رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب - الفصل الأخير - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الكاتبة سماح نجيب
الفصل الأخير
الجزء الثاني
❈-❈-❈
على الفور كف عمرو عن الدوران بها وقدم اعتذاره وأسفه لها ، وما أن وطأت الأرض بقدميها إستندت إليه لحين أن ينتهى ذلك الشعور بالدوار، وما أن شعرت بأنها فى حالة جيدة نسبياً ، حدقت فى وجهه وتساءلت بإلحاح:
– قولى بقى أنت ليه كنت متأكد كده إن أنا حامل ، وفرحتك لما عرفت إن فعلاً طلعت حامل تبين أنك كنت مستنى تسمع الخبر ده ، فقولى كده بصراحة إيه الموضوع ، قر واعترف
ما أن رآها تضيق عينيها وتتأهب لسماع إجابة صريحة منه ، خطى للخلف خطوتين قائلاً بصراحة متناهية:
– الحقيقة المرات اللى كنت انا بديكى فيها حباية منع الحمل ، كنت ببدلها بحباية فيتامينات ، وانتى مكنتيش بتاخدى بالك لأنك كنتى بتبلعى الحباية على طول من غير ما تدققى فيها ، لأن الصراحة كان نفسى يبقى عندنا بيبى ، بس أنتى اللى مخططة أن الحمل ميحصلش دلوقتى ، وكتير أوى إن استنى كام سنة على ما تخلصى دراسة ، دا أنتى لسه فى سنة تالتة فى الكلية
قالت سهى وهى مشدوهة :
– يعنى أنت كنت بتستغفلى يا عمرو ، وعامل نفسك إنك موافق على إن نأجل التفكير فى الخلفة لحد ما أخلص دراستى ، وأنا بقول برضه ايه حنيتك الزايدة دى وخوفك إن أنسى حباية منع الحمل ، طلعت حضرتك بتدبرلى فخ وربنا ما أنا سيباك
أنهت عبارتها وقامت بثنى أكمامها حتى وصلت بهما لمرفقيها كمن تتأهب لعراك حامى ، فما أن رآها عمرو تفعل ذلك أطلق لساقيه الريح ، وفر هارباً من الغرفة ، قبل أن تقترب منه ويصدر منها فعل سيعانى من أثره وقتاً طويلاً
ولكن ما كادت تركض خلفه خطوتين حتى تذكرت أنها لم تعد كالسابق ، فوضعت يداها فى خصرها وقالت وهى تلهث من الغيظ :
– ماشى يا عمرو ، بتستغل الظروف وبتجرى علشان عارف إن مش هقدر أجرى وراك ، بس مسيرك تقع فى ايدى وهوريك
عاد إليها وخطى بخطواته إليها حتى صار ملتصقاً بها تقريباً ، فأدنى برأسه منها قائلاً بمشاغبة :
– أنا أهو عايزة تعملى ايه يعنى ، بذمتك أنتى مش مبسوطة إن هيبقى عندنا طفل
جذبته من ياقة قميصه وكزت على أسنانها وقالت بتبرم :
– ولما حضرتك اسقط فى الكلية هيبقى كويس يعنى ، ولا لما أروح مثلا أولد فى لجنة الامتحان ، هيبقى ايه الحال ساعتها
نقر عمرو على ذقنه وظل يفكر ويحسب أشهر حملها حتى صاح قائلاً بإبتسامة عريضة :
– أنتى لو حسبتيها يبقى هتولدى فى الاجازة بعد ما تخلصى إمتحانات
لوت فمها وقالت بغيظ :
– دا أنت شاطر أوى فى الحساب ، مخطط لجريمتك بالمللى
لفحتها أنفاسه وهو يقترب من وجنتها مغمغماً :
– دى هتبقى أحلى جريمة فى حياتى ، هتبقى جريمة حب
غزاها دفء مفاجئ ما أن صارت سجينة ذراعيه القويتين ، فحتى وإن كان هناك سيل من العتاب والتأفف على صنيعه ، لن تكون قادرة على أن تتفوه بكلمة خاصة بعد رؤيتها لسعادته التى لم يستطع إخفاءها ، ومن غير جهد إستطاع تسكين غضبها ، رغم أن عقلها مازال واقعاً تحت تأثير تلك الوساوس من أن الحمل ربما سيساهم بشكل أو أخر فى تأخير مسيرتها التعليمية ، ولم تستطع كتمان وساوسها تلك بل أخبرته بكل ما تشعر به من متناقضات بتلك اللحظة ، فحاول هو قدر إمكانه تبسيط الأمر لها ، وأخبرها أنه لايريد منها سوى أن تضع مولودهما بسلام وهو سيتكفل بالباقى ، وسيقوم بتوظيف من يمكنها رعاية الطفل حتى يتاح لها الوقت لإتمام مذاكرتها ودراستها ، ونجح كالعادة فى أن يجعلها تتقبل الأمر بعدما سكنت مخاوفها ، بل راحت أيضاً تصف شعورها بمدى سعادتها من أنها ستكون أم لطفل منه ، وأنها لا تنكر ذلك ، ولكن رغبتها فى إتمام دراستها والتى يعلم هو كيف حاربت من أجلها ، جعلتها ترى أمر حملها على وجهان متناقضان ، ولكنه هو تعهد لها بأن سيحرص على راحتها أثناء حملها وحتى بعد أن يأتى طفلهما ، وأنهما لن يفكران فى الإنجاب مرة أخرى ، إلا بعد إنتهاء تحصيلها الدراسى ، رغم أن عقله وصفه بالسخافة ، من أنه لن يستطع مقاومة أن يصبح له عدة أطفال منها ، وربما سيحصل على أخر قبل إنتهاءها الفعلى من دراستها ، وكلما يتخيل تعبيرات وجهها إذا حدث بالفعل وحملت ثانية بعد طفلهما الأول ينفجر ضاحكاً ولكنه فضل أن يجعل الأمر طى الكتمان حتى لا يرى ثورتها ، وهو خير من يعلم طباعها الشرسة ، والتى تروقه كثيراً وتجعله يشعر بمدى قدرته وتفوقه بأن يجعل من تلك الفتاة الشرسة وصعبة المراس زوجة محبة ورقيقة وعطوفة
❈-❈-❈
أنتهى أدم من إرتداء سترته باللون الرمادى الفاتح والتى أرتداها فوق قميص أبيض وبنطال من الجينز الغامق ، وكم بدا فى تلك اللحظة شبيهاً بأباه والذى لم يعلم بوجوده إلا من عدة أشهر ، وها هو الآن بصدد حضور ذلك الحفل الخاص بشقيقه الأصغر والذى إستطاع خطف قلبه ولبه منذ أن وضعه والده بين ذراعيه وأوصاه أن يكون له اخاً وأباً ، فبدأ بتنفيذ وصايا أبيه وها هو صار متعلق الفؤاد بشقيقه ، فما أن سمع صوته الذى دل على أنه إستفاق من نومه الذى دام قرابة الساعة تقريباً ، أقترب من الفراش ورفعه بين ذراعيه يلاطفه بإبتسامات محبة وقبلات وزعها على وجنتيه المزهرتين ، فبدأ الصغير يبتسم إبتساماته الخلابة والتى رق قلب أدم لها ، وراح يحتضنه ويربت على ظهره بحنو بالغ ، كأنه يخشى أن يفرط فى الربت عليه ويسبب له المضايقة ، فهو بات يخشى أن يسمع صوت بكاءه ، فبأيامه الأولى بعد ولادته ، كان كلما سمعه يبكى ، يطلب من والده أن يحمله ، بل ويأخذه معه إلى غرفته لعله يفلح فى إسكاته ويجعله يخلد إلى النوم ، ورغم أن الصغير صار يميز صوته بسهولة ، إلا أن غزل لم تستاء من ذلك الوضع ، بل على النقيض أحبت تعلق طفلها بشقيقه الأكبر ، وربما ذلك أتاح لها الوقت فى أن تعيد التفكير بشأن وجود أدم فى حياتها هى وزوجها ، فحقاً هو شاب لطيف وحنون ودائماً ما ينجح فى خلق جو من الدعابة والألفة
قبل وجنة شقيقه الأصغر قائلاً بحب :
– يلا حبيبى علشان مامتك تلبسك هدومك دى الحفلة اللى فى الجنينة دى علشانك أنت بس
رن صدى صوت ضحكة الصغير فى أذنيه ، فراح يشاركه الضحك رغم أنه لا يعلم علام يضحك ولكن يبدو على شقيقه أنه يعرب عن سعادته بأن هناك من يهتم بأمره لتلك الدرجة ، فأخذه وخرج من الغرفة وذهب للطابق الأول حيث غرفة والده وزوجته فدق الباب بتهذيب وفتحت له غزل التى إبتسمت ما أن رآتهما
فقالت بصوتها العذب والرقيق :
– كويس أن أدهم صحى دلوقتى علشان ألبسه هدومه ، خلاص الحفلة قربت تبدأ ، تعالى يا أدهم بيه
ناولها أدم الصغير ووجد أباه يخرج من الغرفة وطوق كتفه وهما فى طريقهما للخارج ، فقال عاصم بطرافة:
– تعال بقى على غزل ما تجيب أدهم نستقبل الضيوف ، ويمكن ألاقيك عروسة حلوة كده وأجوزك
قهقه أدم على قول أبيه ، ولكن لا يعلم لما تبادر إلى ذهنه صورة تلك الفتاة التى مازال الغموض يحيط بها ، فبعد تلك الليلة التى قابلها بها فى المقهى الليلى ولم تسنح له الفرصة بمد أواصر المعرفة بينهما ، ذهب عدة مرات على أمل ورجاء أن يلتقى بها ثانية ولكن لم يحالفه الحظ
إبتسم أدم ورد قائلاً بتفكير:
– مش لما ألاقى البنت اللى أحبها علشان اتجوز ، ولا مش عايزنى أعيش قصة حب زيك يا بابا
ربت عاصم على صدره باسماً ، ومن ثم بدأ الضيوف فى التوافد وقاما عاصم وأدم بدور المضيفين لهم ، وما أن رأى زوجة أبيه أتية تحمل الصغير ، ذهب إليها على الفور وأخذه منها ، وبدأ فى التنقل بين الحاضرين ، وقام عاصم بتقديمهما على أنهما ولديه ، وكم شعر أدم بالمحبة تجاه والده عندما ذكر للجميع تقريباً أنه ولده الكبير والحامل للواء العمل فى شركات العائلة
– عن إذنكم دقيقة
قالها أدم وهو كان واقفاً يتحدث مع بعض الضيوف ، فتلك الفتاة التى دلفت للحفل وهى تتأبط ذراع رجل كهل ، إستطاعت جذب أنظاره ، وللمرة الثالثة تسبب له الحيرة ، فهاهى يراها مثلما رآها بالمرة الأولى ترتدى ثوباً محتشماً وحجاباً ، فوجد ذلك الرجل والذى يبدو عليه أنه والدها يقترب من والده ، بل ويحتضنان بعضهما البعض كأنهما صديقين منذ زمن بعيد
أقترب أدم من مكان وقوف والده وزوجته وهذا الضيف الذى جاء مصطحباً " فتاة البروفة " والتى علم فيما بعد أن إسمها ليليان ، فأشار إليه عاصم وقال بإبتسامة :
– دا أدم اللى حكيتلك عنه يا وجيه
نظر لولده مستطرداً:
– ده عمك وجيه المرسى صاحبى من أيام ما كنا فى المدرسة سوا ، بس مبيقعدش فى مكان مسافر على طول كل شوية فى دولة مختلفة ، ودى بنته لمياء
مد أدم يده وصافح صديق والده الذى قال باسماً بود :
– أهلاً يا أدم سعيد إن قابلتك
تمت المصافحة ومازال أدم مشدوهاً ، فما يعلمه عن تلك الفتاة أن مسماها ليليان فمن تكون لمياء تلك ، هل هما تؤامتان وقابل كل واحدة منهما فى مكانان ووقتان مختلفان
إستغل حديث والدها مع أباه وأقترب منها قائلاً بصوت منخفض :
– أنتى مش فكرانى
ضيقت حاجبيها كأنها تحاول تذكره ، فبعدما إستطاعت إستدعاء صورته من غياهب ذاكرتها وما ارتبط به من أحداث ، قالت كأنها تذكرت أخيراً :
– أه افتكرتك مش أنت اللى قابلتك فى المول وقولتلك خبينى
ضحكت على كلمتها الأخيرة ، فأراد سؤالها عن سبب طلبها له بأن لا يجعل ذلك الرجل يعثر عليها ، خاصة أنها فتاة تنتمى للطبقة الثرية وليست لصة كما ظن عندما اقتحمت عليه غرفة تبديل الثياب
– طب ليه كنتى عيزانى أخبيكى ، وهو مين الراجل اللى كان بيدور عليكى
سألها أدم بإلحاح وفضول ، ورغم شعورها بأنها ليست مجبرة على أن تجيبه على سؤاله ، إلا أنها قالت بهدوء :
– ده كان حارس شخصى تقريباً ماشى ورايا فى كل مكان لحد ما زهقت وحبيت أهرب منه فعملت كده ، لأن مبحبش حد يفضل طول الوقت مراقب خطواتى ، وعن إذنك
تركته وإبتعدت إلا أنه ما أن وجد والده بمفرده أقترب منه على الفور وسأله :
– بابا هى البنت اللى اسمها لمياء دى ليها تؤام
إبتسم عاصم لظنه أن إبنه ربما الليلة سيبدأ التفكير الجدى فى البحث عن عروس له ، فقال ممازحاً :
– بسرعة كده فكرت فى كلامى ، على العموم لمياء بنت جميلة ومحترمة وابوها صاحبى جداً ، لو تحب اكلمهمولك بس فى مشكلة
نسى أدم السبب وراء سؤاله لأبيه ، واراد معرفة ذلك العائق الذى يراه أنه سيكون حائل بينه وبينها ، فرمق والده متسائلاً:
– مشكلة إيه ؟
أجابه عاصم بصدق ودون مواربة :
– أنت ناسى أنك فرنسى ومولود هناك والأوراق كلها تثبت إن ديانتك غير ديانتها وأحنا متكلمناش فى الموضوع ده لأن لاحظت أنك مش متبع ديانة معينة فاهمنى
هزت أدم رأسه وفهم مغزى حديث والده ، ففكر فى إرجاء التفكير فى هذا الأمر وليعود إلى سؤاله الذى يريد أن يحصل على إجابة له :
– بس قولى هى فعلاً ليها تؤام
حرك عاصم رأسه بالايجاب وقال بأسف وأسى :
– أيوة كان ليها أخت تؤام إسمها ليليان للأسف ماتت مقتولة من خمس سنين
تصنمت ملامح أدم على الفور مما سمعه من والده ، فما معنى هذا ؟ فلاشئ يفسر رؤيته لتلك الفتاة على هاتان الصورتان المتناقضتان سوى أن لمياء تحيا بهويتها وهوية شقيقتها الراحلة
ولكن ما الداعى لها لأن تفعل ذلك ؟
فهو وإن كان فكر فى مرة أن يحيا معها مغامرة مثيرة ، ولكن ليس إلى ذلك الحد من التعقيد ، فهل يعلم والدها بما تفعل ابنته ؟ أم هل هى تفعل ذلك لأنها صارت تعانى من أثار نفسية جعلتها تتقمص شخصية شقيقتها ؟ أم تفعل ذلك وهى واعية لكل ما تفعله ؟
ظلت العديد من الأسئلة تدور فى فلك عقله حتى كادت تصيبه بالإعياء والسقم من كثرة التفكير ومحاولة فك لغز تلك الفتاة ، فهل هو قادراً على خوض تلك التجربة ؟ أم أنه سيفضل أن يبتعد قبل أن يجد نفسه وسط متاهة ستتطلب منه جهد فى التفكير والتحمل
لم يخرجه من شروده سوى رؤية راسل يمر من جواره حتى وصل حيث يجلس مالك القصر ، ويبدو أنه يبحث عن شئ ما، فإنتبه رياض على ما يفعله راسل كأنه يبحث عن شئ مفقود
عقد حاجبيه الأشيبين متسائلاً بإهتمام :
– مالك يا راسل بتدور على إيه
إلتفت راسل برأسه يستطلع المكان حول مجلس والده ، فرد قائلاً وعيناه مازالت تدور فى المكان :
– بدور على حياء ، سيبتها شوية رجعت ملقتهاش ، هى مجتش تقعد معاك هنا
رفع رياض عصاه وأشار حيث ذلك الركن الهادئ والذى يبتعد عن مكان إقامة الحفل وقال بهدوء :
– شوفتها ماشية هناك كده ممكن تلاقيها عند تكعيبة العنب ، بس هى حياء لسه مش عايزة تفكر تشوف حياتها بدل حزنها ده
تنهد راسل بعمق ورد قائلاً بحزن على حال محبوبته :
– تقريباً فشلت فى إن اخليها تنسى حزنها ، على الرغم أنها ممكن تتكلم وتبتسم بس أنا حاسس باللى هى فيه وعلشان كده بفكر اخدها هى وسجود واسافر جايز لما تبعد عن هنا شوية تحاول تنسى اللى حصل لأخوها
هز رياض رأسه بتفهم ورد قائلاً برصانة :
– خير ما تعمل ، دا كويس كمان إن يوم دفنة أخوها ماشافتوش لأن بعد أنت ما اخدتها علشان تجيبوا مراته وابوها ، كان لازم أنا وعاصم نتأكد ان هو قبل الدفنة ، كان المنظر مفزع وخصوصاً اثار الحرق فى وشه ، مكنتش هتستحمل تشوفه وكانت نفسيتها هتتعب أكتر ، روح لها وشوفها هى بعدت عن الحفلة ليه
أبتعد راسل عن مجلس أبيه وذهب حيث تجلس حياء ، وربما اختيارها لذلك المكان الهادئ والمنعزل قليلاً عن وجود الحفل ، يعود لطبيعتها فى تلك الأيام من حيث حبها لأن تجلس بمفردها أو برفقته ، وما أن وصل إليها وجدها تجلس على أريكة خشبية وتحمل بيدها وردة حمراء تتأمل أوراقها بشرود
حمحم راسل قائلاً بإبتسامة ممازحاً :
– لو سمحتى مشوفتيش مراتى ، دورت عليها وملقتهاش
رفعت حياء رأسها ونظرت إليه وقالت محاولة أن تجارى مزحته :
– لاء مشوفتهاش ، بس ممكن تقعد معايا أنا وسيبك منها
جذبت يده حتى أجلسته بجوارها ، فقطب حاجبيه قائلاً بجدية زائفة :
– أنا أسف مش بقعد مع حد غير مراتى ، بس أنتى ممكن تساعدينى إن أنا ألاقيها
– عايزنى أساعدك إزاى ؟
تساءلت حياء وهى تستنشق عبير تلك الوردة التى تحملها
مد راسل يده ولمس ثغرها بحنان حتى أنفرجت شفتيها وإبتسمت ، فقال بعشق :
– أهو خلاص لقيتها فى إبتسامتك اللى بتنور أيامى
أخذت كفه وقبلت باطنه ومن ثم أسندت وجهها إليه وهى تقول بحب صادق :
– أنت اللى نور أيامى كلها وحبيبى وعارفة أنك ممكن تكون اضايقت من حالتى اللى أنا فيها ، بس غصب عنى
بكت ما أن زاد إنفعالها ، فأقترب أكثر منها وأخذ وجهها بين كفيه وعملا إبهاميه على تجفيف عبراتها المتدفقة من عينيها ، فقال محاولاً تهدئة انفعالاتها :
– أهدى يا حبيبتى ، أنا عمرى ما اضايق أو ازهق منك لأن مفيش حد بيزهق من روحه وأنتى روحى يا حياء مش كلام وخلاص وقبل ما تكونى مراتى ، فأنا كمان بحس إنك بنتى زى سجود ، فعمرك شوفتى أب اتخلى عن بنته فى أى وقت هى محتاجاله فيه ، وعلى العموم أنا هاخدك أنتى وسجود ونسافر نعمل شهر عسل من جديد إيه رأيك
رفعت يدها ولمست لحيته قائلة بإبتسامة نابعة من قلبها العاشق له :
– عايزة نسافر لندن ، إحنا أجلنا موضوعنا كتير لازم نفكر فيه دلوقتى ، أنا اطمنت على ياسمين وبنت ديفيد وكمان بيرى أمورها تمام ، فإحنا كمان نفكر يبقى عندنا ساجد زى ما بنتمنى
نهض راسل من مكانه ومد يده لها قائلاً بإبتسامة جذابة. :
– وأنا موافق ممكن الصبية الحسناء ترقص معايا الرقصة دى
وضعت يدها فى يده وقالت وهى تترك مجلسها :
– طبعاً يا فارس أحلامى
وضعت يدها اليمنى فى كفه الأيسر ويدها الأخرى حطت بها كتفه فى رقة ونعومة ، ويده أحتضنت قدها الرشيق ، وتمايلان على أنغام الموسيقى الهادئة القادمة من مكان بعيد عن مكان وجودهما ورغم ذلك إستمعا لها بوضوح ، فرقصتهما الهادئة سرعان ما تحولت إلى رقص فالس ناعمة ، تتمايل بين ذراعيه بخفة ، لتدور حول نفسها ويدها مازالت عالقة بيده ، لتعود من جديد وتتناغم خطواتهما سوياً ، حتى أنتهت الموسيقى ووجدت نفسها مائلة بين ذراعيه ، ينظر إليها وهو منحنياً إليها يرمقها بسوداويتيه القاطعتين وعداً لبندقيتيها أن لا سواهما تستطيعان أسر عيناه ، ظهر القمر فى السماء ساكباً لونه الفضى على وجهه وكانت عيناه عميقتين كأنها تنظر إلى عمق البحر ، فبعد أن إستقامت بوقفتها كان ممسكاً بيديها على صدره كأنه يخاف أن تهرب ، ونظرا إلى بعضهما البعض لحظة طويلة وضمها إليه بذراعين كلهما شوق وظمأ ونهم إليها ، وقلبها كان يفيض بالحب مفرقاً ما عداه ، فهى زوجته ، زوجة ذلك الطبيب الوسيم ذائع الصيت
تطلعت إليه بشغف لترى الحب فى عينيه فغمرها بحنانه الرائع ، وبعد قليل من الوقت عاد الحبيبان إلى الحفل ، وهما يدركان أن الحب الحقيقى كالوقت ، يبقى إلى الأبد طالما قلبيهما يخفقان بين أضلعهما ، فبعد مرور بضعة أيام كانت جالسة على المقعد المجاور له على متن تلك الطائرة التى ستكون وجهتها لندن حيث ستقضى عطلة معه ومع سجود ولن تقتصر العطلة على التنزه فقط ، بل ستخوض تلك التجربة التي أرجأت أمرها حتى تبرأ قليلاً من أحزانها ، وستدعو الله ألا تعود خالية الوفاض
❈-❈-❈
لملمت خصيلاتها الشقراء بمشبك للشعر ومن ثم راحت تدلك عنقها لشعورها بالإرهاق ، فبعد إنتهاءها من تأدية تلك التمارين التى تحرص عليها يومياً لتيسر أمر ولادتها ، نهضت من مكانها فى الحديقة فالوقت قد شارف على المغيب ، ولكن ما أن أطرقت برأسها قليلاً وإصطدمت نظراتها ببطنها المنتفخ أبتسمت تلقائياً ، ليس لشىء إلا لتذكرها كيف كان حال عمران عندما أخبرته بشأن حملها ، فطار صوابه من شدة سعادته وخرج من غرفتهما يصيح بأعلى صوته أنه سيصبح أباً ، وتذكرت كيف ظلت تضحك حتى شعرت بإنقباض وألم فى معدتها على تصرفات زوجها التى إتسمت بالجنون وقتها ، ولكن لم تستطع أن تقاوم شعورها الطاغى بالسعادة من أنها رآت رد فعله على نبأ حملها ، وإستطاع أن يجعلها تنسى وتغفر له خطأه الذى تسبب فى خسارة جنينهما الأول ، وهذا ما كانت بإنتظاره أن تضع كل الماضى جانباً وتبدأ من حيث توقف الزمن بها من تلك اللحظة التى ذهبت فيها لتخبره بذلك النبأ السار ، فصغيرتهما والتى لم يتبقى على مجيئها سوى أيام قلائل ، ستكون إحدى دعائم ذلك العشق المتبادل بينهما ، فنظرة واحدة إلى وجه زوجها تخبرها الكثير ، وكل ما فى قلبه يبدو واضحاً في عينيه ، وينعكس ذلك فى دقات قلبها المتسارعة ما أن يقع بصرها عليه
ولجت ميس للداخل من أجل الذهاب إلى غرفتها لتغتسل وتبدل ثيابها ، فوجدت ولاء جالسة تطعم صغيرها عمران ، فقالت باسمة وهى تداعب الصغير :
– حبيب مرات عمه بتاكل إيه يا صغنن
زمت ولاء شفتيها وسرعان ما قالت ممازحة :
– بتحبى الواد علشان على إسم جوزك ، وأنا اللى بقول بتحبيه علشان أنا أمه العسولة الحلوة وسلفتك الكيوتة
ضحكت ميس وجلست على المقعد القريب منها وقالت بصدق :
– والله فعلاً أنتى عسولة وقمر يا ولاء وأنا بحبك مش هتبقى حماة بنتى
قالت ميس وربتت على بطنها المنتفخ ، فقالت ولاء بمحبة :
– تقومى بالسلامة إن شاء الله
ما كادت تنهى ولاء عبارتها حتى سمعت صوت زوجها معتصم وهو يصيح :
– كيلوباترا حياتى الأكل جاهز
وكزه عمران الذى ولج خلفه بعد عودتهما اليوم باكراً من عملهما :
– وطى صوتك يا ابنى هترعب عيالك بصوتك ده ، وأنا مش عايز ازعج بنتى اللى نايمة جوا دى
إبتسموا جميعاً ومن ثم أخذ كل منهما زوجته حتى يحين موعد العشاء ، أغتسلت ميس وبدلت ثيابها وخرجت من المرحاض
عضت على شفتيها بعدما رأت صورة عمران منعكسة أمامها فى المرآة ، فكيف تشعر بالرضوخ دائماً لرغبة هذا الرجل القوى المستبد أحياناً ، كم كان جذاباً وأسرًا وهو يغلق أزرار قميصه ، فرغم عنادها وكبرياءها المتملك منها ، إلا أنها تشعر أمامه بالضعف والهشاشة ، خاصة إذا تطرق الأمر بينهما إلى الغزل والوصال
مد عمران ذراعيه وطوقها بهما قائلاً ويداه تمسد على بطنها كأنها تحمل كنزه الثمين :
– مالك واقفة تبصى عليا فى المراية ليه كده فكرانى مش شايفك
رفعت يديها ووضعتهما على يديه وقالت بتبرم واهى :
– بفكر إن مفضلش كتير وتيجى اللى هتاخدك منى ، يعنى مكتوب عليا كل شوية حد يشغلك عنى
قضم عمران خدها قائلاً برفق وهو يجعلها تستدير بين ذراعيه :
– ليالى خلاص ميجوزش عليها غير الرحمة دلوقتى ، ثم إن اللى جاية دى بنتى حبيبتى اللى أمها تبقى ماستى الغالية وحبيبة قلبى ، ولو بقى عندنا عشر بنات هتبقى أنتى برضة ماسة عمران
ماذا يمكن أن تقول بعدما إستطاع تخدير حواسها ، اشاحت بوجهها فى أرتباك ، لكنه أحاطها بذراعيه وجذبها إليه هامساً بإسمها مرة أخرى ، وكان صداه على لسانه كمذاق الشهد ، أحست بدفئه وقوته وأغلقت عينيها وتركت نفسها تستند إليه وتريح ثقلها على صدره وذراعيه المحيطين بها ، كان بإستطاعتها أن تحس بحرارته تحيط بها وأن تشم رائحته المميزة ، فلثمت شفتاه جبينها وكل ما كان عليها أن تستقبل عناقه بلهفة طغت على كل شعور من الممكن أن يراودها فى تلك اللحظة
وما هى إلا أيام حتى جاءت تلك الصغيرة التى بدت وكأنها نسخة مصغرة من والدتها ، وكم أدهشت أبيها بأنها إستطاعت سلبه قلبه وعقله منذ أن وقع بصره عليها بعد ولادتها مباشرة ، وكيف لا يقع فى عشق تلك الصغيرة وهى إبنته وبضعة منه تحمل دماءه ودماء معشوقته وزوجته الشقراء صاحبة تلك العينين الخضراوتين
❈-❈-❈
فى ذلك القصر المنيف وفى أحد حجراته الواسعة ، كانت حياء تتوسط ذلك الفراش الوثير ، وعيناها ترفان بشعور طاغى من الفرح الذى راح يسرى فى أوردتها ويداها تمررهما على بطنها التى صارت حاملة لثمرة عشقها الفريد لزوجها ، وكم كانت تشعر بالترقب والانتظار لحدوث ذلك ، فبعد سفرهما للندن خضعت للعلاج اللازم من أجل حدوث الحمل ، حتى حصدت النتيجة فى الأخير ، وها هى الآن حاملاً فى الشهر الرابع ، وبدت تلك الأشهر الماضية مرهقة بسبب خوفها الشديد من ألا تكتمل سعادتها ، أو تنتزع منها وتعود ثانية إلى نقطة البداية ، ولكن الله من عليها بفيض نعمته ، ومرت أربعة أشهر ولم يتبقى إلا بضعة أشهر ، ورغم ذلك مازال خوفها و ترقبها قائمان
رأت باب الغرفة يفتح ويدلف منه راسل ، فإبتسم لها تلقائياً ما أن وقع بصره عليها ، فتسارعت خطواته للإقتراب منها ، فقال وهو ينحنى مقبلاً لرأسها:
– عاملة ايه النهاردة يا روحى
اجابته حياء ومازال بريق الخوف يملأ عينيها :
– الحمد لله يا حبيبي نحمد ربنا ، بس لسه احساس الخوف متملك منى يا راسل
جلس قبالتها على طرف الفراش ، وأخذ يدها بين كفيه وربت عليها قائلاً بحنان :
– إن شاء الله خير ، بطلى بس الوساوس دى وإن شاء الله ربنا هيتم نعمته علينا وهنفرح بإبننا يا حياء ، عايزك تسلمى أمرك لله واللى ربنا عايزه هيكون ، هقوم أنا أخد شاور
هى تقر بتلك الحقيقة من أن لا خوف أو إحتراس زائد سيحولان بين قضاء الله وقدره ، ولذلك ما عليها إلا أن تدعو إلى الله أن يمر المتبقى لها من أشهر الحمل بسلام ، فهى مستميتة بالحفاظ على هذا الجنين ، ولما لا وهى من كانت فى غاية الشوق لحدث كهذا
راحت تتأمل زوجها بإبتسامة وهو خارجاً من غرفة الثياب بعدما أخذ ثيابه البيتيه ليرتديها بعد إنتهاءه من إغتساله ، فكم كان صبوراً حنوناً ومراعياً لتقلباتها المزاجية التى تأرجحت بين السعادة والحزن و بين الترقب واللامبالاة ، فكأنها شعرت بكل ما يمكن أن تعترض النفس البشرية من إنفعالات ومشاعر وأحاسيس ، ومازال خوفها لم يخبو ، ولكن لم تشأ أن تزيد من الأمر حتى لا تصاب بإنهاك من كثرة التفكير فيما يمكن أن يحدث
سمع صوت طرق على باب الغرفة ، فأذنت للطارق بالدخول ، وجدت خالة زوجها تدلف حاملة صينية الطعام وفى أثرها سجود ، فقالت وفاء باسمة :
– الأكل أهو يا حبيبتى بالهنا والشفا
ردت حياء بإبتسامة وقالت بمحبة :
– تعبتى نفسك ليه يا ماما ، كان ممكن حد من الشغالات يجيب الأكل
وضعت وفاء الصينية على المنضدة القريبة من الفراش ، وأقتربت منها رابتة على وجنتها قائلة بحنان :
– تعبك راحة ، وتقومى بالسلامة يارب وأشوف حبيب تيتة
قالت سجود وهى تنحنى واضعة رأسها على بطن حياء ، كأنها تريد الإستماع إلى شقيقها:
– مامى هو النونو هييجى أمتى علشان ألعب معاه هو وأدهم
– إن شاء الله ييجى بالسلامة أدعيلى يا سيجو
قالت حياء وهى تمسد على شعر الصغيرة وهى مازالت جالسة بجوارها وواضعة رأسها الجميل على بطنها المنتفخ قليلاً
خرجت وفاء وأخذت سجود معها ، وبدأت حياء تتناول طعامها ببطئ ،ووجدت راسل يخرج من المرحاض ، فرمقته بنظرة وإبتسامة شغوفة منذ خروجه وحتى وقوفه أمام المرآة لتمشيط خصيلاته الرطبة ويضع عطره المفضل بعد الإستحمام ، بادلها الإبتسام وسادت بينهما لحظة مودة جعلتها تتنفس بصعوبة ، فرفعت عينيها نحو وجهه فى حب وشردت أفكارها فى هاتان العينان اللتان كانتا ترمقها بعشق جارف ، وأحست بأنها فى تلك اللحظة تحبه أكثر مما كانت عليه منذ أن وعت على حبها له فهو الحبيب والعزيز المسيطر ، الذى واجه الكثير من الحزن والألم ولكن إستطاع أن يعبر النفق المظلم فى الأخير وتمنت لو أن يرث طفلهما منه الشجاعة والجرأة
توالت ومرت الأيام وها هما يشهدان على معجزة أخرى بعدما وضعت حياء مولودها الأول ، رضيع صغير الحجم ، يتثائب بنعومة ويتمطى بجسده كأن أحدهم أزعجه فى وقت غير ملائم
ضحكت حياء وبكت فى الوقت ذاته قائلة بصوت خافت كأنها تخشى إفزاع طفلها:
– أهلا يا حبيب ماما
تحسست رقبته وكتفيه وشعرت بملمس جلده الناعم ، فرفعت عينيها المتلألاتين بدموع السعادة نحو وجه زوجها مستطردة :
– ربنا رزقنا بساجد يا راسل
مسد بيده على رأس صغيره قائلاً بسعادة لم تخفيها نبرة صوته :
–الحمد لله وإن شاء الله هيبقى أحلى شاب وراجل
ضمهما إليه ، ورغم علمها أن الأمر سيقتصر فى النهاية على عناق ، ولكنه كافياً فى الوقت الحالى ، ففى عناقه حياة أخرى ، فها هى قد نالت أصعب أمنياتها ، وصار لديها طفلاً من زوجها ، وتوجت قصة حبهما بوجود ذلك الصغير ، الذى سيكبر جنباً إلى جنب مع إبنتهما الأولى سجود ، التى لم تكف عن الصياح بسعادة بعدما رآت شقيقها ، ولم تكن هى فقط من تجلت معالم الفرح والسعادة على وجهها بل تجلت على وجوه كل من يقطن في قصر النعمانى خاصة بعدما قام سيد القصر الكبير بتوزيع الهدايا والعطايا على العاملين لديه احتفالاً بقدوم حفيده ، والذى سيمتد معه إسمه وكنية العائلة ، وشهدت حديقة القصر على حفل أخر من أجل ساجد كذلك الحفل الذى أقامه عاصم من أجل صغيره أدهم ، وحضره الجميع ياسمين وصغيرتها نور وأسرتها وشقيقها بلال الذى تزوج منذ بضعة أشهر ، ومربيتها الحنون صالحة ، وهبة وزوجها وحيد وطفليها وأشقاءها ، وبيرى وزوجها وطفليهما علاوة على اجتماع أفراد عائلة الزناتى والنعمانى
بعد مرور شهرين وفى منزلهما القديم كان راسل أخذا صبيته الحسناء بعيداً عن الجميع ، حتى أنه ترك أبناءه فى عهدة خالته وفاء ، لينعمان بوقت خاص بهما ، كان فى هواء ذلك الصباح الجميل سحر خاص ، سحر جعل نبضاتها تتسارع وجعلها تشعر بصباها يتفتح وسعادة غامرة كأنها مليئة بالحياة
– تعرفى أنك وحشتينى أوى من ساعة ما ولدتى ساجد وأنا مكنتش عارف اقعد معاكى كام دقيقة على بعض
كان الصوت حنوناً ودافئاً ، والذراعان اللتان حضنتاها كانتا بدفء الصوت وحنانه ، ولم تكن تقوى على الرد وتركته يقربها من صدره
فقالت وهى مغمضة العينين سابحة فى نهر أحلامها :
– أنت كمان وحشتنى أوى يا حبيبى ، ومتتصورش أنا مشتقالك قد إيه ، خصوصاً أنت كمان كنت مشغول الفترة اللى فاتت فى المستشفى
رفعت رأسها عن صدره مستطردة بإبتسامة مشرقة:
– بس أهم حاجة إن إحنا مع بعض دلوقتى
فما أجمل أن تكون بين ذراعيه ، بين ذراعى الرجل الذى تحب ، وكم تصبو أن تمرر أصابعها على وجهه ، بل أنها تصبو بكل كيانها إليه فكم تحبه وكم تشتاق إليه ، فالعواطف كانت تجتاحها دفعة واحدة
أرتفع صدره بتنهيدة عميقة ثم همس:
– الشهرين اللى فاتوا دول كنت خايف عليكى أوى ، لأن كان باين عليكى التعب والإرهاق بعد الولادة
ردت حياء هامسة :
– الحمد لله عدت على خير واتأقلمت على الوضع ، هو ساجد بس متعب شوية زى أبوه
تبعت حديثها بضحكة ساحرة ، ففاض الحنان من عينيه :
– أبوه بيحبك وبيموت فيكى وبيعشقك حتى العشق شوية عليكى
أخذ يمسد شعرها الجميل بيده بينما كانت اليد الأخرى تلتف حول قدها الرشيق بكل حب وشوق ، فقالت بصوت متهدج :
– إنت اللى مفيش حاجة تليق بيك غير العشق وبس
إنها امرأة مولهة به ، عرفا معاً الحب وذاقا مرارته أحياناً ، ولكن فى الأخير تذوقا حلاوته ، فهى محبوبته ولحن قصيدته ، وفرحته التى جائت بعد سنوات من الألم . عيناها الساحرتان لا يمكن تجاوزهما بسلام دون أن يغرق فى أنهارهما ، و الورد الذى ينبت على شفتيها ، يحوى عبيراً وأريجاً مسكراً يصيبه بالثمالة ، فلو جلس ينظر إليها ما رف له جفن ، وليس في دنياه قمراً كالذي يسطع في عينيها ، فكلّ شيء يغيب، يموت، يرحل ولا يبقى سوى القلوب و نار الأشواق ، التى تزداد في مدفأة الحب ، فهواها قد استباح فؤاده، وعانق شوقها حلمه ، وتيقن أنه فى فضاء عشقها لن يضيع
العشق ... هذا الشعور الغريب فيه ألم وفى الوقت ذاته هو تجسيد للبراءة ، فيه نار تحرق وحنان لا حدود لدفقه ، نتوق إليه بوجع ونتمنى أحياناً لو نهرب منه ، إبتسمت بنعومة فهى عرفت كل هذا عن العشق وقد مستها ناره وتذكرت كيف كان يثير غضبها بكبريائه وتسلطه ولكن جوانب شخصيته الحقيقية لم تعرفها إلا بعدما أصبحت زوجته ، انه فى اعماقه يخفى نبعاً من الحنان والدفء إلى جانب صلابته الظاهرة ، فهى قاست معه أحياناً ولكنها وجدت تعويضاً عن ذلك
حاولت السيطرة على قلبها الخافق بعنف وهى تفكر ، كيف سيتم تشكيل حرف " الكاف " بكلمة " بك " فدائماً ما تهوى هى وضع الفتحة تزينه وتصبح " بكَ " لتخصه بها ، وهو يرغب فى أن يضع الكسرة أسفله لتصبح " بكِ " ليعنيها بها
وبين هواها ورغبته تظل تلك العبارة حاملة لوجهان من العشق و بإمكانهما الهمس بها قائلين " لا يليق بك إلا العشق"
تمت بحمد الله
إلى حين نشر الرواية الجديدة للكاتبة سماح نجيب، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية