-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 31


قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الواحد والثلاثون


بحزن تعمق في الوجدان حتى اوجع الروح وافقدها حيوتها، كان بلال يتمم على ما وضعه داخل حقيبة سفره بعد ان أنهى ارتداء ملابسه، ليسحب شهيقًا طويلاً ثم أخرجه ، ليتناول الحقيبة ويسحبها ليخرج بها من الغرفة، وقد عزم أمره متوكلًا على خالقه.

كان جميعهم في انتظاره بصمت وحزن اكتسى ملامحهم، ف اقترب بخطى ثقيلة ليودع كل فرد منهم على حدة 

- خلاص يا ولدى ماشى وسايبنا .

قالها سالم بعد أن قبله بلال على رأسه، فقال الاَخير 

- اشوف وشك بخير يا بوى، والله لولا العيال اللى سايبهم هما وامهم فى الغربة لوحديهم، لكنت جعدت ولا هامنى العجد ولا الشغل هناك.

بكف يــ ده ربت سالم على ساعد ابنه قائلًا:

- ولا يهمك يا ولدى، روح لمــ رتك وعيالك واطمن !!.

- اطمن ازاى بس؟

قالها بلال وهو يقترب من والدته ليحتضنها، لتتمسك به وكأنها طفلة صغيرة، تقهقه في البكاء، 

فقال يخاطبها:

- ما خلاص ياما الله يرضى عنك، خلينى امشى وجلبى مستريح، مش عايز اسافر وانا مشغول عليكم .

- لا يا حبيبي متشغلش نفسك، خلاص انا زينة وتمام خالص اها .

قالتها وهي تمسح بطرف كم قماش عبائتها، قبل اعلى رأسها، ثم اتجه نحو شقيقه ليضمه إليه في حضن أخوي قوي مرددًا:

- على عينى يا حبيبى اسيبك جبل ما اشوفك ماشى على رجليك من غير العكاز .

رد عاصم بكلمات تخرج بصعوبة من فرط حزنه:

- سافر يا بلال وربنا معاك، انا زين والحمد لله .

بابتسامة اغتصبها على طرف فمه خاطبه بلال بتحفيز وهو يسحب حقيبته:

: فك كده وبلاش الحزن ده، والنزلة المرة الجاية هتبجى ان شاء الله على فرحك يا عريس .

اومأ عاصم برأسه يبتلع غصة مسننة بحلقه، لينتظر حتى خرج بلال ووالده معه كي يوصله لمحطة القطار، فغمغم بمرارة

- عريس! عريس فين بجى؟ ما خلاص.

رددت خلفه سميحة بعصبية: 

- عريس وسيد العرسان كمان .

قالتها ثم تابعت الدعاء بصوت عالي:

- يارب فك الكرب يارب .


❈-❈-❈


مش كفايه بجى جعاد يا ولدى وتجوم تسرح وتشوف شغلك اللى متأخر ده .

هتف بها ياسين بقلب متألم نحو ابنه، الذي كان في حالة يرثى لها بعد ان انقلب فرحه لكارثة، بهذا الحريق الذي دب في منزله اثناء انشغاله بخطبة البنات، بدور ونهال، على ابناء اعمامهن عاصم والدكتور مدحت، في منزل جدهم، واكتشفه رائف بالصدفة، ليعود راجع وإخوته ليجدا المنزل اصبح كومة رماد بكل ما يحمله من أملاك مادية، وذكريات معنوية، بعمر زو اجه، رد  يجيب والده بصوت خالي من الحياة:

- مش جادر يا بوى، ولا حتى ليا نفس اجابل ولا اشوف حد !.

تدخلت صباح بدموع تسبق الكلمات:

- منه لله اللى جطع فرحتنا وأذانا الاذية الواعرة دى اللهى ...

-صباح !!! .

قاطعها ياسين بصرامة يحدجها بنظرة محذرة حتى تفهم، فلا تزيد على شقيقها، وتابع هو:

- يا ولدى انت كده بتأذى نفسك، وكل وبتاكل بالعافية وشغلك ما بترحوش و دجنك سايبها ما بتحلجهاش ولا اكن حد عزيز ميتلك، كل شئ يتعوض يا حبيبى .

