-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 1 الجزء الأول

  قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الأول

الجزء الأول

❈-❈-❈

جلس متمعنا بالأوراق التي أمامه حتى انه لم يع لتأخره كل هذا الوقت بمكتبه؛ فنظر لساعته ليجد أنه استغرق أكثر من ثلاث ساعات، وما تعجب منه هو عدم حضورها لمقاطعته كعادتها أو لاستدعائه لحضنها.


ازال نظارته المخصصة للقراءة التي استخدمها حديثا بعد أن لاحظ ضعف نظره أثناء قرائته وشعر بالقلق وقتها أن يخطئ بتدريبات الرماية إلا أنه وجد نظرة ثاقبا من بعيد فخصص تلك النظارة للقراءة فقط.


ألقى القلم على المكتب وترك نظارته ودفع المقعد للخلف ليقف متجها للخارج وتحرك صوب مربيته وسألها فورا:

-ياسمين فين يا داده؟




ردت مبتسمة كعادتها:

-فوق يا حبيبي منزلتش من ساعة ما دخلت مكتبك.




أومأ وتحرك سريعا ليصعد الدرج مارا بغرفة صغيريه؛ فوجدها جالسة أرضا وتتشارك اللعب معهما أو بمعنى أدق وجدها تشاطر الصغير جاسر اللعب بصغيرته وقطعة روحه؛ فكلاهما يلاعبا الصغيرة حتى هذا الفتى الذي لم يتعد عمره العامان يلاعب أخته الصغرى وكأنه تخطى العاشرة.


ابتسم لهذا المشهد الذي أمامه فاستند على حافة الباب عاقدا ساعديه أمام صدره ولم تلحظه غير المربية التي همت بالتحدث احتراماً لشأنه؛ فأشار لها بالصمت ووقف يراقبهم بشغف وحب لا مثيل له.


ظل على هذا النحو حتى تجلى الصغيران بالضحك؛ فلم يتمالك نفسه أكثر وتحرك للداخل ليتشارك معهم باللعب وجلس أرضا بجوارهم فانتبهت له قطعة روحه وحياته ولمعت عينها بنفس اللهفة التي لا يشعر أبدا بالأكتفاء منها.


تمتمت بصوت رقيق تسأله:

-أنت هنا من أمتى؟




أجابها مقبلاً عنقها:

-من شويه.




فورا صرخ الصغير جاسر كعادته غيرةً على والدته؛ فرمقه فارس بنظرة حادة وصر على أسنانه وهو يعقب على ردة فعله:

-هو الواد ده هيفضل يصرخ كل ما يلاقيني بقرب منك كده لأمتى؟


ضحكت بصخب وهي تحمل الصغير بين ذراعيها تقبله قبل متتاليه وترد بمشاكسة:

-حبيبي يعمل اللي هو عايزه، غيران منك ومعاه حق.




سحب منها الصغير بعد أن استطاعت إثارة غيظة ووضعه بمكان اللعب المحاط بسور خشبي وعاد حاملاً الصغيرة ووضعها بجواره والصغيران يصدران أصوات اعتراضهما على قرار والدهما بانهاء وقت اللعب، ولكنه لم يهتم ووقف ساحبا اياها من ذراعها لتقف أمامه ونظر لها بعيون عاشقة وهمس لها:

-بلاش تغظيني بابني عشان مكرهوش.




لم تصدق ما ألقاه على مسامعها وابتعدت ترمقه بنظرة غير مصدقة وهي تسأله:

-انت بتتكلم بجد؟




ضحك وهو يومئ برأسه:

-جد جدا كمان، بببلاااش.




تنهدت فسحبها داخل حضنه فعضت على شفتها بحرج وابعدته عنها وهي تتنحنح هامسة:

-الناني واقفه يا فارس.




التفت ينظر للمربية وكأن هي من تتلصص عليهما؛ فأطرقت رأسها فورا تنظر للأرض فاقترب برأسه أكثر من عنق زوجته وقبلها من تجويفه؛ فابتعلت الأخيرة ريقها بخجل من أفعاله التي تتنافى دائما وابدا مع هيبته التي يفرضها على الجميع وتمتمت وهو يقبل عنقها:

-ميصحش كده.




زغر بعينه للصغير الذي زاد صراخه وهو يرى والدته بحضن ابيه وابتعد يرمقها بنظرة حادة وانحنى على الفور ودون مقدمات ودون مراعاة لأي اعتبارات وحملها  على كتفه ورأسها يتدلى خلف ظهره؛ فصرخت هي صرخة عفوية من خضتها وهي تهتف:

-فااارس.




تحرك بها خارج غرفة صغيريه ومتجها لجناحهما وفور دخوله أنزلها وحاصرها بين جسده والباب المغلق عليهما فضربته بتوبيخ على صدره ممتعضة:

-عيب كده، أنت بقيت بتتعمد تكسفني قدام كل الناس .. مش كفايه داده حنان واللي بتشوفه منك كمان الناني هتعمل كده قدامها!




ضيق حدقتيه وهو يجدها تنهره بهذا الشكل فأبعدت نظراتها عن نظراته التي اخافتها كالعادة واستمعت لصوته وهي تتحاشى النظر له مفسرا:

-وهو المفروض افضل متقيد جوه بيتي ومعرفش آخد راحتي مع مراتي؟




ردت مؤكدة:

-أنت اللي عايز كده، حرس وخدم في كل حته.




تعلقت برقبته محاوطه اياه بذراعيها وهي ترتفع على أصابع قدمها وتكلمت بدلال قتله حرفيا:

-مش كنا مبسوطين واحنا في الساحل ولما سافرنا بره ومفيش حوالينا لا حرس ولا عيون بتبص علينا من كل مكان؟




أومأ وهو شارد بملامحها التي لا يكتفي منها ابدا فعقبت:

-طيب يبقى ليه منخففش العدد شويه عشان تاخد راحتك؟




ابتسم وقبلها قبلة خاطفة على طرف شفتيها واجابها متسائلا:

-هتقدري تشيلي كل ده لوحدك؟




أومأت وهي تؤكد:

-منا شيلته لما كنا مسافرين




رد وهو يحملها متجها لفراشهما:

-بس كنتي بتتعبي، ومسؤلية الولاد كبيره انك تشليها لوحدك وأنا مش عايز اتعبك يا روحي.




وضع جسدها على الفراش برقه واعتلاها وهو يكمل حديثه:

-المفروض أنك توجهي الخدم بطريقتك إن طول وأنا في البيت هم يحاولوا ميتواجدوش معانا عشان نبقى على راحتنا.




ضحكت ورفعت ذراعيها تحيط عنقه:

-يعني اللي حصل من شوية في اوضة الولاد كانت الناني مفروض تعمل ايه؟ 




رد بجدية وحدة:

-تخرج وتسيبنا مع ولادنا ومتدخلش إلا لما ننده لها.




أومأت موافقة على اقتراحه وهي تعقب:

-تمام يا حبيبي أنا هنبه عليها وعلى كل الخدم بعد كده عشان تبطل تحرجني قدامهم 




غمز لها بعينه اليسرى وانحنى يهمس لها بحب:

-بحبك يا سلطانه.




تنهدت وكأنها تناولت جرعة من الخمر المسكر من عذب كلماته والتي لم ولن تعتادها ابدا فسحب غطاء الفراش عليهما وهو يتمتم:

-خلينا نبدأ الجولة الأولى قبل ما الوقت يسرقنا بالكلام.


❈-❈-❈


خرج من غرفته متجها للبهو حيث تجلس والدته وشقيقه، جلس بجوار والدته فابتسمت له وربتت على كتفه فسألها متنهدا:

-مفيش أخبار عن عاليا؟




أجابته وهى تزم شفتيها ممتعضة:

-من ساعه ما جم اخدوها ولا حس ولا خبر واحنا هنا معزولين عن العالم أصلا.




زفر يزن أنفاسه بضيق وهو يقول:

-انا مش مطمن وحاسس إن الموضوع مخلصش على كده وخصوصا تأجيل المحاكمة كل ده.




عقب عليه شقيقه الأصغر:

-ظابط الانتربول قال ان مفيش قضية بعد ما اتقتل غسان الصباغ لأننا كل معرفتنا وصلتنا كانت بيه، يعني حاليا القضية واقفه لحد ما يمسكوا خيط جديد.




اطرق رأسه يسندها على راحتيه متسائلا بوجوم:

-واحنا هنفضل محبوسين كده لحد امتى؟




ردت والدته تربت على ظهره:

-برنامج حماية الشهود بيفضل شغال لحد مااا....




قاطعها بضيق:

-لحد القضية ما تتحل، وإحنا بالوضع ده قضيتنا هتفضل شغاله، بس الغريب ان لو عداوة الناس دي معانا بسب بابا؛ فأظن إن عداوتها لفارس أكبر مننا بمراحل بعد اللي عمله معاهم، وهو عايش حياته اهو لا محطوط تحت حماية برنامج ولا محبوس زينا.




اعتدل بجلسته ونظر لها وهو يضيف:

-أنا هكلمه انهارده يتصرف ويخرجنا من هنا لأن خلاص فعلا مش مستحمل، وزي ما معين حراسه للعيلة كلها يعتبرنا من العيلة ويحط لنا حراسه زيهم ولا احنا عشان ولاد مروان هيعتبرنا بره العيله.




رد آسر وهو يعاتبه:

-لا يا يزن كلامك مش مظبوط، هو فارس مهما كان اللي بينه وبين بابا الله يرحمه مشوفناش منه اي معامله وحشه بالعكس، ده فضل يعمل كل ده عشان يخرجنا من عند غسان و...




قاطعه الآخر رافضا حديثه:

-كان بيأمن نفسه وعيلته، وزي ما باع عاليا في الاول ممكن عادي جدا يبعنا دلوقتي لو مصلحتنا جت على مصلحته.




حاوره آسر وهو  رافضا لهجوم أخيه الغير مبرر:

-برده مش صحيح، فارس ضحى بكل حاجه عشان عيلته كلها من اول مراته وولاده لحد كل فرد من عيلة الفهد، حتى عاليا اللي انت شايفها مظلومه أوي دي وقف جنبها بالرغم من كل اللي سمعناه منها وعملته معاه.




حرك رأسه بنفور وهو يضيف:

-دي هي اللي حكت لنا بنفسها عملت ايه معاه وايه اللي وصل الحال بينهم لكده، ومع ذلك هو لآخر لحظة واقف معاها حتى لما هي اللي باعته اكتر من مره، وحط نفسك مكانه يا يزن وخليك حقاني، لو حد خطف مراتك ولا حاول يقتل ابنك ولا حاول يلبسك جنايه زي المصايب اللي عملتها عاليا كنت هتفضل تصلح فيه؟ ده انت مش بعيد كنت قتلتها.




لم يعجبه حديث شقيقه الأصغر فهم بالرفض ولكن الأول لم يمهله فرصه وهو يكمل:

-محدش هنا غريب وسطنا، وانا وماما عارفينك وعارفين طبعك كويس جدا، طبعك حامي واسلوبك صعب ولو أنت اللي كنت مكان فارس كان زمانك قتلتها من وقت ما عرفت إنها سلمت نفسها لراجل في الحرام ورايحه بكل جبروت تلبسها لفارس كمان عشان يتجوزها.



سحب شهيقا بعمق وطرده بحيرة وصمت عن الحديث وهو شاردا بنظراته للأمام فهمست والدته بحب:

-حبيبي يا بني، ربنا أكيد هيقف معنا عشان احنا معلمناش حاجه وحشه لحد، ده وأنا لسه في عز شبابي ووقت ما عرفت بعمايل ابوكم قررت ابعد وابعدكم عن المال الحرام اللي كان عايزنا نعيش بيه وعمري ما فكرت غير فيكم.


احتضناها وهي تكمل سردها لماضيها:

-فكرت ابعدكم عن كل شر ممكن يجيلنا من وراه وبرده مسلمناش منه، الله يسامحه.


بكت وهي داخل حضن بكريها فربت عليها بحنان وتمتم بضيق:

-العيلة دي كلها مفيهاش حد كويس بجد، أنا مش حاسس بأي انتماء لهم عشان كده بفكر جديا اول ما المشكلة دي تتحل نبيع اسهمنا لفارس ونبعد خالص عنهم.


حاول شقيقه الأصغر أن يرفض اقتراحه ولكنه آثر على الصمت حتى لا يثير موضوع آخر للنقاش قد يستغرق ساعات وربما أيام لحله واقناعه به


❈-❈-❈


استيقظ على أشعة الشمس التي اخترقت جفنيه فأغلقهما بقوة مستنكرا صوت فتح الستائر الإلكترونيه وصوتها الذي يخترق اذنيه:

-يلا حبيبي صلاة الجمعة هتبدأ خلاص


اعتدل بكسل وجلس على الفراش ناظرا لها بخمول قائلا:

-اليوم الوحيد اللي بنام فيه كام ساعه زياده يا شوشو.


جاهد لفتح عينه وهو يسألها بعد أن وجدها لم تتخط العاشرة صباحا:

-بتضحكي عليا؟ نفس ماما أيام الجامعة، اصحي يا ساجد هتتأخر ع الجامعه الساعه بقت 1 وافتح عيني الاقيها 6 الصبح.


ضحكت وضحك معها يسألها باهتمام:

-بس انتي صاحيه بدري ليه كده يوم الجمعة؟


أجابته مبتسمة:

-هو انا بقيت بنام أصلا من فارس الصغير.


اتسعت بسمته وتحرك صوب فراش الصغير فوجده يغط بنوم عميق فالتفت رافعا حاجبه ومتعجبا:

-ما الراجل نايم أهو بياكل رز مع الملايكه.


ضحكت وهي تقترب بدورها معقبة:

-آه بعد ما صحى طول الليل وأنت في سابع نومه.


سحبها داخل حضنه وانحنى يقبلها من عنقها وهو يسألها:

-الجميل بيحلو كل يوم ليه كده عن اللي قبله؟


شعرت بالخجل من غزله فعضت على شفتها وهي تجيبه:

-دي عينك هي اللي حلوه.


تركته وابتعدت وهي تخبره:

-فوق بقى والبس عشان معزومين عند بابا انهارده متنساش.


أومأ وهو يتحرك صوب المرحاض متسائلا:

-مامتك هتغدينا ايه يا ترى؟


ناولته المنشفه قبل دخوله وهي تجيبه:

-طاجن الكوارع بورق العنب اللي بتحبه.


ضحك وهو يقبلها قبلة عميقة هاتفا بفرحة:

-ايوه بقى، تسلم ايديها مقدما



تابع قراءة الفصل