جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 29 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل التاسع والعشرون
الجزء الثاني
❈-❈-❈
عودة إلي تلك التي كانت تستمع إلي شرحهِ بخيبة أمل ودموع الحَسرة والندم تسيل فوق وجنتيها،تحدث وهو يرمقها بإشمئزاز:
-أنا مش مصدق إن فيه أمهات بالحقارة والدنائة والبشاعة دي،وصلت بيكِ القذارة إنك تخلفي طفلة لمجرد إنك تدخلبها في لعبتك الـ،... دي،إزاي جالك قلب ترميها لناس مجرمين أقصي حاجة يعرفوها عن ربنا هو إسمه اللي بينطقوه مع كل دم بيسيل من إنسان برئ فقد حياته بسببهم؟
بكت بمرارة ليس لأجل حديثهُ فأخر همها ذاك الحديث وتلك الفتاة التي كانت بالنسبة لها ما هي إلا مهمة رسمية طُلب منها تنفيذها وحصُلت في مقابلها علي مبلغ هائل من المال أرضي جشعها
إبتسم بألم عندما لم يلحظ تأثرها بعد كل ما ذكر،فتحدث بنبرة جادة:
-وبعد ما حكيت لك حكاية وصولي لبنت المغربي،عاوزك زي الشاطرة كدة تحكي لي علي كل حاجة،شغالة تبع مين ومين اللي وزك علينا،كل حاجة بالتفصيل الممل وإلا قسماً بالله
لم تدعهُ يكمل تهديدة وأردفت بنبرة إنهزامية:
-مفيش داعي لتهديدك يا سيادة العميد،خِلصت خلاص،بَابَا ومَامَا قتلوهم المجرمين اللي كُنت فكراهم حِصن الأمان ليا وليهم،والبنت اللي كُنت فكراها خلاصي بقت هي الطوق اللي إتلف حوالين رقبتي وسحبتوني منه لحد عندكم
واستطردت باستسلام:
-أنا هحكي لك علي كُل حاجة،أنا أتربيت وعيشت عُمري كُله في لندن مع باَباَ وماَماَ اللي سافروا يشتغلوا هناك وأنا عمري يدوب تلات سنين،وأنا في آخر سنة من دراستي في جامعتي،كنت بشتغل ويتر في مطعم علشان اتحصل علي مصاريف جامعتي وأقدر البس واظهر بشكل كويس بين زملائي،في يوم دخل زبون عربي،كان شاب وسيم جداً في أواخر العشرينات،قعد فترة يتردد علي المطعم بالتحديد في وقت الشِفت بتاعي،بصراحة لفت نظري وعجبني جداً لأنه كان تقيل وغامض وكلامه قليل أوي،وده النوع اللي أنا بحبه في الرجالة
واسترسلت بإبانة:
-وفي يوم عرفني بنفسه وقال لي إنه إسمه عزيز الصاوي،ولقيته بيعزمني علي الغدا في مطعم برة،فرحت جداً وقولت إني عجبته زي ما هو عجبني واكيد هيطلب مني نتصاحب
لكن لما قابلته أول كلمة قالها لي،إيه رأيك في شغلانة هتكسبي من وراها خمسة مليون دولار
واسترسلت بإبتسامة ساخرة:
-طبعاً إفتكرته بيهزر برغم ملامحه الجادة اللي عمرها ما اتغيرت من أول مرة شفته فيها لحد النهاردة،بس بعد كدة أكد لي إنه يقصد كل كلمة قالها لي،وبدأ يشرح لي المهمة المطلوبة مني،طبعاً في الأول رفضت وقلت عليه مجنون
واستطردت بتعقل:
-ما هو بالعقل كدة،إزاي جاي يطلب مني إني أرمي نفسي في وسط النار بأديا،سبته ومشيت وتاني يوم لقيته مستنيني قدام الجامعة بعرببته،ركبت معاه راح فاتح لي شنطة فيها مليون دولار علشان يثبت لي صدق كلامه،ما أكذبش عليك،أول ما شفت الفلوس ما قدرتش أقاوم واللحظة دي كانت بداية إتفاقي معاه،طبعاً بعد معاناة مني في إقناع أهلي،ومن يومها وأنا معرفش غيره وباخد كل أوامري وتحركاتي عن طريقه
ده أنتوا طلعتوا عيلة أذبل من بعض...هكذا نطق كارم وهو يرمقها بازدراء
هب واقفاً وتحدث إلي كارم وهو يرمقها بمقت:
-خلي الرجالة تربط لي الحسالة دي من أديها ورجليها في الكرسي،وما فيش حد يديها بق ماية واحد لحد ما أرجع لها
إبتسمت ساخرة وكأنها فقدت الأمل وبات كل شئ متشابة بالنسبة لها واسترسل بسُاب وهو يتحرك عند الباب:
-وتعالي معايا نشوف حكاية إبن الكلـ... ده إيه هو كمان
❈-❈-❈
خرج ياسين وبجوارهُ كارم وتحركا داخل الرواق بطريقهُما إلي المدعو عزيز،تسائل ياسين بنبرة جادة:
-كشفت علي بصماته يا كارم
حصل سعادتك ونتيجة الفيش زمانها طلعت...نطقها بثقة واكملا طريقهما حتي وصلا،خطي بساقيه وتلاهُ كارم داخل حُجرة مُنفصلة أكثر ظُلمة،نظر أمامهُ وجد ذاك المدعو بعزيز يجلس فوق مقعداً بساقاي مُقيدة بهِ وكفهُ مُضمد بشاش طبي بعدما أتي الطبيب وقام بالكشف عليه وضمدها لهْ لوقف النزيف،والكف الاخر مُكبل خلف ظهرهُ
تحرك حتي إقترب من المنضدة الموضوعة أمام المدعو عزيز، ثم قام بالضغط على زِر تشغيل الكشاف الموضوع فوق تلك المنضدة فأخرج إضاءة شديدة سلطها على وجههُ مباشره مما جعل الآخر يكفهر بملامحهُ ويغمض عيناه حتي يتلاشي شدة الضوء المؤذي لعيناه،ألقي نظرة علي وجههِ وجدهُ ملئ بالكدمات والإنتفاخات والدماء السائلة بجانب فمه،فوجه حديثهُ الساخر إلي كارم:
-شكلك سبقتني وأكرمت الراجل قبلي يا كارم
بطريقة ساخرة عقب كارم:
-واجب الضيافة وكان لازم نقدمهُ له علي أكمل وجه يا باشا،ولا سعادتك عاوزه يقول علينا بُخلة
عاش يا رجالة...نطقها باستحسان ثم أردف متسائلاً بعدما دقق النظر بملامح ذاك الشخص وشعر أنها ليست بالغريبة عليه رغم وجود كل تلك الكدمات:
-أنا شفتك فين يَلاَ قبل كدة؟
واسترسل بسُبابٍ ومازال مدققاً النظر:
-الخلقة الــ.... دي مش غريبة عليا،وإسم عزيز مش لايق علي سِحنة أمك دي
إبتسم الرجُل بجانب فمهِ بطريقة ساخرة وتحدث:
-لحقت تنساني يا باشا
قطب ياسين جبينهُ وبات يعتصر ذاكرتهُ فقطع حبل تفكيرهُ إستماعهِ لبعض الطرقات التي دقت فوق الباب ودخل منهُ أحد رجال الجهاز الذي تحدث إلي كارم وهو يسلمهُ تقريراً:
-الفيش بتاع المتهم يا أفندم
تناولهُ منه كارم وتحرك إلي رئيسهُ وسلمهُ إياه باحترام،فتح الملف ونظر بداخله وتحدث بعيناي مُتسعة غير مُصدقة:
-حسين توفيق الصراف
فأكمل علي حديثهُ ذاك الحُسين:
-إفتكرتني يا باشا؟،إرجع بذاكرتك قبل خمس سنين من وقتنا الحالي
واسترسل بنبرة حقودة:
-أنا حضرة الملازم سابقاً،إبن سيادة العقيد توفيق الصراف،زميلك اللي إنتَ إتسببت في دخوله السِجن العسكري وبعدها رفدتوني من الجهاز،وإنتَ كُنت السبب المباشر في ضياع مُستقبلي
واسترسل بتذكير وهو يجز علي نواجذهُ:
-وبعدها أبويا ما أستحملش الفضيحة اللي حصلت له وإنتحر في السجن،وأمي ماتت من قهرتها عليه وعليا
وأنا اللي كُنت قُلت لأبوك خون بلدك وبيع ضميرك للخونة وطلع خط سير أصحابك علشان الجماعات الإرهابية تصفيهُم؟!...نطقها ياسين بحِدة وسخط واسترسل بنبرة غاضبة:
-أنا نفسي كُنت من ضحايا الخاين أبوك وأتعرضت لمحاولة إغتيال وفشلت
إبتسم الشاب وتحدث لإستفزازه:
-ادينا عوضنا فشلها في مراتك وقريب قوي بنتك هتحصلها
لم ينتهي من إكمال جُملتهُ حتي إنقض عليه كالأسد الجائع وهو ينهش في لحم فريستهُ،وضع ساقه فوقه للتمكُن منه وأمسك عنقه وبات يضغط عليه حتي أوشك علي لفظ أنفاسه الأخيرة مما جعل كارم يتدخل ويقوم بإبعادهِ وهو يتحدث:
-إهدي سعادتك،ما فيش داعي توسخ إيدك بحسالة زي ده،ده خلاص،ديته جلسة واحدة في محاكمة عسكرية وياخد إعدام ونخلص من أشكاله
إبتسم حسين وتحدث باستفزاز:
-لو كُنت فاكر إن الموضوع هينتهي بموتي تبقي غبي يا سيادة الرائد،
واسترسل قاصداً ليعلمهُ أنهُ علي دراية بكل شئ يخصهما:
-مش سعادتك رائد برضه؟
واكمل وهو يبتسم قاصداً إستفزازيهما:
-الناس دي واصلة وبيقدروا يوصلوا للي هُما عاوزينه،وإعدامي مش هيوقفهم عن إنتقامهم منك يا ياسين يا مغربي،وزي ما بحثوا عني وقدروا يوصلوا لي ويحطوا إديهم في إيدي، هيوصلوا لغيري من ضحياكم الكتير وهيكملوا
إقترب عليه ياسين من جديد وهتف بنبرة حادة وهو يقبض علي شعر رأسهِ وبات يُزيد من إحكامه عليها وهو يرجع رأسهُ للوراء:
-مين اللي وراك يَلاَ،ومين اللي قتل مراتي
لو قطعت من جسمي حتت مش هنطق بحرف واحد،عارف ليه؟...هكذا نطق بنبرة حاقدة واسترسل بنبرة يملؤها الإصرار:
-علشان الوقت بس حسيت إن أنا جبت حق أبويا منك وأنا شايفك واقف قدامي بتتنطت زي الفولة اللي بتتقلي في الزيت،ومش هريحك يا ياسين يا مغربي
إبتسم ياسين واردف:
-وإنتَ فاكر إني مش هعرف أجيب الحسالة اللي إنتَ شغال معاهم؟
واسترسل بوعيد خرج من بين أسنانه:
-وعد مني ليك،قبل ما تتعدم زي الكلب وتحصل الخاين أبوك هكون جبت لك كل الكلاب اللي كانوا ساحبينك زي الخروف وراهم،وليك عليا أعمل لكم حفلة إعدام جماعي،علشان تتونس وإنتَ رايح لقيامتك يا خاين
قالها ودفع رأسهُ للخلف بقوة فاككاً إحكام قبضتهُ القوية من علي شعره ثم نفض كفهُ بإشمئزاز وتحدث:
-راجعل لك تاني،بس مش وقته
إستدار وكاد أن يتحرك فتحدث حسين قائلاً بانتشاء:
-ليك عندي أمانة غالية قوي علي عيلة المغربي،تخرجني من هنا أسلمها لك
لف وجههُ سريعاً ثم نظر إلي كارم الذي كظم ضحكاتهُ الساخرة مما جعل حُسين يشعر بالتعجب،لكنه سريعاً ما أختفي هذا الشعور بعد وضع ياسين كفاه داخل جيب بنطالة وهو يتحدث بهدوء:
-الغبية اللي إنتَ وجماعتك كنتوا مجندينها لسة قيلالي الكلمتين الحمضانين دول
واستطرد قائلاً بثقة:
-يظهر إن غبائكم نساكم إنكم بتلعبوا مع ياسين المغربي،
واسترسل بإبانة:
-ليزا في مصر يا غبي،وشُحنة الهيروين اللي دخلتوها مخزن طارق كانت متصورة صوت وصورة ورجالتكم بيحطوها في المخزن،وياخدوا مكانها الأسلحة اللي دخلتوها البلد عن طريق الشركة وبعلم مُسبق وتحت إشراف رئيس الجهاز بنفسه
وأميرك المغفل اللي أخد شحنة السلاح واتحرك علي العريش متراقب بطيارة تجسس ماشية معاه خطوة بخطوة،وبمجرد ما يوصل لمكانه ونحدده هتكون عناصر الجيش في إستقباله هو والشُحنة اللي بعتتها المُنظمة هدية منها للجيش المصري
كان يتحدث بفخرٍ وبأنهُ ينتمي لذاك الكيان العظيم،ويراقب تحول ملامح ذاك الذي أوشك علي إصابتهُ بذبحة صدرية جراء ما أستمع إليه وهدم جميع محاولاتهِ للإنتقام من تلك المؤسسة الذي خرج منها منبوذاً لأفعال والدهُ،تحدث ياسين بمنتهي الإستفزاز:
-هدية مقبولة يا سِحس
قالها وانطلقا ضاحكاً بسخرية هو وكارم ثم تحركا للخارج تحت إستشاطة ذاك الخائن الذي صرخ بعنف في محاولة منه لإخراج تلك النار التي إشتعلت بصدرهِ المريض بداء الحقد علي بلده
أما بالعريش فقد تمت المهمة بنجاح بعد تبادل لإطلاق نار كثيف أدي إلي مصرع ذاك المسمي بالأمير وأخر،وايضاً إستشهاد أحد أفراد الجيش وهو يدافع عن أمن بلده،وتم ضبط جميع أفراد الجماعة وايضاً حُرزت الأسلحة وتم التحفظ عليها هي وكثير من الأسلحة الأخري التي وجدت بمخازن تلك الجماعة الإرهابية
❈-❈-❈
عاد ياسين إلي حي المغربي بصحبة كارم الذي أصر علي الحضور لمؤازرة رئيسهُ ومواستهُ بمصابهِ الجلل،وقف بجانب أبيه وأشقاءه لإستقبال المعزيين،حل الليل وبدأ الجميع بالمغادرة لإنتهاء العزاء،دخل جميع أفراد العائلة إلي منزل عز بناءاً علي طلبه وضل ياسين لحاله بصحبة كارم،بعد قليل توقفت سيارة ونزل منها أحد رجال الجهاز وسلم لياسين الطفلة التي ما أن رأها حتي إنشرح لها قلبهُ برغم الحُزن الذي يملؤهُ،مال علي وجنتها وقام بوضع قُبلة حنون لتلك الجميلة التي لا تُشبه أحداً سوي حالها
تحدث كارم بإنسحاب هو والرجل:
-نستأذن إحنا يا باشا
أومأ لهما وتحرك حاملاً الصغيرة فوق ذراعيه محتضناً إياها باحتواء،والغريب ان الصغيرة لم تتذمر أو تستغرب الوضع وذلك لعدم حصولها علي الحنان من هؤلاء التي كانت بحوزتهم، فقد كانوا يتعاملون معها علي أنها مُهمة وفقط دون إظهارهما أية مشاعر لها
دخل من الباب وجد أبيه يجلس بجانب عبدالرحمن وطارق ووليد وعمر القلق علي زوجته،ايضاً يجلس حمزة وأيسل بجانب منال،نرمين وراقية وهالة،أما مليكة التي إنتفضت من مجلسها بجوار ثُريا ويُسرا وتحدثت بنبرة حادة بعدما لاحظت إحتوائهِ للفتاة وتأثرهُ بها ونظرات الحنان التي يشملها بها:
-مين دي يا ياسين؟
نظر لها ليُطمأنها وبإشارة من عيناه طالبها بالصمت والصمود،فعاودت الجلوس مكانها من جديد بعدم إرتياح
نظر إلي عُمر الجالس بجانب أبيه والقلق ينهش داخلهُ علي زوجته التي أخبروه أنها خرجت لجلب ثوبها وإلي الأن لم تعُد وما زاد من إرتيابه هو غلق هاتفها،أردف بنبرة متأثرة:
-تعالي يا عُمر
قطب جبينهُ ونظر للفتاة وتحدث مستفسراً:
-مالك يا ياسين،ومين البنت اللي معاك دي؟
أردف عز قائلاً وهو يحثهُ علي الذهاب إلي شقيقهُ:
-روح لأخوك يا عُمر وهو هيقول لك
حاضر يا بابا...نطقها وهو يتحرك من مكانه ويخطو إلي أن وصل إليه فنظر ياسين إلي الفتاه وتحدث علي قدر استطاعته بالإيطالية التي لا تعرف الفتاة لغة غيرها بحكم تواجدها الدائم مع الجليسة الإيطالية:
Babà ده -
نظرت الفتاة التي بالكاد باتت تستطيع نطق بعض الكلمات وهذا لحداثةِ سِنها ونظرت إلي ياسين وكررت ما نطق به بتعثُر:
-Babà
هز لها رأسهُ وتحدث وهو يُشير إلي عُمر ليحثها علي التطلع إليه:
-لا،ده هو اللي Babà
فتح الجميع أفواههم متعجبين حديث ياسين في حين هتف عُمر بنبرة حادة مستنكراً حديث شقيقهُ:
-إيه التخاريف اللي بتقولها دي يا ياسين،Babà مين وزفت مين،وفين لمار؟
ثم حول بصره إلي منال التي باتت تتابع الأمر بتركيز وحواس منتبهة وسألها بنبرة حادة:
-فين مراتي يا ماما؟
مراتك إتقبض عليها،أمسك طارق شقيقهُ المذهول وأجلسهُ وأعطي ياسين الطفلة لأحد العاملات كي تهتم بها،بدأ ياسين يُسرد عليهم جُل ما حدث بالتفصيل،لطمت منال خديها وتحدثت بذهول:
-إنتَ بتقول إيه يا ياسين،يعني أنا كنت مقعدة في بيتي ووسط أحفادي جاسوسة تبع الإرهاب؟
حاوطت راقية فكها بأصابع يدها وهتفت بذهول:
-يا خيبتك القوية يا أبن منال،بقي يوم ما تفكر تتلم وتبطل سرمحة وربنا يتوب عليك وتتجوز،تروح تجيب لنا قتالة قُتلة وتعيشها وسطنا؟
لا وشوفوا القُدر بتاعها،طلعت مخبية البنت ورمياها لناس غريبة تربيها بعد ما لطختنا كُلنا علي قفانا وفهمتنا إنها ماتت
واسترسلت بنبرة حزينة:
-والمسكينة ليالي راحت فطِيس بسببها
لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،ألطف بينا يارب...كلمات نطقتها ثُريا بذهول،أما مليكة فكانت تستمع بذهول وعدم استيعاب لما يُقال وبدأت بربط أفعال طارق وحديث ياسين لها حينها،وبين هذا الخبر المشؤوم
أردفت راقية بنبرة زائفة وهي تنظر إلي وليد بعدما علمت الأن من سرد ياسين أن وليد ساعد بكشفها بعدما أبلغ ياسين بأمرها حينما شك بحديثها:
-أنا الوحيدة اللي كُنت كاشفة ألاعيبها من الأول،وحتي نبهت الولا وليد لما جت لنا البيت بخصوص الشراكة،وقُلت له روح بلغ إبن عمك وخليه ياخد باله لتكون مزقوقة علينا
واسترسلت وهي تنظر إلي وليد:
-مش ده اللي حصل يا وليد؟
جحظت عيناي هالة وباتت تنظر لها بتعجُب،في حين أجابها وليد ببسمة ساخرة:
-حصل يا أم وليد
كان يستمع لتعليقات الجميع بشأن ما علموا به والذهول والإنهيار يُسيطران علي داخلهُ والرفض وعدم التصديق سيد موقفهُ،تحدث بنبرة حادة مشككاً:
-أنا مش مصدق ولا كلمة من اللي قالها ياسين ولازم أقابل مراتي وأقعد معاها وأعرف منها حقيقة كُل الكلام ده إيه
إنتفض عز من جلوسهُ وهتف بنبرة حادة:
-كلام إيه اللي إنتَ مش مصدقه يا عُمر بيه ومين دي اللي إنتَ عاوز تقعد معاها وتسمع لها؟
واستطرد بصياحٍ:
-المجرمة طلعت سارقة بنتك ورمياها وسط شوية إرهابيين وإنتَ لسة ليك عين تتكلم؟
وقفت منال واتجهت إلي صغيرها لتساندهُ وتحدثت إلي عز وهي تربت علي ظهر عُمر بحنو:
-بالراحة علي الولد يا عز،كفاية يا أخي اللي هو فيه
وكأنه كان ينتظر تلك الكلمات لينفجر ويُخرج ما يضيقُ بهِ صدره:
-قولتي لي اللي هو فيه يا مدام؟
ده أنا وإبنك الكبير بقينا مسخرة الجهاز بعد ما الكُل عِرف إن حتة بت ما تسواش تعريفة إستغفلت لواء سابق وعميد حالي في المخابرات الحربية،وقعدت في بيتهم فوق التلات سنين،شفتها في عيون رئيس الجهاز وهو بيقولي كان لازم تاخد حذرك وتسأل علي أصلها أكتر من كدة يا سيادة اللوا
واسترسل مُلقياً اللوم عليها بصياحٍ عالي:
-إبنك الدلوع اللي راح جاب لنا واحدة من الشارع وصمم يتجوزها،وإنتِ وقتها اللي ألحيتي عليا أنا وياسين وخلتينا نوافق علشان دلوع منال ما يزعلش
أردفت ثُريا لتهدأة الوضع:
-إهدي يا سيادة اللوا مش كدة،هيفيد بأية البُكي علي اللبن المسكوب،اللي حصل حصل وخلاص
أما أيسل التي وقفت وهتفت لأئمة والدها بنبرة حادة:
-يعني حضرتك كنت عارف ومتأكد إنها جاسوسة وانها داخلة علشان تدمر كل اللي في البيت وسبتها تقرب من مامي؟!
كُنت عامل حساب لكل حاجة ومأمنكم كلكم بالحراسات وبالتوعية...هكذا تحدث مُبرراً وعيناي أسفة،فهتفت الفتاة بحِدة وصفاقة متناسية أصول الأدب:
-واهي إخترقت القبضة الأمنية بتاعتك ونسفتها يا سيادة العميد
واسترسلت بإتهامٍ مباشر:
-ومامي هي اللي دفعت الثمن وكانت كبش الفدا ليكم كلكم
إتسعت عيناه وهو يستمع إلي إتهام صغيرتهُ المباشر له فتحدث معاتباً:
-وهي إيه اللي كان وصلها لأمك يا سيلا؟
مش تهاونها واستهتارها بالتعليمات؟
رفعت رأسها لأعلي وأردفت بتغاضي:
-مفيش مبرر هيشفع لحضرتك عندي في إنك قصرت في حماية أمي وعدم تنبيهها من المجرمة دي بشكل مباشر
مكنش ينفع أتكلم وإلا خطة القبض عليها هي والكلاب اللي وراها كانت هتفشل...هكذا أجابها بنبرة خافتة،فسألته بإتهامٍ:
-خطة القبض عليها ولا حياة مامي الأهم بالنسبة لك يا بابي؟
أجاب تعقيباً علي سؤالها:
-أنا قعدت مع ليالي قبل السفر وفهمتها ظروف شغلي والخطر اللي محاوطني ووعيتها،ده غير الحراسة اللي كانت مكلبشة البيت وإيهاب اللي كان واقف زي السد المنيع ومانع دخول حتي دبانة واحدة،للاسف،ليالي هي اللي مشيت وراها وراحت للهلاك برجليها
واسترسل مُستشهداً بموقف مليكة المشابه:
-طب ما هي حاولت تدمر علاقة مليكة مع الكل،ووصل بيها الأمر إنها وقعت بينها وببن عمك طارق وشككتها في ذمته المالية،وياما حاولت تخليها تتمرد علي تعليماتي وتخرج من غير الحراسة علشان يستفردوا بيها ويصفوها،بس مليكة ما أدتهاش الفرصة وطلعت أوعي منها
هتفت صارخة بجنون الغيرة:
-ملكية مليكة مليكة،ما كفاية بقي يا بابي،هو أنتَ خلاص ما بقاش فيه في حياتك غير مليكة هانم،حتي بعد ما مامي ماتت بسببك واقف تقارن بين تصرفاتها اللي ما كانتش عجباك وببن تصرفات الهانم؟
وأكملت بصراخ هيستيري وهي تُشير إلي مليكة بإستنكار بعدما فقدت إتزانها جراء تحريض قسمة وداليدا لها بالساعات القليلة التي جلستها بحضرتهما:
-إنتِ واحدة مجرمة،إنتِ السبب في موت مامي،قتلتيها يوم ما قررتي تخطفي منها جوزها وتذليها وتقللي من قدرها قدام الناس،قدرتي بلؤمك تخلي بابي يحبك ويفضلك عليها
واسترسلت بحقد ظهر داخل زرقويتاها:
-كرهتيني في إسكندرية كلها وأنا شايفة حب بابي وتفضيله ليكي مش بس علي مامي،ده بقي يفضلك علينا كلنا،أنا سبت إسكندرية وقررت أعيش واتعلم علشان أهرب ومشوفش بابي وهو بيظلم مامي ويعلي من مقامك قدام الكل علي حساب كرامتها
شعرت بإنقباضة شديدة داخل رحمها لكنها فضلت التماسُك،لحين إنتهاء تلك المسرحيةِ الهزلية،واكملت الفتاة بإتهام وهي تُشير بسبابتها وتنقلهُ بين أبيها ومليكة:
-مامي ما صدقت لقت فرصة تهرب بيها معايا علشان تخلص من ظلمكم إنتم الإتنين
جحظت عيناي ياسين بذهول وهز رأسهُ يستنكر ما تفوهت به إبنته،ثم سألها بإندهاش غير مستوعب ما أستمعهُ منها:
-إنتِ بتقولي لي أنا الكلام ده يا سيلا؟
أجابته بنبرة تأكيدية فظة خالية من الإحترام وذلك لإصابتها بحالة من عدم الإتزان جراء صدمتها من وفاة والدتها بتلك الطريقةِ البشعة:
-إنتَ ظالم يا بابي،حضرتك ما اكتفيتش بإنك ظلمتها وهي عايشة،وبدل ما تروح تجيب حقها من اللي قتلوها،سايب الست اللي كانت سبب مباشر في موتها تقعد في بيتها وتحاول تاخد مكانها،أنا متأكدة إنها كمان شوية هتيجي تسكن جناح مامي وتاخد مكانها
واستطردت بصفاقة:
-وطبعاً حضرتك مش هيكون عندك أي مانع،ما هي حبيبة القلب ومن حقها تعمل اللي علي كيفها
نهرها طارق بنبرة حادة ليجعلها تستفيق مما هي عليه:
-عيب الكلام اللي بتقوليه ده يا سيلا
وأكمل بإحتدام:
-ثم إنتِ إزاي تسمحي لنفسك تتكلمي مع أبوكِ بالطريقة الفظة دي؟
نظرت إليه ودموع الألم والحسرة والفراق تلائلائت في عيناها وتحدثت بنبرة مُتألمة:
-وحضرتك عاوزني أتكلم إزاي بعد ما سمعت إن عدوة أمي جاية علشان تستولي علي مكانها وتمحي أي وجود أو ذكري ليها
واستطردت بما اخبراها به قسمة وداليدا وهي تنظر لها بمقتٍ:
-تقدري تقولي لي إيه اللي مقعدك في أوضة حمزة من إمبارح،عاوزة تظهري له إنك أحن عليه من مامته وتخليه يحبك؟
ده مش بعيد كمان تكوني بترسمي علي إنه يقولك يا مامي في المستقبل؟
وضعت مليكة كفاها علي فمها ونزلت دموعها وباتت تهز رأسها بذهول في حين تحدث حمزة مأنباً شقيقته:
-كفاية إتهامات باطلة يا سيلا،إسكتي
صاحت بشقيقها:
-إسكت إنتَ يا حمزة،إنت لسة صُغير ومش فاهم حاجة
هز ياسين رأسهُ بإستسلام من تفكيرها العقيم وأردف قائلاً بنبرة حادة:
-إنتِ مافيش فايدة فيكِ،ولعلمك،مش مليكة هي السبب في موت أمك زي ما بتفتري عليها،أمك هي اللي قتلت نفسها بغبائها وتهورها ومشيها زي التابع ورا أي حد
واستطرد بأسي:
-للأسف،ليالي هي الجاني الوحيد في قتلها يا سيلا،ويظهر إن إنتِ كمان هتعملي زيها وتمشي ورا كلام الناس وتخليهم يحركوكي زي الماريونيت
أدمعت عيناها من إهانتاته لها وتحدثت:
-أنا هريحك مني خالص،من بكرة هرجع ألمانيا واتابع كليتي ومش هتشوف وشي غير في الأجازات الرسمية
إتسعت عيناه بذهول وتحدث بنبرة حادة:
-ألمانيا دي إيه اللي بتفكري ترجعيها تاني بعد اللي حصل؟
وأشار بسبابته إليها بنبرة صارمة بعدما فاض بهِ الكيل جراء هرائها:
-إسمعي الكلام ده وركزي فيه كويس
واستطرد بإبانة:
-أنا كلمت إيهاب وقولت له يصفي كل حاجة خاصة بحياتك هناك ويجيب حاجتك وحاجة ليالي الله يرحمها،وأنا هحول لك من الجامعة الشؤم دي وهرجعك تعيشي في إسكندرية تاني، وهحول لك دراستك في فرع الجامعة الألمانية اللي في القاهرة
واسترسل بإيضاح:
-بس الكلام ده هنفذه من أول السنة الجاية لأن لا نفسيتك ولا الوضع الأمني حالياً يسمحوا إنك تكملي السنة دي،علشان كدة هقدم لك إعتذار عن حضور الإمتحان وهتقعدي السبع شهور اللي جايين في البيت لحد السنة الجديدة ما تبدأ
إتسعت عيناها بذهول وهي تستمع لقرراتهِ المدمرة لجميع أحلامها وهتفت برفضٍ قاطع وهي تهز برأسها عدة مرات متتالية:
-وأنا مش هسيب جامعتي في ألمانيا تحت أي ظروف يا بابي
واسترسلت بإتهام صريح:
-حضرتك ليه مُصر تكسر كُل حاجة حلوة في حياتي وتحرمني منها؟
أجابها بنبرة حادة:
_إنتِ شكل اللي حصل لأمك أثر علي مخك وخلاكي تهلفطي بكلام مش محسوب
أكمل علي حديثهُ عز الذي إقترب منها وسحبها داخل احضانه في محاولة منه لإحتواء غضبها العارم وتحدث بنبرة تعقلية مراعياً لحالتها النفسية وصدمتها،رغم إعتراضهُ علي إسلوبها الخالي من الأدب التي تحدثت به مع والدها،لكنهُ رأي أن الأن ليس بوقت الحساب:
-إفهمي يا سيلا،أبوكِ خايف عليكِ،ما هو كمان مش معقول هيأمن عليكِ ويبعتك ألمانيا تعيشي وتكملي تعليمك هناك ويتعامل مع الموضوع بطبيعية ولا كأن حصل حاجة
واسترسل بإيضاح:
-ده غير إننا لسة ما وصلناش للجماعة اللي قتلت ليالي واللي كانوا قاصدينك معاها واللي أكيد هيحاولوا تاني معاكِ
أردفت منال هي الآخري بموافقة علي حديث عز:
-جدو وبابي عندهم حق يا سيلا،وحتي لو هما كانوا وافقوا علي موضوع سفرك،أنا لا يمكن كنت أوافق إني أبعتك علي الموت علشان تواجهي نفس مصير أمك
بكت بحُرقة واستسلام وكادت أن تطلب من والدها بأن يعدل عن الإعتذار وانها قادرة علي إجتياز الإختبارات لكن أوقفها صوت مليكة التي صرخت متأوهة بعدما تحاملت علي حالها بما يكفي:
-أااااااااه
إلتفتت إليها يُسرا بإرتياب وهتفت ثريا بذُعر:
-مالك يا مليكة
هتفت بذعر وألم شديد:
-هموت يا ماما،همووووت
مليكة...نطقها وهو يهرول عليها بقلبٍ يخفق وكأنهُ يصارع الموت
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية