رواية جديدة في غيابت الجب لنعمة حسن - الفصل 8
قراءة رواية في غيابت الجب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية في غيابت الجب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة نعمة حسن
الفصل الثامن
| لا أفرط بكِ |
بعد مرور أربعة أشهـر.
يجلس جمال على مقعده الوثير حاملًا طفلتهُ فوق قدمه يمازحها ويداعبها، حينها دخلت بسمة التي كانت تحمل كوبين من الحليب الساخن، أسندت تلك الصينية فوق الطاولة المستديرة أمامهما،ثم جلست على يد المقعد الذي يجلس فوقه وهي تناوله كوب الحليب خاصته وتقول:
_ نفسي أفهم إيه الحكمة من إنك مصمم تشرب إنت ولينا في كوباية واحدة! لأ ولازم إنت الأول.
_ علشان لو لاقدر الله أكلت أو شربت حاجة مش كويسة أو تعبتها في مرة أكون قبلها… بعد الشر يعني.
تقوس حاجبيها بدهشة وقالت:
_ إيه التفكير الغريب ده يا جمال؟ وبعدين يا حبيبي ما احنا بناخد بالنا كويس أوي من أكلها وأنا اللي بحضر لها الأكل بنفسي، ليه القلق ده كله؟
نظر إليها وهو لا يرى في إجابتهُ العفوية أيًا مما يثير تعجبها وأضاف بعفوية أكثر:
_ بخاف عليها من الهوا أعمل إيه؟
إبتسمت بتشفق على قلبه المسكين الذي تعلق بهذه الطفلة بشدة وقالت وهي تهندم شعراته مبتسمةً:
_ يا حبيبي يا جمال، ربنا يخليك لينا.
أضاف وهو يرفع كوب الحليب المملوء لثلاث أرباعه على فم الطفلة وقال:
_ ربنا يخليكوا إنتوا ليا، أنا من غيركوا ولا حاجة .
أردفت بامتنان:
_ إنت أب رائع يا جمال!
_ وإنتي أم ولا أروع، وسيبيني بقا أركز مع حبيبة بابا مش معقول كده مش عارف هركز معاكي ولا معاها..
ضحكت عاليًا وقالت:
_ حبيبة بابا وخداك مني، مبقيتش مهتم بيا خالص، لو أعرف إن ده هيحصل في يوم مكنتش قولتلك نتبنى طفل.
طالعها محتقن العينين بغضب شديد وقال بحدة:
_ إيه الكلام ده يا بسمة! آخر مرة أسمعك بتتكلمي في الكلام ده قدام لينا.
تعجبت حدته المفاجئة وقالت:
_ مالك يا جمال أنا بهزر..
_ هزري في أي شىء إلا الموضوع ده، موضوع التبني ده متجيبوش سيرته تاني قدام لينا. مـفهـوم؟
أومأت بموافقة وقالت:
_ حاضر.
إنتابها الضيق لحدته معها فانصرفت إلى غرفتها دون النبس بكلمة، بينما تطلع هو في أثرها بضيق وأخذ يتحدث إلى الطفلة ويقول:
_ أهي إتقمصت وخدت على خاطرها، بس ميهمش كله يهون عشان حبيبة بابا، تعالي بقا نروح لدادة زهور تنيمك عشان ألحق أراضي ماما قبل ما تنام هي كمان!
إبتسمت الطفلة وكأنها تعي ما يقوله فانفلتت ضحكاته وهو يغدقها بالكثير من القبلات ويقول:
_ بقا بتضحكي يا شعنونة! طب والله مانا رايح في مكان.. بكرة أراضيها هي يعني هتروح فين.. إيه رأي حبيبة بابا بقا نقعد على مرجيحتنا الجميلة ونحكي قصة الأميرة لينا؟ موافقة ها؟
هزت ليا رأسها وابتسمت فضمها إليه أكثر مقبلًا أعلى رأسها وهو يقول:
_ أحبك أكتر من كده إيه بس قوليلي؟
طبعت الصغيرة قبلة حانية على وجنته فكان كالمسحور إثر حركتها العفوية تلك وتبسّم قائلًا:
_ بتحبي بابا؟ طيب قولي يلا.. بـــابـــا… قولي يا لولو .. بـــابــــا..
غمغمت بكلماتٍ غير مفهومة فقال مسرورًا:
_ وبابا بيحبك يا روح بابا..
_ جمـــال..
كان ذلك النداء صادرًا من عند بسمة التي تقف بالطابق العلوي وتنظر للأسفل حيث يجلس جمال وبرفقته لينا، إنتبه جمال ونظر إليها متسائلًا فقالت:
_ميعاد نوم لينـا. من فضلك زهور مستنياها.
أومأ دون نقاش وقال:
_ حاضر.
نهض حاملًا إبنته، ثم ذهب إلى غرفة لينا حيث تنتظر زهور، وضع لينا بسريرها بعد أن قبّلها وتمنى لها أحلامًا سعيدة ثم إنصرف إلى غرفته.
دخل وأوصد الباب خلفه ليجد معشوقته تتسطح بمكانها وهي تمسك كتابًا تقرأ به، تقدم منها والتصق بها وهو ينظر بغلاف الكتاب كي يقرأ عنوانه وقال:
_ كيف تصبحين أم ناجحة؟؟ يا حبيبتي إنتي أحسن أم في الدنيا.
نزعت الكتاب من بين أصابعه وأغلقته، ثم وضعته بجوارها وأخفضت الضوء المجاور لها وتدثرت بغطاءها متجاهلةً إياه تمامًا.
تنهد مطولًا وأردف:
_ زعلانة مني ليه يا بسوم؟
مسح على شعراتها البُنية الناعمة وتابع:
_ مقدرش على زعلك يا نن عين جمال.
إخترقت كلماته قلبها كالعادة؛ فالتفتت وطالعته مبتسمة بعتاب لينحني هو مانحًا جبينها قبلة وقال:
_ بقا ينفع القمر ده يزعل؟ طب والله قمر وإنتي زعلانه وقمرين وإنتي فرحانة.. طب أغنيلك أغنية عمرو دياب اللي نازلة الايام دي؟
أومأت ضاحكة فبدأ يغني وهو يتفرس بملامحها بحنانٍ يذوب به قلبها وقال:
_ قمرين، قمرين دول ولا عينيك.. قلبي بيسألني عليك، وأتاريني بفكر فيــــك!!
مسحت على وجهه بإبهامها بعشقٍ خالص وبدأت تغني معه وتقول:
_طال انشغالي وياك ياغالي، وأنا ايه جرالي خلاني أدوب فى هواك.. اشمعنا إنت.. حبيتك إنت.. إزاي وامتا شغلت روحي معاك!
_ إشمعنا أنا؟ فعشان أنا محظوظ.. أمي طول عمرها كانت دعيالي وراضية عني عشان كده إتجوزتك، أما بقا إزاي وإمتا؟ من ساعة ما كنت بتلكك كل شوية عشان أشوفك.. كنت ساعة ما أشوفك أحس إني طاير!! طاير فوووق فوق السحاب .. كنت ببقى نفسي أقولك كلام كتير بس مكنتش بقدر، كل مرة أقول هصارحها وأقوللها إني معجب بيها وساعة ما كنت أشوفك أتلجم ولساني يتعقد وأنسى الكلام اللي كنت حافظه، مكنتش بلاقي مخرج غير إني أقوللك محتاج زهور تناولني حاجة.. مرة زيت ومرة سكر. كنت مخلص تموين بيتكوا كله، هو حلمي بيه الله يرحمه مكانش بيقبلني من قله؟!
تعالت قهقهاتهما سويًا وهما يسترجعان تلك اللحظات، ثم تمتمت هي بتأثر:
_ الله يرحمه.
مسد ذراعها وقال:
_ الله يرحمه، بسمة.. متزعليش مني تاني، مقدرش أسامح نفسي لو زعلتك!
تنهدت بثقل وقالت:
_ جمال إنت تصرفاتك أوقات بتكون مثيرة للدهشة بجد ! إنت لو باباها فعلا مش هتكون مهووس بيها للدرجة دي!!
تأفف بضيق وقال:
_ بردو هتقوللي كلام يحرق الدم..
_ يا جمال مش قصدي، عارفه إنك إتعلقت بيها جدا بس مش للدرجة دي! ده إنت بتدوق أكلها قبل منها، بتقوم من النوم تطمن عليها عشرين مرة في الليلة، أنا اللي مفروض أم مبعملش كده؟ إنت شككتني في أمومتي.
_ متقوليش كده يا بسمة، إنتي أحن وأعظم أم في الدنيا.. بس أعمل إيه .. مش عارف مالي كده مهووس بيها على قولك! لينا جميلة أوي يا بسمة.. جميلة وحنينة وبريئة كده وتتاكل أكل..
وداعب خصرها مردفًا:
_ زيك كده يا جميل إنت..
ضحكت وهي تنسلت من مغازلاته للجدية مرة أخرى وقالت:
_ يا بابا ماهو أكيد هتكون حنينة زبريئة ماهي طفلة عندها سنتين لسه! الأطفال في السن ده بيبقوا ملايكة فعلا..
أومأ مؤكدًا حديثها وتابع:
_ لو بس تقول بابا.. يااااااه… مش عاوز حاجة تانية من الدنيا.
إبتسمت وقالت:
_ بكرة تزهقك من قولة بابا.. الحمد لله الدكتور طمننا وقال إنه تأخير النطق طبيعي بالنسبة للظروف اللي مرت بيها، يعني مفيش حاجه تدعو للقلق، وأدينا معاها واحدة واحدة لحد ما تتكلم.
_ إن شاء الله هتتكلم وتملى البيت ضحك وشقاوة.
_ إن شاء الله.. يلا يا حبيبي تصبح على خير..
_ ده إنت اللي حبيبي وحبيب اللي خلفوني كمان.. قمرين، قمرين دول ولا عينيك؟ قلبي بيسألني عليك …..
تصاعدت ضحكاتها وهي تستدير وقد ولّتهُ ظهرها لتستسلم لحاجتها المُلّحة للنوم بينما إحتضنها هو من الخلف وغفا بسلام.
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
كانت دليلة منهمكة في إعداد الطعام قبل أن ينفرج الباب ويدخل رزق الذي ألقى بحقيبته المدرسية أرضًا وهو يقول متذمرًا:
_ أنا خلاص مش رايح المدرسة دي تاني.
تنهدت بإحباط من تلك الكلمات التي تسمعها منه يوميًا واستدارت لتواجهه وهي تقول:
_ ليه بس كده يا رزق؟
طالعها بعينين متمردتين وقال:
_ الست دي اللي عاملة نفسها مُدرسه..
إنفلتت ضحكتها رغمًا عنها وأسندت كفها على جبهتها وهي تقول:
_ هي مش عامله نفسها مُدرسه.. هي فعلا المُدرسه بتاعتك يا رزق..
_ ما علينا
ضحكت وقالت:
_ ما علينا، عملت إيه المُدرسة دي؟
_ عاوزة تضربني أربع عُصيان عشان محفظتش!!! مين دي عشان تضربني قدام الفصل كله! يفتح الله.. أنا خلاص مش عاوز أتعلم ولا هروح المدرسة دي تاني.
لم تعرف كيف تمنع ضحكاتها بسبب أسلوبه العفوي المضحك وتذمره الدائم، إقتربت منه وربتت على كتفه قبل أن تجلس بجواره وتقول:
_ طيب متزعلش..
_ لأ أنا مش زعلان، ومش رايح المدرسة تاني.
_ إيه الكلام ده يا رزق؟ مال المدرسة باللي بتقوله ده؟ وبعدين إذا مكنتش هتروح المدرسة هتتعلم إزاي بقا؟
_ مش عاوز أتعلم!
ألقاها ببساطة فنظرت إليه بضيق، ثم تنهدت وحاولت أن تتحدث معه بلين أكثر وقالت:
_ رزق، لازم تتعلم علشان مستقبلك..
_ مش عاوز مستقبلي ده .
صرخت به بعصبية بالغة وقالت بنفاذ صبر:
_ يوووه.. هو إيه اللي مش عاوز تتعلم ولا عاوز مستقبلك؟ أومال عاوز إيه بالظبط!!
_ عاوز أشتغل مع عم حسين!
تنهدت بثقل وقالت:
_ ما إنت قولتله من فترة وقاللك لما تكبر تشتغل!
_ بس انا مش صغير.
_ محدش قال إنك صغير، إنت راجل وعاقل وكل حاجة كويسة فيك.. بس دلوقتي التعليم أهم. تتعلم الأول وبعدين تشتغل.
أجابها بعنادٍ صرف:
_وأنا مش عاوز أتعلم.
طالعتهُ بغضب وقالت:
_ إنت عنيد ليه كده!! أنا أكبر منك وأعرف مصلحتك عنك.. التعليم هو اللي هيخلي ليك مستقبل ويخليك بني آدم كويس.
_ العلام ده تضييع وقت عالفاضي.. أنا إتعلمت في الشارع اللي مفيش مدرسة تعرف تعلمهولي.
إستوقفتها كلماته؛ لقد كان فصيحًا أكثر مما ينبغي.. يبدو أنه محق. لقد أدرك وتعلم الكثير بالرغم من حداثة سنه إلا أنه يملك عقل رجل بالغ.
_زي إيه؟
تسائلت لترى إجاباته علها تقتنع فأجابها قائلًا:
_ زي إنها مش بالعلام.. ياما ناس متعلمة ودماغها دي فردة جزمة قديمة لا مؤاخذه..
أثارت كلماته ضحكها فاسترسل قائلًا:
_ وفي ناس مش متعلمة زيي كده ودماغهم توزن بلد!
أنهى كلماته ونفض قميصه بخيلاء قاصدًا ممازحتها فارتفعت ضحكاتها وقالت:
_ أنا مش هسلك معاك، دلوقتي ييجي عمك حسين وشوف رأيه.
صاح مستنكرًا:
_ رأيه ده إيه، دي حياتي وأنا حر فيها!!!
وإمتنع عن الحديث عندما إنفرج الباب ودخل حسين مبتسمًا وهو يقول:
_ سلام عليكم.
_ وعليكم السلام. ردد كلًا من رزق ودليلة ثم تقدمت دليلة من حسين كي تأخذ منه ما أحضره برفقته، ثم ذهبت لإعداد الغذاء على الفور.
أشار حسين لرزق بالتقدم منه، فتقدم وجلس جواره، وضع حسين كفه على مؤخرة رأس رزق وقال بود:
_ عامل إيه يا رزق؟
أجابت دايلة بدلًا عنه وهي ترص الأطباق فوق المائدة وقالت:
_ رزق عاوز يسيب المدرسة.
صاح حسين مستنكرًا:
_ إيـــه!!!!
طالعه رزق مرتابًا وقال:
_ إيه؟ كُنت.. والمصحف كنت.. إنما دلوقتي خلاص مش عاوز..
_ إوعا أسمعك تقول الكلام ده تاني يا رزق. إوعا يا حبيبي.. المدرسة دي هي اللي هتنفعك.
أومأ رزق مؤيدًا وقال:
_ معاك حق .
نظرت إليه دليلة بتعجب وقالت:
_ لا والله! أومال كنت عامل فيها سبع رجالة في بعض من شوية ليه؟
غمز لها بعينه وهو يعض بأسنانه على شفته دلالة على مزحه وقال:
_ ميبقاش قلبك إسود بقا.
لم يسعها سوى الابتسام، ثم نظرت إلى حسين الذي كان يراقب حوارهما مبتسمًا وقالت:
_ الغدا جاهز يا حسين.
نهض حسين وحث رزق على النهوض برفقته ثم تقدما من المائدة وجلسا حولها، إنضمت لهما دليلة أخيرًا وبدأوا بتناول الطعام.
نظر حسين إلى دليلة وقال:
_ دليلة، متنسيش تديني روشتة العلاج بتاعك وأنا نازل أجيبهولك.
أومأت بامتنان وقالت:
_ حاضر، ربنا يباركلنا فيك.
نظر إلى رزق وقال:
_ رزق بيه، من هنا ورايح كل أول شهر تعمل حسابك هنروح أنا وإنت نشتري طلبات البيت سوا، عاوزك تتودك كده وتتعود تشيل المسئولية عشان لو أنا غبت في أي وقت تسد مكاني.
إسترعت كلماته الأخيرة إنتباهها، فنظرت إليه وقد زحف القلق إلى ملامحها، ثم أكملت طعامها وهي شاردة.
❈-❈-❈
أقبل الليل على المدينة؛ فوقف جمال كعادته كل مساء يراقب الجو الممتع من شرفة غرفته، حيث أضواء السيارات والطريق المزدحم المليئ بالحيوية ، ومن خلفه النيـل الساحر مزدانًا بأضواء المباني التي إنعكست على أمواجه فشكلت منظرًا بديعًا.
شعر ببسمة تعانقه من الخلف؛ فسحب يدها وأوقفها أمامه واحتضنها، فانكمشت بأحضانه أكثر وسمحت له أن يغمرها كليًا وقالت:
_ إمتا لولي تكبر وتقف معاك تتفرج على المنظر الجميل ده كل يوم.
مسد ذراعيها بدفء وقال:
_ منظر يستحق التأمل فعلًا، من نعم ربنا علينا إننا عايشين في مكان حلو زي ده! مكان على قد ما هو حيوي ودوشة لكن فيه راحة نفسية مش ممكنة.
_ جمال بلاش مبالغة، المكان عادي جدًا.. معاك إنه حلو وفيه راحة بس مش لدرجة التأمل.. مُبالِغ أوي.
ضحكا سويًا فاردف هو قائلًا:
_ ميعرفش قيمة المكان ده غير اللي عاش عمره كله في قمقم الهوا والميا محسوبين عليه.. أنا مش ببالغ، أنا عمري ما كنت مُبالِغ زي ما بتقولي.. أنا ممكن أبالغ في حاجة واحدة تعرفي إيه هي؟
أدارت وجهها لتنظر إليه وهو يقف وراءها وقالت:
_ إيه؟
_ حُبك!
إبتسمت بحبورٍ شديد، دائمًا ما ينجح في تدليلها ومنحها ما تستحق من الحب.
أراحت رأسها على صدره وتنهدت وهي تحمد الله بداخلها أنه رزقها برجل مثله، رجل دائمًا ما يتفنن في إسعادها وإثبات حبه لها.
وما الذي تريده الأنثـى سوى ذلك؟
رجلٌ لا يرى بعينيه سواها، ولا يسعى لإرضاء غيرها ولو راودته ملكات جمال العالم أجمع عن نفسهن.
رجلٌ متيّم بها… وكفى!
❈-❈-❈
دخل حسين إلى غرفته فوجد دليلة تجلس على الأريكة وهي تسند رأسها على قبضتها بشرود حتى أنها لم تنتبه إلى دخوله، تقدم منها وجلس بجوارها قائلًا:
_ دليلة، مالك؟ فيكي حاجه ؟
إعتدلت في جلستها ونظرت إليه وقد فاض الحديث من عيناها فقال:
_ قولي يا دليلة.. عاوزة تقولي إيه؟
إزدردت ريقها وتنفيت بهدوء، ثم نظرت إليه مباشرة وقالت:
_ حسين هو إنت هتطلقني؟
قطب حاجبيه في تعجب شديد لم يلبث أن إزداد وهي تقول:
_ أنا عارفة إنك زهقت مني، وعارفة إني حملتك فوق طاقتك.. مفيش راجل يستحمل الوضع ده كل المدة دي بس…
قاطعها مكممًا فمها بيده وقال:
_ بس يا دليلة، إيه اللي بتقوليه ده؟ إيه اللي زهقت منك والكلام الفاضي ده!
_ أومال معناه إيه كلامك لما قولت لرزق إنك ممكن تغيب في أي وقت وعاوز تعلمه يسد مكانك؟ تقصد إنك هييجي عليك وقت تطلقني أكيد..
رفرف بأهدابه مذهولًا من كلامها ولم يكد يفسر لها مقصده إلا ورآها تبكي وهي تتمسك بيده في توسل شديد وتقول:
_ أرجوك يا حسين متبعدش عننا، أرجوك أنا ما صدقت يبقالي ضهر.. أنا عارفه إني بظلمك معايا.. بس خلاص.. أنا موافقة والله، أنا هديك حقك بس تخليك معايا..
_ بس يا دليلة، بسسسس… إيه اللي بتقوليه ده! حق إيه وبتاع إيه؟ مين اللي قاللك إني ممكن أسيبك ولا أفرط فيكي أصلا! دليلة أنا بحبـك.
ظلت تتطلع إليه لا تحول بعينيها عنه، تحاول فهم نظراته الدافئة تلك المصوبة نحوها، بينما إستطرد هو وقال:
_ بحبك من يوم ما شوفتك!!
دق قلبها وإمتلأ بالفوضى وظلت تستمع له وهو يُفضي ما بجعبته أمامها لأول مرة ويقول:
_ حبيتك من أول يوم شوفتك فيه في المصنع، شغلتيني وبقيت أفكر فيكي ليل نهار، وفي اليوم اللي نويت أصارحك لقيتك واقفة مع جمال وبتتكلموا.. عرفت إن بينكوا حاجة.. سحبت نفسي وخدت بعضي ومشيت!
أوصدت عينيها بألم داخلي يملؤها وقالت ودمعاتها تحرق قلبها قبل وجنتيها:
_ ياريتك ما بعدت يا حسين، ياريتك كلمتني وبعدتني عنه، ياريتك حذرتني منه مكانش كل ده حصل لي.
أومأ مؤيدًا حديثها وبعض من الندم ينتابه وقال:
_ مبقاش ييجي منه يا دليلة، اللي فات مات.. إنسي.
مد أنامله ومسح أسفل محجريها وهو يقول:
_ مش عاوزك تفكري التفكير ده تاني، أنا إستحالة أسيبك أو أتخلى عنك بعد ما بقيتي مراتي .. مش هيفرقني عنك غير المـوت.
إحتضنتهُ بغتةً دون مقدمات ولا سابق إنذار، طوقت عنقه بيديها وهي لازالت تبكي وتقول:
_ بعد الشـر عنك يا حسين، ربنا يجعل يومي قبل يومك يااارب.. أنا مليش غيرك يا حسين لو سبتني هموت.
ربت على ظهرها بحنان، وأخيرًا سمح لنفسه أن يقترب منها أكثر، دفن أنفه في عنقها وشم رائحتها باشتهاءٍ لأول مرة، ثم ابتعد عنها وأخذ ينظر بعينيها بولهٍ لم يعد له به طاقة وقال:
_ دليلة..
طالعتهُ فأبصرت تلك اللمعة بعينيه والتي كانت تخفي خلفها الكثير، نظراته لم تكن تلك التي إعتادتها منه، لقد تبدلت بأخرى تملأها الرغبـة المدفونة بقاع قلبٍ عاشق.
أسبلت دليلة جفناها كإشارةٍ منها بأن القرب بات مسموحًا به فما كان منه إلا أن إغتنم تلك الفرصة التي إنتظرها طيلة أربعة أشهر إنصرمت وإحترق فيهما قلبه شوقًا.
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
كانت دليلة تقف كالعادة بمطبخها تعد طعام الغذاء، طُرق الباب ففتحت مبتسمة لذاك المتذمر وقالت:
_ حمدالله على السلامه يا زوقا.
_ الله يسلمك.
ألقاها وجلس فوق الكرسي الموجود بالمطبخ بينما هي تتابع عملها فقالت:
_ أظن هتقوللي مش عاوز أروح المدرسة زي كل يوم.
_ لو عليا أنا عاوز أقول إنما مينفعش.. عمي حسين كان يعلقني.
قهقهت عاليًا وقالت:
_ كويس إنك عارف.. عالعموم قفل عالسيرة زمانه على وصول.
إرتفع جرس الباب فقالت:
_ أهو جه، روح إفتح له يا رزق أكيد شايل أكياس مش عارف يفتح..
أسرع رزق يفتح الباب فوجد رجلا فارعا تبدو على وجهه أمارات الحزن والشفقة وقال:
_ ده بيت أستاذ حسين؟
أومأ رزق وقال:
_ أيوة، إنت مين؟
خرجت دليلة لتتحقق من القادم ونظرت إلى الرجل وقالت:
_ مين حضرتك ؟
_ حضرتك مرات أستاذ حسين؟
أومأت دليلة بريبة وقالت:
_ أيوة أنا، حسين ماله؟
_ البقية في حياتك، أستاذ حسين خبطته عربية ووصل المستشفى ميت.. شدي حيلك !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يُتبع..