رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 19 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الكاتبة سماح نجيب
الفصل التاسع عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
ظلت تلتقط أنفاسها تباعاً كأنها شعرت بنقص الهواء برئتيها ، ولم تفعل ذلك إلا محاولة منها فى أن تمارس الهدوء ، لئلا تفقد رشدها وتقبض على عنقه ، ولكن سمعته يعقب بتبجح :
– عيزانى أسكت ومحاولش أضايقك ، خليكى طول الوقت قاعدة جمبى ومفيش مانع تقوليلى يا حبيبى وتبقى لطيفة كده زى ما كنتى زمان
– خد عربيتك وأرجع البيت يا راسل يلا مع السلامة
قالت حياء عبارتها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها ، دليلاً على أنها ليست بحاجة لأن تخضع لما أملاه عليها من شروط ، ولكنها عادت وتذكرت أنها أخبرت عائلة عبد الرحمن من يكون زوجها وأنه سيرافقها لحفل الزفاف ، ولا تريد الظهور بمظهر الكاذبة أمامهم ، فإبتهلت بداخلها من أن لا يصر راسل على العودة إلى البيت حتى وإن كانت هى من طلبت منه ذلك
زفرت براحة ما أن وجدته يأخذ يدها جاعلاً إياها تتأبط ذراعه ، ومن ثم أكملا سيرهما للداخل ، وما أن وصلا لبهو المنزل تركته وذهبت إلى غرفة بيرى ، لترى هل إنتهت من زينتها وإرتداء ذلك الثوب الأبيض الذى أنتقته لها من أجل الليلة ، طرقت الباب وسمعت صوت بيرى يأذن لها بالدخول ، فولجت على الفور وأغلقت الباب خلفها
إستدارت بيرى برأسها وهى جالسة على مقعد طاولة الزينة ، فحدقت بها وتساءلت بوجه عابس :
– أنتى لسه فاكرة تيجى حضرتك ، دا فاضل شوية ويوصلوا
إبتسمت لها حياء وخطت بخطواتها الهادئة تجاهها ، فطوقت كتفيها وأنحنت إليها تقبلها من خدها قائلة بإعتذار :
– متزعليش منى ، بس مش أنا السبب دا راسل بيه اللى كان سايق العربية وماشى زى السلاحف ، كان هينقطنى ، كويس أن وصلت سليمة ، ثم مش إمبارح لما اتجوزتوا مدنى أنا كنت معاكى طول اليوم ومسبتكيش
رفعت بيرى يديها ووضعتهما على ذراعىّ حياء الملتفان حول كتفيها ، وردت إبتسامتها وقالت بصدق :
– بس حاسة إن النهاردة متوترة أوى ، وخصوصاً إن خلاص أنا وعبد الرحمن اتجوزنا ، وهروح معاه على بيته ، بس لسه لحد دلوقتى مشوفتش منه ترحيب بجوازنا ، بيتصرف زى الانسان الآلى ،أى نعم انا اللى ورطته فى الجوازة ، بس نفسى أشوف فرحته إن اتجوزنا أخيراً ، حتى ولو دقيقة واحدة
قبل أن يملأ العبوس محياها الجميل ، عملت حياء على جذب ذراعها حتى إستقامت بوقفتها ، فداعبت ذقنها قائلة بطرافة :
– هى فين روح المقاتلة اللى كانت عندك قلبتى بطة بلدى دلوقتى
ضحكت بيرى رغماً عنها بعد سماع نعت ووصف حياء لحالتها التى إنتقلت من الإصرار والعزيمة والمثابرة إلى التردد والحيرة والخوف ، ولكن بسماعهما الدقات المتتالية على باب الغرفة وولوج الخادمة تنبأهما بقدوم العريس وأسرته ، أسرعت بيرى بإنهاء زينتها وخرجت من غرفتها وهى تتأبط ذراع حياء ، حتى وصلتا للحديقة التى أقيم بها الحفل وحرص ديفيد على أن يكون لائقاً بتلك الشابة التى عاشت برغد وترف ودلال ، فنظرت إليه بيرى بصمت وإمتنان لما فعله حتى أنه أدى دوره للنهاية بأن أخذها من يدها ووضعها بيد عبد الرحمن وأوصاه بأن يعتنى بها ويحرص على تدليلها وأن يجعل السعادة حليفتها
رفع راسل شفته بسخرية وهو يستمع لحديث ديفيد مع عبد الرحمن ، فمال برأسه إلى زوجته قائلاً بعدم إقتناع للطافة ديفيد المفاجئة :
– هو من أمتى أخوكى بقى حكيم ورزين كده ، اللى يسمعه يقول أنه خايف على سعادة بيرى أوى ، لو بعد عنها هو بس أكيد حياتها هتبقى كويسة
فهمت حياء تلميح راسل وما حواه حديثه الساخر ، حتى وإن كانت تتفق معه فى أن ديفيد ربما ساهم بشكل أو أخر بإفساد حياتهما ، إلا أنه اظهر لها حسن نواياه بعد موت عمه وعلمت أنه تم خداعه مثلها ، لذلك عقدت ذراعيها وطالعته بهدوء قائلة بدفاع عن شقيقها الوحيد :
– على فكرة ديفيد أتغير كتير واللى أنت متعرفوش أنه كمان ناوى إن شاء الله يعلن إسلامه
لم يستطع راسل إحكام سيطرته على حس الدعابة الساخر ، الذى ملأه منذ مجيئه لمنزل عائلة زوجته ، إذ قال بنبرة ساخرة :
– ديفيد هيعلن اسلامه ليه ابليس قدم استقالته ومبقاش لاقى شغل ، أنتى تصدقى إن واحد زى أخوكى ده يبقى بنى أدم ويلتزم بدين الإسلام دا عشم إبليس فى الجنة
قفز الغضب لمقلتيها حتى إمتلئتا ببراكين كادت تطفر منهما ، مما تسمعه من إهانات بحق شقيقها ، فألتوى ثغرها وحاولت أن تجارى سخريته فقالت وهى تقيمه بنظراتها :
– ومصدقش ليه يا راسل ، ما أنت متختلفش عنه كتير ، استاذ فى كسر القلوب واللعب بيها وقت ما تحب ، حاول تستمتع بالحفلة يا دكتور راسل
تركت مكانها من جواره وذهبت لتقف بجوار شقيقها ، الذى إبتسم لها خلافاً لنظراته المتقدة التى راح يرشق بها راسل من بعيد ، رفع يديه ومسد على ذراعيها وقال بحنان :
– الجميل ماله كده شكله مضايق هو جوزك ده عملك حاجة تانى
رغم شعورها الخانق بالإمتعاض والإستياء من حديث زوجها ، إلا أنها هزت رأسها نفياً ، فإبتسمت بوجه شقيقها وقالت برقة :
– لاء مفيش حاجة بس أنا اللى عايزة أفكرك بكلامك أنك هتعلن إسلامك وكمان لازم تبدأ تتعلم عن الدين الإسلامى وتصلى ، أنا هجبلك كتب هتفيدك جداً وكمان تروح تعمل عمرة وأنا إن شاء الله هسافر معاك ، لازم تبدأ حياتك من جديد كأنك بيبى لسه مولود
أنكمشت ملامحه قليلاً بعدما أملت عليه الخطوات الواجب عليه إتباعها بعد إعتناقه الإسلام ، فهو لم يضع بباله أن يفعل كل هذا ، حيث أنه صب إهتمامه حول أن يصبح شاب مسلم بأوراق رسمية تمكنه الزواج من ياسمين ، لذلك رد قائلاً بتوتر محاولاً صرف تفكير شقيقته عن كل هذا بالوقت الحالى :
– أه تمام هنعمل كل ده ، بس قبل ما نسافر فى شوية شغل عايز أخلصه ، بس أكيد هعمل كل اللى قولتيلى عليه ، هروح أشوف أتأخروا ليه فى تقديم العشا
أنصرف من أمامها بسرعة البرق ، وتركها تفكر فى حديثه ، وحاولت أن تلتمس له العذر بأن يرجئ سفره لأداء العمرة ، لإنشغاله بأعماله ، ولكن كان بنيتها أنها ستظل بجواره وتعلمه كل ما يمكنه من أن يصبح شاباً مسلماً قولاً وفعلاً ، إستدارت على عقبيها وجدت زوجها جالساً بجوار عبد الرحمن ويبدو أنهما منهمكان بالحديث ، وبيرى تتحدث مع عم زوجها وشقيقته التى بدت أقل تصلباً بإلتزامها الصمت التام مثلما فعلت يوم مجيئهما لخطبة بيرى
أنتهى الحفل وإصطحب عبد الرحمن بيرى إلى تلك البناية التى تعود ملكيتها لعائلته ، تنهدت بيرى بصوت مسموع ، فمنذ مجيئه لمنزل عائلتها ولم يوجه لها كلمة واحدة ، وهذا مازاد فى غيظها منه ، ولكنها مارست الهدوء والصبر حتى تصل لشقتهما وربما تستطيع إذابة صقيع قلبه ، وتشعل به نيران عشقها من جديد
صعدا الدرج الرخامى ، حتى وصلا أمام الشقة ، وفتح عبد الرحمن الباب قائلاً بسخرية :
– أتفضلى يا عروسة ، معلش مش هقدر أشيلك وأدخلك الشقة أنتى شايفة اللى فيها
رفعت بيرى ثوبها قليلاً لكى لا تتعثر بالحركة ، فردت قائلة بدهاء أنثوى :
– لاء ولا يهمك يا حبيبى ، دا بقى بيتى ولازم رجلى تاخد على كل مكان فيه ، أنتوا بتقولوا ايه أول ما تدخلوا أى مكان اه أفتكرت سمعت حياء بتقولها " بسم الله ''
وضعت قدمها اليمنى ومن ثم ولجت الشقة ، وعيناها تتفرس بكل ركن بها ، شقة عصرية بأثاث عصرى يناسب ذوقها وأحبت تلك الأريكة العريضة بقماشها الأسود المخملى الموضوعة أسفل النافذة العريضة ، والتى تمكنها من رؤية الشارع بوضوح ، كفت عن تأمل محتوى الصالة وما تبعها من مطبخ على الطراز الحديث لا يفصله عن الصالة سوى جدار قصير
ضمت كفيها تفركهما تحت بصره المتفحص وتساءلت بخفوت :
– هى فين أوضة النوم
رفع عبد الرحمن يده السليمة يشير لردهة قصيرة تؤدى للغرف الثلاثة ، وقال وهو يتجه صوب باب الشقة :
– عندك الأوض كلها فى الناحية دى ، أنا خارج وهتأخر شوية
ما كادت تفتح فمها لتسأله إلى أين سيذهب وويتركها هكذا بليلة عرسهما ، حتى وجدته يفتح باب الشقة ويخرج منه ، وأغلقه خلفه قبل أن تتمكن من سؤاله
زفرت بقنوط وجرت أذيال خيبتها وراحت تبحث عن غرفة نومهما ، وجدت الغرفة التى تم وضع ثيابها بها بعدما أرسلتها البارحة ، فخلعت عنها ثوبها الأبيض وأرتدت ثوب قصير باللون البنفسجى ، وجلست بعدما قررت أن تنتظره ، فمرت ساعتين وكادت تشعر باليأس وتخلد للنوم كون أن الوقت تأخر كثيراً ، إلا أنها سمعت صوت تكة مفتاح باب الشقة ، ومن ثم رآته يلج الغرفة ، فرماها بنظرة عابرة ومن ثم فتح خزانة الثياب الخشبية العريضة وأخرج منها ثياب بيتية له
ولكن قبل أن يبتعد أكثر ، كانت تاركة مكانها على الفراش مقتربة منه وعلى ثغرها تلوح إبتسامة تسلية ، فإن أراد ممارسة بروده معها ، فلتريه كيف يكون دهاء بنات حواء
حصارها له بأحد زوايا الغرفة ، جعل عقله يتوقف عن التفكير بخلق أعذار تجعله يزيحها من أمامه ، قبل أن يشعر بأن أنفاسه تكاد تذوب رويداً رويداً
إبتسمت بخبث طفيف ، وهى تراه يزدرد لعابه مرة تلو الأخرى ، تتحرك عظمة نحره صعوداً وهبوطاً بوتيرة سريعة ، فأرادت له المزيد من الحيرة والإرتباك ، فرفعت ذراعها واستندت بكفها على الحائط قريباً من كتفه ، وكفها الآخر أحتضن قدها الرشيق
فمالت برأسها إليه قليلاً وهى تقول برقة ونعومة :
– مالك يا حبيبى عرقان كده ليه ، دا حتى الجو برد من التكييف ، أنت تعبان ولا إيه
أنفرجت شفتيه اللتان ألتصقتا ببعضهما البعض ، نظراً لشعوره بجفاف شديد بهما منذ رؤيته لها بعد أن دلف للمنزل ، فممارستها لتلك الحيل الأنثوية ، أوشكت على زعزعة ثباته وأنهيار صموده
إلا أنه تسلح بعنفوانه الزائف ورد قائلاً:
– مش تعبان ولا حاجة وأبعدى عن طريقى
إبتسمت وهى تقترب بيدها من عنقه ، التى قامت بطلاء أظافرها بلون يتماشى مع ثوبها الناعم ، فقالت بصوت أختلج به الشوق :
– وأخرتها إيه هنفضل نلعب مع بعض لعبة الانتظار دى لحد أمتى
جذب خصيلاتها بلطف وأحنى رأسها للخلف قائلاً بهمس وأنفاسه تتصاعد على وجهها بهدوء خطر :
– تعبتى من الانتظار ؟ أنا بقى دوقت مرارته كتير ، لما بقت أيامى كلها مرار ، وأنتى كنتى أكتر حاجة مخليانى أحس بالمُر والوجع
يداها اللتان تسللتا حتى وصلت لصدره ، راحت تمسح بهما على موضع فؤاده ، الذى شعرت به ينبض بوتيرة سريعة ، وقالت بصدق أدمغته بكل حرف خرج من فمها :
– لو كنت فاكر أن كنت أعرف اللى حصلك من بابا تبقى غلطان ، أنا كنت بتعذب زيك بالظبط وكنت بحلم باليوم اللى أرجع أشوفك فيه تانى ، ولو لسه حاسس بالوجع سيبنى أداوى جرح قلبك يا حبيبى
– وجرح جسمى وإيدى اللى راحت هداويهم إزاى يا بيرى
هتف عبد الرحمن بنبرة خشنة حملت معها شعوره بالألم عن كيفية إستحالة معالجة جروحه الجسمانية ، أو أن يعود لما كان عليه ، فقبل أن تطغى مرارة الألم على حديثه ، كان قاطعاً كل أمل لديها بأنها ستبدأ من الليلة العمل على إعادة ذلك العشق الذى كان متقداً بقلبيهما ، فأخذ ثيابه وخرج من الغرفة وصفع الباب خلفه مما جعلها ترتعد بوقفتها وتهتز تلك العبرات بمقلتيها ، على الرغم من أنها كانت تهيئ نفسها لكل ما سيحدث منه ، إلا أنها كانت تأمل بأن يتخلى عن تصلبه قليلاً وينعمان بليلة دافئة ، وتروى شوقها إليه ، فيبدو أن طريقها سيكون مفروشاً بالأشواك ، ولن تجد السبيل ممهداً ، بل سيكون الدرب وعراً للوصول إليه ، ولكنها لن تيأس ولن تجعله يثبط من عزيمتها ، فلتحتسب أن الأيام القادمة مازالت بإنتظاره ، وإنهما لم يتقابلا بعد ، ولكنها عادت وعنفت نفسها على سخافتها ، كونهما صارا يعيشان تحت سقف واحد ، ولا يفصلهما سوى جدار وباب ، فإن كان بابها ستتركه مفتوحاً على مصراعيه مرحباً بقدومه إليها ، فعلى الأرجح أن بابه سيظل موصداً فى وجهها
❈-❈-❈
أقتحمت والدة ياسمين غرفتها تكاد تطير فرحاً وهى تحمل لها ذلك النبأ ، والذى حتماً سيجعل سعادة إبنتها تعود إليها ، بعدما غادرتها منذ ذلك الحادث الأليم ، وجدتها تستلقى على فراشها تغط بنوم عميق ، فالنوم هو ما تستطيع فعله عندما لا تجد ما تفعله .جلست بجوارها على طرف الفراش وراحت تمسد بيدها على ذراعها وتربت عليها برفق ، لعلها تفيق من نومها دون أن تتسبب فى إفزاعها ، فيكفيها ذلك الفرغ الذى ملأ حياتها منذ علمها بأنها فقدت بصرها . تململت ياسمين بنومها مغمغمة بكلمات غير مفهومة ولكن إستطاعت إضحكاك والدتها ، لأنها ذكرتها بأنها تفعل ذلك منذ أن كانت طفلة صغيرة ، تتحدث وهى نائمة وعندما تفيق من سباتها لا تتذكر شئ مما قالته ، فبعد تلك الإبتسامة التى كانت تزين محياها البشوش ، حل محلها علامات الحزن على ما صار إليه أمر إبنتها ، فخانتها إحدى العبرات ، التى ما أن إستطاعت الهرب من حاجز جفنيها ، حتى سقطت على وجه ياسمين وهى منحنية برأسها إليها ، ولكن ساهمت تلك الدمعة الحارة بأن جعلت جبين ياسمين يتغضن وسرعان ما هبت جالسة بالفراش لخوفها أن يكون صار شئ لأبويها
فتحت عينيها الخاليتين من الإبصار ويداها تبحث عن وجه والدتها وتساءلت بخوف لحوح :
– ماما فى إيه أنتى بتعيطى ولا إيه حصل حاجة؟ ردى عليا
أخذت والدتها يديها بين راحتيها الحانيتين وردت قائلة بحنان :
– أهدى يا حبيبتى مفيش حاجة ، دا أنا اللى جاية أقولك على خبر هيفرحك أوى
قطبت ياسمين حاجبيها ، بعد لمسها ذلك الحماس بنبرة صوت والدتها ، فعن أى شئ تتحدث والذى سيجعلها سعيدة ،وجدت أفكارها تجنح إلى ذلك الشاب ، الذى مازال صوته يؤرق مضجعها ما أن تتذكر كل ما تفوه به ، وكيف كان صوته ولهاً بنيران الحب وهو يخبرها بحبه الكبير لها ، فتدفق الدم حاراً بوجنتيها رغماً عنها وهى تخشى أن يكون عاد وطلبها للزواج ، إلا أنها حاولت ضبط أنفاسها وهى تسأل والدتها عن ذلك الخبر السعيد الذى حملته إليها :
– خير يا ماما خبر إيه ده
ربتت والدتها على يديها وقالت بحماس:
– باباكى كلمنى دلوقتى وقالى إن الدكتور اللى أنتى متابعة معاه كلمه وقاله إن فى دكتور أجنبى جراح عيون مشهور وشاطر أوى جه إسكندرية وهو كلمه عن حالتك وطلب يشوفك علشان لو فى أمل هيعملك العملية وهترجعى إن شاء الله تشوفى من تانى يا حبيبتى
لم تصدق ياسمين أذنيها بما سمعته من والدتها ، فطار صوابها فرحاً أملاً فى أن تعود وتبصر من جديد ، فشدت على يديىّ والدتها وتساءلت بلهفة :
– بجد يا ماما بتتكلمى جد ممكن ارجع أشوف تانى وأشوفكم
أكدت لها والدتها صدق حديثها معها ، بل وأحثتها على الاسراع فى النهوض لكى ترتدى ثيابها وتذهبان للمشفى حيث ينتظرهما والدها مع الطبيب ، فتركت ياسمين الفراش وساعدتها والدتها فى إرتداء ثيابها وحجابها وبعد إنتهاءهما خرجتا من المنزل ، تكاد أقدامهما تطير لكى تصلان للمشفى
وما أن وصلتا للمشفى وولجتا لغرفة الطبيب ، فنهض والدها وأقترب منها قائلة بدموع السعادة :
– خلاص يا ياسمين إن شاء الله هترجعى تشوفى تانى ، الحمد لله
أطبقت ياسمين جفونها لتمنع إنزلاق دموعها فعلى الرغم من ذلك الأمل الذى يحدوها بأن تخوض التجربة لتتخلص من ظلامها ، إلا أنها خشيت أن تخفق الجراحة وتظل تحيا بالظلام ، ولكن لم يكن لديها الوقت الكافى للتعبير عما يختلج بداخلها ، إذ بعد قليل ولج الطبيب الأجنبى الذى تبادل الحديث مع الطبيب الأخر ، وبدأ بفحص عيون ياسمين فحصاً شاملاً ، حتى قام من مكانة معلناً ، أنها ستخضع للجراحة فى الغد ، وستظل بالمشفى الليلة على أن يتم إعدادها من أجل الجراحة ، فلم يبدى أحد منهم اعتراضاً ، والتزمت ياسمين بأوامر الطبيب التى أملاها عليها ، يكاد يعيل صبرها فى إنتظار الغد ، وكأنه مازال بعيداً
قضت الليل بأكمله وأبيها جالساً بجوارها يتلو القرآن وتستمع هى لصوته الحسن فى تلاوته ، حتى أدركتها غفوة قصيرة ، ولكنها أصرت على والدتها بأن توقظها لصلاة الفجر ، وهذا ما كان ، فبعد أن توضأت وأدت صلاتها ظلت ساجدة وهى تبكى وتبتهل بالدعاء لأن يجيب الله دعوتها فى أن يعود إليها بصرها
وعندما حانت اللحظة الحاسمة ، أسلمت أمرها لله وطلبت من والديها وشقيقها بلال الذى وافهم بالمشفى أن يدعوا لها ، ولجت غرفة الجراحة مستلقية على سرير المشفى المتحرك ، وبعد تخديرها بدأ الطبيب فى عمله الذى إستغرقه عدة ساعات ، ولم تكن أسرتها فقط هى من تنتظر خروجها ، بل ذلك العاشق ، الذى حرص على الاختباء بعيداً عن أعين والديها ، كان ينتظر خروج الطبيب على أحر من الجمر ، وكم من مرة كاد يفقد صوابه ويلج غرفة الجراحة ، ليعلم كيف صارت أمور معشوقته
بعد أن إستهلكه الإنتظار وجعله يكاد يشعر بإرتخاء أطرافه التى كانت مشدودة كالوتر ، وجد الطبيبان يخرجان من غرفة الجراحة ، وهرع إليهما والديها وشقيقها ، فإستمع ديفيد لحديث الطبيب بوضح إذ قال :
– الحمد لله ، العملية تمت على خير ، وإن شاء الله بعد كام يوم هنشيل الشاش من على عينيها وتكون رجعت تشوف تانى بإذن الله
رفع والدها كفيه تضرعاً لله بأن يمن عليها بالشفاء العاجل ، بينما لمح الطبيب الأجنبى ديفيد وهو يقف متوارياً عن الأنظار ، فإبتسم له وهز رأسه بخفة ، كأنه يعلمه أن كل شئ سيكون على ما يرام ، بادله ديفيد نظراته بنظرات إمتنان على أنه فعل ما بوسعه ، فهو لم يرسل بطلبه إلا بعدما علم مدى مهارته فى جراحات العيون ، بل أنه دفع له مبلغاً باهظاً نظير مجيئه للإسكندرية وأن يجرى الجراحة لياسمين ، حتى أنه فكر إذا لم يكن سيوافق على المجئى بإرادته كان سيرغمه على ذلك ، فلاشئ كان سيعرقل من رغبته فى أن يعود لياسمين بصرها ، فمنذ أن علم بما أصابها تحدث مع طبيبها وعلم مدى حاجتها للسفر إلى الخارج من أجل أن تخضع الجراحة ، ولكن لعلمه بأن والدها سيرتاب من أمر سفرها ، فعمل هو على جلب أشهر طبيب عيون ذائع الصيت بعالم جراحات العيون ، وإستطاع حياكة كذبة أن الطبيب الأجنبى جاء الإسكندرية من قبيل الصدفة ، وساعده بنجاح كذبته الطبيب المصرى ، الذى إستطاع حبك الكذبة ليقتنع بها أبويها ، حتى أنه أخبرهما أن الطبيب سيجرى لها الجراحة دون مقابل مادى كسبيل لإحراز تقدماً جديداً له فى الشرق الأوسط ، وأنه سيكون سعيداً بتكليل مهمته بالنجاح نظراً لأن حالة ياسمين كانت معقدة ولن يفلح أى طبيب فى تنفيذ الجراحة ، وسيكون بذلك إنتصار طبى مذهل له كجراح عيون ، وعلى الأغلب أقتنع والديها بما قاله والا ما كانا سيقفان هنا بهذا الوقت ويبدوا على وجهيهما السعادة والأمل بعودة بصر إبنتهما
❈-❈-❈
راقبته من بين أهدابها التى لم تغلقها بالكامل ، بل تركتهما مفتوحتان بالقدر الكافي الذى يمكنها من رؤيته بوضوح ، ولا يجعله هو يشك بسهولة فى أمر إستياقظها ومراقبتها له وهو يتنقل فى الغرفة بعد خروجه من غرفة الثياب حاملاً قميصه على كتفه ويغلق طوق خصره على بنطاله الذى إلتصق بساقيه ، فسرعان ما أقحم ذراعيه بأكمام قميصه وأغلق أزراره بتؤدة ، كأنه يمنح ذاته الوقت الكافى لرؤية أنعكاس صورتها بالمرآة وهى مستلقية على الفراش ، تدثر نفسها بغطاء خفيف تاركة قدميها دون دثار ، فإبتسم لعلمه بأنها تهوى دائماً ترك قدميها الصغيرتين تستقبلان برودة مكيف الهواء ، مكتفية بأن تضع الغطاء على ما تبقى من جسدها ، وضع أطراف قميصه بداخل بنطاله وثنى أكمامه عن ساعديه ، ومن ثم نثر عطره الفواح ، الذى وصل لأنفها وإستطاعت إستنشاقه كأنه جالساً بجوارها على الفراش ، فأغمضت عينيها بعدما رآته يستدير إليها
جعدت جبينها ما أن بدأت تشعر بتلك الأنفاس التى لفحت جانب وجهها وعنقها ، فإلتفتت فجأة برأسها ، وجدته قريباً منها منحنياً إليها برأسه ، حتى رآت أدق تفاصيل وجهه ، كأنهما على وشك تبادل العناق ،فأزاحت جسدها قليلاً لكى تفصل أنفاسهما عن بعضها البعض ، وعقدت حاجبيها قائلة بإرتياب :
– فى إيه
أسند راسل مرفقه للوسائد ووضع رأسه على كف يده المضموم قائلاً بإبتسامة هادئة:
– مفيش حاجة أنا كنت هقولك إن خارج رايح المستشفى عايزة منى حاجة قبل ما أمشى
أولته ظهرها وردت قائلة بجفاء :
– مش عايزة منك حاجة وخد الباب فى إيدك
مد يده الحرة وجذب ذراعها مما جعلها تعود وتستلقى على ظهرها ، ومن ثم قبض على فكها قائلاً بمشاكسة :
– طب مفيش مع السلامة يا حبيبى ولا هاتلنا بطيخة معاك وأنت جاى ولا فينو ولا لانشون
إستلقت حياء على شقها الأيمن بحيث كانت بمواجهته ، ووضعت يدها أسفل رأسها ورمقته بعينان أرتسم بهما سخرية متناغمة مع حديثها :
– هو أنت مالك كده بقيت ظريف وبتحب تقلش ، فجأتنى الصراحة بحس الدعابة اللى عندك ، بس للأسف مبيضحكنيش ، فمش عيزاك تتعب نفسك وتحاول تضحكنى
حتى وإن كان يبدو لها ممازحاً بحديثه ، فلا تعلم أى شعور بدائى لديه الآن يجعله يرغب فى أن يأخذها عنوة من برودها وصلابتها التى وإن كان أشاد بها بالبداية منذ مجيئه ، الا أنه لم يعد يطيق بأن تكون بجواره وتسلبه أنفاسه وخفقاته وتمنعه حتى من أن يضع يده عليها كأى زوج تشتعل به نيران الشوق لزوجته ويريد وصالها ، لعلها تكتشف بعد ذلك عمق مشاعرها تجاهه وأن كل ما تفعله لم يكن سوى مقاومة هشة ، ولكنه يضبط أعصابه بقوة هائلة لكى لا تفزع منه ، كونه مازال متذكرا ً تلك الليلة على الشاطىء عندما أراد وصالها رغماً عنها فكانت بين يديه كقطعة من الجليد وأشبه بالجثة الهامدة وهذا ما يكرهه كثيراً ، أن يرى بعينيها أنها لا ترغب بوصاله ، رغم أنها بين يديه لم تمنعه أو تقاتله ، ولكن طريقتها تلك أشد قسوة من أن تحاربه أو تتقاتل معه بضراوة
ترك الفراش وإستقام بوقفته قائلاً بهدوء :
– سلام يا حياء
– مع ألف سلامة يا حبيبى
هتفت حياء بعبارتها وهى تريد أن تجعلها رداً ساخراً ، لعلها تساهم بفوران دماءه ، إلا أن العبارة خرجت منها بكل ما تكنه له بقلبها ، خاصة الكلمة الختامية بها ، والتى إشتاقت لقولها أشد الإشتياق ولكن هو الذى مازال مصراً على تجاهل فضولها حول أسباب وجود ساندرا والطفل
خرج راسل من الغرفة وهو يتنهد تنهيدات خرجت منه محمولة على أجنحة اليأس ونفاذ الصبر ، إلا أنه حاول صرف تفكيره عن كل هذا قبل أن يصل لمشفاه حتى لا يتشتت ذهنه
وصل للمشفى وبدأ بممارسة مهامه اليومية حتى تم إستدعاه من قبل إحدى الممرضات الجدد لأجل جراحة عاجلة لشخص مصاب بطلقات نارية تقدر بطلقتان إحداهما فى الكتف والأخرى فى الصدر ، فإستعد على الفور وطلب من الممرضة بأن تخبر ميس فور وصولها بأن تأتى لغرفة الجراحة
فلم يكد يمر عشر دقائق حتى رآت الممرضة ميس وهى بصدد الدخول لغرفة مكتب راسل ، فأقترب منها قائلة بتهذيب:
– دكتورة ميس ، دكتور راسل طالب حضرتك فى أوضة العمليات ، قالى أقولك أول ما توصلى علشان تساعديه فى العملية
هزت ميس رأسها وردت قائلة بهدوء:
– تمام هجهز نفسى وهروح ليه حالاً
بعد أن أنهت إستعدادها من حيث إرتداء الزى والقفازين والقناع الطبى ، ولجت غرفة الجراحة وهى تشد قفازيها قليلاً ، إلا أنها رآت راسل يحدق بها بعينان متسعتان ، كأنه لم يضع بباله أن تأتى الآن ، أو أنه لم يكن يريد رؤيتها بهذا الوقت ، فقطبت حاجبيها ، وقطعت المسافة القصيرة من باب الغرفة حتى السرير المستلقى عليه المريض ، ووقفت قبالة راسل على الجانب الأخر ، فنظرت إليه ومن ثم شخصت ببصرها لذلك الجرح الذى طفرت منه الدماء بغزارة جعلتها تجفل قليلاً ويعمل مبضع راسل على توسيعه ليستطع إخراج الرصاصة من ذلك المكان الدقيق بصدر المريض ، الذى يبدو عليه أنه ينازع على أن يبقى على قيد الحياة ، و بات الخطر يحدق به ، وربما ينفذ قضاء الله به ولن يستطع راسل إنقاذه ، فيبدو أن المصاب فى النزع الأخير له ، ومن ثم سترفع راية الفشل والاخفاق فى الإبقاء على حياته
فما كادت تمعن النظر فى وجه المريض ، حتى جفت كل قطرة دماء بعروقها ، ولم تعى إلا وهى تصرخ بإسمه بصوت عالى حتى كادت تشعر بتلف أحبالها الصوتية :
– عمراااااااااان
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية