-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 28 - 2

 

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثامن والعشرون

الجزء الثاني

العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



لم يكن أحمقاً حتى لا يستطع أن يرى حنق زوجته مما فعله وربما بلغ ذروته الآن ، إلا أنها مازالت تتحاشى الحديث معه فى هذا الأمر ، رغم أن مر على إنقاذه لليالى أكثر من شهر ، حتى إنه إستطاع التخلص من ذلك الرجل الذى كان يريد قتله وأرسل رجاله من أجل ذلك ، ولكن نجا عمران من محاولة قتله بمعجزة أنعم الله بها عليه ، وما كان هذا الرجل سوى شخص لا يعلم أحد شئ عن ماضيه سوى أنه كان يعمل عاملاً فى الميناء ، ليغادر الاسكندرية ويعود رجلاً أخر ذو مال وجاه ، وكل هذا إكتسبه من طرق غير مشروعة كالإتجار فى الفتيات وإتمام بعض الزيجات التى لا تتم إلا بغرض المتعة والحصول على المال ، وما أن أفشت ليالى للشرطة بكل ما تعلمه عنه ، إستطاعوا إيجاده والقبض عليه قبل محاولته أن يفر هارباً من الإسكندرية ، ومنذ ذلك الحين وليالى مقيمة بمشفى راسل لتلقى العلاج اللازم لها ، ومن المضحك بالأمر أن ميس هى من تشرف على علاجها كطبيبة ، رغم شعورها الساحق بالغيرة والتى تود لو بإمكانها أن تحرق زوجها به عوضاً عن كتمانه هكذا ، ولكن ليالى صارت تعانى من حالة حرجة ، بعد إكتشاف الأطباء أنها تعانى من مرض خطير بات يهدد حياتها ، وأنها ربما سترحل من هذا العالم فى وقت ليس بالبعيد ،وصارت لم تعد تفيق من إغماءها من بعد لقاءها بضابط الشرطة إلا أوقات قليلة ، ولكن ما يجعل ميس تحترق بنيران الغيرة هو همسها الدائم بإسم عمران ، كأنها مصابة بالهذيان ، وتريده أن يكون بجوارها 


ترك عمران مقعده أمام تلك الغرفة التى ترقد بها ليالى ، بعدما رآى زوجته تخرج منها ، فسألها بعفوية :

– هى عاملة إيه دلوقتى يا ميس ؟


وضعت ميس يداها بجيبىّ رداءها الطبى وبللت شفتيها وقالت بمهنية :

– مفيش جديد فى حالتها ، زى ماهى ، كل اللى على لسانها إسمك وبس 


حك عمران مؤخرة عنقه بحرج ، لعلمه بمغزى قول زوجته ، ولكنه ليس مذنباً فى ذلك ، فأى أحد بمكانه سيفعل ما فعله إذا وجد إمرأة أو رجل فى حاجة للمساعدة ، فضم شفتيه وسرعان ما أطلق سراحهما من بين فكيه ودارت عيناه حوله ليتأكد من خلو الردهة من أى أحد بإمكانه الإنتباه عليهما


أخذها من يدها ودلفا للمصعد الكهربائى ، ولكنه إستطاع إيقافه عن الصعود والهبوط ، فرمقته ميس بشك وتساءلت :

– أنت وقفت الاسانسير ليه ؟


ضغط عمران على عينيه كأنه يشعر بألم شديد بهما فقال معتذرًا :

– ميس أنا عارف أنك مضايقة منى ومن اللى حصل ، بس صدقينى كان لازم أعمل كده ، وأنتى شايفة ليالى دلوقتى مريضة يعنى هى حالة إنسانية مش أكتر 


حاصرته ميس فى أحد أركان المصعد ونظرت إليه بشر مستطير من خضراوتيها قائلة وهى تكز على أنيابها :


– أنا كل اللى مضايقنى مش أنك أنقذتها أو إن أنا الدكتورة بتاعها ، اللى مجننى أن مفيش على لسانها إلا إسمك ، يعنى كل ما تفوق شوية تقول عمران عمران ، حاسس إنت بشعورى لما اسمع إسم جوزى بالحرارة دى من واحدة تانية ، أنت متعرفش يعنى إيه غيرة وإنك تغير على اللى بتحبه ، وأنت مش جوزى بس يا عمران أنت حبيبى كمان ، يعنى كويس إن لسه محافظة على أخلاق مهنتى وإلا كنت أنا عجلت بموتها وريحتها من الدنيا كلها 


إبتسم عمران رغماً عنه وهو يرى طابع زوجته الذى يميل لإستعمال العنف والدموية من أجل أن تقضى على ذلك الشعور الذى بات يحترق بداخلها ، فقطب حاجبيه مدعياً الخوف منها :

– مالك يا ميس يا حبيبتى أنتى بقيتى تخوفى كده ليه ، أنا حاسسك إنك شوية وهتطلعى مطوة من جيبك وتغوزينى 


لوت ميس ثغرها وقالت بسخرية :

– لاء معايا مشرط وهغزك فى وشك الحلو ده اعملك عاهة مستديمة إيه رأيك 


– وأهون عليكى يا ماسة


وضع بعبارته كل رقة صوته وخفوته وهمسه الباعث على الإرتجاف الذى سكنها ما أن حط بكفيه على كتفيها ، وإزدرادها للعابها جعله يتيقن من أنها تحاول إستجماع شجاعتها لتقول ما لديها ، ولكن جاءت عبارتها تحمل الرضا الكافى له إذ سمعها تقول بوله :


– عمرك ما تهون عليا يا حبيبى 


ولكنها إنتفضت فجأة ، كأن شبح الزوجة العاشقة قد غادرها وعادت إليها طباع الزوجة الغيورة ، فكست ملامحها تعبيرات الغضب التى ظن أنه نجح فى محوها ، وعادت تقول بصوتها الغضوب :

– بس أنا مش طايقة اسمع اسمك منها ، كل ده بسببك أنت ، من ساعة الاقتراح المهبب فى انك تصاحبها علشان تكشف براءة راسل ، وهى مسكت فيك ومش عايزة تسيبك ولا تنساك 


تنهد عمران قائلاً كأنه شعر بإرهاق مفاجئ :

– أعمل إيه بس يا ميس ، مش ذنبى إن أنا وسيم واتحب ، وهى ذوقها حلو أعمل ايه 


أدركت أنه يمازحها ، فراحت تضربه على صدره بقبضتيها ، إذ لم تكن بحال يسمح لها بالإستماع لمزاحه ، ولكن إستطاع أسر كفيها بين راحتيه ، وجذبها إليه قائلاً بإنتشاء :

– أنتى عارفة لو مكناش فى المستشفى كنت خدت حقى منك يا بنت النعمانى 


إنتبهت أخيراً على أنهما مازالا فى المصعد الكهربائى ، فسحبت يديها وشهقت عندما تذكرت أمر تلك الجراحة التى طلب منها راسل أن تساعده بها :


– يا خبر أبيض ، دا زمان راسل هيقتلنى دلوقتى ، دا المفروض إن هدخل معاه أوضة العمليات ، الله يسامحك نسيتنى شغلى 


إستدارت وضغطت على زر المصعد وبدأ فى الهبوط حتى وصلا للطابق الأول ، وما كادا يخرجان حتى سمعا صوت صراخ ولاء التى يبدو عليها أنها جاءت للمشفى لتضع طفلها الثانى 


صرخت ولاء بصوت عالى :

– ألحقنى يا معتصم هموت 


ربت معتصم على يدها قائلاً بحنان :

– بعد الشر عليكى يا حبيبتى ، إن شاء الله هتقومى بالسلامة 


ما أن رآى معتصم شقيقه وزوجته ناداهما بلهفة :

– ألحقونى ولاء بتولد وشكلها تعبان أوى


هرولت إليها ميس وحاولت طمأنتها بصوتها الرقيق :

– إهدى يا ولاء وإن شاء الله خير 


نادت ميس لإحدى الممرضات لتقوم بإستدعاء الطبيبة النسائية ، وبذلك الوقت وقعت فى حيرة بين أن تذهب لراسل فى غرفة الجراحة أو أن ترافق ولاء والطبيبة ، فحسمت أمرها بأن ذهبت لترى ولاء وهى تضع مولودها ، رغم علمها بأنها لن تسلم من توبيخ راسل لها لعدم إستماعها لأوامره ، ولكنها نسيت كل شئ عندما سمعت صوت بكاء الصغير ،الذى جاء للعالم بعد قليل من المشقة 


بعد أن ألبسته الممرضة ثيابه ، حملته ميس بين ذراعيها وإبتسمت قائلة بصوت خافت :

– بسم الله الرحمن الرحيم ، ماشاء الله


نظرت لولاء وأضافت :

– عسول أوى يا ولاء ، ربنا يباركلك فيه 


ردت ولاء قائلة بوهن :

– تسلميلى يا حبيبتي وعقبال عندك يارب 


لم تكن ميس تريد أن تشق عليها فى الحديث ، فتركتها بعهدة الطبيبة وأخذت الصغير وخرجت من الغرفة ، فأقبل عليها معتصم بلهفة ، فوضعت الرضيع بين ذراعيه وهى تقول بإبتسامتها الصافية :


– مبروك ما جالك يا معتصم يتربى فى عزك إن شاء الله


قبل معتصم رأس الرضيع ونظر لشقيقه عمران وهو يقول بحب :

– إيه رأيك فى عمران الصغير يا عمران ، بقى عندى مراد وعمران 


إجتاح عمران شعور عارم بالمحبة تجاه شقيقه ، إذ لم يضع فى باله يوماً أن يطلق إسمه على أحد أطفاله ، فأقترب منه يحتضنه ، فأسرعت ميس فى أخذ الصغير وهى تقول بتفكه :


– هاتوا عمران قبل ما تفعصوه بينكم ، دا هيبقى حبيب مرات عمه ده، وهربيه واعلمه الأدب علشان ....


ضحكت وتركت باقى جملتها معلقة فى الهواء ، ولكنها تعلم أن زوجها ربما فطن لمقصدها ودل على ذلك حاجبه الأيسر المرفوع بتحذير من أنه يضمر لها نية لا تعلم عاقبتها 


خرج راسل من غرفة الجراحة ولكن قبل أن يتبرم لعدم إستماعها لأمره ، ذاب قلبه ما أن رآى ذلك الرضيع بين يديها ، فانحنى يقبله وهو يقول باسماً:


– ماشاء الله تبارك الرحمن ، ده إبن ولاء 


حركت ميس رأسها بالإيجاب وقالت بإبتسامة مشرقة :

– أيوة يبقى عمران أفندى الصغير 


نظر راسل لعمران ممازحاً:

– مش كفاية علينا عمران واحد محدش قادر عليه ، يبقى عندنا عمران تانى ويزهقنا


وضع عمران يديه بجيبى بنطاله قائلاً بوعيد زائف :

– لو مسكتش إنت وبنت اخوك ، هخلفلكم كل سنة عيل واسميه عمران برضه ، علشان ينكدوا عليكم فى الراحة والجاية 


ضحكوا جميعهم ومن ثم دلفوا لتلك الغرفة التى تم نقل ولاء إليها ، فأقترب راسل من فراشها مهنئاً :

– حمد الله على السلامة يا ولاء ، ويتربى فى عزكم إن شاء الله


ردت ولاء قائلة بإبتسامة :

– تسلميلى يا أبيه ويبارك فى عمرك يارب وعقبال ما نفرح بأخ ولا أخت لسجود 


ولجت والدتها الغرفة قائلة بلهفة :

– حبيبتى عاملة ايه دلوقتى ألف الحمد لله على السلامة كده معتصم ميتصلش عليا إلا بعد ما ولدتى 


أنحنت إسعاد تقبل ابنتها ، فربتت ولاء على ذراعها متأسفة :

– معلش يا ماما الولادة جت فجأة ومعتصم كان مرتبك كويس أنه جابنى المستشفى أولد مودنيش مكان تانى 


جلس معتصم على طرف الفراش قائلاً بتفكه :

– أعملك ايه عمالة تصوتى فى ودنى وتقوليلى هموت ، مع أنك ولدتى قبل كده ، مش عارف الصياح بتاعك المرة دى كان زيادة أوى عن المرة الأولى 


كأن ولاء أنتبهت على أن مراد لم يكن برفقتهما ، فرمقت زوجها بفزع وتساءلت :

– هو مراد فين يا معتصم 


أجابها زوجها بهدوء :

– سبته فى البيت مع الدادة متخافيش مش هكون مرتبك لدرجة أنسى أبنى الأولانى فى أى مكان


جذب عمران يد زوجته حتى خرجا من الغرفة ، فهمس لها قائلاً  وعيناه ملتمعتان ببريق التمنى :

– دلوقتى بقى عندنا عمران تانى مش يبقى احنا بقى نجبله ماسة ، علشان يبقى فى البيت ماسة وعمران


زاغت ميس بعينيها حتى لا تفضحها خضراوتيتها فى أنها باتت لا تتمنى سوى أن تعود وتحمل ثمرة عشقهما ، و إحمرار وجنتيها كان خير دليل على أنها لا تمانع فى تحقيق أمنيته ، فما أن أنتهى دوامها بالمشفى وعادت برفقته للمنزل ، واطمئنا على خلود مراد للنوم ، إذ أن ولاء ستظل ليلتها تلك فى المشفى ويرافقها والدتها ومعتصم 


سبقته هى إلى الغرفة ، لحين إنتهاءه من الحديث مع أحد رجاله و ما أن أنتهى عمران من اجتماعه القصير ، صعد الدرج حتى وصل لغرفته ، فزفر بإحباط ما أن وجد الغرفة خالية ، ولكن قبل أن يعرب عن ضيقه ، وجد ذراعان ناعمان حنونان يلتفان حوله ورأسها الجميل يتكأ على ظهره ، أغمض عينيه وهو يستنشق الهواء حوله والذى كاد يسكره من رائحة عطرها المختلطة به ، فرفع إحدى راحتيها وقبل باطنها دلالة على أن هناك عاصفة من الشوق قد تجتاحهما سوياً ، ولن يقبل تلك المرة بأى عذر ومبرر لإبتعادها عنه ، فهو تحمل ما زاد عن طاقته فى إنتظارها حتى تستطع أن تضع الماضى ومخاوفها السابقة جانباً ، ولا حاجة لها أن تخشاه ، فهى لن تجده سوى زوجاً عاشقاً متلهفاً لإحياء ليالى عشقهما من جديد ، وماهى إلا لحظات حتى غلبتهما عاطفتهما ولم يدرى أى منهما ذلك التغيير الذى طرأ على عناقهما الهادئ والذى أضحى وصال شغوف وضعاً به كل أشواقهما ، فتأملها بحيرة وهى غافية على ذراعه ، إذ أن لا أنثى غيرها تستطيع أن تضعضع توازنه وصلابته غيرها ، كأن عيناه وقلبه يأبيان أن تأسرهما سوى خضراوتيها المتمردتين ، فصار مثلما قالت من أنه يشبه ذكر الذئب الذى لا ترضيه سوى أنثى واحدة 

❈-❈-❈


صارت أيامه خالية من البهجة و الحياة ومن أى لون يستطيع به أن يكمل الباقى من حياته ، رتابة وملل وفتور هذا ما كان عليه حاله منذ أن ودعها أمام منزل أبيها ، ومن بعد عودته لمنزله تأهب للعودة إلى إيطاليا مرة أخرى ، وربما تلك المرة سيكون ذهاباً دون عودة ، فشقيقته تحسنت أوضاعها وأحوالها مع زوجها وإبنة عمه أيضاً وبات مطمئناً من أنهما ستنعمان بحياة زوجية سعيدة ، ولا يوجد خاسر بلعبة العشق غيره ، لذلك سيلملم الباقى من قلبه الجريح المتأجج بنيران لن يفلح أى شئ فى إخمادها سوى ما هو ناوٍ على فعله 


أخذ حقيبته وخرج من غرفته ، وكان قد أوصى بيرى والخدم بأن يعتنوا بمارجريت أثناء غيابه ، ورغم عدم فهم حياء وبيرى لإصراره فى العودة لإيطاليا بعد ما وضع خططه للإقامة الدائمة فى إسكندرية ، إلا أن لا واحدة منهما أبدت إعتراضها على أن يفعل ما يريده ويراه مناسباً . ما أن وصل للخارج ورآه الحارس هرول إليه ليأخذ حقيبته ويضعها بتلك السيارة التى سيقوم بقيادتها لعدم رغبة سيده فى أن يقودها ، وما أن جلس ديفيد فى المقعد الخلفى ، أدار الحارس محرك السيارة وأنطلق بها ، ومن حين لأخر ينظر فى المرآة الأمامية متعجباً من حال ديفيد ، والذى إذا رآه أحد لا يصدق أنه بذاته القادر على خلق حالة من الهرج والمرج والجنون إذا لم يطيعه أحد من رجاله ، بل بدا هادئاً ساكناً صامتاً كأنه لم يعد يجد ما يقوله أو أنه صار أبكماً 


هتف الحارس به بإحترام بعدما صف السيارة :

– وصلنا يا ديفيد بيه 


إنتبه على صوت الحارس الذى إنتشله من شروده وتفكيره الذى تمحور حول تلك التى فارقته وربما لن يعود بالإمكان أن يلتقيان مرة أخرى ، فأخذ نفساً عميقاً وخرج من السيارة ومن ثم بدأ فى إنهاء إجراءات سفره لإيطاليا ، وما أن اتخذ مقعده فى الطائرة ، نظر من النافذة وشعور سحق قلبه من أن ربما عندما سيعود إلى الإسكندرية مرة أخرى لن يعود حياً ، فحاول غلق باب التفكير فى تلك الأمور التى سيقدم عليها حالياً ، ولينال قسط من النوم لحين وصوله ، فهو لديه الوقت الكافى للتفكير فى كل ما حدث وما يمكن أن يحدث 


وما أن هبطت الطائرة خروج منها وأنهى معاملاته فى المطار ووصل للخارج ليرى تلك السيارة التى من المفترض أن تكون فى إنتظاره ، ولكنه رآى ذلك الرجل الذى كان يتبعه كظله فى الإسكندرية ، فألقى عليه نظرة عابرة كريهة دون أن يتحدث ، إلا أن ذلك الرجل لم يكن يفوت تلك الفرصة فى إثارة أعصاب ديفيد حد الإنفجار


أقترب منه ووكزه فى كتفه بخفة ممازحاً بسخافة :

– أرى أنك منذ الآن قد أفتقدت زوجتك ، ولك الحق يا صديقى ، فهى إمرأة جميلة ومثيرة 


لم يكن ديفيد بوضع يخوله أن يسمع صوت أحد خاصة هو ، فوثب عليه وظل يلكمه فى وجهه وهو يصرخ بجنون :

– لا أريد سماعك تتحدث عنها أيها الوغد ، أسمعت 


لولا إسراع بعض المارة فى فض العراك بينهما ، لكان ديفيد أطلق عليه الرصاص فى الحال ، فرشقه الرجل بنظراته الكريهة المنبعثة من عينيه التى لم يرى بهما ديفيد سوى الكره الخالص له ، وربما ذلك يعود لأن ديفيد صار الفتى المدلل لدى الزعيم الكبير ، فهذا الرجل يرى أنه هو الأحق بذلك ، لذلك صار لا يفوت مناسبة دون إثارة أعصابه ليجعله يخطئ مرة تلو الأخرى وبذلك يكون لديه الحجة اللازمة لإخبار الزعيم بأن ديفيد لا يستحق كل هذا التدليل الذى سيعود عليهم بالسوء والخسارة


رفع ديفيد سبابته قائلاً بوعيد صريح :

– إياك أن تحاول إثارة غضبى مرة أخرى ، وإلا أقسم لك بأننى لن أتوانى عن إهداءك طلقة فى رأسك وأخرسك إلى الأبد ، أفهمت 


حمل ديفيد حقيبته وألقى بها فى تلك السيارة المكشوفة الغطاء ، ومن ثم جلس خلف المقود وقادها بسرعة تاركاً ذلك الرجل واقفاً مكانه ليتدبر أمره فى العودة ، وما أن وصل لذلك المنزل الذى يمتلكه ، خرج من السيارة ولم يكتفى بذلك ، بل أنه بعدما أخذ حقيبته ، قام بتشغيل المحرك حتى سقطت السيارة من على ذلك الجرف العالى القريب من المنزل ، لعلمه بأنها المفضلة لدى صاحبها 


حدق فى السيارة المشتعلة قائلاً برضا تام:

– كان نفسى يبقى هو كمان جواها علشان اولع فيهم هم الاتنين ، بس ملحوقة مبقاش باقى كتير ، وهخلص منه


ولج المنزل ونادى الخادمة التى أسرعت فى أخذ حقيبته لتضعها فى غرفته ، ورغم تلك الأجواء الساحرة المحيطة بذلك البيت ذو التصميم الرائع والأنيق ، إلا أن لاشئ يستطيع محو ذلك التجهم الذى أنطبع على قسماته المليحة ، سوى أن يعود ويراها من جديد ، ولكن كأن أمنيته تلك ستظل عالقة بين الرجاء والتمنى 


فبعدما أخذ قسط من الراحة نهض من فراشه ، وأخذ حاسوبه وبدأ فى تسجيل بعض الرسائل الصوتية والمرئية لزوجته وشقيقته على أقراص مدمجة ، وبعدما أنتهى  وضعها بظرف أبيض وأمر أحد الرجال بإرساله إلى السفارة المصرية فى الغد مع رسالة نصية مكتوبة على ورقة داخل الظرف ، ولم ينسى أن يرفق معه رسالة أخرى توضح أسباب إرساله إلى السفارة المصرية ، وبعد إنتهاءه ذهب للمرحاض وأغتسل وأرتدى ثيابه ، وأخذ ثلاثة أسلحة نارية ، وضع كل منهم بمكانه داخل سترته وغمده 


سمع رنين الهاتف وضعه على أذنه قائلاً بجمود :

– حسناً ، فالوقت قد حان ، واليوم سيكون لدينا الكثير من العروض الدموية 


أنهى مكالمته ومن ثم خرج من الغرفة وقدميه تسيران بثبات رغم علمه أنه ربما ذاهباً ليلقى حتفه ، إلا أن لا شئ سيردعه عن فعل ما يريد ، فلا مجال للتراجع أو العودة وبعدما أخذ تلك السيارة الموضوعة فى المرآب ، خرج من المنزل ، كأنه لا يملك صبراً ليصل إلى وجهته التى ربما ستكون الأخيرة التى يصل إليها 


صف السيارة أمام ذلك المبنى الضخم والملتف حوله العديد من الرجال المدججين بالسلاح ، فهنا يتم عقد كل الصفقات الغير مشروعة من تجارة المخدرات والأسلحة والأعضاء البشرية وبيع الفتيات وكل ما يختص بذلك العالم المظلم والسئ والذى يطلق عليه عالم عصابات المافيا 


إصطحبه أحد الرجال حتى وصل لتلك الغرفة الفسيحة والتى تتوسطها طاولة طويلة يترأسها رجل أشيب نال منه الكبر ورغم ذلك مازالت ملامحه توحى بالقوة والتسلط والجبروت  


إبتسم ما أن رآى ديفيد وأشار إليه بأن يجلس على يمينه بذلك المقعد الذى كان فيما مضى مختصاً بعمه أدريانو ، فقال بنبرة خشنة :

– هيا أجلس يا ديفيد فلا أحد غيرك يستحق هذا المقعد ، أرى أن نصائح أدريانو لم تذهب سدى ، ولعبتنا تلك قواعدها كل ما تناله يدك يصبح ملك لك 


وضع ديفيد يده على كتف الرجل الأشيب وانحنى قائلاً بإبتسامة مراوغة :

– إذن فأنت الآن ملك لى ،فيدى قد نالت منك حقاً


تبع ديفيد حديثه بضحكة عالية ليوهم الجميع أن قوله ماهو إلا مزحة ودعابة أراد بها أن يضفى قليل من المرح قبل بدأ جلستهم ، فضحك الجميع وكأن شئ لم يكن ، وبعد أن أخذ ديفيد مكانه حيث أشار الزعيم ، نظر لذلك الذى يقف بجوار مقعده وينظر له بحقد دفين


بدأ الإجتماع كالعادة بأن يملى عليهم الزعيم الكبير تلك المهام التى من المفترض أن يقوم بها كل فرد يجلس فى تلك الغرفة ، نظر ديفيد للساعة فى هاتفه ، فالوقت قد حان وبدأ العد التنازلى لبدأ تلك المعركة الدامية 


وما أن أنتهى الوقت المحدد أخرج ديفيد أحد الأسلحة الثلاثة ووضعه أمامه على الطاولة قائلاً بهدوء وإبتسامة شبه مختلة:

– أرى أنك تحدثت كثيراً ، وقد حان الوقت لأن تصمت إلى الأبد 


حملق الزعيم فى وجهه بدهشة من جرأته فى الحديث معه ، وبطرف سبابته أشار لرجاله بأن يجهزوا عليه ، ولكن لم يتحرك أحد من مكانه ، فصاح بصوت جهورى :

– لم لا تنفذون ما أمرتكم به 


تولى ديفيد الرد عليه قائلاً بثقة بعدما أشار للرجال بتصويب أسلحتهم تجاه الزعيم :

– لأنهم صاروا رجالى الآن ولن تجد أحد يستمع إليك سوى ذلك العاهر الذى يقف بجوارك 


متى وكيف تم كل هذا ، فلا أحد يعلم سوى ديفيد الذى إستطاع شراء الحراس جميعهم وتعهدوا له بالولاء والطاعة ، فهو خطط لذلك الأمر منذ عمله معهم ليحقق إنتقامه وثأره لموت والديه وأشقاءه ، فذلك الرجل الذى يجلس أمامه هو من أصدر أمره بقتل أبويه عندما تم كشف أمر عمه أدريانو والذى لم يستطع فعل شئ سوى مساعدتهم فى النيل من شقيقه وصار هو ضحية لأطماعه وافترق عن شقيقته وتم حرمانه من دفء أسرته ليلقى به عمه فى أحضان الخطيئة والرزيلة وتشرب طباع الغدر والخداع ، وكم كان بارعاً فى إتقان دور الشاب المطيع لأوامره حتى جعله يأمن جانبه لحين مجئ اللحظة الحاسمة لأخذ ثأره 


لوح ديفيد بسلاحه فى وجه الرجل ساخراً:

– لا تخف هكذا ، فأنا سأحرص على إرسالك للجحيم فى أسرع وقت دون أن تتألم كثيراً ، رغم أننى أريد تمزيق جسدك كما تمزق قلبى لموت والدى وأشقائى ، فكل مرة كنت أنظر فيها إليك كنت أشعر بأننى أحترق حياً ، ولكن كان على أن أطيعك وأبتسم وأكون الرجل المفضل لديك ، ولكن الآن لن يعود فى مقدورى أن أنتظر دقيقة أخرى ، فلم أعد أملك ما أخسره بعدما خسرت كل شئ 


ما كاد يطلق ديفيد رصاصة من سلاحه حتى توافد من خارج الغرفة عدد من الرجال لم يعلم من أين جاءوا بتلك اللحظة ، ولا شئ يفسر وجودهم سوى أن الزعيم دائماً ما كان متيقظاً لحدوث شئ كهذا ، لذلك هو يملك عدداً من الرجال لا أحد يعلم بشأنهم سواه هو ، وتلك العصا التى يحملها بها جهاز دقيق يرسل إشارات بأن هناك خطر يحاوطه ، فأختلت توازن تلك اللعبة والخطة التى وضعها ديفيد ، وصار الموقف متأزماً بعد سماعه قصف الطلقات النارية ، بل أن هناك نيران نشبت فى الغرفة لم يستطع أحد تفسير أسباب إشتعالها ، فباتت الغرفة كأحد أبواب الجحيم ، ولكن ديفيد أقسم أن ينال منه وسيفعل ، فبمهارته المعتادة إستطاع إصابة الزعيم بطلقة نارية فى جبهته حتى وهو وسط عدد من رجاله ، وبسقوط الزعيم قتيلاً ، كأن حرب أهلية قامت بين الجميع ، وصار المكان ممتلئ بالقتلى ، وأصيب ديفيد بطلق نارى فى كتفه وأخر فى ساقه ، علاوة على أثار الحروق التى ملأت أحد جانبى وجهه  


نجح فى الهروب إلا أنه وجد ذلك الرجل يتبعه فصاح قائلاً بحقد :

– إلى أين أنت ذاهب يا ديفيد ، فقد حان وقت إرسالك إلى الجحيم أنت أيضاً


دوى صوت الطلقات النارية فى ذلك السكون وتلاه صراخ ذلك الطائر الذى ربما شهد على لمحة من إحدى المجازر البشرية وعلت صيحة إحتجاجه على رؤية تلك الدماء الغزيرة وظل كأنه ينوح حتى طار بعيداً


فسقط الرجل قتيلاً وسقط ديفيد على وجهه هامساً بخفوت :

– ياسمين 


فبعد مرور يومان... وأثناء وجود راسل فى غرفة مكتبه بالمشفى ، سمع رنين هاتفه ، وتعجب فى البداية من أن الرقم من خارج مصر ، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يجيب على الإتصال ، فرد قائلاً بهدوء :

– ألو أيوة مين معايا 


جاء الرد على الطرف الآخر متسائلاً:

– هو حضرتك الدكتور راسل النعمانى زوج مدام حياء  


أجابه راسل بشئ من التوجس خاصة بعد سماع إسم زوجته :

– أيوة أنا خير فى إيه ؟ وحضرتك تعرف مراتى منين 


عاد الرجل يسأله بإستفسار :

– هى ليها أخ فعلاً إسمه ديفيد دانيال اسكندر شمعون


رد راسل قائلاً بنفاذ صبر :

– أيوة ديفيد دانيال يبقى أخوها ، بس ليه بتسأل وعايز منها إيه وأنت علاقتك إيه بيهم


قال الرجل بمهنية ونبرة تميل للبرود قليلاً:

– أنا من السفارة المصرية فى إيطاليا ، ببلغ حضرتك أن أخو المدام بتاعتك للأسف مات ، وكان بعتلنا ظرف فيه سيديهات ورسالة مكتوب فيها انهم خاصين بمراته وأخته وكمان رقم تليفونك و إن فى حالة وفاته نكلمك ونبلغك الخبر وأحنا هنبعت الجثة بكرة على إسكندرية وحد يستلمها علشان إجراءات الدفن 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة