رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب - الفصل الأخير
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الكاتبة سماح نجيب
الفصل الأخير
الجزء الأول
" بكَ وبكِ وجهان العشق"
دعا والد ياسمين ذلك الزائر لأن يجلس فى الصالة لحين إخبار إبنته أن هناك من يريد مقابلتها ، فحمحم وهو يقف على باب غرفة المعيشة وما أن انتبهت عليه زوجته ، تركت مجلسها وأقتربت منه لتعلم ما يريد فهمس لها بأن هناك رجلاً جاء يسأل عن إبنتهما وعندما حاول الإستفسار منه عن سبب رغبته فى مقابلة ياسمين ، اخبره بأنه يريدها بشأن عملها كمهندسة ديكور ولم يصرح له عن ماهية طبيعة ذلك العمل الذى يريدها من أجله ، ولكنه اطمئن قليلاً عندما اخبره بأنه جارهم الجديد والذى قام بشراء ذلك المنزل المقابل لهم ، ذلك البيت الذى هجره صاحبه منذ سنوات طوال وفى الآونة الأخيرة اعلن عن رغبته فى بيعه وجاء ذلك الرجل واشتراه منه ، فأشارت والدتها لها بالنهوض ، وشعرت حياء بأن ربما هناك أمر هام ، لذلك أرادت الانصراف هى وبيرى ، ولكن أصرت عليهما ياسمين بالبقاء ، وطلبت من والدتها أن تجلس معهما لحين عودتها بعدما ترى من ذلك الرجل الذى أراد مقابلتها ، فخرجت من غرفة المعيشة للصالة وجدت الرجل جالساً مع أبيها يحتسى من كوب الشاى الذى أتى به والدها من أجله ، ولكنها قطبت حاجبيها بدهشة طفيفة كونها لم ترى ذلك الرجل من قبل ، وأنها ليس لديها علم بأن ربما يأتى لها عميلاً تابعاً لذلك المكتب الهندسى المملوك لخالها والخاص بأعمال الديكور ، الذى تعمل به منذ أن كانت بالجامعة ، رغم أنها كانت تعمل معيدة بكليتها
رغم شعورها بالارتياب إلا أنها ألقت عليه التحية ومن ثم جلست بجوار والدها قائلة بهدوء :
– أفندم حضرتك ، أنا الباشمهندسة ياسمين ، كنت حضرتك طالب تقابلنى خير ؟
وضع الرجل كوب الشاى من يده وقال بإبتسامة ، اختفى تلألئها خلف اطارات نظارته العريضة :
– خير إن شاء الله ، أنا أبقى رامى وهدان جاركم الجديد ، اشتريت البيت اللى قصادكم ده على طول ولما سألت السمسار لو يعرف مكتب ديكور يجددلى البيت علشان هو محتاج تجديد لأنه كان مقفول بقاله سنين طويلة ، فقالى إن حضرتك مهندسة ديكور شاطرة جدا وإن فى مكتب بتشتغلى فيه ، فجيتلك علشان اتفق معاكى
هزت ياسمين رأسها بتفهم ومن ثم قالت وهى تترك مقعدها :
– ثوانى هجبلك الكارت بتاع المكتب وحضرتك تبقى تروح فى أى وقت وهم هيعملولك اللازم لأن حالياً أنا متوقفة عن العمل بسبب حملى وكمان قربت أولد وهناك فى مهندسين كويسين جدا هيعملولك شغلك على أكمل وجه
ذهبت لغرفتها وعادت تحمل بطاقة تعريفية للمكتب الهندسى ، فأخذها منها الرجل وهو يقول بإبتسامة هادئة:
– متشكر جدا يا باشمهندسة واسف جدا لو كنت ازعجتك هو السمسار مقاليش إن حضرتك حامل وحالياً مش شغالة أنا بعتذر
ردت ياسمين قائلة بهدوء وعملية :
– ولا يهمك تحت أمرك ونورتنا
ترك رامى مكانه بعدما وضع كوب الشاى الفارغ إلا من نصفه تقريباً وقدم اعتذاره للمرة الرابعة ومن ثم غادر المنزل بعدما إصطحبه والدها إلى الباب ، وبعد رحيله عادت ياسمين إلى غرفة المعيشة
تلاحما حاجبىّ حياء وتساءلت بلطف :
– فى حاجة يا ياسمين مين اللى كان عايزك
جلست فى المقعد القريب منها واجابتها بهدوء :
– ده واحد شكله اشترى البيت اللى قصادنا وكان جاى طالب إن اعمله شغل الديكور بس بعته على مكتب خالو لأن حاليا من الحمل مبقتش قادرة أخد نفسى
تبعت حديثها بإبتسامة هادئة وهى تمسد على بطنها المنتفخ ، وهى فى غاية الشوق لرؤية صغيرتها ، فربتت حياء على يدها وبعد إنتهاء جلستهن ذهبت هى وبيرى كل منهما إلى منزلها على وعد بلقاء قريب
ولجت ياسمين غرفتها وضغطت زر الإنارة ووجدت نفسها تجلس خلف مكتبها وقامت بتشغيل مقطع الفيديو الخاص بزوجها الراحل ، وفعلت ذلك مرات عدة ، لتعود وتبكى من جديد ، وما أن سمعت توصيته لها بألا تخبر طفلهما عن حياته السابقة ، وضعت يدها على بطنها وجففت عبراتها الدافئة وقالت بوعد :
– أوعدك إن عمرى ما هقول لبنتنا حاجة وحشة عنك يا ديفيد ، هخليها تشوفك دايما فى خيالها فارس وقدوة
شعرت بيد حطت على كتفها فإنتفضت بذعر ، إلا أنها ما أن إلتفتت برأسها ووجدت والدها ، زفرت براحة وعادت تلتقط أنفاسها بإنتظام بعد شعورها بإنتقاصها
جلس والدها على مقعد قريب وحرك مسبحته بين أصابعه قائلاً بلين :
– وبعدين يا بنتى فى اللى بتعمليه فى نفسك ده خلاص مبقاش له لزوم كل شوية تتفرجى على الفيديو وتعيطى ، العياط مش هيرجع اللى فات
وضعت ياسمين وجهها بين يديها وقالت بصوت متحشرج :
– أنا يا بابا لو كنت اديته فرصة مكنش ده كله حصل ، جيت فى لحظة نسيت كل حاجة نسيت أنه برضه عمل علشانى حاجة حلوة وجابلى الدكتور اللى عمل ليا العملية ورجعت شوفت تانى ، يعنى بدل ما كنت احاول حتى أرد جميله وأخد بإيده وكنت كسبت فيه حتى الثواب أن أخليه مسلم يعرف دينه وربه كويس، كرامتى نقحت عليا إن ازاى اتخدع واكتشف إنه على صورة تانية غير اللى اتجوزته بيها ، وكانت النتيجة ايه بنتى هتيجى للدنيا من غير أب ، علشان أمها كان قلبها قاسى عليه ومعرفتش تحتويه لدرجة انه قال فى رسالته إن لو كان رجع ومامتش كان برضه هيبعد عنى ويدينى حريتى يعنى حتى لو كان حى دلوقتى وبرغم إن بينا طفلة مكنش هيرجعلى ، شوفت أنا وصلته لإيه
تركها أبيها تفضى بمكنون قلبها ، لعلها تشعر بالراحة عوضاً عن التخبط وتأنيب ضميرها لها منذ أن تلقت خبر وفاة زوجها ، إلا أن معاتبتها القاسية لذاتها لن تعود وتفيدها بشئ ، إذ أن المعنى بحديثها صار ذكرى تجرى على الألسنة مرفق مع إسمه الطلب والثناء على الله أن يغدق عليه من فيض رحماته ومغفرته
قال والدها بعدما أخذ نفساً عميقاً:
– بصى يا بنتى اللى بتعمليه ده مبقاش منه فايدة خلاص لأن هو راح عند اللى خلقه مبقاش فى ايدينا غير إن احنا ندعيله ، وبالنسبة للى حصل إحنا فى الأول والآخر بشر إحنا مش ملايكة يعنى بنغلط وبنحاول نصلح غلطنا ، وانتى برضه ظروفك النفسية وقتها مخلتكيش تقدرى تشوفيه بأى صورة تانية غير اللى انتى شوفتيه عليها ، وإحساسك بالذنب دلوقتى مش هيفيدك بحاجة غير إنك هتتعبى أعصابك على الفاضى ، فإستهدى بالله وحاولى تفكرى فى اللى جاى ، حتى لما تولدى لازم تفكرى فى حياتك وتتجوزى تانى
صعقت ياسمين من قول أبيها ، إذ لم تضع فى بالها أو معتقدها أن والدها ربما يفكر فى تزويجها مرة أخرى ، فهى سبق ووضعت مخططها بأنها ستحيا من أجل إبنتها ولن تفكر مطلقاً فى أن تعيد تجربة الزواج ثانية ، فقطبت حاجبيها وقالت بدهشة :
– اتجوز تانى وأنت يا بابا اللى بتقول كده
كف أبيها عن تمرير حبات المسبحة بين سبابته وإبهامه ، فحدق بها قائلاً بهدوء :
– هو أنا قولت حاجة غلط ، ده حلال ربنا يا بنتى ، وأنتى يا حبيبتى تقريباً متجوزتيش شهرين على بعض ، وإن كان على بنتك فهى فى عينينا أنا ومامتك وهنربيها زى ما ربناكى أنتى وأخوكى بلال ، أنا بس مستنيكى تولدى بالسلامة ، ونشوف الموضوع ده ، لأن فى كذا حد فاتحنى فى الموضوع بس أجلته لحد ما تقومى بالسلامة علشان تكون عدتك خلصت
صاحت ياسمين برفض :
– لاء يا بابا لاء مش هتجوز ، عايز الناس تقول عليا إيه مفاتش كام شهر على موت جوزها وبتفكر تتجوز تانى
مسد أبيها على لحيته وقال بحنان لتهدأ من ثورتها :
– هى الناس ملهاش غير الكلام ، وأنتى لا هتعملى حاجة عيب ولا حرام ، أنتى يا بنتى زى ما حكتيلى متجوزتيش إلا ليلة واحدة بس وده ميرضيش حد أنك تدفنى عمرك وشبابك خصوصاً إنك مفرحتيش بجوازك زى اللى بيتجوزوا ، على العموم أنا هسيبك ترتاحى دلوقتى ومحدش عارف بكرة فى إيه تصبحى على خير
خرج والدها من الغرفة ، فشعرت بالاختناق فجأة وعادت عبراتها تتدفق من جديد ، فهى لا تريد أن يفكر أباها بهذا الشأن . اتجهت نحو باب الشرفة المتصلة بغرفتها وفتحته ، لعل نسمات الليل تكون قادرة على صرف شعورها بالضيق ،ولكن ما أن خرجت إلى الشرفة ، رآت ذلك الرجل الذى جاء لمنزلهم الليلة واقفاً فى شرفة ذلك المنزل المقابل لهم وتذكرت أنه صار المالك له الآن ، فعادت أدراجها إلى الغرفة ، وهى تفكر أن ربما شرفتها لن تعود و تأخذ حريتها فى الوقوف بها منذ الآن ، فشرفة ذلك المنزل يستطع الواقف بها رؤية ما بداخل غرفتها ، فإمتعضت لكونها أحياناً كانت تترك باب الشرفة مفتوحاً لتسمح بمرور الهواء النقى إليها ، ولكن عليها الآن أن تكون حذرة
مر أسبوع بأكمله وهى مازالت تسمع أصوات العمال القادم من ذلك المنزل ، فجاءها إتصال من شقيق والدتها يرجوها بأن تذهب لهؤلاء العمال التابعين لمكتبه الهندسى وتشرف على العمل اليوم نظرًا لتغيب المهندس المسؤول ، فوافقت ياسمين على مضض رغم شعورها بالتعب والألم ، وليس هذا فحسب فهى لا تترك المنزل أبدًا ، ولكنها لم تريد أن ترد كلمة خالها ، فإرتدت ثيابها وحجابها وخرجت من منزلها الذى أصبح خالياً بعد خروج والديها لزيارة مريض تربطه علاقة صداقة متينة بوالدها
وصلت للمنزل المقابل فحياها العاملين بعد رؤيتها وراح كل منهم يسألها عن أحوالها ، ويعربون عن سعادتهم برؤيتها وراحوا يدعون لها بأن تضع مولودتها بصحة وسلامة
جاء مالك المنزل الجديد ، وتعجب من وجودها ، إلا أنه أسرع فى إبداء تبرمه من وقوع العاملين فى خطأ تبديل ألوان الطلاء بين غرفة النوم وغرفة المكتب ، فنظر إليها وعيناه يتطاير منهما الشرار قائلاً بحنق كأنه وجد فريسته التى سينفث بها نيران استياءه :
– إسمه إيه ده يا باشمهندسة ، أنا كنت طالب اللون ده فى أوضة النوم مش الأوضة اللى هعملها مكتب ، انتوا مش شايفين شغلكم كويس ولا إيه
رفعت ياسمين وجهها بإباء وقالت بهدوء قدر إمكانها :
– حضرتك بتزعقلى أنا ليه يا أستاذ رامى ، أنا جيت بس أشوف العمال علشان المهندس المسؤول عنهم مجاش النهاردة وفى المكتب كلمونى بما إن قريبة من البيت ، يعنى لما ييجى المهندس اتكلم معاه وياريت تتكلم بذوق لأنهم مش عبيد عندك علشان تزعق فيهم براحتك
وضع نظارته فى منتصف رأسه وعاد يقول بإستياء :
– أنا مليش دعوة بكل اللى بتقوليه ده ، أنا طلبت حاجة تبقى تتنفذ ومش عايز حجج فاضية ، زى ما حضرتك شاطرة كده فى الرد عليا ياريت تبقى شاطرة فى تصحيح الغلط اللى حصل
عقدت ياسمين ذراعيها أمام صدرها:
– حد قالك قبل كده يا أستاذ رامى إنك إنسان قليل الذوق فى كلامك
شهق رامى من قولها خاصة بعدما رآى العاملين ينظرون إليهما ومنهم من يحاول كبت ضحكته على ما تفوهت به ياسمين ، فرفع سبابته فى وجهها وصاح حانقاً :
– إنتى اللى بنى أدمة قليلة الذوق ومتكبرة أوى مش عارف على إيه ، مفكرة نفسك إيه يعنى ، أنتى ولا حاجة ، وأنتوا هنا بفلوسى وتعملوا اللى أنا عايزه
لم تستطع ياسمين بلع إهانته لها والتى وصلت حد النيل من ذاتها كأنثى ، فأنتفخت أوداجها وقالت بتجهم وإمتعاض :
– أنت إزاى تكلمنى كده ، صدقنى كلمة كمان مش هيحصل طيب ، إنسان قليل الذوق و ....
من فرط شعورها بالغضب والحنق ، زاد إحساسها بالألم الذى داهمها فى ظهرها وبطنها ، حتى إنها فشلت فى إكمال حديثها ، ولكنها صرخت فجأة بعدما شعرت بألم المخاض ولم يعد فى إمكانها كتمان شعورها بالألم ، فأرتبك الجميع خاصة بعدما رآوا سيدة على وشك وضع جنينها ، ولم يجد ذلك السيد الحانق سوى أن يذهب إلى منزلها ويخبر والديها ، إلا أنه لم يجد أحداً فى المنزل ، ولم يجد مفر من أن يذهب بها لأقرب مشفى عوضاً عن أن تضع مولودها فى ذلك البيت الخالى من الأثاث وتتناثر ألوان الطلاء هنا وهناك
وصلوا للمشفى بسيارته يرافقهما أحد العمال ، فأسرع فى جلب إثنان من الممرضات لأخذها من سيارته ، ومن ثم ذهبوا بها إلى الداخل وتم إستدعاء طبيبة حسب رغبة ياسمين ، إذ لم تكن تريد أن يقوم بتوليدها طبيب رجل ، فذهب هو لدفع ما تم طلبه من المال من أجل دخولها المشفى وما ستتقضاه الطبيبة
بعد مرورة عدة دقائق خرجت إحدى الممرضات وسألته عن ثياب المولودة ولكنه أخبرها أنه لا يملك معه أى ثياب وسيذهب على الفور لجلبها ، فخرج من المشفى وبحث عن متجر ثياب للأطفال وحديثى الولادة ، فإبتاع ما يلزمه ومن ثم عاد للمشفى
وقف هو والعامل يتحدثان لحين خروج أحد ليطمئنهما على صحة الأم والمولودة ، فخرجت احدى الممرضات وقالت بإبتسامة بعدما وضعت الصغيرة بين ذراعيه:
– مبروك ما جالك يا استاذ بنوتة زى القمر
تصلب جسده بعدما وجد الرضيعة بين ذراعيه ، يحملها كأنه يخشى سقوطها ومازال محدقاً فى وجهها بعينان متسعتان ولكن ارتخت قسماته بل وإبتسم ما أن رأها تتمطى وتجعد أنفها ، فهى حقاً فتاة جميلة ، فأدنى برأسه منها وأذن فى كلتا أذنيها ، وحمد الله أن والد ووالدة ياسمين قد جاءا إلى المشفى
فأقترب منهما ووضع الصغيرة بين ذراعىّ والدة ياسمين قائلاً بهدوء :
– اتفضلوا حفيدتكم أهى بس هو فين باباها
رد والد ياسمين قائلاً بأسف وإمتنان فى آن واحد:
– أبوها الله يرحمه أتوفى ، ومتشكرين يا ابنى على أنك جبت بنتى المستشفى
– لا شكر على واجب يا عم الشيخ ، دا احنا جيران والجيران لبعضيها
تمتم عبارته وحاول تضمينها الكثير من كياسته التى اختفت فجأة ما أن تشاجر لفظياً مع ياسمين
أخذه والدها من ذراعه وتنحى به جانباً قائلاً بلطف :
– قولى يا ابنى أنت دفعت كام للمستشفى علشان تاخد فلوسك
ربت على ذراع الإمام قائلاً بإبتسامة هادئة :
– مش وقته الكلام ده يا شيخنا ، إنت اطمن على بنتك وحفيدتك وبعد كده نبقى نتكلم
صمت لهنيهة ثم عاد مستطرداً بنبرة مبهمة :
– إحنا هنروح من بعض فين يعنى ، عن إذنك
قبل أن يذهب ، وجد إثنتان من الممرضات تدفعان السرير المتحرك الراقدة عليه ياسمين لنقلها إلى تلك الغرفة التى ستقيم بها ، فنظرت فى تلك الوجوه الموجودة أمامها ، واطمئنت ما أن رآت والديها ، ولكن علقت نظرة خاطفة منها بعينيه ، وما أن تم نقلها إلى الفراش عن طريق الممرضتان ، وجدته يلج الغرفة خلف أبيها ، بل وراح يحدق بها كأنه أول مرة يراها ، وتعجبت من أن تلك المسحة من الكبرياء والغرور التى كانت تملأ وجهه وعيناه حل محلهما نظرات الشفقة والعطف ، بل كأنه يقدم اعتذاره وأسفه على ما حدث بينهما من شجار ، فأشاحت بعينيها عنه وسمعت صوت خطوات تقترب من باب الغرفة ، فتحققت ظنونها ووجدته قد رحل
ولكن جاء شقيقها بلال وتساءل باسماً وهو يقبل الصغيرة :
– هتسميها إيه يا ياسمين ؟
ردت قائلة بصوتها الخافت :
– هسميها إن شاء الله نور وهتبقى نور تميم
رفعت ذراعيها تحث والدتها أن تأتى لها بالصغيرة ، لكى تأخذها فى أحضانها وتقبلها ، وما أن أستقر رأس الرضيعة على أحد ذراعيها دمعت عيناها كأنها ترى وجه زوجها فى صغيرتها ، كأنه لم يكن يكفيها شعورها بالذنب لتأتى الرضيعة وتظل تذكرها به ، وظن الجميع أن دمعاتها التى تسابقت على وجنتيها ناتجة عن شعورها كأم ترى أول أطفالها ، فأخذت يد الصغيرة تقبلها بنهم ، حتى أغرقتها بعبراتها السخية ، وتتمتم لها بعبارات المحبة والسعادة الممزوجة بالألم ، ولكن مثلما أخبرها أباها من قبل أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة ، فأوقات الحزن لا تدوم وأوقات الفرح أيضاً لا تدوم ، ودائماً ما يسعى الإنسان للبحث عن الراحة والتى لم تكتب فى الدنيا ، ولكن تسير الحياة بين السعادة والشقاء ومن تمسك بدينه وقيمه إستطاع النجاة حتى ولو لقى المشقة فى حياته
❈-❈-❈
ما أن أنهت محاضراتها لليوم خرجت من الكلية ، ولكنها توقفت عن السير إذ شعرت بدوار خفيف ، مما جعلها تضع يدها على رأسها وظلت تفتح عيناها وتغلقهما لعلها تحافظ على توازنها دون أن تفقد وعيها ، وتنفست بعمق ومن ثم راحت تزفر أنفاسها على عدة مراحل ، وما أن شعرت بتحسن نسبى أكملت سيرها ووصلت لتلك السيارة ، التى وضعها زوجها تحت تصرفها وعين لها سائقاً ، لخوفها الشديد من تعلم القيادة ، جلست فى المقعد الخلفى وأنطلق السائق عائداً بها إلى البيت ، فأغلقت سهى عينيها بعدما داهما شعور بصداع مفاجئ ولا تعلم لما اليوم صارت تشعر بالانهاك والإرهاق كأنها لاقت مشقة فى السير والخروج ، ولا تعلم هل هذا الشعور بالإرهاق نتج عن قضاءها يومها دون أن تتناول طعام إفطارها أو أنها تعانى أعراض إحدى نزلات البرد والانفلونزا ، خاصة بعدما وضعت يدها على بطنها بعدما فجأها ألم شديد ولكن سرعان ماعادت إلى طبيعتها ، فربما ما تشعر به ماهى إلا الأعراض الأولية لتلك الوعكة الصحية التى ربما نتجت عن إهمالها فى أن تتدثر جيداً أثناء نومها، لذلك فكرت بأنها عندما تعود للمنزل ستأخذ بعض الأقراص الدوائية قبل أن يتفاقم الأمر أكثر ، فلولا حرصها على تناول أقراص منع الحمل بإنتظام لكانت ظنت أنها حامل الآن ، لذلك إبتسمت على سذاجة أفكارها ، فهى وإن كانت أرجأت الأمر بإرادتها ، إلا أن حقاً غريزتها كزوجة تتمنى لو أن يرزقها الله بطفلاً ، ولكنها فضلت أن تفكر فى الأمر بعد إنتهاء دراستها الجامعية ، ولم تجد إعتراضاً من زوجها ، بل على النقيض فهو من يذكرها بموعد تناول حبوب منع الحمل ويجلبها إليها أيضاً
– الحمد لله المغص راح والصداع كمان
هتفت سهى بعبارتها ما أن وصلت إلى المنزل وبعدما شعرت بتحسن نسبى ، مما جعلها تنسى أمر تناول الأقراص الدوائية الخاصة بنزلات البرد ، وفكرت أن تنام قليلاً لعل بعد إستيقاظها يذهب عنها ما اعتراها اليوم ، فالوقت مازال مبكراً على عودة زوجها من عمله ، وربما نومها سيفيدها فى أن يكون لديها القدرة على أن تنهى مذاكرتها وأن تقضى ليلها معه ، إذ أن عمرو منذ ليلتهما الأولى وهو صار متطلباً لوصالها بنهم وتشعر أحياناً أنه لن يكتفى منه قبل أن يعمل على تعويض تلك السنوات التى مضت من عمره ، ورغم ذلك هو مراعياً ودوداً ولا يحاول فرض وجوده بالاجبار ، ولكن هى التى دائماً ما تشعر بأنها فى حاجة إليه ، وتكفى نظراتها لأن تخبره بمدى إشتياقها حتى لو إستحت من أن تخبره إياها صراحة بأنها تفتقده خلال ساعات النهار عندما يتحتم عليهما الفراق المؤقت والمتمثل فى ذهابه لعمله وذهابها إلى الكلية
إستيقظت بعد مرور بضعة ساعات ، وعندما نظرت فى هاتفها وجدت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً ، فغمغمت بكسل بعدما عاودها شعور الإرهاق :
– يا خبر هو أنا نمت كل ده ، دا زمان عمرو راجع من شغله دلوقتى
قبل أن تترك الفراش ، وجدت زوجها يلج الغرفة بعد يوم طويل قضاه فى العمل ، فألقى عليه التحية المتمثلة فى قبلة على جبينها وإبتسامة محبة ، ولكن ما أن رآى وجهها الذى يبدو عليه دلائل الإرهاق ، جلس بجوارها على طرف الفراش متسائلاً بإهتمام:
– مالك يا سهى ، وشك باين عليه الارهاق كده ليه ؟
وضعت يدها على وجنتها وأغمضت عينيها ، بل أنها أسرعت فى إسناد ظهرها للوسائد ، وقالت وهى تعتصر جفنيها :
– مش عارفة ايه اللى جرالى النهاردة حاسة بتعب وارهاق من غير سبب ، من ساعة ما خلصت المحاضرات ورجعت نمت ودلوقتى رجع الصداع تانى
ملأ البشر وجهه وقال بلهفة :
– ما يمكن أنتى حامل يا سهى
ضيقت عينيها ونظرت إليه ملياً ، فهو خير من يعلم أنها تحترس بشأن هذا الأمر ، فقالت وهى تنفض عن رأسها هذا الاحتمال :
– لاء مظنش حامل إيه وأنا أساساً باخد حبوب منع الحمل ، دا تلاقى بس دى أعراض دور برد وشوية وهبقى كويسة لما أخد برشام لأعراض البرد
رفض عمرو رفضاً قاطعاً أن تأخذ أى عقاقير طبية قبل أن يذهبان للطبيبة ، ورغم رؤيتها أنه يبالغ فى الأمر ، إلا أنها وافقت على الذهاب معه إلى إحدى الطبيبات النسائية
فما أن جلسا فى إنتظار دورهما للدلوف إلى الطبيبة ومر بعض الوقت مالت سهى برأسها إلى زوجها وهمست :
– عمرو يلا بينا نروح أنا زهقت وأنا قولتلك تلاقيهم شوية برد وأنت اللى مكبر الموضوع
رد عمرو قائلاً بصوت خافت :
– مش هنخسر حاجة يا أم دماغ ناشفة لو اطمنا ، قدرى كنتى حامل واخدت دوا يأثر على الحمل هيبقى ايه الحل وقتها
رفعت سهى حاجبها الأيسر ولوت شفتها العليا وقالت بإرتياب :
– أموت واعرف جايب الثقة دى منين إن أنا ممكن أكون حامل مع إنك عارف اللى فيها دا حتى أنت اللى كنت بتدينى برشامة منع الحمل و...
أتسعت مقلتيها ما أن تبادر إلى ذهنها أن ربما كان عمرو يخدعها بشأن تلك العقاقير المسماة بـ " حبوب منع الحمل" ولكن قبل أن تقول ما يدور فى عقلها ، سمعت الممرضة تناديهما من أجل الدخول
جذب عمرو يدها ومن ثم دلفا للداخل ، وبعدما دعتهما الطبيبة للجلوس نظرت لسهى وسألتها بإبتسامة بشوشة :
– خير يا مدام سهى بتشتكى من إيه ، مع إنك صغنونة خالص واللى يشوفك ميقولش إنك متجوزة
إبتسمت سهى لتجارى الطبيبة فى مزحتها اللطيفة والتى جعلت زوجها يقطب حاجبيه من قولها ، إلا أنها شدت على يده لكى يلتزم الهدوء ، فقالت سهى بإبتسامة ودية:
– هو شكلى يبان صغيرة بس أنا متجوزة من كام شهر والنهاردة حسيت بشوية أعراض فجوزى أصر إن احنا نيجى نطمن
قصت سهى للطبيبة كل ما شعرت به اليوم ، وعندما سألتها عن مواعيد أيام حيضها أخبرتها أنه مر عليها أكثر من ثلاثة أيام عن الموعد السابق فى الشهر الماضى ولم تحيض بعد ، ولكنها معتادة على هذا الأمر ، فطلبت منها الخروج وأن تذهب للمعمل التابع للعيادة لعمل اختبار دم لبيان وجود حمل من عدمه
بعد انتهاء أخذ العينة منها جلست هى وزوجها فى انتظار النتيجة والدلوف إلى الطبيبة مرة أخرى ، ولكنها انتبهت على حركة شفتىّ زوجها ، كأنه يدعو إلى الله بأن تأتى نتيجة الاختبار إيجابية ولا تعلم سر إصراره تلك المرة على أن ينجبان رغم اتفاقهما أن ينتظران لحين انتهاءها من دراستها الجامعية
خرجت الممرضة وناولتها ورقة الإختبار قائلة بإبتسامة عريضة :
– مبروك يا مدام سهى أنتى حامل نتيجة الاختبار ايجابية
فغرت سهى فاها فى حين أن زوجها انتفض من مكانه مهللاً فرحاً بما سمعه من الممرضة ، بل أنه لم يبخل بإعطاءها نقودًا نظير أن زفت إليهما ذلك النبأ السعيد
جذبت ذراعه لعله يهدأ فقالت بصوت خافت :
– فى ايه يا عمرو محسسنى إن احنا كنا فى الحرب وعبرنا خط بارليف
ضحك رغماً عنه على مزحتها ، فرد قائلاً بفخر :
– ماهو أنتى والبيبى هتبقوا أعظم انتصاراتى
تبع حديثه بضحكة قصيرة ، جعلتها تضحك هى الأخرى رغم شعورها بأن خططها المستقبلية صارت رأساً على عقب ، ولكنها لم تستطع أن يستمر تجهمها بعد سماع نبأ حملها ، وربما نزعتها الأنثوية كانت الغالبة على عواطفها بتلك اللحظة ، فوضعت يداها تلقائياً على بطنها وأحنت رأسها تنظر لما تفعله يديها من تمسيد وربت بحنان على ما صارت تحويه فى أحشاءها ، وهذا ما جعل عمرو تتضاعف سعادته إذ أنه رآى على وجهها وفى عينيها مدى سعادتها بما سمعته حتى وإن لم تنطق به بعد
– يلا بينا ندخل للدكتورة تانى نشوف هتقولنا إيه
قالها عمرو بلهفة وهو يأخذ بيدها للعودة إلى غرفة الطبيبة ، فبعد أن قامت بفحصها فحص طبى شامل ، وكتبت لها الأدوية اللازمة وأوصتها بعدة وصايا للحفاظ على جنينها ، خرجا من غرفة الطبيبة ، فوجدت سهى نفسها وجهاً لوجه مع معلمها كرم ، فإبتسمت بعفوية وقالت وهى توزع نظراتها بينه وبين هند :
– أزيك يا مستر كرم
رد كرم قائلاً وهو لا يصدق أنه رآى تلميذته بعد مرور بضعة سنوات :
– الحمد لله ازيك يا سهى وأخبارك إيه عاش من شافك
إبتسمت سهى بخجل وردت وهى تشير لعمرو :
– الحمد لله بخير ده عمرو جوزى
تصافح كرم وعمرو ، فداعبت سهى وجنة الصغير قائلة بلطف :
– بسم الله ماشاء الله ، ابنكم عسول خالص ربنا يباركلكم فيه
ردت هند قائلة بإبتسامة هادئة وتساءلت:
– تسلمى على ذوقك ، أنتوا كنتوا عند الدكتورة ، أنتى حامل ؟
حركت سهى رأسها بالإيجاب وقالت بطرافة :
– أيوة حامل وإن شاء الله يمكن ربنا يرزقنى بعروسة حلوة للقمر ده قولتى إيه
ضحكت هند وقالت بلطف :
– تقومى بالسلامة إن شاء الله وربنا يتمم حملك على خير
بعدما أبتعدا سهى وعمرو نظرت هند لكرم قائلة بإبتسامة ماكرة :
– مش دى البنت اللى ضحكت عليا مرة وقولت إنك بتحبها علشان تخلينى أفقد الأمل منك
أنحنى كرم وقبل إبنه الغافى بين ذراعيها ، وقال بعدما رمقها بنظرة عطوفة :
– دى أيام عدت وفاتت خلاص ودلوقتى مفيش أتنين أسعد مننا بالرغم من إن الاستاذ كريم اخدك خالص وعملك عقد إحتكار كمان ، جاى علشان يقطع عليا مش كفاية طول حملك فيه كان جوا وعملى برا حظر تجول ، ده ظلم
قهقهت هند رغماً عنها بعدما سمعت حديثها زوجها المتبرم من إستئثار الصغير بمعظم أوقاتها ، فأدنت برأسها منه وقالت هامسة :
– أنت هتغير من إبنك ولا إيه ، دا انا بحبه وبعشقه مش علشان هو إبنى بس لاء علشان هو كمان حتة منك يا حبيبى
ربت على ذراعها قائلاً بصوت منخفض خشية سماع أحد له :
– طب هاتى الأستاذ كريم اشيله على ما تخلصى مع الدكتورة بتاعتك ، علشان نروح بقى تقوليلى الكلمتين دول على رواقة ، بس إياك الافندي ميضيعهمش عليا كالعادة
قالت هند وهى تضع الصغير بين ذراعيه :
– متقلقش مش هنتأخر هو فحص طبى بتعمل كل كام شهر علشان بس أطمن على أن كل أمورى تمام وخصوصاً علشان وسيلة منع الحمل ، بدل ما ألاقى نفسى حامل تانى وكرملة لسه صغير
حمل الصغير وراح يقبل جبينه وهو ينظر لزوجته برماديتيه المتلألاتين بوميض العشق ، وانتظرا دورهما للدخول إلى الطبيبة ، فلمح كرم خروج سهى مع زوجها وهى تتأبط ذراعه فإبتسم كون أن تلك المراهقة التى عرفها فى الماضى وجدت حبها الحقيقى ، وها هى صارت زوجة وبعد بضعة أشهر ستنجب طفلاً
أخذها عمرو وعاد المنزل وهم لم يكف طوال طريقهما عن إبداء سعادته اللامتناهية بأنهما سيصبحان والدان لطفل صغير ، وما أن وصلا لمنزلهما ودلفا لغرفة نومها ، حملها عمرو ودار بها فى سعادة وهو يتمتم :
– أنا مش مصدق نفسى ، إن احنا هيبقى عندنا بيبى صغير ، وهبقى أب لطفل منك أنتى يا حبيبتى
وضعت سهى يدها على جبهتها وناشدته بأن يتوقف ، إذ أن فعلته ستصيبها بالدوار وربما الإغماء :
– عمرو أرجوك نزلنى دماغى لفت وكده ممكن يغمى عليا