-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 22 - 2

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثاني والعشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة


أسندت ليالى ظهرها لمقعدها ولوت ثغرها وهى تقول ببرود محاولة منها فى مضايقته :

– مبحبش اللمون أصله أصفر زيك 


تقدم بخطواته منها وأشار للرجل بالخروج ، وما أن أوصد الباب خلفه ، راح يركل الطاولة وكل ما يقابله من أثاث ، ولم يجد حاجة لبذل المزيد من الجهد ليحطمه ، فالأثاث متهالك وكأنه بإنتظار ركلاته العشوائية ليصير كومة من الخشب 


بعدما أنتهى أقترب منها وقبض على ياقة بلوزتها قائلاً بشر :

– برضه مش هتقولى الألماظ فين يا ليالى ، أنطقى أحسن ما أطلع روحك 


رفعت يدها ومررت سبابتها على وجنته وأدنت برأسها من أذنه وهمست له بإصرار :

– لو عملت إيه برضه مش هقولك هو فين الألماظ هسيبك بنارك كده وأنت مش هتقدر تقتلنى لأن محدش فى الدنيا دى يعرف مكانه غيرى ، وأنت دورت فى بيتى وخطفتنى وبرضه ملقتهوش فمتتعبش نفسك علشان مش هقولك ، وأحسنلك تخلينى أمشى من هنا 


جذب شعرها بقبضة قوية ، حتى كادت تشعر بأنه سيقتلعه من جذوره ، فصرخت بصوت منخفض ، إلا أنه لم تأخذه الشفقة عليها ، بل كز على أسنانه قائلاً بنبرة كريهة :

– أنتى نسيتى نفسك يا ليالى ، دا أنا اللى عملتك يا بتاعه أنتى ، فاكرة لما شوفتك أول مرة مكنش حيلتك حاجة غير الهدوم اللى عليكى ، نضفتك وعملتك بنى أدمة ، وجوزتك راجل بيتاجر فى الألماس وبيلعب بالفلوس لعب ، وفى الآخر تطلعى ناكرة للجميل


ضحكت ليالى بصوت عالى ، كأنه ألقى عليها مزحة أو دعابة ، فسمعها تقول بإستهزاء :

– متحسسنيش أنك راجل شريف أوى كده وفاعل خير ، ما شبكة الـ ـد عـ ـا ر ة اللى أنت بديرها بيا أنا واللى زيى هى اللى مخلياك واحد بيه وعليه القيمة ، ثم الألماس ده حقى مش ورثى من جوزى 


صفعها على وجهها حتى أنبثقت الدماء من فمها ، فهدر بصوت عالى :

– ورثك من جوزك يا بنت النصابة ، ما حال أنك أنتى اللى مموتاه بأدوية القلب اللى كان بياخدها ، أنتى مفكرة أن صدقت أنك بريئة وأن هو مات بطريقة طبيعية ، عيب عليكى يا ليالى ، دا أنا اللى رسملك الخطة من أولها لأخرها ، متجيش تضحكى على بابا يا شاطرة ، ودلوقتى قوليلى خبيتى الالماظ فين 


مسحت الدماء التى سالت على شفتيها وردت قائلة ببرود :

– برضه مش هقولك ، حتى لو قطعتنى حتت 


إستقام بوقفته واضعاً يديه بجيبى بنطاله ، ومن ثم قال بدهاء ومكر :

– يعنى مش هتقولى حتى لو قولتلك إن حبيب القلب عمران الزناتى كان فى المستشفى بعد رجالتى ما ضربوه رصاصتين ، لأن هو كمان دماغه ناشفة ومش عايز يقولى الألماظ فين ، لأن متأكد انك قولتيله على مكانه


أختفت الدماء من وجهها وتركتها شاحبة باردة أقرب للموتى ، وأرتجفت شفتيها وهى تتمتم بإسم عمران وعيناها جاحظتان وهى تحملق بوجه ذلك الرجل ، الذى يقف على بعد عدة خطوات منها ، ليأمن عدم صدور رد فعل سيعانى هو من آثاره ، خاصة أن يداها غير موثوقتان 


فصرخت به وهى تحاول فك تلك الحبال الملتفة حول باقى جسدها :

– أنت عملت فيه إيه ، وهو عامل إيه دلوقتى أنطق ، لو جراله حاجة هشرب من دمك أنت فاهم كله إلا عمران يا ابن الكلب ، هو ميعرفش حاجة عن موضوع الالماظ وملوش دعوة بأى حاجة 


سحب مقعد وجلس عليه ، بحيث كان صدره مواجها لظهر المقعد وأستند بذراعيه على حافته قائلاً بوعيد :

– لو محترمتيش لسانك ده يا ليالى هقطعولك ، وطالما أنتى كده خايفة عليه فقوليلى فين الألماظ ، وإلا المرة دى هخلص عليه خالص


تلفتت ليالى حولها بجنون ، كأنها تبحث عن أى شئ ، لكى تقذفه بوجهه ، إلا أن حركتها المقيدة منعتها من أن تمد يدها وتأخذ إحدى قطع الخشب لتحطم رأسه ، وكلما حاولت التحرك بالمقعد تزداد ضحكته علوًا ، حتى بكت من فشلها فى الدفاع عن نفسها أو تفريغ غضبها الجام عليه منذ سماعها لما حدث لعمران 


فبعد إكتفاءه من الضحك على محاولاتها الفاشلة ، نهض عن مقعده وهو يقول بنبرة المنتصر بعد رؤية تشتتها من ذلك النبأ الذى ألقاه عليا :

– أنا ماشى دلوقتى وهجيلك بكرة تكونى فكرتى فى كلامى يا ليالى يإما تقولى على عمران الزناتى يا رحمن يا رحيم سلام 


اتجه صوب باب الغرفة وخرج منه مغلقاً الباب خلفه ، ولكنها لم تجد الحارس المكلف بحراستها يلج إليها ، فيبدو أن سهمه أصاب الهدف وجعلها تتحير فى أى درب تسلكه للخروج من ذلك المأزق ، فبكت بصوت مسموع كلما تخيلت ذلك المصير الذى لقاه عمران على يد ذلك الرجل ، فهو مجرداً من كل معالم الأدمية والإنسانية ولا يضع فى باله سوى تحقيق المكاسب المالية والمادية ، دون الإلتفات للخسائر التى يتركها خلفه ، وها هى قد نالت نصيبها من حقارته ، فلو كان الأمر توقف على تعذيبه لها ، لتجلدت وتحملت، ولكن أن تطال نوايا شره الرجل الأوحد الذى لم تعشق غيره ، فذلك أدعى لأن تفكر فى التخلى عن صلابة وتيبس رأيها ورأسها ، على الرغم من أنه ما سيأخذ منها الألماس ستعود معدمة ولا تملك قرشاً واحداً ، إلا أنها لم تتردد فى أخذ قرارها بأن تخبره بما يريد عندما يأتيها بالغد ويسألها عن قرارها ، فسلامة عمران تهمها بالمقام الأول حتى وإن لن يكون لها نصيب فى أن تلتقى طرقهما سوياً ، ولكن يكفى أنه الوحيد الذى شعرت بالحب نحوه ، ومنذ أن رآته فى المرة الأولى ، لم يظهر لها نوايا الطمع بجسدها كباقى الرجال ، بل كان حنوناً عطوفاً ، ولكن عيبه الوحيد أنه متزوجاً ويعشق زوجته ، التى تمنت لو كانت تملك حظها فى أن تظفر برجل ترى أنه لا يلائمه سوى أن تعشقه حد الموت على الرغم من فقدها الأمل فى أن يكون لها فى يوم من الأيام 

❈-❈-❈

بدا وجهه الوسيم مسترخى القسمات ، تلوح على شفتيه إبتسامة منتشية ما أن وقع بصره على تلك الأوراق ، التى باتت تثبت أنه الآن شاب مسلم يحمل إسم " تميم موسى " كأنه منذ إدعائه الأول بأن هذا إسمه ، بات يروقه كثيراً ولن يفضل عنه إسماً أخر ، ويكفى أن معشوقته متذكرة إياه ولا حاجة له لأن يستبدله بأخر ، وجاءت تلك الخطوة تزامناً مع موعده بعد نصف ساعة تقريباً ، إذ سيذهب برفقة شقيقته لإعلان إسلامه ، ليضفى على أفعاله وتصرفاته السلوك القويم واللازم على إقدامه للزواج من ياسمين ، التى لن يحول بينه وبينها حائل الآن ، خاصة بعد موافقة أسرتها المبدئية بعدما علموا بما فعله من أجلها وأى عشق هذا الذى يعشقه لها ويجعله سيقدم نفسه وقلبه فداء لها على أن تكون هى زوجته وحاملة إسمه ، ورغم تلك الأوامر التى تلاقاها بأن لا يفرط فى إستخدام تلك الصلاحيات التى تم منحها له من أن يعمل على إستبدال إسمه وديانته ، إلا أنه يرى نفسه قادراً على مراوغتهم ، إذ أن تلك السنوات التى قضاها بكنف عمه أدريانو ، لم تذهب سدى ، على الرغم من أنه كان دائم الرفض والإعتراض لأن يكون ولى عهده بأعماله المشبوهة والغير مشروعة ، ولكن مؤخراً بات الأمر قهرياً ولم يجد سبيل لرفضه ، إذ ستكون الخسائر فادحة ، ولن يكون هو الخاسر الوحيد بتلك اللعبة ، بل سيتأذى كل من حوله ، وعلى رأسهم حبيبته ، التى علموا مدى أهميتها وقيمتها لديه 


– كده كله بقى تمام 


وضع هويته الجديدة بجيب سترته ، وخرج من الغرفة ، ودقائق ووجد حياء تصل للمنزل بسيارتها ، ولكنه وجدها أتية بمفردها ، ولا تتبعها سيارة الحراسة التى دائماً ما تكون بأثرها ، خرجت من السيارة ولكن رآها شاحبة حزينة ، كمن جاءت لتوها من المقابر ، أو أنها كانت بعزاء أحدهم 


تقدم منها متسائلاً بلهفة وإهتمام :

– مالك يا حياء ؟ أنتى عاملة ليه كده فى حاجة حصلت ؟ طب جوزك زعلك أو ضايقك ؟


شق الحزن قلبها ما أن أتى على ذكر زوجها ، فبما تخبره ؟ هل تخبره أن ذلك الحزن واليأس الذى خيم على أفق حياتها جاء نتيجة لحقيقة قضت على حلمها فى الحاضر وربما فى المستقبل 


أجابته بصوتها الخافت والواهن :

– مفيش حاجة ، أنا بس تعبانة شوية ، يلا بينا علشان نلحق ميعادنا ، علشان عايزة أروح البيت أرتاح 


تعجب وأندهش من حالها المزرى ، حتى أنه فكر فى إلغاء موعدهما ليعلم ما أصابها فجأة وجعلها هكذا كدمية خالية من الروح وتتصرف بآلية ، إلا أنها هى من أصرت على ذهابهما حيث سيعلن عن إعتناقه الدين الإسلامى 


تركت سيارتها وصعدت إلى سيارته التى قادها وهو يحاول من وقت لأخر أن يسألها عما أصابها هكذا فجأة وهى من كانت منذ بضعة أيام مرحة وتشعر بالحماس للذهاب معه ، ولكنها لم تعطيه جواب يريحه على اسألته المتوالية عليها ونابعة من قلقه أن يكون هناك شيئاً لا يعلمه وتسبب فى حزنها ، بل كل ما إستطاعت التفوه به أنها تعانى وعكة صحية خفيفة ربما ستزول بإلتزامها الراحة ، ولكنها لم تشأ أن تفوت تلك الفرصة من رؤيتها له وهو يتبع الديانة الإسلامية وهو الأمر الذى تمنته منذ معرفتها به وببيرى والتى تتمنى أن تفعلها هى الأخرى فى القريب العاجل 


– خلاص وصلنا يا ديفيد


هتفت به حياء ما أن وصلا لذلك المسجد الكبير ، الذى ينتظرهما به شيخان جليلان هما من سيتوليان تلك المهمة بتعريف ديفيد ما عليه أن يفعله حتى يصح إسلامه ويصبح له عقيدة وليس مسمى فقط 


ترجلت من السيارة فى حين أن ديفيد تباطئ بفعل ذلك ، كأن سعادته وحماسه بأن يحصل على ذلك اللقب الذى سيمكنه من التقرب من محبوبته انقلبا خوفاً ورهبة ، فتملك القلق منه ما أن احثته حياء على الترجل من السيارة ، خرج من سيارته ودار حولها وما أن وقف أمام باب المسجد ، بات الدم يضخ فى شرايينه بسرعة كادت تشعره بالدوار والإعياء ، إلا أن حياء التى يبدو عليها أن صبرها على وشك النفاذ ، أسرعت بجذب يده وجره خلفها حتى دخلا المسجد الخالى إلا من الشيخان الجليلان


تعجبت حياء من صمته وخطواته الثقيلة التى جعلتها تبطئ من سيرها ، فإلتفتت إليه وتساءلت وهى عاقدة حاجبيها:

– فى إيه مالك يا ديفيد ، خلتنى اجرك ورايا زى الطفل اللى مش عايز يروح المدرسة 


أزدرد ديفيد لعابه قائلاً بإبتسامة متوترة :

– لا أبداً يا حياء بس زى ما تقولى الرهبة مأثرة فيا دى أول مرة ادخل مسجد مسلمين وكمان هعلن إسلامى فقدرى حالتى 


حاولت أن تصدق قوله ، فهى لا تملك غير أن تصدقه ولتحاول تمرير ذلك الوقت حتى تعود إلى المنزل ، تقدم منهما الشيخ الأصغر سناً قائلاً ببشاشة :

– أهلا أتفضلوا إتفضل يا استاذ ....


أسرعت ديفيد قائلاً بإصرار :

– تميم ، إسمى تميم 


أشار إليه بالتقدم من الشيخ الأخر والأكبر سناً ، فإبتسم له هو الاخر قائلاً موجهاً حديثه لصديقه :

– خده الأول خليه يتوضا وعلمه إزاى الوضوء الصحيح وتعالوا ، علشان عايزه يعلن اسلامه وهو طاهر


أسرع الشيخ بتنفيذ ما طلبه ، وأشار لديفيد بأن يرافقه لذلك المكان الخاص بالضوء ، وما أن بدأ بتعليمه كيفية الوضوء ، وجد ديفيد يقول بعفوية :

– طب اتوضى ليه ما أنا واخد شاور قبل ما أجى وحاطط بيرفيوم وريحتى حلوة 


ضحك الشيخ بصوت منخفض وما لبث أن قال بتؤدة :

– الوضوء لازم ومهم علشان الصلاة ،وأنت طالما حابب أنك تبقى مسلم فلازم تتعلم أركان الإسلام ، واللى منها الصلاة واللى متمش إلا بشروط الطهارة واللى هقولك عليها وهعلمهالك


لم يجد ديفيد مفر من أن يتبع تعليماته بشأن الوضوء، وما أن أنتهيا عادا للمسجد ، فرفع الشيخ الكبير يده وأشار إليه بالجلوس أمامه ، فجلس ديفيد على ركبتيه وضم كفيه ولم يحاول أن يحملق بوجه الشيخ ، لعله يخبره بما سيقوله وينصرف على الفور 


 إبتسم الشيخ وربت على ساق ديفيد بتشجيع لعله يعيره إنتباهه ، وسرعان ما قال بخشوع :

– قول يا إبنى ورايا ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله 


جف حلق ديفيد ، وبدا كأن أحباله الصوتية انقطعت فجأة ، وكلما جاهد على أن يردد ما قاله الشيخ ، لم يخرج من فمه سوى تأتة كطفل صغير ينطق أولى حروفه وكلماته ، إلا أنه بعد محاولات عديدة منه إستطاع القول :


– أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله


ظن أن وجهه أضحى غارقاً بعرق وهمى ، بعد شعوره بأن كل عصب به قد إنتفض ما أن أنتهى من نطق الشهادتين ، وما أن بدأ الشيخان يخبرانه بأركان الإسلام ، إبتسم لهما فى حين أن عقله يركض فى كل إتجاه وما أن أنتهيا ، هب واقفاً وقال وهو يشير لحياء بالنهوض :


– أنا متشكر جدا ، وأختى هتعملنى أكتر عن الإسلام بما أن عملت أول خطوة وأعلنت إسلامى عن إذنكم


لم يفهم الشيخان سر إصراره على الذهاب هكذا بسرعة ، فى حين أن من يأتى إليهما من أجل إعتناق الإسلام يكون لديهم الحماس والرغبة والشغف فى المعرفة عن دينهم الجديد ، خلاف ذلك الشاب والذى لم تبدو على وجهه أى مظهر من مظاهر الفرح التى كانا بإنتظارها ، إلا أن الشيخ الكبير أصر على حياء بأن تحاول مساندته وأن تدله على الطريق الصحيح حتى يصبح مسلماً قولاً وفعلاً 


خرجا من المسجد وقبل أن يصلا للسيارة ، رمقته حياء بنظرة مفصلة ، كأنها تحاول إكتشاف خباياه ، فتساءلت بإلحاح :

– مالك يا ديفيد مش شيفاك مبسوط هو أنت كنت جاى غصب عنك ولا إيه ، لو أنت جيت علشان تبقى مسلم بالإسم بس علشان تتجوز البنت اللى بتقول عليها ، فأحب أقولك إن إسلامك كده مش نافع ولا هينفع ، لأن قبل ما تفكر تبقى مسلم علشان خاطر حبك لواحدة ، لازم تبقى مقتنع بقرارك وأن هتعمل ده رغبة منك فى أنك حابب فعلاً تبقى مسلم وتحب الدين نفسه ، يعنى مش تاخد الدين وسيلة علشان توصلها أتمنى تكون فهمتنى وإلا هيبقى الحال كارثى ، وصدقنى أنا عندى استعداد اقول للبنت دى حقيقتك لو أنت فعلاً مبقتش قد كلمتك ، بس المشكلة أنك لحد دلوقتى مش راضى تقولى هى مين ولا ساكنة فين 


أتسعت حدقتيه ما أن سمع تهديدها الصريح له من أنها ستشى بحقيقته لياسمين ، فهو وإن كان أرجئ أمر إخبارها بمن ستكون عروسه لحين الذهاب لخطبتها رسمياً ، فالأن لن يخبرها من تكون ، بل أنه سيعمل على إتمام زواجه دون تدخل من شقيقته ، كونه لا يريدها أن تفسد عليه سعادته ، والتى أنتظر أن تأتيه طواعية ولم يكن يفصله عنها سوى الشهادتين اللتان نطق بهما داخل المسجد وتلك الهوية الجديدة التى يحملها فى جيب سترته ، فأبتلع ريقه بإرتياب من حديث حياء معه والذى حمل عداء خفى ، كأنها عادت من جديد تشعر بتلك الفجوة من الجفاء بينهما والتى لا يعلم سببها الآن ، فمزاجها العصبى والذى دل عليه تعبيرات وجهها الحزينة منذ أن رآها وحديثها المقتضب الذى تفوهت به منذ قليل ، يخفى خلفه سبباً قوياً فى أن يجعلها تتصرف على هذا النحو ، وهما من كانت علاقتهما كشقيق وشقيقته قد حملت طابع الحب والود منذ وفاة عمهما أدريانو ، فأشار لها بالصعود إلى السيارة ، وأخبرها أنه فى الأيام القادمة سيسافر إلى صقلية لإنهاء بعد الأعمال العالقة ، بما أنه بصدد الزواج وأنه سيستقر هنا فى الإسكندرية ، وفى الحقيقة لم يكن هذا إلا كذباً قاله حتى تصرف تفكيرها عنه ، ويستطيع هو إتمام زواجه دون علمها ، وبعد أن يتم الأمر سيخبرها ولكن بعد أن تصبح ياسمين زوجة شرعية له 

❈-❈-❈

وضعت سهى أخر قطعة من ثيابها فى حقيبة السفر ، فتلك الأيام المعدودات التى قضتها برفقة زوجها بإحدى الدول الأوروبية ، قد أنتهت وحان وقت عودتهما للإسكندرية ، فكم إشتاقت لأهلها وذويها وخاصة شقيقيها ، ولكن لكى تكون منصفة بحكمها ، فالأيام القلائل التى قضتها مع عمرو وهو يحاول جعل نزهاتهما ذكرى رائعة تحملها معها وهى عائدة إلى منزلهما ، كانت من أجمل أيام عمرها ، ولم تكن تضع ببالها أن يكون زوجها على ذلك القدر الذى لا يستهان به من إغواء قلبها وقتما يريد ، على الرغم من أنه حتى الآن لم تجده يصرح عن رغبته فى إتمام زواجهما بصورة فعلية ، وربما هى ممتنة لصنيعه ، حتى تأخذ وقتها كافياً قبل أن تقدم على تلك الخطوة الهامة بحياتهما 


 حملت تلك البلورة الزجاجية الصغيرة ، التى إبتاعها لها بالأمس ، تصدر ألحاناً حالمة ، فقلبتها بين يديها لترى تلك النتف الصغيرة التى تشبه نتف الثلج وهى تتناثر على ذلك التمثال الصغير المتجسد بفتاة صغيرة تجلس بجوار شجرة وارفة الظل والأوراق ، فإبتسمت عندما تذكرت قول عمرو ، بأنها تشبه فى وداعتها تلك الفتاة داخل البلورة الزجاجية ، ولكنها تصبح أكثر خطراً وشراسة عندما تتخلى عن كل معالم الرقة والأنوثة وتجابهه بلسانها السليط وحديثها المهين 


– خلاص خلصتى يا سهى 

سألها عمرو وهو يلج الغرفة ، فإرتعدت أوصالها بخفة ومن ثم وضعت يدها على صدرها قائلة بتبرم :

– بسم الله الرحمن الرحيم ، خضتنى ، أبقى أعمل أى صوت وأنت داخل 


عقد عمرو ذراعيه أمام صدره العريض قائلاً بمشاغبة :

– وأنتى كنتى بتفكرى فى إيه كده وسرحانة علشان تتخضى 


وضعت البلورة الزجاجية على الثياب ومن ثم أغلقت سحاب الحقيبة ، فردت قائلة رغبة منها فى أن تثير حنقه قليلاً:

– أكيد مش بفكر فيك طبعاً        


جذبها إليه فجأة ، فوجدت نفسها محاصرة بين ذراعيه وصدره ، وشهقتها الخافتة دلت على أنها أرتابت من مباغتته لها بجذب ذراعها حتى وجدت نفسها بالأخير بين سجن ساعديه المعضلين ، فكم من مرة تركت عيناها تتأمل هيئته وجسده الرياضى ، الذى أختلف كثيراً عما رآته أول مرة ، كأنه يبذل جهداً كبيراً فى أداء تمارين رياضية شاقة لكى يحصل على هذا الجسد المتناسق والباعث على إثارة الدفء ما أن يضمها إليه 


أدنى برأسه منها قائلاً بصوت خافت هامس شجى :

– أنتى بتكذبى عليا صح ؟ باين فى عينيكى أنك بتكذبى ، أكيد كنتى بتفكرى فيا 


حملقت فى وجهه ومن ثم نظرت فى عمق عيناه قائلة بعذوبة :

– إيه الثقة اللى عندك دى ، دى ثقة بقى ولا غرور ؟


– لاء ممكن تقولى إن قلبى هو اللى قالى إنك بتفكرى فيا 


هتف عمرو أمام وجهها الذى لا يفصله عنه سوى إنشات قليلة ، ولكن كأن شجاعته وإقدامه مازالا يتصارعان مع ذلك الخوف الذى ملك عليه قلبه ولبه من أن يخفق فى تجربته الأولى معها ، وفى الأيام الفائتة حاول أكثر من مرة أن يهزم ذلك الخوف الذى يحول بينه وبينها ، إلا أنه كان يفشل فى النهاية ويعود ويتذكر محاولاته الماضية فى التقرب للفتيات قبل مجيئه للإسكندرية ويتذكر تحذير الطبيب ومن ثم تتوالى عليه الأفكار والذكريات ، حتى يكاد رأسه يتفتت من الشعور بالألم الناتج عن الحيرة وتلك المشاعر المتداخلة مع بعضها البعض ، ورغم ما يراه من قبول وميل لديها تجاهه ، إلا أنه ينسحب فى اللحظة الأخيرة قبل إتمام الأمر ويعود ويخبرها بأنه لايريد لها أن تتسرع فى إبداء موافقتها على إتمام زواجهما وأنه يريد منها التأكد من عواطفها ومشاعرها تجاهه حتى لا تشعر بالندم فى وقت لاحق 


تساءلت سهى بصوت ساحر ، يشتهى سماعه على الدوام :

– وقلبك مقلكش حاجة تانية ؟


كفيها الناعمين الصاعدين من ذراعيه حتى وصلا لكتفيه ، وتعلقا بهما ، جعل تلك الرجفة التى لم يجد لها سبباً تسكن جسده ، وما أن رأها تغمض عيناها وتقترب بوجهها منه ، ويبدو أنها تنتظر مبادرته للعناق ، أرخى ذراعيه عنها وقال بتوتر محاولاً إن يضفى على صوته رنة ممازحة  :


– قالى إن لازم نلحق الطيارة قبل ما تفوتنا 


تداركت حالها وحاولت نفض تلك الحالة من الوقوع تحت تأثير تلك المشاعر التى ظنت أنها تستطيع أن تثيرها به ، فعادت تلملم ثيابه تلك المرة وحاولت بلع إهانته لصد محاولتها فى التقرب منه ، إلا أنها لم تبديها له ، بل ظلت تحدثه كأن شئ لم يكن 


خرجا من الفندق فى طريقهما إلى المطار ، وما أن وصلا وأنتهيا من المعاملات الخاصة به ، لم يمر وقت طويل وأقلعت الطائرة وحاولت سهى أن تغفو قليلاً ، حتى لا تعود وتنظر إليه وتتذكر حماقتها فى أنها حاولت أن تكون أكثر ليونة فى التعامل معه 


– حمد الله على السلامة ، خلاص وصلنا يا حبيبتى


قالها عمرو وهو يداعب أنفها ليجعلها تستيقظ من نومها ، فكم بدت لطيفة وهى نائمة كأنها لم تنال قسط من الراحة منذ أيام طويلة 


فركت سهى عينيها ومن ثم تثاءبت بصوت خافت قائلة وهى تحت تأثير النعاس:

– هو الامتحان فاتتنى ؟ هى الساعة كام دلوقتى ؟


قهقه على ما تفوهت به وتفكيرها الدائم بدراستها الجامعية ، فتقريباً صار يعلم كل شئ مختص بدراسة طب الأسنان من كثرة ما حدثته عنها واعدة إياه أنه سيكون أول من تطبق عليه سنوات الدراسة ولم تتفوه بهذا إلا من باب التندر والفكاهة والمرح


نهض عن مقعده وحثها على النهوض وهو يقول باسماً:

– يلا يا سهى الطيارة وصلت وهنروح البيت 


حاولت طرد النعاس عن عينيها ، فدعاها لأن تتأبط ذراعه عوضاً عن سيرها كأنها تشعر بالثمالة ، فقبلت دعوته بسرور ، وتمنيت لو كان بإمكانه حملها لتكمل نومها على كتفه ، ولكن كيف لها بتحقيق أمنيتها وسط ذلك الحشد من الناس 


وجد عمرو أحد رجاله فى إنتظاره بجوار السيارة، وما أن رآى سيده وزوجته الصغيرة ، أسرع بالتقدم منهما مهللاً لعودتهما سالمين وأخذ الحقائب وصعدا عمرو وسهى للسيارة وجلسا بالمقعد الخلفى وقادها الحارس حتى وصلوا للمنزل 


ترجلت سهى من السيارة وولجت للداخل ، فنظرت لزوجها وتساءلت بعفوية :

– هى مامتك مش هنا ولا إيه ؟


إلتفت عمرو للحارس ، وما أن نظر إليه فهم سؤاله عن والدته دون أن يتفوه به ، فرد الرجل قائلاً بإبتسامة :

– الهانم الكبيرة فى النادى وزمانها على وصول 


أكتفى عمرو بإجابة الحارس ، وما أن أشار إليه بالانصراف ، هتف قائلاً وهو يصعد الدرج متأبطاً ذراعها :


– تعالى نرتاح شوية على ما يحضروا الأكل 


صعدت سهى معه وهى تحاول معرفة سبب ذلك الجفاء بين زوجها ووالدته ، فهى لم تراها طوال خطبتها لعمرو سوى بضعة مرات أولهما وقت مجئ عمرو لخطبتها وثانيهما وقت الخطبة ومرة ثالثة يوم الزفاف ، ففى البداية لم تهتم بشأن توطيد العلاقة بينها وبين والدته ، لظنها أنها ليست فى حاجة لفعل ذلك وأن العلاقة بينها وبين عمرو لن تدوم ، ولكن إختلف الوضع الآن وصارت هى والدة زوجها وتعيشان تحت سقف منزل واحد ، لذلك يجب عليها أن تقوم بواجبها تجاهها كزوجة إبن 


فى المساء لم يحالفها الحظ بمقابلة والدة زوجها ، بل أخبرها عمرو بأنها ذهبت إلى إحدى صديقاتها وربما ستتأخر فى العودة ، فأقترحت عليه مشاهدة أحد الأفلام قبل خلودهما للنوم ، وقبل إقتراحها بل أوصى إحدى الخادمات بإعداد ما يلزم سيدتها الجديدة 


نظرت سهى لما جاءت به الخادمة ، وقالت بحماس :

– فشار وشيبسى وحاجة ساقعة كمان ، كده أتفرج على الفيلم ونفسى مفتوحة 


طالت جلستهما اليوم عن المعتاد ، وربما ذلك عائد لشعورها بالحماس والتأثر وهى تشاهد أحد الأفلام الرومانسية والتى غالباً ما تنتهى نهاية مأساوية للعاشقين بموت أحدهما ، فرفع يده لها بالمحرمة الورقية التى لا يعلم عددها من كثرة ما ناولها من محارم لتجفف عينيها من زخات دمعاتها الحارة وهى تشاهد بطلة الفيلم وهى على فراش الموت بنهاية المشهد الدرامى ، وزادت بالأمر وعلا صوت نحيبها بعدما تيقنت من موت البطلة وكأنها إحدى قريباتها وليس أن كل هذا تمثيل ولا يمت للواقع بصلة 


ملأه الضجر ووضع يده على وجنته فى إنتظار إنتهاء نوبة بكاءها التى من الممكن أن تثير الملل والضيق بصدر أى أحد خلافاً له والذى يمارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لايثير إستياءها ، فزفر من أنفه بقلة حيلة متسائلاً:

– هى الجنازة دى هتخلص أمتى يا سهى يا حبيبتى بقالك ساعة قاعدة تعيطى ، بتهيألى أنا لو مت مش هتعيطى عليا كده


مسحت سهى مخاط أنفها الذى جاء كنتيجة طبيعية لكثرة بكاءها وردت قائلة بنبرة متقطعة :

– بـ بعد الشـ ـر عليك بس أنا كده بتأثر بسرعة ودمعتى قريبة وخصوصاً فى الأفلام الرومانسية اللى بيبقى فيها موت أو فراق


إستغل وضعها من وقوعها تحت تأثير مشاهدة الفيلم ، وأقترب بجلسته منها ، لكونها دائماً تحرص على أن يكون بينهما مسافة أمنة حتى آثناء نومهما بفراش واحد ، بدأ بمحو عبراتها التى أنهمرت بغزارة على وجنتيها اللتان أصابهما شحوب طفيف ما أن شعرت بلمسته 


ولكن لا يعلم لما نهر عقله تلك المرة من أن يرسل صافرات الإنتباه التى تطن دائماً برأسه ما أن يراها قريبة منه ، و ما أن أحس بإستسلامها التام لوطأة ذلك الشعور من الخدر الذى أصابها ، زاد بالأمر قليلاً وأقترب بوجهه منها معانقاً ، عناق عذرى يتذوقان حلاوته للمرة الأولى بحياتهما ، فزوجته الصغيرة يبدو عليها أنها راقها كثيراً عناقه لها ، والذى حرص أن تحصل عليه هادئاً يثير بالنفس الظمأ للمزيد 


ولكن لم يكن رنين هاتفه المستمر ليتركه ينعم بتلك اللحظة التى جاءته بعد عناء ، ففكر بتحطيم الهاتف لكى يكف عن رنينه المزعج ، ولكن ما أن علم بهوية المتصل ، ترك زوجته وأخذ الهاتف وخرج لشرفة الغرفة ، فخفض صوته قائلاً بعدما فتح الهاتف وسمع ما أخبره به الطرف الآخر:

– خلاص جاى جاى حالاً


خرج للغرفة وحدق بسهى التى مازالت جالسة بمكانها وتنظر إليه بخجل وإستحياء ، فى إنتظاره أن يعود ليطرب أذنيها بعبارات الغزل التى سمعتها منه بخضم عناقهما الصاخب ، ولكن  تبدلت قسمات وجهها ما أن أخبرها بأن هناك أمر طارئ يستدعى ذهابه


فهبت واقفة وسألته بإهتمام :

– إيه اللى حصل خلاك هتخرج فى وقت زى ده يا عمرو 


رد قائلاً بأول كذبة تبادرت لذهنه :

– بيقولوا فى مخزن من مخازن الشركة حصل فيه حريقة وأنا هروح أشوف فيه لأن فيه بضاعة بملايين


قطعت المسافة الفاصلة بينهما ووضعت يدها على ذراعه قائلة بإهتمام وجدية :

– أجى معاك 


حرك رآسه نفياً وما لبث أن ضمها إليه قائلاً بهدوء:

– لاء يا حبيبتى خليكى هنا ومش هتأخر عليكى 


تركها وذهب لغرفة الثياب لتبديل ثيابه المنزلية ، فأثناء إرتدائه لثيابه ظل يفكر فى تلك الكذبة التى أخبرها بها ، وهل الأمر أنطلى عليها أم لا ؟ 


يبدو عليه إنه إستغرق وقتاً أكثر من اللازم ، فما أن خرج من غرفة الثياب وجدها ترفع يدها وهى تحمل هاتفه قائلة بذهول وصدمة :

– أنت بتكذب عليا يا عمرو وكمان جوز مامتك طلع عايش يعنى هو مش ميت زى ما قولتلى ، وياترى مخبى عليا إيه تانى ؟

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة