-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 28

 

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثامن والعشرون

" عائد بلا طريدة''



تعجب راسل من قولها ومطلبها الذى جاءه فجأة دون تمهيد مسبق منها بأنها على وشك مغادرة البلاد ، لعلمه بأنه منذ إصطحابه لها هى وطفلها لهنا وهى شعرت ببعض الراحة والأمان من أن يأتى اليوم وينفذ والد زوجها تهديده و يأخذ حفيده ولن يعود بإمكانها أن تراه ثانية ، لذلك ما أن عرض عليها أمر ادعاءه بأنها زوجته وأن تأتى معه إلى وطنه وهى قبلت بالأمر على الفور ولم تستطع الرفض كون أنه هو من كان يعيلها هى وطفلها بل ويساهم بدفع الأموال للمحامى الخاص بها ، بل أنها ظنت فى وقتها أن خروجها من كندا سيتيح لها الوقت الكافى للتفكير الجدى بشأن أن تفر بصغيرها إلى أى دولة أخرى حتى لا يعثر والد زوجها عليها ، حتى أنها اخبرته بمخططها هذا ، ولكن هو من جعلها تتروى بتفكيرها وأنه سيحاول إيجاد حل لها دون محاولة منها فى أن تلجأ إلى تلك الطرق الملتوية والتى لن تفيدها بشئ ، بل ستكون ذات مردود غير مستحب وربما تقع فى مأزق كبير بسبب تفكيرها هذا ، والذى ربما نتج عن تخبطها وعدم إستقرارى النفسى بعد مقتل زوجها ، فقبل أن تعاود حديثها وأن تعيد على مسامعه ما قالته ، وجدت حياء تقترب منهما وعلى وجهها إمارات الدهشة والفضول لمعرفة سبب قدومها إلى زوجها أو ماذا تريد منه بذلك الوقت ؟


فقبل أن يفه راسل بكلمة ، سبقته حياء وسألتها :

– فى إيه يا ساندرا ؟


إبتسمت لها ساندرا وقالت بهدوء ، لعلها تختصر الوقت قبل ذهابها إلى غرفتها :

– أنا كنت جاية ابلغ راسل إن عايزة اسافر أنا وابنى فرنسا لأن المحامى بتاعى كلمنى وقالى إن محامى والد جوزى كلمه وقاله أنه اتوفى ودلوقتى ابنى هو اللى هيبقى وريثه وطالبنا ضرورى وعايزنا نروح فرنسا فى أقرب وقت  


شعر راسل بالأسف لسماعه ذلك النبأ ، فرد قائلاً بمواساة :

– البقاء لله ، الله يرحمه ويغفر له 


قدمت لها حياء عبارات المواساة ومن ثم نظرت لزوجها بصمت فى انتظار ما سيقوله أو سيفعله من أجلها ، خاصة أنها تشعر بحبه الشديد لصغيرها ، إلا أنها سمعته يقول بهدوء ورصانة :

– تمام يا ساندرا ، أنا هشوفلك تذاكر السفر ، بس....


لم يجد صيغة ملائمة ليخبرها بعدم قدرته على مرافقته لها ، ولكنها كانت فطنة للغاية لما يريد قوله ، فإبتسمت له قائلة بإمتنان :

– راسل أنت عملت كتير ليا ولابنى ودلوقتى عيلتك ومراتك الأحق بوجودك معاهم ، ومتخافش علينا إحنا هنبقى كويسين 


رفعت بصرها عنه ونظرت لحياء مستطردة :

– بجد حياء شكراً على كل حاجة واتمنالكم السعادة على طول وأنا هبقى أجى من وقت للتانى أزوركم  


بعفوية أقتربت منها حياء وأحتضنتها وربتت على ظهرها بحنان ، وكأن أى ضغينة كانت تحملها لها فى وقت من الأوقات لم يعد لها وجود ، فمنذ أن أخبرها راسل بحقيقة أمرها تبخر كرهها لوجودها ولم تعد تشعر تجاهها هى وطفلها سوى بالشفقة 


مسحت ساندرا تلك الدموع التى خانتها وانسكبت على وجنتيها ، فإبتسمت من بين دمعاتها الحارة وهى ترمقهما سوياً بمحبة ومن ثم غادرت إلى غرفتها للحد من ذلك الوداع العاطفى الذى سيجعلها تبكى أكثر لفراق الجميع ، خاصة بعد شعورها بأنها تمتلك عائلة بعد رحيل عائلتها منذ سنوات طوال 


وصلت ساندرا لغرفتها ولكنها لم تنتبه لذلك الذى كان يقف على بعد عدة خطوات منهم وإستمع لحديثهم ، وعلم بأمر سفرها المفاجئ ، فلم يمهل ذاته فرصة للتفكير ، إذ راح يدق بابها بإصرار ، كأن إذا فاتته تلك الفرصة لن يعود ويحصل على غيرها 


فتحت ساندرا الباب وجدت الطارق عماد الذى راح يرمقها بنظرات مستفسرة ، ووجدته يسألها بإلحاح :

– ساندرا أنتى مسافرة فرنسا بجد ؟ يعنى خلاص هتمشى من هنا ؟


رغم شعورها بنبرة حادة وهجومية بسؤاله ، إلا أنها أجابته بهدوء وهى تومئ برأسها :

– أيوة عماد هسافر بمجرد ما راسل يجيبلى تذاكر السفر ليا ولإبنى 


حملق بها عماد لبضعة ثوان ومن ثم قال دون مقدمات :

– ساندرا تتجوزينى 


كأنه لقى مشقة فى قول عبارته إذ راح صدره يعلو ويهبط كمن كان يركض بطريق طويل ، وانتقلت إليها الدهشة إذ راحت تحملق فى وجهه وهى فاغرة فاها ، إذ لم تضع فى بالها أنه يبادلها تلك المشاعر التى جاشت فى قلبها منذ أن تعرفت إليه عن كثب 


إبتلعت لعابها لعلها تفلح فى قول أى شئ تكسر به ذلك الصمت الثقيل ، والذى جعلها تعى إلى أى مدى صار فى إمكانها سماع نبضات قلبها ، التى أضحت كالمطرقة تصدر طنيناً فى أذنيها 


ولكن جل ما إستطاعت قوله تلك العبارة التى وسمتها بوسم البلاهة :

– تتجوز مين ؟ أنا ؟


لم يفلح عماد فى أن يقمع تلك الضحكة التى جاءته كأمر مُلح بعد سماع ما تفوهت به ، فقهقه بصوت مسموع وسرعان ما قال ممازحاً:

– هو فى واحدة تانية غيرك واقفة قدامى دلوقتى ، أيوة عايز اتجوزك أنتى ، قولتى إيه ، علشان لما تسافرى فرنسا متسافريش لوحدك هكون معاكى 


راح قلبها يدق كطائر يرفرف بجناحيه ، إلا أنها لم تستطع أن تبدى له مدى سعادتها بما تفوه به ، ولكنها أيضاً لم تغلق باب الأمل فى وجهه ، فردت قائلة بهدوء رغم ذلك الصاخب المعتمل بين جنبيها :

– أنت شاب محترم جداً عماد وأى واحدة تتمنى ترتبط بيك ، بس ...


لم يدعها تكمل عبارتها ، فقال بإصرار وتصميم:

– ساندرا أنا مطلبتش منك الجواز إلا علشان فعلاً حبيتك وحبيت إبنك وأنا مستعد أكون له أب لو أنتى وافقتى 


قبل أن يفه أحد منهم بكلمة جاءت عبارة أدم المهنئة لهما دليلاً واضحاً على أنهما حقاً يستحقان السعادة :


– أظن أقول ليكم مبروك ، بجد مبروك من قلبى ، متضيعوش وقت ، بالرغم من أنك هتوحشنى عماد ، بس المهم أنك ترجع تفكر فى الحب والجواز 


إحتضنه عماد وعيناه مازالت مستمرة في النظر إلى وجه ساندرا ، وما فتأت عيناه تستجديها بالموافقة ، حتى أعلنتها صريحة من أن ليس لديها ما يمنعها من القبول 


جاء أمر تلك الزيجة مفاجأة للجميع أولهما راسل الذى شعر بالراحة من أنه سيتركها هى وطفلها بين يديىّ شاب توسم به النبل والخير ، وأصر سيد القصر الكبير على إقامة حفل عائلى احتفالاً بزواج ساندرا وعماد قبل سفرهما الذى ارجأته ساندرا لحين إتمام زواجها 


فبعد مرور ثلاثة أيام أجتمعت العائلة بأكملها فى حديقة القصر ، وتردد راسل فى بادئ الأمر أن يقترب من أباه ليمنحه ذاك الخاتم الذى إبتاعه من أجله ، ومازال بحوزته كأنه لم يجد الوقت المناسب فى أن يقدمه له ، ولكنه رآى أن بإمكانه الآن أن يبدأ أولى خطواته فى إنهاء الخلافات بينهما 


أنتبه رياض على حيرته ، كأنه لا يجد ما يقوله ، وتعجب من أنه يقف ينظر إليه تارة وينظر للأخرين تارة أخرى ، كأنه يحاول إستجماع شجاعته ليقول ما لديه

فإبتسم على نحو مفاجئ ، خاصة أن تلك هى المرة الأولى التى يرى بها راسل هكذا كأنه ليس ذلك الإبن الوقح ، والذى لم يحاول فى مرة أن ينمق حديثه معه


ضرب الأرض بعصاه ومن ثم سأله بحنان :

– عايز تقول إيه ؟ شكلك عايز تقول حاجة بس كأنك مش عارف تبدأ منين 


حك راسل مؤخرة عنقه وحمحم لعله ينهى ذلك الصراع الدائر بخلده ، وسرعان ما أخرج من جيب سترته السوداء ذلك الخاتم الفضى ، فناوله إياه قائلاً بتوتر :


– الخاتم ده كنت اشتريتهولك وأنا كنت فى العمرة ، بس الظاهر نسيت اديهولك 


لم يكن راسل بارعاً فى إخفاء كذبته من أنه غفل عن إهداءه ذلك الخاتم ، ولكن لم يشأ والده أن يرد يده خائباً ، فأخذه منه يتأمله بإبتسامة زادت أكثر عندما رآى إسمه المنقوش على الخاتم ، فقال بصدق وحنو بالغ :


– دى أجمل هدية جاتلى ، كفاية إنها منك أنت يا ابنى 


جذبه إليه ومن ثم طوقه بذراعيه حتى سقطت عصاه ، وكأن المطر جاء يروى أرض جدباء لم تمسها قطرات الماء منذ زمن طويل 

رفع راسل يديه وربت على ظهر أباه قائلاً بإبتسامة هادئة:

– عارف إن ضايقتك كتير ، بس خلاص مش هعمل حاجة تضايقك تانى ، وحابب نرجع زى ما كنا قبل ما نسافر ونحاول ننسى اللى حصل 


– ماشى يا حبيبى 


أماء والده برأسه مراراً وما أن أكتفى من الربت على ظهره ، أنحنى راسل ورفع عصاه من على الأرض وناوله إياها ، فأخذها منه والده وهو يفكر أنه هو من سيحمل تلك العصا بعد رحيله عن هذا العالم ، فأنعكس الهدوء الذى غلب على محادثتهما على وجه كل منهما ، وإلتفوا حول تلك المائدة الطويلة ، التى أمر رياض بتجهيزها من أجل تناول العشاء على شرف العروسين اللذان سيغادران بعد غد لفرنسا 


أدنى عماد برأسه قليلاً وهمس لساندرا الجالسة بجواره ترتشف من كوب الماء:

– بحبك


علق الماء فى جوفها مما جعلها تسعل بخفة وكسا وجنتيها لون أحمر قانى من تدفق الدماء بهما ، وردت قائلة بإبتسامة خجولة :

– وأنا كمان بحبك عماد


إنتبه على غمز أدم له مما جعله ينظر إليه بتحذير حتى لا يقدم على إرتكاب فعل أحمق ، إلا أنه سرعان ما رمقه بمحبة الأصدقاء ، فدائماً وأبداً سيظل صديقه الصدوق 


وعلى الطرف الأخر من المائدة الطويلة جلس راسل واضعاً الصغير أمامه ،فى حين أن حياء ظلت تداعبه وهى تضحك وتبتسم ، ومن حين لأخر يحاول الصغير جذب حجابها ظناً منه أنه يمازحها ، وكلما سحب راسل يده يعود ويجذب حجاب حياء من جديد 


قرص راسل وجنته بلطافة قائلاً بطرافة :

– هو أنت مصمم تشدلها الطرحة ليه ، بس أسكت 


ترك الصغير حجاب حياء وجذب رابطة عنقه ، فقهقت حياء قائلة وهى تدغدغه :

– أهو ساب حجابى وناوى يخنقك بالجرافيت 


– دا واد سفاح باين عليه ، تربيتى 


قالها راسل ممازحاً وفخوراً ، فى حين أن زوجته مالت إليه برأسها هامسة بنعومة :

– عقبال ما يبقى عندنا سفاح قمر زيه كده إن شاء الله 


قبل راسل رأس الصغير وقال باسماً:

– إن شاء الله يا روحى 


وضعت يدها على كفه الموضوع على الطاولة ليس لشئ سوى أنها تريد أن تشعر بذلك الدفء الذى سرعان ما ينتقل إليها ما أن يتلامسان ، فقبض على أطراف أناملها ، وراح يضغط عليهما برفق من حين لأخر ، وما أن سنحت لهما الفرصة بإنتهاء حفل العشاء العائلى ، فضلاً الذهاب للشاطئ ، كإحدى أفكاره الجنونية التى تطرأ على عقله ويقوم بتنفيذها دون تفكير 


سارت خلفه وهو أخذا بيدها حتى وصلا للشاطئ فقالت باسمة :

– هو أنت مش عايز تنام دا الوقت أتأخر دلوقتى والكل نام 


توقف عن السير وإلتفت إليها قائلاً بدهاء ممازحاً :

– ماهو أحسن حاجة أن كلهم ناموا ، علشان استفرد بيكى زى مصاصين الدماء ، اللى مبيظهروش إلا فى وقت متأخر من الليل ، وبيخرجوا يدورا على فريستهم


ادعت حياء الخوف وقالت كأنها أصبحت طريدته :

– يا ماما يعنى أنا هبقى فريسة النهاردة 


صمتت لبرهة ومن ثم قالت مستطردة بمشاغبة :

– بس مش خايف لتبقى أنت فريستى يا صيادى الحلو القمور 


أدنى برأسه منها وهمس فى أذنها :

– أنا وقعت فريسة حبك وعشقك من زمان مش من دلوقتى


رفعت ذراعيها ووضعتهما على كتفيه وقالت وهى تحدق فى وجهه بتمعن :

– عمر ما فى حد أزعجنى زيك من أول ما اتقابلنا ، وكنت بضايق أكتر لما اشوفك لأن أنا كنت دايما راسمة صورة لفارس أحلامى أنه يخلى قلبى دايما ينبض من غير راحة ، كان نفسى أعيش قصة حب مثيرة مش روتينية ، بس المشكلة إن فى الوقت ده كان نادر فى حياتى ، وكنت فاكرة إن هو ده فارس أحلامى  اللى كنت بتمناه ، لحد ما ظهرت أنت ، بس مكنش ينفع أندفع ورا إحساس مكتشفتش إنه حب إلا لما عرفتك كويس ، يعنى تقريباً حبيتك بقلبى من أول ما اتعرفنا وفى نفس الوقت كنت بكرهك بعقلى ، كانت حاجات كتير متلغبطة ، عارف لما يكون الواحد قدامه اختيارات كتير ، بس ميقدرش يختار علشان فى حاجات كتير منعاه ، هى دى كانت حالتى وقتها ، وجايز كل اللى حصل فى حياتى ده علشان أبقى فى الأخر ليك أنت ، مع إن لو كان حد وقتها قالى إن أنا هبقى مراتك وهحبك أوى كده ، كنت هقول عليه أكيد مجنون ، لأن إزاى اجتمع أنا وأنت فى جملة واحدة وأبقى مدام حياء راسل النعمانى


ضحكت حياء ما أن أنتهت من سرد مشاعرها ، التى أتسمت فى الماضى بالحيرة والتخبط كالنيران التى كانت خامدة أسفل نهر من الجليد ، فأنحنى على جفنيها ومن ثم على وجنتيها كمن يتمهل فى عزف أنشودة الغرام ، ولكن سرعان ما حمل لها عناقه مدى لهفته إليها ، ولم تكن هى لتقبل بأقل من عناق صاخب كالذى يحدث بينهما الآن ، ولا تعلم سر أن عناقتهما عذبة المذاق هكذا ، كأنها ترتوى بماء عذب جاءها بعد ظمأ شديد 


فتحت عيناها وشعور بالخدر أستولى عليها ما أن أبتعد عنها ، فقالت وهى تضع رأسها على كتفه :

– نفسى الليل يطول ونفضل مع بعض هنا ، لأن النهار لما بيطلع أنت بتروح شغلك وأنا بروح شغلى وبفضل مستنية الليل ييجى علشان ترجعلى 


رفعها عن الأرض ودار بها وهو يقول باسماً:

– الليل كله لينا وبكرة كمان لأن مش هروح المستشفى بكرة هقضى يومى معاكى أنتى وسجود


وضعها أرضاً وأكملا سيرهما ، إلا أنها أرادت أن تلهو معه قليلاً ، فرشقته بالماء والرمال ومن ثم فرت هاربة ، فركض خلفها ، وكلما أيقنت من أنها ستقع فى قبضته ، تعود وتركض من جديد ، حتى إستطاع اللحاق بها ، وظلا يضحكان وهما يحاولان تنظيم أنفاسهما اللاهثة ، حتى أنهما لم يكتفيان بالركض واللهو بل جواد راسل الأسود المفضل له دائماً أصبح رفيقهما بتلك النزهة الشاعرية على الشاطئ خلف القصر ، بعدما ذهب راسل وأتى به من حظيرة الخيول ، فجلوسها أمامه على الجواد أتاح لها الفرصة من أن ترفع وجهها وتغمض عينيها تاركة نسمات الليل تصفعها كيفما تشاء ، فذراعيه القويين يطوقانها مانعين إنزلاقها وتاركين لها الحرية فى فرد ذراعيها كعصفور يتأهب للطيران ، شعور بالخفة غير معتاد إنتابها بعدما وجدته يترك الجواد ويمد لها ذراعيه ليجعلها تطأ الرمال بقدميها الحافيتين ، ولكنها ظلت ساكنة بين ذراعيه والهواء يضرب ثوبها ، فصارا كإثنان عاشقان من تلك العصور القديمة واللذان كانا يلتقيان خلسة دون علم الأهل ، ينسجان سوياً أحلام وأمال على رمال الشاطئ ، يخطان بيديهما قصتهما الخاصة ، محاولاً هو التحلى بالصبر حتى تعود خصيلات شعرها لطولها المعتاد ، فكم إشتاق لدفن وجهه بين طياتها ، وكم من أسرار العشق أراد أن تحملها سراً بين جدائلها الحريرية ، ولا ينكر أن شعرها القصير يروقه حالياً ، ولكن ليس كحبه لرؤيتها على تلك الصورة التى اعتاد أن يراها بها منذ زواجهما ، فمرآها الجميل والناعم والخجول الذى أنطبع بذهنه منذ يوم زفافهما ، مازال يأسره ولا يريد عنه بديلاً 

❈-❈-❈


ظن أنه ما أن يراه فى نزعه الأخير ، سيكون راضياً وأن ثأره وانتقامه منه قد أتمهما على الوجه الأكمل ، ولكن حقاً لم يكن هذا شعوره وهو يقف الآن أمام ذلك الفراش القديم المستلقى عليه زوج والدته ، ولكن نظراته فارغة جوفاء كأنه لم يعد يبصر أو يرى ما أمامه سوى فراغ أبيض ، به نقطة سوداء تتضاءل حجمها كلما سمع حشرجة تلك الروح العالقة بجوفه ، رغم أنه كان لابد له من أن يشعر بالتشفى والانتصار وهو يراه هكذا يلفظ أنفاسه الأخيرة بصعوبة ، كأن روحه ستظل حائرة معذبة ، قبل أن يأذن الله لها بالخروج ، وربما تلك إحدى دلائل جسارة عقابه على ما فعله بماضيه وعدم محاولته  أن يصلح خطأه ، بل ظل غافلاً يستهواه شيطانه بأن يفعل كل ما حرمه الله من موبيقات ، تاركاً خلفه ضحية تعانى من تبعات أفعاله ، فأرتجف بدن عمرو لا إرادياً ما أن نظر فى وجه زوج والدته ، بل حالفه الحظ بأن قدميه أطاعته فى أن تحمل باقى جسده ليبتعد عن الفراش ، وماهى إلا بضعة دقائق بإمكانه أن يحصيها على أصابع اليد الواحدة ، حتى سكنت الحشرجة وأرتخى الجسد وسقطت اليد التى كانت تتحرك بعشوائية كأنها تبحث عن النجاة ، فعلم عمرو وقتها أن زوج والدته قد توفى وأنتهى أجله وأمره ، وأن من جعل حياته مظلمة قد رحل دون عودة 


أقترب الحارس من الفراش وتحسس النبض ووضع رأسه على صدره ليتأكد من أنه حقاً فارق الحياة ، وما أن تيقن من تلك الحقيقة التى سطعت فى عقل عمرو منذ أن رآه ساكناً ، إستقام بوقفته وقال بخوف لا يخلو من الرهبة :

– ده مات فعلاً يا عمرو بيه ، هنعمل إيه دلوقتى 


رمق عمرو جسد زوج والدته ومن ثم حول بصره عنه قائلاً بشئ من التيه :

– هنعمل إيه فى إيه ؟


لم يكن الحارس فى وضع يخوله أن يعانى من بلادة سيده بذلك الوقت الحرج ، فدنا منه ممسكاً بذراعه قائلاً بما يشبه الرجاء :

– عمرو بيه أنت لازم تشوف حل وإلا كده ممكن نروح فى داهية دا دلوقتى بقى جثة ويمكن يبقى فيها سين وجيم ونروح كلنا السجن 


نفض عمرو رأسه لعله يتخلص مما اعتراه وجعله تحت وطأة تلك المشاعر التى أصابت حواسه بالبلادة ، فهتف بالحارس قائلاً بما يشبه الأمر :

– هاتله كفن وكفنه علشان ندفنه ، اينعم هو ميستحقش ، بس دلوقتى إكرام الميت دفنه ، وكده كده القبر بتاعه موجود من سنتين ، وكمان القبر مش بعيد عن المكان هنا


خرج الحارس من الغرفة وذهب لشراء ما أوصاه به عمرو ، فأخذ مقعد وجلس قريباً من الفراش وانحنى واضعاً يداه المضموتين أسفل ذقنه ، تأمله ملياً ومن ثم قال بجمود :

– دلوقتى مت قبل ما انفذ وعدى لنفسى أن يوم ما احس أن اخدت حقى منك أنا اللى هضربك بالمسدس بتاعى ، بس برضه مقدرتش أعملها ، كنت عقدة حياتى اللى دمرتنى وخلتنى عايش متعذب طول عمرى حتى دلوقتى لما مراتى عرفت الحقيقة بقت عاملة زى اللى عايشة بين جنة ونار ، لا قادرة تقرب منى ولا أنا قادر أبعد عنها ، زى اللى متعلق بقشة وخايف يسيبها يقوم يغرق تانى ، بس عارف أن الماضى هيكون دايما بينا ، ماضى أسود ومخجل ، و مكنش سهل عليا أقولها كل حاجة وأشوف فى عينيها خوفها من أنها تعيش معايا 


ظل يتحدث وقتاً طويلاً ، حتى ظن أن ربما سيحاوره ، ولكن لا يسمع صوت بتلك الغرفة سوى صوته هو فقط ، كأن أمنيته فى أن يعلو صوته على صوت زوج والدته ، قد حان وقتها ولكن لن يشهد على تحقيقها سوى جدران صماء 


أزاح عمرو يداه عن وجهه ، بعد سماع باب الغرفة يفتح ويلج منه الحارس بعدما نجح فى جلب ما طلبه منه ، وبعد مرور مزيد من الوقت ، كان جثمان زوج والدته راقداً فى سيارته من الخلف ، فإنتقاءه لذلك المكان والذى لا يبعد كثيراً عن المقابر ، جعله يطمئن بأن أمر دفنه له بذلك القبر الذى يحمل شاهده الرخامى إسمه سيتم بسهولة ويسر خاصة أن الوقت الآن تعدى الثانية صباحاً


أوقف السيارة ومن ثم خرج منها وحث الحارس على الإسراع فى مساعدته حتى لا يثيران الشكوك حولهما ، فبعد أن فتح عمرو البوابة الحديدية لذلك الفناء الذى قام بشراءه و يضم عدة مقابر مازالت خاوية ، ساعده الحارس فى حمل الجثمان حتى وصلا للقبر ، ورغم تلك الرهبة التى تجلت فى إرتجاف جسده ، إلا أنه أتم المهمة ووضع زوج والدته داخل قبره ومن ثم أغلق بابه 


وما أن وصل للبوابة الكبيرة للفناء ، كأن قدميه أضحتا رخويتين ولن تسعفانه فى حمله ليعود إلى سيارته ، فأسرع الحارس فى إسناده متسائلاً بقلق :

– مالك يا عمرو بيه ؟ أنت تعبان ؟


هز عمرو رأسه ونظر للحارس قائلاً بنبرة متقطعة :

– سوق أنـ ـت العربية ،وروحـ ـنى البيت عايـ ـز أروح 


أسنده الحارس حتى وصلا للسيارة وما أن ساعده فى الجلوس بالمقعد المجاور لمقعد السائق ، دار حول السيارة ومن ثم قادها حتى وصل به إلى منزله ، وقدم له يد المساعدة فى الخروج منها 


فى الحديقة ، كانت سهى تجلس على أحد المقاعد بعدما يأست من الدوران حول نفسها بقلق من تأخره كل هذا الوقت خارج المنزل ، فمنذ إكتشافها مكانه الخالى فى الفراش ، راحت تبحث عنه فى كل مكان فى البيت  وعندما يأست من إيجاده ، حاولت أن تتحدث معه عبر الهاتف ولكن لم يأتيها رد ، سوى أن هاتفه خارج نطاق التغطية ، وهذا ما جعل القلق ينهشها ويقتات على أفكارها السوداوية 


– ياترى أنت روحت فين يا عمرو 


همست بعبارتها وهى تفرك يديها بتوتر وتهز ساقيها بعصبية ، وما كادت تترك مكانها فى الحديقة ، حتى رآته قادماً يستند على رجل لم تراه فى المنزل من قبل 


ركضت سهى إليهما وتساءلت بقلق وخوف حقيقى :

– هو فى إيه ؟ مالك يا عمرو ؟


سحب عمرو ذراعه من حول كتف الحارس وأمره بالإنصراف ، فنظر إليها قائلاً بإرهاق أكتسح ملامحه :

– مفيش حاجة بس تعبان شوية وعايز أنام 


أنهارت قدميه فجأة وكان على وشك السقوط ، لولا أنها مدت ذراعيها وأسندته لتحول بين سقوطه أرضاً ، ولكنها كانت فى حاجة لبذل مزيد من الجهد لتستطع تحمل وزن جسده الواقع عليها ، فقالت بمشقة :


– عمرو مالك أنت شكلك محتاج دكتور 


– أنا كويس متقلقيش


لم يفه بكلمة أخرى إذ شعر بأن لسانه معقود ، ولم تعد قدميه قادرتين على حمله ، فإضطرت تلك المسكينة أن تقوم بدور المتكأ حتى لا يسقط أرضاً ، وصار أمر مساعدتها له في أن يصل لغرفتهما تحدياً صعباً كأنها فى حاجة لمعجزة ، حتى أنها غير قادرة على الصياح لتنادى أحد ليساعدها ، خاصة وأن الجميع نائمون الآن 


ولكن تمثل لها الخلاص فى رؤيتها لذلك الرجل الذى يعمل كساعده الأيمن ، فصاحت قدر إستطاعتها :

– ألحقنى أرجوك ده شوية وهيغمى عليه 


هرول الرجل إليهما ، ووقف بجوار عمرو ولف ذراع سيده حول عنقه ليسنده من الجانب الآخر ، فشعرت سهى بالامتنان له كونه ساهم فى تخفيف عبء قيامها بمساعدة زوجها بمفردها ، وما أن وصلوا لغرفة النوم ووضعه الرجل فى الفراش 


نظرت إليه سهى وتساءلت بحذر :

– هو ليه عامل كده ؟ هو بيشرب خمرة ؟


هز الرجل رأسه بعنف نافياً ورد قائلاً بصدق :

– عمرو بيه من ساعة ما جه البيت هنا وانا عمرى ما شوفته بيشرب خمرة ، هو كان بس بـ 


رفعت سهى يدها تشير له بالصمت كونها تعلم أن ما سيتفوه به سيكون تنويهاً عن أن زوجها كان يتعاطى المخدرات فى السابق ، فهزت رأسها بخفة وقالت بهدوء :


– أتفضل أنت وشكراً


خرج الرجل من غرفة سيده ، وأنحنت سهى وهى تحاول أن تشتم رائحته لعل ما أصابه تأثير الخمر أو الكحول ، ولكنها لم تجد سوى رائحة عطره كأنها مخلوطة برائحة أخرى لم تستطع تميزيها ولكن ما أن دققت النظر في ثيابه وجدتها متسخة بالأتربة 


انتظرته أن يفيق لعله يقدم لها تفسيراً لما حدث له ، فبعد دقائق فتح عمرو عيناه وجدها جالسة قبالته على طرف الفراش وبعينيها ألف سؤال ، فأعتدل جالساً قائلاً بإرهاق :

– سهى أنا عايز على ما أخد شاور تجبيلى أى حاجة أكلها لأن حاسس إن أنا جعان أوى


تلاحم حاجبيها من مطلبه خاصة أنه لا يتناول طعامه  فى وقت متأخر من الليل ، بل بدت نبرته متوسلة كأنه لم يتناول الطعام منذ أيام ، فنهضت عن الفراش وردت قائلة وهى تتأمل هيئته الرثة قليلاً:

– حاضر هروح اجبلك ساندويتشات 


خرجت من الغرفة ، فنهض عن الفراش وأخذ ثياب نظيفة وولج للمرحاض ، وأثناء خلع قميصه عنه رآى أثار إتساخ الأتربة عندما قام بدفن جثمان زوج والدته ، فلم يكتفى بخلعه ولكن قام بشقه لنصفين ومن ثم ألقاه فى سلة المهملات ولم يكتفى بالقميص فقط بل كل ما كان يرتديه اضحى مصيره الإلقاء بتلك السلة والتى يتم التخلص مما بها يومياً ، فجلس بالمغطس وفتح الماء ليغمره ، لعله يفلح فى أن يخرج من بلادته والتى جعلته يتصرف على هذا النحو ، كأنه شبح يسير وفق ما يملى عليه من أوامر 


– عمرو ، عمرو انت كويس ، أنت اتأخرت كده ليه 


نادته سهى من الخارج لإستغراقه وقتاً أكثر من اللازم ، فخرج إليها لا يستره سوى سروال قصير رغم أنه أخذ ثياب له قبل الدخول ، ولكن كأنه وجد مشقة فى إرتداء الباقى من ثيابه 


نظر للصينية التى جلبتها زوجته ، فجلس وبدأ يتناول الطعام بشراهة وظلت سهى متعجبة من أفعاله المبهمة اليوم ، فجلست على طرف الفراش وتساءلت بإلحاح :

– هو فى إيه بالظبط ؟ مالك كده تصرفاتك غريبة ، حصل حاجة ، أنت كنت عند جوز مامتك ؟ هو جراله حاجة ، رد عليا 


– مات ودفنته 


كلمتان فقط هما ما إستطاع التفوه بهما ، ومن ثم عاد يكمل تناول طعامه كأنه لم يقل شيئاً ، فتتابعت أنفاسها بخوف من أن يكون أوفى بوعده للإنتقام لنفسه بأنه هو من سيطلق عليه الرصاص 


رآى عمرو تململها فى جلستها ، فأراد أن ينهى حيرتها فقال وهو يحاول بلع ما علق فى جوفه من طعام :

– متخافيش أوى كده ، أنا مقتلتوش هو مات لوحده ، ودفنته ورجعت 


هكذا وبكل سهولة ويسر يخبرها أنه قادم من المقابر وليس هذا وحسب بل أنه قام بدفن جثة قبل عودته إليها ، فأنهى طعامه وأرتمى على الفراش ومن ثم غرق في سبات عميق ولم تعد تسمع سوى صوت أنفاسه 

وفى صباح اليوم التالى ، رفض عمرو ترك فراشه كأنه مصاب بسقم من الصعب وصف أعراضه التى لا تتعدى سوى أنه يرغب فى أن يظل نائماً ، ولكن حالته تلك أثارت الخوف فى قلب زوجته ، التى حاولت أكثر من مرة أن تجعله يترك الفراش أو أن يفهمها ما أصابه ، ولكن لم تكن محاولتها ذات فائدة 


فبعد مرور أسبوع قضته سهى فى بذل جهد مضنى لخروج زوجها من تلك الحالة التى تلبسته ، مما جعلها تستدعى أحد الأطباء لفحصه ، إلا أن الطبيب أخبرها بأن صحته الجسدية على خير ما يرام ولا يشكو مرضاً ولا ألماً ، وربما هو فى حاجة لزيارة طبيب نفسي 


خرجت من الغرفة ونادت ذلك الحارس لكى يرافق الطبيب إلى سيارته، فقيامها بذلك الدور وحدها جعلها فى حاجة إلى ذهن متيقظ وأن تتحلى وتتميز بطول الإناة ، خاصة أن والدته سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من أسبوعين ، معللة الأمر بأنها تريد زيارة أصدقاء لها هناك وأن تأخذ عطلة وتترك لهما المنزل لينعمان بأوقاتهما سوياً 


عادت للغرفة وجدته مستلقياً على بطنه وعيناه مفتوحتان ولكن كأنهما صارتا متحجرتان ولا يرف لهما جفن ، فأنحنت إليه قليلاً وربتت على كتفه قائلة بإبتسامة تشجيع :


– عمرو تحب تنزل الجنينة تغير جو شوية ، بدل ما أنت نايم كده فى السرير ومش راضى تقوم 


اغمض عينيه لعله يريحهما قليلاً من التحديق فى الفراغ ، إلا أنه عاد وفتحهما قائلاً بصوت منخفض :

– معلش يا سهى سبينى براحتى أنا مش عايز أقوم


لم تفلح فى إقناعه بأن يترك مكانه ، فجلست على طرف الفراش وظلت تزفر بخفوت وتفرك يديها كأنها لم تعد تملك حيلة ستفلح معه 

ولكن بعد برهة رفع جزعه العلوى وجذبها من ذراعها ، إذ كانت ماتزال جالسة مكانها على طرف الفراش ، فشهقت سهى من مباغتته لها بجذبها ، بل أنه طوقها بذراعيه وأطبق عليها ولم يدع لها مجال للتفكير فى أن تتخلص من قيد ساعديه ، وظنت أنه سيكتفى بذلك ، ولكن ما كادت تمر دقيقتين حتى وجدته يفرض عليها حقوقه كزوج بحاجة لزوجته 


كاد يقضى على أنفاسها بعناقه ، ولكن كلما سنحت له الفرصة بفصل العناق يهمهم لها بصوت متألم :

– أنا بحبك أوى يا سهى ، بحبك ومحتاجلك 


بالبداية لم تستطع أن تجاريه ، ولم يكن لديها الوقت الكافى لإستيعاب ما يفعله ، أرادت أن تظل بجمودها للنهاية ، لعلها حالة طارئة وسرعان ما سيخمد إشتياقه وتعود أوضاعهما لما كانت عليه ، ولكنها لم تستطع أن تقاوم للأخير ، فسقطت مقاومتها معلنة عن هزيمتها 

وهمهمت دون أن تعى ما تقوله :

– وأنا كمان حبيتك أوى يا عمرو ، بس خايفة اتوجع بسبب الحب ده لو أنت خنت ثقتى فيكى 


إبتسم عمرو ما أن سمع عبارتها فتشابكت أيديهما وهو يقول بثقة :

– عمرى ما هفكر إن أوجعك أو اخليكى تفقدى الثقة فيا يا حبيبتى


كأن ذلك الذى يعانقها لا يمت بصلة لزوجها الذى كان راقداً فى فراشه ولم يرغب فى قول أو فعل أى شئ ، وكأنه صار إنساناً أخر ، فسلمته زمام أمورها ، ولم يكن هو بحاجة إلا لتلك الفرصة التى منحته إياها برضا تام ، ورغم مخاوفهما التى اختلفت أسبابها لدى كل منهما ، إلا ما أن إستطاع هزيمة خوفه ورهبته من وصاله الفطرى الأول فى حياته ، حتى صار الوصال والود بينهما مملوء بالشغف ، كأن كل منهما يحاول إكتشاف الآخر ، وتعجبت سهى من قدرته على إستمالتها ، وليس هذا وحسب بل اندهشت من عدم معارضتها له فى البداية ، بل أنها منحته موافقتها دون محاولة منها أن تعارضه أو أن تطالبه بمزيد من الوقت ، ولا تعلم هل هذا نبع من أمنيتها كأنثى وزوجة فى أن تصبح جزء منه وأن تختبر ذلك الشعور بأن تكون بين يديىّ من تحب ، الذى أملت وطمحت فى أن يهديها ثروات الليل الدفينة من عشق وغرام ، قبل علمها بأن هناك جانب مظلم فى حياته 


– أنتى أجمل حاجة حصلت فى حياتى كلها ، واوعدك إن مخليش الحزن يعرف طريقه لقلبك ، أو أنك تندمى علشان حبتينى


يبدو لها عاشقاً مدلهاً يمنحها الكثير من الوعود والعهود ، تنصت له بإهتمام رغم شعورها بتلك اللجة العميقة التى غرقت بها بعد أن نجح فى رسم عالمهما الخيالى والذى لم تعد تسمع به سوى همهماته العاشقة ، وما أن وصلا للمرفأ الأخير ، لم يسمح لها بالابتعاد ، فما شعر به فى ليلتهما الأولى تلك ، سيجعله يفكر فى أن تظل حبيسة ذراعيه فى الأيام المقبلة ، فتلك المشاعر الفطرية لا يوزايها أى مشاعر أو أحاسيس أخرى ، فسبحان من يجعل القلوب تألف بعضها ولا يجد إبن أدم إكتفاءه مما حلله الله له إلا مع نصفه الأخر من بنات حواء ، وما يتم ترويجه للمبادئ المخلة بالفطرة ماهو إلا فخ وشرك لإنشاء مجتمعات يحكمها الفساد وتحدى الفطرة  السليمة التى خلق الله عليها بنى الإنسان ، لذلك فكر لما لا يساهم فى توعية الأخرين بتلك المخاطر الجسيمة التى تتوارى خلف تلك الأفكار الهدامة التى يحاول الكثيرون زرعها فى عقول الشباب والأطفال ، حتى لو كان سيفعل ذلك دون الحاجة لإظهار نفسه