رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر - الفصل الأخير الجزء الثاني
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الأخير
الجزء الثاني
على طاولة قريبة من منصة العرس كانت تضم مجموعة من أفراد العائلة، انضم بها صديقات نهال، نهى وبثينة حيث كن يشيرن إليها كل دقيقة وعلى أتفه الأشياء بتعبير صارخ عن فرحتهن بها، ونيرة تشاركهن، وتفعل المثل مع صديقتها بدور هي أيضُا.
سألتها بثينة بفضول:
- قوليلى يا نيرة، هو مين الجدع دا اللى كل شوية يجى يكلمك ويهزر معاكي؟
ردت نيرة بسؤال أيضا:
- انت جصدك على وائل؟
- وكمان اسمه وائل؟ يا حلاوة، دا قريبك ولا معرفة؟
قالتها بثينة بمرح، لتجيبها نيرة وهي تشير بإبهامها، نحو الجهة الأخرى من الطاولة، حيث مجموعة من النساء :
- جريبي طبعً، شايفين الست الحلوة دى اللى جمب عمتي صباح، اهى دى تبجى بنتها اللى متجوزه فى اسكندرية، ودا وائل ابنها اكبر ولادها .
تدخلت نهى تدلي برأيها:
- ما شاء الله، تصدجي فيه شبه منها.
اضافت على قولها بثينة:
- لا وشكله كدة معجب بنيرة.
- معجب بيا انا ليه يعنى؟
هتفت بها نيرة بعدم تصديق، وقالت بثينة مؤكدة:
- ايوة يا بنتى دا حتى باين اوى من نظرته ليكي.
- مش لوحده! على فكرة الجدع اللى هناك ده برضو عينه متشالتش من عليكى من اول الفرح .
قالتها نهى بإشارة خفية برأسها نحو حربي، لتقع عيني نيرة عليه ثم صرفت بنفسها عنه معقبة:
- لا دا سييبك منه وافتكرى حاجة عدلة، دا تلاجيه عايز يتخانج معايا .
رددت بثينة باستغراب:
- يتخانق معاكي، كده من غير سبب؟
- ايوه من غير سبب، هو كده !
❈-❈-❈
وعلى منصة العرس، وبعد أن استقروا على مقاعدهم ، لتهل أفواج المهنئين من الأصدقاء والأحباب، فظل العريسان على قدميهم وقفان لقرابة الساعة يلتقفوا التهاني والمباركات والتقاط الصور التذكارية.
عاصم والذي جلس اخيرًا ليريح قدميه، فاتحًا ازار سترة حلته الأنيقة، انتبه على نظرتها ليسألها:
- إيه مالك بتبصيلي كدة ليه؟
بابتسامة عريضة ردت تجيبه:
- أصل شكلك حلو جوي بالبدلة يا عاصم.
شاكسها رافعًا حاجبه بخطر يقول:
- يعني انا عاجبك ، وانتي كمان اللي بتتغزلي فيا يا ست بدور؟ لا دا انتي بابنك نويهالي النهاردة.
ختم الأخيرة بغمزة وابتسامة متوسعة جعلت بدور تضحك قائلة بتحذير:
- بطل تغمزلي يا عم انت، هتبان في الكاميرا.
ذهبت أنظاره نحو ما تذكر ليعود إليها وعيناه تجول على جمال وجهها الفتان وما ترتديه من فستان أبيض يجعلها كاميرة في الخيال، يشعر أنه في حلم بعد أن تحقق المستحيل بالارتباط بمن يعشقها، ويرى أيضًا عشقها له في نظرة عينيها إليه، فقال يداعبها:
- يعني بتنكشيتي وبعدها تجوليلي خلي بالك من الكاميرا، ماشي يا بدور، خلي الغمزة بعدين، وجتها جاي جريب جوي، خلاص هانت
سمعت منه وكان ردها ضحكة كبيرة، تحاول لململتها بحرج منه
❈-❈-❈
وفي الجهة المجاورة
كان مدحت يحاول لصلح نهال التي غضبت منه بفعل غيرته الغير محدودة، حتى مع أقرب الأشخاص إليها.
- خلاص بجى، فكي التكشيرة دي وصالحي حبيبك.
