رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 3 - 1
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثالث
الجزء الأول
بداخل شركه المحاماه و الاستشارات القانونيه، كانت تسنيم تقف في مبنى العماره في انتظار الاسانسير حتي يهبط إليها لتصعد لمكتب عملها، وفي نفس اللحظه تفاجات بـ سالم قادم نحوها ليصعد هو الآخر ولكن للحظة احتدت نظراته عليها حينما راها امامة الان واقفًة في انتظار المصعد الكهربائي، فقد اعتقد انها قد جاءت العمل الآن وتاخرت مرة أخرى!! زادت حدة نظراته القاسية نحوها ثم عبس بفمه متساءل بصوت جاد
= ازيك يا استاذه تسنيم شايفك يعني واقفه هنا ومستنيه الاسانسير عشان تطلعي.. انتٍ جيتي متاخر النهارده كمان ولا ايه؟
نظرت إليه بطرف عينها من مكانها باستنكار فدائما يسيء ظنوا بها، ولا تفهم لما دائما يتعامل معها هي بالذات بذلك الاسلوب الغليظ او ربما هذا تعاملة مع الجميع لكن لا تنكر بان أحياناً يزايد في الأمر معها بالاخص، ردت عليه باقتضاب متجهم
= لا حضرتك انا جايه من بدري وكنت فوق .. بس نسيت موبايلي في العربيه ونزلت اجيبه وتقدر تسالهم فوق بنفسك، انا مش محتاجه اكدب عشان ابرر موقفي زي ما حضرتك بتتخيل دائما
هز رأسه سالم ببرود بإيجاز وهو يبتسم بهدوء
= استاذ نبيل قبل ما يسيب الشركه ليا اداني قائمه اسماء محامين وقال لي نصيحة مني بلاش تفرط فيهم عشان دول من اشطر واذكي المحامين عندي و هيضيفوا لشركه كثير .. وحضرتك كنتي من ضمن القائمه دي للأسف، اديني هجربكم واشوف واحكم بنفسي .. لو ان البدايه كانت معاكي انتٍ بالذات مش ولابد بس اديني هجرب فرصه ثانيه
بدت تعابير وجهها مزعوجة للغاية، من تصرفاته المبالغًا فيها تطلعت بة بنظرات حائرًا.
ثم كتفت ساعديها أمام صدرها قائلة بتذمر ساخط
= هو كل ده عشان اتاخرت في أول يوم حضرتك مسكت في الشركه، تمام اعتذرت وقلت كأن غصب عني ما كنتش قاصده مش عارفه ليه حضرتك مكبر الموضوع
كان في تلك اللحظه توقف المصعد الكهربائي امامهم، ليقول سالم بجدية
= يمكن مكبر الموضوع زي ما بتقولي! بس بالنسبه ليكي بس، انا ما احبش اي غلطه في شغلي وكل حاجه تتعمل بالمظبوط .. وبعدين الغلطات الكبيره بتبدا بغلطه صغيره عشان كده كان لازم انبهك واقول لك .. وبعدين الشغل هو اللي بيحدد طبيعه البني آدم
تنهدت بضيق مكتوم متحملة أسلوبه الفج في التعامل، في حين تحرك سالم بخطواتة الى داخل المصعد وهي ما ظلت مكانها تقف! لينظر لها بصمت لتعتقد هي بأنه يستفسر بنظراته لما مزالت تقف مكانها ولم تصعد معه .
أسبلت عيناها نحوه قائلًا بابتسامة صغيرة زائف
= لا شكرا هستنى الاسانسير الثاني اتفضل حضرتك ما تعطلش نفسك .
هز كتفه الأيسر بعدم مبالاة وقال بهدوء مثير الاستفزاز لاعصابها .
= براحتك، ما سالتكيش أصلا عشان مش فارق معايا .
نظرت له شزرًا بعدم تصديق من وقاحتة بالحديث معها وبعدها صعد المصعد بة الى الأعلى.. اخذت هي نفسًا عميقًا حبسه في صدرها لتضبط انفعالاتها ثم تحركت نحو المصعد الآخر.
❈-❈-❈
أحيانا نظن بأن الحياه ستظل دوماً هادئه دون
عواقب رغم ان الكون ليس كذلك .. فالبحار رغم صفائها لها أمواج تقتلع كل ماحولها .. والسماء رغم جمالها يأتي الرعد ليجعلها كالصاعقه وأيضا الجبال رغم سكونها تتهاوي قممها احيانا.
لقد اختفت تلك السعيدة من على ملامحها بلا من حياتها كلها لتحل بها حاله يأس وحزن ،
ضمت لساقيها معاً بذراعيها وهي فوق فراش المستشفى ، ونظرت حولها ببطء وظلت تبكي بحرقة ومرارة إلى أن تورمت عينيها وصارتا حمراوتين ، وكذلك إنتفخ أنفها ..
فأظلمت الدنيا في عينيها بعد أن فقدت اعز ما تملك؟ فأصابها آليم وأشد فجعاً.. ذبل وجهها كثيراً ، كما تشكلت الهالات السوداء حول جفنيها منذ أن تدهورت حالتها الصحية وساءت كثيراً.
شردت بأعينها الدامعة وتذكرت أيضا أسر خطيبها الذي منذ وقت الحادث؟ وهي لم ترى أو تسمع عنه شيء؟ وهذا اكثر شيء استغربت له ! لكن فكرت للحظة انه ربما لا يعرف ما الذي حدث معها، فما الذي سيمنعه من قدومه إليها غير ذلك ؟. لتشرد لثواني بريبة بأن من الممكن ان يكون تخلى عنها بعد ما حدث معها؟
اعتصر قلبها بقوة بألم، وزاد تهدج أنفاسها حتى باتت عاجزة عن التنفس بسهولة وهي تفكر بأمر كذلك من الممكن أن يحدث معها، فيكفي المرار الذي تذوقتة لا تريد حسره فوق حسرتها اخرى..
لتنتبه فريدة فجاءه إلي قدوم صديقتها مريم إليها التي دلفت وابتلعت ريقها قائلة بنظرات متوترة ووجه قد شحب قليلاً
= ازيك يا فريده عامله ايه؟ حقك عليا انا مش عارفه اوريكي وشي من ساعه اللي حصل لك عشان عارفه انك اليوم ده خدتي مكاني وانا اللي قعدت اتحايل عليكي عشان تقعدي وانا امشي
لترمقها خيرية بنظرة ذات مغزى التي كانت تجلس فوق المقعد جانب الفراش، قائله بحدة أكبر
= طب كويس انك عارفه انك غلطانه وانك السبب في اللي حصل ولولا..
ترقرقت العبرات بقوة في حدقتي "فريدة" وهي تقاطع حديث والدتها و تقول بكلماتها الموجعة التي قتلت روحها ونغصت عليها سعادتها المؤقتة
= ماما خلاص هي ما لهاش ذنب عشان احاسبها على حاجه ملهاش يد فيها، ما هو محدش بيعرف اللي هيصيبه ولا بيهرب من قدره .. اللي حصل حصل خلاص الكلام مش هيفيد بحاجه
انسحبت مريم بندم من المكان مانعة نفسها بصعوبة من البكاء أمامهم من شعورها بالذنب لتختفي بالخارج بعد أن شعرت أن الاعتذار ليس له قيمه الآن؟
تنهدت فريدة بتعب وهي تشعر بما اختلج صدر والدتها وخنقها إلي صديقتها بالعمل، ثم مدت يدها لتمسح دمعاتها ونهج صدرها علوًا وهبوطًا من التوتر وهي تسائل بصوت منخفض
= ماما هو أسر برده لسه ما جاش ولا اتصل بيكٍ؟
أشاحت والدتها نظراتها بجمود عنها ولم تجيب بينما في نفس الوقت سمعت فريدة صوت الباب يفتح لتتسع عينيها بلهفة وشوق معتقده بانه أسر "خطيبها" لكن تنهدت بخيبة أمل عندما وجدت الزائر؟ هو، صديقتها سماح التي أخذت تتقدم منها وهي تبكي بحزن بعد أن عملت بما أصابها.
❈-❈-❈
في غرفة ليان وقفت أمام خزانة ملابسها ثم مررت أصابع يدها في خصلات شعرها البني الطويل التي أخذته عن والدتها وتمتلك أيضا عيني والدتها الزرقاء ،وشعرها الناعم ، أما جسدها فهو متناسق مع طولها.. كانت تقف في محاولة التفكير فيما ستفعل اليوم حتى تشغل نفسها وتكسر روتينها المعتاد، لتغير الاستايلات في بعض ملابسها فشاغلها الأكبر هو عالم الموضة بكل ما فيه.. لكن قد توقفت عن العمل نهائي قبل ست أشهر! وذلك برغبه زوجها، رغم ان قبل سابقاً كان مرحب بعملها ويدعمها ايضا ، لكن قبل أن تهدم حياتها الجميلة ويعلم ما كانت تخفية ..وانقلبت حياتها رأسا على عقبا!
فهو لم يحرمها من عملها فقط؟ بل من هاتفها ايضا وخروجها المتواصل الى أي مشوار بالخارج بمفردها، وكأنها تعيش داخل سجن! هي بالفعل تعيش داخل سجن فالمسموح لها فقط تناول الطعام والتنفس لا أكثر !. لكن رغم ذلك هي لم تعترض و رضخت لهذه الحياه، علي أمل أن يسامحها في أي لحظة ويغفر لها فعلتها المتهوره .
انتبهت لصوت طرقات أعلي باب المنزل، عقدت حاجبيها بتعجب ثم ذهبت لتفتح الباب لتتفاجئ به شقيقه زوجها أمامها، ابتسمت ليان إبتسامة مشرقه، مرادفة بنبرة متحمسة
= تسنيم! ازيك وحشتيني اوي تعالي ادخلي
ابتسمت تسنيم بهدوء وهي تدلف إلي الداخل، لتهتف بنبرة متشوقة
= قلت طالما محدش منكم بيسال عليا أسأل عليكم انا واطلع احسن منكم
حركت رأسها بإيماءة خفيفة متمتمة بصعوبة
= معلش حقك عليا بس الأيام اللي فاتت فعلا كلنا كنا مشغولين وما حدش فاضي ، بس اكيد لما تيجيلنا الفرصه هنيجي ونزورك زي زمان
هزت الأخري رأسها نافية وهي تجيبها مبتسمة بعتاب
= نعم الأيام اللي فاتت! ليان انتٍ عارفه انتٍ اخر مره زورتيني انتٍ وجوزك كانت امتى من شهور يا ماما ، غير تليفونك اللي بطلتي تردي علية وعلى طول مقفول ولما اسال جوزك عنك كل مره يقول لي حجه شكل وساعات بيطنشني وما بيردش عليا، مش ناويين بقى حد يتكرم ويحكيلي ويفهمني ايه اللي حصل بينكم.
تحركت لتجلس فوق الأريكة لتهرب من نظراتها المتفحصة بتركيز عليها، وهي تقول بارتباك
= مالنا يعني ما احنا كويسين اهو، كل ده يعني عشان ما بقيناش نزورك زي زمان ولا برد عليكي قلتلك كل الحكايه مشغولين مش أكتر
جلست الأخري جانبها، فطوقت ذراعيها حولها وهمست لها بصوت دافيء
= ليان انا بتكلم جد وليا عيون بشوف كويس، حالكوا دلوقتي غير الاول خالص وفي حاجه حصلت وحاجه كبيره كمان، وبعدين هو انتٍ كمان ليه عاوزه تخبي عني هو انا غريبه عنك مش انتٍ كنتي طول الوقت تقولي لي ان انا اقرب صديقه ليكي وذي اختك واهلك كمان، ليه بقي مش عاوزه تشاركيني الحاجه دي .. وبعدين اطمني انا عاوزه اعرف اللي حصل عشان احاول أساعد وانتٍ عارفه كده كويس
تنهدت ليان بإحباط من عدم قدرتها على التهرب من الأمر، بينما ازدردت ريقها وهي تجيبها بحذر
= تسنيم انتٍ معاكي حق في مشاكل ما بينا، بس بلاش تعرفي احسن، وصدقيني حتى لو عرفتي مش هتعرفي تحلي حاجه ما بينا لان المشكله المره دي غير اللي قبل، فمش هيفرق
حاجه بقى سواء عرفتي ولا ما عرفتيش .
ردت بصوت تسنيم ممتعض
= وانتٍ بقى عاوزه بعد الكلمتين دول اسكت ومصممش برده اعرف؟ كده انا اطمنت عليكم يعني، وبعدين ليه التشاؤم ده كل مشكله وليها حل عشان خاطري بقى اتكلمي وانا متاكده انك ما تكلمتيش مع حد في الموضوع ده.. اهلك وعلى طول مسافرين بره مصر ومش بتتواصلوا مع بعض على طول.. واخوات و ما لكيش .. يعني مش قدامك غيري جربي ومش هتخسري حاجه .
أشاحت نظراتها منزعجة وشبه متوترة، لتقول
بنبرة حزينة
= تسنيم عشان خاطري بلاش تضغطي عليا مش عاوزه انزل من نظرك انتٍ كمان! كفايه عليا نظرات اخوكي اللي بتقتلني كل يوم من الندم .. والمره دي انا اللي غلطانه.. وغلطانه جدا كمان .
ابتعدت عنها بهدوء ثم ابتسمت لها بألفة
= احكي الاول وسيبي الباقي عليا، انا هسمعك للاخر وهسمع مبرراتك كمان .. وبعدين مهما كان اللي هتحكي انا ماليش حكم عليكي ولا من حقي احاسبك، انا مجرد هسمعك وهديكي رأيي .
تشنجت قسمات وجهها للحظات، كما ضاقت نظراتها المنزعجة إلي مؤلمه وهي تسرح بمخيلها الى البداية! ولم تمنع نفسها من الانخراط في الندم و الحسرة
= تسنيم انتٍ تقريبا عارفه عني كل حاجه، وتعرفي قد ايه انا عشت لوحدي حتى في الفتره اللي كنت عايشه فيها مع اهلي كل اللي يهمهم انهم يشتغلوا يوفروا لي مستوى عالي انما يفكروا يهتموا بيا وانا عاوزه ايه لا، زمان كنت بزعل واغضب واتكلم معاهم ان مش هو ده مش؟ اللي انا عاوزاه بس ما حدش كان بيهتم منهم وشايفين اللي هم بيعملوه ده الصح.. فلما يأست منهم بطلت اعاتب واتعودت ان هي دي طريقتهم معايا و دي حياتي.. لحد ما قابلت اخوكي أيمن وحبينا بعض وفضلت مصممه عليه اتجوزه حتى بعد ما رفضوا اهلي... وقلت المره دي مش هستسلم على حاجه نفسي فيها وعاوزاها وهم مش هيمشوني على مزاجهم تاني وفعلا اتجوزنا .
انتبهت تسنيم حواسها بالكامل لها، لكنها شعرت متوجسة إلي ما تسمعة منها عن حياتها البائسه لذلك لم يمنعها مشاعرها بان تتعاطف معها، بينما كانت "ليان" تتحدث من بين شهقاتها، ولم تستطيع كبح نفسها الآن عن البوح بكل ما يجول في خاطرها وكل ما تشعر به، أخذت نفس عميق وهي تكفكف دموعها بعنف قبل أن تتابع
= حياتنا في الاول كانت جميله اوي زي اي حياه زوجية بالنسبه لاي اتنين بيحبوا بعض، بس بعد كده كل حاجه اتغيرت أيمن بقى على طول مشغول عني وساعات كنت بشوفه ساعتين بس في اليوم وكنت كتير قوي بتكلم معاه.. بس كان الرد دايما مشغول ومش فاضي او قريب كل مسؤولياتي دي هتخلص وهفضلك، بس ما كانتش في حاجه بتحصل من دي خالص..
انقبض قلبها نوعاً ما ، فذكره تلك المسألة الموجعة الآن ينذرها بالتفكير في خطيئتها التي افتعلتها دون أن تفكر في العواقب مطلقاً
ابتلعت ريقها وهي تكمل بتوتر قليل
= ما كانتش دي الحياه اللي انا كنت بتمناها وعاوزاها ، كنت مفكره ايمن ده هيغنيني عن حاجات كثير كان نفسي فيها احققها مع اهلي .. بس مش ده اللي حصل الحياه ما بينا كانت في روتين ممل وصعب عليا، ممكن بالنسبه لاي حد عادي بس أنا بالنسبه لي و بالنسبه لاحلامي واللي شفته كان صعبة ! عشان كده للاسف .
صمتت ولم تستطيع أن تكمل حديثها إلي هنأ، بينما عقدت تسنيم حاجبيها باهتمام وهي تقول بنبرة فضولية
= كملي ايه اللي حصل؟ سمعاكي .!
ابتلعت ليان غصة مريرة في حلقها ، وأخذت نفساً عميقاً لتضبط به إنفعالاتها وتخفي ضعفها قبل أن تنهار أكثر فتزيد من الأمر سوءاً ، ثم أخرجت كلمات ببطء، بينما كانت طأطأت رأسها للأسفل بخجل
= عشان كده للاسف لما جاتلي فرصه قدامي اغير شويه بيها من حياتي استسلمت بيها من غير وعي ولا فكرت في العواقب اللي هقابلها من اللي بعمله ده.
لتردف ليان وتبصق كلماتها تلك والتي لم تقوى يوماً على قولها بصوت مسموع، ولم يمنعها كونها لتشعر بالحزن والإنكسار
= تسنيم انا تقريبا كده او فعلا آآ خنت جوزي.. أنا خنت أيمن وحبي لي.. وثقته فيا .
❈-❈-❈
كأن عابد يجلس داخل أحد غرف المكاتب، في احد المدارس الحكوميه يعمل، فهو مدرس لغه عربية، انحني بجسده قليلاً للأمام وهو يراجع اجوبه التلاميذ بين الكتب لكن كلما حاول التركيز ياتي في عقله ما حدث لابنته! تنهد هو في ارهــاق وحزن ، والتفت حوله ليتابع بعينه تلك الثرثرة الروتينية المعتادة بين التلاميذ والمدرسين..ثم أغمض عيني ليدلك رأسه بتعب قليلا حتى يرتاح .
انتبه له صديقه ليقترب منه بود، مردد عليه بكلمات مقتضبة لكنها غامضة
= مالك يا عابد انت تعبان؟ ما كنت اخذتلك النهارده اجازه، المدير ما كانش مانع لما يعرف اللي حصل عندك !.
رفع رأسه بإنزعاج وقال بضيق دون اهتمام
= أنا كويس ما تقلقش و.. آآ هو ايه اللي حصل؟ انت بتتكلم عن ايه
أشـار صديقه بذراعه قائلاً بصوت متوتر بإحراج
=احم يعني الله يكون في عونك على اللي حصل لبنتك الصغيره فريده مش هي اسمها كده برده، كنت سمعت طراطيش كلام عن اللي حصل لها في المستشفى إللي بتشتغل فيها.. ربنا يكون في عونك وعونها
هب عابد وافقاً من خلف طاولة مكتبه الخشبي العتيق الموجودة بالغرفه، بعد أن اتسعت مقلتيه على أشدهما بصدمة، وزاد بروز عروقه التي تغلي بالدماء و صائحاً بزمجرة غضب
= انت بتقول ايه؟ أنت عرفت الكلام ده منين
انتبه صديقه لصوتة العالية المنفعل ، ليسرع قائلا متوجساً
= اهدى و وطي صوتك محدش يعرف غيري هنا وانا عرفت من مراتي.. وهي سمعت بالصدفه من ناس في الشارع عندنا، وما عنديش علم بصراحه هم عرفوا منين .. بس انت عارف اللي فيها ما فيش حاجه بتخفى عن الناس .. شدي حيلك يا عابد انت داخل على هم كبير الله يكون في عونك .
رحل بعدها صديقه بهدوء، بينما لم يقو عابد قدماه على حملها ليهوي مره ثانيه فوق المقعد بضعف فقد تلقي الخبر كالصاعقة ، فكان يحاول بكل سيطرته اخفاء ذلك الخبر حتي لا يعرف أحد بة ويصل للجميع خبر إغتصاب أبنته! فأظلمت عينيه بعجز فما كان يحاول اخفاءه تم كشفه وسيعلم الجميع خلال لحظات قليله... فالفضائح والمصائب آليم وأشد فجعاً .
فكيف سيواجه كل ذلك؟
رفع يده على جبينه ليجفف حبات العرق الساخنة بتوتر.. شاعرا بأن كل العيون تتابعة باهتمام أو ربما من الممكن يتوهم ذلك! لكن شعر حقا بشعور سيء للغاية... شعور بانه عاري ولم يعد مستور بين الجميع .
❈-❈-❈
قد تجاوزت دقات الساعة الثالثة بقليل حينما مرت خيرية من أمام سوبر ماركت على ناصية الطريق .. زفرت في إرهاق ، وتوقفت للحظة عن السير لتلتقط أنفاسها فقد شعرت بالتعب حقا فالايام السابقه لم ترتاح ولا لحظه وكانت كل يوم تذهب بين منزلها والمشفى لتطمئن على ابنتها .. وايضا قريبا ستذهب الى قسم الشرطة حتى تاخذ النيابه افاده ابنتها وتتعرف على مغتصبها بعد ان تم القبض عليه، لحظات و ثم أخذت نفساً مطولاً قبل أن تبدأ بالتحرك مجدداً، دقائق و وصلت إلى بنايتها القديمة وقبل أن تدلف إلى داخل قد اصطدمت هي بدون قصد بإحدى السيدات بالشوارع، لتهتف بإنزعاج
= مش تاخدي بالك يا آآ.. سميحة .
فعندما رفعت رأسها وجدت سميحة تقف أمامها وعلى وجهها ابتسامة غامضة لتقول وهي تزم شفتيها في فضول
= ازيك يا خيريه، واخبار بناتك الاتنين ايه؟ الله بالحق هي فريده فين؟ بقيلي أسبوعين مش بشوفها؟
شعرت بتوتر رهيب لتجيب عليها بريبة
=هاه، آآ موجوده فوق في البيت، يعني هي هتروح فين
صمتت للحظة واحدة ثم هتفت بإندفـــاع يحمل الغضب الشرس
= لا بنتك مش موجوده فوق؟ بنتك في المستشفى يا خيريه وعيب لما تبقي ست كبيره وتكذبي عليا، انا عارفه اللي حصل ليها من اول يوم وكنت مستنياكٍ تيجي من نفسك و تقولي لي، بس مش فاهمه مخبيه عليا انا بالذات ليه؟؟ هي دي حاجه تنقع تخبيها عليا وعلى ابني .
أغمضت عينيها لثواني ثم فتحتها وأجابتها بعدم اكتراث
= بقول لك ايه يا ام اسر انا اللي فيا مكفيني ومش شايفه قدامي و ربنا وحده اللي عالم انا الايام اللي فاتت دي بتعدي علينا ازاي ، وما عنديش وقت حتى اخد في نفسي .. عشان تيجي تحاسبيني اقول لك ولا ما اقولكيش .
ردت عليها سميحة مقاطعة إياها بنبرة عدائية
= بس حاجه زي دي كان لازم ابني اول واحد يكون عارفها هو مش خطيبها و المفروض كان هيتجوزوا ولا ايه؟ بس شكلك انتٍ بقى اللي كانت في نيتك حاجه ثانيه .. عشان كده خبيتي علينا .
هتفت خيرية بصوت محتد وقد استشاطت نظراتها
= انا لا في دماغي حاجه تانيه ولا تالته، و بعدين تعالي هنا طالما عماله تتكلمي و تحاسبيني وتعرفي قوي في الاصول وانتٍ لسه دلوقتي قايله بلسانك ان انتٍ تعرفي اللي حصل لبنتي من اول يوم؟ ما شفتكيش يعني هوبتي ناحيه المستشفى تزوري بنتي لا انتٍ ولا ابنك ليه؟ ولا مش دي برده اصول .
تقوس فم سميحة بابتسامة غير مبالية ، وردت عليها بفتور وهي بتعمد النظر إليها بإحتقار
= كنا مشغولين بس اكيد هنيجي لما نفضى .
رحلت بعدها لتتنهد خيرية بعدم راحه لها، ثم أكملت طريقها إلى ذلك المدخل الرمادي لتصعد على الدرج بخطوات بطيئة وعندما وصلت إلى المنزل فتحت الباب ودخلت لتتفاجا بزوجها بالداخل يجلس فوق المقعد بوجه قاتم، عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام
= عابد! انت ايه اللي رجعك من الشغل بدري هو في حاجه حصلت؟
اشتعلت عيناه حنقاً ثم نظر لها بإزدراء، ليردف بإهتياج
= عرفتي ان احنا اتفضحنا في المنطقة وفي ناس عرفت باللي حصل لبنتك، ده الكلام وصل عندي المدرسه .
نظرت له بقله حيلة ، وهتفت بنبرة مغلولة
= عرفت يا اخويا قابلت سميحه تحت وادتني كلمتين، خلاص اللي حصل حصل ومسيرهم كان هيعرفوا، انا بس مش مطمنه للوليه دي ولا لي موضوع ابنها أن لحد دلوقتي ما جاش يزور البنت في المستشفى.. خدها مني كلمه الجوازه دي مش هتكمل! بالذات بعد اللي حصل كمان.
اكتسى وجهه بحمرة مخيفة ، وزاد بروز عروقه التي تغلي بالدماء في لحظات ثم انفجر فيها صائحاً بزمجرة مخيفة
= هو انتٍ مفكره كل اللي يفرق معايا سميحه وابنها انا في الناس والفضيحة، بقول لك الكلام وصل للشغل عندي!! فاهمة ده معناه ايه ؟.
ثم تابع صاح عابد بإنفعال كبير لاعناً ابنتة الصغيرة على ذلك الموقف اللعين التي وضعتهم بيه .
= كله من بنتك وعمايلها كان لازم يعني توافق انها تقعد في المستشفى ساعتين زياده وترجع متاخر! كانت عقلها فين وقتها؟ ومستنيه ايه لما ترجع في وقت زي ده وما يحصل لهاش حاجه .
توترت زوجتة من كلماته الغاضبة والتي تعي جيداً أنه محق و يجب ان يتحمل كلا منهم العواقب القادمة فالقادم ليس سهل مطلقاً ، أقتربت منه ثم رددت قائله بتلعثم
= بالراحه طب يا اخويا واهدى، ما هو محدش عارف اللي هيصيبه.. ربنا يتولنا برحمته بقى على اللي هنشوفوا الأيام الجايه من الناس .
❈-❈-❈
مسحت فريدة بالمنديل القطنية عيناها الباكيتين لتحدق في خطيبها الجالس أمامها يتطلع فيها بندم ولهفة .. انتحبت بصوت خفيض وهي تحاول السيطرة على نفسها أمامه.. فقد مر أكثر من عشرة أيـام واليوم فقط جاء ليطمئن عليها.. اليوم فقط اهتم يطمئن على وضعها البائس ،لكنها كانت حاضرة معه بجسدها لكن روحها وعقلها غائبين .. فقد تركها وحيدة تقضي وقتها مختلية بنفسها شاردة في ذكرياتها معه، لكن الفقيد لا يعوض ، وهو كان الحياة بالنسبة لها.
للحظة نظرت فريدة الى يد أسر الممدُده قبل أن تضع يدها بيدهُ بجفاء،ضمها بآناملهُ يشعر بإحساس دافئ، كذالك هى شعرت بنفس الإحساس الدافئ التى دائمًا عانت من إفتقادهُ مع من حولها بعد ما حدث، فهو اكثر الناس التي كانت بحاجه اليه بين الجميع لكنه لم يأتي إلا اليوم فقط!! لكن سُرعان ما سحبت يدها من يدهُ بألم ،رفع أسر وجهه ينظر لوجهها ملامحها قد تبدلت و إزدادت حزن فقط! رغم أنها عادت نظرات العيون لكن تبدل الحنين والآنين الى حِيرة مشاعر، لتهتف بهدوء مريب
= اللي جابك يا أسر لسه فاكر تسال عليا؟ وتيجي تزورني
نظر لها بحنان وندم ، وهتف بصوت شبه حزين و بنبرة مواسية
= انا اسف حقك عليا عارف ان انا غلطان و ما فيش اي حاجه ممكن تشفعلي غلطتي، بس انتٍ ما تعرفيش اللي حصل بعد اللي عرفتة عنك! كان صعب عليا اتحمل اللي حصل واجيلك واحط عيني في عينك بسهولة وأنا
مش قادر اجيبلك حقكٍ
صمتت للحظة محاولة السيطرة على نبرتها قبل أن تختنق أكثر ، وأخفضت نظراتها لتحدق به، وخرج صوتها مهتزاً وهي تتابع بمرارة
= انا ما طلبتش منك تجيبلي حقي، أنا كنت مهزوم.. وأنت حتي مستكترة عليا وقت تيجي تطبطب عليا عشان استوعب هزيمتي.
ابتلع أسر ريقه بصعوبة ، وأجابه بحسرة
= انا اسف يا فريده والله انا اللي مش قادر لحد دلوقتي استوعب اللي حصل لك.
ثم تابـع أسر هادراً بتهديد صريح
= بس والله لا اجابلك حقكٍ من الكلب ده حتى لو اضطريت اقتله .
هزت رأسها بقلق و ردت عليه بصعوبة محاولة التمالك أمامه واظهار قوتها
= لا لا، اياك تعمل كده.. ما تعملش حاجة يا أسر انا حكيت كل حاجه للظابط وهو هيجيبلي حقي أن شاء الله، انا مش عاوزه خساره تانيه كفايه اللي انا فيه .
أخــذ نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم تابع قائلا بصوت متردد
= طب سامحتيني. ! يا فيري.
_فـيـري.
ذلك الاسم الذي انتقاه أسر عشقها لها ليكون خاص بهم.. وكان يخبرها دائما أنها.. رقيقة القلب.. كثيرة البكاء ..لكنه أحبها كثيراً لأنها مختلفة ومميزة ، وأخبرها سابقاً ايضا بأنه لم ولن يتخلى عنها مهماً حدث.. لكن قد خائن الوعد مع الأسف مرة!
تكرر النداء على مسامعها ، فكفكفت عبراتها وهي تجيب علية بصوت شبه متحشرج يائسه
= مش عارفه امتى قلبي هيشيل منك يا أسر