-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 25

 

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الخامس والعشرون

" ما أحلى الرجوع إليه "  



شعرت بالغثيان ما أن رآت ما يعرض على شاشة التلفاز الموجود بالغرفة من مشاهد خادشة لحياءها كفتاة تربت وترعرعت بكنف أبوين صالحين ، كانا يعملان على توصيتها دائماً بأن لا تنظر إلى ما حرمه الله ، فلمحة واحدة خاطفة كانت كفيلة بأن تشعر بأن أنفاسها صارت ثقيلة ودماءها تترك أوردتها لتضخ فى رأسها ، تكاد تسلبها الوعى ، فسريرتها النقية الطاهرة الخجولة ، وتوعية والديها لها منذ حداثة سنها بألا تقع عيناها على ما يغضب الله ، هذا ما جعلها تخفض بصرها سريعاً ، بل وتعود إلى المرحاض وتغلق بابه تستند عليه وهى تزفر بتتابع لتتخلص مما أعتراها مما رآته من مشاهد منافية للأداب ، ظلت عيناها متسعتان لا تصدق ما حدث وأن زوجها والذى لم تصبح له زوجة إلا منذ بضعة ساعات ، يهوى مشاهدة أفلام كتلك التى وقع بصرها عليها بعفوية ودون قصد منها وجعلتها تريد الفرار ليس من الغرفة فقط ولكن تفر هاربة منه هو أيضاً ، فكم من طباع سيئة مازالت متوارية خلف تلك الوسامة واللسان المعسول ، والأدهى من ذلك أنها عندما خرجت من المرحاض لم تجده بالغرفة ، ولم تهتم بأن تناديه أو تبحث عنه لتسأله عن فعلته التى لم تجعلها تشعر بالذنب فقط لزواجها منه ، بل ستجرمه بأنه تسبب فى جعل عينيها البريئتين تتلوثان ، حتى طفرت منهما الدموع وكم شعرت بتلك اللحظة بأنها فى حاجة إلى أبيها ليصرف عن ضيقها ومقتها لما حدث منذ برهة 


خرجت من دائرة أفكارها على طرقات متتالية على باب المرحاض ، بل وسمعته يناديها بصوته المرح :

– ياسمين يا حبيبتى أنتى هتفضلى فى الحمام كتير ولا إيه ، أنا كنت قربت أنام فى البلكونة 


– أنت على فكرة قليل الأدب ومعدوم الحياء كمان


قالتها ياسمين بإستياء عارم ، وودت لو تخرج إليه ، لتأنبه وجهها لوجه وليس من خلف الباب المغلق 


عقد ديفيد حاجبيه متعجباً من هجومها المبكر ، فسألها بإلحاح عن معنى قولها هذا :

– أنتى بتقولى إيه ، أنا عملتلك إيه علشان تقولى كده ؟


إستدارت ياسمين حتى باتت كأنها تقف قبالته ولا يفصلها سوى الباب وردت قائلة بإشمئزاز :

– كمان لسه بتسأل عملت ايه ، شوف أنت كنت بتتفرج على ايه فى التليفزيون ، أنا مكنتش اعرف أنك قليل الأدب كده


ما أن أتت على ذكر التلفاز ، نظر إليه تلقائياً ، ففزع هو الآخر مما يراه يعرض أمام عيناه ، فهو لم ينتبه لما يعرض على الشاشة الصغيرة ، إذ أنه اراد ضياع الوقت حتى تخرج إليه ، ففتحه ولكن ما أن جاءته مكالمة هاتفية اخرى من أحد رجاله وما تلا ذلك من شعوره بالضيق من الحديث الذى تم بينه وبين ذلك الرجل ، جعله لا يفكر بمشاهدة التلفاز بل خرج للشرفة وظل واقفاً هناك مستنداً على السور ، وما أن شعر بغيابها الذى طال عن الحد اللازم ، عاد للغرفة وطرق باب المرحاض ، فإنقطاع صوت التلفاز ، جعله لا يشعر بأنه مفتوح ، إذ لم يهتم بالنظر إليه وهو فى طريقه إليها 


عاد ونظر لباب المرحاض قائلاً بصدق :

– ياسمين صدقينى والله ما كنت اعرف ايه اللى موجود على التليفزيون ، أنا فتحته وخرجت البلكونة وكمان الصوت مقطوع فمكنتش أعرف أن فى حاجة زى دى شغالة أو إزاى حاجة زى دى تتعرض فى فندق 


حتى وإن حاول إقناعها ، فهو شبه متيقن ممن حاول مضايقته ، فمما لا شك فيه أن ذلك العاهر المقيم بإحدى غرف الفندق ، هو من فعل ذلك ، فكم يتمنى لو أن يذهب إليه الآن ويدق عنقه لمساهمته فى إفساد ليلته الأولى مع محبوبته 


ولكن ظل وقتاً طويلاً يقنعها ببراءته وأن تخرج من المرحاض ، فما أن يأس من إقناعها ، ترك مكانه وإستبدل ثيابه ووقف أمام النافذة ، لعلها تخرج إليه بعد قليل 


ما كادت تقتنع بصدق حديثه ، وتحسم أمرها فى الخروج من المرحاض ، حتى عادت تتسمر فى مكانها وكأن تلك الليلة لن تنتهى من المفاجأت الغير مرضية التى تأتيها من جانبه 


فغمغمت بضيق :

– ياربى هو إيه البنى أدم ده 


أبت قدميها التحرك من أمام باب المرحاض ، فما أن وقع بصرها على ذلك الوشم المخيف الذى يتصدر ظهره بأكمله ، بعدما خلع عنه ثيابه ووقف أمام النافذة لا يكسوه سوى سروال قصير ، باتت وكأنها ترى عقرباً حياً يزحف على جسده ، فصدرت عنها صرخة خفيفة جعلتها تجفل إذ أنها لم تكن تظن يوماً أن تتزوج رجلاً يمتلك وشماً كهذا ، فذلك الأمر مرفوض لديها بل ملعونًا بعقيدة  الإسلام ، إذ لعن الله الواشم والمستوشم ، وكيف يجرؤ على فعل ذلك ألا يعلم أنه فعل مُحرم ، ولكن لم تتوقف دهشتها وإنفعالها لهذا الحد ، بل ما أن سمع صرختها وإستدار إليها فزعاً يخشى أن يكون حدث لها مكروه ، حتى رآت وشماً أخر لحية رقطاء على ذراعه ، ولا تعلم سر ذلك الغثيان الذى إجتاحها ثانية وهى ترى تلك الوشوم تغطى جسده من الأعلى ، كونها دائماً كانت تكره رؤية الحيات والثعابين ، بل ترتعب ما أن يتم ذكرهم وسط مجلس كانت تجلس وتشعر أنهم يزحفون إليها ولا يتركونها إلا إذا أنتشر سمهم الزعاف بأوردتها ، حتى بأحلامها دائماً ما كانت تستيقظ فزعة من نومها ، إذا رأت حية أو ثعبان يركض خلفها ولا تستطيع هى الركض بل تظل تحبو باكية وتنادى أبيها لينقذها من براثنهم ، فكيف لها أن تسمح له بالإقتراب منها أو أن تلتف ذراعه تلك حولها ، وتصبح الحية كأنها على وشك أن تنشب أنيابها فى عنقها 


هرول إليها ديفيد يخشى قائلاً بلهفة :

– ياسمين صدقينى مش أنا اللى حطيت الفيلم ده على التليفزيون ، مستحيل أفكر اعمل حاجة زى دى وأنتى موجودة معايا 


قبل أن يضع يده عليها ، وضعت يداها على إطار باب المرحاض خشية أن تتعثر بوقفتها بعدما نأت بنفسها عن مرمى يداه المتلهفتان ، فعقدت حاجبيها وقالت بإستياء :


– يعنى لو أنت لوحدك ممكن تتفرج عليها عادى ، ثم إيه الوشوم اللى على جسمك دى كلها ، أنت مش عارف أن الوشم حرام ، لاء كده فى حاجة غلط ، أنا حاسة كأنك واحد تانى غير اللى جه يخطبنى واتجوزنى


أدرك الآن أنه وقع فى مأزق معها ، فبحكم نشأتها وتربيتها على يد أبيها إمام المسجد لابد لها أن ترى أفعاله تلك محرمة ، ولن تستطع أن تمرر له الأمر دون إبداء أرائها وربما تأنيبه على فعله ذلك ، فحاول تبرير ذلك مثلما فعل عندما أخطأ وذكر إسمه الحقيقى 


تقدم منها خطوات قليلة ، ومن ثم كست ملامح البراءة وجهه وهو يقول كأنه غير مذنب :

– الوشوم دى عملتها لما كنت شاب مراهق فى إيطاليا مكنتش فاهم أوى فى أمور الدين غلطة زى أى حد ما ممكن يغلط بجهل منه ، مش ربنا بيغفر للى بيعمل ذنب ويتوب


صمت لهنيهة ومن ثم مد يده وحط بها قرب فكها المرتجف من أثر لمسته المفاجئة وأضاف بصوت هامس خافت :

– من النهاردة هعمل كل اللى تقولى عليه ولو الوشم مضايقك هشوف أى طريقة وأشيلهم بس المهم أنتى تكونى راضية ، وأرجوكى تنسى أى حاجة حصلت ، أنا أسف لو كنتى أضايقتى 


أبتلعت ما أمكنها من لعابها وقالت والكلمات ترتعش على شفتيها :

– مم ماشى يلا بينا نصلى بقى ، أنا أتوضيت ، أدخل أتوضى أنت كمان 


يبدو أن تلك الليلة لن تنتهى من كثرة المأزق التى سيقع فيها معها ، فبما يخبرها الآن ؟ فإن كان إستطاع الهرب سابقاً وبرر لها مواقفه بحجج واهية ثبتت قدرته وفعاليته على أنه قادراً على تأليف وحبك كذباته حتى تبدو واقعية ، ولكن ماذا سيفعل الآن والأمر يقتضيه أن يتوضأ بل وأن يأمها فى الصلاة ، فالشئ الوحيد الذى مازال يتذكره فاتحة الكتاب الكريم ، وأقتضته الظروف لحفظها 


تكاثرت الظنون بعقلها بعدما رآت تردده فى أن يلج للمرحاض لكى يتوضأ ، فرمقته بشك وسألته بإرتياب خشية تأكد ظنونها :

– هو أنت مبتصليش يا تميم ؟


هز رأسه بألية يتمم ظنونها ، فلا فائدة سيجنيها إذا كذب وأخبرها بأنه يعلم بأمور الصلاة ، وأنتظر ثورتها عليه وتعنتها وربما محاولاتها المستميتة فى أن تصفه وتنعته بالكافر ، مثلما كان يرى ويشاهد فى الأفلام السينمائية ، ولكنه لم يجد شئ من هذا القبيل ، بل وجدها هادئة وترمقه بعينيها الوديعتين 


فقالت بهدوء :

– طب مقولتش ليه إنك مبتصليش ، الظاهر كده فى حاجات كتير معرفهاش عنك 


ضم شفتيه ولكن أطلق سراحهما سريعاً وهو يقول دامغاً نبرة صوته بالحقيقة الوحيدة الصادقة فى عالمه الغارق بالكذب :

– الحاجة الوحيدة اللى عايزك تعرفيها وتتأكدى منها إن أنا بحبك يا ياسمين 


لم يستطع جسدها نكران تلك الرجفات التى تصيبه كلما تهدج صوته وأخبرها بعشقه المطلق ، بل وتخرج كلماته من فمه تحمل لهيباً حارقاً كعاشق يعانى من ألم الحب المختزن بين ثنايا قلبه ، فحتى وإن كانت من قبل قابلت من أبدى إعجابه بها كخطيبها السابق ، إلا أن الأمر لم يتعدى سوى كلمات قليلة فى نطاق المسموح به بين المخطوبين ، ولكن ذلك الذى أصبح زوجها يبدو أنه بارعاً فى سبل الغرام


إبتسمت بتوتر وأرادت أخذ وقت كافِ قبل أن يفكر فى الإقتراب منها ، فنصحته بأن يلج للمرحاض ويتوضأ ومن ثم ستبدأ بتعليمه الصلاة ، وأكتسبت ذلك الهدوء والبشاشة واللطف واللين فى معاملة الاخرين من أبيها ، الذى لم يجعل أحد يشعر باليأس من أن فاتته أوقات التوبة ، وأن الله دائماً أبواب رحمته مفتوحة للتائبين والعائدين إليه حتى وإن كثرت ذنوبهم 


أطاعها ديفيد وولج للمرحاض وتذكر تلك الخطوات التى علمه إياها ذلك الشيخ عندما ذهب ليعلن إسلامه ، وبعدما أنتهى وخرج إليها ، فأخبرته أن يرتدى ثياب ملائمة ليبدأ صلاته ، فظل يستمع لتوجيهاتها حتى وجد نفسه واقفاً ، وواضعاً يده اليمنى على اليسرى ، وعليه أن يبدأ بتلاوة القرآن ، فببطئ بدأ يقرأ أيات سورة الفاتحة ، ولا يعلم ذلك الشعور بالبرودة الذى إجتاحه فجأة ، بل أن بدا إرتجافه ملحوظاً ، ولكنه قرر إكمال ما يفعله للأخير حتى أنتهى 


أنقضى وقتاً لا بأس به وهو مازال مكانه ، وعيناه تحدق فى السماء التى رآها بوضوح من النافذة ، وكم بدت بتلك اللحظة سوداء معتمة ، وما أن نادته ياسمين ونظر إليها ، عاد ينظر للسماء ولكن وجد أضواء خافتة باهتة تضيئها تمثلت بتلك النجوم التى بدأت تظهر من خلف ستار العتمة الذى خيم على أُفقها منذ قليل


– حاسس بإيه دلوقتى 

سألته ياسمين بعدما رآته ساهماً شارداً ما أن أنتهى من صلاته 


تنهد ديفيد قائلاً بصدق وحيرة :

– مش عارف أوصف إحساسى ، زى ما أكون خوفت يا ياسمين 


ضيقت عينيها بعد سماع إجابته ، إذ كانت بإنتظار أن تسمع منه أنه شعر بالراحة أو اللذة من أنه كان يقف سالماً أمام ربه ، ولكن أن يصف شعوره بالخوف ، حمل ذلك لها شئ من الدهشة ، ولكن تبادر إلى ذهنها أن ربما ذلك الشعور نتج لإرتكابه من المعاصى ما يشعر معها بأن الله لن يغفر له 


قضمت باطن شفتها السفلى وسألته بحذر :

– خوفت من إيه ؟ عملت ايه يخليك تحس إنك خايف كده قولى 


لا تعلم من أين جاءها ذلك الشعور ، بأنها ربما زواجها منه لم يكن القرار الصائب بذلك الوقت ، ولكنها لم تجد حلاً أخر للخلاص من ذلك الفخ الذى كان يعده لها عمها سوى أن تقبل إقتراح أبيها بأن تتزوجه على الفور ، طالما كان مستميتاً للزواج منها وفعل من أجلها ما عجز والديها عن توفيره ، كجلبه لذلك الطبيب الذى أجرى لها جراحة عينيها وعادت تبصر من جديد 


تقلصت المسافة بينهما بعدما نهض من مكانه مقترباً منها ، لعله يصرف تفكيرها عما أصابه ، فهو لن يقضى ليلته الأولى معها والتى إنتظرها طويلاً يتحدثان حول شعوره أو تحليل إنفعالاته 


إرتجفت لا إرادياً عندما جذبها إليه وإصطدمت بصدره ، وباتت القشعريرة تسرى بعروقها مانعة إياها من أن تلتقط أنفاسها بصورة منتظمة ، فرغم شعورها بالخوف المطلق منه وما هو ناو عليه لإتمام زواجهما ، إلا أنها لن تستطيع نكران حقه بها ، وأنها صارت زوجته ، فأخذه لها إلى عالمه على حين غفلة منها بطباعه وتمرسه فى كيفية جعلها منصاعة مطيعة ، مما جعل الشك ينخر بعقلها حتى وهى تحت وطأة ذلك الشعور من الخجل والخوف والترقيب ، تتسأل كيف له أن يكون بارعاً هكذا بوصالها و التودد إليها ، دون أن يكون خاض بذلك الأمر عدة مرات مع إناث أخريات ، فما تراه منه يجعلها تجزم أنها ليست تلك المرة الأولى له مثلها ، وكلما ناشدته أن يترأف بحالها لشعورها بالخجل ، يعود ويخبرها أن نفسه مشتاقة إليها ولا يصدق أنها أصبحت زوجته 


– أنتى حلوة أوى أوى يا ياسمين 


نطق بها مهمهماً وسط عناق أسقط كل الحواجز التى حاولت التشبث بها لشعورها بالخوف الطبيعى الذى يزور كل فتاة خاصة بليلة العُرس ، تلونت طباعه فى جعلها تنغمس بعالمه مرة هادئة ومرة أخرى بارعاً فى إظهار تلهفه إليها ، وما أن وثب إلى رشده ووعى على تلك الحقيقة التى باتت راسخة من أنها صارت له زوجة بكل الكلمة من معنى ، وكيف كانت كالجوهرة المصونة والتى ظلت بحماية ورعاية والديها حتى جاء هو لتنتقل إلى رعايته وكنفه ، صار يضمها إليه كأنها أضحت ضلع أخر من ضلوعه ، وكم رغب بذلك الوقت لو أستطاع أن يشق لها صدره لتسكن بين ثنايا قلبه ، فها هى غافية بعد إنقضاء وقت لم يدرك أحد منهم كم طال أو قصر 


تحركت أثناء نومها بعد سماع رنين هاتفه ، فمد ديفيد يده ليغلقه ، ولكن بعد علمه بهوية المتصل ، سحب ذراعه من أسفل رأسها وترك الفراش وخرج للشرفة ، ومن ثم فتح الهاتف قائلاً بإمتعاض :

– ماذا تريد ؟ ألم تجد وقتاً اخر مناسباً لتسمعنى صوتك البغيض 


ضحك الرجل على الطرف الآخر قائلاً بصوت أثار الضيق أكثر بصدر ديفيد :

– أعلم أنك ربما الآن مشغول بعروسك الجميلة ولكن أردت تذكيرك بأن لديك موعد بالغد من أجل صفقة أسلحة نارية وصاحبها يريدها فى غضون أسبوع وليس أكثر 


رد ديفيد قائلاً بضجر :

– ما الحاجة له بأن يتعجل هكذا فى شراء الأسلحة فالعالم لن يفنى ، فلينتظر عندما أعود من صقلية ، أفهمت ، وكف عن الاتصال بى ، وإلا اقسم سأتى إليك وأرسلك لإيطاليا فى تابوت قذر مثلك أيها الوغد لأننى أعلم أنك أنت من قام بوضع تلك الأفلام على التلفاز من أجل إفساد ليلتى ، وليس معنى أنك هنا بأمر من زعيم المافيا الكبير لمراقبتى ونقل خطواتى ، أننى سأكون مضطراً لتحمل افعالك السخيفة ، اذهب إلى الجحيم


أنهى ديفيد المكالمة ، واسند كفيه لسور الشرفة ، وراقب حركة الأمواج خاصة أن الفندق قريباً من الشاطئ ، تمعن جيداً فى تلاطم الأمواج العاتية ، التى تضرب الصخور وسرعان ما تنحسر عنها  ، وما أن أكتفى من تأملها عاد للداخل واغلق باب الشرفة وجذب الستائر ومن ثم عاد وإستلقى على الفراش جاذباً ياسمين إليه ، التى ركنت إليه ساكنة ، كأنها لم تجد ضرر من أن تستبدل وسادتها الناعمة بصدره الصلب 


فى اليوم التالى ، إستيقظ ديفيد من نومه بعد شعوره بإفتقادها ، خاصة أن الليل بأكمله كانت بين ذراعيه ، ولم ينسى قبيل الفجر بساعتين أنه عاد إليها متلهفاً لأن تهبه إحدى عطايا حُسنها ورقتها ووداعتها ومن ثم غفى بنومه ولم يستيقظ إلا الآن ، جلس فى الفراش وهو يتثائب وغرز انامله بين خصيلاته المبعثرة ، فوقعت عيناه عليها وهى تصلى مرتدية ثوب صلاة باللون الأبيض 


بعد إنتهاءها من صلاتها ، نظرت إليه بإبتسامة خجولة وهى تقول برنة صوتها الرقيقة :

– صحى النوم ، أنا حاولت اصحيك علشان تصلى الضهر معايا بس أنت كنت بترد عليا وترجع تنام تانى 


رد قائلاً بإبتسامة هادئة:

– معلش كنت حاسس إن عايز أنام  ، صباح الخير 


– قصدك تقول مساء الخير الضهر أذن بقاله شوية 


قالت ياسمين بعدما إستقامت بوقفتها ومن ثم انحنت لتطوى سجادة الصلاة 


ترك ديفيد الفراش ولكن قبل أن يقترب منها سمعا صوت طرقات على باب الغرفة ، ظنت ياسمين أن ربما القادمين هم أسرتها للإطمئنان على احوالها وتوديعها قبل سفرها ، فما أن رأت ديفيد يتجه صوب الباب ، قالت بخجل :


– ادخل خدلك شاور ، لأن ممكن اللى يكونوا على الباب أهلى لأن ماما كلمتنى من شوية وقالت انهم هيجوا بعد الضهر ومينفعش يشوفوك كده 


إبتسم ديفيد لفهمه مقصدها ، فإختطف من وجنتها قبلة محبة قبل أن يسرع فى الذهاب للمرحاض ، فذهبت هى لفتح باب الغرفة ، وسرعان ما ألقت بنفسها بين ذراعى والدتها ومن ثم والدها وشقيقها ودعتهما للدخول إلى تلك الغرفة الملحقة بغرفة النوم ، ولم يمر وقت طويل حتى أتى ديفيد إليهم مرحباً بقدومهم ، وكانت ستستمر جلستهم هادئة لولا عدة طرقات متتالية على الباب جاءت لتفسد وقتهم اللطيف 


فتحت ياسمين الباب كالمرة الأولى ولكن جفت دماءها ما أن رأت عمها ويصاحبه رجل آخر لا تعلم من يكون ولكن يبدو أنه أجنبياً وليس عربياً ، ولكن كان النصيب الأكبر من الدهشة لعمها ، اذ عقد حاجبيه الكثيفين متسائلاً:

– ياسمين أنتى بتعملى ايه هنا 


انعقد لسانها بعدما ظنت أن ربما علم بزواجها وجاء من أجل إفساد تلك الزيجة ، ولكن رآت زوجها قادماً إليهم مبتسماً ولكن اختفت إبتسامته على الفور ، ما أن رآى الزائران 


جذب ذراع ياسمين قائلاً بأمر :

– ياسمين ادخلى جوا 


رفع عمها يده يشير إليها ومن ثم سأل ديفيد بإلحاح :

– تدخل فين ؟ أنا عايز اعرف بنت اخويا بتعمل ايه عندك يا ديفيد 


– بنت اخوك 

نطق بها ديفيد مبهوتاً مشدوهاً ، ولم ينتهى الحال الى هذا الحد اذ خرج والديها وشقيقها ليعودوا للمنزل ، فصار كل الحاضرين ينظرون لبعضهم البعض ، ولا أحد منهم يفهم ما يدور هنا 


إلا أن عمها نظر لشقيقه قائلاً بسخرية :

– دا الحبايب كلهم متجمعين هنا مش تقولولى فى إيه 


هتف بآخر كلمة من عبارته وهو يقتحم الغرفة مغلقاً الباب خلفه لكى يكون الحديث فى نطاق الخصوصية قليلاً ، عوضاً عن إستماع النزلاء فى الفندق لما سيجرى بينهم من حديث


أجابه والد ياسمين قائلاً وهو ينظر لزوجته وولده :

– إحنا اللى مفروض نسألك بتعمل ايه هنا وعايز ايه من بنتى ، خلاص هى اتجوزت يعنى اللى فى دماغك ده انساه ، وازاى عرفت إن احنا هنا


ضحك شقيقه بصوت عالى وارتد رأسه للخلف كأنه ألقى عليه دعابة ، ومن ثم نظر إليه قائلاً بشماتة :

– أنا مكنتش جاى علشانكم ، انا كنت جاى اقابل جوز بنتك المصون علشان صفقة شغل ، بس يعنى علشان بنتك متتجوزش الشاب اللى كنت جايبهولها تقوم تجوزها لواحد يهودى وتاجر سلاح وزعيم مافيا ، وتبقى حرم ديفيد دانيال اسكندر شمعون ، ده اسمه كلام يا راجل


عم الصمت واحتلت الدهشة والصدمة الوجوه ، وديفيد الذى لم ينطق بكلمة واحدة ، صار فزعاً بعدما أفشى ذلك الرجل بحقيقته ، وجاء ذلك لصدفة لعينة لا يمكن أن تحدث إلا بأسوء أحلامه ، فالرجل المفترض به عقد صفقة الأسلحة النارية معه يكون عم زوجته ، فأى حظ تعيس هذا ، الذى جمعهم بمكان واحد لتعلم زوجته وأسرتها بهويته الحقيقية 


لطمت والدة ياسمين خديها بعفوية بعد سماع ما قاله شقيق زوجها ، فنظرت لزوجها وهى تقول بصدمة :

– هو أخوك بيقول ايه يا أبو بلال 


وجهه الذى خلا من الدماء ، لم يعد يتحرك به سوى عينان ترمقان زوج ابنته ، لينطق وينكر قول شقيقه ، فأقترب منه جاذباً ذراعه متسائلاً بحدة :

– هو الكلام اللى بيقوله ده صح ؟ معقولة انت زى ماهو بيقول كده ؟ رد عليا فهمنا ايه اللى بيحصل هنا بالظبط 


لم تفده محاولاته المتكرر فى إبتلاع لعابه لترطيب جوفه ، إلا انه أدنى برأسه من والد زوجته قائلاً برجاء :

– عمى أنا هفهمك كل حاجة ، فأرجوك اهدى 


أطاح بصوابه ولم يكن هو وحده الذى تملكت منه حرارة الانفعال لوقوع ياسمين بفخ زواجها منه ، ولكن بلال اقترب منه قابضاً على تلابيب ثيابه وصرخ فى وجهه بحنق :

– يعنى أنت ضحكت علينا كلنا وغشيتنا ازاى انا كنت مغفل كده ومدورتش وراك 


نفض ديفيد يد بلال عنه بعدما رأى والد زوجته يقبض على ذراعها ويبدو ان بنيته اخذها معه ، فقطع عليهما الطريق قائلاً بخشونة :

– مراتى مش هتمشى من هنا وإلا مش هيحصل خير أبداً لحد


جذبها بغتة من يد أبيها ، فكل هذا وهى تقف كالدمية لا تعى شئ مما يدور حولها ، كأنها بحلم ولكن ربما طال وقته كثيراً ، إتسعت مقلتيها وهى تحدق فى وجهه وتساءلت بإصرار :

– أنا عايزة إجابة واحدة منك بس ، أنت فعلاً زى ما بيقولوا كده يهودى وزعيم مافيا ؟


توترت عضلة قرب فمه منعت عليه الحديث ، إلا أن صمته كان خير دليل أن ما سمعته الحقيقة ولا شئ غيرها ، فأشاحت بوجهها عنه ونظرت لأبيها قائلة بنهنهة :

– يبقى فعلاً هو زى ما قالوا خدنى من هنا يا بابا 


ما أن همت بالذهاب مع أبيها ، قبض زوجها على ذراعها ومنع عليها الحركة ، فنشبت مشادة كلامية بينهم ، وحسم ديفيد الأمر ، بطلقة نارية أطلقها فى الهواء محذراً ، أنه ربما سيتخلى عن كياسته وتصبح الغرفة مسبح للدماء ، فزوجته لن تبرح مكانها إلا بأذنه، وزاد الأمر سوءاً بمساندة ذلك الرجل المكلف بمراقبته له اذ سحب سلاحه النارى هو الآخر ، وباتت أسرة ياسمين بموقف لا يحسدون عليه خاصة وفوهات تلك الاسلحة النارية مصوبة إليهما من كل حدب وصوب 


أضحى الأمر كالكابوس ، خاصة وأن ديفيد مكبلاً لها بذراعه ويده الاخرى ممدودة بالسلاح ، صرخت لعله يفلتها ، ولكنه صار أصماً عن سماع توسلاتها ورجاءها له بأن يتركها ، فبعد أن عجزت أسرتها عن إصطحابها معهم ، هدده والدها بإبلاغ الشرطة ، إلا أن ديفيد حذره من ذلك وإلا سيكون هو الخاسر الوحيد ، اذ هدده بأنه لن يكف عن قتل كل من يريد إبعاد ياسمين عنه ، وإنه لن يجد جهداً فى إحداث مجازر بشرية من أجلها ، حتى لو كانت هى الآن تتمنى الفرار منه وربما سترجوه بأن يقتلها هو بيده حتى لا تكون له زوجة ليوم أخر غير ذلك اليوم الوحيد الذى كان بالأمس ، وجاءت راية الحقائق ترفرف على أرض الواقع ، معلنة خسارته المؤكدة فى انه لن يرى من ياسمين ما رآه منها باليلة الماضية ، اذ سيكون عليه من اليوم ان يعتاد بأنها لن تأتيه طواعية بل ستأتى مجبرة ، عندما ينفذ صبره فى أن تمنحه ما يريد 

❈-❈-❈


رحلة عودته فى القطار من الأقصر للإسكندرية والتى إستغرقت ساعات ، جعلته يمعن التفكير جيداً فى شأن ما هو مقبل عليه من حيث مقابلته لزوجته ، التى إمتنعت عن الحديث معه منذ رحيلها من منزلهما المستأجر فى الأقصر ، ودائماً ما كانت خالته هى من تتولى مهمة إجابته على إتصالاته الهاتفية المتكررة ، وكم من مرة حاولت تبرير الأمر بأن هند نائمة وما أن تستيقظ ستخبرها بشأن إتصاله ، ولعلمه بأن إستياءها منه بلغ أقصى حدوده ، جعله يتروى بشأن أن يتخذ قراراً جدياً فى عدم إتصاله بها حتى يذهب إليها ، ولكن كلما كان يعصف به الشوق لسماع صوتها ، كانت تسبقه يداه فى إجراء الاتصال الهاتفى ،الذى سرعان ما ينتهى بمحادثة قصيرة مع خالته ، تبدى فيها اعتذارها وحجتها المتكررة من أن هند تقضى معظم أوقاتها نائمة ، وكم من مرة لم تخفى دهشتها مما يحدث ، وعن كيفية إستطاعة هند تركه هكذا بسهولة ، وهى التى مستميتة بعشقه ولا تستطيع أن تحيا يومها بدون أن تراه أو تسمع صوته ، ولكن كان كرم دائماً يفلح فى إيهام خالته ، بأن ما تعانيه هند بتلك الأونة تغيرات ناتجة عن الحمل ، وربما أصيبت بحالة من الإكتئاب مثلما سمع أن كثير من السيدات الحوامل يصيبن به نتيجة تغيرات هرمونية ، وسرعان ما ستعود إلى طبيعتها ما أن تضع مولودها ، لذلك هو لا يحمل لها ضغينة من رفضها الإجابة على مكالماته الهاتفية 


– وحشتينى أوى يا هند وعارف إنك دلوقتى مش طيقانى


غمغم كرم بعبارته همساً و يبدو أنه إستغرق وقتاً طويلاً فى التفكير ، إذ أنه شعر بوقوف القطار معلناً عن وصوله إلى وجهته ، فترك مقعده وأخذ حقيبته يجرها خلف حتى خرج من القطار ، ومنه بحث عن سيارة أجرة ليصل إلى منزل والد زوجته ، ومثلما قضى وقته فى القطار مفكراً فى إستقبال هند له ، لم يختلف الأمر وهو يستقل سيارة الأجرة ، وما أن أعلن السائق عن وصولهما ، حتى ترجل من السيارة وأعطاه النقود نظير إيصاله 


صاح حارس المنزل قائلاً ما أن رآى زوج إبنه سيده :

– كرم بيه يا ألف الحمد لله على السلامة 


تبسم كرم فى وجهه ورد قائلاً ببشاشة :

– الله يسلمك


أسرع الحارس بأخذ حقيبته ودلفا للداخل ، وأثناء مروره بحديقة المنزل ، رآى تلك الغاوية اللعينة تتحدث مع السائق الخاص بسيارة خالته ، والتى إن حافظ على سرها من منطلق الستر ، إلا أنه كلما تطلع فى وجهها يتذكر من أنها السبب الأساسى فيما حدث ، من أن يصر على عودتهما للإسكندرية ، حفاظاً على الحياة الزوجية لإبن الحاج سويلم ، بعدما حاولت تلك المرآة إيقاعه فى حبائلها 


تمتم كرم بصوت هامس لم يصل لأذن أحد :

– البت دى لازم تمشى من هنا ، قبل ما تجيب مصيبة لأى حد  


أهداها نظرة عابرة ولكنها كفيلة بأن تجعلها تشعر بمدى حنقه وإستياءه منها ، أكمل سيره للداخل ، حتى وصل للصالة ، فصاحت خالته بسعادة من رؤيتها له ، فأقتربت منه تحتضنه مرحبة بعودته ، سعيدة لرؤيته أنه عاد لهنا ولم يعد لشقته القديمة ، وربما كان سيتسبب ذلك فى خلق فجوة بينه وبين زوجها ، إذ أنه لم يكن سيقبل بخروج هند من المنزل قبل أن تضع صغيرها 


قبل كرم وجنتىّ خالته باسماً:

– وحشتينى أوى يا خالتو أخباركم إيه وهند عاملة إيه دلوقتى


أجابته خالته بعدما نادت للخادمة بأن تأخذ حقيبته لتضعها بغرفة هند :

– الحمد لله يا حبيبى إحنا كويسين، هند فى أوضتها فوق اطلعلها 


صعد كرم الدرج حتى وصل لغرفة زوجته ، فوجد إحدى الخادمات تخرج من الغرفة بعدما وضعت حقيبته ، ولج للداخل وجد زوجته جالسة بفراشها ولا يبدو على وجهها أى مظهر من مظاهر الفرح برؤيته 


رمقته هند بنظرة عابرة وعادت تنظر للتلفاز قائلة بنبرة فاترة :

– حمد الله على السلامة ، نورت البيت ، محجزتش ليه فى القطر اللى يخليك توصل بدرى ، بدل ما أنت جاى بليل كده


– الله يسلمك يا حبيبتى ، أصل مقدرتش على بعدك أكثر من كده


قالها كرم وهو يجلس بجوارها على الفراش وأدنى بوجهه من وجنتها ليقبلها ، فمدت له خدها بعفوية ، ولكن سرعان ما أعادت ملامح التجهم لوجهها 


فإبتسم كرم على فعلتها ، فعاد يداعب وجنتها مشاكساً :

– مالك مكشرة فى وشى ليه كده ، وليه مكنتيش بتردى عليا لما بتصل بيكى فى التليفون 


عقدت ذراعيها واشاحت بوجهها عنه قائلة بإستياء :

– عايزنى أرد عليك بعد اللى عملته ، يعنى ترجعنى من الأقصر وأنا فى حالتى دى وكمان تكدب على بابا وماما وتقولهم ان حالتى كانت فى خطر ، كان ليه ده كله يعنى 


زفر كرم بخفوت ومن ثم قال بعدما اخذ كفيها بين راحتيه الدافئتين :

– أنا افتكرت أنك هتبقى مبسوطة بأنك هتيجى هنا ومامتك تبقى معاكى 


عادت تنظر إليه وزمت شفتيها لعدم قناعتها بقوله ، فرفعت حاجبها الأيسر وتساءلت بإلحاح تلك المرة :


– قولى يا كرم أنت عملت ليه كده ومتحاولش تلف وتدور عليا فى الكلام ، لأن أكيد فى سبب وسبب كبير كمان وإلا مكنتش هتفكر تعمل كده 


ترك كرم مكانه من جوارها واستقام واقفاً وأراد قطع الحديث بينهما لهذا الحد ، إلا أنها أبت أن تصمت دون أن تعرف ما يخفيه عنها ، فعادت مستطردة :


– أنا بكلمك على فكرة ولو فضلت متجاهل سؤالى كده بجد هزعل منك ، أنا لحد دلوقتى بحاول اقنع نفسى إن فى سبب لعمايلك دى ، متخلنيش أصدق انك ممكن تكون عملت كده علشان كرامتك اللى نقحت عليك بسبب وجود الشغالة والمرتب اللى بيدفعه ليها بابا 


كست ملامحه علامات الاشمئزاز ما أن أتت على ذكر الخادمة ، فأولاها ظهره قائلاً وهو يفتح ازار قميصه لتبديل ثيابه :

– اهى الشغالة دى سبب المصايب كلها قولتك اطرديها لأن مش مرتاح لسلوكها وباين عليها مش محترمة ، اتهمتينى إن بعمل كده علشان اطفشها 


رفت اهدابها وهى تسأله بحذر :

– هى عملت معاك حاجة يا كرم ، ايه سبب كرهك المفاجئ ده ليها ؟


إلتفت إليها ومن ثم ألقى القميص من يده قائلاً بعصبية :

– معملتش معايا أنا ، بس شكلها كانت ناوية تخرب بيت أبو و أم سويلم ، الهانم راحت له فى نص الليل تعرض نفسها عليه 


شهقت هند بصدمة ووضعت يدها على فمها أشبه بلطمة خفيفة ، ولا تعلم سر ذلك الدوار الخفيف الذى إنتابها بعد إصابتها بالدهشة والصدمة مما قاله زوجها ، فهى لم تضع ببالها يوماً أن يحدث شيئاً كهذا من الخادمة ومع من مع زوج تلك المرأة الجميلة والتى توطدت الصداقة بينهما منذ أن وطأت الأقصر بقدميها 


مررت هند يدها على وجهها لتتأكد من أنها واعية لما قاله ، فإتسعت حدقتيها قائلة وهى مازالت تتململ بجلستها كأنها لا تشعر بالراحة :

– يا خبر ! أنت بتتكلم جد يا كرم هى عملت كده ، طب هو عمل ايه معاها ؟ أوعى يكون ...


أخذ كرم نفساً عميقاً ومن ثم زفره ببطئ وأجابها وهو يجلس على الأريكة المواجهة للفراش :

– هو مخانش مراته ولا حاجة بالعكس ضربها بالقلم وهزقها وطردها ، والمصيبة إن اكتشفت إنها كمان حامل وشكلها كده كانت عايزة تورطه فى الموضوع ، أنا بعد اللى شوفته منها ، سمعتها بتتكلم فى التليفون مع حد وأنها هتحاول تلاقى أب لابنها اللى فى بطنها ، وأنها هتحاول تانى مع ابو سويلم لحد ما يوقع ، ولما حاولت ألمح ليكى أنها مش كويسة ، حفاظاً على ان الموضوع ميكبرش لو عرفتى هى عملت ايه ، فضلتى تتخانقى معايا ومفكرانى عايزة اطفشها من غير سبب ، فملقتش حل غير أن نرجع اسكندرية بدل ما نتسبب فى خراب بيت ابن الراجل اللى كان بيعاملنا زى ولاده وخصوصاً أنتى عارفة هو ومراته بيحبوا بعض ازاى وهى بتغير عليه ، ومحبتش اقولك لأن خوفت تقعى بالكلام معاها ، أو أن الخدامة نفسها تورطه من غير ذنب ، لأن باين عليها أنها مكنتش هترتاح إلا لما تعمل مصيبة ، فخفت الموضوع يكبر ، لأن طبيعى اى ست هتسمع أن فى واحدة كانت بتحاول تجر رجل جوزها ، الشك كان هيملا دماغها وهو بيسافر كتير ، فبدل الشوشرة دى كلها ، قولت نرجع هنا لأن مسيرنا كنا هنرجع إسكندرية ، ويبقى حسابها بعيد عن هناك ، لأن العيار اللى ميصيبش يدوش يا هند 


عوضاً عن تسكين شكوكها حول الخادمة ، ظلت ترمقه بإرتياب تخشى أن تكون أقدمت الخادمة على اغواءه هو الاخر ، ولكن كأن كرم فطن لنظراتها ، فرفع حاجبه قائلاً بتسلية ممازحاً :

– أنا عارف البصة دى كويس ، انتى دلوقتى بتفكرى اذا كانت عملت معايا كده ولا لاء ، بس للأسف طلعت معندهاش نظر ، محاولتش تتغرغر بيا 


شهقت هند ورفعت زجاجة المياة البلاستيكية وألقتها فى وجهه قائلة بحنق :

– والله لو كان ده حصل كنت دفنتك أنت وهى ، أنا هقول لبابا يغورها على بلدها قليلة الأدب دى كمان 


بعد أن تفادى إصابة زجاجة المياه لوجهه ، ترك الاريكة وقفز جالساً على الفراش قابضاً على كفيها قائلاً بإشتهاء :


– يا نهارى على حلاوتك وجمالك وأنتى غيرانة ، تجننى يا بنت خالتى 


سحبت يدها اليمنى ووضعتها على وجنته قائلة بإبتسامة حب :

– بالرغم إن كنت زعلانة منك ومش عايزة أكلمك ، بس قلبى الخاين ده بيسامحك على طول ، زى ما تكون أنت اللى بتتحكم فيه مش أنا 


أدناها منه ليرتوى من أنهار شفتيها ، فذاب الخصام فى خضم عناق كان من المحال أن يتفاداه أحد منهما ، تلاقت نظراتهما وعلت حمرة الخجل وجنتيها وأمتلأت نفسها بأمل جديد ، فأقترب كرم أكثر ورفع وجهها إلى عينيه ، ولم تستطع هند النظر إليه حتى لا تخونها عينيها وتفصح عن مدى إشتياقها إليه ، ولكنه أمرها بأن تنظر إليه ، فأطاعت الأمر خائفة من أن تفضح عيناها عن شوقها وربما فى النهاية سيكون الوضع كارثى ، وعلى الرغم من ذلك ظل كرم يتفرس فى وجهها جيداً وتوقف طويلاً عند عينيها محاولاً النفاذ إلى أعماقها ، فأعاد عناقه حاملاً حرارة الحب الكفيلة بإشعال نيران الشوق ، ولكنه كان حريصاً على عدم تماديه بالأمر ، فظل يداعب شعرها الأسود وأغمضت عينيها لتغفو سريعاً بنومها ، وعندما أفاقت فى اليوم التالى ، وجدته قربها ، كانت سعيدة حتى أنها شعرت برغبة فى أن تغنى ، فطوقها كرم بيده القوية وشدها إليه ، ولكن تذكرت هند ضرورة اخبار أبيها بأن يحرص على إعادة تلك الخادمة من حيت أتت ، فكلما تتذكر ما فعلته ، تعود وتخشى أن تلقى شباكها تلك المرة حول زوجها ، فحقاً لو فكرت بفعل ذلك فلن تتركها حية ، فهو لها هى فقط ولن يكون لغيرها طالما قلبها مازال يخفق وينبض بإسمه