رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 19
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل التاسع عشر
في منزل صديق سالم، اترسمت الدهشة عجبا فوق ملامح صديقه الذي استنكر كلماته التي تحدث بها مع تسنيم، ليقول هو بضحك
= يعني انت جيت تكحلها عمتها؟ وعامل لي فيها محامي وبتفهمها وهي طياره وانت خربتها
انزعج سالم من ثرثرته الزائدة عن الحد و الاستخفاف منه، فهتف بضيق شديد
= بطل ضحك واتلم بدل ما امشي واسيبك ما تخلينيش اندم ان انا حكيتلك من البدايه، وبعدين انا كنت عملت ايه عشان تضايق أوي كده وتسيبني وتمشي؟ الحق عليا عاوز اكون صريح معاها من البدايه
رد عليه صديقه بضيق قليل
= صراحه ايه يا راجل؟ ده انت دبش في واحد يقول لي واحده معجب بيها وبيلمح انه عاوز يتجوزها بس عشان تكون في حياه بنته و تهتم بيها وترعاها، وهو ده بس غرضه من الجوازه؟ ده حتى لو دي الحقيقه فعلا خليها بينك وبين نفسك مش لازم تقولها لها في وشها .. يا سالم اذا كنت انت راجل و بتتجوز عشان متطلباتك الاهتمام ببنتك وبس فلازم كمان تفكر فيها، و ايه هي متطلباتها من الجوازه وكمان دي واحده ملهاش تجارب سابقه ولا اتجوزت قبل كده وليها أولاد زيك .. يعني هتكون عاوزه اهتمام وحب مش تربي بنتك
حدق في عينيه مباشرة، ثم أجابه بامتعاض وهو يشير بيده
= اهو اللي حصل بقى وبعدين انا مش شايف ان قلت حاجه غلط، هي لو كانت استنت وفهمت قصدي كنت هقول لها ان انا برده محتاج واحده في حياتي تهتم بيا كمان ومش بي بنتي وبس .. وبعدين ايه اللي هيخليني سكت المده دي كلها ومش عاوز اتجوز الا لما ظهرت هي في حياتي؟؟ كان المفروض تفهمها بقى هي من نفسها او تستنى تسمع كل كلامي لكن هي اول ما قلتلها الكلمتين دول اتحولت عليا وقامت وسابتني
نظر له باهتمام ثم مال برأسه عليه متسائلاً بجدية
= هو انت حبتها يا سالم رد عليا و متحولش تتهرب من السؤال عشان هعرف لو كدبت
توهجت عيناي سالم بلمعان قوي ثم أدار رأسه في اتجاه بتوتر قليل، وانفكت اخيرا عقدة لسانه وأعلن استسلامه قائلًا بصوت هامس يبوح بما داخله ويشعر به
= هاه، هي بقيلها كام شهر شغاله معايا في الشركه يعني اكيد مش هلحق احبها في المده دي بس ممكن يكون إعجاب!! مش عارف بس كل اللى اقدر اقولهولك انها بقت جزء من يومى ببقى مبسوط وهى جانبى بحس بأحاسيس ومشاعر صادقة محستهاش من زمان اوى يمكن اول مرة اعرف بنت مش كيوت شراسة فى تعاملها حاجة جديدة عليا، يعنى على طبيعتها مش محتاجة تتجمل عشان حد ، اللى فى قلبها على لسانها مش زى البنات اللى احنا كنا نعرفهم زمن بنت من دول تتصنع عشان توصل للحاجة اللى عايزاها .. لكن تسنيم حاجه مختلفه كده ! حتى في حدود اتخطيتها معايا و انا ما كنتش متضايق بالعكس كنت حابب الحدود اللي هي بتحطها وانها مش بتسمح لحد يدوس لها على طرف ولا تسكت على حقها .. بس في نفس الوقت بحس انها ضعيفه بس عمرها ما هتبين ده بالعكس بتظهر قوه غريبه فيها تخوف اللي قدامها وتخليه يعمل لها ألف حساب قبل ما يفكر يؤذيها .
رفع الأخير حاجبه للأعلى هاتفًا باستنكار
= وايه كمان يا روميو؟ كل ده ومش عارف اذا كنت بتحبها ولا لاء، والله واخيرا شفتك وقعت يا سالم، يا راجل ده انا من بعد موت مراتك وكل ما مراتي تقترح عليك عروسه وانت تفشكل الموضوع من قبل ما تقعد معاها حتي، لحد ما خلاص فقدت الأمل انا وكل صحابنا انك تتجوز من تاني وقلنا خلاص انت هتعيش لبنتك وبس .
شعر بالحرج ثم رد عليه بنبرة ذات مغزى
= ما هو انا كمان مستغرب نفسي وكنت مفكر كده، بس انا مش هنكر اني في نفس الوقت طمعان فيها كزوجه ليا وام لبنتي؟ عارف انها انانيه مني هي ملهاش ذنب انها تتحمل مسؤوليتها معايا وعلى رايك هي ملهاش تجارب سابقه قبل كده واحتمال كبير ترفض انها ترتبط بواحد عنده بنت في مرحله مراهقه ، وكمان انا كا اب خايف على ليلى ما تستوعبش فكره ان في واحده هتشاركني حياتي .. ليلى مش صغيره برده وساعات كتير بحس انها محتاجه ست تكون قريبه منها تفهمها حاجات انا مش هقدر افهمها لها، صحيح جدتها جنبها طول الوقت بس برده مش كفايه هي برده ست كبيره وصعب تفهم الجيل الجديد وتتعامل معاه ولا ليها حمل لكده اكيد .. هي اصلا كل اللي مركزه فيه دلوقتي ناهد هانم انها تقنع ليلى انها تسكن معاها وتسيبني، شفت بتعمل ايه وانا عمري في حياتي ما فكرت امنع ليلي تشوفها .
أومأ بتفهم وقد اختفت ابتسامته وهمس له بمواسية
= معلش يا سالم هي ام برده ولسه متأثرة بـ موضوع زمان ده، المهم فكر انت في مصلحتك ومصلحه بنتك وفي اللي جاي وبلاش تفكر في اللي راح.. احنا لما صدقنا ربنا هداك وطلعت من المرحله دي بلاش ترجعلها تاني و الاكتئاب يسيطر عليك ، انا من رايي انك تحاول معاها تاني بس تشرحلها المره دي كل وجهه نظرك صح وهي؟ لا توافق لا ترفض براحتها بقى، انما بلاش تحكم على موضوع لسه ما جربتوش بس الاهم تصلح اللي انت نيلته ده هي زمانها دلوقتي واخده عنك فكره غلط و ان كل اللي يهمك تتجوز عشان بنتك وبس .
تنهد بضيق مكتوم فهو لم يرغب في فرض نفسه عليها، ثم لوي ثغره سالم للجانب وهو يقول بتفكير
= لو جاتلي فرصه تانيه هحاول، تفتكر المفروض اقول لي ليلى دلوقتي ولا استنى لما توافق .. تعرف انا خايف من رد فعل ليلى بنتي اكتر من رد تسنيم نفسه، غيرتها الزياده عليا دي! 100% مش هتتقبل الموضوع وهترفض.
اعترض صديقه على تفكيره الزائد عن الحد واهتمامه الشديد برأي ابنته بالموافقة على زواجه، فأردف بنبرة جاده
= ما ترفض ولا توافق هي مالها اصلا بحاجه زي كده؟ هو مين ابو مين؟ سالم معلش في اللي هقوله بس بلاش في الموضوع ده بالذات تساير بنتك على اللي هي عاوزاه يعني لو رفضت ان انت تتجوز ما تفشكلش انت ساعتها الموضوع وتمشي رايها لا طبعا، انا معاك طبعاً أنها مش صغيره ولازم طبعا تقولها وتعرفها حاجه زي كده وتعاملها كانها كبيره بس تقول لها مش تاخد رايها؟ في فرق بين الاثنين؟
وأضاف بعقلانيه
= وهي طبيعي في البدايه مش هتتقبلها بالذات ان ليلى بنتك ما شافتش امها من الاساس وماتت وهي بتولدها يعني هي متعوده ان انت في حياتها وبس.. فانت طبعا هتقعد معاها وتفهمها واحده واحده الموضوع ووجهه نظرك انك عاوز تتجوز عشانك وعشانها .. انما من امتى واحنا بنخلي ولادنا يفرضوا علينا رايهم في حكايه الجواز.
رد عليه سالم بنبرة جادة وقد ضاق نظراته
بقلق بالغ
= انت مش فاهم حاجه ولا عارف انا بقول ايه؟ راي ليلى برده مهم عندي في حاجه زي كده دي واحده هتيجي تسكن معانا وهتبقى قدامها 24 ساعه لازم برده الموضوع يبقى عندها علم بكل اللي هيحصل، بس انا بقول استنى موافقه تسنيم احسن وابقي اقول لها، بدل ما تعرف دلوقت وبعد كده يحصل مشاكل وترفض تسنيم في الاخر .
❈-❈-❈
وقفت مهرة تنظر للكدمـات الزرقاء والخدوش المحفورة في أجزاء متفرقة من وجهها و جسدها أمـام المرآة في غرفتها، ثم رفعت يدها تحسس بحذر و تحرك بأصابعها بتمهل على ذراعيها لتتحسس تلك الأثـار الأخري المحفورة عليها... وأغمضت عينيها متألمة .
حركت مهرة ساقيها تجاه الفراش والشحوب الجلي في وجهها..فرغم وجهها المتجهم إلا أنها لم تكنْ طبيعيه، حتي طول حياتها لم تكن فتاه عادية يشغلها ما تهتم به المراهقات رغم أنها كانت جميلة، وككل الأشياء الجميلة كانت تحمل الحزن بداخلها، وكان جسدها الهزيل يحملها ويتحامل علی نفسه كي لا تسقط من ضعفها
دارت في رأسها عشـرات الأسئلة التي أرهقت عقلها بسبب رغبتها في معرفة أجوبتها؟ لماذا هي الوحيدة التي تعاني هكذا ؟ لماذا لا تستطيع أن تعترض وترفض ذلك الوضع السيئ..شعور إختبرته من قبل ، ولا تريد أن تعانيه مرة أخرى .. نعم شعور العجز عن فعل أي شيء ..
إنهــارت وهي تتألم ودفنت وجهها بين راحتي يدها لا تريد العودة مرة أخرى إلي زاهر هي تبغض أنفاسه القريبة والحارقة لها وتمقت كل لحظة يكون فيها إلى جوارها، لقد ذبحها بسكين بارد ووقف متشفياً على بقاياها ، مستمتعاً بجسدها المذبوح.. فلما تعود اليه بعد كل ذلك؟ أربكها كثيراً ذلك الوضع ، حقاً هناك دافع لهذا الشعور المخيف الذي سيطر تماماً على عقلها، وإنعكس على ضربات قلبها وتلاحق أنفاسها المضطربة ...
بكت بمرار كبير وهي تلقي بجسدها على الفراش فلحظاتها معه جعلتها تشمئز من حالها وتكره طمع عائلتها التي أوقعتها في فخة.. أطلقت لنفسها العنان لتبكي لحالها.. فلم يعد بيدها حيلة سوى البكاء على بقاياها ... لذا قررت هي أن تضع حداً لهذا الآلم اللامتناهي بيدها ولا بيد أحد آخر؟ هل هي أضعف حقاً من تحمل وحشيته لذا يجب أن تجد السبيل
ولا تستسلم له .
وضعت يدها فوق بطنها الصغيره! لتشعر بارتجاف من طفلها، فلماذا كل هذا الخوف الرهيب من وجوده؟ أتخشى أن تخسرة ام أن يصيبة جزء من معاناتها ، ويصبح مثلها بتلك البريئة الساذجة التي أثبت زاهر بسببها معها أنها بلا قيمة! وهو يحتفل بإنتصاره عليها ويفرد رجولته وقوته المفرطة؟ مجرد التفكير في أن يأتي لتلك للدنيا يشعرها بالخوف الشديد فكيف ستحمي من بطش والدة و الدنيا .. وهي بالأساس بحاجة إلي مساعدة .
سمعت صوت الباب يفتح و وقفت أمامها حسناء بجسدها المشدود وهتفت بنبرة عادية وهي تنظر في إتجاه مهرة
= جبتلك الاكل اللي انتٍ بتحبيه يلا قومي عشان تاكلي وتتغذي كويس انتٍ دلوقتي بتاكلي لي اثنين ولازم تهتمي بصحتك كويس
لم تعرف لماذا أصابتها حـالة من التوتر والإضطراب حينما رأت اهتمام حسناء لها، فيجب أن لا تثق بتلك الخبيثة ابدا فأردفت بتسائل بتوجس
= عاوزه ايه يا حسناء بتخطيطي لي إيه المره دي؟ انا خلاص بقيت عارفاكي كويس سبق واتفقتي انتٍ واخويا عليا واتهمتوني بشرفي
عشان ابويا يجوزني ودلوقتي طايره من الفرحه ومبسوطه ان انا حامل من امتى الحب والحنيه اللي نزلت عليكي مره واحده دي
نظرت إليها بضيق ، ولوت فمها في إستنكار
= الله يعني ولا كده عاجب ولا كده عاجب بنت اخويا ويهمني صحتها ومصلحتها
نظرت لها بإحتقار ، وحاولت أن تبدو هادئة وهي تجيبها بصوت ثابت
= ايوه هي المصلحه !! اللي الكل دايما بيدور عليها حتى لو على حساب نفسي انما تفكروا فيا لا، هي بتحس اصلا ولا ليها لازمة غير انها تقول حاضر ونعم؟ مش كفايه استغلال فيا ما كفكيش اللي عملتيه فيا انتٍ واخويا وابويا
ايه مش هتستريحوا الا لما تموتوني عشان اخلص وترتاحوا وتريحوني.
إستندت بذقنها على راحة يدها ، وأجابتها بجمـود وكأنها أرادت إستفزازها
= بعد الشر عليكي ما تدعيش على نفسك كده يا مهره، يا بت احنا عاوزين مصلحتك ده احنا اهلك برضه ومهما كان مصارين البطن بتتعارك
انسى اللي فات واحنا ولاد النهارده
نظرت لها شزراً وهي متشنجه وقالت بعصبية
= غوري من وشي يا حسناء وانا عمري في حياتي ما هامن لواحده زيك ولا اصدقك! وانتم مش اهلي عشان اللي يعملوا فيا كده ما اسمهمش أهل، الأهل اللي بجد بيخافوا على مصلحه بنتهم مش بينهاشوا في لحمها .!!
❈-❈-❈
كان أيمن يقف أمام المرآة يتأنق بمظهره كالعاده، و التفت نحوها ليرى ابتسامتها الواسعه التي ترمقه بها، ثم اقترب منها بعدما طالع هيئته للمرة الأخيرة أمام المرآة .. أرجع رأسه للخلف ليحدق في وجهها بنظرات عاشقة، طبع قبلات متتالية على وجنتيها فابتسمت له بشرود، ولمح هو بطرف عينه صمتها و شرودها؟ انعقد ما بين حاجبيه باستغراب وهو يسألها مبتسم
= ممكن اعرف سر السعاده ديه؟ عماله تبصي لي و بتبتسمي ليه كل شويه
تنبهت حواسها بدرجة كبيرة إلى صوته الذي وصل إلى مسامعها بقوة، فحركت عينيها ببطء
و رفعت راسها للأعلى قائلة بابتسامة صافية
= فرحانه بيك وبنجاحك يا أيمن! ايه بلاش ابقى مبسوطه عشانك وانا شايفك قد ايه بتتعب في شغلك وبتنجح
رد عليها بحنان بصوته الدافيء
= محدش قال كده يا ستي افرحي واتبسطي براحتك
ربتت ليان على ظهرة بحنو، ثم رفعت نفسها قليلاً على جبينه طابعة قبلة صغيرة عليه وهي تقول باهتمام
= انت رايح الحفله دلوقتي مش كده
اجاب بصلابة وقد تحولت تعبيراته للجدية
= ايوه النهارده حفلة افتتاح المشروع الجديد... نامي بدري ومتستننيش عشان احتمال اتاخر واخرج مع صحابي شويه
لا تعرف لما حزنت انه لم يطلب رفقتها فهى لا تخرج من المنزل معه إلا إذا رافقها لمنزل والدتها وهم مرتان لا أكثر كل أسبوعين! ومره اخري كانت زياره الى صديقتها بالمطعم التي انتهت بشكوكو بها واتهامه الباطل لذا لا تحب أن تتذكر تلك المره، اغمضت عيناها تزفر أنفاسها حتى لا تجعل شيطانها يُنسيها ما تعيشه معه فبالتأكيد هو يعرف ان الحفل حفله عمل وما الفائده التي ستجنيها اذا رافقته، و خاطبت حالها حانقة انه بالتاكيد ليس ذاهب الى خيانتها؟ قطب جبينه متعجبًا وهو يقول ساخرًا
= مالك في حاجه؟ ما كنتي من شويه بتبتسمي وفرحانه كل ده عشان قلت لك هخرج مع صحابي؟ انتٍ بقيتي تتعقدي من خروجاتي ولا ايه؟
ثم أضاف عليها بحنو وهو يطالعها بنظراته الوالهة وضمها إليه وقال بتنهيدة حارة
= ما تخافيش بكره هقضي اليوم معاكي نامي انتٍ يلا .. وانا همشي سلام
التقطت أذناها كلماته الصادقة ومع ذلك ظلت متيبسة في مكانها دون أن يظهر أي تغيير ملحوظ على تعابيرها، فقط ضغطت على أصابعها بقوة محاولة تخفيف حدة التوتر المستحوذة عليها .
ليرحل بعدها تارك إياها مع أفكارها المقيدة، اختلج قلبها مشاعرًا قوية حفزتها بدرجة عجيبة لم تتخيلها وهيأتها لما هي مقبلة عليه معه، وتنهدت مضيفة بتفاؤل
= اهدي يا ليان مش كل حاجه هتيجي مره واحده اكيد ، المهم اننا خدنا هدنه شويه من الخناق والامور هديت ما بينا .. عقبال الباقي بقي وعقبال ما يسامحني يارب
أغمضت جفنيها مكملة حزنها المرير في صمت، ثم انتبهت حواسها فجأة لرنين هاتفها، فتحت ليان عينيها وهي تدير رأسها تجاه الكومود، تحركت أعينها وفي أقل من لحظات كانت ممسكة به محاولة إيقاف صوته المزعج دون أن تفتحة وتجيب وقبل أن تغلقة نهاء، رأت صدي رسالة وصلت، وحينما قرأت محتواها على الشاشة للحظة ظنت أنها تتخيل ذلك لكن حينما قرأت الكلمات بعينيها انتفضت في مكانها مفزوعة، وبصوتها هامسة
«ليان انا طارق من فضلك كلميني محتاجلك أوي وارجوكٍ ما تعمليش بلوك كمان من الرقم ده ، صدقيني هنتكلم بس مجرد كلام ومش هضغط عليكي في اكتر من كده .»
لم تحتاج الى التفكير مرتين ووضعت الرقم في القائمه السوداء علي الفور، وهي تقول بنبرة نادمة
= ما هي دي كانت البدايه يا طارق و مش ناويه اعيدها تاني! انسى بقى وخليني انا كمان انسى القرف اللي عملته في جوزي وفي نفسي
❈-❈-❈
لا تسأل الكاذب لماذا كذب، لأنه حتمًا سيجيبك بكذبة أخرى .
في نفس التوقيت ، توقفت سيـارة الأجرة أمـام بوابة منزل عابد وترجل منها عماد عم حسام بمفرده بعد أن دفع الأجرة ، ثم صعد الى الأعلى وطرق باب منزل عابد..
جلس عابد أمامه علي الأريكة وقال بعصبية شديدة
= اهلا يا استاذ عماد لسه فاكر تشرفنا وتتكرم وترد عليا، انا افتكرتك نسيتنا كنت موجود بس ساعه الجوازه عشان ابن اخوك يطلع من السجن واول ما حصل المراد اختفيتوا كلكم ولا شفنا حد منكم، طبعا هتورينا وشكم ازاي بعد اللي ابن اخوك عمله في بنتي
رد عليه بحدة وهو عاقد لحاجبيه
= حقك تقول كل اللي انت عاوزه ومعاك حق انا مش هعترض ولا اتكلم بس نفسي تسمعني زي ما سمعت بنتك، ابن اخويا غلطان طبعا ما فيهاش كلام وما كانش ينفع يوصل الامور لكده بس سالت نفسك إيه اللي حصل وصله لكده؟ ما هو اكيد مش هيصحى الصبح كده من نفسه وينزل ضرب في بنتك من غير سبب
كانت تجلس بينهما خيريه و تقوست شفتيها وهي تجيبه بصوت شبه منزعج
= نعم انت كمان هتجيب الحق على بنتي لا بقول لك ايه احنا سكتنا لكم كثير و اللي بتعملوا ده ولا يرضي حد بس هي غلطتنا من الاول ان احنا اتنازلنا وجوزنا البنت لواحد زي ابن اخوك عيل فاشل وصايع وبيشوف نفسه على بنتي ويستقوى عليها .
رمقها بنظرات محتجة وهو يهتف بإعتراض
= يا مدام خيريه بنتك برده غلطانه ما كانش ينفع تخرج من غير ما تستاذن جوزها، وحتى لما رجعت فضلت تبجح فيه وتقل ادابها عليه بدل ما تهاود معاه عشان الامور تهدى .. ده غير كل شويه في الراحه وفي الجايه عماله تقول عليه مش راجل!! حط نفسك مكانه يا استاذ عابد عاوزه يعمل ايه لما يرجع من بره يلاقي بنت حضرتك مش موجوده في البيت وبدل ما تشرح لي بهدوء كانت فين فضلت تقل ادابها عليه وتعلي صوتها وتشتمه
في نفس اللحظه قبل ان يتحدث احد خرجت فريده من غرفتها بخطوات عصيبة وصـاحت غاضبة مقاطعاً إياه
= انا محترمه غصب عنك وعن ابن اخوك وعن امه سامع ! وما فيش سبب في الدنيا يديله الحق يعمل اللي عمله فيا؟ و زي ما انت كمان سمعت ابن اخوك اسمعني، بس انا بتكلم مع مين مش وافقت ذيهم على الجريمه اللي حصلت وان اتجوز اللي اغتصبني يبقى هتبرر له اي مشكله تحصل بعد كده ..
تابع عمار ما يحدث بنظراته الساخطة ، ولوت فمه في إمتعاض ثم أردف بصوت شبه حـاد
= اتفضلوا سامعين بنفسكم اهو الوضع ده كل يوم والاسلوب ده اللي بتتكلم بيه مع الولد وفي الاخر ترجع تزعل لما يضربها
لم يجيب والدها حيث كأن يفكر؟؟ فعندما تنفصل عن حسام كيف ستكون حياتها بعد؟ فهى بالبدايه اغتصبت وأصبحت بلا شرف والآن لا تستطيع الإنجاب؟ و ستكون مطلقة !. يجب أن يطلب منها التريث والتحمل فإمرأة مثلها مطلقة ولا تستطيع الإنجاب ستكون فرصها قليلة جدا للزواج إن طلقها حسام بذلك الوقت وبعد زواج دام لمدة أربع أشهر! ستعود أحاديث الآخرين من جديد حول سمعه أبنته بالتاكيد، بالاساس صارت تلك الزيجة حتي يقطع كلام الجميع حول شرفها الذي أفقدته وسمعتها التي أصبحت على لسان كلا من؟
نظرت فريدة إلي عماد بعينيها الحمراوتين ،
ثم غمغمت بخفوت وهي تحدجه بنظراتها الإحتقارية قائلة
= بقول لك ايه اطلع بره مش عاوزه اشوف وشك ولا وش المحروس ابن اخوك اللي عامل فيها راجل ومش عاوز يجي هنا بنفسه عشان هو جبان و ابقي قول للست ام ابتدي يلا داري عليه عشان انا ناويه اطلع عليه القديم والجديد ويمين بالله العظيم ما هسكت بعد كده على اي حد يدوس لي على طرف مهما كان مين ؟؟
بينما كانت تقترب منه وهي تضيف من كلماتها
بحقد دفين
= و قول لابن أخوك كمان ان الايام اللي جايه مش هعمل حاجه في حياتي غير اني هفضل ادعي عليه في صلاتي، و مش هعفي من ولا حته صغيرة قد كده، من ذنبي اللي في رقبته
تنهدت في حزن مرير وهي تتابع وصرخت بمرارة كبيرة
= هي الناس المؤذيه اللي ذيكم بيناموا وضميرهم مرتاح.. يعني مش بيخافوا يموتوا علي سهوه بذنوبهم وقرفهم ده.. والله ماهاعفيكم من اى ذنب ولا اى خذلان ولا كسره قلب و وجع واحساس بالقهر والله مش مسامحه اى حد اذانى وجه عليا و وجعنى حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم والله مش مسامحه يااااارب انت على الظالم يااارب
أصابت الكلمات صدرها لتصرخ كمن ذبح للتو
وتتابع الانتفاض بينما تراجع عماد للخلف وظل مكانه يراقب بكاءها الذي تحول لأنين ليصل في النهاية إلى شهقات مكتومة وفى خلال دقائق بدأت تلتقط أنفاسها بصعوبة في حين رحل هو للخارج كما جاء، بينما اقتربت منها والدتها لتتحدث بقلق شديد
= اهدي يا بنتي خلاص انتٍ لسه خارجه من المستشفى وجرحك هيفك كفايه، أنتٍ حتي خرجتي قبل ميعادك ونشفتي راسك هم ما يستاهلوش حرقه الدم دي
رمقتها بنظرات جـادة وهي ترد بصرامة عليها
= انتوا اصلا السبب ازاي تستقبلوا واحد زي ده في بيتكو عادي وبعدين بتتكلموا معاه بالراحه وبهدوء كده عادي بعد إللي حصل، انا خلاص قريبه هتطلق منه وارفع عليه قضيه واجيب حقي .
انتفض عابد لينهض من مكانه قائلا
= طلاق إيه يا فريدة انتٍ اتجننتى؟ انتٍ عارفه بقيلك قد ايه متجوزه عشان تطلقي؟ اذا كان احنا جوزناكي لي عشان نخلص من كلام الناس، شوفي دلوقتي هيقولوا ايه لما يلاقوكي راجعه ومطلقه !!.
نالت نصيبها من الفزع والصدمة فلم تصدق كلمات والدها تلك، وغامت عينيها وهي تتسائل بسخرية مريرة
= اتجننت !! بابا انت شايف عامل فيا ايه؟ المفروض انت اللي كنت اقترحت حاجه زي كده من نفسك، هو انت مستني ايه عشان تطلقني منه بجد إني أموت .. وناس إيه و فضيحه إيه اللي لسه بتفكر فيهم هو انا مش هخلص من ام كلام الناس اللي هفضل شايلاه زي الجبل فوق كتافي وهم مالهم ! يجيوا يعيشوا مكاني ويشوفوا حياتي و هيستحملوا إللي انا استحملته ولا لأ وبعد كده يجيوا يتكلموا عليا انا انسانه ولي حقوق يا بابا .. انا مش جارية عنده
فرك عابد وجهه مستغفرا وقال
= بلاش تتسرعي وفكري في الموضوع كويس
انتٍ مش هتستحملي كلام الناس لما تكوني مطلقه لا وكمان مش بتخلف! اوعدك المره دي هاخذ كل الضمانات اللي انتٍ عاوزاها عليه عشان ما يكررهاش تاني.. وبعدين
ماتكبريش الموضوع يا بنتي بتحصل و رجالة كتير بيضربوا حريمهم، و لو كل واحدة جوزها ضربها طلبت الطلاق البلد كلها هتطلق
كادت أن تتحدث خيرية لكن عابد حذرها بعينه لتصمت، ثم التقط نفسا عميق وتحدث بتوضيح وجدية لواجهه نظره
= افهمينى انتٍ ليكي ظروف خاصة و الحياة دايما بتجبرنا على شوية تضحيات .. وانا مسكتلوش من اول ما دخل عشان مش راضي عن اللي حصل ومش هسكت برده على اللي عمله معاكي، و خلينا نربيه بس بلاش حكايه الطلاق دي
انتفضت فريدة تجيب عليه بمرارة
=انا مش مضطرة اقبل وضع ذي ده تحت اي ظرف حتي وأنت هتقبل لى العيشة دى عادي؟ انا مش موافقه والمره دي محدش هيجبرني طاوعتكم مره ودفعت الثمن و انا مش معيوبة علي فكرة! و لما انت ابويا بتقول كده يبقى لي حق يبيع ويشترى فيا هو وأمه.
زم فمه في تأفف ، وحدثها بضيق قائلاً
= يابنتى انا خايف عليكي.. يا فريدة إحنا عايشين في مجتمع ضاغط، الي يتصرف فيه بإنسانية وبساطة .. يفتكروه مجنون .
هزت رأسها باليأس والكرب تمكن منها ، لأنها أنهت حياتها سابقة بسبب شرفها، لتدخل مرة أخرى في دائرة طلاقها واهتمام والدها بمحادثات الآخرين والمجتمع، فمن الواضح أن هذه القضايا لم تنتهي أبدًا في حياتها
= أنا مش عايزة أقعد أقول أنا بعمل إيه وبعمل ليه، مش عايزة أبقى خايفة وأبقى ببرر .. انا عايزة أعيش مرتاحة هل ده كتير عليا! ، كتير ؟؟
أدمعت عينيها وهي تكمل بنبرة حزينة بحرقة
= لا دين ولا قانون ولا انسانيه يسمحوا باللي انتم عملتوا ده !!؟.
تحدث عابد وكانه هو المذنب الوحيد في تلك المساله
= للاسف هو ده بس اللي حسي بيه لكن مش حاسه بكم الضغط والخوف والقلق اللي احنا فيه وعايش فيه بكميه الصراعات اللي جوايا
واهم صراع اني عايز اعمل علشانك كل حاجه لي مصلحتك بس فعلا مش عارف.. مش قادر
حتي العصبيه اللي بتخرج مني غصب عني نتيجه اني عايز اعمل كل جاحه ليكم كلهم
ومش مهم انا، كل اللي بعمله عشان بفكر فيكي و في مصلحتك وبالنهاية برضه اتهمتني بالتقصير .. انا خايف عليكي بجد انتٍ مش قد الناس وكلامهم .
نظرت له بإستهزاء وهي ترد عليه بسخرية
= لو خايف عليا فعلا؟ تقف تتفرج عليا وهو بيقتلنى بالبطئ.. لو خايف عليا؟ تطلب منى اتهاون فى حقوقى كإنسانة .. واذا كنت مش مهتم بحقوقي انا بقى مش هسكت وهعرف ازاي اجيب حقي؟ حتى لو بالغصب.
فالحقوق لا تمنح الحقوق تغتصب .!!
انطلقت مغادرة غرفتها ولم يحاول أبيها إيقافها دلفت غرفتها باكية كما خرجت باكية لكن بجرح أعمق .