رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 17 - 1
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل السابع عشر
وقفت مهرة على أرضية المرحاض الباردة و بطرف يدها مسحت جبهتها التي كانت تتصبب عرقًا من الجهد الذي استهلك طاقتها من ترتيب المنزل وصنع الطعام كالعادة كل يوم ، لكنها لا تعرف سبب زيادة الألم لها بشكل غير عادي، تجولت عيناها المرهقتان حولها و ضغطت على شفتيها السفلية لأنها شعرت بجفاف الحلق ولهثت بسبب القيء المستمر.
مددت يدها المرتجفة لتفتح صنبور الماء لتغتسل فرفعت عينيها أمامها ورأت فيه انعكاس المرآه شبحها وليس مهرة التي تعرفها؟ تحسست بحذر الكدمات الصغيرة على وجهها وهي تتأوه بأوهات صافية وتضغط على عينيها بشدة في محاولة لكبت بكائها و تنهداتها المكتومة كانت تختنق.. انهارت قوتها فجأة وهي تبكي بمرارة فآلامها النفسية أكبر بكثير .. فماذا فعلت بقصر عمرها لتنال كل ذلك العذاب .! فإذا ذاقت كل ذلك في صغرها ، فماذا سيكون القادم لها؟
الجميع جرحها وجعل روحها المضطربة تتلوى من الألم والآهات بكت بصوت مكتوم ، غير مدركة لمن تلجأ إليه ليحميها من غدر الزمن .. وعذاب القريب قبل الغريب، فعائلتها هي بنفسها من اوصالتها هنا مقابل تأسيس حياتهم دون التفكير فيها كأنها لا تعنيهم.
سمعت غلق الباب بالخارج لتعرف أن زاهر عاد،
لكن لم تخرج له و إدعت النوم لعلها تهرب من واقعها المخيف.. فليس بها أي ذرة أخــرى لتتحمل إعتداء وحشي منه فلم تتحمل تلك الحياة اللا آدمية مع حيوان لا يعرف الرحمة؟ فالعيشة مع أسرتها أسهل بكثير من أن تخوض ذلك العذاب اليومي والمذلة المهينة على يديه ، يكفي تعبها والمها التي لا تعرف مصدره حتى الآن !!.
في الخارج سار زاهر نحو الطاولة المليئة بالطعام، يكشف الغطاء عن كل طبق فوجد العديد من الأصناف التي صنعتها مهرة بعد مجهود كبير، مدد جسده فوق الأريكة بعد ان أشعل التلفاز و تناول قطعة دجاج بيده يأكلها بإستمتاع و لذة، ألتقط قطعة أخري و ملعقة أرز و القليل من المقبلات، ورغم ان هذه المره الاولى التي يتناول بمفرده دون مهره! لكن لم يهتم إليها ويتساءل لما وضعت الطعام هنا وتركته دون أن تأتي للتناول معه.
فكانت نفسه شهيا اليوم على غير العاده وذلك بسبب ضربه لطة، شعر بالتخمة و تناول المحرمة يمسح يديه ثم استمع الى صوت طرقات فوق باب منزله عنيفة، نهض زاهر علي مضض وفتح الباب وهو يقول بنفاذ صبر
= ما بالراحه على الباب هيتكسر في ايدك يا اللي بتخبط
وعندما فتح الباب اقتحمت وفاء بالداخل بملامح قاتمة، شعر بالدهشة قليلا ثم قال بمكر
= وفاء اهلا بيكٍ يا مراتي العزيزه..اتفضلي ده مهما كان بيتك برده في يوم من الأيام ولا نسيتيه؟
وقفت أمامه تنظر إليه بأعين مشتعلة ، وصرت على أسنانها وهي تهتف محتجة
= ايه اللي انت عملته في اخويا ده انا مش قلت لك ما تقربش منه تاني ولا تيجي جنبه انت ايه يا اخي شيطان ما عندكش دم ولا رحمه، سابقه وعملتها وحطيت جزمه في بقي وسكت وفضلت على ذمه واحد زيك مقابل انك تبعد عني وتسيبني في حالي وما تاذيش اي حد قريب مني.. ليه عاوز تكسرني باي طريقه وتحرمني من أخويا
حدجها بنظرات حـادة وهو يصدح بصراخ
قوي
= حيلك حيلك مالك داخله تزعقي وتشخطي فيا كده ليه، لا حسبي على كلامك يا وفاء عشان ما تزعليش مني وانتٍ جربتي زعلي قبل كده أكثر من مره ! أولا اخوكي هو اللي جالي لحد عندي وكان عاوز يرسم نفسه عليا ويعمل فيها راجل بس اهو خد على دماغه زي كل مره .. فبدل ما انتٍ جايه تزعقي فيا اقعدي جنب اخوكي الحيله وانصحيه انه ما يلعبش مع اللي اكبر منه عشان ما ياخدش على دماغه، واهو المره دي جت سليمه يا عالم اللي هيحصل المره الجايه ؟.
حـاولت أن تضبط إنفعالاتها فأخذت نفساً عميقاً وزفرته على عجالة وهي تردف بإحتقان
= انت كمان بتهددني عيني عينك باخويا، اسمعني كويس يا زاهر انا اخويا ارجل منك ومن عينتك كلها على الأقل ما بعنيش وفضل واقف جنبي .. انا سكتلك على حاجات كتير من اهانه وظلم فيا بس إلا أخويا يا زاهر .. حتى لو هموتك بايدي مش هخليك تاخده مني، والله لابلغ عنك المره دي و هتتحسب علي اللي عملته فيه، يا مفتري ده راقد في المستشفى وما اعرفش حالته ايه لسه من الدكاتره.
رد عليها باستهزاء وهو عاقد لحاجبيه بحدة
= حافظه نمره البوليس ولا اقولها لك ؟ تصدقي خفت وجلدي اترعش حتى المسيني كده وشوفي ؟.
تطلعت وفاء بحقد فيه وهو يتابع حديثه ببرود مستفز
= القسم عندك ومحدش منعك تروحي تبلغي عني، بس اعملي حسابك أن اخوكي هو اللي جه في منطقتي ومش هيلاقي شاهد واحد على كلامه ، يعني لمي الليله احسن ليكي عشان مخلصلكيش عليه المره دي فعلا .
غمغمت بصوت متجهم قائلة
= هو انا مش هعرف اخلص منك في حياتي أبدا ربنا ياخذك ويخلصني منك، انت اللي زيك عايش في الدنيا عشان يزود اعماله السيئه اللي هيتحاسب عليها ان شاء الله في اخرته .
وفي ذلك الاثناء خرجت مهرة من غرفتها بخطوات غير متوازنه لتري مع من يتشاجر زوجها، لتجد تلك السيده أمامها لمحتها وفاء لتنظر إلي مهرة بتعجب ثم خمنت أنها ابنه زوجتة الحاليه ، لتنظر له بـ حيرة متسائلة بفتور
= هي دي بنت مراتك غريبه يعني اتجوزت المره دي واحده ومعاها عيال .
ابتسم زاهر إبتسامة تشفي وقال بتحدي
= لا وانتٍ الصادقه دي مراتي نفسها، سلمي على ضرتك يا مهره دي وفاء مراتي الأولى !؟.
لم تتقبل ما تسمعه أو تراه أثر الصدمة التي وقعت علي رأسها، لذا أخذت تصرخ بعدم تصديق
= مرات مين انت اتجننت ولا ايه؟ هو خلاص مخك فوت دي عيله صغيره؟ دي آآ شكلها صغيره أوي انت متجوز البنت دي بجد ؟؟.
هز رأسه بعدم مبالاة وهو يقول بسخرية
= وانا هكذب عليكي ليه؟ خايف منك! ما انا ياما اتجوزت عليكي بدل الست عشرة و بطلقهم وقت ما يجيلي مزاج! صغيره كبيره بقى ما يخصكيش .
فغرت شفتيها في ذهـول ونظرت مرة ثانية الي مهرة بإندهاش وردت قائلة بعصبية واضحة
= والله انت ما بني ادم طبيعي هي وصلت بيك القذارة تتجوز قاصر عشان تمارس عليها سلطته الحقيره، ويا ترى دي بقى عندها كام سنه؟, واتجوزتها بموافقتها؟ ولا اشتريتها من اهلها زي ما بتعمل مع غيرها .
اعتقد انها تتحدث هكذا بسبب غيرتها من تلك الفتاه لذا شعر بالسعاده لانه اغاظها، ثم أجاب بصوته الغليظ
= مالك يا وفاء أول مره أشوفك قاعده بتغلي في نفسك كده عشان اتجوزت عليكي! تكونيش غيرانه منها ما انا ياما قلت لك يا بنت الحلال تعالي ننسى القديم ونعيش بس انتٍ اللي عامله فيها عندك كرامه وحساسه اوي .
عاودت النظر إليها مجدداً و لاحظت وفاء جسدها المرتجف و الهزيل لتشعر بالقلق عليها وهي تراها تزداد شحوباً هكذا، بينما هزت راسها بيأس وحسرة نحو تلك المسكينه وهي تردف بإهتياج
= هغير من ايه؟ ده انا بحمد ربنا كل يوم ان انا خلصت منك.. انا عقلي لحد دلوقتي مش مصدق اللي انا شايفاه توصل بيك القذارة انك تتجوز عيله صغيره! يا شيخ ده انت لو كان ربنا كرمك باولاد كان زمانك دلوقتي معاك قدها.. حرام عليك هو انت ما فيش في قلبك رحمه دي منظر واحده تستحمل جواز وبيت ومسؤوليه .
هتف مهددة بصوت مرتفع وهو يلوح بيده في الهواء
= ما تلمي لسانك بقى واحترمي نفسك شكلك كده اشتقتي لعلقه من بتوع زمان
بينما كانت مهره تنظر اليهم بحاله لا وعي و بالأخص نحوه تلك السيده التي لا تعرفها لكن شعرت نحوها بالامتنان الشديد لانها وجدت أخيراً شخص يدافع عنها ويتحدث بما داخلها؟ لكن فجاه شعور رهيب بالدوار اجتاح رأسها فجعلها مترنحة غير قادرة على الوقوف و لم تستطع حفظ توازنها.. وعندما رايتها وفاء ستسقط ركضت دون التفكير اليها و إستندت بكفيها على ظهرها تمنعها من الارتطام بالأرض وحوطت خصرها بيديها الأخري، لتكون رأس مهرة فوق صدرها أو بالمعني أوضح أصبحت بحضنها وحوطتها الاخرى بخوف وعطف شديد، ثم ضربت على وجنتيها بخفه وهي تشعر بالخوف عليها
= يا نهار ابيض البنت شكلها خلصانه خالص انت عملت فيها ايه؟ فوقي يا حبيبتي وردي عليا مالك .. يا لهوي البنت مش بتنطق !.
لوى زاهر فمه إلى الجانب بضيق مكتوم وهو ينظر إلى الاثنين باستنكار، لم يكن يتوقع أن تشفق وفاء عليها وتعاملها بلطف ولا بغضب مثلما كان يتوقع! في بالنهاية هذه الفتاة ضرتها، لكن هذه الحقيقة ستستمر في الظهور أمامه أنه لم يعد يعني شيئًا لوفاء بحياتها على الإطلاق ، وعندما لم تفوق مهرة خفق قلب وفاء بذعر على تلك المسكينه وهي تقول بنبرة حادة
= ما تتحرك يا بني ادم البنت شكلها تعبانه اوي وانت ولا حاسس بيها، اتحرك و شيلها معايا بسرعه نوديها اي مستشفى .
❈-❈-❈
وقفت سعاد تطالع باب غرفة العمليات بعينين متحجرتين ووجه أسود كظيم، فلا تصدق حتى الآن ما حدث فقد اخبربها احد الجيران بمشجارة ابنها مع زوجته! اعتقدت في البدايه مجرد عراك عادي وسوف ينتهي ببساطه لكن تفاجأت عند وصولها المنزل بالجيران ينقلون جسد فريدة الى المستشفى باسرع ما لديهم .. لتعلم هنا أن الأمر لم يكن بسيط على الاطلاق كما توقعت؟وأبنها قد تسبب في كارثه اخرى .
ظلت تسير في الطرقات بقلق شديد فإذا حدث لها شيئا خطير سيذهب ابنها الى السجن مره ثانيه لذا هي هنا الآن لتطمئن على مستقبل ابنها وليس على فريده بالطبع، حتي حسام رفض أن يأتي معها ولم يهتم بالامر كانه لا يعني، وفي نفس اللحظه وجدت الطبيب يخرج هرعت سعاد الى الطبيب، وقالت بلهفة
= طمني يا دكتور، هي عاملة ايه دلوقت؟ هتبقى كويسه صح؟
قال الطبيب بمهنية صرفة لم تخلو من شفقة على حال المريضة التي بالداخل و أحد أفراد أسرتها أمامه والتي يظهر عليها القلق وبوضوح لكن لا يعلم ان خوفهاً على أبنها فقط لا أكثر
= للأسف الحالة حرجة جداً !...
تجمدت عيناها بقلق فالمصيبة فادحة بالتاكيد، ليكمل الطبيب حديثه بأسف شديد
=انا فضّلت أني أنا اللي أجي بنفسي عشان أوضح الحالة أكتر ليكي، للأسف المريضة اتعرضت لنزيف شديد جدآ أدى لفقدان الجنين...
صمتت لتستوعب سعاد كلامه وكانت هذه اولى الأخبار السيئة ولكنها ليست نهايتها بعد! عندما تابع الطبيب كلماته قائلا
= واضح انها اتعرضت لعنف شديد ودا أدى لبعض الكسور ولنزيف شديد جدا في الرحم، احنا دلوقتي دخلناها غرفة العمليات وهنحاول نسيطر على النزيف لكن لو مقدرناش؟ آآ بصراحة عشان أكون واضح معاكي لو النزيف ما توقفش مفيش قودامنا غير حل واحد بس..
ابتلعت ريقها متوجسة بينما هز رأسه الطبيب بأسف وهو يضيف
= أننا نستأصل الرحم... يعني نشيله! عشان كده محتاجين حد من قرايبها يمضي على ورقه الموافقه على استئصال الرحم و احنا في اوضه العمليات و حصل مضاعفات لا قدر الله .
برقت عيناها بذهول لتردف بصوت مرتجف
= طب حضرتك مين اللي ممكن يمضي على الورقه دي .
نظر الطبيب إلي التي تقف كالتمثال المتحجر بعد أن سمعت كل ما أخبرها إياه ليتابع بجدية قائلا
= إللي مسموح ليهم في الامور اللي زي كده، هو الزوج وبعدين الأهل بدرجة القرابة بس اهل الزوج ملهومش قرار نهائي وده في حاله انها جوه العملية ومتخدرة ولازم نعمل حاجه بسرعه.. انما لو فايقه وصاحيه هي الوحيدة اللي ليها الحق ده.. حتى لو الضرورة الطبية بتقتضي ده وهي رفضت محدش يقدر يجبرها لا مستشفى ولا زوج ولا أهل .
أطرقت رأسها في خوف واضح ، وبدى الحزن في نبرة صوتها وهي تقول بتلعثم
= حاضر يا دكتور هتصل بجوزها على طول عشان ياجي يمضي .. و ربنا يسترها .
❈-❈-❈
طالعته وهو غافي جانبها وابتسامتها تتسع شيئاً ف شئ وهي تنظر حولها تتذكر عاصفه مشاعرهم المحرمه أمس! فعندما عاد من الخارج بدا بالتودد لها ولم يمانع من الاقتراب نحوها مجدداً واخيرا بدأ ان يضعف ويشتاق لحياتهم السابقه معآ، تنفست بعمق فقد بدأت تتغير من أجله... لم تشعر بحبها له إلا عندما فقدته وانتهت رحلت حياتهم من الراحه و الاشتياق لكن بدأ يعود إليها من جديد لتنظر بتعمق لملامحه وتتوعد بأنها ستصبح كما يريد لأجل نفسها أولا و لأجله .
وفي ذلك الأثناء كانت تُمرر يدها فوق صدره العاري ليفتح عيناه ونظر جانبه علي الساعه لينهض مفزوعاً
= ليان... انا نمت كل ده ما صحتنيش ليه
رفعت رأسها تفرك عيناها ولحقت به مرددة قبل أن ينهض
= معلش صاحيك.. حاولت معملش اي حركه عشان عارفه نومك خفيف وقلت اسيبك تنام براحتك، ارجع نام تاني النهارده اجازتك لو ناسي .
تذكر ليعود مكانه مجدداً وهو يتنفس بعمق
وقال بخمول
= ايوه صح النهارده الجمعه انا نسيت خالص
صمتت للحظات قبل أن تتسائل بحذر
= ايمن النهارده يوم اجازتك مش هتخرج مع اصحابك زي كل مره وتسيبني لوحدي صح
لم يعلق عليها واكتفي بالصمت الذي أصابها بالقلق، حتى أتاها صوته الرخيم قائلا بهدوء عذب
= لا يا ليان مش هخرج النهارده و هقعد معاكي .
زادت ابتسامتها إشراقًا ولمعت عيناها بوميض الحب الصادق الذي دومًا ينعش قلبها، بينما تنهد وهو يتحاشى النظر إليها مركز تفكيره فما حدث بينهما أمس فقد استسلم لتلك المشاعر الجارفة ولم يصمد كما كان يفعل دوماً ..!! تعمدت ليان الضغط بأصابعها علي صدرة لينتبه لها، فرفع رأسه في وجهها لتنظر إليه بابتسامه حالمة .
ثم لم تعطه فرصة وانحنت رأسها عليه لتطبق على شفتيه بشفتيها مقبلاً إياه بشوق قوي، فحبس أنفاسه رغمًا عنه وتخشب جسده من فعلتها المباغتة وتحفزت حواسه بينما اتسعت حدقتاه مصدوم، حتي أبعدت رأسها لمسافة محدودة لتتمكن من الهمس له
= بحبك!
أخرج أيمن تنهيدة قوية من جوفه وشعرت بذراعيه حول خصرها ثم بعدها لم تشعر الا وهي بين احضانه...يغمرها بعاطفة تسحبها نحو الهاوية تجعلها تُعطيه كل شئ بسخاء وهو كالظامئ ينال كل ما يريد.. صرخ عقله بتلك اللحظة ينذرة بخيانتها ليبتعد لكن قبله لم يسمح له أن يبتعد و ينفر منها بل احب لمساتها واشتاق لها مهما ناطحها وحاربها سيظل لا يشعر معها إلا بأكتماله ورجولته.. ابتعد قليلاً ينظر لعينيها والصدمه كانت له رغم أنه لم يرى منها الا عشقاً هذه المرة..
وكأن يلهث أنفاسه ناظر اليها فلم تمهله لحظه يستوعب ما فعله لتبادله حبة.. وهو جذبها مجدداً نحوه بعشق ليغرقها بين أحضانه .
❈-❈-❈
راقبت وفاء باب غرفة الطواريء بترقب شديد وهي تسير بخطوات متوترة بقلق على تلك المسكينه التي لا تعرفها ولا تعرف مصيرها الذي اوقعها مع ذلك المتحجر، بينما كان هو يجلس على المقعد المعدني الأسـود المواجه لها بعدم مبالاة ولم يظهر على ملامحه قلق نحوها أبدا..
ابتلعت وفاء ريقها بخوف وهي تتذكر كيف وجدتها في أضعف حالتها وسقطت في احضانها، هي تعرف زاهر جيد ومعاملته الجاحده مع الآخرين، و كيف يستمتع بفرد سلطته علي الضعفاء كما كان يفعل معها، لذا شعرت بالعطف نحو تلك الصغيرة، كم ألمها قلبها عليها.. لا تعرف أين عائلتها وكيف تتركها مع شخص مثله .
نظر لها زاهر بإستغراب مرددا بجدية
= ما تتهدي بقى خيلتيني تكونش البنت قريبتك وانا مش واخده بالي؟ ده انا اللي جوزها ما عملتش ربع اللي انتٍ عملتيه و قاعد ساكت اهو .
توقفت أمامه وتنهدت في إنهــاك ثم نظرت إلى زاهر بنظرات إحباط وأجابته بيأس
= هو انت اللي زيك عنده قلب وبيحس زينا يا شيخ ادعي عليك بايه؟ ازاي يجيلك قلب تتجوز طفله صغيره زي دي وتخليها مراتك وتشيلها مسؤوليه هي ما تعرفش حاجه عنها ولا قدها من قله الستات خلاص ما لقيتش غير دي!!! .. وكمان انت عامل فيها ايه مخليها كده؟ البنت جسمها ضعيف خالص ومش قادره تصلب طولها
أجفلت عينيها بخوف وهي تضيف بتحذير
= اوعى تكون بتضربها وتمد إيدك عليها؟ البنت جسمها ضعيف و مش هتستحملك
تنهد هو في انزعاج وهو يجيبها بهدوء مستفز
= وانتٍ مالك ما تفوقي لنفسك يا وفاء؟ اذا كان اهلها نفسهم ما عملوش كده هتيجي تحاسبيني انتٍ.. مراتي وانا حر معاها و ما يخصكيش تعرفي اي حاجه بتحصل ما بينا .
حدجته بنظرات مليئة بالياس و الإحباط ثم
أطلقت تنهيدة و قالت بصوت مسموع
= انا بتكلم مع مين؟ واهل مين اللي بتتكلم عليهم هم اهلها دول لو عندهم احساس ولا ضمير كانوا جوزوها لواحد زيك؟ و يعملوا في بنتهم كده، صحيح مش كل اب وام معاهم اولاد يستحقهم وعارفين مسؤوليتهم كويس .
إبتسم لها زوجها بمكر ولم يجبها بل ظل يتفحصها بنظرات دقيقة مستمتعاً برؤيتها على تلك الحـالة وحدثها قائلاً بشماته
= وانتٍ بقى اللي تعرفي يعني ايه مسؤوليه اولاد يا اللي مش بتخلفي !. طب خلي واحده غيرك تتكلم عشان نعرف ناخد منها النصيحه .
صمتت لتتجرع مرارة الآلم أثر كلماته القاسية لذكرياتها الحزينة فا فقدان الأمومة لها ليس بالأمـر الهين.. رغم انها حاولت مرار وتكرار تخطي الأمر وقبول الواقع بانها لم تصبح أم بيوم مهما فعلت، لكن يكفي انها راضيه بدرجه كبيره من كرم ربها عليها بالتعويض باشياء اخرى لا تستطيع انكارها .. لكن ستظل رغم عنها هذه النقطه سوداء بحياتها .. انها كما وصفها عاقر ولا تستطيع الإنجاب وممارسه شعور الأمومة !!!.
وما إن إنفتح باب الغرفة حتى إنطلقت وفاء راكضاً نحو الطبيبه بقلب مفتور وهي تتسائل بلهفه شديد عكس زاهر الذي تقدم بخطوات بارده
= طمنيني يا دكتوره البنت عامله ايه ؟
أجابتها بصوت خافت قائلة باهتمام
= هو حضرتك والدتها ؟.
أخفضت رأسها بألم ولم تتحدث بينما لوى فمه في سخط وأجاب هو بوقاحة
= لا يا دكتوره دي مش أمها دي مراتي الأولي.. و اصلا عاقر يعني مش بتخلف! سيبك منها وركزي معايا انا، انا جوز البنت اللي جوه مالها.
نظرت الطبيبه له مطولاً بعدم تصديق من وقاحته فكيف يتحدث بتلك الطريقه المهينه عن زوجته امامها او حتى بينه وبين نفسه لا يجب ان يتحدث هكذا ويعايرها بشيء ليس بيديها، اما صدمتها الاخرى فكانت عندما اخبرها بان تلك الطفله الصغيره التي بالداخل زوجته، ثم أردفت هي بإيجاز
= البنت جسمها ضعيف جدآ حتي ضربات القلب عندها ما كانتش منتظمه بسبب الانيميا اللي عندها، وهو اللي سبب لها الدُّوَار أو الدوخة .. و آآ
صمتت ثانية ثم تقوست شفتيها وهي تكمل بصوت شبه منزعج
= وغير كده مش عارفه اقولها ازاي ولا مستوعباها لطفله زيها بس بقت عادي بتحصل في الزمان ده و أنها مع الاسف حامل ! الوضع هيكون صعب على حالتها لطفله ذيها و حتى لو فكرنا ان احنا ننزله برده هيكون خطر عليها
لوهلة عجزت وفاء عن التفكير فيما قالته الطبيبه و عقلها غير مستوعب لما يحدث؟ كيف لطفلة مثلها ستتحمل في عمر صغير مسؤوليه طفل !؟. كانت على وشك الإنفجـار من الغضب به زاهر مجدداً لكن لم يساعدها لسانها هذه المره من صدمتها.. غير ذلك وجدت بأن الحديث لم يكن له فائدة بعد ما صار الآن .
مط شفتيه في إهتمام زائف وهو يغمغم بسعادة بالغة تعمد اظهارها عندما لاحظ صدمه زوجه الاولى بخبر حمل مهرة
= فالله ولا فالك يا دكتوره تنزلي ايه دي نعمه من ربنا عاوزاني ارفضها ؟ ده العيل اللي هتجيبه ده هيكون أول طفل ليا.. امسكي يا دكتوره حلاوه الأخبار الحلوه دي .. وان اخيرا هكون اب وهيجيلي عيل من صلبي .
نظرت الطبيبه إليه بفتور ولم تاخذ النقود منه، لكنها تابعت بجديه التحدث عن حالتها بين تناول المكملات الغذائية والخضوع لإجراءات طبية، و الوقاية من بعض أنواع الأطعمة عن طريق اتباع نظام غذائي صحي ومتنوع لتتحسن وتتجنب أي خطورة لصحتها وصحه الطفل القادم .
❈-❈-❈
في مكتب تسنيم، وقفت مصدومة وهي تطالع عمها وذلك الشخص الغريب الذي معه وهم أمامها في مقر عملها ، تجمدت ملامحها وهي تنظر إليه بشك
= عمي حضرتك بتعمل ايه هنا؟
هزت برأسها بريب وهي تنتظر سماع ما سيسرده عليها وكلمه وراء كلمه حتى انتهى الحديث وبهتت ملامحها وهو يقول بصوت خشن يحمل التهكم
= قلت طالما مش بتردي على مكالماتي ولا عاوزه تشوفيني اجيلك بنفسي وانا معايا العريس تشوفيه وتتعرفوا على بعض
اتسعت عيناها بذهول وهي تنظر نحو ذلك الشخص والي يده الممدوده اليها ثم نظراته العالقه بها يتفحص.. وعندما طال الأمر أعاد يده لموضعها باحراج وهي كادت أن يغمي عليها من التوتر والخجل فعمها قد وضعها في موقف لا تحسد عليه
= حضرتك بتهزر صح انت جاي مكان شغلي ومعاك العريس! عمي انت عاوز تفضحني هنا
هز عمها رأسه بعدم فهم زائف وأجابها بعدم إكتراث
= فضيحه ايه كفر الله الشر؟ هو الجواز دلوقتي بقى فضيحه
رمقته بنظرات غيظ ، ثم لوت فمها أكثر وهي تقول بحدة
= لا الجواز مش فضيحه بس الطريقه اللي حضرتك مختارها عشان نتعرف على بعض هي اللي غلط، عمي من فضلك امشي من هنا بسرعه بدل ما حد ياخد باله انا مش ناقصه مشاكل ..
كاد أن يتحدث مرة أخرى، لكنها هتفت بسرعه بتوتر شديد وهي تتلفت حولها
= امشي عشان خاطري وانا لما اخلص شغل هتصل بحضرتك ونتكلم ، لكن ما يصحش هنا اللي حضرتك بتعمله ده! هنا مكان شغل
برقت عيناه في زهو و بتفاخر فهو تعمد أن يأتي هنا بالعريس حتي لا تستطيع الهروب منه كعادتها وعندما توصل الى ما يريد اخذ العريس و رحل بهدوء..
أغلقت هي عينيها بأرهاق تسترخي فوق مقعدها وهي تتنفس بعمق بانه رحل قبل ان يراه أحد بالشركه و يتسبب لها ببعض التعليقات الساخره من الموظفين حولها وقبل ان تترك عقلها يرتاح قليلاً وجدت سالم أمامها، نهضت مفزوعة وهي تتمنى داخلها ان لا يكون استمع لحديثها مع عمها وتضطر الى سماع تعليقاته البغيضة ، تطلع فيها بتعابير غير مقروءه وهو يقول بلهجة أمر
= تعالي لي على المكتب !.
بعد فترة قليلا، استجمعت شجاعتها أخيراً وهي تقف أمام حجرة مكتب سالم، طرقات خافته طرقتها فوق الباب ليهتف سامحاً لها بالدلوف وفور ان رأها تطلع فيها بنظرات مليئة بالغموض لم تفهمها جيداً
= تعالي يا تسنيم
شعرت بالتوتر وهي تُطالع نظراته المتفحصه نحوها وقبل ان تسأله عن ماذا يريد؟ ابتلعت لعابها وهي تشاهدة ينهض من فوق مقعده متجهاً إليها
= خير يا فندم حضرتك كنت عاوزاني في ايه؟
عبس سالم بوجهه مرددًا
= هاه آه، كنت عاوزه اقول لك عملتي ايه في ملف القضيه اللي اديتهلك امبارح؟ ولا ما شفتهوش و كنتي مشغوله مع عريس الغفله
اعترضت تسنيم عليه مبديًا انزعاجها
= نعم ! عريس مين ده؟
نظر لها بوجه خالي من التعبيرات ثم أردف متسائلاً بإهتمام وهو يرفع حاجبه للأعلى قليلاً
= ايه يا تسنيم عامله المكتب هنا لاستقبال عرسانك؟ مش تفهمي عمك ان هنا مكان شغل و ما يصحش يجيب العريس يعينك هنا، ولا انتٍ اللي قلتي له يجي هنا عادي؟ خلاص يا ستي وصلتلنا الفكره وعرفنا انك جميله اوي و بيجيلك عرسان بس مش تستقبليهم هنا ، ولا ايه؟
تورد وجهها من جملته تلك وغزله الصريح، و رغم يقينها أنه كلماته تلك بسبب خوفه علي العمل كما وضح لها قبل سابق وليس اهتمام بها لكنها لمست قلبها، ازدردت لعابها وفهمت هنا أنه استمع إلى كلام عمها ، وعندما شعرت أن صمتها سيؤكد الأمر له ، سرعان ما أنكرت برأسها وهي تقول بصرامة.
= استاذ سالم يا ريت تديني فرصه اتكلم بدل ما انت كالعاده بتتهمني وما بتستناش اللي قدامك يرد ويدافع عن نفسه! يا ريت طالما متاكد أوي كده من ظنونك يبقي ما فيش داعي تطلبني وسيب مخك ويودي ويجيب
براحتك
تجمدت عيناه وهو يحدق بها بحدة ، وكيف تتحدث معه بهذه الطريقة ، ولم تجيب على أسئلته بل عاتبته على طريقة حديثه معها ، فقال لها على مضض.
=والمفروض اعمل ايه لما ادخل شركتي و الاقي سيادتك عامله جوه اسره في مكتبك وبيتقدملك عريس في الشركة.. و واقف مبسوط اوي وهو بيعين فيكي
زمت تسنيم ثغرها في تأفف وردت عليه بنرفزة
= ده كان سوء تفاهم وخلاص خلص و انا فهمت عمي وغلطته أنه ما ينفعش يجيب العريس هنا ولا ذات نفسه ياجي ولما يعوز حاجه مني يستناني في البيت وما يجيش الشركه.. وفعلا اللي حصل كان غلط وانا بعتذر لحضرتك و اوعدك مش هيتكرر تاني.. ومن قبل ما حضرتك تكلمني في الموضوع ولا تيجي انا كنت هعمل كده من نفسي واقول له ما يصحش يجي هنا .
ضيق عينيه لتصبح نظراته أكثر حدة وهو يسأله بفضول واضح
= ممم تمام كويس خلاص ما حصلش حاجه، و خلينا نقفل على الموضوع طالما انتٍ اتصرفتي بس هو انا خدت بالي ان العريس من الصعيد يعني لو حصل نصيب واتجوزته أكيد مش هيسيبك هنا انتٍ في بلد وهو في بلد، ولا ايه؟ يعني انتٍ ناويه تتجوزي وتسيبيني آآ قصدي تسيبي الشغل هنا .
أربكها تصريحه فعجزت عن الرد عليه وارتجف بدنها من قوة كلماته لتتوتر أنفاسها فبدا صوتها واضحًا إليه، وسريعًا ما تنهدت قائلة بضجر
= انا رفضته أصلا وعن اذن حضرتك .
مسح بيده على جبهته يخفي توترة واصطنع المبالاه بحديثه قائلا
= ترفضي ولا توافقي دي حاجه تخصك، انا بس كنت عاوز اعرف عشان لو في حاجه زي كده هتحصل الحق أجيب حد مكانك يمسك القضايا اللي انتٍ ماسكاها ويكمل الشغل.. ده مهما كان دي مشاكل ناس ومصالحهم وما لهمش ذنب تتعطل .
عقدت تسنيم ما بين حاجبيها متعجبة من اهتمامه المبالغ فيه بالعمل، وسؤاله بغرابة لكنه لحق نفسه هاتف بهدوء زائف
= تمام روحي انتٍ كملي شغلك خلاص .
❈-❈-❈
جلست مهرة بداخل سيارة زاهر منكبة الرأس وقد ضاق بها السبل، فقبل قليلا اخبرها زاهر بوضعها الجديد وأنها حامل بطفله!! ستنجب خلال أشهر طفل صغير لتتحمل مسؤوليته وحدها وهي بالاساس بحاجه الى مساعدة .. فكان لا ينقصها ذلك أيضاً ؟ تنهدت بقله حيلة فخلال الأشهر الأخيرة تعرضت لعدة أزمات ليست بهيئة.
كان زاهر صعد جانبها وبدأ يسوق السيارة بهدوء، ولاحظت هي بعض الخدوش بوجه زوجها لكن لم تسائل إن كان لا يهتم بها كإنسانة فلم تهتم بإحتراقه !! لا تعرف لما رفعت يدها وبدات تتلامس برفق بطنها الصغيره وهي لا تصدق بان بالداخل يوجد طفل .. جزء منها !!. لكن داخلها اختلف بشكل كامل عن نفسها منذ ساعات كانت لم تستوعب الصدمه ولم تفرح بذلك الخبر، تعجبت من نفسها الآن عندما بدات تتخيل حالها وهي تحملة..وتلعب معه وهو يبتسم لها ببراءة .. و سيكون لها وحدها، فتهللت أساريرها بحماس من ذلك الشعور .. واندهشت من ما ترفرف بها من سعادة بتلك اللحظة فهل سيكون غاليا عليها لهذه الدرجة؟
ستصبح أم لطفل صغير ويناديها بامي مثل أمها إذا، كانت هذه هى الفكرة الوحيدة التى تلمع برأسها مع تصاعد الأحداث بشكل سريع منذ أخبرها بحملها ، لكم شعرت بالراحة لتلك الفكرة !!! و بدأت تسيطر على رأسها فكرة جديدة تتمحور حول حياتها ... سيأتي لها ونيس بالحياه .
حقا كيف ستتحمل مسؤوليته تلك الصغيرة
فهى لا ترى من نوايا حملها سوى ما تفكر به حالياً و يظهر أمامها الآن وما لا يظهر تراه حتى هذه المرحلة العمرية مجرد مرحله جديده و ليس سيئ ان تحتفظ بطفل صغير.
لكن لم تكون راضيه مطلقاً على معاملة زاهر السيئه لها، فلمن ستشتكي عن معاملته المخزية لها؟ هو أنانى تماما فى علاقته معها يعمد لرى ظمأه وتلبية احتياجاته الخاصة قبل أن ينظر لها كإنسان له احتياجات ورغبات مثله .. هو يريدها ضعيفة، لا تقوى على مواجهته أو معارضته، أو رفضه.. لكن لما لا يعاملها بلطف اذا كان مصيرها محتوم معه؟ شقت ابتسامتها الساخرة شفتيها بالطبع لم يفعل هى تثق أنه لا يراها جزءا من حياته ، هى فقط موجودة ليحيا هو كما يحب.
انقبض صدرها بمجرد التفكير في عائلتها القاسيه فرغم زيارتهم المتكرره لها لم يلاحظ احدهم مطلقاً ولا يسألها لمره واحده حتي؟ لم هى بهذا الشحوب ؟؟ وجهها فقد نضارته وعينيها فقدت بريق الحياة وما الذى يفعله بها هذا الرجل !!
لذا لم تذهب الى عائلتها بالتاكيد و تطلب المساعده؟ فعائلتها الذي تراه السبيل الوحيد لتحقيق الأحلام لم تساعدها للابتعاد عنه مهما حدث !. استسلمت تماماً للمجهول لكن شئ ما بداخلها كسر! شئ ما بحياتها ضاع .. فالجميع أحسن استغلالها لتصبح ضائعه بالحياه وكأنها تترنح كطير ذبيح وهى عاجزة تماماً عن التجاوز عما كان وعاجزة أيضا عن الرفض وعاجزة كذلك عن الرحيل .
وضعت يدها على بطنها بارتجاف، لتبدأ مرحلة جديدة من بؤسها أكثر امتاعا له وأكثر تحطيما لها .
صف زاهر سيارته وهبط بانتظارها لكنها لم تنظر إليه ولا تلاحظ توقف السيارة بسبب تفكيرها و شردها بالمستقبل، ليهتف بصوت صــارم يحمل التحذير الشديد
=اتفضلي يا اختي انزلي ولا عاوزه كمان اشيلك .. أظن سمعتي كلام الدكتوره يا ريت تهدي بقى شويه وتهتمي بصحتك عشان ابني اللي في بطنك ده لو جريله حاجه بسبب اهملك انا مش هرحمك .
ترجلت مهرة من السيارة على الطريق أمام المنزل لتتحرك رغم الإجهاد البادي عليها ثم توقفت أمامه تنظر إليه بمرارة وهو يضيف
بشراسة
= واديكي بقيتي كبيره دلوقتي كفاية عشان نبطل شغل الأطفال اللي احنا فيه ليل و نهار انتٍ دلوقتي واحده متجوزه وكلها تسع شهور و تبقي ام ومسؤوله عنه .
رمقته بنظرات أخيرة حزينة قبل أن تنطق بإذعان
= حاضر هحاول اتعمل مسئوليته هو كمان
نظر زاهر لها بضيق شديد و بصوت حــاد أردف متسائلاً بنفاذ صبر
= حتي دي كمان بتقولي فيها لسه هتعمل هي تربية العيال محتاجه تعليم؟ والله حاسس إني هكون معايا عيلين مش عيل واحد !!.
❈-❈-❈
مر أكثر من أسبوع وفريدة كانت بين حاله الوعي ولا وعي، حتى اليوم استيقظت و استعاده وعيها لتجد نفسها داخل تلك الغرفة ذات الإضاءة الخافتة، وفي نفس اللحظة كانت تدخل إليها فتاه مرتديه ملابس التمريض وخلف منها طبيب، حاولت أن تنهض لكن ألم جسدها داهمها و عادت من جديد، و كأن عظامها تحطمت تماماً، ولم تستطيع أن تتحمل علي أوجاعها، لتتقدم منها الممرضة بحذر قائله
= اهدي وحاولي ما تتحركيش عشان ما تاذيش نفسك، مش هتعرفي تتحركي دلوقتي عشان دراعك المكسور والكدمات اللي ماليه جسمك.. وبطنك اللي مفتوحه .
إبتلعت ريقها بصعوبة بالغة و تجمدت دموعها وهي تتسائل بصوت مرتجف
= انا فين .. أبني جريله ايه؟
امسك الطبيب التقرير الخاص بها المعلق علي الفراش، ثم نظر لها بصمت قليلا واردف بنبرة آسف
= ربنا يعوض عليكٍ للاسف فقدتيه! حالتك كانت صعبة جدا والنزيف ما توقفش عشان كده اضطرنا نشيل الرحم .
طالعت فريدة الطبيب بصدمة بعد ان تفحصها فالطبيب يخبرها دون رحمه بأنها فقدت طفلها
وقبل أن تحزن حتي لتجده يكمل باقي عباراته بأن رحمها تم ازالته ! فسلطت أنظارها عليه وهي لا تصدق بأنها تلقت أصعب صدمتين في حياتها!! فقدان طفلها التي كانت تنتظره بشوق جارف وفقدان رحمها وهي مازالت بسنه صغير ولم تنجب طفلا أخري..و مازالت لم تتذق طعم الامومه كي تتخلص من أهم جزء في كونها كأمرأه .
جحظت عيناها و كادت تقفز من محجريهما عندما سمعت تصريحه الصادم هذا، تحاول إستيعاب ما حدث و تشعر بالندم الشديد علي كل شئ، منذ موافقتها علي ذلك الزواج و التنازل عن قضيها وحقها، برغم عدم إرتياحها للامر من البداية لكن استسلمت بالنهاية تحت ضغط شديد من الجميع، و إلي ما أقترفته دون وعي وهي تدافع عن نفسها أمام حسام، هذا الشيطان المتجسد علي هيئة إنسان كان ينتظر أن توافق علي إسقاط الدعوة حتى تنال منه أصعب عقاب !؟. حرامها من طفلها ومن الامومه كلها .
وكل ذلك حتي لا تجلب لعائلتها المصائب و العار ! رغم أنها كانت الضحية بالأساس ، و بالنهاية لقد وقعت ضحية اشباه الرجال ذلك!
لتهتف به بأعين يكسوها الدموع وهي تصرخ بحرقة
= انت بتقول ايه؟ انت ازاي تعمل كده؟ انت كذاب اكيد الزفت اللي اسمه حسام هو اللي قال لك تقول لي كده عشان توجعني اكتر، مش كده .
ليطالعها الطبيب بأشفاق ولكن لم يكن بيده
أي شئ وكان لابد من ازالته وأستأصل الرحم لإنقاذ حياتها .. حرك لها الطبيب رأسه بقله حيلة، لتدفع فريدة الممرضة عنها بكل قوتها لتضيف بملامح باكية و نظرات تذرف لها القلوب الدماء
= انا ابني عايش وانتم كدابين .. حرام عليكم حتى ده عاوزين تحرموني منه .. ابني لسه موجود في بطني سامع .. حرام عليكم انا عملت لكم اللي انتم عاوزينه واتنازلت عن حقي ليه مصورين تؤذوني وتاخدوا كل حاجه حلوه في حياتي و تدمروني .
كانت عباراتها الاخيره توجهها الى كل من شارك بجريمه صمتها عن حقها واجبرها عن التنازل.
كشفت الغطاء عن بطنها وكانت تريد شق ملابسها كالمجانين لتتاكد من وجود طفلها لعلها تشعر به، لكنها أول ما لمست الجرح
صرخت بألم وظلت تبكي بهستريه وهي تخبره
بصوت مقهور يحرقها من الداخل
= أرجوك قولي اللي انت بتكذب عليا و ابني لسه موجود جوايا، عشان خاطري انا محتاجه له انت ما تعرفش اللي حصل لي .. انا مش باذيكم انتوا ليه دايما بتاذوني .. انا ما طلبتش حاجه منكم ما كنتش عاوزه غير حقي . !!
كان في ذلك الأثناء الطبيب و الممرضة يحاولون تهدأتها و اقتربت الممرضة تحاول تثبيت ذراعها ليعطيها الطبيب ابره مهدئه و
لكن عبثت الى ان اطلقت فريدة صرخة مدوية من وجعها صرخة اهتزت لها جميع افراد المستشفي... صرخة فتاة و ام تعذبت كثيرة وهي محرومة من حقوقها بتلك الحياه التي وكانها تكافئها وتحرمها ايضا من ابنها و من شعورها بالامومه أيضا طول العمر، فلما هي حية و تعيش بذلك المجتمع مع اشخاص بلا قلب ولا ضمير.. ظلت صرخاتها تتعالي وكادت تتمزق احبالها الصوتيه وهزت جسدها كاملا... لدرجة ان أغمضت عينيها لتشعر بتمزق قلبها مع روحها معآ .
❈-❈-❈
خرجت مهرة من غرفتها بخطوات ثقيلة فأصبحت الأيام الماضية تشعر بخمول جسدها و نعاس يهددها بالنوم لوقت طويل وغير ذلك مزاجها المتقلب دائما ربما ذلك تاثير حملها مثل ما اخبرتها الطبيبه، لكن ذلك الوضع الجديد لا يعجبها بسبب تعبها وارهاقها الدائم.. وعندما خرجت وجدت زاهر أمامها ليقول بغضب مكتوم
= واخيرا الهانم صحيت ناويه تقضيها كل يوم نوم ولا ايه؟ مش كل ما ارجع الاقيكي نايمه
وحتى مش محضره لي لقمه اكلها
رفعت عينيها وقلبها تجاه ليقول لسانها بضعف
= زاهر انا تعبانة وعاوزة انام تاني لو عاوز تتخانق انا مش قادرة اتكلم حتى..
اجاب بصوت خفيض يخفي غضبا على وشك الاندلاع ليحرق الاخضر واليابس
= يعنى إيه يا هانم راجل نكدى انا وبتلكك ولا ايه؟ ما اللي بطلبه منك كل الستات بتعمله .. بتعملي ايه انتٍ زياده عنهم عشان تشتكي .
رسمت مهرة ملامح تحمل الأسى وزفرت بألم
وهي تتحدث
= ما قلتش كده بس مش قادرة اقف اعمل لك أكل ولا قادره اعمل اي حاجه .
ماذا سمع ؟ تعترض ! تشكو ! ترفض طلبة
اسرع نحوها يجذبها بعنف وهو يهتف بتعصب
= ليه يا اختي انتٍ هتمثلي، بتعملى اللى محدش بيعمله يعنى !! اه تلاقيكي قلتي لما اتلكك بقى ان انا حامل عشان اقعد وما اعملش حاجة .. اتحركي يا بنت من قدامي وشوفي لي حاجه اكلها
تهكمت ملامحه واخترقت لهجته الساخرة قلبها كنصل حاد لتخفض عينيها ألما و أزداد اختناق صدرها من كل ذلك ولم تستطيع الصمود هذه المرة ولم تشعر بنفسها إلا وهي صارخة بإنكســار
= ما قلت لك مش قادره يا اخي انت إيه ما عندكش رحمه ولا قلب .. انا مش بتنيل امثل عشان اقعد هانم ولا حاجه انا تعبانه فعلا ما تحس بيا بقي وخلي عندك دم .
انصدم الآخر من رد فعلها؟ لكنه لم يكن ذلك الشخص الذي تصمت كرامته وصوت زوجته يعلي عليه ويتركها ، بل هو أدنى من ذلك ولم تكمل هي عبارات أكثر حيث هجم عليها زوجها بشراسة ، وأمسك بها من شعرها وجذبها عنقها للأسفل وصرخ فيها بإهتياج
= انتٍ بتزعقي لي؟؟ صوتك ما يعلاش عليا تاني يا بنت الكلب ؟؟ انتٍ شغلتك هنا خدامة لي وبس، فاهمة !
تأوهت مهرة من الآلم وحاولت أن تحرر شعرها من أصابع زاهر ولكنها لم تتمكن بسبب ضرباته المتلاحقة على كتفها ، فصاحت متوسلة
= آآآه خلاص ، شعري هيطلع في ايدك انا اسفه مش هعمل كده تاني
أرخي هو أصابعه عنها بعد أن لكزها بقسوة في ذراعها ثم صاح بنبرة عنيفة وهو يشير بإصبعه
=هو انتٍ تقدري تكرريها تاني، صوتك دي ما اسمعوش تاني عالي عليا ، فاهمة
ارتجفت خوفا من ابراحها ضربا لتتراجع فورا
و هزت راسها بإذعان، ثم تركها وتراجع للخلف في إتجاه باب المنزل وفتحه ليخرج واغلقه خلفه بقوة.. تنهدت بحزن فيبدو أن لقاء لرجل في هذا الزمن هو حلم بعيد المنال عنها، لأنهم ذكور ، كل منهم يبحث عن امرأة في جشع لما يهمه فقط وليس للمرأة نفسها.. وهي لم ترى حتى الآن رجل حقيقي يشعرها بالأمان؟ بدايه من والدها واخيها حتى ذلك الرجل الذي من المفترض زوجها .
❈-❈-❈
في شركة سالم كان يسير بين الطرقات ليجد تسنيم و عزه في اتجاههم للخارج ومن الواضح أنهم يستعدون للرحيل، تقدم بخطوات بسيطة منهم و قطب جبينه متسائلاً باهتمام
= خير رايحين فين كده، هو انتم مروحين بدري ولا ايه ؟
أتـاه صوت عزه وهي تجيبه بنبرة رسمية
= اه يا فندم احنا الاتنين خلاص خلصنا شغلنا بدري وانت سمحت لي اروح و قلتلي خلاص مش عاوزك في شغل تاني..و بما أننا احنا الاثنين خلصنا شغل بدري قلنا نروح ناكل عشان جعانين اوي ..
نفخت تسنيم بإنزعاج من اسئلته واهتمامه الغير مفهوم لها حتى الآن؟ لتضيف عزه باقتراح بهدوئها المعهود
= ما تيجي معانا يا فندم طالما حضرتك خلصت شغل انت كمان بدري، ده احنا رايحين مطعم الاكل في هيعجبك أوي.
لترفع تسنيم عيناها نحوها ترمقها شزراً و لوت شفتيها بامتعاض قائله
= بلاش يا عزه ممكن الاكل اللي احنا رايحين نطلبه وما يعجبوش .. اصل مش اي حد بيحب اكله الكوارع .
اندهش سالم من حبها لتلك الاكله فلم يتوقع أنها تُحبها وهم ذاهبون لتناولها ثم استمع لنحنحة تسنيم وهي تنظر نحوه عزه بغضب مكتوم، فرفع حاجبه مُتعحباً من نظراتها ليفهم غضبها لأن عزه عرضت عليه الذهاب معهم .. فمن الواضح انها لا تريدة ان يذهب معهم وما زالت لم تتقبل اسفة للمره الثانيه !. ابتسم هو ابتسامة خفيفة وقال بعد تفكير
= كوارع !!. هو فعلا مش اي حد ياكلها، حتى انا ما ليش فيها أوي و اخر مره كلتها من تلت سنين تقريباً .. بس مش بكرهها يعني وممكن اجرب معاكم لو مش هضايقكم .
بعد مرور وقت، وضع النادل الطعام وتعلقت عيناها بالطبق الذي وضع أمامها طبق الكوارع فوق الطاوله لتشتم تسنيم رائحته بتلذذ و شهقت بسعاده تلحس شفتيها ثم ألتقطت الطبق وبدأت في التهامه.. تحت نظرات سالم المصدومآ و وجد عزه تفعل نفس الشيء تقريبا.. لكنه كان يراقب هيئتها هي فقط الغارقة في الطبق تمصمص شفتيها واصابعها بتلذذ .. صدحا ضحكته الذي حاول كتمها بصعوبه وهو ينظر الى تصرفاتها .. لتتوقف عن الطعام ونظرت اليه بضيق شديد ليتجاهل إياها و ارتشف سالم الشربه بصوت مسموع حتى يضايقها مثلما تفعل .
لوت شفتيها بامتعاض حتى انتهت من تناول طعامها، و توردت وجنتيها وعيناها عالقة به وهو يسألها
= تحبي نطلب تاني؟ اصل انا شايف انتٍ هجمتي علي الطبق و ما خليتيش في حاجه.. وشكلك كده لسه ما شبعتيش .
هزت رأسها برفض بإحراج ونهضت باستئذان لغسل يديها، وبعد فتره عادت لتجد سالم يجلس بمفرده عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام
= آمال فين عزه ؟.
أجابها بجدية مشيرًا بعينيه
= جالها تليفون من جوزها خليها تمشي على طول الظاهر في حد تعب من اولادها عشان كده مشيت وقالتلي اعتذر بالنيابه عنها ليكي انها مشيت وما استنتكيش، بس هي كانت مضطره .
عقدت حاجبيها بقلق وهي تقول بتوتر
= لا ولا يهمها ربنا يشفي ليها ، طب احنا كمان مش هنمشي بقى ، انا كده كده راكنه عربيتي بره و هروح بيها .
إبتسم لها سالم قائلاً باقتراح
= طب وانتٍ جوه انا طلبت لنا شاي و هو لسه نازل سخن، خلينا نشربه وبعد كده نروح .
نظرت له تسنيم تفكر بالأمر ثم وافقت وهي تسير في إتجاهه وجلست مكانها أمامه لتحمل بين كفيها قدحاً الشــاي، ليتساءل هو بتردد
= تسنيم هو انتٍ لسه زعلانه مني عشان موضوع العريس اللي جاءلك المكتب ده مع عمك.. واتضايقتي عشان انا كلمتك بالطريقه دي ، اظن المفروض تكوني خدت على عصبيتي اللي بتطلع فجاه لما بلاقي غلطه في شغلي لكن بعد كده لما بلاقي ان اللي قدامي صلح الغلط ده من قبل ما اطلبه منه بتراجع على طول .
هزت برأسها وهي تحدثه بإيجـاز
= ما فيش موضوع اصلا عشان ازعل خلاص خليني نقفل على السيره دي زي ما حضرتك قلت المره اللي فاتت .
أومأ رأسه مؤكدًا بجدية دون أن تختفي ابتسامته
= تمام وده كويس وانا زي ما قلت لك المره اللي فاتت انا بس اتضايقت من المنظر في شركتي وكمان لو كنتي هتسافري ولا حاجه لما تتجوزي العريس اللي جابهلك عمك وتسيبي الشغل كده فجاه فكنت انا لازم اعرف حاجه زي كده عشان ارتب ليها
نظرت إليه بجفاء وأجابت بنبرة عادية
= حصل خير خلاص
ساد الصمت للحظات قبل أن ينظر لها بفضول وهتف بهدوء جاد
= طب هو ايه اللي خلي عمك يجيبلك العريس لحد عندك في الشركه ، ليه ما جابوش عندك في بيت اخوكي أو بيته هو .
التفتت لتنظر أمامها بإقتضاب قائلة بتنهيدة
= عشان انا ما كنتش برد على تليفوناته وكنت بتهرب منه بصراحه الأيام اللي فاتت فهو حب يحطني قدام الامر الواقع، وفاكر بالطريقه دي هقبل اتجوز زي ما هو عايز عشان اريحه
نظر لها سالم باستغراب و تسائل باهتمام
= وهو مستعجل على جوازك أوي كده ليه؟ وهتريحي في ايه هو انتٍ ساكنه معاه أصلا
ردت تسنيم بعصبية طفيفة
= ما هي دي المشكله ان انا ساكنه لوحدي بعيد عني وعن اخويا ومراته كمان، وهو مضايقه أوي فكره ان انا اكون ساكنه لوحدي ومش مستقله بحياتي لحد دلوقتي ومن غير جواز.. وطبعا السبب الثاني عشان انا من وجهه نظره وصلت لسن الثلاثين وقربت اعنس واللي في سني زمانهم اتجوزوا وخلفوا كمان.. وهو مش شايف اي سبب يخليني ارفض الجواز لحد دلوقتي ولا لي لازمه موضوع ان اكون ساكنه لوحدي والناس تقول ايه عليا .
تقوس ثغر سالم بابتسامة لطيفة وهو يقول
= ايوه فهمت، طب وانتٍ ليه ما اتجوزتيش لحد دلوقتي فعلا وريحتي، يعني فكره الاستقرار بحياتك مش وحشه زي ما انتٍ فاكره .. وزي ما فيها الحلو فيها الوحش وكده
ضغطت على شفتيها مرددة
= هو انا مش معقده من الجواز على فكره كل الموضوع ان انا ما لقيتش الشخص المناسب وعلى فكره انا اتخطبت قبل كده ثلاث مرات وما حصلش نصيب.. ومن ناحيه العرسان إللي بتبقى من ناحيته دي بصراحه مش قادره اتقبلها لان معظمهم من الصعيد انا طبعا مش بغلط فيهم ولا حاجه، بس زي ما انت قلت لما اتجوز اكيد هسافر وهستقل بحياتي هناك وطبعا بالنسبه للشغل وانجازتي اللي انا حققتها هنا هتبقى على الفاضي وبعد الجواز ملهاش اي وجود في حياتي .
هز رأسه بتفهم وأجابها بهدوء
= انا فاهمك و فاهم برده وجهه نظر عمك هو اكيد عاوز يفرح بيكي مش اكتر، انا ممكن بصيتلها كده عشان انا كمان اتجوزت ولي بنت
واكيد هدور على مصلحتها اول حاجة.. ان شاء الله تلاقي الشخص المناسب .
أجابته بهدوء رقيق
= شكراً، وعقبالك انت كمان لما تجرب تتجوز لتاني مره! ده إذا كنت لسه ما تعقدتش ومش حابب تجرب التجربه تاني .
لا تعرف لما تسائلت هكذا لكن ربما حاولت ان تتسير معه بنفس الحديث مثلما ما كان يفعل ويتساءل باهتمام حول حياتها... بينما هو اقتحم عقله ذكريات متنوعة من ماضيه الموجع من لحظة اكتشاف موت زوجته و
الذي تصر حماته دائما هو سبب ذلك، وتذكر ايضا لحظات الاكتئاب التي مرت عليه ولم يخرج منها الا لاجل ابنته فقط، حمحم قائلا بتوضيح لوجهه نظره الغريبة
= مش مساله اتعقد بس خايف! فكره انك تتجوزي لثاني مره وتعدي تجربه شبه فشلت اولاني من حياتك صعبه شويه، غير اني عندي بنت عندها 14 سنه ومش عارف هل اذا كنت اللي هجيبها لها دي هتحبها وتتقبلها زي امها ولا ايه؟ و يا ترى هي كمان اللي هتجوزها دي هتحبي بنتي وتعرف تتفاهم معاها.. الموضوع بحسه معقد كل ما بفكر فيه كده بصراحة.. ممكن عشان كده لحد دلوقتي ما اتجوزتش لاني مش عارف اختار لبنتي حد كويس .. هو انتٍ مالك بتبصي لي كده ليه؟
عقدت ما بين حاجبيها بدهشة من كلماته، وسألته بغرابة
= اصل بصراحه مش فاهمه او مستغربه وجهه نظرك يعني توقعت هتقول لي مش عارف اللي هتجوزها دي هعرف اتفاهم معاها و هتكون زوجها مناسبه ليا ولا لاء .. لكن انت كل كلامك خايف تكرر التجربه تاني عشان خايف على نفسيه بنتك وبس.. ولا انا اللي ممكن اكون فهمت غلط ، هو انا معاك اكيد انك لازم زي ما هتفكر في حياتك معاها هتفكر في حياه بنتك وتقبلها ليها بس انا شايفه كل كلامك متمحور حاول ان بنتك هل هتتقبلها ولا لاء؟
هز رأسه بإيماءة خفيفة و رد بلا تردد
=لا انتٍ فهمتي صح، اصل انتٍ مش فاهمه انا وبنتي قريبين من بعض ازاي؟ و فكره اني اجيب واحده و بنتي وما تستجمش معاها ولا تحبها هتتعبني اوي .. ليلى بنتي يعتبر ما شافتش حنان والدتها في حياتها لانها ماتت وهي بتولدها وانا مهما حاولت أقرب حاسس اني لسه ما عوضتهاش كفايه فنفسي اللي اتجوزها تعوضها بحنانها ويكون كل حبها واهتمامها ليها عشان ما احسش ان انا حرمتها من حاجه طول حياتها
قطبت جبينها مدهوشة وهي ترد عليه ساخراً
= طب انت ما فكرتش في البني ادمه اللي انت هتتجوزها دي انت هتديها ايه مقابل كل ده؟ من حياتك، ما اصل زي ما عاوزها تهتم ببنتك اوي كده، لازم انت كمان تديها ابسط حقوقها والمفروض اي راجل بيعملها مع مراته.. اصل انت لو ماشي بالنظام ده بقى أسهلك تجيب دادا تخلي بالها من بنتك مش تتجوز !.
استشف سالم نشوب خلاف حاد سيحدث بينهما من تصرفها المبالغ فيه معه، فالأمر لا يحتاج إلى كل ذلك، ليقول بتعجب
= براحه طب مالك اتعصبتي واتضايقتي ليه كده؟ انا عارف ان ممكن تكون انانيه مني تفكيري ده! بس هو ده التفكير اللي مسيطر عليا من ساعه ما خلفت ليلى ، بقت هي كل حياتي ونفسي اعوضها عن كل حاجه
هزت رأسها بإيماءات خفيفة رغم عدم اقتناعها بمعظم ما قاله، وتحدثت بإصرار قائله بحنق
= تمام انت ممكن تعمل كده عشان انت والدها وشعور انك مهما تعمل عايز تعوضها لسه اكتر اعتقد اي اب وامي بتهيالي بيحسوا مع اولادهم كده وده عادي.. بس مش ملزم من اي واحده تانيه تتجوزها تحطها قدام الأمر الواقع وتقول لها؟ من النهارده حياتك كلها قدميها لبيتي انما انا مش هديك اي حاجه ولا تطلبي بحقوقك كزوجه إني اهتم بيكي واسمع لك واقرب منك واحسسك انك متجوزه راجل يعتمد عليه وقت ما تعوزي تلاقي جنبك .. لان حياتك مش هيبقى فيها وقت فاضي اصلا وكلها لبنتي .
أسند قدح الشاي ونظر لها بتوتر وهو يقول بتوضيح
= انا اكيد ما قصدتش كده يا تسنيم مش ملاحظه انك اسلوبك حاد شويه معايا، بكره لما تبقي أم هتعرفي الشعور ده ويعني ايه يكون عندك أولاد ونفسك تسعديهم باي طريقه .
أخذت نفساً عميقاُ وزفرته على مهل ثم نظرت في إتجاه مردده بلهجة شبه صارمة
=أن شاء الله لما ابقى أم بقي! بس انا متاكده ان عمري ما هكون انانيه و ما افكرش غير في مصلحة ولادي وبس واجي على الناس عشانهم.. معلش بس انا كده مش انانيه وبس لا أنا كمان بعلم ولادي انهم يعيشوا حياتهم مستنين اللي قدامهم يديهم من اهتمام وحب انما هما ما يدوش حاجه ويبقوا انانين في حبهم واهتمامهم للآخرين .
حاول أن يبتسم لها ليزيل ما بينهما من مشاحنات قد تحدث علي أمر لا يستحق و مجرد اختلاف في وجهات نظر لكن عبوسها الصارم صدمه ونظراتها الحادة له، و رغم جدية ملامحه إلا أنه رد بلطف وهو يوميء بحاجبيه
= انا ما قلتش كده يا تسنيم الموضوع أني ..
أشارت تسنيم بسبابتها نحوه قائلة بغيظ
وجدية
= كلامك ما يتفهمش الا كده يا استاذ سالم فارجوك ما تحاولش تجادل ان نظريتك صح! لانك لو بتتعامل مع بنتك بالاسلوب ده فانا أسفه انت كده مش بتحبها انت كده بتعودها على الأنانية .. ونصيحه مني كمان يا ريت طول ما انت بتفكر بالاسلوب ده ما تتجوزش وتظلم واحده معاك ملهاش اي ذنب غير أنها عاوزه تحس انها متجوزه عشان تبني حياه مش عشان ترغب حياتها لبيتك وبس .. وبعدين ما انت اكيد لو حبيتها واهتميت بيها هي هتعمل كده لبنتك من غير ما تطلب .
أستغرب هجومها عليه بذلك الشكل وحاول أن يتحدث بهدوء لتفهم ما يدور بعقله ولما لا تستطيع أبنته تحمل فكرة ابتعاده عنها بالاخص عندما يتزوج و تصبح بحياته امرأة غيرها؟ لكنها قاطعته مشيرًا بكفها وهي تنهض لتستعد للرحيل
= الوقت اتاخر انا لازم اروح عن اذنك .