت وقفة النساء الاَتي يتابعبن بتركيز شديد كل كلمة تصدر من الرجال، وكل واحدة منهن تدلي برأيها

فقالت صباح:

- راجح باين عليه زعلان جوي؟! ومش موافج ع الجواز .

عقبت راضية بضيق:

- ليه بس يعجد الدنيا؟ بعد ما احنا خلاص ما جولنا عليها هتفوك .

ردت هدية مدافعة:

- حجه مدام محدش خد شورته من الاول، مش هو ابوهم وأولى بالشور والجول .

سميحة هي الأخرى:

- باه ، وهو فيه حاجة تمت يعنى ؟! دا جوزك معجدها جوى يا نعمات.

ردت الاخيرة:

- بجولكم ايه، أنا جوزى غلبان وانتوا اكتر ناس عارفينه، بس كمان هو واخد على خاطره وحجه انه يتراضى .

دافعت راضية:

- ويعنى هيراضوه بإيه بس ؟! .. دا عجله صغير دا كمان .

غضبت نعمات لتهتف بها بتهديد:

- لمي نفسك يا راضية، بدل ما اوجفلك انا الحال .. واخليها تاجى منى .

شهقت راضية لتحتضنها وتقبلها بتملق ظاهر:

- وه يا حبيبتى يا غالية انتى، ويهون عليكى تفرجى الدكتور عن الدكتورة، دا انتي الزينة اللي فينا.

ضحكت نعمات تقول بتشديد:

- ايوه كده خلينا نسايب وحبايب احسن .

عقبت سميحة بمزاح ضاحكة هي الأخرى:

- ايوه كده يا راضية خليكى مأدبة وعاجله زيى .

ضربت صباح كفيها ببعضهما قائلة:

- شوف يا ختي الحريم وكهنها، خلاص بجيتوا حبايب ونسايب، مش لما ابوهم يوافج الأول.

هتفت بها راضية بتصميم:

- هيوافج ان شاء الله، بس جولى اَمين يا وليه انتي وهى .

بنفس واحد رددت نعمات وسميحة خلفها:

- اَميين، امين يارب. 

بغيظ مكتوم تمتمت من خلفهن هدية:

- ربنا يهنى سعيد بسعيدة


❈-❈-❈


وفي جهة قريبة كانت وقفة الفتيات نهال وبدور ونيرة التي علقت وهي تضحك:

- اللحجوا يا بنات، أمى وامكم بجوا حبايب خلاص .

تمتمت بدور تقارعها:

- عشام امك عايزة تتم الجوازة بأى شكل .

ردت نيرة بتبرير:

- ومالوا، ما هى نفسها تفرح بااخويا برضك، دا احنا من ساعت ما جوزنا اختى زهرة، الفرح ما دخل بيتنا تانى .

- ربنا يجيب الفرح عن جريب ان شاء الله .

قالتها بدور بتمني، لتنتبه نيرة على رفيقتهم الثالثة فتوجهت نحوها تشاكسها:

- ايه يا ست نهال ساكتة ليه والأمر كله يخصك؟ يا مــ

رة اخويا يا حلوه انتى .

- مــ رة اخوكى إيه بس يا نيرة؟ هو انا لسه اتخطبت الاول؟.

قالتها نهال لتهتف بها بدور ترد بلهفة:

- لهو انتى مش سامعة العركة اللى جوا؟ واد عمك عايز جواز على طول وابوكى لسه بيفكر .

بتفكر عميق ردت نهال:

- والله سامعة، بس برضوا مستنية رأى ابويا الاول، ماهو كمان انا عايز اكمل سنتى ع الاجل .

التفت نيرة نحو المندرة لتقول متابعة ما يحدث هناك:

- يعنى وبعدين، دا مدحت اخويا عاملها عاركه جوا، ربنا يستر ونشوف ايه اخرتها،


❈-❈-❈


وعودة إلى داخل المندرة

وكان النقاش محتدًا بين مدحت الذي كان يحاول باستماتة لتنفيذ ما براسه بالزو اج من نهال، مع راجح المُصر على رأيه، وياسين وأولاده يتدخلون عند اللزوم بالكلمات اللطيفة للتوفيق:

- ما خلاص بجى يا راجح، الواد ولدك والبت بتى .

قالها عبد الحميد، ليضيف سالم هو الاَخر:

- خلاص بجى يا واد ابوى، انت طول عمرك طيب وعمرك ما عجدت موضوع .

رد راجح:

- طيب جوى، ما هى طيبتى دى هى اللى جايبهالى .

قال محسن بابتسامة :

- دا انت احسن حاجه فيك طيبتك دى، هو انت ربنا كرمك ليه ؟! غير عشان طيبتك دى .

تدخل بلال ايضًا بصوت عالي:

- يا عم راجح، وافج بجى خلينى اشوف فرح فى العيلة دى جبل ما اسافر .

التقطها مدحت ليقول بتعب:

- جولوا يا بلال، جولوا يا واد عمى .

تابع عبد الحميد برجاء:

- ايوة يا ولدي جول، خلى العجده تتحل بجى وعمك يحن علينا شوية.

صمت فجأة راجح يلتقط نفسًا طويلًا يوزع انظاره على الجميع قبل ان يقول ببعض اللين:

- طب أعرف الأول إن كان حربي زعلان ولا لاه؟

رد الاخير يجيبه:

- خلاص يا عمي، كل شئ نصيب، وانا نصيبى جاعد وان شاء الله هعتر فى بت الحلال.

هلل عاصم بفرح :

- الله يريح جلبك يا واد عمي، ايوة كدة خليني افرح صح.

رفع مدحت كفه في الهواء قائلًا:

- كده ما فاضلش غير موافجتك يا عمي، توافق عليا وعلى عاصم وتبجى الفرحة فرحتين. 

رد راجح بلؤم:

- طالعة معايا اجولكم ادونى وجت افكر فيه ، بس معلش بجى .. خلوها عليا المرة دى وكفاية عليكم لحد كدة.

ضحك ياسين يقول وقد صدق ظنه في تفكير ابنه وما يدور برأسه من أول الجلسة:

- تجصد ايه يا واد نحمدو؟ والله انا كنت فاهمك من الاول بس سايبك تكمل للاخر .

رد راجح يبادل والده الإبتسام:

- الله يسامحك يا بوى، خلاص يا عيال انا موافج ع الخطوبة.

هلل مدحت مرددًا:

- الحمد لله، أيوة كدة اَخيرا يا عمى.

خاطبه والده ضاحكًا:

- عمك كان بيلعب بينا يا دكتور.

سالم بابتهاج يغمره وجه خطابه للنساء الواقفات على مدخل المندرة:

- ما تزغرتي يا بت انتي وهي، مستنين إيه؟ خلو الناس اللي في الشارع تعلم بفرحنا.

سمعت السيدات وكان بمثابة صفارة البدء لتنطلق اصوات الزغاريد منهن بصخب ليشيع جوًا من الفرح مع مباركات الشباب لبعضهم البعض والرجال حتى نهض رائف من جوارهم مستئذنًا:

- أنا رايح اضرب عيارين فى الهوا احتفال.

أوقفه ياسين بقوله:

- إستنى يا رائف، ما تبجاش خفيف وخليها يوم الخطوبة بالمرة.

جلس رائف بطاعة، وهتف مدحت باعتراض:

- خطوبة ايه يا جدى؟ انا بجول جو از .

رد راجح بعدم استيعاب:

- هتتجوزها كيف وهى لسه بتدرس ؟!.

تدخل ياسين:

- أنا بجول اخلى الخطوبة بكرة ، مدحت ونهال و بدور وعاصم، والفرح بعد ٦ شهور يبجى فى يوم واحد، واهو يكون بدور كملت سنها و عاصم ربنا عفا عنه .

رد مدحت بانفعال:

- وانا مالى بالاتنين، أنا عايزها تكمل وهى بيتى.

صاح به بلال:

- وه يا مدحت، دا انت دماغك عفشه جوى .

وقال راجح:

- طب وليه الزنجة هى طارت يعني ما تستنى ٦ شهور.

رد مدحت بإصرار:

- واستنى ليه وانا راجل جاهز؟ ها يا عمى انا مش ماشى من البلد دى غير وهى مرتى .

هم راجح ان يرد ولكنها نهال هي التي سبقت بان اخترقت المندرة: 

- بعد اذنك يا بوى، اللى جاعدين عمامى وعيال عماني يعني مش اغراب، وانا بجولك اها، خليها خطوبة وبس.

رأى مدحت ذلك، ليكز على أسنانه من الغيظ حتى كاد أن يقتلع شعر رأسه، خصوصًا وقد أخذها فرصة عمه ليقول بتسلية:

- يعنى انتى يا بنتي مش عايزه جواز دلوك؟

ردت نهال بثقة متجنبة النظر نحو الاَخر والذي كان يخرج الدخان من أذنيه وأنفه:

- ايوة يا بوي، ع الاجل اكمل سنتى الدراسية، دا رأيى وجولتوا سلام .

قال راجح مبتسمًا بتشفي في مدحت:

- البت جالت رأيها يا دكتور، يعني احنا مينفعش نعارض .

بإصرار ازداد أضعاف صاح مدحت بعند:

- وانا جولت مش ماشى من هنا غير وهى على زمتى، ها جولت ايه يا عمى ؟!!! .


 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة