-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 14

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب



الفصل الرابع عشر

الجزء الأول

"منافس الطاووس"


أومأت حياء برأسها دلالة على أنها ستجعل مطلب والد زوجها قيد التنفيذ ، فآه لو كان بإمكانها قراءة أفكار راسل وتعلم ما يفكر به ، ويبدو أنه لم يستحب تلك اللهجة الودودة التى تحدثت بها عن أدم ، وما جعلها تتيقن أكثر من إنزعاجه وضيقه تلك التقطيبة ذات الخطوط العميقة والعريضة التى رسمها على جبينه وعيناه المتقدتان بالنيران ، فليذق نتاج أفعاله ، ويتجرع من كأس الألم ، الذى أسقاه لها حتى القطرة الأخيرة به ، وليتلظى بنيران الغيظ حتى يفقد قدرته على التفكير ، لعلها بذلك ترد له ولو جزء بسيط مما فعله بها ، ليته يعلم تلك الحالة التى وصلت إليها من أفعاله معها ، فقلبها الحنون والذى لم يكن يحتوى إلا على الحب والنقاء ، صار يتحالف مع عقلها فى أن تكف عن كونها فتاة عاطفية ولا بد لها من أن تسرق من الزمن بسمتها وسعادتها وألا تنتظر أن يأتيانها ، بل ستكون طامعة وجشعة بأخذ حقها ونصيبها من الدنيا ، فهى لم تربح شيئاً من طيبتها وسذاجتها سوى ذلك الحال الذى وصلت إليه 


أخرجت هاتفها من جيب ثوبها الفضفاض ، وبحثت بالهاتف عن صور أدم على مواقع التواصل الإجتماعى وما أن وجدت صوره التى حفل بها محرك البحث جوجل ، مدت يدها بالهاتف لعاصم وهى تقول باسمة :

– هو ده أدم ، هو طبعاً الكل يعرفه بإسم أدم جوزيف ، هتلاقى كل الصور والمعلومات عنه


بلهفة لم يستطع أن يداريها أخذ عاصم الهاتف منها ، وظل يتصفح الصور وبعض المعلومات الخاصة عنه ، ومن شدة لهفته أن يعرف من يكون ذلك الشاب الذى أدعى أنه إبنه ظل محتفظاً بهاتف حياء بين يديه وأمام عيناه التى راحت تلتهم الأسطر التى جاءت تعريفاً عن ذلك المطرب المحبوب فى فرنسا . ومضة من السعادة لم تخفيها عيناه جعلت حياء تتيقن من سعادته بكونه يرى إبن له بمثل هذه الوسامة والشعبية ، فترك مكانه وأقترب من عمه ليريه  الصور وهو يقول بإعجاب حقيقى :

– شايف يا عمى دا وسيم فعلاً زى حياء ما قالت ومشهور كمان 


أخذ رياض الهاتف من يده ونظر للهاتف بتفحص ، ولكنه لم يكن متسرعاً فى إبداء مشاعره كإبن شقيقه ، فرد قائلاً بهدوء :

– أه يا عاصم هو فعلاً الله أكبر عليه شاب وسيم ، بس بلاش الفرحة تاخدك كده لحد ما نشوف إيه الحكاية بالظبط وييجى ونعمل تحليل DNA


أخذت حياء الهاتف من يد والد زوجها ونهضت من مكانها وأقتربت من راسل ورفعت يدها بالهاتف لتجعله ليرى صورة أدم وهو يحمل الجيتار ويبدو بها أكثر وسامة ، فهتفت به بصوت منخفض :

– يا خسارة يا راسل لو طلع أدم فعلاً إبن عاصم النعمانى ، هياخد إهتمام الكل منك وأنت هتبقى راحت عليك ، حتى باباك هيبقى عنده فضول أنه يعرف مين الوريث الجديد للعيلة


ألتوى ثغر راسل ورد قائلاً بسخرية :

– مش فارقة كتير يا حياء ، رياض النعمانى من زمان وهو عنده البديل ليا فى كل حاجة ، يعنى أدم أو غيره مش هتفرق ، بتلعبى على الوتر الغلط 


غمزته بإحدى عينيه قائلة بنبرة عابثة :

– بس أدم بيلعب على الوتر المظبوط ، وعازف جيتار هايل هيعجبك صوته وخصوصاً لما يغنى 


فإن لم يكن يعلم طباعها جيداً ، لكان ظن أنها تحاول التلميح له بأن ربما أيامه القادمة ستحمل له مفاجأت غير سارة ، وأن وجود ذلك الشاب فى المنزل سيفضى بالنهاية لشئ لم يكن يضع بباله وحسبانه ، ولكن هو على تمام الثقة واليقين ، بأن حياء ليست تلك الفتاة التى بإمكانها تجاوز الحد اللازم لها فى التعامل مع الأخرين ، بل دائماً ما تضع حدود لها ولا تتخطاها وربما ذلك نابعاً من تربيتها ونشئتها السليمة التى تحتم عليها الإلتزام بالأداب الواجبة بين الرجال والنساء حتى وإن كانوا يعيشون مع بعضهم البعض تحت سقف واحد يجمعهم


قطب حاجبيه متسائلاً:

– تقصدى إيه بكلامك ده يا حياء ؟ 


إبتسمت بسخرية وردت قائلة بعدم إكتراث :

– بكرة تفهم لوحدك يا دكتور 


هز راسل كتفيه وما لبث أن قال بلامبالاة :

– وأنا مستنى بكرة بتاعكم ده يا حياء ، هطلع بقى أخد شاور وأنزل أتعشى قبل ما نفسى تتسد أكتر من كده


هزت حياء رأسها قائلة بتأسف وتأثر مزيف :

– يا خسارة نفسك أتسدت وأنا قولتلهم يعملولك رز بلبن علشان أنت بتحبه وإحتفالاً بأنك بقيت عمو للمرة التانية ، أصل أظن أدم لازم يحترمك ما أنت أكبر منه بحوالى ١٣ سنة ولازم يقولك يا عمو 


مط راسل شفتيه وأولاها ظهره خارجاً من غرفة المعيشة ، فوضعت يدها على فمها لتكتم صوت ضحكتها بصعوبة وهى تراه يسرع بخطواته ليصعد الدرج حتى كاد يخطئ موضع قدمه ويسقط على وجهه 


كست ملامح الجدية وجهها ومن ثم عادت لمكانها قريباً من والد زوجها ، فإن كانت منذ قليل إستمتعت بإثارة أعصاب زوجها بذكرها مجئ فرد جديد للعائلة ، إلا أنها تشفق على غزل بعد معرفتها بذلك الأمر 


رمقت عاصم وتساءلت بترقب :

– بس أنت هتعمل إيه مع غزل ؟ لأن أظن لما تعرف مش هتكون مبسوطة خالص 


تبخر كل شئ وعاد لما كان عليه من التفكير بشأن رد فعل زوجته بعد علمها بشأن أدم ، حتى وإن كان ليس متيقناً من نسب ذلك الشاب له ، إلا أن من داخله يتمنى لو كان ولده ، خاصة أنه لم ينجب حتى الآن ، ولم يكن له أولاداً يحملون إسمه وكنيته ، ولكن كل ذلك لا يجب أن ينسيه كيف سيكون شعور زوجته ومحبوبته ، والتى يعلم خير العلم أنها تعشقه ولم تغفر له ما حدث فى الماضى ، إلا بعد تيقنها من أنه وقع بالفخ سهواً ، ولكن أن ترى نتيحة لذلك ليس بالشئ الهين ، حتى وإن كانت متيقنة من براءته وأنه لم يفعل ذلك بإرادة ورغبة منه 


وضع عاصم وجهه بين راحتيه وغمغم بنبرة مختلجة بالخوف من رد فعل زوجته :

– مش عارفة أعمل إيه أو أقولها إزاى ، أنا أكتر واحد عارف غزل وعارف أن زعلها وحش 


عادوا وصمتوا من جديد ، ولم يسمع أحد منهم صوتاً إلا صوت بندول ساعة الجدار الضخمة وصوت نقرات عصا رياض على الأرض ، فهم لم يتمكنوا من كشف سر راسل حتى جاءتهم مفاجئة أخرى تتطلب منهم إهتمامهم وتركيزهم 


خرج رياض عن صمته وقال بصوته الرصين كالعادة :

– أنا عايز اللى فى البيت كلهم يجتمعوا بعد العشا ، عايز الصغير والكبير 


ازاحت حياء يدها التى كانت تستند بوجهها عليها وتساءلت :

– وأنت عايزهم ليه يا عمى ؟ علشان تقولهم على الموضوع ؟


هز رياض رأسه بالإيجاب ، فالأمر لن يظل سرًا وقتًا طويلاً ، لذلك من الأفضل أن يكون أفراد العائلة جميعهم على علم به ، حتى يستطيع كل فرد منهم إبداء رد فعله ، وعندما يحين مجئ أدم ويتأكدون من نسبه للعائلة تكون نفوسهم هدأت ، حتى لا يثار مشهد درامى أو مأساوى إذا علموا بالأمر دفعة واحدة 


لم يجرأ عاصم على الدخول لغرفة نومه ورؤية زوجته قبل ذلك الإجتماع الذى سيعده عمه ، لذلك فضل الجلوس معه يتشاوران بهدوء ، فى حين أن حياء صعدت لغرفتها حتى يحين موعد العشاء والإجتماع ولتجرى تلك المحادثة بينها وبين أدم وتخبره أن رياض النعمانى يريد مقابلته على وجه السرعة 


بعد إنتهاءها من إستعدادها للنزول وتناول العشاء ، أخذت هاتفها وفكرت فى أن تتحدث مع أدم عبر إحدى مواقع التواصل الإجتماعى وتمنت لو أن يجيبها بسرعة


فما كادت تبعث له بالرسالة النصية التى مفاداها أنها هى حياء وتريده بأمر هام ، حتى سمعت صوت رنين هاتفها برقم من خارج مصر 


–ألو حياء ، أنا أدم 

هتف بها بنبرة مختلجة بسعادة كونها هى من بادرت بالإتصال به ، ويتحرق شوقاً لمعرفة ذلك الأمر الهام الذى تريده من أجله


ردت حياء بصوتها الهادئ :

– أهلاً أدم ، كويس أنك أتصلت عليا بسرعة ، أنا كنت عايزة أقولك أن قولت لباباك عاصم وعمى ورياض النعمانى على اللى قولتهولى وأنك أنت بتقول إن أنت إبن عاصم النعمانى وهم طلبوا تيجى إسكندرية ويشوفوك


أنتظرت رده على ما أخبرته به ، ولكن تأخر بالرد ، فعادت مستطردة :

– أدم أنت سمعتنى ، ساكت ليه ومردتش عليا 


سمعت حياء صوت زفرة عميقة منه تلاها صوته وهو يقول بيأس :

– ليه قولتلهم حياء ، أنا مش عايز أظهر فى حياتهم ويحصل مشاكل ، أنا قولتلك أنتى بس 


وضعت حياء إبهامها بين شفتيها وقضمت ظفرها ومن ثم عادت تقول بتشجيع :

– أدم لو أنت فعلاً إبن عاصم ، هو من حقه يعرف وخصوصاً أنه معندوش أولاد حالياً ، ثم متقلقش كبير عيلة النعمانى راجل حكيم وذكى وهو هيتكفل بحل الموضوع لو ثبت نسبك ليهم ، فعلشان كده لو تقدر تيجى فى أقرب وقت تعال 


لم تدوم حيرته طويلاً ، إذ رد قائلاً بإبتهاج :

– أنا هاجى إسكندرية حياء ، هاجى فى أقرب وقت سلام


❈-❈-❈

أنتهت المكالمة بين حياء وأدم ، فإستشعرت مدى سعادته بأنه سيأتى ويقابل والده ، فكم غريبة تلك الحياة ، يدور البشر فى فلك لا ينتهى ، وكل منهم ربما يتقاسم ظروفه مع شخص أخر ، يعانى ما يعانيه ولكن بنكهة ومذاق أخر 

خرج راسل من غرفته ورآى حياء قادمة عبر الردهة وتنظر بهاتفها ويبدو أنها بطريقها لتهبط الدرج ، فإصطدم بها متعمداً . شهقت حياء بخوف ، كونها لم تنتبه لوجوده ، وما أن وجدها بين ذراعيه ويديه حول خصرها ، شد عليه برفق 


فسحبت يديه وأفلتت نفسها من بينهما وهى تقول بإشمئزاز :

– إيدك يا دكتور ، يووه هضطر أخد شاور تانى 


رفع راسل حاجبه وشفته العليا وهو يقول بتسلية :

–شاور علشان لمستك بالغلط طب لو حضنتك هتعملى إيه هتغيرى جلدك 


إبتسمت حياء وردت قائلة بلامبالاة :

– لاء كنت هكسرلك إيدك يا راسل 


قبض راسل على فكها وقال بنبرة تفيض بالإثارة :

– قطتى الصغيرة كبرت و بقت شرسة قوى وعنيفة 


– هو أنت لسه شوفت حاجة 

قالت حياء وما أن لبثت أن رفعت قدمها وركلته بساقه مسببة له ألماً خاصة بحذاءها الأنثوى


ولم تكتفى بذلك بل جذبته من ياقة قميصه بغتة وهى تقول بإنتصار :

– إستعد علشان تقابل المنافس ليك يا طاووس يا مغرور 


طوقها بإحدى ذراعيه ورفعها عن الأرض وأسرع الخطى تجاه غرفته ، ولم يفلتها رغم ضرباتها المتلاحقة على كتفيه وظهره ، وما أن وصل الغرفة ، أطلق سراحها من بين ذراعه ، لعله يعتق نفسه من لسعات راحتيها وأسنانها التى تشبه لسعات النحل 


غطى الإحمرار وجهها وتتابعت أنفاسها بغيظ من فعلته ، فصرخت فى وجهه وهى تقول بسخط :

– إيه اللى أنت عملته ده ، إزاى تشيلنى كده وتحط إيدك عليا كمان 


نظر إليها بطرف عيـناه قائلاً بنبرة تفيض بالغيرة :

– إيه حكاية أدم ده كمان وأنتى أساساً تعرفيه منين ، باين من كلامك أنك شوفتيه وتعرفيه ، أنا مرضيتش أسألك قدامهم ، فقوليلى إيه الحكاية يا حياء ، قولى عرفتيه إزاى


مدت سبابتها ونقرت أسفل ذقنه وهى تقول ببرود :

– وأنت مالك يا راسل ، هو أنا بسألك على حاجة علشان تيجى أنت تسألنى ، كل واحد فينا حر فى حياته ، وطالما إحنا تقريباً بقينا منفصلين فاضل بس حضرتك تطلقنى ، يبقى خلاص كل واحد يخليه فى حاله 


قبض على سبابتها بكفه ، ولا تنكر شعور الألم الذى داهمها من كونه كاد يسحق إصبعها ، إلا أنها ظلت ترد نظراته النارية لها بنظرات باردة وغير مبالية ، تكاد لو أن كان بإمكانها إقتلاع عيناه التى دائمًا ما تتسبب فى تشتيت ذهنها ، ولكنها تعلمت مؤخراً كيف يمكنها أن تظهر عكس ما تخفيه ، فإن كان القلب متقدًا بالنيران ، فالوجه والنظرات باردة كإحدى العواصف الثلجية 


رغماً عنها قضمت شفتها السفلى من شعورها بالألم ، فأفلت إصبعها من بين كفه ، وظنت أنه سيتركها بحالها لتخرج من الغرفة ، ولكن أثناء إنشغالها بتدليك إصبعها وجدته يجلس على طرف فراشها وضم كفيه متسائلاً بإلحاح :

– أنا سألتك سؤال ، يبقى تجاوبى عليه يا حياء ، لأن أنتى عرفانى صبرى بينفذ بسرعة وصدقينى مش هتبقى مبسطوطة من اللى ممكن اعمله دلوقتى


لم ترد جواباً على حديثه أو سؤاله ، بل ظلت تنظر لسبابتها وتحركه لتتأكد من أنه لم يصبه إلتواء من قبضته القاسية ، وما أن طال صمتها وجدته يجذبها من ذراعها بغتة حتى سقطت بجواره على الفراش ، وقبل أن تعى على ما يفعله وجدته يطل عليها بوجهه من علياء ، مقيدًا لحركاتها وسد عليها منافذ الهرب منه 


إتسعت حدقتيها بفزع وحركت رأسها يميناً ويساراً ، حتى لا تمنحه الفرصة بعناقها ، وكلما أفرطت فى حركتها يعود ويحكم سيطرته عليها 


فهتفت به بصوت مختنق :

– سيبنى وإبعد عنى 


– هششش إهدى وإسكتى يا حياء 

قال وهو يعنفها برفق حتى تكف عن حركتها المفرطة ، ولكنها لم تستمع لما يقوله ، وعادت لدفاعها المستميت بأن تتحرر منه ، ولكن لم تزدها محاولتها سوى الشعور بالألم الناتج عن إحكامه لسيطرته عليها ، فلم تجد سوى إستخدام الحيلة والخداع 


أطلقت آنات خافتة وهى تقول بأنين وصوت خافت كأن ألمها نابعاً من عدم قدرتها على مجابهته:

– أنت وجعتنى وهتكسرلى إيدى يا راسل 


ما أن ختمت حديثها ذاكرة إسمه بلكنتها الجذابة حتى وجدته يفلت يديها المكبلتان أعلى رأسها ، وظنت أنه سيبتعد عنها ويترك لها مساحة كافية لأن تستقيم بجلستها، ولكن جاءها قيد أخر ، إذ وجدته يضع رأسه على كتفها وهو يقول بحنين وإشتياق :

– وحشنى أحط راسى على كتفك وأشكيلك عن وجعى ، وحشتينى أوى يا روحى


– أنت اللى بعتنى وبعت كل اللى كان بينا 

قالتها حياء بتأثر وإنفعال وهى تحملق بسقف الغرفة ، معنفة ذاتها على تجمع تلك العبرات بعينيها ما أن سمعت نبرة صوته المتعبة 


ولم تكتفى بذلك بل مدت ذراعيها ودفعته عنها وإستقامت بوقفتها مستأنفة حديثها :

– متجيش دلوقتى يا راسل وتلعب دور الضحية مش لايق عليك 


خرجت من الغرفة وهبطت الدرج وجدت أفراد العائلة مجتمعين حول المائدة ، فأخذت مكانها وبعد ثلاث دقائق وجدت راسل قادماً وجلس هو الأخر على مقعده ، وظلت طوال وقت العشاء تتحاشى النظر إليه ، فى حين أنه هو لم يرفع عيناه عنها 


وما أن رُفعت الأطباق من على المائدة ، هتف رياض بهم قائلاً بأمر :

– أنا عايزكم كلكم فى أوضة الصالون ، فى حاجة عايز أقولكم عليها 


ردت ميس قائلة بإهتمام:

– خير يا جدو فى إيه ؟ أنا كمان كنت عايزة أقولكم على حاجة مهمة 


أماء رياض برأسه لها ، لعل يساهم حديث ميس بمنحه الوقت الكافى ، قبل أن يلقى عليهم ما لديه ، سبقهم بمشيته وتبعه الباقيين ، وما أن وصل لغرفة المعيشة الكبيرة ، جلس على أريكته المفضلة ، داعياً عاصم وغزل بأن يجلسان قريباً منه ، بينما جلس الأخرون على باقى المقاعد الوثيرة ، وفضلت سجود الجلوس على ساقىّ راسل ، ولكن لاحظت حياء بأن وفاء تجلس بمكان بعيد عنه ، بل أنها لم تنظر إليه أو توجه له كلمة ، وأنتبهت على ذلك منذ ذلك اليوم الذى تحدثتا به سوياً وقطع عليها راسل إسترسالها بحديثها 


أشار رياض لميس بأن تخبرهم بما لديها ، فطافت نظراتها بوجوههم وأبتلعت لعابها وقالت بجدية تتنافى مع حقيقة الأمر المتفق عليه بينها وبين عمران ، إذ لم تملك الشجاعة الكافية لتخبرهم بأنها جعلت شرط عودتها لزوجها أن يقومان بعمل حقن مجهرى لتعود وتحمل طفلاً فى أحشاءها من جديد  :

– هو الموضوع يا جدو إن أنا وعمران هنرجع لبعض تانى بس الأول همهد لرجوعى ليه بأن نعمل فترة خطوبة بينا لحد ما أقدر أسامحه ونرجع لبعض تانى


أول من أبدى رد فعل على ما سمعه من ميس كان راسل ، إذ حاول كبت ضحكته لما سمعه منها ، فرمقته بغضب وصاحت به مستاءة :

– أنت بتضحك على إيه يا راسل ، هو أنا قولت حاجة تضحك أوى كده 


إبتسم لها ورد قائلاً بهدوء:

– أنا مش قصدى حاجة على فكرة ، أنا بس إستغربت من اللى قولتيه ، تتخطبوا وأنتوا متجوزين ، وهو عمران وافق على كده عادى يعنى 


رمقته حياء بنظرة مستاءة وقالت بسخرية رداً على قوله :

– على الأقل بيحاولوا أنهم يصلحوا حياتهم ، مش زى ناس مش شاطرين غير أنهم يخربوا علاقاتهم بكل اللى حواليهم ومفكرين إنهم هم بس اللى صح وبيفهموا ، مع أنهم عارفين أنهم غلطانين


قبل راسل رأس إبنته ورد قائلاً بسماجة :

– وأنتى بتلقحى بكلامك ده على مين يا حياء 


رآى رياض أن يفض النقاش بينهم قبل أن تتحول جلستهم لمشادة كلامية هو بغنى عنها بوقته الحالى ، فدب الأرض بعصاه قائلاً بأمر :

– ياريت كلكم تسكتوا ، مش هتتخنقوا وأنا قاعد كمان ، وإن كان على اللى قولتيه يا ميس لو أنتى وجوزك موافقين وشايفين أن ده هيصلح حياتكم ماشى مفيش مشكلة ، بس ليه عمران مجاش يقابلنى ويقولى 


تركت ميس مكانها وأقتربت من جدها وقبلته وهى تقول بإبتسامة:

– هو كان هيجيلك بس قولتله لما أقولكم أنا الأول وبعدين هو يجيلك يا جدو ، يعنى سابنى أنا أمهدلكم الموضوع 


عادت ونظرت لوالدتها التى لم يبدو منها رداً على ما سمعته بشأن عودتها لزوجها ، فإزدردت ميس لعابها وسألتها بإرتياب :

– وأنتى يا ماما رأيك إيه 


خصتها سوزانا بنظرة هادئة بعدما تبادلت حديث الأعين الصامت مع عمها ، فهى ما أن سمعت رآى رياض بما قالته ميس ، علمت أنها لن تستطيع أن تبدى إعتراضًا أو رفضاً إذا أصدر كبير العائلة رآيه بذلك الصدد


فشبكت يديها وردت قائلة بنبرة فاترة على غير العادة بشأن أى أمر يخص إبنتها :

– اللى يريحك يا ميس إعمليه ، بس متجيش بعد كده وتندمى ولا تقولى ياريتنى ما رجعتله 


❈-❈-❈

أنتشل صوت سوزانا وردها الفاتر إنتباه غزل الشاردة ، إذ كانت جالسة تفكر فى سبب إجتماع ساكنىّ المنزل ، ولكن ما أن شعرت بردها البارد الذى يخص فى المقام الأول إبن شقيقها ، كان ذلك أدعى لأن تحدق بها بإهتمام بالغ وردت قائلة مدافعة عن عمران من تلميح سوزانا المبطن الذى يدور حول معتقدها بأن زوج إبنتها همجى :


– وإيه اللى يخليها تندم يا سوزانا على فكرة عمران مش زى ما أنتى متخيلاه ده حنين جدا وإذا كان على اللى حصل منه أكيد بسبب أنه إنفعل وياما بيحصل بين الراجل ومراته وأظن ميس خدت وقتها كفاية فى أنها تعرفه غلطه فى حقها 


لم تستساغ سوزانا دفاع غزل المستميت عن عمران ومحاولتها لإبراز خصاله الحميدة ، فإستياءها العارم مما فعله بحق إبنتها جعلها تتخذ قرارها بأنها لن تغفر له ما فعله بها ، فهتفت بحدة ممزوجة بالسخرية :

– ومين هيشهدله غيرك يا غزل ما هو علشان إبن أخوكى بتدافعى عنه ، بس متنسيش إن بنتى برضه تبقى بنت أخت جوزك ، ولازم تبقى خايفة على مصلحتها


–بس بقى أنتى وهى خلصنا من الكلام فى الموضوع ده ، أنتوا مالكم كده النهارة نفسكم تتخانقوا مع بعض ، أنا مش عايز أسمع كلمة من حد فيكم لحد ما أخلص كلامى فاهمين كلكم 


صاح رياض بقوله بعدما رآى أن الحديث بينهما سيأخذ منحنى أخر غير مُرضى ، فهو قد وصل لحافة صبره من أحاديثهم الجانبية والتى ستجعله ينسى سبب إجتماعهم اليوم ، فبعد نجاحه بفض النقاش المحتدم بين حياء وراسل وميس ، جاء حديث سوزانا وغزل ليصل لأوج غضبه منهم ، فما بالهم اليوم يريدون جميعهم الشجار فيما بينهم ، حريصين على أن يكون متوارياً خلف أحاديثهم الساخرة


دلك رياض جبهته كأن شعر بصداع مفاجئ ،فأشفق عليه عاصم والذى لم ينبس بكلمة منذ جلوسه بجواره ، كأنه يختزن كل حديثه من أجل تلك اللحظات العصبية التى ستأتيه ما أن تسمع غزل بما سيتفوه به عمه ، ولكن لم يدوم إنتظاره طويلاً ، إذ سمع صوت حمحمة خفيفة من عمه وما لبث أن قال بهدوء وحرص على أن يقول ما لديه وألا يصدر أحد منهم رد فعل قبل إنتهاءه من حديثه :

–الموضوع اللى جمعتكم علشانه النهاردة ، هو إن عرفنا بالصدفة إن فى شاب فرنسى مغنى كان هنا فى إسكندرية ، بيقول إنه يقربلنا وإنه من عيلة النعمانى وإن عاصم يبقى أبوه ، وأنا طلبت ييجى هنا علشان نعرف الحقيقة


بما أن راسل على علم مسبق بذلك الأمر ، لم يصدر منه رد فعل ، بل ظل جالساً يداعب إبنته التى لم تهتم بما يدور سوى إنها جالسة على ساقىّ أبيها ، فحتى طولها وعمرها الذى يقارب السابعة الآن لم يمنعاها من التخلى عن تلك العادة ، ولكنها إرتعدت بين ذراعى والدها ما أن سمعت صيحة الإحتجاج من غزل 


فرمقت أبيها بذعر وتساءلت:

– هو فى إيه يا بابى طنط غزل بتزعق ليه كده 


ربت عليها راسل قائلاً بإبتسامة هادئة:

– مفيش حاجة يا حبيبة بابى روحى إلعبى مع ساجد وساندرا 


إمتثلت الصغيرة لقوله ، خاصة أن ساندرا بعد إنتهاء العشاء وعلمها بأن رياض يريد الإجتماع بأفراد عائلته ، ذهبت بالصغير لغرفته ، فهى لا تمت بصلة لتلك العائلة سوى أن أحد أفرادها قدم لها يد العون والمساعدة فى أشد أوقاتها الحالكة التى كانت فيها بحاجة إلى المساعدة ، ولا يجمعها براسل سوى الإمتنان لصنيعه بحقها وحق صغيرها ، وقبل أن يوجه لها أحد منهم كلمة ، كانت تنسحب بهدوء لغرفة الصغير 


بعد ذهاب إبنته عاد ببصره لغزل التى راحت تهتف بزوجها متسائلة بذهول ووجه ممتقع :

– إيه الكلام ده يا عاصم ؟ هو عمى بيتكلم جد ؟


لم يكن يتمنى أن يقع بمأزق معها مرة أخرى ، فبالمرة الأولى دام الفراق بينهما إثنان وعشرون عاماً ، فماذا ستفعل معه الآن بعد علمها بأن لديه إبناً من تلك المرأة ؟


حدق فى وجهها قائلاً بهدوء ينافى ذلك الخوف بداخله :

– غزل إحنا لسه منعرفش إذا كان فعلاً إبنى أو لاء ، عمى حب يقولكم علشان لو فرضاً طلع إبنى يكون عندكم خبر ، لأن ده موضوع مش هينفع يتسكت عليه ، وبرضه لسه مش متأكدين ده كله إفتراضات


ظنت ما أن توجه سؤالها له ، ستسمع منه ما يجعل قلبها يطمأن وأن ما سمعته ما هو إلا دعابة أو مزحة ليس أكثر ، ولكن أن يتحدث معها هكذا بهدوء ويزوغ بعيناه عن عينيها حتى لا يلتقوا سوياً وترى نظرته الراغبة فى أن يكون حقاً ذلك الشاب المزعوم هو إبنه ، خاصة أنه حتى الأن لم يرزق بأبناء منها ، وها هى قد جاءته الفرصة دون أدنى جُهد منه ولن يخسر شيئاً سوى أن يمنح ذلك الشاب إسمه وبذلك يصبح إبناً شرعياً 


ولكن ماذا عنها هى ؟ 


خذلتها قدميها فسقطت جالسة مكانها ، وعيناها دامعتان ومتسعتان تحملق فى وجه زوجها لعله يقول شيئاً ينفى تلك الحقيقة التى رآتها بازغة فى عينيه وعلى وجهه . حركت رأسها ببطئ كأنها تحاول القيام بتلك المهمة التى رآتها مستعصية عليه ، ولكن هل سينفى رفضها لتصديق ما أخبرهم به رياض حقيقة أن ربما فى القريب العاجل سترى خطيئة زوجها بالماضى ، حتى وإن لم يكن أقدم على فعلها بإرادته 


تابع قراءة الفصل