ردت نهال وعيناها في لأمام تتجنب النظر عن قرب إليه حتى لا تضعف:
- يعني انت عايزني كمان اصالحك، بعد ما زعلتني وأحرجتني جدام اختي وجوزها؟
بلطف مبالغ فيه همس يجيبها:
- والله انتي عارفاني بغير وجوز اختك بجى هو زودها معاكي، فلازم تعذريني
التفت إليه باستغراب وقد أنساها برده الهادى حلمها:
- على فكرة جوز اختي مش غريب عليا وانتي عارفه، هو دايما بيهزر ويضحك معايا لأنه معتبرني زي أخته الصغيرة وانا شايفاه اخويا الكبير، انت بجى تجرص على يده بعصبية ليه؟ كان عمل ايه يعني؟ عشان بس حط ايده على كتفي بسلامة نية واحنا بنتصور، واختي بطة كمان معانا!
رد ببساطة تغيظ:
- والله انتي عارفة حبيبك بيغير عليكي من الهوا، يعني عودي نفسك.
تسمرت تطالعه بازبهلال وقد أوقف الكلمات بحلقها، واحتارت بما ترد عليه، اقترب منها بابتسامة رائعة يتابع:
- أيه؟ عندك رأي تاني؟
ابتعدت بوجهها تحاول إخفاء ابتسامة ملحة لتدعي الحزم بقولها:
- مهما حاولت تبرر لنفسك برضو مش هصالحك
- خلاص اصالحك أنا.
قالها واقترب برأسه منها يهم بتقبيلها على وجنتها، لتشهق مرتدة للخلف منه قائلة بخضة:
- انت هتعمل ايه يا مجنون؟
اجابها ببرائة:
- بصالحك يا جلبي ، واللي يشوفني هيفتكرني بجولك كلمة في ودنك.
افتر فاهاها بذهول لتخاطبه بعدم استيعاب ضاحكة:
- اقسم بالله انت ملكش حل .
❈-❈-❈
كلمات ياسين مع كل تصرف يصدر من هذا المدعو وائل، والذي لا يرفع عينيه عنها بشكل زاد عليه بالضيق مع قلق غير مبرر يشعر به، حتى اصبح يزفر باختناق، ليترك القاعة حتى يتلمس بعض الهواء النقي يتنشقه، ليتفاجأ بابن عمه الأكبر بلال، يقف بزاوية وحده يدخن سيجارة مع نفسه وذهنه شارد في نقطة ما في الفراغ أمامه، لدرجة جعلته لا يشعر به حتى اقترب منه يخاطبه:
- واجف لوحدك بتعمل ايه يا باشا هنا في الضلمة؟!.
التف متفاجئًا بحضوره حتى سأله باستفسار:
- بتجول حاجه يا حربى؟
سمع منه الاَخير ليردد ضاحكًا:
- وه كمان مش واخد بالك من اللي بجوله؟ ايه بجى؟ سرحان فى ايه يا عم بلال؟
لم يستجيب الاَخر للمزاح، بل نفث دخان كثيفًا بسجيارته وهو يعود للشرود بتنهيدة مثقلة يقول:
- يعنى هكون سرحان فى ايه بس؟ فى الدنيا الغريبة دي، تسافر .. تبعد .. وترجع فى لحظة تفتكر كل اللي وجعك واكنه كان امبارح!
- وجع ايه يا واد عمى اللى فكر تانى عليك ؟!
سأله حربي بقلق لنبرة الحزن في صوت الاَخر، والذي صمت دون أن يجيبه، ليلتف إليه بعد قليل وينهي الحوار الغامض:
- بجولك إيه؟ ما تياللا بينا ندخل، الفرح جرب يخلص، واحنا جاعدين هنا زي المتعايس، حرك رجلك وتعالى ورايا يالا .
قالها وتحرك ذاهبًا للعودة للقاعة، متجاهلًا الرد والتساؤلات العديدة في نظرات الاَخر، والذي تفاجأ بهذا الوجه الجديد الحزين لابن عمه، المعروف عنه المزاح الثقيل والضحكات الصاخبة .
خطا حربي ليلحق به، وجلس بجوار رائف الذي كان مشغولا بالمرح مع اصدقائه، ليأخذ الفرصة هو لمراقبة بلال الذي رفع ابنته الصغيرة عن الأرض فور دلوفه، ليحتضنها ويداعبها كي تصدر الضحكات الرائعة منها، كان يراه فعل طبيعي يصدر من أب حنون مع طفلته، قبل أن ينتبه على النظرات الخاطفة نحو الطاولة القريبة التي كانت تضم عائلة عمه راجح وابنته بطة التي كانت جالسة تضع ابنها الصغير على حجرها، مندمجة في الحديث مع زوجها الجالس بجوارها يمازحها ويمازح طفلها، غافلين عمن يختلس النظرات نحوهما بحسرة.
إلى هنا وانكشف السر أمام حربي ليفهم ما يؤلم ابن عمه ذو الشخصية القوية والمؤثرة مع الجميع، الشقي الذي يفوز بكل معركة يخوضها، إلا واحدة فقط، وهي معركة العشق، حينما أحب ابنة عمه وفضلت عليه ابن خالها قديمًا .
تمتم حربي بعدم استيعاب مندهشًا
- معجولة لسه بتحب بطة يا واد عمي؟ حتى بعد ما سافرت واتجوزت واحدة زى الجمر ومتفرجش عنيها في الجمال؟ دا حتى حكايتك كانت عاديه حسب ما سمعت، اتجدمت تخطبها وهى اختارت ابن خالها، وخلص الموضوع وانت سافرت واتجوزت وو...
انتفض فجأة باستدراك، يراوده إحساس غريب، وهو يرى زوج بطة يشبه كثيرًا هذا المدعو وائل!
بدون تفكير وجد نفسه ينهض من مقعده بجوار رائف ليسحب كرسي اخر ويجلس بجوار والدته وجمعة النساء، لتهتف به فور رؤيته كعادتها
- ها يا حربي، عجبتك واحدة في الفرح النهاردة تصلج تخطبها يا ولدي،
رد بسأم :
- واحدة إيه بس يامٌا؟ هو انتي معندكيش غير السيرة دي كل ما تشوفيني؟
قالت هدية بانفعال:
- وفيها إيه بس يا ولدي دا حتى البنتة هنا يشرحوا الجلب، كل واحدة أحلى من التانية.
صمت عن الرد فقد كان عقله مشغولا بالأخرى التي أصبحت تحتل تفكيره هذه الأيام، وهذه الليلة تقريبًا لم يرى غيرها، رغم وجود الكثير كما أردفت والدته
أجفلته صباح بتدخلها، وقد سمعت ما دار من حديث بينه وبين والدته، فقالت مخاطبة والدته:
- إيه يا هدية؟ انت لسة برضوا مالجتيش عروسة؟!.
ردت الاخيرة بحماس:
- أنا اخترت كذا واحدة هنا، بس الأهم رأيه هو طبعًا، يوافج بس على واحدة منيهم.
توجهت صباح بحديثها لحربي:
- وافج على واحدة منيهم يا واد وانا اعملك خطوبتك انت ووائل مع بعض .
سألتها هدية:
- ليه بجى؟ لجيتي عروسة لواد بتك؟
ردت صباح بغمزة بطرف عيناها:
- وهو لسه هايدور يا حبيبتي؟ ما العروسة جاعدة اها وعجبته من اول ما شافها هو وامه؟
سمع حربي وانتبه نحو ما تشير إليه، ليشعر وكأن الأرض تميد به، وكأن قبضة قوية تضغط على قلبه، لتزوغ عيناه، وهو ينقل بأنظاره نحو نيرة التي كانت جالسة مع الفتيات ولا تدري بما يدور فوق الطاولة هنا، وبين هذا المدعو وائل، وهو يرقص بين الشباب يخطف النظر كل دقيقة نحوها
❈-❈-❈
انتهت اخيرًا الليلة الكبيرة ليُزف كل عريس وعروسه إلى غرفتهما بداخل الفندق الذي تم الحجز به للاستراحة وتبديل الثياب، من أجل السفر بعد ذلك لقضاء شهر العسل في الساحل الشمالي
عاصم وبعد أن اغلق باب الغرفة جيدًا، تقدم خلفها بخطوات متمهلة، قلبه يضرب بالسعادة ولا يصدق أنه بغرفة واحدة معها، اغلق بابها بنفسه ، كانت معطية له ظهرها، اقترب ليداعبها ولكنه أجفل على هذه النظرة الشاردة منها وكأنها غير مندمجة ولا يصلها سحر هذه اللحظة بينهما.