بشبه ابتسامة لم تصل لعينيه، قال ساخرًا:

- يتعوض فين يا بوي؟ أنا كل حاجة راحت منى، البيت، ودهب الولية وبنتتها، ولا كمان الفلوس اللى كنت حايشها عشان جهاز البنتة، اجو زهم كيف بس دلوك ؟ كيف يا بووووى ..

خرجت الأخيرة بحرقة اخترقت قلب والده، ليرد:

- يا ولدى ما جولتلك مية مرة ما تشلش هم حاجة وعرسان البنتة عيال عمهم، جالولك انهم متكفلين بكل حاجه ومش عايزين ولا اي شي فى الجهاز .

رفع راجح رأسه بحدة محدقًا في والده يقول بقوة وكرامة مجروحة:

- لا يا بوى، حتى لو كانوا عيال عمهم، برضك مش هاجوز بت منيهم ناجصة جشاية حتى من جهازاها، بتى لازم تبجى رافعة راسها جدام جوزها حتى لو كان واد عمها .

- واه يا واد ابوى، انت لسه مصمم ع اللى فى دماغك؟

- ايوه يا صباح مصمم، زى ما انا برضك مصمم ان مفيش جو از غير بعد ما اخلص البيت وارجعه زى ما كان .

عقب ياسين باستياء:

- ويفضلوا العيال كده مربوطين يا ولدى!

رد راجح بأصرار أشد:

- ان شالله حتى يجعدوا بالسنين، اللى عاجبوا على كدة تمام ، اللى معجبهوش الباب يفوت جمل .

- ما تجولى حاجه لجو زك يا انتى كمان؟

قالتها صباح هذه المرة مخاطبة نعمات التي كانت حاضرة النقاش من اوله، ولكنها ملتزمة الصمت، فخرج قولها بقلة حيلة:

- يعنى هاجول ايه بس؟ استغفر الله العظيم .


❈-❈-❈


خرجت من غرفتها بعد أن استيقظت متأخرة كالعادة، تفرد وترخي بذراعيها، تتمطع بصوت عالي، بعد استمتاعها بجرعة كبيرة من النوم لتهتف منادية على خادمتها

- بت يا فوقيه، إنت يا بت، جاعدة فين؟

سمعت الأخيرة لتترك الغرفة التي كانت ترتب وتنظفها، 

- ايوه يا ست هانم، انا جيت اهو، عايزه حاجة مني؟.

- لو معاكى حاجه دلوك خلصيها بسرعة، عشان تلحجى تطلعى وتاجى بسرعة.

- اطلع اروح فين يا هانم ؟.

طالعتها انتصار رافعة حاجبها الرفيع بابتسامة تقول 

- بره البلد يا بت، ولا انتي نسيتي؟ هو احنا مش كملنا اسبوعين والدنيا هديت، ادوبك بجى تودى لجريبك باجى حجه .

بأعين التمعت بالطمع ردت فوقية بلهفة:

- من عنيا يا هانم، بسرعة هخلص تنضيف البيت وبعدها هطلع على طول مفيش حاجة تانى تعطلنى .

- كده طب تعالى ورايا .

قالتها انتصار وهي تستدير وما أن همت فوقية بالتحرك خلفها تلحق بها في الغرفة، حتى فاجئتها الأخرى بالتراجع تقول:

- ولا اجولك استنينى هنا احسن، انا طلعالك. 

توقفت فوقية على مضص تغمغم داخلها بحنق.

- وليه عجربة، بس مش مهم استناها وخلاص مدام هاتشبرجنى .

دلفت انتصار لداخل غرفتها لتغلق الباب بوجه الأخرى، وانتظرت فوقية حتى خرجت لها حاملة بيديــ يها، مجموعة كبيرة من الأوراق النقدية، لتضع بعضهم على كف فوقية قائلة:

- خدى يا بت، نصيبك، والفلوس الزياده دى حلاوة ليكى برضو.

التقطهم بفوقية بلهفة تردد،:

- ما تخلى عنك يا هانم، دا انتى حتى ادتينى جبل كدة

ردت انتصار:

- لا ما انا زودتك يا بت، زى ما زودت جريبك، عشان عمل اللى يريح جلبى وخلانى انبسط، خودى جوليلوا ستك انتصار مبسوطة منك و جيبالك ٥٠ بدل ال ٢٥ الف بجيت حجك .

- ٥٠ الف دا غير ال٢٥ اللى جبليهم وانا كل اللى خدتهم على بعضيهم ١٥ الف بالعافية.

قالتها فوقية بصدمة، وهي تزن بين كفتيها الاَتي وضعت بهم انتصار المال، فرق كفها لا يصل حتى لنصف نصيب الاَخر، طالعتها انتصار بتعالي تردف بصرامة

- وانتى عملتى ايه يا بت ؟! اصحى لنفسك وبوسى ايديكى وش وضهر، ع الفلوس اللي جاتلك كدة بالساهل، من غير تعب ولا شجا، وياللا غورى حضريلى فطار بلا جلع ماسخ .


❈-❈-❈


حزينة، منطفئة، نظرة الحماس والأنطلاق والتي كانت دائمًا ما تميزها، اصبحت مختفية منها، يحترق داخله بعنف من أجل عودة الإبتسامة لها وسماع ضحكتها المجنونة الغير مبالية بأي شيء، حاول معها كثيرًا لذلك وكل محاولاته باءت في الفشل، وجعها طغى عليها في كل شيء:

- أعمل إيه بس يا ربي؟ 

تمتم بها بقلة حيلة مع تنهيدة قوية خرجت منه وهو يراقب خطواتها الرزينة بخروحها من المبني السكني الذي تقطن به في المحافظة من أهل بلدتها من أجل التعليم.

- صباح الخير .

تفوهت بها بروتينية فور انضمامها في السيارة معه، بادلها التحية بابتسامة مشرقة

- يا صباح الهنا والجمال، نهارنا النهاردة نادي ان شاء الله. 

قالها بأسلوب فكاهي جعلها تعقب بشبه ابتسامة:

- إن شالله دايما يارب .

تحرك بالسيارة يسألها:

- ها عاملة إيه بجى النهاردة يا عمرى؟!

ردت بهز رأسها وبصوت خفيض:

- الحمد لله، كويسة.

لم تعجبه النبرة الميتة في صوتها فقال يفتح معها حديث اخر:

- عجبك التليفون الجديد؟

- عجبنى، بس مكنش ليه لزوم وانا معايا غيرو .

رمقها بضيق يردد باستنكار:

- ليه ان شاء الله مالوش لزوم ؟! حتى لو برضوا معاكى غيره؟

خرج صوتها بحرج تجيبه:

- أيوة، مش كفايه الهدوم اللى كل شوية تشتريها وتبعتهالى .

احتدت نظرته نحوها ليقول بحزم ومشددًا على كلماته؛

- اسمعى الكلام دا كويس يا نهال وحطيه حلجه فى ودنك ، عشان مكررش فيه تاني كتير، انتى على زمتى ومسؤله منى يعنى ما اسمعش الكلام الاهبل ده ، بدال مانزعل مع بعض ! .

- حاضر

قالتها بصوت كالهمس متحاشية النظر إليه، فقال ممازحًا:

- ما تعرفيش كده تبجى زوق وتجوليلى كلمه حلوة؟ حرام.اسمع منك كلمة حلوة .

تبسمت ببساشة تقول:  

- حاضر يا سيدي يخليك ليا .

- هو دا بس اللى جدرتى عليه؟ ع العموم احسن من مفيش.

قالها متبسمًا بعد ان اسعدته بابتسامته، ليتابع بارتياح نسبي:

- ايوه كدة، نوريلى دنيتى بضحكتك الحلوه دى .


❈-❈-❈


بعد ما خرجت من البلدة مطمئنة بسيارة الأجرة، ترجلت منها لتكمل الطريق سيرًا على الأقدام وسط الزراعات المنتشرة في هذه المنطقة العشوائية بمبانيها الغير مرخصة، بغير ملكية حقيقة للأهالي بها، وصلت الى العشة المبنية بالطوب الطيني وسقفها من جريد النخل، همت أن تطرق ولكن توقفت لتفتح بالمفتاح الخاص بها، دلفت للداخل ثم اغلقت الباب خلفها بهدوء، ف وصل لاسماعها اصوات من داخل غرفة نومه القريبة ، احتدت عينيها واشتعل رأسها بالأفكار السيئة على الفور وقد ذهب ظنها للخيانة.

تسحبت على أطراف أصابعها حتى تظبطه متلبسًا بجرمه، توقفت أمام باب الغرفة بأنفاس متلاحقة بتحفز جعلها تدفع الباب بقوة اجفلت الاَخر من الداخل، لدرجة جعلته ينقلب من تخته نحو الأرض مقلوبًا على الأرض بصيحة مرتاعة:

- بسم الله الرحمن الرحيم .. هما بيطلعوا امتى دول؟!

لم تنتبه إليه ولا إلى ما تفوه به، وقد ذهبت أنظارها نحو الفراش لتجحظ عينيها وتدلى فكها بشدة وكأنها تمثل داخل فيلم رعب، لا تصدق ما تراه عينيها، ولا تستوعب أن يكون هذا حقيقة بالفعل. 

- إيه ده؟! كل دا معاك يا زكى؟ هو انت فتحت مغارة على بابا ولا إيه؟

قالتها وهي تندفع للداخل وتهبط على الذهب والنقود، تتناولهم وتتفحصهم بجنون، انتبه إليها لينهض سريعًا وقام بنزع كفتيها الأثنتان ، ليعيد ما تحصلت عليه مرددًا:

- شيلك ايدك ياما عن الحاجة، إيه يا ختي؟ هى وكالة من غير بواب؟

نظرت فوقية لكفيها الفارغين لتصرخ به مصدومة:

- انت بتعمل معايا انا كدة يا زكى؟ بتبعد يدى عن الفلوس والدهب، اتاريك ساكت ومصدعتنيش ع الفلوس اللى بجيالك من العمليه اللى جابتلك الخير دا كله، واللى ابجى انا السبب فيه!، طب حتى افتكر انى مرتك وشريكتك فى الخير اللى انت فيه ده، وابعتلى اجى اتمتع معاك بدل ما انا موحوله فى الخدمة والشجا مع الولية المخبولة انتصار.

سمع منها ليطالعها من رأسها حتى قدميها بتعالي يقول:

- مرات مين يا عنيا؟ احنا اللى بينا كان مجرد ورقة وانا قطعتها، يعنى خلاص بح !!.

- بح مين؟

صرخت بها لتضرب بقبضتيها الاثنتان وتردد بقهر:

- بح دا إيه الله يخرب بيتك ابوك ، هو احنا بنلعب مع بعض، ولا اللي ما بينا عشرة طريج، دا جواز جواز .

ازداد غضبه منها، ليزيد عليها مشددًا على أحرف كلمات بطريقته الغريبة:

- لا يا حبيبتي مكنش جواز وكان لعبه وخلصت!، ويكون فى علمك انا كلها يوم ولا يومين واسافر القاهرة واعيش فيها ملك هناك، يعنى تنسي انك شوفتينى ولا قابلتينى خاااالص .

ازداد انهيارها لتتمسك بتلاليب الفانلة التي يرتديها في الأعلى وتردد باكية بحرقة ورجاء:

- حرام عليك يا زكي، ليه تخلى بيا بعد ما صبرت سنتين معاك وانا منتظرة اليوم ده اللى هاتخدنى فيه وتعرفنى على اهلك، انا غلطت معاك فى ايه بس؟

جولى غلطت فى إيه ؟!.

- ياااربى، يا بنت الناس ما تقطعيش قلبي، طب اخدك معايا وقول لاهلى إيه؟ اتجوزت من الصعيد واحدة مالهاش اصل ولاناس .

قال الأخيرة ليزيد من قهرها، وهذا ما ظهر جليًا على ملامح وجهها وقد تسمرت، وتوقفت الكلمات على طرف لسانها، حتى أصبحت شفتــ يها التي ترتعش وهي تحدق بعينيه ودموعها تسيل كشلال بصمت، بخبث منه أغمض عينيه وفتحهم مرة أخرى بتنهيدة طويلة يدعي التأثر في قوله:

- ليه كده بس يا بنت الناس؟ خلتينى اغلط معاكى واجرحك، ودي حاجة صعبة عليا. 

خرج صوتها الباكي بانكسار:

- الله يسامحك، بتعايرنى بأصلى يا زكي اللى ماليش ذنب فيه!

رد معقبًا بمكر:

- عندك حق فيها دي انتى فعلًا ملكيش ذنب فيه، بس على الاقل، تبقي فى نفس مستوايا يا فوفة، اديكى شوفتى الخير بنفسك اهو اللى هايرفعنى ويعلي من شأني، انتى بقى معاكى ايه يا فوفه؟!.

شعرت ببادرة أمل لتفكر سريعًا وتحسب نصيبها مع الزيادة التي كانت سوف تعطيها له من انتصار، لترد بكل حماس ولهفة:

- معايا ٤٠ الف جنيه يا زكى !.

رمقها باستغراب يسألها:

- وال ٤٠ الف دول، جبتيهم منين ياما ؟!.

تلجلجت تجيبه بارتباك:

- ااا الست انتصار ادتهوملي، دا حتى بعتالك بجيت حجك معايا اها ٢٥ الف جنيه بالتمام والكمال .

قالتها وهي ترفع عبائة الخروج لتفك الطرحة الكبيرة حول خصرها، وتابعت وهي تخرج النقود من الرباط:

- اها زي ما انت شايف، واتفضل وعد بنفسك.

تناول منها النقود ليقول بتفكير وهو يهرش بطرف ظافره الأصغر:

- الست انتصاااار قولتيلى بقى، اممم، طب سؤال رفيع كده بقى يا فوفتى .

ردت بانتباه:

- سؤال إيه يا زكي ؟!.

صمت قليلًا ثم قال:

- يعنى انا كنت بسأل عن اللى اسمها انتصار دى، ازاى هى مــ رات عمدة وبيتها فاضى مافيهوش غفر ولا عمدة ولا اى صنف بشر غيرك انتى معاها !!!.

عوجت طرف فمها لتجيبه بضيق:

- ودى مين اللى هايجيلها دي بعد العمديه ماراحت، وجو زها وولدها اتحبسوا، دى بنتتها واجو ازهم، بيطلوا عليها بالعافية ويمشوا على طول بعديها .

بضحكة مستخفة عقب زكي:

- معقوله! بقى دى مجو زة بنات دى ؟! دى شكلها صغير اوى وحلوة كدة و ...

قاطعته فوقية بانفعال غاضبة:

- إيه؟ صغيرة عشان اتجو زت صغيرو وجو زت بنتتها صغيرين، وحلوة عشان جاعدة زى البرنسيسة اليوم كله تلبس وتتزوق وتأمر وتتأمر عليا .

- ميأمرش عليكى ظالم يا قلبي، سامحينى ان كنت  شايفك مش فى مستوايا، بس انتى تقدرى تبقى اعلى كمان !!.

زاد استفزازها من قوله، لتطالعه بتقيم وقد كان جالسًا بركبتيه على الفراش بالفانلة البيضاء الدخلية، يرتديها اعلى بنطال بيجامة قطنية قديمة، وخف قدميه لم ينزعه، فقالت تقارعه:

- مستوى إيه يا زكي ؟! انت مافكاش حاجة اتغيرت غير بس الشبب الجديد اللى ماهينش عليك تجلعوا وجاعد بيه عالسرير دلوك !!.

ذهبت أعين الاَخر نحو ما تقصد ليهتف بها بتشنج وعصبية:

- لمى نفسك يا فوقية ما تغلطيش، أنا بحاول اوصلك الفكرة.

ردت فوقية بتعب:

- فكرة إيه؟ انا مش فاهمه حاجة !!

تبسم بارتياح وقد وصل لمبتغاه ليقول:

- افهمك أنا يا فوفتى، براحة وبالتفصيل كمان د!.


❈-❈-❈


في منزل جدها

والذي أصبح مأواهم الاَن بعد أن تدمر منزلهم بأثر الحريق، ولم يعد يتبقى منه سوى الرماد الاَن، بحزن يعتصرها، كانت تتحدث في الهاتف في هذا الوقت مساءًا مع عاصم الذي لا يكف بمحاولاته اليومية للتخفيف عنها والتهوين بكلمات العشق الجميلة بينهما، أو حتى الأحاديث العادية، رغم حزنه هو اضعاف:

- يعنى ابوكى مُصر على رأيه برضك يا بدور؟ ومش عايز يجوزنا غير بعد ما يبني البيت ويرجع اللي راح كمان!

أجابته بدور بتأكيد:

- ايوه يا عاصم مُصر، وانا وامى ونهال مفيش واحدة فينا تجدر تراجعه فى كلامه وهو تعبان كده، ابويا نفسه موجوعة يا عاصم.

سمع منها ليصل إليها عبر الاثير صوت أنفاسه المثقلة، ليقول بحزن:

- يعنى احنا بعد ما جولنا خلاص اخيرا هنفرح والدنيا ضحكت لينا بعد عذاب ودموع ترجع وتدينا ضهرها من تانى .

بصوت باكي وهي تمسح بدموع سالت على الفور وكأنها تنتظر الإذن:

- كل شئ نصيب يا عاصم، واحنا نصيبنا كدة، هنعمل ايه بجى؟

بعدم تحمل هتف بها عاصم:

- حن عليكى ما تبكى يا بدور، انا فيا اللي مكفيني، ومش حمل دمعتك دي اللي بتحسسني بعجز أكتر من اللي انا فيه، وجفي اللي يرضى عنك، بدل ما اجيلك بيت جدى دلوك وخلى ابوكى ولا جدى حد فيهم يمنعنى عنك .

تبسمت هذه المرة رغم دموعها لترد:

- يعني تاجي دلوك ومش عايز حد فيهم يمنعك كمان؟ دا انت بينك اتجنيت زى واد عمك الدكتور .

رد عاصم بغزل صريح:

- وما اتجنش ليه وانا معايا الجمر بحاله؟ دا انا ابجى عبيط بجى ومبفهمش كمان

ادخل في قلبها بعض المرح لتتبادل معه الرد وتسبح معه في عالم وردي من العشق بعيدًا عن الواقع المرير الذي تعيش، قبل ان تعود ويجبرها الفضول سائلة:

- ألا جولى صح يا عاصم ، مفيش أي اخبار من الحكومة عن اللى اتسبب فى حريقة البيت؟

رد عاصم:

- الكلام هو نفسه يا بدور، الناس شافوا واحد غريب ومغطى وشه بيجرى جنب البيت، جبل الحريجة بثوانى، بس محدش عرفه واصل!


❈-❈-❈


في منزل العمدة

وهي تشاهد المسلسل اليومي مع سيدتها التي كانت متكئة على أريكتها بأريحية وهي جالسة أسفلها على الأرض في مكانها الطبيعي الذي زرعت به، منذ نشأتها، كلقيطة وعاملة للخدمة في المنازل، بذهن مشتت كانت تدعي التركيز في الشاشة المعلقة على الحائط أمامها، وبطرف أجفانها تراقب الأخرى، وهي ترتشف من فنجان القهوة الذي صنعته هي بيــ دها لها، تحصي الدقائق والثواني، تسير على الخطة المرسومة لها بدقة في انتظار الفرصة، والوقت يمر بالبطيء كسلحفاة مريضة، وهي ما زالت تراقب حتى حدث ما تنتظره، انتصار العنيدة والتي كانت تقاوم النعاس بقوة غلبها الان بفضل المنوم، لتميل كالمغشي عليها على ظهر اريكتها ، نهضت هي عن مقعدها لتتفحصها:

- ست هانم، يا ست هانم .

بمجرد أن لمستها بيــ دها في الثانية، حتى تفاجأت بها ترتمي الجثة أمامها انتفضت بخوف من هيئتها، قبل أن تتمالك وتمسك الهاتف لتتصل به:

- ايوه يا زكى حصل اللى انت عايزه، اعمل ايه دلوك؟


 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة