-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 29



رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل التاسع والعشرون




بعد توديعهم لذاك الذين يطلقون عليه إسم الأمير بحوالي الربع ساعة،إلتف الرجال يوزعون المال فيما بينهم بنهمٍ وفرحة عارمة ظهرت فوق ملامحهم،وأثناء إنشغالهم تم إقتحام باب المخزن ودخل منهُ قوة هائلة من رجال الشرطة العسكرية وهم يحملون السلاح وتحدث قائد الفرقة قائلاً: 
-كله يرفع إيده لفوق ومفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر


رفع الجميع أياديهم وتحدث ذاك المسمي بـ كريم: 
-وهنقاوم ليه يا باشا،إحنا ناس ماشيين في السَليم ومخزنا نضيف مية في المية،وتقدر تفتش وتشوف بنفسك 



هتف الضابط بعدما قيدوا أياديهم للخلف وقاموا بوضع الكلبشات بها: 
-مخزن مين اللي سَليم يَلاَ،المخزن ملغم كله بالكاميرات الخفية يا روح أمك،جهاز المخابرات زارع ست كاميرات بجودة عالية ولقائكم مع الأمير بتاعكم كان متصور صوت وصورة من كل الإتجاهات ولا أجدع فيلم سينما


نظر الرجل إلي أحدهم وتحدث ساخراً بنبرة ساخطة: 
-منك لله يا بعيد ضيعتنا، مش لو كنت سمعت الكلام واترزعت في المخزن علي ما نرجع بالبضاعة مكانتش المخابرات عرفت تدخله وتزرع لنا الكاميرا

واستطرد بمقتٍ: 
-مبسوط كدة لما جيت معانا،أهواللقاء بقي علي الهوا وأقل حاجة فيها تأبيدة؟ 

إمشي يَلاَ وبطل رغي...نطقها الضابط فأجابهُ بطاعة: 
-أوامرك يا باشا


قام فريق المداهمة بتسليم هؤلاء الخارجين عن القانون ثم تحركوا إلي مخزن طارق وقاموا بتحميل جميع الصناديق لتسليمها للإدارة،وحضرت الشرطة العسكرية وقامت بتفريغ الكاميرات والتي كانت خارج المخزن معلقة علي بعض الاشجار وداخل المخزن أيضاً،وذلك بعلم الحارس الذي تم الإتفاق معه عن طريق طارق وطلب منهُ مجاراتهم فيما سيطلبون منه وتضليلهم بإخبارهم بأن الكاميرات تم تعطيلها 


❈-❈-❈

عودة إلي لمار التي تهلل وجهها بسعادة ونظرت للأمام وابتسمت بحبور حين رأت مستقبلها الباهر الذي ينتظرها لتُحقق به جميع ما تمنت وحلُمت طيلة عُمرها 

بعد مرور حوالي عشرة دقائق توقفت السيارة فجأة فتأفف عزيز وتحدث بنبرة ساخطة مُفتعلة: 
-هو ده وقتك إنتِ كمان

أردفت لمار بتساؤل مُرتبك: 
-فيه إيه يا عزيز،وقفت ليه؟! 


عقب علي سؤالها بملامح وجه عابسة:
-الظاهر إن العربية فيها مُشكلة 

واسترسل وهو ينظر إلي الرجل الجالس في الأريكة الخلفية: 
-إنزل يا مدحت إفتح الكبوت وشوف فيه إيه؟ 


ترجل ذاك المدحت وقام بفتح غطاء السيارة ونظر به ثم هتف بصوتٍ عالِ: 
-محتاجة تتزود ماية 

زفر المدعو عزيز وقام بحمل زجاجة مياة كانت بجانبهُ ثم تحدث إلي لمار وهو يستعد إلي النزول: 
-إنزلي شمي نفسك شوية علي ما نزودها ماية وتبرد


أومأت له بموافقة وما أن ترجلت من السيارة وباتت تعدل بثيابها حتي وجدت عزيز يُخرج من جيب معطفهُ مسدساً ويُشهرهُ بوجهها،إتسعت عيناها ونظرت إليه بذهول وتحدثت بتلبُك: 
-إنتَ هتعمل إيه يا عزيز؟ 



بجسدٍ ممشوق  وملامح حادة نظر عليها وأردف بثقة عالية: 
-بنفذ أوامر المُنظمة يا لمار،إنتِ خلاص بقيتي كارت محروق بالنسبة لنا

واسترسل بنبرة جادة: 
-ده غير إنك الخيط الوحيد اللي ياسين المغربي ممكن يوصل لنا عن طريقة،علشان كدة الخيط ده لازم يتقطع وبكدة معالم القضية كُلها هتختفي


هتفت بنبرة حادة: 
-مش هتقدر تغدر بيا بسهولة زي ما انتَ فاكر يا عزيز،أنا مش غبية ولا سهلة علشان ما أعملش حساب يوم زي ده،أنا كُنت سبقاكم بخطوة وعاملة حساب غدركم بيا ومسجلة لكم مكالمات ومقابلات توديك إنتَ والمنظمة بتاعتك ورا الشمس

واسترسلت بإبتسامة ساخرة:
-وشايلة التسجيلات دي عند حد ثقة،وبلغته إن لو جرا لي أي حاجة علي إيد أي حد يسلم التسجيلات دي لياسين المغربي بذات نفسه 

وضحكت متهكمة:
-ده لأني عارفة درجة حبك ليه


أطلق ضحكة ساخرة ونطق مُتهكماً:
-تقصدي التسجيلات اللي كانت مع أبوكِ؟ 

واستطرد بإعلام: 
-نسيت أقول لك إنه كان طيب أوي الله يرحمه،بمجرد ما شاف أمك وهي سايحة في دمها بالرصاصة اللي ضربتها لها في نفوخها،لما نطق بكل حاجة وسلم لنا التسجيلات قبل ما ياخد طلقة في نفس المكان ويحصلها

واسترسل تحت ذهولها الشديد: 
-شفتي أنا حنين إزاي؟ 
ما رضيتش أخلي أمك تودع الدنيا لوحدها وخصوصاً إنك كُنتي حكيالي قبل كدة عن قصة حبهم الكبيرة قبل الجواز، 

واسترسل بنبرة حادة: 
-كنتي فاكرة إننا هنسفر لك أبوكِ وأمك ونديكي خمسة مليون دولار بجد،طلعتي غبية قوي يا لمار


هتفت بنبرة حادة وعيناي تكادُ تصرخُ بجنون:
- Babà إنتَ كذاب،أكيد بتقول لي كدة علشان تخوفني علي


وأنا عُمري كذبت عليكِ من يوم ما عرفتك يا لامي؟نطقها ببرود مستفزاً إياها واسترسل بنفس البرود: 
-علي العموم كلها ثواني وتحصليهم وساعتها هتتأكدي بنفسك إن عزيز عمره ما يكذب



وبنبرة هادئة استطرد بإعلام: 
-أه صحيح،أمك وأبوكِ إتقتلوا إمبارح بالليل في شقتهم في القاهرة ولسة ما حدش إكتشف جثثهم لحد الوقت،أصلي فرتكت دماغهم بمسدس كاتم للصوت

واستطرد وهو ينظر إلي مسدسهُ المُمسك به:
-وهو بردوا نفس المسدس اللي هتحصليهم بيه،أما بقي الأمانة فدي إحنا لسة محتاجين لها علشان نلاعب بيها ياسين المغربي شوية...إنتهي من جُملتهُ وكاد أن يضغط فوق زناد المسدس لكنهُ فؤجئ بإصابته بطلق ناري في كف يده المُمسك بالسلاح مما جعلهُ يسقط منه،نسي أمر يده والدماء التي بدأت بالنزف منها وتغاضي عن ألمها المُبرح وبات يتلفت حولهُ كالمجنون،أصيب بذهول حين رأي قوات رجال الشرطة العسكرية تحاصر المكان وتحاوطهُ بسيارتها التي ظهرت فجأة من العدم



أخرج الرجُل الأخر سلاحهُ وقبل أن يشد أجزائهُ إستعداداً لإطلاق النار منه أُصيب بساقه مما جعلهُ يفقد إتزانهُ ويخر راكعاً وصرخة حادة خرجت منه من شدة ألام الطلق الناري المُبرحة


هتف ضابط الشرطة العسكرية وهو يقترب منهم بحذر ويحاوطهُ الأفراد المسلحين وهم يوجهون أسلحتهم ويشهرونها علي ثُلاثي الشر: 
-سلموا نفسكم ومفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر بالرجالة وأي محاولة منكم هتبوء بالفشل وهتزيد من عقوبتكم 




كانت تتلفت حولها برهبة وذهول وعيناي مُتسعة،فبرغم أنها نجت من الموت بإعجوبة إلا أنها شعرت بالدماء قد تجمدت بعروقها وسيطر الرُعب علي قلبها وبات جسدها ينتفض وقلبها المرتعب يُحدثُها عن هَوْل ما هو أتْ 


حاوط أفراد الشرطة عزيز وأمسكوه فنظر حولهُ باستنكار وصرخ بصوتٍ معترض رافضاً ما حدث: 
-لااااااااا

تم القبض علي الرجُلان وتم تحريز المضبوطات والأسلحة النارية،أما كارم فتحرك يستبق رجالهُ حيثُ كان يقف بالخلف بناءاً علي تعليمات الشرطة العسكرية،وتحدث ساخراً وهو ينظر علي لمار ويقبض بقبضتهِ القوية علي ذراعها: 
-وقعتي يا حلوة ولا حدش سمي عليكِ،كُنتي فاكرة نفسك ذكية وهتفلتي بعملتك السودا؟ 

هتفت بنبرة زائفة في محاولة منها لخداعهُ: 
-أنا مليش دعوة بحاجة،الحيوانات دول خطفوني بحجة إنهم موظفين من دار أزياء وكانوا عاوزين يقتلوني 

واسترسلت مستشهدة بنبرة صارخة: 
-حتي إسأل أمن البوابة وهو هيأكد لك كلامي ده



إبتسم كارم بجانب فمهِ ساخراً وتحدث بإعلام: 
-إنسي كل الهبل اللي بتحاولي تعمليه ده،إنتِ متسجل لك كل اتفاقاتك مع وليد المغربي،ده غير إنك متصورة بكاميرات خفية وإنتِ بتزرعي أجهزة التصنت في مكتب سيادة اللواء عز المغربي 


ملقتيش غير عيلة المغربي وتلعبي معاهم،إستلقي وعدك من ياسين المغربي وانتظري جحيمك الأتي...نطقها بصرامة ثم كبل يداها بالكلبشات الحديديه وقام بسحبها من ذراعها كما تُسحب الأنعام،ثم هتف موجهاً حديثهُ إلي الضابط المُشرف: 
-متشكر أوي يا أفندم علي مساعدتكم في القبض علي الخونة دول 

واستطرد لإبانة: 
-تقدر حضرتك تاخد القوة وتتفضلوا وإحنا هناخدهم عندنا في مبني المخابرات الحربية علشان نبدأ معاهم التحقيق



تمام يا أفندم...قالها قبل أن يُجمع قواته ويستقلا سيارتهم ويتحرك الجميع متجهين إلي مبني المخابرات الحربية إستعداداً لوصول ياسين بعدما يوصل صغارهُ إلي المنزل ويتجه إليهم

❈-❈-❈


كانت تجلس بجوار والدتها بحضور جميع نساء العائلة اللواتي عُدنَ من المقابر إلي منزل سيادة اللواء عز المغربي للبدأ في إستقبال وفود النسوةِ اللواتي ستأتين لتقديم العزاء،وايضاً عادتا معهُن قسمة وداليد وذلك ليقفتا بجانب أولاد فقيدتهما 

نظرت سُهير إلي ملامح مليكة المُقلصة وتحدثت بارتياب: 
-مالك يا بنتي،إنتِ موجوعة ولا حاجة؟ 

عقبت بتوجع ظهر بَيِنّ فوق ملامحها: 
-مفيش حاجة يا ماما،دي شوية تقلُصات بسيطة وهتروح الوقت


هتفت بنبرة هلعة: 
-تقلصات إيه،لا إنتِ كدة لازم تروحي للدكتورة اللي إنتِ متابعة معاها علشان تكشف عليكِ ونتطمن إن مفيش حاجة لا قدر الله 

واسترسلت بنبرة أمرة وهي تتأهب للوقوف:
-قومي يلا نروح لها علشان نتطمن 



همست وهي تُمسك معصم والدتها وتحثها علي التريُس: 
-إقعدي يا ماما مش وقته،حضرتك مش شايفة البيت عامل إزاي،إنتِ عاوزة طنط قسمة تستغل الوضع وتقول إني بتدلع علشان أشوش علي العزا وأخد إهتمام العيلة


أردفت سُهير عاتبة بإعتراض: 
-هو انتِ كمان هتكابري في التعب؟


خلاص بقي يا ماما،إسكتي بدل ما يقولوا مش مبطلين كلام ومش محترمين حُرمة العزا...هكذا نطقت لتُنهي الجدل الدائر بينها وبين والدتها مما جعل سُهير تصمت مُجبرة



وما أن إنتهوا من حديثهم حتي إنتبهوا إلي دخول طارق وهو يحتوي أيسل بذراعهُ ويجاوره عُمر الذي يضع ساعدهُ علي كتف حمزة،هرولت شيرين إلي أيسل وأحتضنتها وتحدثت بنبرة حنون: 
-تحبي تقعدي معانا هنا ولا تطلعي فوق

أردفت الفتاة بنبرة خافتة وعيناي ذابلة تعكسٌ مدي إنهيار قواها واستسلامها التام للحُزن: 
-هطلع أنام في أوضة مامي




أومأت لها بأسي وتحركت بجانبها وصعدا الدرج في طريقهما إلي الأعلي،أما طارق وعمر فانسحبا برفقة الصبي وغابا عن الأعين داخل غُرفة المكتب،وقفت مليكة وبصعوبة تحركت مع إستمرار التقلصات الموجعة،دقت باب المكتب ودخلت كي تطمن علي حال الصبي وايضاً علي حبيبها،وجدت الصغير يتوسط عماه ويُبكي داخل أحضان طارق الذي يحتويه مربتاً علي ظهره في محاولة منه لمواساته


إقتربت من جلوسهم فوقف عمر وابتعد ليُفسح لها المجال وتحدث وهو يُشير بكف يده:
-تعالي إقعدي يا مليكة


شكرته بإيماءة خفيفة من رأسها وبالفعل جلست بجانب الفتي وتحدثت بنبرة حنون وعيناي متألمة لأجل دموعه التي تُدمي القلوب:
-كفاية عياط يا حبيبي،كدة غلط علي دماغك وقلبك،إنتِ من إمبارح ما بطلتش عياط 


نظر لها الفتي وتحدث بنبرة تُبكي الحَجر:
-كان نفسي أشوف ماما قوي،أنا مش عارف ليه بابا ما جبهاش هنا الأول علشان أشوفها


تنهدت بأسي لوجع الفتي وأجابهُ طارق بإبانة:
-ماكنش هينفع يا حمزة علشان الناس اللي كانت مستنيانا في المقابر

واسترسل وهو يحثهُ علي الهدوء:
-كفاية بقي يا حبيبي وإطلع أوضتك وحاول تنام لك شوية


هز رأسهُ باعتراض وأردف:
-أنا هستني بابا لما ييجي علشان أخرج وأقف معاه في استقبال الناس 


قطبت جبينها وتساءلت مستفسرة:
-هو ياسين مش برة مع الباشا والرجالة؟ 


ياسين راح الجهاز...جملة نطقها طارق بصوتٍ خافت فتسائلت بتعجُب: 
-جهاز إيه اللي ياسين راحه في يوم زي ده،المفروض ييجي ياخد شاور ويريح ضهره ولو حتي نص ساعة علشان يقدر يقف ويقابل الناس اللي هتيجي تعزيه طول اليوم



هو قال لنا أنا وعُمر نجيب الأولاد وهو هيروح يعمل حاجة مهمة في الجهاز وييجي علي طول...هكذا أجابها فتحدثت وهي تُشرع في إخراج هاتفها من جيب ثوبها الأسود الواسع حتي يتناسب مع حملها:
-أنا هتصل بيه واخليه ييجي حالاً
واسترسلت بنبرة غاضبة لأجله:
-ده كدة بيهد جسمه 


أما عُمر الواقف مستنداً علي سطح المكتب ويلف ساقاه علي بعضيهما فأشار لها وتحدث لإعلامها:
-ريحي نفسك يا مليكة،ياسين قافل تليفونه


نظرت أمامها وزفرت بيأس فاسترسل عُمر متسائلاً بإهتمام:
-وحياتك يا مليكة تندهي لي لمار من برة لأني بتصل عليها من بدري وتليفونها مقفول


نظر طارق علي شقيقهُ بقلبٍ يتمزق لأجل ما هو قادم عليه وسيصدمهُ،أما مليكة فأجابتهُ بنبرة هادئة: 
-لمار مش برة يا عُمر،ما شفتهاش من وقت ما رجعنا من المدافن



تنهد بأسي وتحدث متأثراً: 
-يبقي لسة قاعدة فوق لوحدها،أصلها متأثرة قوي بوفاة ليالي،مصدومة يا حبيبتي ومش قادرة تتخيل إن الدنيا فيها ناس بالبشاعة دي 


وضع طارق كف يده وفرك بهِ ملامحهُ وانتفض واقفاً بغضب،وهتف بنبرة حادة حيث لم يعد في مقدورهُ رؤية شقيقهُ المخدوع أكثر من ذلك: 
-أنا خارج علشان أقف مع رجالة العيلة


وقف الصبي وطلب مرافقة عمه فوافق طارق وتحدث ليحث عمر علي التحرك معه: 
-يلا إنتَ كمان معانا يا عمر 

هتف باعتراض: 
-إسبقوني انتوا وأنا هطلع أطمن علي لمار واجيبها وأنزل، وبعدها احصلكم علي برة

هز رأسه باستسلام وتحدث إلي مليكة بأخوة:
-عاوزة حاجة يا مليكة؟ 

سلامتك يا طارق،خلي بالك من حمزة...قالتها وهي تضع يدها علي كتف الفتي واسترسلت وهي تنظر إليه بتوصية: 
-لو حسيت إنك تعبت في أي وقت أدخل إرتاح وبعدها إخرج تاني،إوعي تضغط علي نفسك يا حمزة

أومأ لها الفتي وتحرك الجميع إلي الخارج واغلقوا باب المكتب من جديد  
   

❈-❈-❈


داخل غُرفة إضائتها خافتة بالكاد تُظهر الوشوش،كانت تجلس فوق مقعداً بجسدٍ ينتفضُ من شدة إرتعابها من ما هو أتْ،مشاعر مُبعثرة وأفكار تتزاحمُ داخل مُخيلتها،دموعاً حارة تجري فوق وجنتيها كُلما تذكرت إبلاغ ذاك العزيز بمقتل والديها،وناراً شاعلة تقتحمُ قلبها عندما تتذكرهُ وهو يروي كيف تم قتل والديها بتلك الطريقةِ البشعة الخالية من الإنسانية


كانت تهزُ رأسها باستنكار وحال عقلها يُردد:
-كيف سولت لهُ نفسه وطاوعهُ قلبه علي قتل أبرياء لا ذنب لهما سوي ان إبنتيهما قد وضعت ثقتها في غير محلها

تذكرت كيف كان والديها رافضان فكرة دخولها عالم هؤلاء وتنفيذها لتلك العمليةِ،والتخوف من نتائجها الغير محسومة حين أخبرتهُما منذُ ما قبل الثلاثُة أعوام 

هزت رأسها بعدم تصديق واستيعاب لما حدث وتسائلت بذهول: 
-هل تعطل قطار رحلتي وإنتهت أحلامي وتوقفت هُنا؟ 
لا،واحلامي،وجميع طموحاتي وامالي،هل تحطمت بوصولي إلي ذاك الجحيم 

قُطع حبل أفكارها إقتحام أحدهم لتلك الغُرفة ودخوله بهيأتهِ الغاضبة التي لا تُبشر بالخير أبدا،وتُنذر أن الجحيم قد أتي ولن تستطيع قوةٍ ما في الأرض أن توقف إجتياحهُ،رفعت رأسها وحاولت كشف وجه ذاك الزائر من خلال ذاك الضوء الخافت

إنتفض قلبها وباتت دقاتهُ تتعالي كطبول حربٍ تدقُ بقوة هائلة عندما كشفت عن هويتهُ،بخطواتٍ سريعة تقدم نحوها ومد يدهُ بشراسة وأحكم قبضتهُ الحديدية علي فكها وبات يضغط عليه ليسحقهُ مما جعلها تصرخ متأوهةً



مال بجزعهِ عليها ثم نظر لها بعيناي متوحشة تخرج لهيباً لو طالها لأشعل جسدها بالكامل وتحدث بصوتٍ مُخيفاً خرج كفحيح الأفعي:
-بقي حتة عيلة متسواش مليم تضحك علي ياسين المغربي وتقعد في بيته تلات سنين بحالهم وهي مستغفلاه


وحياة أمك لأخليكِ تتمني الموت علي أديا وما هتطوليه...قالها بوعيد وهو يدفعها للخلف مما جعل المقعد يفقد إتزانهُ وكاد أن ينبطح بها أرضاً لكنه كان الأسرع،حيثُ قبض علي خصلات شعرها المفرود وجذبها منه ولفهُ حول قبضتهُ مما جعلها تصرخ متألمة: 
-شعري حرام عليك

واسترسلت برهبة ودموع ساخنة: 
-أنا مليش دعوة،أنا معملتش حاجة،
واستطردت كاذبة:
-هما اللي أجبروني أعمل كدة وهددوني بباَباَ ومَاماَ


واستطردت بقلبٍ يصرخ ألماً: 
-وأهم قتلوهم المجرمين من غير رحمة،المجرم عزيز قتلهم بالنار 


مال براسهِ لجهة اليسار ثم إبتسم بجانب فمهِ ساخراً وتحدث بأنفاسٍ ساخنة لفحة وجنتها لقرب وجههُ المخيف منها ومازال قابضاً علي شعرها بقوة:
-ده ذنب البريئة ليالي اللي خلتيها تروح علي الموت برجليها يا مجرمة


إبتلعت لعابها وانتفض قلبها وهتفت بتكذيب:
-أنا مليش دعوة بموضوع قتل ليالي،أقسم لك بشرفي 


بأي شرف بتُقسمي يا عديمة الشرف،أنا عرفت كُل حاجة يا زبالة يا بنت الكلـ...، عرفت الخط اللي حرضتيها تشتريه علشان تتكلم منه براحتها معاكِ

واسترسل بزيفٍ ليُزعزع تماسكها ويُجبرها علي الاستسلام والإعتراف: 
-اللي ما تعرفهوش إني كُنت حاطط في أوضة ليالي جهاز تصنت وسمعت منه مكالماتك معاها وإنتِ بتحرضيها علي الهروب من الحرس 

واسترسل وهو يتحدث بأبشع السُباب: 
-وبتطلبي منها إنها تطلب مساعدة من بنت الـ.... اللي إسمها خديجة واللي أنا متأكد إن ده مش إسمها الحقيقي 



أرخت رأسها للخلف باستسلام برغم قبضته القوية علي شعرها وتحدثت بنبرة إنهزامية: 
-أنا كُنت بنفذ المطلوب مني مش أكتر 

واسترسلت بدموع صادقة: 
-أنا مكنتش أعرف إنهم هيأذوها،أنا كل اللي جه في بالي وقتها إنهم هياخدوا لهم كام صورة هي وسيلا وهما عريانين ويهددوك بيهم وخلاص


وما أن إستمع إلي حديثها حتي إنتفضت عروقهُ وبرزت وبات جسدهُ بالكامل بنبضُ غضباً وهو يتخيل المشهد امامهُ،وما شعر بحالهِ إلا وهو يُفلت خصلاتها من قبضته ويصفعها بكل ما أوتي من قوة جعلتها تميلُ جانباً وتفقد توازنها ثم تنبطحُ أرضاً بمقعدها مما جعل رأسها ينزف

أسرع إليها وجثي فوق ركبتيه مع نثرها بالسُباب اللازع ثم قبض بكفاه علي عُنقها وبات يضغط عليه وينظر إليها بعيناي تطلقُ شزراً،تحول وجهها للأحمر الداكن واتسعت عيناها وتحول بياضها للون الدمِ وباتت تلوح بيداها في الهواء في محاولة بائسة منها للخلاص



أما كارم الذي كان يقف بالقُرب من الباب واضعاً ذراعيه خلف ظهرهِ وهو يُشاهد رئيسهُ بصمتٍ تام لكنهُ إضطُر للتدخل الفوري بعدما شاهد المرأة باتت علي لفظ أنفاسها الأخيرة،وقف بجانبهِ ومال بجزعه ثم تحدث بهدوء: 
-معالي الباشا


رفع ياسين بصرهِ ونظر لهُ نظرات ذات مغزي إستوعبها كارم وفهم منها أنهُ يعي ما يفعل،بالفعل فك قبضتهُ من فوق عُنق تلك الحقود التي شهقت بشدة وباتت تسعل بقوة وهي تُمسك عُنقها تتحسسهُ بهلع،بانفاسٍ لاهثة جلست ومازالت تتحسسُ عُنقها وتسعلُ بشدة،كاد أن يقترب منها فتحدثت علي عُجالة وهي تضع كفها لتحمي به عُنقها:
-إوعي تقرب لي،أخوك ليه عندي أمانة،تخرجني من هنا سليمة وتسفرني لإيطاليا أسلمها لك



حول بصرهُ إلي كارم وبدون سابق إنذار اطلقا ضحكاتهم الساخرة وتحدث بإعلام:
-تقصدي ليزا عُمر المغربي؟
حك ذقنهُ بأصابع يده واسترسل مضيقاً عيناه: 
-ولا نقول ليزا عزيز فتحي الصاوي


جحظت عيناها وشهقت بذهول،فاسترسل هو:
-حبكتوها صح،كتبتوا البنت بإسم واحد تاني علشان ما نعرفش نوصل لها



إبتلعت لُعابها وتحدثت وهي تهز رأسها بعدم إستيعاب:
-إنتَ عرفت الموضوع ده إزاي؟

هب واقفاً وفرد ظهرهُ ثم نظر عليها بسخطٍ وأردف:
-أنا ما أنكرش إنك قدرتي تخدعيني برغم إني شكيت فيكِ من أول مرة شفتك فيها لما عُمر عزمك علي الغدا في البيت،لعبتوها صح وحبكتوها حلو أوي لدرجة إني ما قدرتش أمسك عليكِ غلطة واحدة،برغم إني دورت كتير وراكِ

واسترسل بنظرات كنظرات الذئب: 
-بس مهما كُنتي ذكية وعاملة حسابك إنتِ وشوية الكلاب اللي وراكِ،مش هتبقوا أذكي من ياسين المغربي يا روح أمك  

واستطرد موضحاً: 
-إوعي تفتكري إن اللي خلاني ما كشفتكيش هو ذكائك،ده يا حلوة،السبب في عدم كشفي ليكِ ده لإنك كُنتي خلية نايمة،بس لما بدأوا يحركوكي زي الأراجوز،عيني كانت عليكِ ومعاكِ في كُل خطوة بتخطيها،من أول لعبك علي وليد لحد محاولاتك الخبيثة مع مليكة،بس اللي مكنتش عامل حسابة هو إنك تلفي زي الحية من ورايا وتلعبي في دماغ ليالي

واسترسل بأسف: 
-إختارتوا أضعف جبهاتي وحاربتوني عن طريقها بكل دنائة



تحدثت بقوة غير عابِئة بحديثهُ وكأنها مُغيبة: 
-خرجني من هنا علشان أسلمك البنت

أردف بإهانة: 
-هو الفهم عندك بعافية ولا إيه؟ 
البنت وصلت مصر الساعة 8 الصبح يا غبية


فلاش باااااك 
عودة إلي اليوم الذي شاهد الفيديو المصور للمار والسيدة الأربعينية داخل حمام السيدات بالمطعم

تحدث عامر شارحاً: 
-السِت طلعت عايشه هنا بس بتتردد كتير علي لندن  

كان يستمع إليه بإهتمام شديد وتفكُر،ثم تحدث بنبرة عملية: 
-لندن! تمام،إسمعني كويس يا عامر،تخلي رجالتنا اللي في شركة الإتصالات تجيب لنا سجل مكالماتها وتفرغوه كويس إنت والرجالة



ثم صمت لثواني واستطرد بتضييق عيناه: 
-كلام السِت وهي بتقولها ما حدش هيقدر يلمس شعره منك أكد لي إن البنت دي حامية نفسها بحاجة مُهمة قوي وتخُص عيلة المغربي


بتفكر في حاجة معينة يا باشا؟...سؤال وجههُ له عامر بترقُب،أجابهُ ياسين بارتياب وهو يومى برأسه:
-فيه حاجة مُهمة قوي إفتكرتها ولازم نتحرك في إتجاهها في أسرع الاوقات 

ثم نظر أمامهُ في اللاشئ واستطرد بقَسم وهو يجز علي أسنانه بغيظٍ شديد:
-لأن لو اللي في بالي طلع صح هتبقي كارثة،وساعتها قسماً برب العزة لأخليها تتمني الموت كل يوم هي والكلاب اللي وراها أياً كانوا هما مين 

ثم استرسل قائلاً: 
-أنا شاكك إن البنت اللي ولدتها لمار ما نزلتش ميتة زي ما بلغتنا هي والدكتور بتاع المستشفي،وكمان الأتنين اللي قالوا إنهم لقيوها تعبانة في عربيتها علي الصحراوي يبقوا تبعها،أنا عاوزك تعين لي مراقبة مشددة علي الست دي،مش عاوزها تغيب عن عنيكم وخصوصاً لما تسافر لندن



وافقة عامر الرأي وبعد مرور إسبوع إكتشف عامر من خلال مراقبة رجالهِ أن المرأة تسكن بمنزل داخل مدينة لندن هي وزوجها وإحدي جليسات الأطفال،وطفلة صغيرة بالكاد تُكمل العامان من عُمرها،وهذا ما اكتشفوه أثناء مراقبتهم المشددة للمنزل وحديقتهُ من خلال نافذة المنزل الذي إستأجروه خصيصاً ليكونوا بالقرب من الموقع،أخبر ياسين بما إكتشفهُ رجاله فأبلغهُ الآخر أنه يريد أخذ أية عينة من الطفلة بأية طريقة ليقوموا بعمل تحليل البصمة الوراثية ليقطع الشك باليقين ويتأكد ما إذا كانت الصغيرة لشقيقهُ أو أنهُ مجرد شك   



بالفعل بعد مراقبة مستمرة لاحظوا فيها رجال عامر بأن المربية تصطحب الصغيرة يومياً وتذهبا للتنزه في حديقة مجاورة أثناء إنشغال المرأة وزوجها في دوام عملهم،تحرك أحد الرجال وجلب عُلبتان من مثلجات الفراولة الشهية وذلك بعدما لاحظ عشقهما لتلك الحلوي خصيصاً،وتحرك إلي العاملة وتحدث بالإيطالية بلطافة: 
-أرجو قبول هذة المثلجات لكِ وللصغيرة سيدتي

إبتسمت جليسة الأطفال الشابة وأعتقدته يلاطفها وبأنهُ أُعجب بجمالها وتحدثت وهي تُبسط ذراعيها وتتناول منه الحلوي:
-أشكرك لشعورك اللطيف،تلك الحلوي بالتحديد نفضلها أنا والصغيرة وكُنا بحاجتها كي تبرد جوفنا من حر ذاك اليوم

إبتسم لها وغمز بعيناه وتحدث:
-كُنت أشعر،ولذلك لم أتردد في جلبها 

جلسا يتبادلان أطراف الحديث ثم حمل الطفلة وتحدث وهو يمرر أصابعهُ داخل خصلاتها المجعدة كي يجعل بعض شعيراتها تعلق بأصابعه: 
-ما هذا الشعر الجميل

إبتسمت له الجليسة وتابعت تناول الحلوي،أما الطفلة فكانت تتناول الحلوي وهي تنظر لهُ بعيناها بمنتهي البراءة والوداعة،تنفس براحة عندما نظر لأصابعهُ ووجد بها بعض الشعيرات،نظر لصديقهُ الواقف بعيداً ويترقب إشارتهُ،فهم الرجل الإشارة فتحرك عليه واشار له 


إستأذن منها وأبلغها بأن صديقه الذي كان بإنتظارهِ قد أتي،وضعوا تلك الشعيرات بداخل كيس وأرسلوها إلي مصر مع أحدهم وأجري ياسين التحليل بعد أخذهِ بعض الشعيرات من فُرشاة شعر شقيقهُ وظهرت النتيجة بعد إسبوع وأثبتت تطابق بنسبة بلغت تسعةً وتسعُون بالمئة، وهنا تأكد ياسين من شكوكه وأمر رجالهُ باستمرار المراقبة بشدة في حين البت في الأمر،


وبصباح اليوم تم القبض علي المرأة وزوجها عن طريق الإنتربول الدولي بعدما ابلغتهُ المخابرات المصرية بالوضع وأطلعتهُ علي كل الدلائل التي أكدت أن ذاك الثُنائي ينتميان لأحد التنظيمات الإرهابية وبأنهما قاما بإختطاف إبنة شقيق عميد بالجهاز ليقوما بتهديدهُ وابتزازهُ عن طريقها وأطلعوهم علي نتيجة البصمة الوراثية،وقام الإنتربول بإبلاغ الشرطة الإيطالية التي قامت بفتح تحقيق وسلمت الطفلة لرجال ياسين بعد إخلاء سبيل جليسة الأطفال لعدم إطلاعها علي أصل الموضوع،وبهذا دخلت الطفلة الأراضي المصرية بسلام