رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 33
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الثالث والثلاثون
في طريقه نحو منزله، يسير مدندنًا بسعادة وهو يردد بعض الاغاني الشعبية التي يحفظها، يحمل فوق كتفه حقيبة الأموال وكأنه يحمل حقيبة عادية كالتي يأتي بها حينما يتاجر في بضاعة جديدة ويدور بها على الزبائن في الطرقات ويبيعها، فهذه مهنته التي يمارسها منذ أن وطئت قدميه هذه البلدة الغريبة عنه، ولكنه الان سوف يغيرها ويغير كل شيء مع هذه النقلة الجديدة بحياته، وصل إلى المنطقة التي يقطنها وهي عبارة عن مجموعة من المنازل المتناثرة بعشوائية، لعدد من السكان معظمهم اغراب عن المدينة.
توقف أمام منزله وما هم أن يفتح بوضع المفتاح في مغلق الباب حتى تفاجأ بمن تناديه بإسمه:
- زكى، هو انت جبت بضاعة جديدة؟
عرف صاحبة الصوت ليزفر بداخله مصدرًا سبة وقحة قبل أن يلتف نحوها بغيظ مكتوم قائلًا:
- نعم، عايزة إيه يا سحر ؟!
تقدمت المذكورة نحوه بخطوات سريعة تقول بلهفة لتكتشف الجديد:
- عايرة اشوف البضاعة الجديدة، يا ترى بجى جبت اللى جولتلك عليه؟!.
أزاح يدها التي تحاول المسك بالحقيبة ليقول بغضب:
- شيلى ايدك ده يا سحر وبطلى ام رزالتك دى، هو انا أذنتلك من الأساس عشان تمسكي وعايزة تفتحيها؟
اجفلت سحر بفعله لتقول باستغراب:
- خبر ايه يا زكى دي مش عوايدك؟! دا انت وعدتنى انى هكون اول واحدة تشوف الجديد عشان اكمل بقية جهازى .
حاول السيطرة على انفعاله حتى يبدوا طبيعيًا معها في قوله:
- دى مش هدوم يا سحر، دى أمانة ناس مأمنينا عليها، واهدي بقى لما اجيب الجديد هقولك .
بعدم تصديق هتفت به تجادل:
- أمانة برضوا يا زكي؟ هو انت بتعرف تحفظ امانة اساسًا، ما تجيب م الاَخر وجول انك لاقيت زباين تانى احسن، خبر ايه يا زكي؟ دا انا عمرى ما أخرت عليك قسط فى شهر واحد حتى .
إلى هنا وخرجت الأمور عن السيطرة، فهذه الغبية وفضولها الغير عادي، لمعرفة ما بداخل الحقيبة، قد يتسبب في انكشاف أمره فصاح بها بتشنج:
- بقولك إيه يا بت انتي، أنا مش فاضيلك دلوقتى ولا شايف قدامى وعايز اخش انام .. اخلصى انزاحى بقى من وش الباب بلا قرف.. يالا .
قال الأخيرة وهو يدفعها بقوة حتى كادت أن تقع على الأرض ، لتتسمر واقفة بذهول تراقبه حتى فتح الباب ودلف داخل منزله ثم صفقه بقوة أجفلتها وهي لا تستوعب هذه المعاملة الجديدة منه.
❈-❈-❈
- انتى متأكدة من كلامك دا يا بدور؟
هتف بها راجح سائلًا ابنته بعدم تصديق ، وردت هي بلهفة
- أيوة يا بوى زى ما بجولك كده والله، دا انا جافلة حالاً معاها دلوك، حن عليكم اللحجوها بسرعة.
تابع والدها وهو يحاول الإسنيعاب:
- طب هى مرمية فين دلوك؟ واللى اسمه زكى ده ساكن فين بالظبط ؟؟ .
رفعت عينيها للأعلى وانزلتها مرة أخرى بقلق كبير ونفاذ صبر لتحقيق والدها :
- يا بوى بجولك اللى اسمه زكى دا ساكن بره البلد عند الترعه فى البيوت اللى اتبنت جديد من غير ترخيص وسط الزراعات، دى حتى جريبة من ارض جدى زى ما جالى عاصم، وفوقية برضو جريب منه بس فى وسط الزرع مرمية ومتصابة.
تدخلت نعمات رافعة كفيها للأعلى بالدعاء؛
- يارب نجيها يارب، يارب نجيها .
- خلاص انا هتصل ب ياسر بيه الاول وهو اللي يشوف صرفة في الأمر ده.
قالها راجح وهو يتناول الهاتف ليتوقف فجأة سائلًا باستدراك:
- انتى بتجولي ان عاصم عرف هو كمان يا بدور؟!
أومأت بهزة من رأسها تجيبه:
- ايوه يا بوي، ما هو كان معايا وسمع كل حاجة، وهو اللى نبه عليا اجرى بسرعة واجولك عشان تتصلوا بالبوليس وتلحجوها .
سألها ببساطة وقد ارتخت يداه الممسكة بالهاتف :
- وما اتصلش هو ليه؟ معهوش رصيد ولا وراه مشوار؟!
- تجصد ايه يا بوى ؟!
قالتها بعدم فهم قبل أن تستوعب المغزى من كلماته لتلطم على وجنتيها مرددة بجزع:
- يا مري، يعني هو هيكون راح ل زكي يا بوى؟
هتفت نعمات من خلفها :
- يكون! هو دا سؤال برضوا ينفع مع واحد زي عاصم يا خايبة؟ دا اكيد ياعين امك؟
سمعت بدور لتصيح مولولة:
- يا مرارى يامٌا، دا انا ما صدجت انه فك الجبيرة النهاردة ومشى على عصاية بدل العكاز، ولا دراعه دا كمان، حمل كسر جديد؟
نهرتها نعمات محذرة:
- بس يا بت ما تفوليش وادعى ربنا يسترها.
قال راجح بسأم وهو في انتظار الرد على اتصاله بالهاتف:
- طب انزلى بسرعة دلوك كلمى جدك، على ما اخلص انا اتصالى بال.......
- الو ... ياسر بيه معايا؟
❈-❈-❈
وعودة إلى زكي الذي غمغم بقرف فور أن صفق الباب بوجه جارته:
- ناس بيئة بصحيح، بس هانت .
دلف لداخل المنزل نحو غرفة النوم ، لينزل بالحقيبة على التخت، وفتحها بمزاج رائق وهو يصفر بفمه، لتقبض كفيه على رزم النقود والذهب الكثير أمامه، يردد:
- يا جمالكم يا حلاوتكم، كل دا دهبك يا انتصار؟ وكل الفلوس دى كمان بتاعتك؟ اَه، ريحتكم حلوه وترد الروح كمان، الله يرحمك يا فوفة، كنتي سبب السعد والهنا اللي انا فيه دلوقتي.
قال الأخيرة وهو يتناول هاتفها ليفحصه ويخرج منه بطاريته، قبل أن يجفل على صوت باب المنزل وهو يطرق عليه بعنف، تمتم بسبة وقحة ليتابع زافرا بسخط:
- اه يا سحر ال...... ودينى لاكون مربيكى لو طلعتى انتى،
خرج من غرفته نحو باب المنزل متوعدًا لجارته الفضولية، ليفتح ويتفاجأ بهذا الغريب الذي وقف مستندًا على إطار الباب بهيئته الضخمة يرمقه بنظرات الحادة فخاطبه زكي:
- نعم بقى، مين حضرتك؟
خرج صوت الغريب يسأله:
- انت زكى اللى بتسرح بالهدوم الجاهزة على البيوت؟
سمع الاَخير ليجيب بتفاخر وهو يمسك بياقة قميصه، نافخًا صدره:
- دا كان زمان يا حضرت، دلوقتي انا خلاص بطلت، ربنا فتحها عليا وهغير المجال .
سمع الاَخر ليهدر بعصبية ونفاذ صبر:
- يعنى انت متأكد ان انت زكى؟
ردد الاخر خلفه باستغراب:
- ايوه يا سيدي، بقولك زكى، إنت بقى مين؟.
- انا عاصم يا باشا.
قالها الاَخير وهو يجذبه من قماش قميصه ويباغته بضربة قوية بالرأس على جبهته، حتى جعلته يرتد فاقدًا التوازن بظهره للخلف، ليصرخ على أثرها بصدمة:
- إيه ه؟ إيه ده؟ هو انت اتجننت يا جدع انت ولا يكونش شارب؟ وكمان جاي تعرفني بنفسك؟ دا انت بينك ما تعرفنيش ولا تعرف مين هو ذكي؟
دلف عاصم بتحفز وعدم اكتراث، ليصفق الباب خلفه، يخلع عنه شال رأسه، ليشير بيده، يحدجه بأعين مشتعلة، وبصوت أجش بانفعاله:
- تمام يا غضنفر تعالى هنا بجى وعرفنى مين زكى؟
سمع زكي، ليسحب مديته من جيب بنطاله الخلفي بعد أن استعاد توزانه، ليهدر بها وهو يتقدم ويلوح بها بتهديد له:
- دا انت بينها راحت منك، ولا امك داعية عليك النهاردة، عشان تيجى تمد ايدك عليا فى قلب بيتى
لوح له عاصم مرة أخرى مرددًا بجسارة:
- تعالى ياللا ورينى مرجلتك .
زاد زكي من تقدمه ليصيح بصوت عالي ينذر بنشوب الحرب:
- لا بقى، دا انت جيت لقضاك، وانا النهاردة مش هحرمك منها.
❈-❈-❈
بقلق بالغ قال راجح وأقدامه تهتز بعصبية:
- انا هتجن، يارتنى ما كنت تبعتك يا بوى وجعدت مطرحي في البيت، انا كان لازم اكون هناك دلوك .
رد ياسين وارتفعت عينيه عن المسبحة التي يخرج توتره بالتسبيح عليها:
- وبعدين معاك يا راجح، اتصبر يا ولدى .
تدخلت بدور هي الأخرى تقول بجزع:
- يصبر كيف بس يا جدى؟ احنا كلنا جلجانين، دا انا دلوك بس اتمنتيت ابجى راجل عشان مجعدتش كده حاطه على خدى مستنية
شاكسها ياسين يقول بمكر:
- هو انتي لو راجل كنتي اتجوزتى عاصم يا بت:
شهقت بدور قائلة:
- يووه عليك يا جدى، باه .
قالتها بنزق وخجل شديد، وهي تبتعد بوجهها عن ياسين الذي طالعها بجرأة متلاعبًا بحاجبيه، وتدخلت صباح :
- خف شوية ع البت يا بوي، عاجبك كده يعني، اديك كسفتها.
بابتسامة متزايدة رد ياسين.
- خليها تتكسف احسن، انا عايز اشوف حمار الوش ده وهي مش جادرة تحط عينها في عيني.
- وه يا حج ياسين، دا انت متفوتكش فوتة.
قالتها صباح وهم هو أن يكمل ولكنه توقف منتبهًا
- طب استنى بس اشوف اللى بيرن، دا حربى.
سمع راجح ليعتدل بتحفز يقول بلهفة:
- طب رد بسرعه يا بوي، خلينا نعرف بأخر الاخبار.
اشار إليه ياسين بكفه ليصمت قبل أن يجيب عن المكالمة:
- الو يا حربي...... ايوة يا ولدي.... اممم..... طب هى زينة دلوك؟..... اممم ..... وانت ورائف، جاعدين فين حالياً.... اممم .... ماشي يا ولدي ربنا يجدركم، ويطمنى عليك انت وواد عمك...... الله يباركلك.
انهى المكالمة لتبادره نعمات بسؤالها:
- ها يا عمى لجيوها؟
اجابها ياسين مطمئنًا:
- لجيوها يا بتب، وهى لسه فيها الروح ودلوك هى فى الاسعاف والحكومة هى اللى هتتصرف معاها.
تمتمت صباح بالحمد مع البقية:
- الحمد لله، الحمد لله.
قال ياسين بتأثر
- بس حربى بيجول انها بت صغيره .. يا دوبك ١٨ ولا ١٩ سنة، ما تزيدش عن كدة.
عقبت نعمات بشفقة:
- يا حبيبتى يا بتي، عشان كده عرف يضحك عليها الزفت ده، منه لله .
- طب و عاصم يا جدى؟
سألت بدور وكان رد ياسين:
- محدش عارف الحكومة وصلتلوا ولا لساها فى السكه يا بدور ادعيلوا يا بتى.
- ياااارب .
❈-❈-❈
صوت الشجار من داخل المنزل المترافق مع اصوات الصرخات القوية ، كانت تدوي في الخارج، لتلفت نظر الجيران، وكل فرد يمر بالقرب منه، حتى تطوع بعض الافراد للطرق على باب المنزل لأجل معرفة ما يدور وفض الاشكال الذي يحدث، ولكن مع عدم الاستجابة اضطروا للوقوف موقف المتفرج مع البقية، حتى جارته سحر وقفت هي الأخرى تتابع ما يحدث مع والدتها التي سألتها بفضول:
- هو ايه اللى حاصل جوا عند زكى يا بت؟
أجابت سحر تمط بشفتيها:
- أنا عارفه بقى، دا تلاجيه سرج سريجة ولا عمل حاجة عفشة مع اللى جاى يتعرك معاه فى بيته.
لكزتها والدتها بمرفقها على خصرها تخاطبها بتحذير:
- ليه بتجولى كده يا مضروبه الدم؟ عيب عليكي لحد يسمعك، هو كان عمل معاكى إيه عشان تجولي عليه كدة؟
ردت سحر بانفعال:
- جايب شنطة متعبية هدوم جديدة واتحايلت عليه عشان انجى منها لجهازي، لكنه مرضيش وزجنى، احسن يستاهل .
عقبت والدتها باستغراب:
- مش بعاده يعنى، دا احنا احسن ناس بنتعامل معاه، وديما بيبدينا على الكل.
- اكيد لجى زباين جديدة، دا يبيع ابوه بالجرش
هتفت بها سحر قبل أن تتفاجأ بقول والدتها:
- سلاماً قولاً من ربٍ رحيم، ودول ايه اللى جايبهم عندينا؟
التفت سحر نحو الجهة التي تنظر لها والدتها، لينتابها الرعب وهي تراقب سيارة الشرطة التي تقتحم المنطقة عندهم وتخترق حتى توقفت بالقرب منهن، ثم تجد الظابط المسؤل يخرج رأسه من نافذة السيارة يخاطبها:
- تعرفى بيت زكى بياع الهدوم فين يا بت انتى؟
- ها
تفوهت بها تلقائيًا، قبل أن تستدرك لتوميء بهز رأسها ثم امتد ذراعها نحو منزل المذكور بارتباك قائلة:
- هو دا يا بيه، اللى هناك ده .
اشار الظابط لسائقه بدون صوت ليتحرك بالسيارة يقطعا هذه المسافة القصيرة، لتعقب والدتها بعد انصرافهم:
- يخرب مطنك يا جزينة، دا انت باينك صح وزكى فعلا عامل نصيبة
أما في الداخل
فقد كان عاصم في هذا الوقت جالسًا على كرسي خشبي، يلف بشملته الصوف على يده التي أصيبت من مدية الاخر فور هجومه عليه، وقد تلقفها هو يتحمل الجرح، ليسيطر عليه بعد ذلك، بالضربات وباللكمات ، حتى اسقطه مصابًا على الأرض لا يستطيع الحراك، وناره لم تهدأ بعد، يتنفس بخشونة وهو يحدجه بغضب، قبل أن يجفل بدفعة قوية لباب المنزل الخارجي، لتدخل مجموعة من رجال الأمن، يتقدمهم الظابط الذي تسائل بعد أن جال بعينيه عليه ثم هذا الملقي على الأرض بإصابات متعددة، مستندًا بظهره على كرسيه قديم، وملامح وجهه غير واضحة من الضربات:
- مين فيكم زكى؟ ومين فيكم عاصم ؟
أجابه الاَخير بصوت حاد:
- انا عاصم والكلب ده...... يبجى زكى.
وقعت عيني الظابط على العصا الخشبية التي يستند عليها عاصم، ليعقب بدهشة وانظاره نحو زكي:
- ما شاء الله، امال لو بصحتك كنت عملت ايه ؟!!! .
❈-❈-❈
فى اليوم التالى
بسعادة منقطعة النظير، وفرحة كانت تجعلها تعدو بخطوات مسرعة داخل طرقات المشفى التي يعمل بها حبيبها وكأنها تطير نحو حلمها، لقد انزاحت الغمة وانفك الكرب اَخيرًا، ليعود الحق لأصحابه ويتعاقب المتسبب في قطع فرحتها وفرحة شقيقتها، وتدمير وسرقة تعب وشقاء أبيها، مما كاد أن يتسبب في تشريدهم، لقد كان الله رحيمًا بهم، إذ وجد لهم المأوى بمنزل جدهم، عسى القادم يكون خيرًا بإذن.
بداخل القسم المختص بعمله أوقفت أحدى الممرضات لتسألها عنه:
- لو سمحتى الدكتور مدحت موجود فى مكتبه ؟
بابتسامة ودودة اجابتها الممرضة:
- أهلا يا دكتورة نهال نورتي، لو عايزة الدكتور مدحت مش هتلاجيه في مكتبه، ودا لأنه...... يا نهار أبيض، استنى....
هتفت بالاَخيرة بعد أن قاطعتها الأخرى حينما ركضت نحو المذكور فور أن لمحت طيفه خارجًا، من غرفة أحد المرضى، لتعدو هاتفة بإسمه بلهفة:
- مدحت يا مدحت، وحشتنى يا دكتوري، يا أحلى دكتور في الدنيا...
قالتها بضحكة صافية بملأ فمها، لتتوقف فجأة بصدمة، حينما تفاجأت بعدد من الاساتذة التي كانت تخرج من خلفه، يتبعهم يونس ومها أيضًا، ليزبهلوا أمامها بعدم فهم، انتابها الخجل والحرج بشدة حتى انها تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها، أما هو فكان على العكس تمامًا، بل إن قلبه كان يرقص فرحًا بين جنبات صدره، رغم إشفاقه عليها :
- انا اسفة مكنتش واخدة بالى .
قالتها برأس مطرقة وأعين منخفضة أرضًا، رفعتها فجأة، حينما تفاجأت بذراعه التي التفت حول كتفيها بدعم، قائلًا:
- احب اعرفكم يا اساتذة، نهال طالبة فى كلية الطب عندنا ومراتى .
- مراتك !
قالها يونس باستنكار وعدم تصديق، فتابع الاخر بثقة:
- ايوه مراتى، مكتوب كتابنا وقريب الفرح ان شاء الله .
- الف مبروك يا دكتور .. الف مبروك يا دكتورة.
هتف بها العديد من الأستاذة وخلفها عبارات المودة والتهنئة القلبية الصادقة، وهو يرد بفرحة تغمره، مشددًا بذراعه عليها حتى تندمج معه، لتتخلص من الحرج وتشاركه الرد، حتى ذهبوا لمتابعة المرور على باقي الحالات ومعهم كان يونس الساخط، ومهما التي كانت تطالع نهال بنظرة حاقده، ومدحت يقابل نظرات الاثنان باستخفاف وعدم اكتراث، ليقترب من أذنها، فور مغادرتهم، ليهمس لها:
- اسبجينى ع المكتب دلوك، وانا هخلص مرور معاهم واجيلك هوا
❈-❈-❈
بعد قليل وبعد انتهائه من جولة المرور بصحبة الاساتذة على بعض الحالات الضرورية ، دلف داخل مكتبه، ليجدها في انتظاره كما طلب منها، شعر بتسلية غير طبيعية وهو يرى حالة الحرج مازالت مرتسمة بقوة على ملامح وجهها، ليكتم ابتسامة ملحة وهو يجلس على الكرسي المقابل يدعي الجدية في مخاطبتها:
- ايه يا نهال، دا موقف تحطينى فيه؟
كطفلة صغيرة أذنبت، ردت وهي تتلاعب في دفتر محاضراتها، بدون أن تجرؤ على رفع عينيها لمواجهته:
- انا اسفة مكنتش اعرف ان عندك مرور مع الأساتذة. جريت عليك بلهفتي وخدت الكسفة لما فوجئت بيهم.
قالتها وانتظرت ردًا ولكن لم يحدث حتى رفعت عينيها إليه لتفاجأ، بنظرته التي تخترقها، بابتسامة واسعة شجعتها لتخرج بضحكتها المكتومة، لتصدر بصوتها المميز، حتى شاركها الضحك هو الاَخر ليتمتم:
- يا مجنونة.
عضت طرف شفتها لترد:
- انا شكلى كان زباله صح؟
اجابها بمرح:
- اى نعم هو كان موقف محرج، بس انا فرحت جوى بيكي وبالموقف نفسه.
تبسمت بتوسع لتنطلق بروح الحماس التي يعشقها في الحديث معها:
- بس شوفت الصدمة بانت ازاى على الدكتورة مها اللى كانت بتبصلى من فوج لتحت، دي كان هاين عليها تولع فيا.
اومأ برأسه موافقًا وهو يضحك قبل أن يقارعها بالرد:
- أيوه طبعًا، زى ماشوفت الصدمة اللى شلت يونس، وخرسته عن الكلام طول فترة المرور بعد كدة.
توقفت الابتسامة على ثغرها بتوتر لقوله، ولكنه تابع :
- شوفى يا روح جلبي، عايزك تنسي مها خاالص زى انا ما هنسى يونس عشان نكمل مع بعض بهدوء ومن غير نكد ماشى .
هزت برأسها بموافقة وابتسامتها عادت مرة أخرى لتردف:
- ماشى .
- شاطرة
قالها ثم استطرد بمكر رافعًا حاجبه:
- طب انا نازل البلد انهاردة ابارك لعمى، هتنزلى معايا بجى ولا مش فاضية وعندك محاضرات.
شهقت مرددة بفرح:
- ازاى يعنى مش فاضية؟ هو انت بتهزر؟ أي حاجة ممكن تتأجل طبعاً، لأن أنا لازم انزل البلد النهاردة واشوف الفرحه فى عيون ابويا وامى، هي دي محتاجة كلام .
❈-❈-❈
في المساء
كان المنزل الكبير، ممتلاءًا، بأفراد العائلة التي اجتمعت حول ياسين في وسط الصالة الكببرة، وبجواره كان راجح ابنه جالسًا، يحضن طفله الصغير ياسين، في جو عائلي حميمي، صاخبًا بالسمر وضحكات الشباب ومزاحهم حول ما حدث:
- بس كله كوم يا جدى ومنظر انتصار النهاردة وهى داخله قسم الشرطة برجليها بتزعج وعايزة تعمل محضر سرجة ل فوقيه كوم تاني، تحس الولية كانت هتنزل عليها جلطة، و انا بجي زدت عليها لما جولتلها، هو انتى جاية لو حدك منغير ما حد يبعتلك، دا انت باينك مكشوف عنك الحجاب.
قالها رائف ليختم بضحكات عالية، أضاف حربي على قوله:
- دي ساعتها باصتلك حتى بصة يا واد يا رائف، تحسها كدة كانت عايزة تولع فيك.
انطلقت ضحكات الجميع مع قول رائف:
- ايوه صح، ما انا خدت بالي، بس دي تلاقيها بتدعي عليا دلوك .
تدخل سالم بينهم بقوله:
- يا واد كفاية انت وهو، إيه؟ لساتكم ما شبعتوش كلام وحديت عنيها؟
رد رائف يجادله:
- نشبع كيف يا عمى؟ دا منظر صراخها والعسكرى وهو بيجرها ع الحبس بعد ما اتصدمت بالجرايم اللى عليها، كان مسمع فى المديرية كلها.
عقب ياسين
- الله يخرب مطنك يا شيخ، ما تصدج تلاجيلك حكيوة، عشان تحكي وتتحاكى فيها.
شاكسه رائف بصوت عالي؛
- حبيبى يا جدي .
خلف عنقه طرق والده بكف يده يدعي الحزم بقوله:
- ما تتعدل يا واد انت واكبر بجى، هتفضل كده على طول بعجلك الصغير ده؟
هتفت نيرة بشماتة وفرح:
- اديلوا يا بوى، اديلوا كمان .
فاجئها مدحت شقيقها يقلد فعل والده عليها:
- طب ما اديلك انا كمان وتبجى زيه .
ضحك الجميع على صدمة نيرة التي ازبهلت تناظره بعدم تصديق، وعقب ياسين بفرح؛
- اللهم ما اجعله خير، ربنا ما يحرمنى منكم، ولا من لمتكم حواليا .
أممم الجميع خلفه، ليتبعوا بالدعاء له، وقال راجح :
- ألف حمد وشكر ليك يارب، يلعن ابو الحزن .
خرج صوت تهال لتخاطب والدها بفضول:
- يعنى على كده انت خدت الفلوس كلها اللي اتسرجت، والدهب كمان يا بوى .
ردت والدتها:
- لا لسه يا بتى، أصله بيجولك إن لازم تبجى فيه اجراءات بتعملها الحكومة جبل ما ابوكي يستلم .
تدخلت بدور هي الأخرى
- طب انت لما شوفت الفلوس لجيتها كاملة ولا ناجص منها كتير ؟
- لا يا بتى الحمد لله مش ناجص كتير، اللى شوفتهم مع الظابط النهارده زنين جوي، ما هو ما لحجش يتصرف فيهم والبركه فى البطل اللي لجمو جبل ما يهرب بيهم، ربنا يحرسك لشبابك يا ولدي،
قال راجح الاَخيرة، بإشارة نحو عاصم الذي رد بدوره:
- العفو يا عمي، ما بلاش كلامك ده الله يخليك.
تدخل سالم يقول:
- طب مدام جبت سيرة البطل بجى يا عم راجح، يبجى عاد لازم توفى بوعدك معانا ونجوزهم فى الميعاد، ولا انت عندك رأي تاني كمان؟
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية