-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 18 - 2

 

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثامن عشر

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈




لم تفكر مرتين بالأمر ، إذ أخذت الهاتف من على الكومود وأجرت إتصالاً بوالدتها ، التى جاءها صوتها متلهفاً وهى تقول بحنان أمومى طاغى :

- حبيبة قلبي عاملة إيه دلوقتى وحشانى أوى والنونو عامل إيه ؟


أجابتها هند بصفاء صوتها العذب وهى تمسد بيدها على بطنها التى لم تظهر بها علامات الحمل بعد :

- الحمد لله يا ماما نحمد ربنا أنا تمام أنتوا اللى وحشتونى أوى 


عادت والدتها تقول بصوتها الحانى :

-لولا إن باباكى اليومين دول مشغول فى الشغل كنت جتلك على طول ، وقالى هيخلص شغله فى أقرب وقت ونجيلك علشان نشوفكم ، دا من ساعة ما عرف والدنيا مش سيعاه من الفرحة وبيحاول يخلص شغله بسرعة علشان نجيلك بس نعمل ايه فى شغل السياسة اللى واخد كل وقته


إستشعرت هند صدق نبرات صوت والدتها ومدى لهفتها بأن تراها ، وهذا ما جعلها تتشجع قليلاً بقولها ، محاولة الحفاظ على توازن نبراتها التى خشيت أن يظهر إرتجافها مدى ذلك الشعور بالقلق المستبد بقلبها :


- ماما كنت عايزة أقولك على حاجة وكمان ليا طلب عندك 


فهى حتى الآن لم تخبرهما بشأن أحوالها الصحية التى تستدعى الراحة التامة بالفراش ، من أجل الحفاظ على جنينها ، كونها أنها لم ترى داعِ لأن تثير قلقهما ، إلا أنها الآن لم تجد ضرر من أن تخبر والدتها وتوصيها بألا تخبر أباها حتى لا تثير قلقه عليها ، لعلمها بحب أبيها الشديد وتعلقه بها وبحثه عن كل سبل الراحة لها ، وتخشى إذا علم بشئ بأن يصر عليها بأن تعود لمنزله لحين ميعاد وضعها لطفلها ، وهى لا تريد ذلك ، أو أن تقضى أشهر الحمل بعيداً عن زوجها ولا تراه إلا بعطلات قصيرة ، فعلى الرغم من أن إقامتهما معاً فى الوقت الحالى والتى ستمتد لبضعة أشهر ، بدت كأنهما أشقاء أو صديقين ، إلا أن ذلك أهون عليها من أن تظل أيام طوال من دون رؤيته أو أن يكون بجوارها عندما تخلد لنومها أو تستيقظ منه ، فذلك الأمر مرفوض رفضاً باتاً ، فهى لن تقيم بمكان إلا إذا كان هو معها ، وترى أنه من حقها أن تنعم بتدليله لها أثناء حملها وأن ترى حماسه وترقبه لرؤية مولودهما ، لذلك شعرت بالراحة بعد سماع والدتها تخبرها بأنها سترسل لها الخادمة بأقرب وقت ، على أن توافيها هى وأبيها بعدما ينتهى من أعماله وأعباءه السياسية ، وبعد إنتهاء المكالمة وضعت هند الهاتف بمكانه ، وبخطوات حذرة ذهبت للمرحاض ، وبعد إنتهاءها من روتينها اليومى ، عادت للفراش وبدأت تتناول إفطارها بإبتسامة ومن حين لأخر تمسد على بطنها وتتحدث مع جنينها وتشاهد التلفاز أو تتصفح الهاتف ، لعل الوقت ينتهي بسرعة ويعود زوجها. 

❈-❈-❈


ليلة أخرى يقضيها برفقتها تحت ضوء القمر ، والذى ألقى بنوره الفضى على سطح ماء المسبح الموجود بالباحة الخلفية للمنزل ، تأجج الشوق بقلبه من إختلاسهما تلك الأوقات بعيداً عن أعين الجميع ، ولم تدخر هى جهداً فى زيادة وقود أشواقه ، ولا يعلم هل تفعل ذلك بجهل منها أم ماذا ، فبدا كأنه يجلس على حافة سكين حاد ، مطالباً أن يكون حذراً بمعاملتها وبذات الوقت يحاول إلجام مشاعره الثائرة ، والتى ينفلت عقالها ما أن تنادى بإسمه ، الذى يخرج من بين شفتيها المكتنزتين كنغمة عذبة ، فيتركها تتحدث كيفما تشاء ولا يسمع نصف ماتتفوه به لإنشغاله بتأملها وتركيز بصره على خروج حروفها من فمها السخى ، القادر على إغواءه وقتما تريد ، حاول تنظيم أفكاره وإعادتها لمسارها الصحيح بأن ينتبه على ما تتحدث بشأنه ، إلا أنه صار بارعاً فى إظهار فشله فى فعل ذلك ، بأنه ما أن يجيبها على سؤال إستطاع إلتقاطه من بين حديثها ، يعود وتأخذه أفكاره حول رد فعلها إذا أقدم على عناقها ، أو أن تتركه يضع رأسه على كتفها ويخبرها عن شعوره القاتل بالوحدة 


تلك التنهيدات الحارة التى خرجت منه تحمل على أجنحتها مدى لوعته ، وصلت لأذنيها بوضوح ، فرمقته بقلق لتستوضح سبب فعله لذلك :

- مالك يا عمران فى إيه ؟ أنت النهاردة مش على طبيعتك خالص 


داعب رأسها الجميل ومرر أنامله على وجهها قائلاً بلطف :

- مفيش حاجة يا حبيبتى ، مقولتليش الدكتور قالك إيه على نتائج التحاليل بتاعتى 


وضعت ميس قدميها بالماء ، ورفعت رأسها تنظر للسماء ، التى أختفى بها القمر خلف إحدى السُحب ، مما أثار بقلبها إنقباض لم تستطع تفسيره ، ولكنها ردت قائلة بهدوء :

- بيقول التحاليل كلها كويسة ، فاضل بس يحدد الميعاد المناسب للعملية يعنى تقريباً ممكن تبقى بعد أسبوع أو عشر أيام 


هز عمران رأسه ولم يعد يفه بكلمة ، فتعجبت ميس من حاله ، الذى لم يكن على مايرام باليوميين الماضيين ، فهو إن لم تحدثه يظل صامتاً كأنه يفكر بأمر يشغله ، وعندما تسأله يخبرها بأن كل شئ على ما يرام وأنه فقط يشعر بإرهاق من كثرة العمل ، فما أن أنتهى وقت جلستهما ، تركها على مضض ليعود إلى منزله ولكن أحزنه أنها لن تكون برفقته عندما يعود لغرفته 


اليوم التالى صباحاً ، أغلق عمران الملف الثالث من تلك الملفات التى وضعها أمامه شقيقه معتصم ، والتى أحتوت على أرباحهم من إدارة الفنادق والمطاعم ، فالأرباح يتم تقسيمها بالتساوى ويأخذ كل منهم نصيبه ، والنقود الخاصة بغزل يتم وضعها بحسابها البنكى ، نظراً لأنها منذ علمها بخبر حملها وهى لم تعد تأتى للعمل ، ويقوم كل من عمران ومعتصم بمهامها ، بل وإنهما يضعانها بالمقدمة 


سمعا صوت جلبة أمام المكتب ، فخرجا يستطلعا ما يحدث وعلام تلك الصيحات التى يبدو عليها أنها لفتاة أو إمرأة ، خرج عمران يتبعه معتصم ، فوجد إمرأة من العاملات بخدمة الغرف تتشاجر مع رئيسها المباشر فى العمل 


صاح عمران بصوته قليلاً متسائلاً:

- فى إيه ليه الصوت العالى ده أنتوا فاكرين نفسكم فين هنا ؟


إلتفتت إليه المرأة الباكية ،بل أنحنت على يده محاولة تقبيلها وهى تقول بغصة :

- عمران بيه الحمد لله إن شوفت حضرتك ، هم كانوا مانعينى من إن أقابلك وقالولى أنك مش فاضى علشان كده كنت بتخانق علشان عايزة أقابلك


سحب عمران يده قبل أن تمسها وتساءل بإرتياب من حالتها وإصرارها على مقابلته :

- كنت عيزانى فى إيه ؟ خير 


مسحت المرأة وجهها بكفيها ونظرت حولها وجدت معتصم وذلك الرجل مازالا واقفان ، فشعرت بالخجل منهما ورغبت بأن تحدثه على إنفراد ، فلم يرد عمران مطلبها وجعلها تسبقه لغرفة مكتبه وأخبر معتصم بالذهاب للمصرف لإنهاء بعض التعاملات البنكية وصرف الرجل الأخر لعمله ، وبعد ذهابهما ولج لغرفة مكتبه وجدها تقف أمام المكتب تفرك يديها وتمسح وجهها من حين لآخر ، فدعاها للجلوس علها تخبره بذلك الأمر الهام الذى تريده من أجله 


جلست المرأة ومازالت تفرك كفيها حتى صارا باطنهما بلون الدم من كثرة فركهما وتخضب وجهها بدماء الخجل الذى لم يخلو من الرهبة لكونها تتحدث مع صاحب العمل وجهها لوجهه ، إلا أن عمران حثها برفق ان تقول ما لديها ، فبدأت حديثها قائلة بصوت خفيض ولكن كافياً لأن يسمعه عمران بوضوح :


- الموضوع إن حضرتك أنا عندى إبن مكملش ٣ سنين ومحتاج عملية ضرورى وهتتكلف فلوس كتير ، وأنا وجوزى على قد حالنا ومش معانا فلوس العملية ، فكرت أخد قرض من البنك بس البنك عايز ضمان وإحنا محلتناش أى حاجة ، فقولت أقول لحضرتك لو ممكن أخد القرض من حضرتك وأمضيلك على شيكات أو حتى أشتغل من غير فلوس ، بس المهم إبنى يعيش أنا معنديش غيره ، الله يباركلك يا عمران بيه توافق 


ظلت تتوسله ، حتى رفع عمران يده ليجعلها تصمت لعله يقول ما لديه ، فنهرها قائلاً برفق ولين :

- طب إهدى بس وخلينى أتكلم ، إن كان على إبنك أنا متكفل بعمليته وعلاجه وهخلى أشطر جراح هنا فى إسكندرية يعملهاله هو يبقى عم مراتى وهى كمان دكتورة جراحة ومش هيمانعوا أبدًا ، أنتى بس ودى إبنك على مستشفى الرحمة ، وهتلاقى إن شاء الله اللى يستقبله ويعمله اللازم متشليش هم ، أنا هكلمهم حالاً


أشرق وجه المرأة بسماع ما قاله ، بل ظلت تدعو له وتثنى على أخلاقه الكريمة والطيبة ، ولم تنتظر دقيقة أخرى بعدما أخبرها عمران بالذهاب لمنزلها وجلب طفلها لمشفى راسل ، بل إنه ذهب معها ليصطحب الطفل وزوجها بعدما أخبر ميس بالقصة كاملة وهى بدورها ستخبر راسل 


فبعد بضعة ساعات كان عمران جالساً برواق المشفى ينظر لتلك المرأة وزوجها ، الذى رآه يسير على عكازين وعلى الرغم من ذلك لسانه لم يكف عن الشكر والحمد لله ، وعلم أيضاً أنه ليس لديه مصدر دخل ثابت ولذلك إضطرت زوجته للخروج إلى العمل لكى تساهم بالإنفاق على متطلبات الحياة ، فأخذ عمران قراره بأن يجعله يعمل لديه بأحد الفنادق الخاصة به 


خرج من تأمله لهما بعدما سمع صوت ميس وهى تقترب منهما قائلة بإبتسامة :

- الحمد لله إبنكم بخير وهو هيتنقل العناية وشوية وتقدروا تشفوه وألف حمد الله على سلامته


صاحت المرأة بسعادة ونظرت لزوجها ، الذى بادلها إبتسامتها بإبتسامة شاكرة لله ، ولم تكتفى بذلك بل أقترب من ميس وإحتضنتها قائلة بإمتنان :

- شكراً ليكى يا دكتورة ميس ربنا يبارك فيكى ويباركلك فى عمران بيه وفي أولادكم ، جميلكم ده فى رقبتنا


ربتت ميس على ظهر المرأة وإبتسمت إبتسامة خفيفة وهى تنظر لزوجها ، الذى يبدو عليه إنه إستمع لدعوة المرأة الخاصة بأطفالهم الذين لم يولدوا بعد ، وبعد ذهابها هى وزوجها للوقوف أمام تلك الغرفة التى سيتم نقل طفلهما إليها 


أقتربت ميس من عمران وجلست على المقعد المجاور له وتساءلت :

- مالك يا عمران حاسة زى ما يكون فى حاجة مضيقاك ؟


إبتسم عمران إبتسامة بدون مرح ورد قائلاً بما يشبه الإرهاق :

- مش عارف اليومين دول حاسس إن مخنوق من غير سبب ، زى ما يكون فى هم على قلبى مش عارف ليه ، أنا هروح البيت دلوقتى وهبقى أكلمك سلام 


نهض عمران عن مقعده وذهب دون أن يفه بكلمة أخرى ، حتى إنه لم يستمع لردها ، كأنه شعر بالإختناق ولم يعد بالإمكان أن يحد من ذلك الشعور 


وصل لسيارته المصفوفة أمام المشفى وما أن صعد إليها ، لم يفكر بأن يقودها ليعود إلى المنزل كما أخبر زوجته ، بل ظل جالساً خلف المقود يزفر زفرات متتابعة لعله يعيد تنظيم أنفاسه الحائرة ، فذلك الشعور الذى جثم على صدره وقلبه فجأة ، جعله يشعر بخوف مبهم ، ولا يعلم علام خوفه ، ولكن كأن الأيام القادمة تحمل له مفاجأت لم يضعها بحسبانه يوماً ، ولكنها ستكون مفاجأت غير سارة على الإطلاق ، ولم يراوده ذلك الشعور ، إلا من بعد عودة ليالى ، حاملة معها نوائب وكوارث ، وإن لم يأخذ حذره منها ، سيكون هو الخاسر لا محالة ، فبعد أن رآى أنه بحالة جيدة نسبياً ، قاد سيارته حتى وصل بها للمنزل ، والذى لم يجد به أحد ، وأخبرته إحدى الخادمات أن معتصم إصطحب ولاء ومراد من أجل الزيارة الأسبوعية لوالدة زوجته ، فصعد لغرفته وحل رابطة عنقه وخلع عن سترته وأرتمى على فراشه دون أن يفكر فى إستبدال ثياب العمل

❈-❈-❈


لم تراه والدته يشعر بكل هذا الحماس والترقب من قبل ، فدائماً ما كانت تراه متجهم الوجه عابس الملامح ، خاصة إذا رآها برفقة زوجها ، وظلت العلاقة بينهما قائمة على الفتور والجحود الخفى منه ، رغم محاولته الظهور بمظهر الإبن البار خاصة بتلك الآونة ليوهم أنسباءه الجدد بأن علاقة الإبن ووالدته على خير ما يرام ، ولم تنكر إبتهاجها بأن تراه على وشك إقامة حفل زفافه ، وربما نزعتها الفطرية كأم ترى إبنها وقد صار شاباً وبصدد الزواج ، هى ما جعلتها تحاول مد جسور الود بينهما ، حتى وإن كانت على علم بأنه لن يكلف نفسه عناء بناء تلك الجسور أو مدها أو حتى عبورها ليصل إليها ، ولكنها لم تجد ضرر من المحاولة ، وكم أدهشتها لطافته عندما أخبرها بشأن إصطحابه لها لذلك المطعم ، الذى تم دعوة أسرة خطيبته لتناول الغداء به والتنزه حتى المساء 


أغلق عمرو أزرار قميصه قائلاً والحماس ملأ صوته :

- أخيراً هشوف سهى من غير ما أشوف إبن عمها السمج 


لم تأتى دعوته تلك إلا من أجل رؤيته لسهى خارج منزلها ودون أن يرى حاتم إبن عمها ، الذى أصبح لا يفوت مناسبة لقدومه إليها ، إلا وأن يكون حاضراً ، كأنه لا يريده أن يلتقى بها قبل أن يساهم بفوران دماءه خاصة بقصصه ونكاته السخيفة ، التى يقصد من باطنها إهانته بالمقام الأول 


خرج من غرفته وهبط الدرج ووجه يطفح بالبشر ، وجد والدته فى إنتظاره ، فهتف بها بلطف:

- يلا بينا يا ماما علشان منتأخرش 


أنهى عبارته وسبقها فى الخروج من باب المنزل ، قاصداً المرآب ليأخذ سيارته ، ولكن فسرت والدته فعلته تلك أنه عاد لجفاءه وفتوره معها ، فتبعته بصمت وإستقلت السيارة فى المقعد المجاور له ، اخرج هاتفه واجرى إتصالاً بسهى ، يخبرها أنه كاد أن يصل للمطعم ، وأخبرته هى بدورها أنهم سيصلون فى غضون عشر دقائق 


وصل عمرو المطعم وجلس على أحد مقاعد تلك الطاولة ، التى تم حجزها من أجلهم ، وما أن رفع بصره لباب المطعم وجدها تلج وهى تتأبط ذراع والدها ، وزوجة أبيها تصطحب الصغيران ، ولكن أختفت إبتسامته بلمح البصر ، عندما أبصر حاتم يأتى من خلفهم ، فتهدلت قسمات وجهه ، و ملأه الغضب ، إلا أنه حاول السيطرة على إنفعالاته حتى يمر اليوم بسلام 


- أهلا يا عمى نورتوا المكان

قالها عمرو وهو يصافح والد خطيبته ، ومن ثم صافح حاتم ببرود ، وتبادلت سهى وزوجة أبيها التحية معه ومع والدته التى قبلتها على وجنتيها ترحيباً برؤيتها لها ، خاصة أنها لم تراها سوى مرات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة 


أقترب حاتم من والدة عمرو قائلاً بإبتسامة جذابة ، ولكن يضمر بها الخبث ، لعلمه بأن ما سيقوله سيساهم بتعكير صفو مزاج عمرو:

- أهلا بحضرتك ، هو أنتى تبقى أخته ، حاسس إن شوفتك قبل كده


إبتسمت والدة عمرو لإطراءه الذى بدا لطيفاً من شاب مثله ، ولكنها ردت قائلة بهدوء :

- لاء أنا مامته ، وأكيد شوفتى يوم خطوبة سهى وعمرو ، مش أنت حاتم إبن عمها برضه ، أنا فكراك كويس 


- ده من حسن حظى إنك فكرانى لدلوقتى 


نطق حاتم بعبارته همساً حريصاً على أن تسمعه هى فقط ، دون أن يصل صوته لمسامع ذلك الذى بدا مشغولاً بالترحيب بأسرة خطيبته 


فضل حاتم الجلوس بالمقعد المجاور لها ، وجلس والد سهى بجوار زوجته وجلست سهى بجوار والدة عمرو على الطرف الأخر وجلس عمرو على رأس الطاولة 


مال برأسه قليلاً متسائلاً بهمس لا يخلو من الضيق :

- هو إيه اللى جاب إبن عمك ده معاكم ؟ أنا معزمتوش 


توترت سهى ما أن سمعت قوله وخشيت سماع والدها لما قاله ، خاصة أنها تعلم أى محبة مكنونة لديه تجاه إبن شقيقه ، فنظرت لعمرو قائلة بذات الهمس :

- إهدى شوية لبابا يسمعك ، هو لقانا خارجين قال أنه هييجى معانا ، فمش معقول هنقوله لاء متجيش 


- بنى أدم سمج ، مش عارف إبن عمك ده مستحملينه إزاى 

هتف عمرو بضيق وهو رافعاً شفته العليا بإشمئزاز واضح ، إلا أنه عاد مغمغماً بأسف ما أن رآها تطرق برأسها ملتزمة الصمت بعد عبارته التى تفوه بها :

- سورى يا سهى مش قصدى حاجة ، متزعليش منى 


هزت رأسها دلالة على أنها لن تعطى الأمر أهمية أكثر من ذلك ، فحاولت أن تبتهج بدعوته لهم ، وما أن أنتهوا من تناول الطعام ، أقترح عمرو عليهم التنزه قليلاً والذهاب للسينما ، فقبلوا أقتراحه بسرور ، ولكن يبدو عليه أنه غفل عن والدته وذلك الذى جلس بجوارها فى قاعة عرض الأفلام ، ولم ينتبه أحد عليهما ، إذ أندمج كل فرد منهم فى مشاهدة الفيلم المعروض على تلك الشاشة الكبيرة 


أدنى حاتم برأسه من والدة عمرو مازحاً بصوت خافت :

- تلاقيكى النهاردة أضايقتى منى خالص صح 


إبتسمت له وردت قائلة بلطف :

- لا أبداً أنت شخصية لطيفة جدا يا حاتم وشاب مهذب وجنتل مان 


لم يشعر بالإطمئنان إلا بسبب الإنارة الخافتة ، فقال بنبرة صوت وضع بها كل ما يمكن أن يجعلها تشعر بالخجل من إطراءه :

- أنا أول ما شوفتك ما صدقتش أبداً أنك والدة عمرو ، اللى يشوفك ميصدقش أنك أم وعندك إبن كبير كده ، دا أكيد اتجوزتى وخلفتى عمرو وأنتى صغيرة جدا 


ظل الحديث بينهما قائماً على المنوال ذاته من أنه لا يتردد فى إخبارها عن مدى جمالها وأناقتها ، وهى تتقبل إطراءه بإبتسامات لطيفة وخجولة ، حتى أنتهت الأمسية وخرجوا من السينما ، ولم يتردد حاتم فى التجرأ بأن يطلب منها رقم هاتفها للإطمئنان عليها من وقت لأخر ، متذرعاً بأنهما بعد أيام قلائل سيصبحان أقرباء وستمتد أواصر المعرفة بينهما ، بعد زواج إبنة عمه من إبنها الوحيد 


بعد بضعة أيام ....


ثوب زفافها الذى أرسل إليها فى اليوم الأخير بإختباراتها الجامعية ، صار يتلألأ لونه المائل للون الفضى ، بعدما أرتدته وظلت تدور حول نفسها ويتطاير حولها نسمات الهواء المحمولة برائحة عطر أخاذ ، دمعت عينىّ زوجة أبيها وهى تراها قد أنهت زينتها وبصدد الذهاب لتلك القاعة المقام بها حفل زفافها ، فاليوم أدت مهمتها ووفت بذلك الوعد الذى وعدته لوالدة سهى ، بأنها ستظل ترعاها حتى تخرج من بيت أبيها وتذهب لمنزل زوجها ، رآتها سهى وهى تحاول إخفاء دموعها عنها ، فأقتربت منها خطوتان ولم يمنعها من الإقتراب أكثر دون إنحناءها بجزعها العلوى سوى ثوبها الثقيل ، فأخذت يديها بين راحتيها وشدت عليهما بإمتنان ، ولم تكتفى بذلك ، بل رفعت يد زوجة أبيها وقبلت باطنها إعترافاً منها بجميلها ، كونها تحملت سخافتها بعد زواجها من والدها ، وأنها حاولت الحفاظ على عهدها مع أمها الراحلة 


- ألف مبروك يا حبيبتى ، ربنا يتمم بخير يارب


أدنت زوجة أبيها منها وقبلت جبينها قبلة محبة ومن ثم إحتضنتها بحنان ، وظلتا هكذا حتى سمعتا صوت أبيها الذى جاء ليصطحبها لعقد القرآن ومن ثم يبدأ حفل الزفاف ، الذى حرص عمرو على أن يكون لائقاً برجل الأعمال الشاب الذى ذاع صيته بالسنوات القليلة الماضية 


نظر إليها أبيها وهى تتأبط ذراعه فقال باسماً:

- مليون مبروك يا حبيبتى ربنا يسعدك يارب 


وصلوا لتلك القاعة التى سيتم بها عقد القران ، فأطلقت زوجة أبيها الزغاريد بصوت صادح ، مما جعل ساقىّ سهى ترتخيان فجأة ، كأنهما ستضعفان أمام حمل جسدها ، وتلك الرجفة سكنت أوصالها من شعورها بالترقب ، أو أنها مازالت غير واعية لما يحدث لها من موافقتها على الزواج من ذلك الوسيم ، أو من أنها ستصبح زوجة لشاب حمل جزء من ماضيه بعض الشبهات التي تجعل أى فتاة بكامل قواها العقلية ، تفكر ألف مرة قبل أن تقترن به 


تأملها عمرو لبضع لحظات ونظر لوالدها قائلاً بحماس :

- يلا بينا يا عمى نكتب الكتاب 


جلس عمرو على الطرف الأخر من تلك الأريكة العريضة ، ومد يده ووضعها بيد والد سهى وما لبث أن شرع المأذون بعقد القران ، الذى مر وقته عليها كأنه ثوانِ معدودة ، حتى قال المأذون جملته الشهيرة ومن ثم أدركت أنهما صارا زوجاً وزوجة 


أزدردت لعابها ما أن رأته يقف أمامها ويمد يده لها لكى تنهض من مقعدها ، خشيت أن ترفع وجهها وتتمعن النظر به ، حتى وإن كان يحق لها الآن أن تنظر إليه كيفما يشاء ، بل أن ما حصلت عليه من مميزات بعد عقد قرانهما وذلك الحفل الذى على وشك أن يبدأ ، لابد أن يصرف عنها خوفها وخجلها ، إلا أنها لم يبدو عليها أنها ستعتاد بسهولة أمر أنه صار زوجها ، ومما جعل حلقها يجف أكثر وتزداد مرارة الخوف به ، تلك القبلة المتمهلة التى وضعها على مقدمة رأسها ، مما جعلها تغمض عينيها وهى تستشعر دفئه الوشيك منها وهما كادا يلتصقان ، ولكنها أمتنت لأبيها ، إذ سمعت صوته مهنئاً لهما ، فأسرعت فى الإرتماء بين ذراعيه وعيناها دامعتان ، كأنها بالدقيقة التالية سترجوه بأن يصطحبها معه للمنزل ، لكى تعود لغرفتها القديمة خشية أن لا تعتاد المكوث فى بيت زوجها 


أنفض المشهد العاطفى بين العروس وعائلتها ، بأن بدأ حفل الزفاف ولم تجد مفر من أداء الرقصة الأولى لهما ، والتى بدت وكأنهما مغرمان ببعضهما البعض منذ علم كل منهما معنى أن يخفق القلب لأجل أحداً بعينه ، ولم تنكر أنها إستمتعت كثيراً بتملكه الظاهر للعيان من إحكام ساعديه حولها يلصقها به ويضمها إليه أكثر فأكثر كلما وقع بصره على إبن عمها الواقف بجوار أبيها ويتابعهما بصمت مطبق وملامح خالية من مظاهر الفرح 


فهمست له بتوتر :

- عمرو كفاية كده ، الناس بتبص علينا 


إبتسم عمرو لها ومن ثم رمق إبن عمها بطرف عينيه قائلاً بلهجة المنتصر :

- فى إيه يا حبيبتى ، النهاردة فرحنا وأنا إستنيت اللحظة دى بقالى كتير 


لم يحيد بعيناه عن إبن عم زوجته ، الذى رفض هو الأخر أن يشيح بوجهه عنهما ، بل ظل يحدق فى عمرو بتقييم ، ليجد سبباً لتفضيل إبنة عمه له ورفضها للزواج منه هو ، فإبتسم فجأة بسخرية لعله يثير أعصاب عمرو ، كأنه ينبأه أن لولا وسامته وماله ، لن يجد فتاة تقبل به ، وربما كان سيكون هو عريس تلك الليلة ويظفر بإبنة عمه ، فبعد إنتهاء رقصتهما وجلوسهما ، أقترب منهما مهنئاً بفظاظة :


- ألف مبروك يا عريس ، عرفت تختار ، بس يا ترى بنت عمى عرفت تختار ولا المظاهر زغللت عينيها خلتها متعرفش تشوف كويس 


نظرت سهى حولها بإرتباك من حديث إبن عمها الفظ ، والذى لم تراه يوماً بتلك الحالة ، بل كان دائماً هادئ الطباع خلوقاً بحديثه ، إلا أنه اليوم كأنه شخص أخر غير ذلك الذى أعتادت أن تراه 


سريان الدم الحار بعروق عمرو ، جعله يشعر بأن هناك سيل عارم من السباب والإهانات قادماً الآن من فمه وسيقصد أذنىّ إبن عم زوجته ، وربما تلك الليلة ستنتهى نهاية غير مستحبة لأحد غير ذلك الواقف أمامه يناظره ببرود ، كأنه أخذ سهى منه عنوة 


ترك عمرو مكانه ، وقبض على ذراعه محاولاً أن يبتسم ، لكى لا يثير ريبة أحد من المدعويين ، فكز على أسنانه قائلاً بإبتسامة صفراء :

- أنا شايف أن إحنا محتاجين نتعرف على بعض ونتكلم شوية 


ما أن إبتعدا حتى جلسن بعض صديقات سهى بجوارها ، وهذا ما جعلها لا تعلم أين ذهب زوجها برفقة إبن عمها ، إذ كانت مشغولة بإلتقاط الصور برفقة صديقاتها 


ففى أحد أركان القاعة الفسيحة والتى عم بها الهدوء نسبياً لانشغال الضيوف والمدعوين بفقرات الحفل ، وقف عمرو قبالته قائلاً بسخط :

- أنت عايز إيه بالظبط ، وليه كلامك ده اللى ملوش أى لازمة 


عقد حاتم ذراعيه أمام صدره قائلاً بحنق بالغ :

- وأنا هعوز منك إيه ، أنت اللى مش عارف طلعتلى منين وضحكت على عقل سهى ، أشترتها بفلوسك و.....


رفع عمرو سبابته محذراً من أن لا يزيد حرف أخر ، فأجابه بسخرية :

- وليه متقولش إن بنت عمك فضلتنى عليك ، وأنا لحد دلوقتى لسه فاكر لما أنت حبيت تفركش خطوبتنا يوم ما اتخطبنا وده اللى بتحاول تعمله دلوقتى ، بس علشان خاطر سهى وباباها أنا هضطر أستحملك ، فمتخلنيش أفقد أعصابى بسرعة أحسن لك يعنى ، ودلوقتى أنا بقيت جوز بنت عمك ، فلازم تحترم نفسك


ضحك حاتم بصوت عالى حتى دمعت عيناه ، فتعجب عمرو وإندهش من رد فعله الغير مبرر ، خاصة أن الحديث بينهما لا يتضمن ما يستحق الضحك ، بل حوى تهديداً صريحاً من عمرو بأنه ربما يقدم على إيذاءه إن لم يلتزم بالرابط الجديد بينه وبينهم 


فأدنى حاتم برأسه من عمرو هامساً بشماتة :

- لو أنت بقيت جوز بنت عمى ، فأنا بقيت جوز أمك، دى طلعت رخيصة أوى ومخدتش فى إيدى غلوة 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة