-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 19

 

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل التاسع عشر



ج٢–١٩– " قارب بلا مرسى "


انتابه دوار مصحوباً بدفقات من العرق البارد ،وكأن أحدهما سكب على رأسه دلو من الماء المثلج ، بأشد الأيام برودة ، وارتخت أطرافه وتكونت الدهشة على ركنى فمه ، الذى لم يعد يسيطر على إرتجافه ، كمن تلقى طعنة نجلاء أخترقت قلبه ، فرغم العلاقة الفاترة بينه وبين والدته ، والتى لم يفكر فى يوم بتحسينها أو أن تبدو لهما مقبولة منذ إنكشاف الحقائق وإخباره لها بحقيقة زوجها ، إلا أنه أحس بأن الأرض مادت تحت قدميه، ما أن تفوه حاتم بعبارته المجحفة والصادمة والتى لم يحاول إضفاء طابع الإحترام والتقدير عليها ، بل أخبره إياها مجردة من أى مظاهر للتملق ، ولم تكن فداحة عبارته بأنه تزوج والدته فقط ، بل أنه لم يخجل من نعته ووصفه لها بأنها سهلة المنال ولم يجد جهد فى إستمالتها له ووافقت على الفور للإقتران به ، وربما علم الآن لما صارت بالأيام الفائتة شديدة العناية بمظهرها الأنثوى ، والذى لم يضمحل بالكامل ، بل مازال لها جمالها حتى وإن لم يكن بالمقدار ذاته عندما كانت شابة صغيرة ، حتى إنها لم تعد تعترض طريقه مثلما كانت تفعل رغبة منها فى أن يلتقيا بنقطة تفاهم معينة بين الإبن و الوالدة ، وها هو علم الآن سبب فتورها من جانبه ، لأنها وجدت صيد أخر تمثل بشاب فى نفس عمره تقريباً 


– أنت كذاب ، وبتقول كده علشان تحاول تستفزنى مش أكتر


أراد عمرو دحض أقواله ، على الرغم من شعوره بأنه ربما لم يكذب بما قاله ، لعلمه بطباع والدته ، ولم ينسى تردد بعض الشائعات حولها مع أحد أعضاء ذلك النادى الرياضى ، الذى كانت ترتاده يومياً ، مما جعله يلزمها البيت لفترة طويلة ، حتى ظن أنها لن تفكر فى فعلها مرة أخرى


بدا حاتم واثقاً من أن ما يقوله عمرو ما هو إلا أعذار واهية ، ليحاول إقناع ذاته بأن ذلك الأمر لم يقع ، وأنه صار حقاً زوجاً لوالدته ، فأراد له المزيد من الحيرة والحسرة ، فأخرج من جيبه عقد الزواج العرفى ، ومد يده له به قائلاً بشماتة :

– ده عقد الجواز العرفى لو مش مصدق ، خد إقراه مش هتقولى مبروك يا عمى 


أخذ عمرو الورقة من يده وطافت عيناه بين سطورها التى جاء بها ما ينص على إتمام زواج حاتم من والدته ، ولكن حملت له دليل أخر على أن ذلك ليس فقط جريمة لزواج أمه من شاب فى نفس عمر ولدها ، ولكن هناك جريمة أخرى كون أن زوجها مازال حياً ولم يمت مثلما زعم هو من قبل وجعل هى والجميع يتوهمون أن زوجها توفى إثر حادث أليم 


ألقى الورقة من يده وقبض على ياقة قميص حاتم صارخاً بصوت جهورى :

– إيه اللى أنت عملته ده ، أنت مجنون تتجوز واحدة قد أمك 


حاول بذلك المبرر ، أن يخفى تكتمه على ذلك الإثم الذى وقع من أن والدته الآن زوجة لإثنين حتى وإن لم تكن تعلم بأن زوجها الأول مازال على قيد الحياة ، وما جعل الرعب يدب بقلبه هو خشيته من أن يكون حدث وصال الزوجين بين حاتم ووالدته ، فحينها سيقع اللوم والذنب على عاتقه وحده ، كونه دبر تلك المكيدة للإنتقام من زوج والدته ولم يضع بحسبانه أن شئ هكذا من الممكن أن يحدث ، لحرصه على وضع والدته تحت المراقبة الدائمة ، ولكن ربما غفلته عنها بالأيام الماضية لأنشغاله بتنظيم حفل عرُسه ، جعلها تفعل ما فعلت 


دارت عينىّ حاتم حوله ، وتأكد من أن لا أحد يستمع لما يجرى بينهما ، فالموسيقى والأصوات الصاخبة بالقاعة ، لن تجعل بالإمكان أن ينتبه أحد لصياح عمرو بوجهه ، قبض حاتم على كفىّ ذلك الذى أراد زهق أنفاسه ، فنفضهما عنه وهو يقول ببرود :


– أصل أمك عجبتنى أوى الصراحة 


لم يعد بإمكان عمرو سماع كلمة أخرى منه ، فبدأ بصفعه على وجهه ومن ثم لكمه بمنتصف بطنه ، ونشب بينهما عراك حامى ، فتم إغلاق الموسيقى ، وصرخت بعض النسوة من رؤية الشجار بين العريس وإبن عم العروس ، فتركت سهى مكانها وهرعت إليهما وحاولت جذب زوجها الجاثم فوق صدر إبن عمها 


فصرخت به بصوت مرتجف :

– بس يا عمرو سيبه ، بتتخانقوا ليه ، سيبه بقولك 


صاحت سهى بكلماتها حتى كادت تشعر بأن الدماء ستطفر من وجهها المحتقن بدهشتها وتعجبها مما يفعله زوجها ، فأرتجفت يداها ومن ثم أضافت برنة صوت مشوبة بالخوف من رؤيتها لملامح العنف والوحشية التى كست وجهه :

– أنت بتعمل فيه ليه كده ؟ ليه يا عمرو


كأن بلفظها لإسمه أعاده لواقعه ، فحدق إليها بوجه خلت منه معالم الحياة ، ليس فقط بمعرفته بتلك الكارثة ، بل أنها تنظر إليه كما لو أنها تنظر لوحش مفترس وتخشى إفتراسه لها فيما بعد ، وكم من مرة هى أخبرته بمخاوفها منه ومن طباعه وسلوكه ، التى أقسم هو لها بأنه لم يعد كما كانت تظنه ، بل صار أفضل من ذى قبل ، ولكن من بمثل مكانه ، لم يكن سيستطع أن يسيطر على إنفعاله بعد ما سمعه وخرج من فم حاتم ممزقاً لكبرياءه ، بعدما أصر بأكثر من موطن أن يذكر والدته بألفاظ مشينة ، أراد بها تعكير صفو مزاجه وأن يصل به لأقصى درجات الغضب 


أخترق أذنيه صوت والد زوجته الغاضب وهو يتشدق بفمه الذى راحت تهتز عضلاته نتيجة لشعوره بالغضب والنقم الساخط لما فعله زوج إبنته بإبن شقيقه الوحيد :


– أنت إزاى تمد إيدك على أبن أخويا وتضربه ، هى دى بداية النسب يا عمرو ، ولا علشان فاكر إنك أتجوزت بنتى ، خلاص مش هحاسبك على اللى عملته ده 


ترك عمرو ياقة قميص حاتم ونهض من فوق جسده المطروح أرضاً ، وشمله بنظرة ثاقبة ، بعدما وجده رغم تلك الدماء النازفة من وجهه يبتسم له بخبث وإنتصار ، كأنه أحرز تقدماً بمباراة ولا يعلم كيف يشعر بذلك وهو من لاق ما لم يسره كصفعه ولكمه له ، فإنتبه لما يجرى حوله من إلتفاف الضيوف حوله بدائرة مغلقة ، يقف هو بالمنتصف وبجواره والد زوجته وسهى ، التى غطت فمها بكفيها وتنظر إليه وهى تبكى ، وحاتم الذى مازال راقداً على الأرضية وصوت أنينه كاد يفقده صوابه ويفكر بأن يجهز عليه تلك المرة لكى لا يسمع له صوتاً 


حاول عمرو فتح فمه ليقول شيئاً يحاول به تخفيف غضب والد زوجته وتسكين خوف سهى ، ولكنه لم يفه سوى بكلمة واحدة :

– عمى...


بلل طرف شفتيه لعله يستجمع شجاعته وأن ينطق بما يبرر عراكه مع حاتم ، إلا أنه لم يجد ما يقوله ، فكيف يخبرهما بما حدث وكل هؤلاء الناس مجتمعين ؟

مسح وجهه بكفيه قائلاً بسخط كاد يمزق شغاف قلبه الذى لم يبرأ بعد :

– مفيش حاجة يا عمى ، إحنا شدينا فى الكلام مع بعض والصراحة إبن أخوك مستفز فى كلامه فمحستش بنفسى وأنا بضربه 


لاحت السخرية على جانبى فم والد سهى ورد قائلاً بعدم إقتناع بعدما جثى بجوار إبنه شقيقه :

– لا والله يعنى أى حد ينرفزك فى الكلام تقوم تضربه بالشكل ده على كده أنا مأمنش على بنتى معاك 


ساعد إبن شقيقه بأن يستقيم بوقفته ، وفكر بأخذه للطبيب ولكن قبل ذهابهما نظر لعمرو مستطرداً:

– خلاص الفرح اعتبره خلص وأنا هاخد بنتى معايا يلا يا سهى 


أنتشى حاتم مما سمعه من عمه ، وما أن مر بجوار عمرو ، حتى أدنى برأسه منه قليلاً قائلاً بهمس ورنة مشبعة بالخبث :

– وقعت فى الفخ وأنت مش حاسس أنا لا اتجوزت أمك ولا حاجة ، دا عقد عرفى مزور ، دا كان فيلم كده علشان أخليهم يشفوك على حقيقتك وأنت بتتهجم عليا ، كفاية عيون سهى اللى بتبصلك بخوف كأنها شايفة وحش ، دى بنت عمى وعارف كويس أنها بتخاف لما بتشوف خناقة وفى حد إتصاب 


أدرك عمرو أنه كان ضيحة لذلك الفخ الذى إستدرجه إليه حاتم ، لسعيه المتكرر فى أن يظفر هو بسهى ، فكيف كان أحمقاً وإنساق خلفه أكذوبته ، بل أنه أخذها حقيقة مسلم بها وظن أن أمر زواج والدته منه وقع لا محالة ، ولأول مرة يشعر بسوء ظنه تجاه أمه ، ولكنها لمحة خاطفة لم تدم وقتاً طويلاً


فما أن وجد والد زوجته يجر سهى خلفه للخروج من القاعة ، أمسكها من مرفقها وحال دون سيرها خلف أبيها ، فكانت بالمنتصف بينهما ، أحدهما قابضاً على يدها والأخر على مرفقها ، تقف بين إثنان لهما كل الحقوق الواقعة عليها كإبنة وكزوجة 


– كويس اللى عملته ده و فرحتنا اللى أنكسرت قبل ما تبدأ


غص حلقها وهى تتفوه بعبارتها ، التى رافقها سيل متدفق من عبراتها ، ولامته بعينيها وهى تحدق به تشعر بالحسرة على حلمها بيوم زفاف ستظل تتذكر تفاصيله الممتعة لأخر يوم بحياتها ، فحقاً تم تحقيق نصف أمنيتها وأنها لن تنسى هذا اليوم أبداً وكيف لها أن تنسى يوم زفافها الذى لم يدم ساعة حتى أنفض الأمر سريعاً وها هى ستعود لمنزل أبيها كما خرجت منه اليوم ، حاملة لقب زوجة بأوراق رسمية فقط 


لانت قبضته على ذراعها ، فأقترب منها أكثر ورفع يده يمسح دموعها التى خربت زينتها قائلاً بأسف :

– أنا أسف والله مكنش قصدى ، غصب عنى 


هز أبيها يدها لكى تسرع بإنهاء ذلك الأمر ، وهتف بها بخشونة :

– يلا بينا يا سهى 


ترك عمرو ذراعها وأقترب من والدها محاولاً إستعطافه بأن يسمع له ، وأن لا يحاول هدم سعادتهما التى لم تبدأ بعد ، فعلى الرغم من أنه بإمكانه أخذها دون الحاجة لأن يلين والدها ، بحكم أنها صارت زوجته شرعاً وقانوناً ، إلا أنه لا يريد أن يثير عداء والدها ، ولكن تحالف معه إمام المسجد ، الذى أصر عليه عمرو بالحضور ، إذ راح يتحدث مع والد سهى بلين ولطف :

– إهدى بس ووحد الله ، مينفعش كده ، هتبوظ فرح بنتك علشان جايز حصل سوء تفاهم بيحصل عادى ، ودلوقتى عمرو بقى جوز بنتك يعنى زيه زى أبنك ، لو ابنك غلط مش هتسامحه يعنى ، وإن كان على اللى حصل لإبن أخوك ، فعمرو يعتذرله و خليهم يكملوا الفرح متكسرش فرحة بنتك


رغم إمتعاض عمرو بأن سيكون مضطراً إلى الإعتذار لحاتم ، إلا أنه لم يجد مفر من ذلك حتى تمر الليلة بسلام ومن ثم سيكون بإمكانه أن يلقنه درساً لن ينساه ، دون أن تثار جلبة مثلما حدث منذ قليل


هز عمرو رأسه قائلاً بخنوع غير مقنع لأحد خاصة حاتم :

– متزعلش منى يا حاتم إحنا بقينا دلوقتى عيلة واحدة ومعلش على اللى حصل 


أراد إظهار نواياه الحسنة بإصلاح خطأه الفادح ، فجذب حاتم له واحتضنه وربت على ظهره بخشونة وهو يبتسم للواقفين حولهما ، إلا أن تلك الكلمات التى صبها فى أذن حاتم لا تمت بصلة لإبتسامته ونواياه الحسنة الظاهرة للعيان :

– وربنا ما هفوتهالك يا حاتم ، وهخليك تفكر ألف مرة قبل ما تفكر تعمل حاجة زى الحركة اللى مش تمام اللى أنت عملتها من شوية وكنت عايز تبوظ بيها الفرح


حاول حاتم دفعه عنه إلا أن عمرو أحكم ذراعيه وشد بهما على ظهره بقسوة جعلته يأن بصوت منخفض ، وبعد أن فرغ من تهديده له دفعه عنه برفق معقباً بإبتسامة وصوت مرتفع لكى يسمعه الجميع :

– دا إحنا هنبقى أكتر من الأخوات يا حاتم وحقك عليا فى اللى حصل ويلا بينا بقى نكمل الفرح


هدأت الأمور وعادت القاعة تضج بها أصوات الموسيقى ، ولم تخلو أحاديث الضيوف عما حدث وكل منهم يحاول إستنتاج أسباب الشجار والعراك ، ولكن لم يتخلى والد سهى عن صلابة وجمود ملامحه طوال الوقت الذى إستغرقه حفل الزفاف حتى أنتهى بعد منتصف الليل بما ينوف عن ساعة 


أصر عمرو على قيادة سيارته حتى المنزل ، وربما يتاح له الوقت ليذيب تعنت سهى فى الحفاظ على صمتها منذ أن كانا بالقاعة ، فكلما كان يراها تبتسم وتتحدث مع أقاربها وصديقاتها ، كان يظن أن الأمر معه لن يختلف ، ولكنها طلبت منه ألا يحاول إثارة إنفعالها بحديثه حتى ينتهى الحفل ، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل فهى عنيدة ويابسة الرأس ولا تتخلى عن عنادها بسهولة 


وصلا المنزل ورافقته إلى تلك الغرفة التى ظنت أنها ستكون خاصة بها وحدها كما سبقا واتفقا فيما بينهما ، إلا أنها وجدته يتبعها وهو يحل رابطة عنقه وينزع عنه سترته ، فصاحت به :

– أنت بتعمل إيه هى مش دى أوضتى زى ما اتفقنا ولا تكونش رجعت فى كلامك 


ألقى عمرو سترته على طرف الفراش قائلاً بهدوء :

– مرجعتش فى كلامى ولا حاجة ، بس مخنوق وكنت عايز أتكلم معاكى شوية بلاش 


جلست سهى على أحد المقاعد وضمت كفيها ووضعتهما على ساقيها وأحست بنعومة قماش ثوب زفافها ، الذى ألتف حولها كباقة من الزهور البيضاء ، فرفعت وجهها له قائلة بجمود :

– خير كنت عايز تتكلم فى إيه يا عمرو بيه


لم تكن بداية مبشرة بأن يجدها تعود لطباعها القديمة أثناء حديثها معه ، فجلس على طرف الفراش وأرتكز بمرفقيه على ركبتيه وضم كفيه وحدق فى وجهها بتؤدة ونظراته تتصاعد بداية من طرف ثوبها الأبيض حتى وصل لعيناها المتقدتان بالحنق والخجل بعد رؤيتها له كيف ينظر إليها بتفحص ، كأنها دمية على وشك شراءها 


حمحم عمرو ليجلى صوته ، أو ربما ليقمع ذلك التوق الذى قفز لعينيه ما أن إستحسن مرآها وتخيل كيف سيكون شعوره وهو يضمها بين ذراعيه ، فقال برنة صوت عذبة :


– سهى إحنا مش هنبتدى حياتنا مع بعض وأنتى بالشكل ده ، وإن كان على اللى حصل فخلاص اعتذرت لإبن عمك ، أنت أصلاً متعرفيش هو مستفز قد إيه وكان عايز يبوظ الجوازة بأى طريقة 


عقدت سهى حاجبيها وتساءلت بجهل :

– وهو هيعمل ليه كده يعنى بينه وبينك إيه 


رفع عمرو حاجبه ، مما جعلها تعى على سؤالها الأحمق ، فكأنها وعيت مؤخراً على أسباب إتهامه لإبن عمها ، فخفضت وجهها وقالت بعدما إبتلعت لعابها مراراً:


– الكلام ده كان زمان ثم من ساعة ما اتخطبنا وعمى اتوفى خلاص الموضوع اتنسى وحاتم مشوفتش منه حاجة تقول أنه يفكر يعمل كده


– علشان بيفكر يصطاد فى المية العكرة


صاح بها عمرو مما جعلها تنتفض بجلستها ، فقطع المسافة القصيرة الفاصلة بينهما وأخذ يديها بين كفيه مستطرداً بلين تلك المرة :

– سورى إن كنت خوفتك ، بس بجد ابن عمك ده فور دمى ، بس خلينا ننسى اللى حصل 


جذبها إليه برفق وطوقها بذراعيه ، فراحت ترتجف بينهما كطائر أصابه البلل وكاد يشعر بالإعياء ، إلا أنه كلما زاد إرتجافها ، زاد من إحكام ساعديه حولها ، ففتنته بيديها اللتان علقت بكتفيه تتقاسم تلك الرجفات معه ، مما جعلت تلك المشاعر التى تزوره لأول مرة تزيد فى فورانها وثورانها بداخل شرايينه التى تدفق بها الدم حاراً ، فوزع أنفاسه الساخنة على وجهها وهو يشعر بالترقب مما يمكن أن يحدث بينهما الآن  


ولكن أسرعت هى بقطع جسور أماله ، إذ أنسلت من بين ذراعيه قائلة بتوتر وإرتباك :

– أنا تعبانة وعايزة أنام ممكن وكمان أنت كنت قايلى هنسافر بكرة ، فعايزة أرتاح شوية 


عادت تذكره بذلك الوعد والعهد الذى أخذته عليه ، ورغم أنه يتحرق شوقاً لأن يتذوق العناق الفطرى الأول فى حياته ، إلا أنه لم يشأ إفزاعها أو أن يبث بها الخوف منه ، فيكفى ما رآه بعينيها وهما كانا فى القاعة ، فأعاد ذراعيه بجانبه قائلاً بهدوء رغم إمتعاضه :

– تمام تصبحى على خير 


دار على عقبيه وأنحنى لأخذ رابطة عنقه وسترته وما كاد يبلغ باب الحجرة حتى سمعها تقول بصوت خفيض :


– لو عايز تنام هنا مفيش مانع بس خليك مؤدب وإلتزم بكلامك ووعدك ليا 


لم يصدق ما سمعه منها فإستدار إليها متسائلاً بدهشة :

– معقولة أنتى يا سهى اللى بتطلبى منى أنام هنا فى أوضتك ؟


أشاحت بوجهها عنه ورفعته عالياً كأنها تحملق بسقف الغرفة قائلة بحجة واهية :

– عادى يعنى وفيها إيه ، أنا فكرت إن لو كل واحد فى أوضة كده مش هنعرف بعض كويس ولا هفهمك ولا أنت تفهمنى 


تمنت أن تنطلى عليه كذبتها وحجتها الغير مقنعة ، محاولة أن تدارى أسبابها الحقيقية لمطلبها هذا ، وهى أنها منذ أن ضمها بين ذراعيه ، وأختلج صوته بتلك النبرة الحانية ، طارت تلك الفراشات بمعدتها وسدت عليها مجرى الهواء 


لاحت على شفتيه إبتسامة مشرقة وهو يقول مازحاً:

– لا يا شيخة واستنتجتى ده فى ثوانى كده 


رمقته بنظرة مطولة مزجت بها التدقيق بوجهه والسخرية التى سبغت عبارتها التى تفوهت بها :

– مش عاجبك كلامى اعتبر نفسك مسمعتش حاجة وتصبح على خير 


أقتربت منه وحاولت دفعه ليخرج من الغرفة ، كأنه أزعجها وتريد التخلص منه ، إلا أنه قبض على ذراعيها وثبتهما خلف ظهرها برفق وحزم لكى يضمن بقاءها ساكنة دون أن تحاول دفعه أو أن تتخلص من قيده لها ، فأحنى رأسه إليها وأسند جبينه لجبينها دون أن يحاول معانقتها ، ولكنه لم يستطع إحكام السيطرة على لسانه ، الذى راح يمطرها بوابل من عبارات الغزل ، الذى تعلم مؤخراً كيف يتغزل بزوجته غزلاً عفيفاً ، يقصد به فى المقام الأول أن تعلم مدى أهميتها لديه ، وليجعلها تأمن جانبه ويصرف عنها خوفها ورهبتها ، ولكن لم يضع بحسبانه أن يشعر هو بالرهبة من إقدامه على تلك الخطوة الهامة بحياته ، ولا يعلم لما ظلت تحذيرات طبيبه النفسى له تطن بأذنيه ، حتى منعت عليه الراحة والتفكير السليم ، فأسرع بالإبتعاد عنها معززاً الأمر ، أنه يريدها أن تأخذ وقتها الكافى بالتأقلم على معيشتهما قبل أن تفكر فى إتمام زواجهما بصورة فعلية ، ومنه تراه من منظور الملتزم بوعده وعهده لها ، رغم رؤيتها للمحة من عواطفه الثائرة تجاهها ، أجاد حيلته حتى أنه وجدها تنظر إليه نظرة شغوفة ملأها الفخر المبطن ، ورغم أن ليلتهما لن تسير على المنوال ذاته بين المتزوجين حديثاً ، إلا أنهما أدوا صلاتهما ولم يشعران برغبة فى تناول الطعام ، فأستلقت سهى على أحد جانبى الفراش واضعة وسادة بالمنتصف بينهما ، وسرعان ما غرقت بنومها الهادئ ، إلا أنه ظل هو مستيقظاً ينظر إليها يشعر بسخافة كذبته والتى يبدو أنها لن تكون الكذبة الأخيرة بينهما 

❈-❈-❈


لم تكن حياء تعلم بأن ما أن تخبر زوجها بأنها ذاهبة لمنزل عائلتها من أجل زفاف إبنة عمها وتريد حضوره من أجل الحفاظ على المظاهر الإجتماعية أمام عائلة العريس ، أنه سيوافق مرحباً على إصطحابها لهناك ، بل وأنه رغب فى حضور ذلك الحفل العائلى الصغير ، الذى أقتصر على أفراد عائلة عبد الرحمن ، وبيرى وديفيد وحياء ، بعدما أبدت مارجريت إعتراضها على حضور الزفاف ، وستكتفى بالمكوث فى غرفتها ، مثلما فعلت يوم مجئ عبد الرحمن لخطبة بيرى ، ولكن تلك المرة أعلنتها صراحة أنها لا تريد رؤية حفيدة أخرى لاسكندر شمعون تقترن بزوج مسلم ، وأنه يكفيها أن حياء مسلمة ومتزوجة من رجل مسلم ، وهذا ما حاولت تقبله معززة الأمر أن حياء تربت ونشأت على تعاليم الدين الإسلامي منذ نعومة أظافرها ولا تعلم شئ عن عقيدتهما اليهودية كديفيد أو بيرى ، حتى وإن لم يكونا يمارسون شعائرها وطقوسها


وصلا إلى منزل عائلتها بسيارة زوجها ، التى قادها بتمهل كاد يجعل حياء تفقد صوابها من إبطاء حركة السيارة المتعمد منه ، ولكنها فضلت الصمت حتى لا تتشاجر معه ، خاصة أنها لا ترغب فى تعكير صفو مزاجها ، ولا تريد أن ترى إبتسامته على شفتيه المستبدتين والقادرتين على إشعال حنقها وتثيران شوقها بالوقت نفسه 


فتحت باب السيارة من جانبها وترجلت منها ومن ثم صفعته بشدة قائلة بإمتعاض :

– الحمد لله إن وصلنا قبل الفجر ما يأذن 


خرج راسل وأغلق باب سيارته قائلاً ببرود وإبتسامة :

– يعنى أنا غلطان يا حبيبتى إن ماشى بالراحة خايف عليكى يا روحى 


أغمضت عينيها بيأس ومن ثم فتحتهما وأقتربت منه قائلة بهدوء قدر ما سمحت لها أعصابها الثائرة :

– بص يا راسل يا حبيبى أنا عايزة الليلة دى تعدى على خير ، علشان الجو متكهرب لوحده ها ، فخليك لطيف كده لحد ما نروح ماشى سمعتنى قولتلك إيه 


تبعت حديثها بالربت على وجنته ، لعلها ترسخ بعقله أهمية أن يلتزم الهدوء واللطف ، ولكنها لم ترى على وجهه أى بوادر لإستماعه لما تفوهت به ، بل قال والهدوء والوله يكتنف محياه الوسيم :

– أنا والله ما سمعت حاجة من بعد كلمة راسل يا حبيبى ، صوتك كروان يا روحى