-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 22 - 1

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثاني والعشرون

الجزء الأول

ضوء أخر النفق 

❈-❈-❈

لم يكسر حاجز الصمت القائم بينهما سوى أصوات أمواج البحر القادمة من خارج المقصورة ، ونسمات الهواء القوية التى أضحت تصفع الستائر عتاباً لها على ترك النوافذ مفتوحة على مصراعيها ، لتشهد السماء بالخارج على دمعات تلك الزوجة الجالسة على طرف الفراش وهى تحرك رأسها رفضاً لما ألقاه زوجها على مسامعها ، فى حين أنه جلس على المقعد قبالة الفراش وهو مطرق برأسه يضعها بين يديه ، كمن ذاق هزيمة منكرة ويعيد ترتيب أفكاره لكى ينسحب من أرض المعركة الملوثة بنشيج ودموع وآهات مزقت الفؤاد ، إعتراضاً على ما آلت إليه الأمور ، أغرورقت عيناه بتلك الدمعات التى آبى أن تذرف إلا بوقت عصيب كهذا ، و أليس هناك ما هو أصعب وأقسى من ذلك الوقت ، فها هو صار أمامها ككتاب مفتوح ، لن يعود ويرهقها بقراءة طلاسمه ، ولن يجديه نفعاً أن يرجئ إنكشاف الحقائق أكثر من ذلك ، فهزيمته قد باتت واقعاً ، حتى وإن لم يسمع منها بعد رداً ولا إجابة على ما تفوه به ، فجل ما فعلته أن قدميها تراختا وجلست على حافة الفراش تبكى بصدمة شلت أطرافها ومنعت عليها القدرة على الكلام 


– أنت بتقول إيه يا راسل ؟ أنت بتهزر معايا ، ولا بتحاول تكدب عليا علشان تبرر غيابك السنتين اللى فاتوا ؟


تلك هى الأسئلة التى تفوهت بها ما أن رفعت إليه عينيها الذابلتان أخيراً ، ولكى تضمن أن يكف جسدها عن الإرتجاف ، قبضت بيدها على ملأة السرير ، كمن تستمد منها قوة واهية لعلها تساهم فى التخفيف من حدة وطأة ذلك الشعور الذى سحق قلبها ، أزدردت لعابها لعلها تفلح فى أن تزيح تلك الغصة التى علقت بحلقها وجعلتها تشعر بطعم مُر كمن تناولت شيئاً لاذعاً وعلقت مرارته بجوفها وسيستلزمها وقتاً فى أن تتخلص منه 


أزاح راسل يديه عن جانبى رأسه وحدق بها بهدوء رغم أن دموعه التى ملأت مقلتيه جعلت رؤيته لها مشوشة بعض الشئ ، إلا أنه قال بعدما أطلق نفساً عميقاً حاراً:


– يعنى تفتكرى إن علشان أبرر غيابى ، أقول إن أنا ولا أنتى مش هينفع نخلف مع بعض ، أنا هحكيلك كل حاجة يا حياء ، بس أوعدينى أنك تفكرى كويس ومتنفعليش برد فعلك أو تأخدى قرارك بسرعة ، فكرى فى نفسك وحياتك ، لأن أنا فعلاً زى ما أنتى قولتى أنانى ، جه عليا الوقت اللى حاولت أتجاهل فيه الحقيقة من غير ما أعمل حساب لأى حاجة غير إن بحبك ، الحب عمانى وهو برضه اللى خلانى بعدت ، لأن مكنتش حابب أاذيكى زيادة ، أنتى من ساعة ما عرفتى إنك مش بنت عرفان الطيب ، وأنتى فى حاجة جواكى اتكسرت وجيت أنا كملت وجعك وكسرتك ، أنا مكنش لازم من البداية ادخلك العالم بتاعى اللى تقريباً مفيش فيه حاجة حلوة غير وجود سجود بنتى ، عالم كله وجع وألم وعلاقات مكسورة ومتحطمة ، عالم لسه فيه الطفل الصغير اللى كان بيجرى ورا أمه وشافها وقعت غرقانة فى دمها ، واللى فيه ابن عاش يتيم وابوه على وش الدنيا ، أنتى عارفة حتى اللى بيعمله رياض النعمانى دلوقتى وبيحاول يصلح بيه اللى كان زمان ، مش هقولك انه هيقدر ينسينى اللى حصل، للاسف جه بعد ما كل حاجة حلوة جوايا اتكسرت ، حس بغلطه بس كان الوقت اتأخر ، لأن خلاص ارجع الزمن لورا ازاى وأنسى اللى حصلى منه ازاى ، متفتكريش إن كان سهل عليا ، اشوف راجل تانى هو اللى بيحاول يكون أبويا، واحد مش من لحمه ودمه ، بس ادانى اللى مقدرش يدهولى رياض النعمانى بكل سلطته ونفوذه 


كف عن الحديث وضغط على عيناه لشعوره بإحراق الدموع لأجفانه ، ومن ثم عاد مستطرداً:


 – وأنا تقريباً عملت زيه ، وجعتك وبعدت ، خليتك سنتين عايشة فى عذاب وحتى لما رجعت كل اللى عملته إن زودت وجعك زيادة ، علشان كده متسامحيش يا حياء ، واعملى اللى يريحك ويخليكى تحسى أنك اخدتى حقك منى ، وانا هحكيلك اسبابى من وجه نظرى وأنا بشر مش ملاك وفيا سيئات كل الناس وحسناتهم ، ومش هطلب منك أنك تسامحى ، لأن مش هبقى أنانى ، ولا أحاول أفرض نفسى عليكى بأى شكل من الأشكال تانى ، أنا اتعودت إن كل حاجة حلوة فى حياتى بتنتهى بسرعة وبرجع للوجع والألم ، ورغم إن وجعى بضياعك منى هيبقى كبير ، إلا أن دى لا هتبقى أول ولا اخر مرة اعيش فى وجع وعذاب 


عدلت من وضعية جلوسها ، بحيث كان كل منهما جالساً أمام الآخر ، كإثنان على وشك البدء فى لعب الشطرنج ، لا يفصلهما سوى منضدة صغيرة ، ولكن الفارق الوحيد أن بيادق لعبتهما هى الحقائق التى سيتفوه بها ، وما عليها هى سوى أن تضع تلك الحقائق فى نصابها الصحيح


أسند راسل ظهره لمقعده ، بينما أعاد رأسه للخلف مستنداً لحافة المقعد ، وأغمض عينيه وعاد قائلاً برنة صوت متعبة لأقصى الحدود :

– طبعاً أنا عارف أنتى بتحبى الأطفال قد ايه ونفسك وحلمك أن يكون عندك إبن منى وتسميه ساجد ، وإزاى أنتى بتحبى سجود بنتى فـ


قاطعت حديثه قائلة بإنفعال لإتيانه الأن على ذكر أن سجود إبنته هو فقط :

– سجود بنتنا يا راسل ، أى نعم مش أنا اللى حملت فيها وخلفتها ، بس من ساعة ما حبيتك وأتجوزتك وأنا بعتبرها بنتى كأنها من لحمى ودمى 


رد قائلاً وهو يزفر بإرهاق :

– عارف إنك مش هتسهلى عليا الموضوع يا حياء ، بس سبينى أكمل كلامى ، وأنا عمرى ما أتمنيت لبنتى أم غيرك أنتى ، وسجود عمرها ما هتلاقى أم تحبها وتخاف عليها زيك 


أسدلت جفنيها وراحت تفرك يديها بتوتر ، كمن شعرت بسخف لمقاطعتها حديثه لترسيخ حقيقة هو من وضع أولى دعائمها ومؤمن بها أشد الإيمان والصدق ، فتجولت عيناه على محياها الرقيق ومن ثم عاد ليتابع سرده لما تبقى لديه من حديث وحقائق :


– من بعد ما عدا علينا أول شهر فى جوازنا ، بدأت ألاقى اختبارات الحمل بتاعتك فى الحمام ، وكنت بلاقيكى رمياها فى الزبالة بعد ما بتظهر النتيجة سلبية ، عرفت إنك كل شهر تقريباً بتجيبى اختبار حمل لأن نفسك تكونى حامل وتخلفى بيبى ، ومنتظرة ده يحصل بفارغ الصبر ، مع ان مكنش فات على جوازنا كتير ، وكنت دايماً بشوف فى عينيكى الإحباط لما تعرفى أن محصلش حمل وكنتى بتحاولى تدارى ده كله ورا ابتسامتك ، وتفضلى مستنية الشهر اللى بعده علشان تجربى تانى وتعملى اختبار حمل ، كان نفسى أقولك بلاش توترى نفسك كل شهر وبطلى تفكرى كتير فى موضوع الخلفة ، بس خفت تفتكرى إن بقول كده علشان مش عايز إن احنا نخلف ، او علشان انا عندى بنت فمش مستعجل يكون عندنا أطفال ،  بس كنت بقول دى مسألة وقت ، وفى يوم من الأيام هيتحقق حلمك ولما سبتينى وانا مكنتش عارف ليه و رجعتى بيت النعمانى بعد ما طلبتك فى بيت الطاعة ، دخلت أوضتك مرة لقيت تقارير وفحوصات و تحاليل  أنتى عملتيها علشان تتأكدى أنك تقدرى تخلفى وكنتى مخبية عليا الموضوع ده ، فأنا مرضتش أفاتحك فيه وفرحت أنك أطمنتى أن كل أمورك تمام ومعندكيش مشكلة فى أنك تحملى وتخلفى زى ما كنتى متوترة كده من يوم فرحنا واللى حصل فيه ، أنا كنت حاسس باللى بتفكرى فيه ، فروحت للدكتورة اللى أنتى روحتيلها وقولتلها إن أنا جوزك وخلتها تحكيلى عن حالتك بالظبط ، فقالتلى إن التحاليل والفحوصات الأولية تمام ومفيش مشكلة ، بس هى كانت طلبت منك أن أنا اعمل تحاليل لأن جايز تكون المشكلة عندى أنا ، فعملت التحاليل وطلبت منها تبلغك تيجى علشان تعملك فحص شامل بس من غير ما تقولك إن أنا روحتلها ، لأن فى الوقت ده كانت لسه المشاكل بينا ، ولما روحتى وعملتلك اللازم وشافت التحاليل بتاعتك وبتاعتى ، قالتلى على موضوع " عدم التوافق البيولوجى " فطلبت منها متقولكيش لحد ما أتأكد تانى من الموضوع 


كف عن الحديث ودلك وجنته بتوتر ، كأن ما سيقوله سيكون أكثر مرارة مما سبق له سرده ، فضغط بأنامله على عيناه لشعوره بتجمع الدموع من جديد فى مقلتيه وتابع حديثه قائلاً بغصة مريرة :


– كان لسه عندى أمل أن يكون فى غلط فى التقارير والفحوصات وديت التقارير لكذا دكتور هنا فى اسكندرية وكان رأيهم نفس رأى الدكتورة بتاعتك، ففكرت وقررت إن أسافر لندن علشان أتأكد من الموضوع أكتر ، لو تفتكرى اليوم اللى قضناه على الشط ويومها قولتلك إن مسافر عندى مؤتمر طبى ، وسافرت وللأسف النتيجة طلعت واحدة وزى اللى كانت هنا فى إسكندرية ، بس فى دكتور هناك قالى إن فى إحتمال وأمل ضعيف للحمل وممكن يحصل بس ميكملش ، ومكنش حد نفسيته هتتأثر بالمحاولات دى غيرك أنتى ،  لما تشوفى حلمك وبعد كده تتحرمى منه، بس أنا كدكتور مؤمن أن كل حاجة بإيد ربنا وأن لازم يبقى عندى أمل ، رجعت إسكندرية وكنت مقرر اقولك على كل حاجة ، بس أول ما رجعت مش عارف إيه اللى خلانى سكت زى ما يكون لسانى اتربط إن اقولك على اللى حصل ، ويوم ما رجعت باليل جاتلك المكالمة أن بنت عمك بيرى تعبانة وأنك هتروحى بيت أهلك علشانها ، وأنا طلبت منك إن أروح معاكى ، ولما روحت هناك وعرفت إن ديفيد اخوكى سبب المصايب اللى حصلتلى وأن هو و عمك السبب فى اللى جرالنا وكمان سمعت كلامهم عنك وعن اللى عايزين يعملوه فى بنتى ، عقلى ساعتها زى ما يكون وقف ومبقتش أفكر فى حاجة غير إن أبعد عنك وأسيب إسكندرية وأختفى ، كانت أعصابى مضغوطة وحسيت أن حياتى بتتهدم أكتر ، ومتفتكريش إن صدقت كلامهم عنك ، أنا كان نفسى فعلاً أصدق أنك رجعتى ليا علشان تنتقمى منى 


رفعت وجهها إليه وألمته نظرتها ، بأنه كيف له أن يصدق كل ما تم إفتراءه بحقها ، إلا أنه عاد مستطرداً:

– صدقينى يا حياء كنت بدور على أى حجة علشان أبعد جايز تكرهينى لأن مكنتش أقدر أخليكى عايشة معايا وتبقى محرومة من الحاجة الوحيدة اللى بتتمنيها ، كنت عارف ومتأكد من أن لو كنت قولتلك على الحقيقة وخيرتك بأنك تفضلى معايا على الأمل الضعيف ولا إن ننفصل كنتى هتختارينى ، وتضيع سنين عمرك وأنتى مستنية حاجة ممكن متحصلش وأبقى بدل ما ظلمتك مرة أبقى ظلمتك ألف مرة من أن أحرمك من مشاعر الأمومة اللى بتتمناها كل زوجة ، أنتى قلبك كبير وكله حب يكفى العالم ده كله ، وكنت حاسس قد إيه أنك مشتاقة أن يكون عندك إبن أو بنت ، ولسه فاكر لما قولتيلى مرة أنك عايزة تخلفى ولدين وبنت ويكون أول ولد إسمه ساجد علشان يبقى عندنا سجود وساجد وكمان تسمى ساجدة وأن عيزاهم كلهم اسماءهم تبدأ بحرف السين ، لسه فاكر كل حلم حلمتيه وكل أمنية كنتى عايشة عليها ، بس مش دايما بناخد اللى بنتمناه ، المهم حاولت اقنع نفسى وماما إن انا سيبتك بسبب اللى عرفته عنك ، حتى ماما متعرفش أى حاجة عن الحقيقة ، وقولت اسيبها كده علشان تفتكر هى كمان إن بعتك وخلاص مبقتش حابب أرجع ليكى تانى ، مع أن عشت السنتين أتعذب وقلبى بيتقطع على فراقنا ، وكل ما أحس إن قلبى حن ليكى وعايز أرجعلك ، أمنع نفسى بأعجوبة وأقول إن كده أحسن لو طال الفراق بينا ورجعت تكونى فعلاً كرهتينى ،وننفصل وساعتها تفكرى تبدأى حياتك مع حد تانى حد فعلاً يقدرك ويعيشك فى أمان وإستقرار ويحققلك أمنيتك اللى مش هتقدرى تحقيقها معايا ، مكنتش عايز اشوفك نسخة تانية من ماما وفاء ، هى كمان فضلت عايشة على حلم إن يكون عندها أولاد بس ربنا ما أرادش ، وصدقينى برغم حبها الكبير ليا ولسجود إلا أنها كانت دايما تقولى إن كان نفسها تخلف من جوزها ويبقى ليها ذكرى حية منه مش شوية صور ، تعرفى انها لحد دلوقتى محتفظة بهدوم بيبى لبنت ، لأن كان نفسها يكون عندها بنت وعلشان كده كانت متعلقة بأشجان وولاء ، ومهما كانت الست بتحب كل الأطفال ، إلا أن حبها لطفلها بيبقى حاجة تانية 


أنسكبت دموعها بصمت على وجنتيها اللتان خلتا منهما الحياة وبدتا شاحبتان كأنها تعانى التعب والإرهاق منذ وقت طويل ، حتى وإن كان بنيتها أن تعاتبه وتأنبه على تفكيره الأخرق بتركها ، فأحبالها الصوتية كأنها أصابها الضمور ولن يعود بإمكانها أن تحمل إليه حديثها المعاتب له ، فأكتفت بالتحديق فى وجهه لعله يستطيع قراءة تعبيرات وجهها ويعلم ما تريد قوله ، ولكن عيناه الزائغتنان والمحملقتان بكل ما يحيط به من أثاث وجدران عدا وجهها ، أبت أن تمعن النظر بها حتى لا يفقد أخر ذرة من شجاعته فى إكمال حديثه ، فلو أنهار ثباته ستجده راكعاً أمامها باكياً شاكياً ظلم الظروف لقصة عشقهما ، التى لم يكتب لهما أن ينعمان بها حق كل العاشقين 


دلك راسل جبهته مغمغماً:

– وبالنسبة لحكاية ساندرا وأبنها ، فأنا هحكيلك الحكاية كلها ، فى كندا أنا اشتريت بيت وبالصدفة كانت ساندرا مأجرة البيت ده قبل ما أشتريه ، وفى يوم دخلت البيت زى الحرامية واتخانقنا بس عرفت ليه هى جت ، علشان تاخد فلوس كانت سيباها ، ومن يوم ما قبلتها كنت كل ما أشوفها أضايق لأنها كانت بتفكرنى باللى عملته فيكى مش عارف ليه ، حاولت أتجنبها كتير ، بس هى كانت عنيدة أوى ، وكانت بتشتغل فى مطعم ، فى شاب دكتور كان شغال معايا فى المستشفى ، كان مرة موجود عندى وشافها أعجب بيها وهى كمان ، كان شاب من أصل عربى بس عيلته عايشة فى فرنسا ووالده كان راجل غنى وصاحب نفوذ ، وهو سابهم علشان مكنش حابب شغل البيزنس وحابب الطب أكتر ، طبعاً والده رفض جوازهم علشان هى شغالة جرسونة فى مطعم ، بس اتجوزوا بالرغم من رفضه ، بعد شهر من جوازهم ، اخدها وسافر فرنسا علشان تتعرف على اهله ويشفوها ، بس للاسف متقبلوهاش ، وفى يوم كانوا خارجين طلع عليهم ٣ رجالة زى قطاع الطرق بسلاح ، طمعوا فيها بس جوزها وهو بيدافع عنها ضربوه بالنار وللأسف مات ، ساندرا جالها صدمة وبعد موته اكتشفت انها حامل ، فلم باباه عرف ان هيبقى عنده حفيد ، قالها انه مش هيسبهولها وان لما تولد هياخده ، رجعت على كندا هربانة منه ، بس هو قدر يوصلها بكل سهولة ، فضل لحد ما ولدت يهددها باخد الطفل ، فهى رفعت قضية علشان ميقدرش ياخده منها ، ولسه القضية دى شغالة بينهم ، هى من صدمتها من يوم الحادثة بيجيلها حالة زى الصرع ، وكمان خوفها من إن ابنها تتحرم منه مخليها عايشة يومها كله خوف  


فرك يديه بقوة ومن ثم أعتصر أنامله ، كأن ما سيذكره هو الجزء الأكثر دقة بقصة ساندرا :

–خليت ماما وسجود يقعدوا معاها فى بيتها وأنا كنت بروح أطمن عليهم لأن بيتها كان قريب من بيتى ، فضل الحال لحد ما ولدت إبنها هو مش إسمه الحقيقى ساجد بس أنا قولتلها هناديله بالإسم ده وأنه هيكون فعلاً إبنى ، وهساعدها ، مرت الشهور وبالرغم من كده ساندرا حالتها النفسية كانت بتسوء زيادة بقى يجيلها تشنجات وبتترعش وبتجلها حالات عصبية بتتعالج بحقن المهدأت 


بين الفينة والأخرى يصمت محاولاً إلتقاط أنفاسه ، ليستمد منها القوة والشجاعة لإكمال سرد القصة بأكملها ، دون الإخفاق فى أن يغفل عن ذكر أى تفصيلة :


– وقبل ما أرجع هنا بحوالى شهر حاولت تنتحر بس أنقذتها وأخدتها هى وإبنها يعيشوا معانا فى بيتى ، خليت ابنها فى أوضة سجود وهى قعدت مع ماما فى أوضتها ، وأنا كنت طول النهار فى المستشفى ، وعرفت حكايتى وإن أنا متجوز، كنت بحاول اساعدها أنها هتدفع مصاريف المحامى فى قضية ابنها لأن هى ملهاش أهل ، فكرت إن اجبها معايا هى وابنها وأمثل أنهم مراتى وابنى علشان فعلاً تكرهينى وتطلبى منى الطلاق وقولت خلاص لازم نسيب بعض ، بس مقدرتش يا حياء ، مجرد التفكير فى أنك تكونى لحد غيرى ده جننى وخصوصاً لما ظهر أدم ده كمان ، فرجعت فى كلامى  ، وأنا مصمم المرة دى أن لازم مضعيش منى ، علشان كده طلبت منك مهلة ، علشان أعرف إذا كان فى أمل ولا لاء ، أو أن يحصل حمل بأقل تأثيرات نفسية عليكى ، لأن مش حابب أنك تتوجعى زيادة، بس كل حاجة انكشفت خلاص وأنتى عرفتى أهو كل حاجة ، وبالمناسبة أنا وساندرا كنا بنتعالج عند دكتور نفسى واحد ، يبقى واحد صاحبى ، وكده أبقى قولتلك على كل حاجة بينى وبين ساندرا أو أسبابى الحقيقية اللى خلتنى أسيبك وأبعد عنك وأسافر 


قطبت حياء جبينها بعد سماع حديثه ، فهى لم تضع فى بالها يوماً أن يرتاد عيادة طبيب نفسى ، فقالت بدهشة :

– أنت بتتعالج نفسى يا راسل 


هز رأسه وأجابها بعدما أطلق تنهيدة قوية وإبتسم ساخراً من حاله:

– أنتى عيزانى بعد كل اللى حصلى ده ومتعالجش نفسى ، دا كويس إن متجننتش وفقدت عقلى يا حياء 


شد على كفيه ومن ثم إستأنف حديثه قائلاً بهدوء ، حاول زرعه بنفسه الثائرة والساخطة على تلك الظروف التى ألقته بين فكى اليأس :

– كده أنا قولتلك على كل حاجة وعرفتى كل اللى كنت مخبية عليكى ، بس عايزك يا حياء قبل ما تقولى أى كلمة أو يصدر منك رد فعل فكرى كويس أرجوكى 


عن أى رد فعل يتحدث ؟ فمنذ سماعها بما قصه عليها ، وهى تريد البكاء والصراخ لعله يكف عن زيادة كلمة واحدة ، فأى حقيقة تلك أخبرها إياها ستجعل عواطفها تجاهه تتبدل أو أن يحل محلها عواطف ومشاعر أخرى ، فمن نصبه حاكماً لها وعلى قلبها ، أعشقه لها هو ما جعله يفكر فى تلك الحيل والأساليب التى أراد من خلالها أن يصرفها عنه ، فأى أحمق أهوج هو إن ظن أنها تريد عنه بديلاً 


– أنت مكنش من حقك أنك تاخد قرارات بالنيابة عنى ، كان لازم تقولى وتعرفنى الحقيقة وكنت سبتنى أختار 


إنتفضاتها من مقعدها أنبأته بأى سيل من المشاعر الجريحة التى تشعر بها كزوجة ستغرقه بها ، و أن حديثها سيكون أشد عنفاً وقسوة محمولاً بعتاب وتأنيب على تفكيره 


رفع وجه لها ومن ثم سألها بهدوء :

– لو كنت خيرتك وقتها ، كنتى هتختارى إيه يا حياء ؟


أجابته على سؤاله بسرعة ودون تردد :

– أكيد كنت هختارك أنت وسجود ودلوقتى ....


نهض من مكانه وقبل أن تكمل حديثها ، وضع إحدى يديه على فمها والأخرى خلف عنقها وأسند جبينه لجبينها ، ولم يعد يحتمل إختزان دموعه التى أنهمرت من عينيه وهو يقول بصوت متحشرج :


– أرجوكى يا حياء فكرى قبل ما تقولى اللى أنا شايفه فى عينيكى ، بلاش تحسسينى بإن كنت حقير أوى كده معاكى ، وأنك ببساطة خلاص هتسامحى فى حقك ، بلاش تضحى علشان غيرك ، أنا اللى بقولهالك خليكى أنانية ، فكرى فى نفسك وحياتك وبس ، بلاش تضيعى سنين عمرك هدر ، أرجوكى يا حياء أرجوكى ، حتى لو كنت هموت فى بعدك عنى بس كفاية أنك تكونى أنتى عايشة مبسوطة وتحققى أمنيتك 


ظل يردد كلمة الرجاء لها ، حتى ظنت أنه لم يعد يعرف غيرها ، فبكت تزامناً مع بكاءه ، وعلقت يداها بقميصه تقبض عليه كالقابضة على حبل نجاتها ، فحتى تلك المرة ، حاول حرمانها من نوبة العتاب التى كانت تختزنها له ، فما أن هدأ نشيج دموعهما ، سحب يده ببطئ عن فمها ، مع تشديده بأن تأخذ وقتها كافياً فى التفكير ، وأنه سيتنظر قرارها سواء كان سيحيا قلبه بعده أم سيسجى بعذابه ، فبكلا الحالتين ما عليه سوى الإنتظار ، الذى سيكون أشد حرًا من السير على جمر محترق ، وعلى الرغم مما رآه فى عينيها من أنها حسمت قرارها بعدم تركه ، إلا أن من داخله تمنى لو أن تعدل عن قرارها 


 فلمَ هى التى يتوجب عليها أن تضحى دائماً من أجله ، لم لا تكون نهمة وطامعة بكل سعادة العالم ومباهج وزينة الدنيا من البنون ، فيكفيها ما عانته منذ علمها بأنها فتاة متبناة ، حتى هو جاء إليها ليلقى على كاهلها ماضيه المعذب بمشاعر مكبوتة وعلاقات محطمة ، ورغم ذلك كأن بين ذراعيها سعة العالم بأكمله وإحتوت قلبه وكانت له بلسم الروح ، ألا تستحق أن تنال كل السعادة ، وأن تتحقق أبسط أمنياتها من أن يكون لديها أبناء ، وربما قدره أنه لن يكون أباً لهم ، ولكن يكفى أن تحصل هى على مبتغاها ، فهو قد أنعم الله عليه ووهبه إبنته ، وهى تستحق تلك الفرصة ، حتى يكون العدل والمساواة بينهما فى الأحلام والأمنيات 


ولكى يضمن إتاحة الوقت الكافى لها بالتفكير ، خرج من المقصورة وأخبرها بأن يعودا للبيت ، وربما الجميع بإنتظارهما الآن بغرفة الطعام أو المعيشة ، فتبعته بهدوء وهى ترى تلك الهوة الفاصلة بينهما تزداد إتساعاً كلما أسرع الخطى فى العودة للمنزل ، كأنه يريد طى الأرض طياً ، ولكن شعورها بذلك الثقل فى قدميها جعلها تبطئ فى خطواتها ، حتى صارت المسافة بينهما تقدر ببضعة أمتار ، ورغم ذلك لم يشأ أن يستدير برأسه إليه ليراها ، فربما سيجد نفسه عائداً إليها محملاً بأطماعه فى أن تتخلى عن مطلبه فى أن تفكر بروية وتتخذ قرارها النهائى ، وأن تخبره صراحة أنها لن تتركه حتى وإن كان سيحيا معها شاعراً بالذنب ، فإزدواجية مشاعره تجاهها تحيره وتعذبه ، ولكن منذ متى وهو لا يشعر بالحيرة والعذاب ؟ كأنه جاء لهذا العالم ، ليحيا ويفنى بألمه وعذابه ، فتذكر مقولة صوفيا عندما قابلته أول مرة ، من أنه ملاك أسود معذب جاء للأرض بحثاً عن جنته فلم يجد سوى الجحيم فى إنتظاره 

❈-❈-❈

أنخطف صوتها وهى تشهق بصوت مسموع بعدما تلقى جسدها ذلك الدلو من الماء البارد بعد إغماءها ، الذى جاء كنتيجة طبيعية لما لاقته من الضرب والصفع وبعض ألوان التعذيب ، التى إتبعها أعوان ذلك الرجل ، الذى أمر بإحضارها ، فهو كان يسعى خلفها منذ عودتها للإسكندرية ، ولكن هى من ظنت نفسها تفوقه ذكاءًا وبإمكانها الهرب منه ، فظل الماء يقطر من وجهها ورأسها وأطرافها وأضحت أنفاسها تزداد وتيرتها وسرعتها ما أن تملك منها الغيظ على ماتلاقيه ، لم يؤثر فى الحارس المكلف بمراقبتها سبابها وتلك الشتائم التى راحت تقذفه بها كوابل الرصاص ، بل كل ما يفعله أن يهديها إبتسامة سمجة صفراء لم تخفى نواياه من أنه يمعن النظر بثيابها الممزقة ، أحتدمت الرغبة فى عينيه ما أن رآها كفرخ الطير الذى أصابه البلل ويبحث عما يقيه ذلك الإرتجاف الذى ألم به ، فشعرت ليالى بدنو الخطر منها ما أن وجدت ذلك الرجل يقترب منها ويقبض على خصيلاتها الرطبة ، ولم تكن غبية حتى لا تفهم ما يرمى إليه بنظراته الجائعة ، لاحت إبتسامة ماكرة على ثغرها ، لكونها تظن أن ربما سيأتيها الخلاص بمحاولة إغواء ذلك الحارس ، الذى لن تجد جهداً فى جعله ينساق خلفها وربما يصبح طوع بنانها 


أكسبت صوتها رقة غير معتادة عن السب واللعن الذى سممت به أذنيه منذ أن رآته ، فقالت بدلال أنثوى مدموغ بإرهاق :

– ممكن تجبلى أكل وماية أصل جعانة أوى أوى 


قضمت شفتها ما أن رآت أثر عبارتها عليه ، إذ أسرع فى حمل الطعام الذى أتى لها به ووضعه أمامها على تلك الطاولة المتهالكة شأنها شأن ذلك الأثاث القديم الموجود بالغرفة ، حل وثاق يديها وأبقى على باقى جسدها موثوقاً للمقعد الجالسة عليه قائلاً بصوت غليظ :


– الأكل أهو يلا كلى 


اشمئزت ليالى من سماع نبرة صوتة الغليظة والخشنة والتى ربما تثير الرعب فى نفوس الأطفال ، إلا أنها قابلت من على شاكلته كثيراً ، فلن تجد مانعاً من أن تتملقه وتنافقه ، لتجعله يشعر بأنه الرجل الأوحد والوسيم على ظهر البسيطة ، فأشارت إليه بالجلوس قائلة برقة متناهية :

– مش هتاكل معايا ، الأكل كتير ويكفينا إحنا الاتنين ، أصل مبحبش أكل وحد واقف باصصلى كده 


جذب مقعد وجلس قبالتها وبدأ يتناول الطعام بشهية كبيرة ، حتى ظنت أنه ربما سيبتلعها هى الأخرى ، إن لم يسد ذلك الطعام رمقه وجوعه ، إلا أنها تمنت لو أن يختنق بفتات الخبز ، حتى تكون الفرصة سانحة أمامها للهرب من هذا المكان الشبه قذر ، ولكن لن تتحقق أمنيتها إذ وجدته يتجشأ بصوت أفزعها بعدما فرغ من طعامه ، حتى أنه لم يترك لها سوى لقيمات لا تغنى ولا تسمن من جوع ، إلا أنها إبتسمت له قائلة بنفاق :


– صحة على قلبك إن شاء الله ، بس واحد زيك إيه اللى خلاه يشتغل مع اللى ميتسماش ده 


قبل أن يبدأ فى سرد أسبابه كأنه سيشكى همومه لصديقته المقربة وجد الباب يفتح ويلج منه سيده وهو يصيح بجماع صوته الحانق :

– والله عال أوى قاعدين تاكلوا وتتسامروا ، تحبوا أجبلكم إتنين لمون ولا فشار

تابع قراءة الفصل