جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 30 - 1
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثلاثون
الجزء الأول
ما عُدْتُ أعلمُ من أين الضربةِ التاليةِ ستَأتِيني
ولهذا بِتُّ أتَلفَّتُ هَلعاً علي أحبَّتي بجميعِ إتجاهاتِي
أصبحتْ رُوحِي مُهتَرِئةٍ جراءَ وطْأةِ شعوري المريرِ بالذنبِ تجاهَ كُل منْ حولِي
وما عاد شئٍ يُعيدُ لي رونقِ حياتِي وبجمالِها يُشعِرُني
جُل ما عُدتُ أتمنَّاهُ هو طيِّ وتَبَدُّدِ تلك الصفحةِ المُهترِئةِ المليئةِ بالألامِ والعِبَراتِ
وانقشاعِ غيْمةِ الهمومِ والأحزانِ التي استوطنتْ وغزتْ رُوحِي ،واستبدالها بإشراقٍ جديدٍ لنورِ مُهجتي والعودةِ لكياني
فمِن اللهِ الإعانة وعلي جلالتِهِ الإستعانة
ياسين المغربي
بقلمي روز أمين
❈-❈-❈
أطلقت مليكة صرخةُ متأوهة بعدما تحاملت علي حالها بما يكفي وكأنها بتلك الصرخات تُعلن إستسلامها بعد وصولها للمنتهي من التحمُل:
-أااااااااه
إلتفتت إليها يُسرا بإرتياب وهتفت ثريا تسألها بذُعر:
-مالك يا مليكة؟
هتفت بارتياع وألم شديد:
-هموت يا ماما،همووووت
مليكة...نطقها وهو يهرول عليها بقلبٍ يخفق بشدة وكأنهُ يصارع الموت،وما هي إلا ثواني وكان يقف أمامها يتفقدها بفزعٍٍ وهو يسألها بقلبٍ مُرتجف:
-مالك يا مليكة،فيكي إيه يا قلبي...قالها بنبرة تُقطرُ هلعاً فنطقت بصراخ وألم وهي تنظر له بعيناي مُستنجدة:
-بطني بتتقطع يا ياسين،هموت مش قادرة
إلتف الجميع حولها وباتوا يتطلعون علي مظهرها المتألم وصرخاتها الحادّة،أما أيسل فارتعبت ووضعت كفها فوق فاهها وباتت تتراجع إلي الخلف،هتفت يُسرا قاصدة بحديثها ياسين:
-إتصل بدكتورة مُني تيجي بسرعة يا ياسين
هتفت ثُريا بإيضاح:
-مش هينفع كشف منزلي،دي محتاجة تروح المستشفي حالاً
أشار عز بكفهِ إلي طارق وصاح بنبرة قلقة:
-دور العربية بسرعة وهاتها قدام البوابة يا طارق
بسرعة يا طارق...قالتها منال التي شعرت بالذنب لما حدث لتلك المسكينة بسبب حديث حفيدتها الإفترائي"نعم"ومن يعلم بحال ليالي أكثر من منال ذاتها،فهي التي دائماً ما كانت تدافع عنها وتحتوي أخطائها وعيوبها
حملها ياسين بين ساعديه وأنطلق بها مُتعجلاً تحت صرخاتها المتألمة التي لم تهدأ بل تتزايد،أراد الجميع اللِحاق به ولكن منعهم ياسين تجنباً لإحداث ضجة في المشفي،ذهب معهُ طارق ووليد وأيضاً يُسرا وراقية التي أصرت علي الذهاب لفضولها ليس أكثر
أما عز فوقف يتطلع علي أثرهم بقلبٍ يتمزق وعقلٍ غير مُدركاً كم المصائب التي تراكمت وحطت علي عائلتهُ بوقتٍ قصير وجعلت قلبهُ يُعلن عن إستسلامهْ،شعرت ثُريا بارتخاء جسدهِ الناتج عن عدم أخذهِ القسط الكافي من النوم مع عدم تناولهُ للطعام وأيضاً بذلهِ لمجهودٍ ذِهني وبدني يفوقُ طاقة تحملهُ،فأسرعت إليه وتحدثت وهي تحثهُ علي التحرُك:
-تعالي إقعد وارتاح يا سيادة اللوا
حول بصرهِ إليها وتعمق بعيناها بتألُم ثم تحدث بنبرة خافتة إنهزامية:
-أرتاح،ومنين هتجيني الراحة بعد كل الكوارث اللي حلت علي عيلتي دي يا ثُريا،أنا حاسس إني في كابوس بشع
واسترسل وهو يرفع بساعديه في الهواء لأعلي ويُنزلهما بتراخي وأستسلام يظهران كم ما أصابهُ من إحباط:
-مرات إبني الكبير تتقتل بالشكل الوحشي ده علي إدين ناس ما تعرفش ربنا،ومرات إبني الصُغير اللي عايشة في بيتي من أكتر من تلات سنين تطلع جاسوسة وهي اللي ساعدت في قتلها،وفجأة كدة يطلع لي حفيدة من واحدة مُجرمة كانت رمياها مع أعدائي
نزلت كلماتهُ القاسية علي قلب ذاك المصدوم الجالس بجسدٍ متراخي فـ شطرتهُ لنصفين من ثِقل واقعها الأليم،واسترسل وهو ينظر لها بنبرة متألمة:
-وما بين ولادي وصدمتهم و وجع أحفادي علي أمهم اللي راحت،تتعب مليكة بالشكل ده
إهدي يا عز...نطقها عبدالرحمن الذي ما زال جالساً وصدمة ما استمع إليه تُسيطر علي عقله وتجعل منهُ مُشتتاً
إستغفر ربك يا سيادة اللوا،إنتَ راجل مؤمن وعارف إن ربنا سبحانه وتعالي لما بيحب عبده بيبتليه علشان يطهره،وعلشان العبد يلجأ لربه ويرفع إديه ويطلب العون منه...كلمات نطقتها ثُريا بإيمان ويقين ثم استرسلت وهي تحثهُ علي الجلوس:
-تعالي إرتاح
واستطردت قاصدة بحديثها شيرين الجالسة بتيهةٍ وعقلها غير مستوعباً لما تلقاهُ مُنذُ القليل:
-وإنتِ يا شيرين،قومي يا بنتي هاتي لابوكِ حاجة ياكُلها بدل ما يُقع من طوله في وسطينا
حاضر يا عمتو...نطقتها بنبرة حزينة ودموعها تنهمرُ فوق خديها جراء ما حدث مُنذُ القليل،تحرك عز وجلس إمتثالاً لطلب ثُريا،أما هي فلم تكن أبداً بخير،وبرغم هلعها الناتج عن قلقها علي تلك الرقيقة التي لا تعلم ماذا أصابها وجعلها تُعلن إنهيارها عن طريق تلك الصرخات،إلا أنها إلتفتت لتلك التي تتسمر بوقفتها بعيداً مُسلطة نظرها في نقطة اللاشئ
تنهدت بأسي وألم لأجل تلك البريئة التي فقدت غاليتها بطريقةٍ بشعة ومن عدم تقبلها للخبر باتت تتخبط بحديثها وتُلقي بإتهاماتها الباطلة والتي تعلم من داخلها أنها بعيدةً كُل البُعد عن الحقيقة،ويرجع هجومها أيضاً لإضْمار شعور الذنب الذي يأكل قلبها كما تأكل النار الحطب،خطت بساقيها حتي وصلت إلي مكان وقوفها وبهدوء مدت يدها وأحتضنت بكفها خاصتها الرقيق،رفعت الفتاة عيناها وباتت تنظر إليها بخجل وتحدثت بنبرة نادمة:
-أنا ما كُنتش أعرف إنها ممكن تتعب من كلامي والله يا تيتا
وأردف وهي تهز رأسها بدموع صادقة:
-أنا عُمري ما فكرت في أذيتها لا هي ولا أختي،صدقيني
أومأت ثُريا بعيناي مُتفهمة وتحدثت وهي تجفف لها دموعها بكف يدها:
-أنا عارفة،ده انتِ تربية سيادة اللوا عز المغربي.
سكينة إجتاحت روح الفتاة جراء إستماعها لذاك الحديث الذي نزل بسلامٍ علي قلبها فأزاح عنه عُقدة الذنب،تحركت بها وهي تحثها علي الجلوس بجانب شقيقها التعِس
أما منال،فكانت تجاور صغيرها مُزعزَع الكيان،الناظر أمامهُ وعلامات الصدمة ظاهرة فوق ملامحهُ وعيناه المُثبته علي نقطة اللاشئ،كانت تحاوط ذراعهُ بذراعيها بمؤازرة ودموعها منسابة فوق وجنتيها لتُعلن عن كم الألم والاسي اللذان إحتلا كيانها بالكامل
❈-❈-❈
دخل ياسين إلي المشفي حاملاً مليكة فوق ساعديه وتحرك بها مهرولاً داخل الرواق بقلبٍ مُرتعب،سبقهُ طارق الذي تحدث بنبرة عالية موجهاً حديثهُ إلي موظف الإستقبال:
-من فضلك عاوزين دكتورة مُني علشان الحالة بتاعتنا متابعة معاها
أسرع طاقم الإستقبال وأحضر أحدهم مقعداً متحركاً وأجلسها ياسين فوقهُ ببطئٍ كي لا تتأذي،تحدث طبيب الإمتياز المسؤل عن الإستقبال بإحترام:
-ما تقلقش يا أفندم،إحنا هنقيس لها المؤشرات الحيوية ونشوف المشكلة فين علي ما دكتور مُنى تخلص الحالة اللي معاها في أوضة الكشف
وقف ياسين بجوار تلك المتوجعة وتحرك الجميع ووضعاها علي الشازلونج الخاص بالإستقبال،وبدأ فريق الإمتياز بالفحص،وما أن تم قياس الضغط لها حتي فُزعت الطبيبة وتحدثت بنبرة قلقة:
-الضغط عالي وده فيه خطورة علي الجنين،لازم ناخد عينة دم ويتم فحصها حالاً
هتف ياسين بنبرة غاضبة جراء هلعهُ الذي أصابهُ علي حبيبتهُ وأبنته:
-إنتوا واقفين تتفرجوا،هاتوا لي الدكتورة حالاً
خرج دكتور أحمد المغربي علي صياح ياسين وهرول باتجاه الصوت وتحدث مستفسراً:
-خير يا سيادة العميد؟
مليكة تعبانة أوي يا دكتور...هكذا نطقها بعيناي متوسلة
فأسرع أحمد إليها وتحدث إلي طاقم الإمتياز:
-عملتوا لها Vital Signs
أيوة يا دكتور والضغط طلع عالي،وهناخد لها عينة دم حالاً،وهنعمل لها سونار علشان نقيس نبض الجنين...نطق بها إحد أطباء الإمتياز فتحدث أحمد علي عُجالة وهو يُشير إلي إحدي الممرضات بعدما شكر الأطباء وأثني عليهم:
-دخلي مدام مليكة حالاً علي أوضة الكشف عندي،أنا اللي هعمل لها السونار
وهنا خرجت مُني من حُجرة الكشف بعد إنتهائها،وتحدثت وهي تتحرك إلي مليكة بعدما أبلغتها المساعدة لديها بما حدث:
-خير يا مليكة،فيه إيه؟
هتف وهو يوجه الممرضة التي كانت بإتجاهها إلي حُجرة أحمد وكأنهُ وجد طوق النجاة بخروج مُنى ويرجع ذلك لغيرتهُ الشديدة عليها:
-دخليها أوضة دكتورة مُنى لو سمحتي
واسترسل مُفسراً وهو ينظر إلي أحمد:
-دكتورة مُنى متابعة حالتها وأكيد ده هيسهل في الكشف
أومأ له بتفهُم وعذر غيرتهُ الواضحة،وبعد قليل كانت تتسطح فوق الشازلونج الخاص بالكشف،يجاورها ذاك المُرتعب ويُسرا،وتقف بعيداً چيچي وراقية اللتان تُتابعتان كشف الطبيبة بترقُب تام،في حين تقف الطبيبة وهي تُجري لها الكشف بجهاز السُونار وتنظر به بتدقيق شديد
تحدثت الطبيبة بإيضاح:
-نبض الجنين الحمدلله كويس،بس الضغط العالي ده موشر مش تمام
ثم نطقت مُستفسرة بنبرة صوت ظهر عليها التوتُر:
-إيه اللي حصل وخلي ضغطك يعلي بالطريقة دي،إنتِ لسة كُنتي عندي من إسبوع والضغط بتاعك كان واطي
هتف مُتسائلاً بذُعر:
-هو فيه إيه يا دكتورة؟
أردفت لتُهدأهُ:
-خليني أكمل الكشف الأول واتأكد وبعدها هبلغك يا سيادة العميد
إرتبكت وبدأ قلبها يخفق بشدة خشيةً فقدانها لطِفلتها التي طالما تمنت حضوررها لتُنير حياتها وتُزيد من سعادتها وزوجها،نظر لها وتعمق بمقلتيها وبات يبثُ لها من خلالهُما بإشاراتٍ مُطمأنة رغم ذعرهُ من ملامح مُنى التي لا تُنذرُ بقدومِ خير
في حين تحدثت الطبيبة من جديد:
-إحكي لي علي الأعراض اللي حاسة بيها يا مليكة
أردفت بنبرة متألمة قلقة:
-إمبارح المغرب حصل لي صُداع شديد جداً وحسيت بوجع في بطني من عند فُم المعدة،وبعدها دخلت الحمام رجعت كتير والصداع بدأ يزيد،قُولت لنفسي ده أكيد صداع من التوتر ومن إني ما أكلتش حاجة طول اليوم
واسترسلت بنبرة خافتة وهي تنظر لذاك الذي يجاورها ويشعر بالمخافة والرُعب علي حبيبتهُ:
-ولما قومت من النوم النهاردة لقيت رجليا وارمين،بس قُلت ده عادي لأني عملت كدة في أنس وعز بس كان في نص الشهر التاسع،بعدها روحنا المقابر وبعد ما رجعت الألم والتقلصات بدأت تزيد،والصداع بدأ يزيد مع مرور الوقت،بس ضغطت علي نفسي واتحملت علشان الظروف اللي البيت كله فيها،لحد من شوية لقيت الصُداع زاد وبطني وجعتني أوي،ولقيت نفسي مش قادرة اتحمل وصرخت غصب عني
هزت الطبيبة رأسها بأسي وتحدثت مُعاتبة:
-وليه سكتي علي نفسك كل ده يا مليكة؟
واسترسلت وهي تنظر إلي ياسين الذي نظر لها بترقُب شديد:
-للاسف،واضح قوي إن ده ضغط حَمل وتحليل الدم هيأكد لنا لما يظهر،بس للأسف أنا شبه متأكدة،ولازم متابعة مُستمرة علشان نتطمن علي البيبي ونتأكد إن نبضه كويس علي مدار اليوم
بعد مرور بعض الوقت،وصلت تحاليل عينة الدم مع طبيبة الإمتياز فنظرت بها مُنى وتحدثت بأسي:
-للاسف التحاليل وحشة جداً وزي ما توقعت،ضغط حَمل،أول حاجة لازم ندي حُقنة لتكوين رئة الجنين حالاً
واسترسلت بإيضاح:
-ومليكة لازم تفضل معانا هنا في المستشفي النهاردة تحت المُلاحظة،علشان لا قدر الله نتفادي دخولها في مرحلة التسمُم وما نضطرش نولد ضروري،وساعتها هيكون في خطورة شديدة علي حياة البيبي،لو الوضع إتحسن بكرة هنكمل إسبوع ونولد إن شاء الله
يعني حضرتك هتولديها وهي في السابع يا دكتور؟سؤال طرحتهُ چيچي فعقبت الطبيبة:
-مضطرين يا چيچي،والحمدلله إن مليكة فاضل لها يومين بس وتدخل في الشهر السابع،لو الأمور مشيت تمام هنستني خمس أيام علشان نتأكد إن البيبي تمام ومفيش خطورة من وصوله للدنيا،ده طبعاً مع حُقن تكوين الرئة وبعدها هنضطر نولد
واسترسلت بأسي:
-وإذا لا قدر الله الأمور ما استقرتش هنضطر نولد بُكرة ضرورى
إرتعب داخلها فربت هو علي كف يدها وتحدث:
-ما تخافيش يا حبيبي،هتبقي كويسة
وبنتي يا ياسين؟...نطقتها بعيناي مُذعورة فأجابتها الطبيبة معقبة:
-هعلق لك محاليل حالاً هتظبط لك الضغط إن شاء الله،ولو مشِينا علي أدوية الضغط بإنتظام ومحصلش مشاكل وقعدتي معانا إسبوع المتابعة،هنقدر نعدي الفترة دي بسلام وبنتك هتنور الدنيا وهتبقي زي الفُل
واستطردت لطمأنتها:
-وعلي فكرة،ضغط الحمل بينتهي بمجرد ما المريضة بتولد لأنه مرض عرضي مقترن بالحمل،ده طبعاً لو إلتزمنا بالتعليمات والأدوية
واستطردت توجه حديثها لفتاة التمريض:
-من فضلك يا مريم،جهزي لي غُرفة كويسة حالاً علشان ننقل فيها مدام مليكة ونعلق لها المحلول،وخلي دكتور أحمد يجهز لي حقنة لرئة الطفل
أطاعتها الفتاة وأنسحبت للخارج،هتفت راقية بنبرة عالية مُستغلة رُعب ياسين الظاهر بعيناه علي زوجته لتنتقم لحالها من تلك القِسمة وإبنتها:
-منهم لله اللي كانوا السبب،من إمبارح ما بطلوش تلقيح عليها بكلامهم اللي زي السِم لحد ما جابوا لها الضغط
واستطردت وهي تنظر إلي ياسين لتُشعل روحه:
-ده انتَ المفروض تحمد ربنا إنها جت علي قد الضغط،ده أنا لو مكانها وسمعت الكلام اللي يحرق الدم ده كانت جات لي جلطة في لحظتها
كان يستمع إلي ما تتفوه به بنظرات إستغراب،هتف متسائلاً بنبرة حادة:
-حضرتك تقصدي مين بكلامك ده؟!
نظرت مليكة إلي راقية تترجاها بعيناها بألا تخبر ياسين بما حدث،كي لا تُزيد الوضع سوءاً،فيكفيها ما إستمعت إليه اليوم من إتهامات مؤلمة علي لسان أيسل،لم تعر الأخري لتوسلاتها فتحدثت يُسرا في محاولة منها لإسكاتها:
-مفيش داعي ندوش ياسين وندخله معانا في كلام الحريم ده يا طنط
واسترسلت بايضاح زائف كي تحثها علي العدول:
-وبعدين الدكتورة مُنى عندها حالات برة وعاوزة تشوف شُغلها
هتفت بتصميم لإكمال ما بدأت:
-وهي الدكتورة مُني غريبة يا يُسرا،ما هي كانت في العزا النهاردة وشافت بعنيها وهما قاعدين يتوشوشوا ويزغروا لها بعنيهم اللي تندب فيها مية رُصاصة
تحمحمت مُنى وهتف ياسين بنبرة حادة بعض الشئ:
-إنتِ بتتكلمي عن مين!
بتكلم عن العقربة حماتك وبنتها اللي شبه الديك الرومي المنفوش علي الفاضي...هكذا أجابته واسترسلت وهي تمصمص شفتاها بأسي:
-دول يا حبة عيني بهدلوها إمبارح قدام الناس الغريبة اللي كانت حاضرة العزا وفرجوا عليها اللي يسوي واللي ما يسواش
وبدأت بقص ما حدث أمام دكتورة مُني لكونها هي الأخري مغربي،إستشاط داخلهُ مما إستمع وثار لكرامة زوجته،نعم لم يأخذ موقفاً بشأن ما تفوهت بهِ إبنته وإفترائها عليها،لكن الوضع هُنا مختلف كلياًّ،فابنتهُ تُعاني من صدمة جراء فقدانها لغاليتها بتلك الطريقة البشعة،وعَذر حداثة سِنها،أما كِلتا الحقودتان فما عُذرهُما!
نظر إلي مليكة بعيناي تطلق شزراً وتحدث مستفسراً:
-الكلام ده حصل يا مليكة؟
كادت يُسرا أن تتحدث أوقفها ياسين بنظرة مُرعبة ثم حول بصرهُ إلي مليكة التي نظرت إليه بعيناي متأثرة وتحدثت بنبرة خافتة جراء تعبها:
-بلاش تعمل من الموضوع مشكلة أرجوك يا ياسين،ولا انتَ عاوزهم يقولوا عليا ما صدقت وجيت بلغتك علشان أقطع رجلهم من البيت خالص؟
نظر لها بعيناي مُتفهمة وتحدث وهو يُمسك كف يدها وتحدث بحِنو:
-خلاص يا مليكة،ما تفكريش في أي حاجة علشان ما تتعبيش
تحدثت الطبيبة بعملية:
-حاولي تهدي يا مليكة وشيلي كُل الأفكار السلبية من دماغك علشان الضغط ينزل بسرعة ونقدر نتحكم فيه
واسترسلت محذرة بعيناي لائمة:
-وياريت يا جماعة تجنِبوها أي مشاكل لأن كدة ممكن لا قدر الله حالتها تسوء أكتر
أومأ لها الجميع ودلفت الفتاة وأعلمتها بأن الغُرفة جاهزة لإستقبال مليكة وتعليق المحلول لها وبالفعل تحركت فوق مقعداً متحركاً وعُلق لها المحلول بعدما حُقنت بدواء تكوين رئة الجنين تحت ملازمة ياسين لها
❈-❈-❈
عودة إلي منزل اللواء عز المغربي
إنسحب حمزة وأيسل إلي الأعلي وذهبت شيرين إلي المشفي للاطمئنان علي زوجة أخيها بعدما أبلغهم طارق بما حدث من خلال الهاتف،وضل عز ومنال وعبدالرحمن وثُريا وعُمر المصدوم،جميعهم جالسون بصمتٍ تام
أتت العاملة عفاف وهي تحمل الصغيرة وتحدثت إلي منال:
-مدام منال،البنت عمالة تتكلم إنجليزي وشكلها عاوزة حاجة وأنا بصراحة مش فاهمة هي عاوزة إيه
بدموعها المنسابة نطقت منال وهي تسحب ذراعيها من فوق ذراع ذاك المصدوم وتفتحهُما لإلتقاطها وتحدثت:
-هاتيها لعُمر هو هيعرف يتفاهم معاها ويشوفها عاوزة إية
وكأنهُ إستفاق علي حاله حينما إستشعر وجود تلك الغريبة التي إقتحمت حياتهُ وزلزلت ثوابتها وقلبتها رأساً علي عقب،لم يتقبل حتي النظر إلي وجهها،وبعُجالة حول بصرهِ إلي والدتهُ ونظر لها باتساع عيناه الغاضبة ثم هتف بنبرة رافضة:
-هي مين دي اللي عيزاني أتفاهم معاها،هو إنتِ صدقتي الهبل اللي إتقال قدامك ده،البيه إبنك جايب لي واحدة من الشارع وجاي يقولي لي خد بنتك
واسترسل متهكماً:
-والمطلوب مني إيه؟،أخدها في حُضني وأقعد اطبطب عليها وأحط خيبتي علي خيبتها؟
نظر عز إليه وحسرة تملكت من قلبه علي صغيرهُ المخدوع الذي طُعن بسلاح الغدر داخل قلبهُ البرئ والذي تم إختيارهُ خصيصاً لاقتحام العائلة من خلالهُ نظراً لبرائته وسذاجة تفكيرهُ السطحِي،ولذا فكان هو الطرف الأسهل لتسلُل تلك الحيةِ إلي عقر دارهم لمحاربتهم،فتحدث بنبرة هادئة مراعياً لحالتهُ:
-إهدي يا أبني وأطلب من ربنا الصبر علي إبتلائك،وخد بنتك في حُضنك وأحمده علي عوضه
بعيناي متألمة أجاب والدهُ بإنكار:
-دي مش بنتي يا بابا أنا متأكد،أكيد فيه حاجة غلط حصلت،أنا مش هتوه عن مراتي اللي عيشت معاها تلات سنين
نطق عز بنبرة لائمة بعدما خارت قواه:
-حرام عليك يا أبني،إنتَ ناوي تجلطني،بقولك المجرمة اللي كنت متجوزة طلعت جاسوسة وداخلة البيت علشان تعرف أسرارنا ونُقط ضعفنا وتكسر أخوك عن طريقها،دي كانت زارعة لنا أجهزة تصنت أنا وهو
ضيق عيناه وهاجمتهُ ذكري ذاك الجهاز الغريب الذي وجدهُ بداخل معطفهُ وكيف لوجهها أن تحول وارتعبت أوصالها حينها،في حين استرسل عز شارحاً بإبانة:
-وبالنسبة للبنت فأخوك عمل لها تحليل ال D N A والتحاليل طلعت متطابقة مع العينة اللي أخدها من مشط الشعر بتاعك
وسألهُ متألماً:
-عاوز تأكيد إيه أكتر من كدة يا عُمر؟
تشوش عقلهُ وبات يسترجع ما مر به طيلة السنوات الثلاث المُنصرمة من مواقف كانت تستدعي ريبتهُ،شعر كم كان مُغفلاً ومفعولاً به طيلة الوقت من تلك المُخادعة،ثم نظر إلي الطفلة التي بادلتهُ النظر ببراءة وتحدث برفضٍ تام عبر به عن غضبه ورفضه لما وصل إليه:
-أنا مش عاوز أشوف وش البنت دي قدامي
واستطرد بجنون غير مسؤل وهو ينظر للصغيرة بعدم قبول وكأنها تُذكرهُ بخطيأتهُ بحق نفسه وكم كان مُغفلاً:
-لو فضلت قاعدة في البيت أنا مش قاعد لكم فيه
واسترسل شارطاً:
-سامعين،يا أنا يا هي في البيت ده
فُزعت الصغيرة عندما وجدته يصرخ وهو يرمقها بنظرات كارهة فبدأت بالبكاء المُحزن الذي جعل ثُريا تنتفض من جلستها وتقترب من العاملة وتحملها عنها لتُخبأها داخل أحضانها باعده نظرات عُمر عنها كي لا تتأثر روحها البريئة، وتحدثت إلي عُمر كي يُهدئ من روعه ويكُف عن ثورتهُ العارمة:
-أنا هاخدها عندي تقعد مع الولاد يا عُمر،إهدي بقي
هتف بسخطٍ حادّ:
-تاخديها ترميها في ملجأ إن شالله حتي ترميها في الشارع علي الارصفة،أهم حاجة ما أشوفش خلقتها دي قدامي
صاح عز بإنفعالٍ حادّ بعدما طفح بهِ الكيل من ذاك معدوم المسؤلية والحِس:
-شارع إيه يا حيوان اللي هترمي لحمك فيه،مش كفاية الحقيرة اللي راحت رمتها لناس ماتعرفش ربنا،هتبقي انتَ وهي والزمن علي المسكينة
إهدي يا عز مش كدة،صحتك يا حبيبي...نطقها عبدالرحمن بقلقٍ حادّ علي شقيقهُ،أما منال التي إنهارت وباتت تدق علي ساقيها وتندب بؤس حظ أنجالها العاثِر
خرج ذاك الحانق مُهرولاً من المنزل تحت صياح منال التي أسرعت خلفهُ قائلة بنبرة هلعة:
-إستني يا عمر،رايح فين يا حبيبي
أما الصغيرة فخرجت من أحضان ثُريا وبدأت بالصياح من جديد وإطلاق بعض الكلمات الإنجليزية الثقيلة تحت حيرة الجميع وحزن ثُريا التي تحدثت بانسحاب:
-أنا هاخد البنت عندي،وهروح أخلي مروان يفهم هي عاوزة إيه
نظر لها عز ونطق بعرفان:
-مُتشكر علي وقفتك معانا يا ثُريا
عقبت بنظرات معاتبة:
-عيب عليك الكلام اللي بتقوله ده يا سيادة اللواء،إحنا عيلة واحدة ومهما كان اللي حصل بينا ما يخلناش نتخلي عن بعض
واستطردت بانسحاب:
-تصبحوا علي خير
وإنتِ من أهله...نطقها الثُنائي اللذان يجلسا بقلوب وعقول غير مستوعبة كل ما حَدث ويحدُث حولهما