حتى سألها قاطبًا:
- مالك يا بدور، في حاجة مزعلاكي؟
تحركت مقلتيها بحركة مكشوفة أليه لتنكر بكذب:
- لا طبعًا مفيش !
بحدة طالعها وبثقة تامة يقول:
- لأ فيه، واختصرى يا بدور واتكلمي على طول عشان انا فاهمك اكتر من نفسك .
ضغطت على شفتيها تتمتم بإحراج:
- طب ما تجولش عليا هبلة.
تكلم بجدية يحاول إخفاء ابتسامة ملحة لهيئنها:
- مش هجول هبلة ولا اتريج، بس انجزى ياللا.
بتردد خرجت الكلمات منها كالهمس وبخجل متزايد مسبلة أهدابها بخفر:
- بصراحة يعني،، انا كنت بحلم انك تدخل بيا شايلنى على ايدك، زي ما بشوف في التلفزيون.
سمع منها ولم يقوى على كبتها، ليجلجل بضحكة عالية، حتى أثار غيظها، وهي تحدجه بنظرات مشتعلة، تزم شفتيها وكورتها كالأطفال، لتزيد من تسليته، ولكنه تمالك اخيرًا، حتى لا ينقلب غيظها لحزن، وتوقف مجبرًا يقول مهادنًا لها:
- زعلتى!
قالها وامتدت يده، ليرفع ذقنها، ناظرًا بعينيها بعشق متابعًا بحنان:
- أنا أسف لو زعلتك، واوعي تفتكري ضحكتي دي تريجة على طلبك، بالعكس، دي بس طلعت مني عشان اتفاجأت.
- يعني إيه؟
تمتمت بها، لتجده نزع يده عنها ليلوح بها قائلًا:
- يعني إيه؟ ودي فيها سؤال؟ بجى بدر البدور تزعل وفى يوم فرحها كمان! بجى الجمال دا كله يبجى نفسه فى حاجة وعاصم ما يحججهاش!
عقدت حاجبيها تناظره بعدم فهم، قبل أن يباغتها ويدني بجسده، ليضع يده أسفل ركبتيها، ويرفعها عن الأرض بين ذراعيه الاثنان، لتشهق مجفلة بفرح، وتلف ذراعيها حول رقبته متبسمة بشغف، فقال بمرح:
- هو انتي جيتي في جمل يعني! دا انا اشيل واهشك وادلع كمان.
اصبح يتكلم وهو يميل ويدور بها وكأنه يهادن طفلة صغيرة، لتضحك هي بهستيريا وفرح، وهو يتابع بابتهاج لفرحها:
- جولى اللى نفسك فيه يا جلب عاصم وانا انفذ، أؤمري ومتتكسفيش من اى طلب حتى لو كان تافه .
❈-❈-❈
وفي الغرفة المجاورة كان الاَخر جالسًا ينتظر وأقدامه تهتز بعصبية، بعد أن تركته من أجل تبديل ملابسها، يحصي الدقائق والثواني وأنظاره تقع على ساعة يده كل دقيقة، ليمسح بكف يده على وجهه بتوتر متمتًا:
- وبعدين بجى، دا احنا كدا هنتأخر .
ارتفعت أنظاره فجأة مع فتح باب الحمام ، ليتسمر مزبهلًا لها، وعينيه تتبعها وهي تخطو أمامه، بطقم يصلح للخروج، بعد أن خلعت عنها الفستان الأبيض، شعرها الأسود الجميل منطلق فوق كتفيها وخلف ظهرها بحرية:
- معلش اتأخرت عليك.
قالتها بعملية وبدون انتباه وهي تتخطاه متجهة نحو المراَة، أوقفها بأن أمسكها من رسغها قائلًا:
- رايحه فين ؟؟
نزلت بعيناها نحو كفه التي قبضت على يدها، لتردف قاطبة:
- رايحة الف حجابي عشان منتأخرش .
ترك يدها وارتفعت كفيه الاثنين ليُحيطهم بوجهها، مزيحًا الخصلات المتناثرة عليه، ثم يلمس على خدها الناعم يردف بصوت أجش:
- مجتش على دقيقتين زياده يعني، اللحج املى عينى فيهم من جمالك.....
- ها.
تمتمت بها مرتبكة من فعله، لتتابع:
- طب الطيارة وو.....
قطعت مجبرة، وتوقفت الكلمات بحلقها، بعد أن فاجئها بتقبيله لجببهتها، ثم هبط برقة لتجول شفتيه على باقي وجهها بنعومة حتى توقف عند شفتيها، ليتذوقهم بتمهل ثم تعمق ليحيطها بذراعيه، يغمره عبيرها وطعم الشهد يجعله لا يريد تركها، وقد نسى الزمان والمكان ونسي ما ينتظرهم، قبل أن يجفل على صوت الهاتف المزعج، برنة غبية يكرهها وضعها شقيقه مخصوص، ليميز اتصاله.
تنفس بخشونه وهو يتركها مجبرًا، يتمتم بالسباب عليه:
- ماشي يا رائف الكلب.
تبسمت دون ارادتها وهو تبتعد عنه بوجه مخضب بالحمرة لا تقدر على رفع عينيها إليه، لتزيده حنقًا من أخيه حتى ختم بسبة وقحة، أجفلتها لتبرق عينيها ثم تقول بدهشة مختلطة بارتباكها الملحوظ:
- ااا رد على التليفون وانا هاروح الف حجابى .
سمع منها ليفتح على شقيقه قائلًا:
- ايوه يا زفت.
- أيوة يا باشا، بفكرك بس بميعاد الطيارة، ولا يكونش غيرت رأيك يعني ولا حاجة.
- خلاااص كفاية رغي، ادينا نازلين .
- طب وبتتعصب عليا ليه طه؟ بس معلش بجى هجدر انا اكيد رنيت في وجت غير مناسب يا دكتو.....
اغلق المكالمة ينهي المحادثة واستظراف شقيقه بعدم احتمال، ليزفر ويلقي الهاتف على التخت يخاطبها:
- دا الزفت رائف بيستعجلنا عشان ميعاد الطيارة
- ححاضر انا هخلص بسرعة وننزل على طول .
قالتها بصوت مهتز تتهرب بعينيها عنه وعن النظر بانعكاس وجهه أمامها، لتعود إليه مرة أخرى ابتسامة متسلية، ولا يشبع من متابعتها
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي، وبعد أن قضى ليلة كاملة في السهر، بدون أن يغمض له جفن، ليتنظر شروق الشمس ويأتي إلى هنا ينتظرها، على اريكة جدها، فهو يعلم بقدومها في هذا الوقت من أجل أن تأتي بالحليب للمنزل الممتلئ بالزوار من أجل حفل الزفاف والذي تم بالأمس.
وكما توقع وجدها تخرج من المنزل وقد أتت قبله، نهض عن مقعده ليخطو نحوها سريعاً حتى اوقفها بتصدره أمامها، قائلًا:
- صباح الخير .
تفاجأت بحضوره وتصدره أمامها بهذا الشكل، فردت تجيبه باقتضاب حتى تغير طريقها وتتخطاه:
- صباح النور ..
- استنى يا نيرة انا عايزك .
قالها ليعود باعتراض طريقها، ليزيد من استغرابها:
- فى إيه يا حربي ع الصبح؟
تحمحم يقول بتوتر:
- اطمني مفيش حاجة عفشة، أنا بس كنت عايز اسألك سؤال، ممكن يا نيرة؟
ردت بسأم وهي تهم بالتحرك:
- حربي مش وجته الله يخليك، دا انا ماصدجت وصلت الحليب عشان ارجع اكمل نوم .
زفر بضيق يهتف بها:
- وتجيبى انتى ليه الحليب مفيش غيرك؟
تكتفت تجيبه بنزق، بعد أن أجبرها على التوقف:
- لا مفيش يا حربى غيري، عشان خواتى الولاد انت عارف انهم مش موجودين وخواتى البنات متجوزين .
لم ينتبه لكلماتها فقد كان اهتمامه منصبًا في ناحية أخرى، ليسألها مقررًا الدخول في الموضوع مباشرة؛
- هو الواد ده اللي اسمه وائل طلبك لجواز؟
ردت مستغربة السؤال:
- لأ لسة، بس عمتى لمحت لابويا امبارح، وجالت هنكمل كلامنا بعد الفرح .
ابتلع ريقه الجاف ليتابع سائلًا:
- وانتى إيه رأيك؟
هزت بكتفيها تقول بعدم اكتراث:
- عادى يعني، انا لسه مفكرتش في الموضوع اساسا عشان ارد.
- جولى لأ وما توافجيش.
- ليه لأ؟
- كده وخلاص .
قالها بعصبية أجفلتها، لتزفر بضيق متمتمة وهي تتحرك لتتخطاه:
- كانك فاضي وجاي تسلي نفسك على أول الصبح.
- استنى ما تمشيش انا عايز اكمل كلامى .
هتف بها بحسم يمنعها من التحرك، لتصيح به بنفاذ صبر:
- يا حربي سيبنى امشى الله يرضى عنك، انا مش فاضيه لخناجة تانى معاك.
- وما سألتيش نفسك انا ليه كل شوية بتخانج معاكى؟
قالها بنبرة غريبة عنه أربكتها عن الرد، واستطرد:
- مش يمكن متغاظ منك عشان مش حاسة بيا، ولا عشان حاسس انك مش شايفانى زي عاصم و لا خواتك المتعلمين.
هذه النبرة المحتدة في صوته وهذه النظرة التي لأول تراها عن قرب منه، هذا ليس حربي الذي تعلمه، هذه كلمات تخرج منه بصدق، وتستوجب الرد عليها:
- على فكره انا تعليم متوسط زيك، وحكاية شايفانى انت بتحكم فيها على اساس زكرياتنا وخناجتنا واحنا عيال، لكن دلوك انا كبرت وعجلى كبر معايا، وبشوف كويس على فكرة، وعارفة ان جلبك ابيض وراجل وكد كلمتك كمان، حتى وانت جلف وبتحدف دبش في كل خناجة معايا.
افتر ثغره بابتسامة لصدق كلماتها حتى في سبه، ليتشجع مردفًا:
- طب لو اتجدمتلك مع الزفت ده اللى اسمه وائل تختارى مين فينا؟
للمرة الألف يجفلها بكلماته ولكن هذه المرة تمالكت لتهدر به بعصبية:
- الكلام ده ما يتجلش لبت عمك وع الطريج كمان، ولو حصل بالأصول، يبجى ابويا وهو اللى يحكم يا حربي، إبعد بجى خلينى امشى.
تزحزح عن طريقها ليتركها تكمل طريقها، ولكن الحيرة ما زالت تعصف به، لقد كان يأمل، أن تريحه بكلمة أو حتى بإشارة تدله، ولكنها لم تفعل، تنهد ليطرق رأسه بإحباط ليستدير عائدًا لمقعده، ولكنه وما أن خطا بخطوتين حتى تفاجأ بها تناديه قائلة:
- حربي.
التف إليها ليجدها تقول
- نسيت أجولك إني مبحبش الرجالة البيض.
قالتها بابتسامة واستدارت مرة أخرى لتكمل طريقها بخطوات مسرعة جعلته يتابعها للحظات بعدم استيعاب لمغزى كلماتها، وكأن حاسة الفهم توقفت عنده، لتصل إليه المعلومة بالبطيء مغمغمًا:
- يعني ايه؟ طب ما هو انا اسمر.... لكن......وائل ..... ابيض !!!.
فهم اخيرًا ليضحك كالمجنون، ثم ركض ليلحق بها مرددًا:.
استنى يا نيرة، استني يا بت انا جاى معاكي، يا بت وجفي خليني احصلك، بس حتى لو سبجتيني انا خلاص عرفت طريقى ، وجاي على بيتكم دلوك على طول، اشوف عمى واكلمه.
... تمت بحمد الله ...
يتبع..
إلى حين نشر رواية جديدة من روايات الكاتبة أمل نصر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية