-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 1 الجزء 2

  قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الأول 

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة


ظلت تداعب وجهه بطرف أناملها وهو يجاهد لفتح عينه فاستمع لصوتها بجوار أذنه:

-يلا يا كسلان اصحى.


غمز لها وهو يقول ببسمة واسعة:

-انا اللي كسلان برده؟ أنا نايم بعد صلاة الفجر يا روحي وأنتي كنتي في سابع نومه.


تحركت من جواره وهي تحرك كتفيها بدلال:

-أنت حر هتتأخر على صلاة الجمعة.


جلس يفرك عينه وهو يتنفس بخمول:

-خلاص صحيت يا سلطانه.


فور أن هم بترك فراشه وجد هاتفه يرن برقم غير معلوم بل وخفي؛ فعلم على الفور أنه من ابني عمه الراحل فأجاب فورا:

-السلام عليكم.


رد الطرف الآخر:

-وعليكم السلام، ازيك يا فارس؟


أجابه بعد أن ترك الفراش ووقف متجها للمرحاض:

-الحمد لله يا يزن، أنتو عاملين ايه؟ مفيش اخبار لسه عن القضية؟


ضحك الآخر ساخرا وهو يجيبه:

-ده انت معندكش معلومات خالص، واضح إن الموضوع مبقاش يخصك.


غسل وجهه بالماء وخرج رافعا حاجببه متعجبا من هجوم الآخر بحديثه، ولكنه تمالك نفسه ورد بهدوء:

-لأ متابع يا يزن وعارف أنها اتأجلت لأجل غير مسمى، بس قولت يمكن يكون وصلك اخبار جديده.


قوس يزن فمه وهو ينفي:

-لأ مفيش، وخلاص بجد انا زهقت ومليت من الحياة دي وعايزك تشوف لنا حل.


مسح وجهه بالمنشفة وسأله وهو يعود للجلوس على طرف الفراش يشير لزوجته حتى تجهز له ملابسه:

-حل لأيه بالظبط؟ أنتوا كده في أمان لحد ما..


صاح يزن يقاطعه:

-أمان ايه اللي بتتكلم عنه يا فارس؟ هي الحبسه دي اسمها أمان؟ لو انت شايف كده ما تيجي تتحبس معانا اهو حتى نشوفك يا أخي.


صر فارس على أسنانه وتكلم بصوت غليظ وحاد:

-يزن، مش محتاج انبهك إن مينفعش تتكلم معايا بالنبرة دي، انا مش مقصر معاكم في حاجه وهي ظروف مؤقته و...


عاد لمقاطعته وهو يرفض حديثه:

-لاااا معلش بقى، انت لو عشت اللي عشناه من خطف وحبس وتعذيب وبهدله، وبعد كل ده نفضل مهددين وكمان محبوسين هنا مكانش هيبقى رد فعلك بالبرود ده.


وقف فارس هادرا به:

-احفظ لسانك يا بني آدم متخرجنيش عن شعوري معاك.


اقتربت ياسمين منه تحاول تهداته فهمست بصوت منخفض:

-اهدى شوية يا فارس.


رمقها بنظرة غاضبة زفرت بسببها فورا وتركته وهو يصيح بالطرف الآخر:

-أنت فاكر إن الموضوع خلص على كده وأنا سايبكم في المنفى ده لوحدكم؟ أنا كل يوم في مشاكل لا حصر لها وأنا بجاهد من كل ناحيه عشان الموضوع ده يتحل.


وعلى الطرف الآخر سحب آسر الهاتف من راحة شقيقه الغاضب واستمع لحديث فارس وعقب عليه بهدوء:

-عارفين والله يا فارس انك بتحاول، بس انا ويزن شايفين إن وجودنا هنا ملوش لازمه لأننا مش نقطة تهديد للناس دول خلاص.


هدر يزن وهو بجواره مضيفا:

-ولو كنا نقطة تهديد ليهم فأحنا مش هنكون اعداء لهم زيه، هو اللي اخد فلوسهم وكشف الراجل بتاعهم مره واتنين وزي ما عارف يحمي نفسه يحمينا ويخرجنا من هنا.


حك فارس لحيته وهو يستمع لصوته الغاضب ونبرته العالية التي هو بعيدا كل البعد عن اعتيادها من أي ما كان، ولكنه تفهم سبب حنقه وحدته ولأول مرة يجاهد غروره وعصبيته ويتحدث بهدوء:

-خلاص يا آسر هدي أخوك وانا هتصرف واجيبكم وسطنا.


استحسن آسر حديثه وبلغ شقيقه بالأمر فهدأ الأخير ولكنه عاد ساحبا الهاتف من يده وسأله بحدة:

-وعاليا؟


زم فارس شفتيه للأمام وقال بشكل متوارٍ:

-لما اخلص موضوعكم الأول أبقى أشوف الباقي يا يزن، اهدى كده وترجعوا عن قريب إن شاء الله.


اغلق معه وهو يشعر بالضيق ليس فقط من طريقته الحادة معه بل لمجرد ذكر اسمها بالحديث الذي أصبح يؤرق حياته ويهدد استقرارها.


اقتربت ياسمين منه من جديد وبحذر شديد وجلست بجواره تمسح على رأسه وتداعب شعره وهي تهمس متسائلة:

-لسه متعصب؟


التفت ينظر لها بأسف على نظراته الحادة التي رمقها بها منذ قليل وابتسم وكأنه بذلك يعتذر منها؛ فبادلته البسمة بعد أن تاكدت انه هدأ واكملت حديثها:

-يمكن أكون مش برتاح لما بتيجي سيرة ولاد مروان الفهد وأنت عارف السبب، بس برده ملتمسه لهم العذر وعارفه انهم شافوا كتير عشان كده طول بالك معاهم شويه.


قبل راحتها وسالها بحيرة:

-يعني انتي بتضايقي منهم؟ 


حركت كتفيها بحيرة وهي تجيبه:

-مش عارفه، يمكن اكون بخاف يكونوا زي ابوهم.


هدأ تماما ومسك راحتها يضعها على وجهه وطمأنها بصوته الآسر:

-متقلقيش، يزن وآسر بعيد تماما عن أي شبهات ويمكن يكونوا مش شبه أي فرد في عيلة الفهد وده لأنهم اتربوا بعيد عن العيلة خالص.


أومأت له مؤيدة فوقفا وتحركا لأسفل بعد أن استمعا لصوت الآذان يصدح بالخارج فتحدث بعجالة:

-أنا يدوب ألحق الصلاه.


خرج فورا فجلست هي بالحديقة بعد أن مرت سريعا على صغيريها وأمسكت هاتفها لتتحدث مع توأمها الروحي فأجابت الأخيرة بعد عدة رنات فما كان من ياسمين إلا أن صاحت بها:

-ما تردي يا بنتي انتي لسه نايمه ولا ايه؟


اجابتها بفتور:

-لأ يا ستي صاحية من بدري بس ماما بقى عامله حاملة نظافه زي عادتها عشان شيرين وساجد جايين ع الغدا، وكمان راحت عزمت عمك وعمتك وباقي العيلة الكريمة عشان يتهد حيلي معاها في المطبخ.


ضحكت ياسمين على تذمرها وعقبت ساخرة:

-الحمد لله الذي تاب علينا، كانت فحتاني معاها كل جمعة.


استمعت لصوتها المستفز وهو تستدعي ابنتها:

-يلا يا نرمين مش وقت تليفونات، ياسمين عندها الخدم حوالين منها ومش ناعيه هم حاجه.


ردت نرمين بضيق:

-حاضر يا ماما أنا ملحقتش أتكلم.


سألتها ياسمين بحيرة:

-انتي صوتك مضايق ليه؟ حصل حاجه؟


نفت كذبا:

-لأ، بس تعبت من التنضيف.


رفعت ياسمين حاجبها بغير تصديق وتكلمت بنبرة توحي بذلك:

-عليا انا؟ العبيهم على حد غيري، حصل ايه انطقي؟


ردت وهي تحرك بعيدا عن مسامع والدتها:

-تخيلي استلم رسالة الصبح من مالك بيقولي فيها أنا مش هقدر أدفع المؤخر.


لم تفهم مغذى حديثها فسألتها:

-استنى بس، هو انتي مش عملاله بلوك؟


أومأت وكأنها تراها وأجابت موضحة:

-أيوه طبعا، بس باعت الرسالة من رقم غريب.


حكت ياسمين رأسها وهي تتسائل بحيرة:

-طيب مؤخر ايه ده؟ هو انتي طلبتي منه مؤخر؟


نفت برأسها وبصوتها معا:

-ولا اتكلمت فيه، بس هو عارف أنه لازم يدفعه عشان هو اللي راح طلق من نفسه مكانش طلاق بالابراء يعني فانا ليا حقوق عنده هو عارف لو طلبتها هيروح في داهيه.


تنهدت ياسمين بحزن على حالها وقالت بصوت جاد:

-ردي عليه وقوليله مش عايزه منك حاجه.


رفضت الأخرى بصوت حاد:

-لأ طبعا انا هاخد حقوقي وده يبقى تمن بسيط اوي للبهدلة اللي شوفتها منه ومن اخوه وأهله.


حاورتها تسألها:

-انتي مستعدة للدخول في الحوارات دي يا نرمو؟ ما تتنازلي وخلاص وابعدي عن القرف ده وفوقي لنفسك شويه.


رفضت وكأنها بذلك تستعيد نفسها:

-ده أقل من حقي يا ياسمين انتي بتتكلمي ازاي؟ أنا عارفه أنك لما كنتي مكاني اتنازلتي، بس أظن وضعك كان مختلف عني وكنتوا لسه بتحبوا بعض لكن انا كنت هضيع من عمايل اخوه وهو لحد اللحظة دي مش مصدق.


لمعت عين ياسمين من مغذى حديثها وسألتها بلهفة:

-هو انتي كلمتيه؟


أكدت عليها:

-ايوه بعت له فويس قولت له لو كان صدقني مكانش الوضع وصل لكده وطالما هو راح طلقني بالشكل المهين ده فأقل رد مني هو اخد حقوقي على داير المليم.


صمتت وهي تصر على أسنانها قائلة بضيق:

-عارفه رده كان ايه؟ أنه عمره ما هيبديني على اخوه حتى لو كان كلامي حقيقي، وبرده مش مصدقني يا ياسمين أنا خلاص هتجنن وعايزه اكشفله اخوه بس عشان اشفي غليلي منهم هم الاتنين.


طال صمت الأخرى فسألتها نرمين:

-انتي ساكته ليه؟


ردت بتردد:

-بفكر


سألتها مجددا:

-ايوه بتفكري في ايه؟


أجابت بحيرة:

-تفتكري لو كشفنا أنس لمالك رد فعله هيكون ايه، وانتي ساعتها ممكن تفكري ترجعيله؟


ردت بثقة وتأكيد:

-رد فعله ميهمنيش، ولو كشفناه وهو أخيرا صدق عمري ما هفكر ارجع له مهما عمل، مالك صفحة انا حرقتها من حياتي مش قطعتها.


ترددت بسؤالها ولكنها اتخذت قرارها بالنهاية وسالتها:

-أنا دايما شايفه إن فارس مضايق ان موضوع مالك اتقفل على كده وعلى طول بيقولي انه عايز يعمل حاجه يدفعهم تمن اللي حصل بس انا على طول بقوله انك صاحبة الشأن وملناش نتصرف من غير موافقتك، بس اللي عايزه اعرفه منك هل فعلا عايزه ترجعي حقك بالشكل اللي بتقوليه ده؟


أجابتها بتأكيد:

-أيوه، وموافقه على أي حاجه فارس عايز يعملها لاني عارفه انه مش هيسكت إلا لما يرجعلي حقي، أنا بس عارفه أنكم مش بتلحقوا تفوقوا من المشاكل عشان كده سكت كل الفترة دي.


ابتسمت ياسمين وهي تعقب:

-وهي مشكلتك دي تتحسب من ضمن المشاكل برده يا نرمو؟ دي جنب المشاكل ولا حاجه.


تنهدت وهي تضيف:

-نفسي فارس يرتاح من المشاكل، أنا خايفه عليه أوي على طول تعبان خصوصا الفترة الأخيرة ضغطه بقى بيعلى دايما ونظره ضعف وتركيزه قل ودي أعراض وحشه اوي مع ذلك بيقاوح ومش عايز يريح نفسه.


ردت تؤازرها:

-فارس كبير عيله يا ياسمين وكبير العيلة مش بيرتاح، بس انتي حاولي تخففي عنه على قد ما تقدري وكل فتره كده خديه وابعدوا زي ما عملتوا قبل كده عشان يقدر يكمل.


هزت رأسها باستحسان وهي تخبرها:

-هو حاجز للحج السنه دي ومُصر ياخدني معاه.


تعجبت وهي تسألها:

-وهو حد يطول يسافر الحج؟


وضحت وجهة نظرها:

-أنا فاهمة فارس كويس، هو عايزني معاه عشان اتحجب واتكلم معايا في الموضوع كذا مره بس انا حاسه اني مش مستعدة لسه للموضوع ده.


اراحت نرمين رأسها على ظهر الأريكة وقالت:

-والله انا موضوع الحجاب ده شايفه اننا اتأخرنا فيه اوي يا ياسمين، ما تيجي نشجع بعض ونلبسه سوا.


بللت شفتيها وهي تهم بانهاء الحوار معها:

-بقولك ايه، روحي شوفي طنط هدى بدل ما تقولك ياسمين عطلتك ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين.


❈-❈-❈


عاد من الصلاة دالفا ڤيلته ماشيا على قدميه فوجد أمجد أمامه ينظر له باحترام وسأله بتوتر:

-باشا، هو حضرتك خرجت امتى؟


أجابه بصوت حاد:

-وقت الصلاه ومكانش فيه فرد أمن واحد واقف ع البوابه، طبعا الهرجلة دي مش بتحصل إلا في غياب زين ولو انت مش قادر تشيل مكانه يوم أجازته عرفني وأنا اجيب اللي يقدر يشيل.


ارتبك وابتلع ريقه وهو يستمع لتوبيخ رب عمله الحاد:

-بالوضع ده ترجع جارد خاص لمراتي وأشوف حد اكفأ منك يتناوب على الشغل مع زين.


ظل مطرقا رأسه ولم يرفع بصره صوب فارس الذي أكمل توبيخه:

-خصم ليك ولكل الجاردات اللي عندهم مداومه انهارده.


أومأ باحترام فاضاف فارس:

-جهز ورق الخصم وحطه على مكتب زين عشان يمضيه لما يرجع من اجازته، وشوف شغلك كويس بدل ما تضطرني اعاملك معامله مش هتعجبك يا أمجد.


تركه وتحرك للداخل فوجد زوجته لا تزال بالحديقة؛ فجلس بجوارها ليجدها شاردة لم تشعر بمجيئه فتنحنح ساعلا بصوت قوي لتنتبه له فسألها بقلق:

-مالك يا سلطانه؟


ردت بضيق:

-زعلانه أوي على وضع نرمين يا فارس، عارف انها عيزاك ترجع لها حقها من مالك وأخوه الندل ده.


رفع شفته للجانب بامتعاض وهو يتحدث بحدة:

-It's about time.


حركت رأسها متضايقة وهي تخبره:

-أنا عارفه أنك شايف انها اتأخرت بس نرمو معذوره برده اللي حصل مش سهل.


وافقها وهو يضيف:

-بس استنت كتير اوي على حقها، والحمد لله انها فاقت ورجعت لنرمين بتاعة زمان، المهم دلوقتي تسأليها إذا عيزاني اتصرف بمعرفتي ولا هي عايزه حاجه معينه!


صمت لحظة وأضاف موضحا:

-في العادي مش بستنى رأي حد بس انا عاطي نرمين الاستثناء ده عشانك انتي يا سلطانتي.


ابتسمت فورا وجلست على قدميه تقبله بحب وتشكره:

-مش عارفه اقولك ايه يا فارس، أنا بجد مش لاقيه كلمة شكر كفايه على كل حاجه عملتها عشان خاطر أهلي.


بادلها القبلة ورد وهو يخلل أصابعه بشعرها الطويل:

-كله يهون عشان خاطر سلطانة قلبي اللي بقيت مقدرش ابدا اتنفس من غيرها.


انهى حديثه بقبلة عميقة مؤججة للمشاعر بادلته إياها بشغف وحب لم ينضب أبدا.


❈-❈-❈


دلفت تلك الغرفة الملحقة بفيلته والتي تنتصفها طاوله مستطيلة خضراء بها العديد من الكرات أو ما تسمى بطاولة البليارد؛ فوجدته يستند على طرفها ممسكا بأحد الكرات يحركها بشكل عفوي وهو يركز بصره بالهاتف بيده الأخرى فتمتمت بتذمر:

-أنت سايبني وواقف هنا بتعمل ايه لوحد؟


انتبه لوجودها فترك ما بيده ورد:

-شويه شغل كده بخلصهم.


تعجبت وسألته بفضول:

-شغل ايه ده؟ وهنا! في صالة البلياردو.


ابتسم وهو يتحرك ناحيتها مجيبا تحقيقها:

-يا ستي كان معايا تليفون ورجلي اخدتني على هنا وبعدها ركزت في الايميل اللي اتبعتلي.


تعلقت برقبته فحملها وأجلسها على الطاولة فتدللت تسأله:

-يعني مش بتكلم بنات من ورايا؟


ضحك عاليا وهو ينفي برأسه:

-ولا بنات ولا بنين يا روحي.


انحنى مازن على الفور بطوله الفارع والذي حتى بعد ان وضعها على تلك الطاولة العالية نسبيا كان لابد عليه ان ينحنى هكذا حتى يصل لمستوى وجهها لينظر داخل عينيها مبتسما وهمس وشفتيه تتلامس مع خاصتها:

-مازن الفهد مبقاش عايز ست في حياته غير چنى الفهد اللي قدرت تخليه يحبها للدرجه اللي بيها مبقتش أشوف غيرك.


اسند ظهرها بيد وباليد الأخرى مسح برقة على بطنها المنتفخ وهو يكمل:

-وابننا اللي جاي عايزه يشوف أبوه وأمه بأحسن صوره.


قبلها فورا قبلة عميقة ومؤججه للمشاعر بادلته اياها فلم يفكر حتى بحملها والصعود بها لغرفتهما، بل مارس حميميته معها هنا وعلى نفس طاولة اللعب والكرات تتخبط بجوارهما وكأنها تتراقص على أصوات شغفهما المتقد عشقا.


❈-❈-❈


شاردة أمامها بصورته التي رسمتها داخل عقلها، صامته لا تتحدث ولكن صخب عقلها كان وكأنها داخل مباراة لا يسمع فيها سوى أصوات التشجيع العالية؛ فكانت تفكر وتفكر، تضحك تاره وتبكي أخرى تبتسم لحظة وتدمع لحظة، تتذكر ومضات من ماضيها وهي طفلة تربت وكبرت على حبه وعشقه الذي لا ينتهي بداخلها مهما حاولت انهاءه.


اغلقت عينها وفتحتها عدة مرات وهي تجد طيفه أمامها تحاول بشتى الطرق أن تمحي صورته التي تحتل عقلها دون جدوى.


ظلت تفرك عينيها مرارا وذلك الطيف يتضح لها أكثر وأكثر كلما فركتهما بقوة، وكأن عقلها أبى أن تشفى من ألم عذابه:

-ازيك يا عاليا؟


الآن أصبحت تهذي أيضا بصوته الذي اخترق اذنيها، فما بالها تجن يوما بعد يوم حتى أصبحت تبصره وتسمعه وتشعر بلمساته وتشتم رائحته المسكرة!

-مش عايزه تردي عليا؟


انتبهت لصوت الطبيب يعقب:

-للاسف هي مبقتش ترد على حد خالص مهما حاولنا يا فارس باشا.


لمعت عينيها واحمرت حدقتيها، فهل حقا هو هنا بشحمه ولحمه وليست خيالات من نسيج عقلها المريض به؟ اعتدلت بجسدها ترمقه بنظرات جامدة وهو يرد على حديث الطبيب المرافق له:

-سيبهالي وأنا هعرف اخليها تتكلم.


صرت على أسنانها بغل، فمن أين له بتلك الثقة على جعلها تفعل ما لا ترغب به؟ هل أصبح يتحكم بها كدمية من دمى الماريونيت تتحرك بخيوط مثبته باصابعه؟


لحظة واحدة، لماذا تمنت الآن أن تصبح دمية بالفعل تتعلق باصابعه فقط حتى تصبح بالقرب منه ولو لبعض الوقت! كم جن جنونها من عشقه الذي لا تستطيع الخلاص منه؟


جلس بجوارها بحضور الطبيب الذي رفض المغادرة وهو يؤكد:

-متأسف يا فارس باشا، أنا عارف حالتها كويس ومش أمان ابدا اسيبك لوحدك من غير متابعة لأن أي كلمه مش محسوبه ممكن توقعنا في نكسه احنا في غنى عنها.


أومأ وهو يلعن بداخله تساهله الذي أصبح عيانا للجميع؛ فجعل الكثير ممن كانوا يرتعدون خوفا منه أن يتخطوا معه الخطوط الحمراء التي وضعها لتعامله مع الجميع، ولكن الآن قد عُرف عنه بلين القلب وهو ما أصبح يبغضه أكثر من أي شيئ ولا يستطيع تغييره.


سحب نفسا عميقا وطرده بحدة وهو يردد حديثه معها:

-عامله ايه دلوقتي يا عاليا؟


لم تجب بل ظلت ترمقه بتلك النظرات الكارهة التي تتنافى مع ما تشعر به بداخلها لمجرد جلوسه هكذا بجوارها، ابتسم بضيق وهو يقول:

-لو مردتيش عليا همشي.


لم ترد فوقف مهندما سترة بدلته واحكم ربط رابطة عنقه وتجرك للخارج ولكن صوتها أوقفه عن استكمال سيره للخارج عندما صرخت:

-متمشيش.


التفت بسرعة ناظرا لها ببسمة حذرة حتى لا تفهمهما خطأ ويعود يعاني معها الامرين؛ فعاد جالسا بجوارها وتكلم على مرأى ومسمع من الطبيب:

-حمد الله ع السلامه، قلقت عليكي لما بلغوني ان بقالك عشر ايام متكلمتيش.


تنهدت وهي تجيب باكية:

-وايه فايدة الكلام ومحدش بيسمعني.


اغلق عينه وزم شفتيه فعقبت على ملامحه الواجمة:

-عارفه انك جاي غصب عنك عشان الهانم بتاعتك متزعلش، بس انا خلاص تعبت ومش قادره استحمل اكتر من كده يا فارس، عشان خاطري طلعني من هنا 


رفض متمتا بضيق:

-أخرجك عشان تعملي عمايلك دي تاني؟


صرخت بحرقة:

-منا حاولت انتحر كذا مره وكل مره بتلحقوني، طالما محدش عايزني سيبوني اموت واروح لأمي هي اكيد عيزاني.


رمقها من خلف جفنيه المحتقنين وهو يسأل بدهشة:

-وهو انتي لو موتي نفسك هتروحي لمامتك؟ لو نجحتي في اي مره هتدخلي النار يا عاليا فانتي بقى مستعده لعذاب الآخره عشان مش مستحمله الدنيا.


ردت مؤكدة:

-مش مستحمله الدنيا اللي انت مش معايا فيها يا فارس، انا تعبت اوي.


بكت بقهر وانحنت بجسدها قاصده أن تضع رأسها على كتفه، ولكنه ابتعد قليلا فانتبهت لرفضه فزاد بكائها وهي تقول:

-حتى انك تواسيني وتاخدني في حضنك زي زمان مبقاش متاح، يبقى اعيش ليه بس؟


أجابها وهو يرمقها بنظرة قويه:

-تعيشي عشان تكفري عن ذنوبك يا عاليا عشان لما ربنا يأذن تروحيله تبقى نظيفه، فكري بعقلك شويه وسيبي مشاعرك وعواطفك اللي جابت لنا المصايب دي كلها.


تنحنح الطبيب وكأنه ينبهه انه قد تخطى حاجز الأمان بحديثه؛ فحاول فارس أن يتدراك نفسه وهتف مغايرا للحديث:

-صحيح نسيت أقولك إن المحامي بتاع غسان الصباغ فتح وصيته ولقاه كتب لك نص ثروته والنص التاني كتبه لبنته أو اللي كنا فاكرينها بنته.


ابتسم وهو يخبرها:

-بقيتي أغنى مني يا عاليا.


ضحكت ساخرة وهي تسأله:

-وهو انت خليت حيلته حاجه؟ ما أنت اخدت كل فلوسه اللي في حسابه.


غمز نافيا وهو يوضح لها:

-ده طلع عنده اكتر من حساب ده غير العقارات والشركات والمصانع، الحاجه الوحيدة اللي عرفت اتفاوض بيها مع المحامي هي أسهم الشركه مقابل الفلوس اللي سحبتها من رصيده وفعلا سلمت الفلوس للانتربول وهو تمم الصفقه.


سألته باهتمام:

-وخساير المصنع اللي اتحرق؟


رد وهو يبتسم لاهتمامها:

-هو بنفسه كان محول لي مبلغ محترم اليوم اياه عشان الخساير دي ودلوقتي كل الاسهم رجعت لايد عيلة الفهد من تاني ومنها اسهمك يا عاليا، بس الجديد بقى إن مازن وساجد بقى لهم اسهم هم كمان ووزعت اسهم ولاد مروان بالعدل بينهم ومبقاش في مستثمرين أغراب بينا.


سألته بحيرة:

-ازاي؟ كل المستثمرين باعوا؟ طيب مين اللي قدر يشتري كل الاسهم دي متقوليش مازن وساجد!


رد غير منتبه لذله لسانه:

-وأنا اشتريت جزء كبير وياسمين استثمرت كل فلوسها ف...


صمت فور أن وجد عبراتها تنزل على وجنتيها وعقبت بصوت ضعيف:

-هي خلاص بقت رسمي من عيلة الفهد، بتقول مفيش أغراب بينا بالرغم من وجودها.


تمالك نفسه وهو يهدأها:

-ياسمين أم ولادي يا عاليا، تبقى ازاي غريبه؟ فريده هانم مش من عيلة الفهد بس هي من اصحاب الأسهم لانها كانت متجوزه بابا الله يرحمه ، يبقى بالعقل كده أم ولاد فارس الفهد غريبه؟


نفت وهي تصر على أسنانها فحاول من جديد تغيير مجرى الحديث فسألها:

-ها، ناويه تعملي ايه بالفلوس دي كلها؟ أنا لو منك افتح شركة اجهزة منزليه وأضارب في الفهد والعالمية.


ضحكت وضحك معها فنظرت له بحب وغزل وهي تعقب:

-وأنا مستحيل أقف قصادك يا فارس.


أومأ عدة مرات بفروغ صبر ووقف مستعدا للرحيل فلحقت به تتعلق بذراعه تتوسله:

-خليك معايا شويه.


ارتبك من تعلقها به بهذا الشكل وانزل راحتيها بهدوء وهو يخبرها:

-معلش يا عاليا مشغول أوي اليومين الدول، بس اكيد هجيلك تاني.


تحرك فتبعته من جديد ترجوه:

-متتاخرش عليا زي كل مره يا فارس، أنا مليش غيرك.


التفت مبتسما لها وأومأ فهرعت ناحيته تحتضنه وتتعلق برقبته وهو يمسكها من ذراعيها محاولا فك حصارهما عن عنقه، ولكنه استسلم بالنهاية لذلك العناق وهي تبكي وتحدثه برجاء:

-متحاسبنيش على غلطاتي اللي كانت بسبب حبي ليك، أو أقصد جنوني بيك يا فارس عشان أنا مش بحبك أنا مجنونه بيك.


أنزل ذراعيها المحاوطة لعنقه ووضع راحته خلف رأسها وقربه منه وقبلها من جبينها، وعندما هم بالابتعاد قفزت من جديد تتعلق به وهي تدفع ثغرها بثغره تقبله قبلات متتاليه قوية وهي ملتصقة به ولم تتركه حتى بعد محاولاته البائسة الابتعاد عن ملمس شفتيها.


همس وهي لا تزال متعلقه به وواضعة رأسها على صدره:

-ميصحش كده يا عاليا إحنا مش لوحدنا.


رفعت وجهها تنظر له بحب وبسمتها تتسع لاذنيها قائلة بجرأة ودون حرج:

-كان نفسي اوي من زمان أبوسك ولو سألوني نفسك في ايه وآخر نفس بيخرج من جسمك هقول لهم اني ابوسك تاني.


لم يجد لا رد ولا مهرب مما هو فيه فابتسم وابعدها بقوة انامله عن صدره واتجه للخارج برفقة الطبيب بعد أن لحق به وحدثه بعملية:

-طبعا زي ما حضرتك شايف إن مدام عاليا حالتها بتسوء اكتر وأكتر فأنا شايف انك تحاول تنفذ لها شوية من طلباتها عشان بس نبعد شوية عن محاولات الانتحار المتكرره.


سأله رافعا حاجبه لأعلى:

-طلبات زي ايه؟


رد وهو يضع يديه بجيب سترته الطبيه البيضاء:

-مثلا زي الزيارات، والمكالمات ومش هيجرى حاجه لو عملت زي ما حصل انهاردة وتسيبها تحس إنك متقبلها ولو ببوسه صغيره.


زافرا بضيق أومأ له وخرج ليركب سيارته بعد أن فتح له حارسه بابها وركب بالأمام وقاد سائقة وهو يسأله بتوتر من شكله المخيف:

-على فين يا باشا؟


أجابه فورا ودون تفكير:

-ع البيت.


تردد زين لمحادثته بأمره المؤجل منذ ما يقرب من ثمانية اشهر الآن منذ بداية معرفته بعلاقته، فابتلع ريقه وهو يسعل ليجلي حلقه والتفت ناظرا لشروده وتكلم متسائلا:

-باشا؟!


نظر له الأخير وحرك حاجبيه ووجهه بمعنى ماذا؟ فرد الأخير يسأله:

-بال سيادتك رايق اتكلم مع حضرتك؟


استند بمرفقه على نافذة السيارة واسند راسه على راحته وهو يزفر متحدثا بتعب:

-اتكلم يا زين، متستناش بالي يروق لانه من الواضح كده مفيش أمل أنه يروق ابدا.


تمتم زين مناجيا ربه:

-ربنا يروق بالك يا باشا.


أمن عليه:

-آمين.


تكلم زين وهو يتلعثم بحديثه:

-باشا، جنابك عارف ان دعاء بقالها فترة مستنيه ووالدها كلمني كذا مره وأنا مستني بس ان حضرتك تديني ميعاد نروح فيه.


احكم قبضيته بقوة وهو أكثر ما يكرهه سيرة تلك الفتاة وشقيقها الأرعن، ولكنه مضطر أن يفي بوعده لرجله وحارسه فقال بضيق:

-خلاص يا زين، خلينا نروح لهم الجمعة الجايه، بلغهم وانا هبلغ ياسمين عشان تستعد.


اتسعت بسمته على الفور وظل يشكره:

-ربنا يخليك لينا يا باشا والله ما عارف اودي جمايلك دي كلها فين.


أشار له بفروغ صبر:

-خلاص يا زين بقى بلاش رغي وانزل من على وداني شويه.


وصل ڤيلته فاستقبلته ياسمين ببسمة مشرقة وهي تغمز له بحب:

-عارف مين جوه؟


حرك رأسه بمعنى لا؛ فاقتربت منه تهمس له باذنه:

-عمر الباشا وخديجة الباشا.


ابتعد يبتسم لها بحبور، ولكنها كان لها رأي آخر بعد أن اشتمت تلك الرائحة التي تعلمها جيدا بل ورأت تلك الحمرة التي لطخت ياقته وجزء من سترته؛ فظلت واقفة أمامه تتنفس بحدة وهو يحاول فهم ما بها:

-مالك؟ يلا عشان ارحب الضيوف.


لم تحرك قيد انملة فابتلع ريقه بعد أن تأكد أنها شغلت قرون استشعارها وعلمت بزيارته لعدوتها اللدودة؛ فانحنى يهمس لها برجاء:

-خلينا نرحب بضيوفنا وبعد ما يمشوا هفهمك كل حاجه بهدوء وعقل.


بكت رغما عنها فلم يتمالك نفسه ورفع نبرة صوته عاليا فانتبه لهما عمر وخديجة:

-وبعدين معاكي يا ياسمين؟ لحد امتى هتفضل ثقتك فيا معدومة للدرجة دي؟


أجابته بعد أن اقترب عمر وزوجته منهما:

-مش قلة ثقة فيك يا فارس، بس ده تأكيد إني مسواش حاجه ابدا عندك لما حياتي كلها مطلبتش منك غير طلب وحيد وأنت مش قادر تنفذه.


لم يفهم كل من عمر وخديجة ما يدور أمامها فهمست خديجة لزوجها:

-عمر، تعالى نمشي، وجودنا ممكن يزود مشكلتهم.


أومأ لها بتفهم لتلك المراعية والذوق في جميع تعاملاتها فهما بالتحرك صوب الباب ولكن فارس اوقفهما:

-استنوا متمشوش، اقعدوا لحظات اغير هدومي وأنزل لكم وياسمين كمان هتهدى وتأجل نقاش لبعدين.


التفت ينظر لها بنظرات حادة وهو يؤكد:

-مظبوط؟


بكت وهي تتحرك معه لأعلى فأوقفه رنين هاتفه فأجاب فورا وبلهفة عندما وجد ذلك الرقم الذي يعلمه تماماً واستمع للطرف الآخر وهو يحدثه فلمعت عينيه وزاد تنفسه واحتدت نظراته وهو يعقب على المتصل:

-أنت بتقول ايه؟ مش ممكن.



يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة