-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 1

 


 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل الأول

 (مـستـوحى مـــن الــواقـــع )



في أحد الشوارع الشعبية ، أضاءت الأضواء المبهجة بأعداد كبيرة وبدأ بعض العمال في ترتيب الكراسي الملونه ( بالمفرش الأحمر) وسط الشوارع الرئيسية ، وآخرون كانوا يركبون زينة الزفاف الذي سيشهدونه اليوم!.


كانت تقف شيماء في شرفة منزلها وهي تنظر إلى ما يحدث بالاسفل بنظرات حزينة وفي ذلك الأثناء تقدمت والدتها لتنظر هي الأخري وتتابع ما يحدث باهتمام، في حين رفعت شيماء حاجبها في توجس ، وزمت شفتيها في امتعاض ويأس


= الله يكون في عونها.. يا ترى عامله ايه دلوقتي.


زمت والدتها شفتيها في إحتجاج عندما رأت 

ابنها يقف في الخلف وينظر الى النافذة في الاعلي بحسرة


= بكره تتعود وتعيش ده نصيبها في الاخر، زي ما غيرها شاف حياته و نسي .. مش كده ولا ايه يا أسر


رفع عينه بفتور إليها ثم أخذت نفسا مطولا ، وزفر في تعب لـ يهتف بصوت مبحوح متوتر


= هاه ،آآ أنا رايح شغلي عشان ماتاخرش.. عن اذنكم.


ليرحل دون حديث آخر و لحقت به والدته بامتعاض ثم مطت شيماء شفتيها في حزن ، وأطرقت رأسها للأسفل ، ثم ولجت إلى الداخل ...


بينما في الاعلي بداخل أحد المنازل كانت تجلس فوق الفراش بائسة ، محطمة ،مكسورة ، بقاياها دفنتها داخليًا .. رغم أنها بارعة في رسم ابتسامات مجاملة وزائفة .. وكل ذلك يعود لـ فضل عائلتها التي كانت جزء من هذا التحطيم؟ فبدلا ان يساعدوها على اخذ حقها والخروج من العذاب بلا أجبرت ان تظل داخلة لتجد نفسها جرت بأذيال الخيبة .. الدمار .. اليأس.. 


لتخفض برأسها أرضا وهي تنظر إلى فستان زفافها الذي كان بين يدها وبدأت ان تقطع اجزاؤه بعنف وغل ودموعها تهبط دون توقف... وكان الألم يعتصرها من شعور الظلم و الخذلان .


نهضت هي من على الفراش الذي كانت متكورة عليه وتركت قطع الفستان الذي كان بيديها ليسقط أرضا ، وسارت بخطوات متثاقلة في اتجاه باب غرفتها لتنظر إلي والدها ووالدتها لتجد كلا منهم يجلس ويضع يديه تحت خده بعجز وحزن بينما وهي تصدر أنيناً خافتاً بسبب الآلم .. ونظرات باكية هي إلى والدها بعينيها الحمراوتين والمنتفختين ، تتمنى داخلها بشده ان يتراجع عما يفعله فيها الآن .


لكن قد تم ترتيبات كل شيء فهي تعلم جيداً أنه لا هناك مجال للرجوع !. هي لم تتخيل أن ليلتها ستكون دامية بحق ، لم يطرأ ببالها أن يفعلوا أسرتها بها هذا ، ولم تتصور أن يشارك والدها في تلك الجريمة معهم.. فـ حقاً لقد حطمها وألمها .. وأفقدها أبسط حقوقها .. بينما ظلت ترتجف بشدة ، وتبكي بمرارة وهي ترى المصير القادم المقبلة عليه ..


❈-❈-❈


وفي بيت قديم للغاية، لم تتوقف حسناء عن إطلاق الزغاريد ، ولا عن التباهي بعرس شقيقه زوجها الذي سيقام الليلة في الصوان الكبير الذي ينصب حاليا أسفل البناية .. لتهتف بصوت جهوري بفخر


= يالا يا بنات .. يالا يا حبايب ، كل يهيص ويرقص ، ده الفرح هيفضل منصوب لبعد الفجر دي اوامر زاهر بيه العريس ، ادعوا له . 


وبالفعل سادت أجواء البهجة والزغاريد في أرجاء المنزل ..... وفي الاسفل كان أنتهى معظم الرجال المتواجدين بالشوارع وحول المقام لحفل زفاف الليلة من العمل فيه ، وتبقى فقط تعليق بعض الزينات واﻷضواء الكهربائية على مداخله ، وأيضا على واجهات البنايات الملاصقة ... و أخرين نحو الكوشة الخاصة بالعروسين ، وقام شابين صغيرين برص المقاعد والطاولات الخشبية على الجانبين.


وقف رجل ضخم البنية ما في منتصف الشارع واضعا قبضه يده في جيب بنطاله الجينز ، وموليا ظهره لمعظم المتواجدين ، وهو يتابع الترتيبات باهتمام شديد وعندما تم نصب مسرح خشبي واسع وتجهيزه بمعدات الفرقة الموسيقية التي ستتولى إحياء تلك الليلة اقترب منه شاب صغير يتسائل (هل سيبدأ الان في تشغيل الاغاني ) 


أومأ شقيقه العروسه برأسه موافق في حين وزع بصره بينه ، وبين الطريق بتركيز. 


وفي ذلك الأثناء بداخل صالون التجميل جلست تلك العروسه وهي تحمل أطراف فستانها ، ولم تعبأ بنظرات الدهشة الممزوجة بالصدمة على أوجه الحاضرات وهم ينظرون الى صغر عمرها... اعتدلت في المقعد المخصص لتزيين العرائس ، ونظرت إلى مصففة الشعر التي بدأت في تجهيزها بعناية فائقة في وضع التجميل على ملامحها حتى تبدو امرأه كبيره قليلا .


فقضمت شفتاها بقهر بائسة مُحطمة الأمال بسبب جفاء أخ عاق و أب جاحد فلم تجد احد بعد وفاه والدتها يصبرها علي مرارة الحياه.. لترفع عيناها الدامعة وهي لا تعرف بماذا يجب ان تفعل ولمن تشكوا، فالخوف أصبح أساس حياتها .. لتُعاود النظر إلى المرأة نحو طفولتها التي تغتال خلال اللحظات! فلمحت حسنا تتقدم نحوها بابتسامه عريضه..


انكمشت هي على نفسها ، وقبضت أكثر بأصابعها على يدها بقلق بالغ وحزن أشد، ثم رفعت نظراتها البائسه لها.. لوت حسناء شفتيها أكثر في استهجان


= ما تفردي وشك يا بت في ايه؟ ده منظر عروسه النهارده فرحها ؟ خليكي ناصحة ، وبصي لمصلحتك يا بنت ده انتٍ النهارده هيتكتبلك السعد والهنا خلاص هتفرقي الفقر و الهم والغلب ..يا بنت المحظوظه .


لم تهتم إليها وظلت تطلع بنظرات جامدة بينما تابعت تهتف الأخري بحزم وهي تشير بإصبعها محذرة 


= ربنا يسعدك يا عروسه ويكرمك يا رب مع عريسك ، حطيه في عينيكي واياكي تزعليه احنا مش ناقصين مشاكل من أولها.


أخفضت عينيها للأسفل بانكسار ، بينما ربتت حسناء على ظهرها ، وهي تكمل نصائحها بجدية وتحذير


= هاه.. مش هوصيكي ده انتٍ أخذتي عريس محدش يحلم بالعز اللي انتٍ هتشوفيه و اللي هتعيشي معاه ، وأي مشاكل تحصل بينك وبين جوزك محدش يعرف عنها حاجة ، كده أريح ليكي.. ولو عاوزه تريحي دماغك اكتر اي حاجه يقول لك عليها قولي حاضر.. ونعم .


تنفست بصعوبة ، ونظرت إليها بنظرات شبه معاتبة ، ثم أجابت بنبرة مختنقة


= وفري نصائحك لنفسك .. حسبي الله ونعم الوكيل.


احتقن وجه حسناء بالدماء المشتعلة من الغيظ ، وهي تهز ساقيها بعصبية مفرطة وتشدقت


= بتحسبني في وشي! ماشي هعديلك المره دي بس عشان ما نكدش عليكي يوم فرحك .. مبروك يا عروسه. 


رحلت من امامها وهي تطلق سيل من الزغاريد في الانحاء.. بينما هي وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية من شعرها بالقهر ولم تحاول حتى النهوض من مكانها لتهرب من هنا، لانها ببساطه لم تستطيع حتي الرفض، والآلم البدني يقتلها ، والآلم النفسي كسرها بحق ..


حتى حسناء لم تفعل شيئًا جيدًا في اللحظات الأخيرة! لمصلحتها وتنصحها بالحياة التي ستعيشها ، فبدلاً من تعليمها كيفية الحفاظ على زوجها.. تعلمها مفاهيم الحياة الزوجية وما ستقبله حتى لا تصطدم بالواقع أثناء حياتها معه في ذلك العمر ... لكنها لم تهتم بها إلا للحفاظ على هذا الزواج لمصلحتها الخاصة حتى لا تنقطع الأموال التي أخذتها هي وعائلتها من وراء هذا الزواج.


فيبدو أن هذه الليلة ليست سعيدة للجميع ، فبعضهم يشعر بالكسرة والظلم الحقيقي ، رغم أن تلك الليلة هي ليلة زفافهم وحياتهم الجديدة ليمحوا الماضي الذي أتى بهم إلى هنا..


الرجوع بالزمن الى الخلف قليلاً. 


تعالت الاصوات في تلك المنطقة التي تميل للشعبية قليلا اصوات اطفال يلعبون اللعبة المشهورة وما هي الا كرة القدم واصوات للبائعين واخري للاغاني الشعبية التي خرجت من صوت السماعات التي توجد في الوسيلة المنتشرة في تلك المنطقة وما هي الا... التوك توك ..وفي احدي المنازل في تلك المنطقة يعد من اكثرها هدوءا ورقيا حيث يوجد فيها مساكن عائلة عابد المكونه من ( فتاتين وزوجة) ، ثم تعالي الصوت من خيرية (الأم) وهي تخرج من المطبخ


= يلا يا فريده هتتاخري على الشغل ، مش هدخل اصحيكي تاني


لحظات مرت حتى سمعت صوت صرير الباب وهو يُفتح لتجد ابنتها فريده ذات الرابع والعشرين وهي تقف أمامها بقميصها القطني الذي لا يظهر سوى جزء من عنقها الأبيض ، ووجهها ذو البشرة السمراء .. فرفعت عينيها للأعلى تحدق في والدتها لتجيب عليها وهي تدخل بعض خصلات شعرها المبعثرة على جبينها ، داخل مع الباقي المختبيء خلف حجابها.


= خلاص يا ماما انا لبست اهو وخارجه .


تحركت خيريه لتجلس على المقعد الخشبي شبه المتهالك ، وعندما تحركت ابنتها أمامها هتفت بنبرة منزعجة


= برده ناويه تعملي اللي في دماغك وهتسيبي الشغل عشان خاطر المحروس خطيبك ، يا بنت ما بقاش في ضمان دلوقتي لاي حاجه انتٍ من صغرك متعوده على الشغل وتمسكي قرش في ايدك ولما الفالح اللي انتٍ هتتجوزي يقعدك في البيت هيبقى المصروف رايح جاي على قد الحال ومش هتعرفي تشيلي حاجه لنفسك .


تنهدت فريدة مرادفة بجدية وهي محدقة بها 


= لا يا ماما ما تخافيش ما انا اتكلمت مع أسر في الموضوع ده ووصلنا لحل مناسب .. هقدم استقالتي بعد اسبوع في المستشفى اللي انا شغاله فيها، و دورت على شغل في مستشفى تانيه ساعات العمل قليله عن المستشفى الثانيه .. عشان اعرف اوفق بين بيتي وشغلي 

بعد كده


وضعت أم ريهام إصبعيها على طرف ذقنها ، ولوت شفتيها في سخرية ، وهي تتحدث بفهم


= وطبعا طالما عدد ساعات العمل قليله المرتب هيكون اقل من المستشفي الثاني صح .. انا مش عارفه كل حاجه يقول لك عليها تقول لي حاضر ونعم ليه.. ما تبقيش مدلوقه  اوي كده يا أختي عشان ما يسوقش فيها .


صمتت فريده بتوتر فهي محقة بذلك الشأن ثم قالت بنبرة ضائقة


= انا مش عارفه ليه مش طايقه اسر ولا عيلته ده بني ادم كويس ومحترم والله و..


زمت خيرية شفتيها في برود وهي تكمل عن ابنتها الحديث قائله بغيظ شديد


= وابن ناس ومش هيحرمني من حاجه قادر يجيبهالي وبيعاملني كويس ..خلاص يا اختي عارفه الموشح اللي بعد كده حفظنا انتٍ حره هو انتٍ اللي هتتجوزي ولا انا.. بس ما ترجعيش بعد كده تقولي يا ريتني كنت سمعت كلامك يا ماما 


اتسعت حدقتي عينيها من أفعال والدتها ... ثم نفخت فريدة في ضيق ، ونظرت إلى والدتها بنظرات غير مفهومة بحيرة


= اول مره اشوف ام زعلانه عشان بنتها بتسمع كلام البني ادم اللي هتتجوزه، انتٍ متضايقه ليه من شغلي وان بسمع كلامه 


نهرتها والدتها بشدة ، وحدجتها بنظرات حادة 


= انا مش زعلانه ولا حاجه ، بس مش عاجبني كل ما يقول لك على حاجه على طول كده توافقي وماتجادليش معاه، ده حتى لو بيطلب منك حاجه انتٍ مش عاوزاها ومش مريحاكي برده بتوافقي عشانه.. طب افكرك في البدايه لما رحتي تشتري الشبكه وبعد ما اتفق مع ابوكي على حاجه رجع في كلامه واشتريلك حاجه اقل وانتٍ وافقتي ،ولا موضوع الشقه اللي عاوزك تسكني سنتين مع امه لحد ما يكمل الاقساط ودلوقتي موضوع شغلك .. يا بنتي لازم تعززي نفسك شويه ،مش كل حاجه اللي تشوفه أنت، انتٍ ليكي راي مش كده 


هزت فريدة رأسها في اعتراض ، وزفرت عاليا بأسف


= يا ماما افهميني انا عارفه أنك معاكي حق بس هو والله لو في مقدرته يعمل اكتر من كده انا واثقه انه هيعمل..و موضوع الشبكه هو كان فعلا هيعمل اللي بابا طلبه منه لولا والدته تعبت فجاه واضطر ياخد جزء من مصاريف الشبكه اللي كان شايلها .. اروح انا اقول له بقى سيب امك تتعب عشان حته شبكه اتزين بيها .. 


تطلعت خيريه بإمتعاض وهي ترفع أحد حاجبيها، لتكمل فريدة حديثها وهي مبتسمه في عذوبة برضي


= وبالنسبه لموضوع الشقه اتاخر في دفع الاقساط الاخيره بسبب الشغل اللي كان هيدخله لوحده عشان يكون حر ماله ،بس بسبب ظروف البلد الموضوع ما ينفعش وخسر فيه، وفضل يتحايل علي الراجل صاحب الشقه عليه كثير انه يستنى عليه شويه في الاقساط الاخيره ،في الاول ما رضيش بس بعد كده في النهايه عرض عليه انه مش هيسكن في الشقه غير لما يكمل دفع الفلوس كلها عشان كده هنضطر نقعد سنتين بس عند والدته.. و بالنسبه لموضوع شغلي هو كان عاوز يريحني ومش حابب ان انا أشتغل واتعب، بس انا اصريت وقلتله اهو مبلغ صغير هيدخل لنا ومش هيخسر وهيساعد عشان نخلص دفع المصاريف بسرعه بتاعه الشقه 


حدجتها خيرية بنظرات ساخطة قبل أن تستدير برأسها إليها وهي تردف بعدم رضي


= اهو افضلي طول الوقت دوري على مبررات ما لهاش لازمه ، ما هو يا حبيبتي ما حدش هيفتكرلك كل ده ومش بتتحسب كده ان انتٍ كثر خيرك عملتي اللي عليكي وقدرتي غيرك .. وكل واحد هيترجمها على مزاجه ، وبعدين ادينا فيها اهو لو فكرنا بس ناجل من ناحيتنا زيهم عشان معناش فلوس ولا حصل لنا ظرف.. والله ولا حد فيهم هيقدر اللي انتٍ عملتيه وهيقولوا ملناش فيه .


هزت فريدة راسها بيأس بينما لوحت والدتها بيدها في الهواء وهي تشيح بوجهها بعيداً عن ابنتها ، لتتقدم منها فريده بإبتسامة رقيقه ، وبنبرة راجية


= ما تظلميش أسر يا ماما والله هو طيب وحنين ،هو انا لو بيعاملني وحش هعمل كل ده معاه ليه؟ وبعدين انا مابيفرقش معايا الناس انا يهمني البني ادم اللي انا هتجوزه وان انا مش بعمل حاجه حرام ولا غلط.. وما تقلقيش عليا مش دايما انتٍ وبابا تقولوا لينا أن اي حاجه بنعملها خير في حياتنا هتترد لنا.. اهو ان شاء اللي انا بعمله هيتردلي .


ابتسمت إبتسامة سخرية من زاوية فمها ثم حاولت أن تغلق الحديث لتقول بهدوء بعض الشئ


= ربنا يهديكي يا بنتي هقول ايه؟ حاولي النهارده تيجي بدري عشان أختك وجوزها معزومين عندنا .


هزت فريدة راسها وهي مازالت تبتسم بوجهها واقتربت تقبل وجنتيها بحب ثم التفتت وســارت في اتجاه باب المنزل لتفتح وتهبط على الدرج بعد أن أغلقت الباب خلفها.


❈-❈-❈


= جري ايه يا سعاد هو انتٍ كل يوم والثاني تطلبي مننا فلوس فوق نصيبك الاصلي من ميراث جوزك .. ارضي بنصيبك وبلاش لعب العيال اللي عماله تعملي انتٍ وابنك، هو انتٍ فاكراني مش فاهم انتٍ عاوزه الفلوس لمين لو مش قادره تربيه سيبهلنا واحنا نربيه الفاشل إبنك اللي مش نافع في تعليم ولا شغل .


رمي تلك الكلمات السيد "عاصم" بجمر كلماته الغاضبة بالهاتف هو يتحدث مع "سعاد" زوجه شقيقه المتوفي لتتعلق عيني سعاد بأعين حسام أبنها المنتظر بلهفه شديد موافقه عمه على طلب والدته للمال .. أغلقت سعاد الهاتف سريعا بتوتر شديد وصمتت.. بينما عقد حسام حاجبيه باستغراب وقال بتوجس


= ها يا ماما عمي قال لك ايه؟ واقف يديكي الفلوس مش كده؟ 


اعتدلت سعاد في جلستها ترمقه بمقت


= ده على اساس اني لما كنت بطلب من اعمامك اي فلوس بيديهالي بسهوله كده، طبعا رفضوا وفهموا على طول ان الفلوس دي عاوزاها ليك ، الله يسامحك اديك سمعتني كلمتين ما لهمش لازمه 


اتسعت عينا بعصبية شديدة ليردف بحده


= يوووه انا مش فاهم هما مالهم هنعمل ايه بالفلوس هو مش ده نصيبي من ورث ابويا، ما يدوني الفلوس مره واحده ونعمل اللي احنا عاوزينه بيهم ان شاء الله نرميهم في البحر.


واردف وهو يمسح فوق وجهه بغضب شديد


= انتٍ السبب يا ماما، قلتلك تعالي نرفع قضيه وناخد نصيبنا من ورث ابويا غصب عنهم بدل ما احنا عمالين نستنى كل شهر ولا شهرين يدونا ملاليم مش مكفيين.. طب والله تلاقيهم بيضحكوا علينا و بيطلعلهم من الارض اكتر من كده .


احتدت نظرات سعاد وهي تستمع لكلماته بضيق شديد فهي على يقين كبير أنهم لم يحرموهم من حقهم بعد وفاه زوجها، بل على العكس تماماً فكل شهر يصل لها دفعه شهريه منهم كبيرة، لكن هو الذي أصبحت متطلباته اكثر.


= واد انت ما تلعبش في دماغي قلتلك بدل المره عشره ما ينفعش نخسر اعمامك احنا ملناش غيرهم  بعد موت ابوك ، وما حدش بينصب علينا ولا حاجه وانا نفسي لما سافرت لهم البلد بيوريني الورق بنفسهم وبشوف نصيبنا قد ايه.. 


ضجر حسام من سلبية والدته


= برده ما كانش المفروض تصدقيهم ولا تسيبيهم يتحكموا فينا ، خصوصا عمي عاصم اللي بيصمم يعرف كل قرش هنصرفه في ايه .


تنهدت بضيق شديد وهى تهتف بتوضيح


= هو بس بيدينا جزء جزء عشان خايف الفلوس كلها نصرفها وما نلاقيش حاجه بعد كده وبصراحه بقى معاه حق انت مصاريفك بقيت كتير قوي .. يا ابني هو انا حارماك من حاجه ما كل اللي انت عاوزه بجيبهلك حبكت يعني تغير الموتوسيكل بتاعك دلوقت ، هقول ايه ما انت على رايهم لو كنت فالح في شغلانه كان زمانك انت اللي بتصرف على نفسك 


ابتلع ريقه بارتباك وغيظ ليقول بنفاذ صبر


= تاني يا ماما قلتلك انا مش بحب اشتغل عند حد ، وجربت بدل المره ثلاثه وبرده ما ينفعش واديكي شايفه بزهق وبتعب بسرعه عشان كده بسيب الشغل و مش برتاح معاهم .


حدقت به والدته بمقت تلوي شفتيها ممتعضة بعدم رضي من سلوكه 


= نعم بتزهق وتتعب امال اسمه شغل ليه؟ طب والتعليم اللي بسبب عمايلك السوداء اترفدت وشمت فيا اعمامك و قالوا لي هي دي اخره تربيتك ، خليتي ابنك صايع ومش نافع في تعليم ولا شغل عشان كل حاجه بتجيله على الجاهز من غير تعب 


تأفف حسام يزفر بصوت عالياً ثم اقترب منها وهو يقبل كفها بحنان بالغ بينما كان يتحدث بصوت راجية 


= مش وقت الكلام ده، انا في دماغي مشروع ان شاء الله هعمله وهشتغل ومحدش هيقدر يتكلم معاكي بعد كده .. المهم دلوقتي هتتصرفي لي في الفلوس ولا لاء  عاوزه اغير الموتوسيكل لواحد احسن .. يرضيكي يعني ابنك حبيبك يكون نفسه في حاجه ومش عارف يجيبها .


صمتت سعاد مترددة وهي تعلم مدى تأثيره عليها، فهو طفلها الوحيد ولا تستطيع أن ترفض له طلب  واعتاد على ذلك منها .. ملامحها كانت تظهر ترددها  بوضوح ثم تنهدت سعاد بقله حيلة فقد اقتنعت لتنهض بهدوء قائله بيأس


= هو انا اقدر اقول لك لأ! حاضر وامري لله ما انا اللي عودتك علي كده.. استنى هنا لحد ما اشوف اي فلوس جوه على حته ذهب من اللي كنت بشيلهم للزمن .


❈-❈-❈


التمعت فريدة عيناها بحب وهي تراه يتقدم منها بخطوات واثقة تنهد بأبتسامه محبه فأتسعت ابتسامتها له بشوق عندما هتف


= وحشتني اوي يا فريده ، اتاخرتي ليه انا بقيلي نص ساعه مستنيكي عشان اوصلك في طريقي .


وقبل أن تجيب عليه رفع عيناه نحوها يشعر بالتشتت ،هاتف بشك


= ولا خلاص هترجعي في كلامك ومش راحة المستشفى ونريح نفسنا من موضوع الشغل ده 


امتقع وجهها من عتابه


= في ايه يا أسر هنفتح الموضوع تاني، مش كنا خلاص اتفقنا وانت وافقت؟ ولا على راي ماما بقى، أنا كل حاجه بوافق عليها حتى لو مش عاجبيني وانت مش راضي تتنازل شويه وتسيبني أعمل حاجه بحبها 


كادت أن تُغادر ليلتقط أسر يدها سريعاً مُتمتماً بآسف عن حديثه


= فريدة انا خايف عليكي... اسفه مش قصدي يـا حبيبتي انا مش عاوز اتعبك وبعدين هو ده اللي اخرك عليا النهارده؟ مامتك فتحت الموشح بتاع كل يوم معاكي صح ، وجابتلك القديم والجديد


تنهدت فريدة وهي تهز رأسها بالايجاب، وعندما رأت تصلب ملامحه المرهقه تمتمت


= ما تشغلش بالك انا اتعودت على كلامها وبقيت اعرف اوضحلها اننا بنحب بعض قد ايه ومش بيفرق معانا اي حاجه غير ان احنا نكون مع بعض .. وخلاص كلها اسبوع وهنتجوز في شقه والدتك زي ما اتفقنا


اطرق رأسه وهو يرى حسرته وعجزه فهو يعلم أنها تحملت الكثير لاجله، ثم لمعت أعين أسر  بفخر وعيناه تتفحص خطيبته بمحبه


= حقك عليا يا فريده، انتٍ طيبه أوي و استحملتي كتير معايا، واحده غيرك كانت سابتني من زمان وكان هيبقى معاها حق بصراحه، كل مره اطلعلك بمشكله وانتٍ تستحملي عشاني.. صدقيني اول ما تجيلي اي فرصه هعوضك عن كل ده .. انا بحبك قوي يا فريدة .


ابتسمت بسعاده وهي تتأمل ملامح وجهه بحب


= وأنا كمان بحبك يا أسر .


❈-❈-❈


بداخل أحد المنازل القديمه ،تحرك طفل صغير في عمر السبع سنوات بخطوات حريصه وهو يلتفت يميناً ويساراً نحو تلك الغرفه ليدلف ببطء شديد ، كان يوجد سريرين و إحداهما يناموا فوقه فتاتان صغيرتان ، بحث بعينيه عن مهرة لكنه لم يجدها بالداخل فعقد ما بين جبهته وحك فروته وهو يتسائل بحيرة أين ذهبت؟ لكنه لم يهتم كثيراً ، وخطى خطوات سريعة نحو تلك الكتب الموضوعة فوق السرير الآخر ، ورسم ابتسامة سعيدة ، وقبل أن يلمسها كالعادة لإخفائها لإثارة غضبها ، جاء صوت خافت من تحت السرير ، فرك جبهته بأصابعه بدهشة ، وقبل أن يهبط ليرى مصدر الصوت؟


تفاجئ بخروج شخص ما يخفي ملامحة بملاءة (بيضاء) وهو يعتدل في وقفته بعد أن كان مختبئاً أسفل الفراش.. ليخمن الطفل بانه بالتأكيد ( شبح )، شهق بفزع وهو يضم كفيه إلى صدره، ورمقه بنظرات رعب ، وصاح بخوف شديد 


= عاااا شبح الحقيني ياما ، ما تعمليش حاجه حرام عليك ! ياااااما


ثم التفت الطفل بذعر وهو يركض بخطوات سريعة حتى كاد ان يسقط عده مرات من الخوف، وهو مازال مستمر في الصراخ والاستنجاد بوالدته.. بينما ضحكت مهرة بصوت عالٍ وهي تراقب رعب إبن أخيها الصغير الذي كان قادمًا كعادته لإخفاء كتبها حتى تستمر في البحث عنها دون فائدة ، ففكرت في إخفاء ملامحها بملاءة السرير والنزول تحت الفراش ثم لتخرج دون مقدمات حتى يفزع ولا يعود مرة أخرى.


ابتعدت مهرة عنها المفرش و نفضت شعرها الثائر للوراء لتخرج من غرفتها ، لتجد حسناء تصرخ في طفلها ليخفض صوته وتحاول أن تشرح له بأن لا يوجد أشباح بالمنزل.


لكنها توقفت عن الحديث عندما لمحت مهره تخرج من الغرفه بكل هدوء ، إحتقنت نظراتها بصورة واضحة ، ونفخت قائلة بعصبية وهي تضيق عينيها مغتاظة


= هو انتٍ يا بنت مش ناويه تكبري شويه، فاكره نفسك لسه عيله عامله عقلك بعقل طفل صغير.. مالك ومال أبني


ردت عليها ببرود إستفزها 


= قوليله هو اللي يبعد عني ومالوش دعوه بيا، أنا حذرتك اكتر من مره طول ما هو بيضايقني هضايقة برضه، ماله ومال كتب المدرسه بتاعتي 


أثارت حنقها ببراعه ثم رمقت حسناء مهره بنظرات مشتعلة للغاية ، وكانت قسماتها توحي بالغيظ الممزوج بالحنق وودت أن تصفعها تأديباً لها على فعلتها الحمقاء نحو طفلها لكنها تراجعت عن الفكرة ،لانها تعلم أنها لم تصمت وسوف تشتكيها الى والدها وشقيقها ، بينما عبس وجـــه حسناء بشكل كبير وهي تقول بسخرية


= يا اختي يعني آخره العلام اللي انتٍ فيه ده إيه؟ مفكره نفسك هتطلعي ضاكتورة (دكتورة) ولا حاجة، ما تفوقي يا بنت وتتكلمي عدل وتتلمي شوية 


غمغمت مهرة قائله بنفاذ صبر وهي تحدجها بنظرات جامدة


= متربي عيالك أحسن يا اختي بدل التريقه عليا 


شهقت مصدومة من وقاحتها في الرد معها ، فا فارق السن بينهما كبير فمهره تبلغ من العمر الرابعة عشر.


= تصدقي يا بنت محدش عاوز يتربى غيرك، ما تحترمي نفسك وانتٍ بتكلمي اللي اكبر منك .. هو لسانك ده على طول مسحوب منك ، انا مش عارفه هي الدايه اللي ولدت امك شدتك من لسانك ولا اية شكلها.


وضعت مهرة يديها على خصرها ، وحدقت في حسناء بسخط ، وقالت ببرود 


= أنا محترمه غصب عنك وما تجيبيش سيره امي تاني على لسانك.. والمره دي اخر تحذير لابنك اللي مش قادرة عليه ولا عارفه تربيه 


أرجعت رأسها للخلف بعدم تصديق ، ورددت بغضب شديد وهي ترفع حاجبيها للأعلى بحده


= لا أنا جبت أخــــري منك خلاص ، ماشي يا مهره لما يجيلك ابوكي واخوكي يشوفوا صرفه.. والله لسلط اخوكي عليكي يرنك علقه على طوله لسانك معايا .


أجابتها بعدم إكتراث وهي تقترب وتتمايل بخصرها حتى تثير غضبها أكثر ، وبالفعل نجحت في ذلك 


= فاكراني هخاف واكش منك زي اخواتي .. لا فوقي يا حسناء والله لو جيتي جنب مني، انتٍ ولا عيالك ،لا هفتحلكم نفخكم ونفوخي وهتبلى عليكم ان انتم اللي اتكاترتوا عليا وضربتوني .


فإتسعت مقلتيها حسناء في صدمة ، ورمشت عدة مرات بعدم استيعاب لحديثها لتجز علي أسنانها بصمت، فهي تعرف جيداً التحكم في باقي أشقائها إلا هي! تقف دائما امامها بتمرد ولا تعطيها اي فرصه للسيطره عليها . 


تحركت حسناء ببطء ناحية باب منزلها ، وإستدارت برأسها ناحية مهرة التي مازالت تقف ببرود ، وضيقت نظراتها نحوها قائله بصوت جاد 


= أنا نازله أجيب عيش بلدي من الفرن ، وبعدها هجيب البقالة ، ابقي روقي الشقه وما تنسيش تولعي على حله العدس بتاعه امبارح عشان ابوكي واخوكي لما يجوا من الشغل يلاقوا حاجه يطفحوها .. كفاية عليا القرف اللي أنا فيه منك ومن أخواتك !


أغلقت حسناء باب المنزل بقوه خلفها، بينما تنهدت مهرة بعمق وتحولت نظراتها للرضــا.. فهي إذا لم تفعل ذلك معها ، تعلم جيدًا أن حسناء ستهاجمها ولن يتمكن شقيقها من الوقوف أمامها ومنعها كعادته فهو ضعيف الشخصيه أمامها.. أما عن والدها فسيتجاهل الأمر عند عودته من عمله وهو منهك جدا، فهو يحاول زيادة ساعات العمل من أجل المال ليصرف عليها وعلى أخواتها وزوجة أخيها وأولادها! ..أوله ظهرها وغمغمت بكلمات غاضبة


= قرف لما يقرفك يا شيخة .

تابع قراءة الفصل