-->

رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 19

 

قراءة رواية البريئة والوحش كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية البريئة والوحش 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أميرة عمار


الفصل التاسع عشر



نظر فارس لإبراهيم بعدما أخرج والدته من بين أحضانه قائلاً:


-وعشان مينفعش أفضل عايش في الظلم ده 

خدت خطوة المفروض كنت أخدها من زمان 


تعالت دقات قلب إبراهيم بشدة خوفاً من أن يكون ما خطر بذهنه صحيح 


أما سارة كانت تقف ببرود تام منتظرة سماع الجملة التي شكت بها منذ أيام قليلة


وها هو قالها بكل ثقة وجدية متناهية:


-أنا إتجوزت


فتح إبراهيم عيناه على وسعيهما مما قاله ابنه 

ولم يعي  لنفسه إلا وهو يمد يده لاطماً إياه على خده بكل قوته 


علت شهقات الجميع عقب نزول الكف على خد فارس،مصدومين من فِعلة إبراهيم التي لم يتوقعها أحد أبداً 


إلتوى فكه عقب لطمة أبيه له،وتمالك أعصابه قدر الإمكان كي لا يفعل شئ خاطئ كرد فعل لفعلة أبيه يندم عليه فيما بعد 


دخلت سارة بينهم وهي تلكم إبراهيم بصدره لكمه عنيفة قائلة بعصبية مفرطة:


-إيه اللي إنتَ عملته ده إنتَ اتجننت،إزاي تمد إيدك على ابني 


أبعد يدها بغضب عن صدره،ضاغطاً عليها بشده تحت خاصته 


إلتوت بين يديه كمن لسعها عقرب وهي تقول بصوت عالٍ دفاعاً عن ما فعله ابنها:


-اللي محتاجة ستين قلم على وشها هي الوسخه بنت أخوك اللي متجوزه ابني وبتفكر في الوسخ التاني اللي غلطت معاه  


تلقائياً اتجهت أنظار فارس بشراسة نحو سارة

مستفسراً بعيناه عن مصدقية ذلك الحديث الذي قالته أمه 

وجدها تهز رأسها نافية لما قالته والدته ودموعها بدأت في الهطول على وجهها خشيةً من معرفة فارس بوجود مازن بمصر..حتى الآن مازالت تخاف عليه وتخشى أن يضره شئ بعدما حدث بينهم...حقاً الحب ترى به العجب


-اللي عاوزة ستين قلم على وشها هو إنتِ


قالها إبراهيم بغضب جلي قبل أن يهبط على وجهها بلطمى من أقوى اللطمات التي لطمها لأحد بحياته 


وضعت يدها مكان الصفعة بصدمة إعتادت عليها،قبل أن تنظر له بقوة قائلة:


-طلقني يا إبراهيم حالاً


جاء أحمد ليتدخل بينهم بعدته سارة بغضب وهي تقول:


-محدش يتدخل....أنا عاوزة أطلق ودلوقتي 


-إنتِ طالق 


نولها إبراهيم مرادها أمام الجميع...طلقها وأصبحت لم تحل له بعد الآن،لا يدرك الآن ما قاله،لا يدرك سوى أنها وقفت تناطحه أمام الجميع بعنادها المعتاد وأعطاها طلبها التي كانت تعلم أنه من المستحيل أن يحدث 


إرتجف جسدها إرتجافة ملحوظة فور سماعها 

لما قاله...وارتخى جسدها منها لولا يد فارس الذي تمسكت بخصرها لكانت فريشة في الأرض الآن 


دخل محمد الغرفة بعدما استمع لصوتهم المرتفع عقب دخوله من باب القصر 

وهو يقول بإستغراب:


-فيه إيه يا ولاد صوتكم عالي ليه 


لم يرد عليه أحد بل بقيوا صامتين وكأن على رؤوسهم الطير...مصدومين من طلاق إبراهيم لسارة


جعد محمد حاجبيه بإستغراب من صمتهم المبالغ به قبل أن يتجه نحو لين المنهارة من البكاء 


وقف أمامها وهو يضع يده على كتفيها قائلاً:


-في إيه يا حبيبتي بتعيطي ليه 


ردت عليه بصوت متقطع من كثرة البكاء بصوت حزين:


-بابا طلق ماما 


فتح عيناه على وسعيهما وهو يقول بصدمة:


-إنتِ بتقولي إيه


لم ترد عليه لين بل أكملت بكائها 


نظر إلى إبراهيم وهو يقول بتساؤل حذر:


-الكلام اللي قالته لين ده صح يا إبراهيم


-أيوة يا بابا أنا طلقت سارة 


قالها إبراهيم بكل ثبات وقوى دون أن يهتز له جفن


إنفعل محمد من سكونه الغريب وقال بغضب:


-إنتَ إتجننت أيه اللي حصل خلاك تعمل كده 


لم تعطيه فرصة للرد على سؤال أبيه بل قالت هي بكل قوة:


-هقولك أنا إيه اللي خلاه يعمل كده...اللي خلاه يعمل كده إنه بيدافع على بنت أبنك،بنت إبنك اللي مصانتش ابني ولا راعت إنه حماها وحمى شرفها من كلام الناس ولسه بتحب الوسخ التاني وشافته كمان... بنت إبنغك اللي بتقول إننا ظلمناها لما جوزناها فارس وإنها كانت عاوزة تتجوز مازن،متجوزة راجل وبتفكر في حضن راجل تاني...زعل أني قولت عليها واحدة وسخه وضربتها بالقلم،قولي إنتَ دي واحدة بتقال عنها إيه 


تعالت دقات قلب محمد بوجع مستنكراً لحديثها قائلاً بتيه:


-إنتِ بتقولي إيه 


-بقول اللي حصل واللي بنت ابنك قالته لِلين بنتي 


أما فارس لفت نظره كلمة واحدة بهذا الحديث الذي قالته أمه لِجده وهي"قابلته"...فكيف قابلته؟!


تقدم فارس نحوها ليحصل على إجابة للسؤال الذي بدر في ذهنه قائلاً لها بحدة:


-قابلتيه فين وإزاي 


هزت سارة رأسها ببكاء وهي تقول بصوت مبحوح:


-مقابلتوش،مقابلتوش 


علم أنها كاذبة من نظرات عيناها ودموعها التي تنزل خوفاً على مازن وليس خوفاً منه 


هز رأسه عدة هزات متتالية قبل أن يقول بهدوء:


-إنتِ طالق....طالق....طالق 


طلقها بالثلاثة دون أن يُفكر كثيراً...لا أحد يستطيع أن يعلم مدى راحته الآن عندما أزالها من حياته،كانت كل طلقة تخرج منه تحمل معها جزءً كبير من آلامه وهمومه 


أغمضت سارة عيناها ودموعها هبطت على وجهها أكثر لا تعلم لماذا اوجعتها الكلمة لكنها حقاً مؤلمة،لا تصدق أنها تحررت منه ومن آلامه

شعرت بالشفقة على زوجة عمها وعلى شعورها الآن فهي التي تكره العيش مع فارس وتكره طباعه شعرت بألم غريب تخلل جسدها عقب سماعها لكلمة"طالق" فماذا بزوجة عمها التي تعشق عمها وهو لديها بالعالم بأكمله


وضع محمد يده على قلبه بوجع وهو يقول بعصبية:


-إنتَ اتجننت ايه اللي قولته ده،الطلاق ده ميتحسبش لأنه وقت غضب 


إبتسم فارس ببرود وهو يقول لجده:


-مين اللي قال إنه وقت غضب...أنا بقوله وأنا في كامل هدوئي 


نظر محمد لسارة وهو يقول بحنيه:


-متزعليش يا حبيبتي أنا هتصرف في الموضوع ده وهسأل شيوخ 


-مبقاش ينفع يا جدو فارس اتجوز 


لم تعد لديه القدرة على إستيعاب كمية الأحداث التى تهطل فوق رأسه فمن ناحيه إبنه طلق زوجته ومن أخري حفيده طلق هو الأخر 

حفيدته ولم يكتفي بل تزوج عليها قبل الطلاق


اشتد ألم قلبه أكثر ولم يجد نفسه إلا وهو طريحاً على الأرض


بهتت وجوه الجميع وإقتربوا منه صائحين بإسمه 


ولكن لا حياة لمن تنادي

❈-❈-❈


-طنط عاملة إيه دلوقتي يا مازن 


أردف بها زين هادفاً للإطمئنان على شمس والدة مازن 


رد عليه مازن وهو يضع يده على شعره يرجعه للوراء بحزن:


-والله يا زين الدكاترة مش بيقولوا حاجة...كل اللي بيقولوا ادعولها 


ربت زين على رجل مازن قائلاً بمواساه:


-إطمن يا صحبي خير إن شاء الله


-إن شاء الله  أديني رايح النهاردة يمكن حد يطمني ولو بكلمة


-هاجي معاك أطمن أنا كمان 


أماء له برأسه دلالة على الموافقة


ثم أكمل حديثه قائلاً بتساؤل:


-هتتجوز إمتى 


-المفروض الاسبوع الجاي إن شاء الله،كنت مستني فارس يرجع من السفر وأهو رجع الحمدلله


أماء له مازن بصمت شارداً بالفراغ ككل مرة يأتي بها إسم فارس في الحديث 


أردف زين بتوتر وهو لا يعلم كيف يقول ذلك الكلام:


-طبعاً يا مازن إنتَ عارف إني نفسي تحضر فرحي بس للأسف فارس هيعرف إنك في مصر كده 


إبتسم مازن إبتسامة بسيطة وهو يهز له رأسه بتفهم 


لوى زين فمه بضيق من نفسه ولكنه لا يعلم ماذا يفعل فكيف سيأتي مازن على فرحه وفارس موجود أيضاً ؟،فارس يعلم أنه قاطع مازن منذ تلك الواقعة وعلى ما يظن أنه إن علم بتجديد صداقته بمازن مرة أخرى سيقطع علاقته به 


لاحظ مازن إنقلاب وجهه فقال له بجدية:


-متزعلش نفسك يا زين...هو ده اللي المفروض يحصل،مينفعش أنا وفارس نتجمع في مكان 


-حاسس إن هيجي اليوم اللي هنرجع فيه إحنا التلاتة زي ما كنا 


إبتسم مازن بسخرية وهو يقول:


-أهو ده بقى المستحيل بعينه 


-مستحيل من ناحيتك ولا من ناحيته؟


-مستحيل من ناحيتنا احنا الإتنين...اللي حصل مكنش سهل عليا يا زين ولا كان سهل عليه أنا عارف

❈-❈-❈


في المستشفى


تقف عائلة الهواري أمام باب الإسعافات الأولية بقلق وخوف منتظرين خروج أي دكتور يُطمئنهم على "محمد"


أما هو فكان يقف بعيداً عالماً بما سيحدث،فهو الذي كان يحمله بين ساعديه وشعر وقتها أنه يحمل جثة جده...نبضه متوقف وأنفاسه

منقطعة تماماً 


أما سارة كانت تبكي بشدة على حالة جدها 

الذي وقع أمامهم من حسرته عليهم

تدعو الله بداخلها أن يخرج لهم بالسلامة ولا يحرمها منه أبداً فهو الذي تستند عليه بهذه الدنيا ولا أحداً غيره 


فُتح الباب المحجوز خلفه محمد فجري إبراهيم سريعاً نحوه متقابلاً مع الطبيب 

وهو يقول بصوت مُتعب:


-أبويا عامل إيه...حالته إيه دلوقتي 


بعد الدكتور للخلف مقدار خطوة نظراً لإلتصاقه بإبراهيم وقال بعملية شديدة:


-الحاج كان جاي بسكته قلبية بس للأسف مقدرناش نعمل حاجة لأن قدر ربنا كان نفذ...البقاء لله 


صراخ الفتاتان "لين وسارة" هو الذي شق الصمت المطبق على المكان 


أما إبراهيم فتراجع للخلف وكاد أن يسقط لولا يد أحمد التي سندته 


ذهب فارس تجاه أخته وأخدها بين أحضانه عندما أزداد إنهيارها عن الحد وأخذ يهدء فيها 

ولكن كان بكائها وعويلها يزداد أكثر 


سقطت سارة على الأرض بعدما أصبحت قدميها لا تحملها وهي تضرب بكفيها على وجهها صارخه بإسم جدها 


نظر لأحمد أخيه فأستجاب سريعاً ودخلت لين في أحضان أحمد بعدما كانت في أحضان فارس 


أما فارس فهبط للأسفل متقابلاً مع سارة وبدون تردد أخذها بأحضانه وهو يبعد كفها عن وجهها 


أخذ سارة تصرخ وهي تقول:


-جدو مات يا فارس...جدو مات 


ضممها فارس أكثر وهو يحاول السيطرة على حركة جسدها المفرطة قبل أن يقول بهدوء عكس ما بداخله:


-ادعيله...عمره انتهى يا سارة 


هبطت دموع إبراهيم بحزن على فقدانه لأبيه

الذي وبالرغم من كبر سنه كان سنده في هذه الحياة،يشعر بالهواء يلحف ظهره،من كان يحميه من مصائب الدنيا رحل وترك ظهره مكشوف للمارة 

❈-❈-❈


في تلك اللحظة


دخل مازن وزين إلى مكتب الإستقبال ليأخذوا تذاكر الزيارة


سمع زين صوت عويل وصراخ بعض النساء 

فدعى للمتوفى بالرحمه وهو يقول لمازن:


-يا أخي عمري ما جيت المستشفى دي غير لما يبقى فيها حالة وفاة 


نظر له مازن بزعر مصطنع وقال:


-وجاي معايا عند أمي!!!


ضحك زين بشدة وقال:


-الله يخربيتك يعم متقولش كده ربنا هيقومها بالسلامة إن شاء الله


خرج من الممر فارس وهو يحمل سارة التي سقطت مغشي عليها 

وأحمد يسند لين على صدره 

خارجين بهم من المستشفى 


ولكن تقابلت الوجوه مع زين ومازن بعدما أخذوا التذاكر وإلتفوا حتى يصعدوا بالمصعد


❈-❈-❈


خرج من الممر فارس وهو يحمل سارة التي سقطت مغشي عليها 
وأحمد يسند لين على صدره 
خارجين بهم من المستشفى 

ولكن تقابلت الوجوه مع زين ومازن بعدما أخذوا التذاكر وإلتفوا حتى يصعدوا بالمصعد 

نظر زين بصدمة لفارس وأحمد عندما رأهم بتلك الحالة التي يرثى لها 
سارة يحملها كأنها جثة هامدة ولين التي على وشك فقدانها للوعي هي الآخرى

تقدم زين الخطوات الفاصلة بينهم وقال بزعر:

-فارس في إيه،ايه اللي حصل 

لم يكن فارس معه بل كان نظره ثابت على شخص واحد لم يراه لعدة سنوات ومع ذلك 
عرفه منذ أن وقعت عيناه عليه،تلونت عيناه بالجحيم عندما تأكد من وجوده بمصر 
حديث أمه صحيح فبالفعل سارة قابلت مازن!

هبطت عين مازن على سارة التي لا حول لها ولا قوة بين يدين فارس مستسلمة لقدرها

تعالت دقات قلبه بشدة عندما رأها بذلك الوضع لا يعلم ما بها ولما هي مستلقية بذلك الشكل المهلك للأعصاب 

لم يهمه نظرات فارس له ولم يهمه صدمته البادية على وجهه ولا نظرات أحمد أخيه المشتعلة بالخوف مما سيفعله أخيه به 
وتركهم وغادر المكان بهدوء متجهاً للمصعد 

إلتف فارس برأسه للخلف ناظراً إليه وهو يدخل المصعد حتى لقطت عيناه الدور الصاعد إليه المكتوب باللون الأحمر فوق باب المصعد 

عاد بأنظاره مرة أخرى للأمام مخصصاً زين بنظرة قاتلة قبل أن يحرك قدميه للخارج وأحمد خلقه ناظراً لزين بشفقة عما سيرى من أخيه 

تمسك زين بيد أحمد وهو يقول بقلق:

-فيه ايه يا أحمد...انتوا هنا ليه 

لم يهمه نظرات صديقه ولا أنه كشفه وعلم علاقته بمازن كل ما همه هو تلك المصيبة التي جاءت بهم لهنا 

رد عليه أحمد قبل أن يتركه ويخرج من المستشفى:

-جدي محمد تعيش إنتَ...وأنا رايح أوصل البنات

إهتز زين قليلاً من الخبر قائلاً:

-لا حول ولا قوة إلا بالله....البقاء لله

أماء له أحمد وتركه وخرج خلف أخيه 
واضعين سارة ولين بالسيارة
ركب أحمد في كرسي القيادة وغادر المكان سريعاً متجهاً للقصر 

أما فارس فعاد مرة أخرى للداخل حتى ينهي إجراءات خروج جده من المستشفى ومراسم دفنه 

وجد زين واقف مكانه كما تركه وعلى ما يبدو أنه منتظره 

جاء فارس ليتخطاه،مسك زين معصمه وهو يقول بحزن:

-البقاء لله يا صاحبي،ربنا يجعلها أخر الأحزان 

خصصه بنظرة قاتلة صابت هدفها،نظر زين للأسفل بخزى قبل أن يتمتم بصوت منخفض:

-هفهمك كل حاجة بس ياريت تعدي اليوم يا فارس 

-رن على عم مصلحي يجهز المدفن 

قالها فارس قبل أن يتجه لغرفة الاستقبال مرة أخرى،وجد أبيه يجلس جوار جثة جده على الفراش يبكي جواره بهدوء 

خرج مرة أخرى دون أن يتحدث مع أبيه إلى الاستقبال لينهي إجراءات وفاة جده وتغسيله وخروجه من المستشفى

❈-❈-❈


توقف أحمد بالسيارة أمام باب القصر الداخلي 
ونزل من السيارة سريعاً بعدما فتح بابها 
متجهاً للباب الخلفي حتى يخرج لين وسارة 

مسك يد لين وأخرجها بيسر ومن ثم سندها وأدخلها للبهو 
وعاد مرة أخرى وهو يحاول إفاقة سارة بقارورة المياه التي جلبها من الداخل وبعد المحاولة الثانية فتحت سارة عيناها أخيراً وهي تنظر حولها وفي لحظة تذكرت ما حدث وعادت لبكائها مرة أخرى 

أخرجها أحمد من السيارة وسندها حتى جعلها تجلس بجوار لين 

أما سارة زوجة إبراهيم كانت تجلس جوار مالك بغرفته تحاول تهدئته بعدما إنفعل عليه إبراهيم وهم خارجين بمحمد للمستشفى 
وأخيراً قد خلد للنوم

نزلت سريعاً لأسفل عندما استمعت لصوت بوق سيارة أحمد
وجدت سارة ولين جالسين بالبهو كل واحدة منهم حالها لا يسر عدو 

وجهت سؤالها لأحمد الواقف جوار لين يحرك كفه على ظهرها بهدوء :

-إيه يا أحمد اللي حصل؟

-جدو تعيشي إنتِ يا ماما 

ردت سارة على إبنها بصوت حزين:

-لا إله الا الله...ربنا يرحمه يا حبيبي ويبارك فيكو

❈-❈-❈


جلس "علي" على كرسي مكتبه يتحدث في الهاتف وهو يقول بضحك:

-البقاء لله يا مُنير بيه في حمى بنتك العزيز

ضحك منير هو الأخر قائلاً بحزن مصطنع:

-الدوام لله يا علي منجلكش في حاجة وحشة أبداً

ثم استكمل حديثة مذكراً به علي حتى ينغص عليه فرحته:

-بس متنساش يا علي إن لسه في ٢ غيره 
وطول ما فارس في السوق هيفضل معلم عليكوا 

-بتفكرني ليه يا منير طب سبني أفرح يا جدع 

ضحك منير بشدة وقال:

-لازم أفوقك يا صديقي العزيز....إلى اللقاء قريباً

ردد علي جملته وهو يقول بإستغراب:

-قريباً!

أماء منير كما لو كان يراه وقال بجدية:

-نازل بكرة إن شاء الله أنا ووائل..... إنتَ عارف إني لازم أقدم واجب العزاء 

-طبعاً يا باشا إنتَ مبيفوتكش أي واجب وبالذات لو كان لعيلة الهواري 

❈-❈-❈
دخل مازن الڤيلا بعدما إطمئن على والدته وجد أبيه يجلس في بهو الصالة يشاهد التلفاز

جاء ليصعد لغرفته وجد أبيه يناديه
نظر له بضيق وهو يقول بتساؤل:

-خير

-روحت لشمس النهاردة؟

-لسه جاي 

-حد طمنك؟

رد عليه وهو يدير ظهره لأبيه قاصداً درجات السلم لكي يصعد لغرفته:

-فيه تحسن 

حمد الله في سره قبل أن يقول بجدية:

-هتيجي معايا نعزي في محمد الهواري

عاد مرة أخرى حتى أصبح يقف أمامه مباشرةً 
وقال بنبرة أشد جدية من نبرة أبيه:

-أنا اللي رجعني هنا تاني هو مرض أمي وبس 
ولولا كده عمري في حياتي ما كنت هبص في وشك تاني فبلاش طريقتك دي

-كل ده ليه؟...عشان صلحت غلطتك وطيش شبابك 

-مكنش طيش شباب يا علي بيه إنتَ دمرتني 
وبعدتني عن أكتر إنسانة قلبي حبها 

قام علي من على مقعده حتي وقف أمامه بطوله الفارع وهو يقول بغضب:

-قلبك محبش غير بنت الهواري،اللي سلمت نفسها ليك في الحرام تسلمه لغيرك عادي
كنت عاوزني أجوزهالك وأسلمها اسم العيلة كده بسهولة

إقترب مازن بوجهه وقال وهو يضغط على كلامه:

-مكنش في الحرام وإنتَ أكتر واحد عارف إنه مكنش في الحرام

-فاكر الورقتين العرفي اللي كنت ضاربهم معاها دول حلال

رد عليه تلك المرة بصوت عالي والعصبية تخللت هدوئه:

-جوازي منها كان متوثق وعند مأذون وده اللي خلي فارس يستنى ٣ شهور عشان يتجوزها بعد ما طلقتها... اوعي عمرك تقول في الحرام
أنا مش زيك يا علي بيه ولا عمري هكون زيك 

إبتسم علي إبتسامة بسيطة قائلاً بهدوء:

-إنتَ ليه فاكرني ضدك،يا حبيبي أنا أبوك وأكتر إنسان نفسي أشوفك ناجح ومبسوط 
واللي حصل زمان ده كله عشان مصلحتك 

-هتقولي مصلحتك تاني؟...انت عجبك حالي دلوقتي بعد ما عملت اللي في مصلحتي

-انتَ اللي غبي وسيبت وطنك وسافرت بعد ما كنت مأسسلك حياة هتخلي عيلة الهواري كلهم في الأرض 

-أنا من غيرها شريد مليش وطن

قالها مازن بكسرة ودموع القهرة اغرورقت بعيونه وهو يصيح بحزن:

-خليته ياخدها من بين حضني بالملاية،خرجت مراتي بالملاية...لعبت لعبتك القذرة ودمرتني 
بس تعرف مش عارف أكرهك يا أخي عاوز أجرحك وأردلك اللي عملته بس مش عارف 
لأنك للأسف أبويا

توتر علي من مظهر ابنه الذي تغير مئة وثمانون درجة وابتدت إمارات الوجع تظهر على وجهه 
بداية من إحمرار وجهه الشديد ودموع عيناه التي يحبسها بالغصب 

قال في محاولة منه لإقناع ابنه بما فعله في الماضي:

-أنا كنت فكرك بتلعب بيها يا مازن مكنتش أعرف إنك بتحبها كده وإنتَ عارف العداوة اللي بينا وبين عيلة الهواري من زمان فلقيتها فرصة أكسر عينهم بيها 

-كسرت عينهم بمراتي...كسرتها وكسرت قلبي 
الله يسامحك على اللي حصل..الله يسامحك على وجعي يوم ما شوفتها بتتجوزه وكنت واقف متكتف،الله يسامحك على وجعي النهارده وأنا شايفه شايلها بين إيديه..الله يسامحك

صوت إبنه المليئ بالقهرة جعله يحسبها ويعرف أنه أخطأ،في أول مواجهة بينه وبين ابنه منذ تلك السنوات التي مرت جعلته يقف أمامه كالتلميذ المخطئ لا يستطيع الرد عليه 

-حقك عليا يا مازن سامحني يا بني والله العظيم عمري ما قصدت أذيك ولا أجرحك 
بس وقتها الشطان اتمكن مني ولقيتها فرصة أضرب بيها عيلة الهواري وأبعد البنت دي عنك 
لأني مكنتش عاوز دم عيلة الهواري يبقى موجود وسطينا 

جلس مازن على الأريكة بعدما شعر أن قدميه لم تعد تحمله وهو يقول له:

-أسامحك؟...أسامحك بعد أيه،بعد ما دخلت البيت اللي كنت مأجره وحطيت فيه كاميرات مراقبة عشان تتفرج على ابنك ومراته 
ولا اسامحك على إنك بعت الفديوهات لفارس وفرجته على لحمي ولا أسامحك على خروجها بالملاية ولا أسامحك على الرعب اللي سببتهولها بالفديوهات دي وأنك هتشهر بيها لاء وكمان خلتها تقتنع إني مشترك معاك في اللعبة القذرة دي 
وياريتك استكفيت بكده وبس لاء سرقت كمان الورق اللي أقدر أثبتلهم بيه انها مراتي وطلعتها خاطية قدامهم....أسامحك إزاي قولي 
طب ولو أنا سامحتك معقول ربنا هيسامحك على اللي عملته ده؟

-ربنا غفور رحيم يا مازن 

قالها علي بصوت واطي يكاد يسمع وهو ينظر إلى أسفل غير قادر على رفع عيناه أمام إبنه بعد ما قاله من حديث مخزي

قام مازن من مكانه قائلاً بنبرة حاول جاهداً أن يجعلها متزنة:

-وأنا أتمنى إن ربنا يسامحك وأنا كمان أقدر أسامحك 

تركه وصعد درجات السلم بسرعة رهيبة داخلاً 
لغرفته يبكي كطفل صغير تعرض لتعنيف من والده،مازال يحبها ويدق قلبه شوقاً لها عند رؤيتها،إنخلع قلبه من مكانه عندما رأي مازن يحملها كالجثة ولكنه قبل أن يغادر المستشفى علم بوفاة محمد فعرف سبب حالتها تلك 

أشفق عليها ودعى ربه أن يلهمها الصبر لأنه أكثر من يعلم كيف تحب جدها وتحترمه 
❈-❈-❈
في مقابر العائلة 

يقف الشيخ أمام القبر الموضوع عليه اسم "المرحوم محمد الهواري" يقراء ما تيسر من القرآن الكريم 

وخلفه يقف فارس وإبراهيم وأحمد وزين ينصتون إليه في خشوع 

ومن خلفهم بعض الرجال الآتيين لتقضية واجب العزاء 

أما على الجانب الآخر فتقف سارة ولين يبكيان 
على وفاة جدهم الغالي رحمة الله عليه 
تقف سارة والدة لين جوار إبنتها محاولة تهدئتها ولكن دون فائدة 

بعد مرور ساعتين من تواجدهم في المقابر 
إستقلوا سياراتهم وذهبوا إلى القصر لأخذ واجب العزاء من الضيوف 
❈-❈-❈


نظرت نغم للساعة وجدتها تجاوزت الحادية عشر ليلاً وعلى ما تظن أنه خرج الساعه واحدة ظهراً تقريباً،فكيف لم يطمئن عليها كل هذا الوقت؟....أخذت هاتفها وهي تبحث عن رقمه وضغطت على زر الإتصال قبل أن تضع الهاتف على أذنها منتظرة رده عليها 

ولكن انتهت المكالمة دون أن يأتيها رده،عادت القرة مرة أخرى وهاتفته ولكن تلك المرة كسابقتها لم يأتيها الرد....بدأ القلق ينهش منها وهي تفكر لماذا لا يرد عليها ولا فكر طوال اليوم أن يهاتفها يطمئن عليها

جاءت ببالها فكرة فأخذت الموبايل بعدما ألقته جوارها وهاتفت "رانيا"
لم ترد عليها أول مرة ولكن في المرة الثانية جاء صوتها المنخفض وهي تقول:

-إزيك يا نغم

-الحمدلله بخير...أسفة إني برن عليكي دلوقتي 
وقلقتك يا رانيا

-لا يا حبيبتي مفيش قلق ولا حاجة...خير؟

-فارس خرج من الصبح وقالي أنه مع زين وأحمد بس لحد دلوقتي مجاش ولما برن عليه بيدي جرس بس مش بيرد،فلو ممكن ترني على زين تطمنيني على فارس 

سكتت رانيا قليلاً قبل أن تقول بتوتر:

-فارس وزين في القصر لو عاوزة تكلمي فارس ممكن أشاورله أديله الموبايل 

ردت عليها نغم بإستغراب قائلة:

-هو إنتِ معاهم؟

-إنتِ مفتحتيش سوشيال ميديا ولا إيه يا نغم
محمد الهواري جد فارس توفى النهاردة 

صُدمت نغم مما قالته رانيا فهي لأول مرة تعرف أن فارس لديه جد من الأساس 
ولكن تداركت صدمتها سريعاً قائلة:

-طب إديني عنوان القصر يا رانيا لازم أبقى مع فارس 

توترت رانيا ووقفت كصنم لا تعلم ما ستقوله 
فهي لم تتخيل أن نغم ستسألها على العنوان لتأتي إليه،فقالت بتوتر:

-هتيجي إزاي يا نغم ده الليل دخل علينا 

-هاتي العنوان يا رانيا وأنا هتصرف 

لم تجد رانيا مهرب من المأذق الذي وضعت نفسها به  فوجدت نفسها تعطيها العنوان بكل يسر ومن ثم أنهت الإتصال 

ضغطت على زر الاتصال ولكن على زين ولكنه لم يرد...حاولت مرتين أخرين وفي الأخيرة جاوب أخيراً 

-إيه يا رانيا 

-زين نغم جاية القصر دلوقتي 

رد عليه زين بإستغراب وهو يقول:

-إيه اللي هيجبها القصر!!

أردفت رانيا بتوتر نادمة على انفلات لسانها منها:

-كانت بتسألني عن فارس فقولتلها إن جده توفى والله العظيم كنت فكراها عارفة..لقتها بتقولي هاتي عنوان القصر أنا جاية 

زفر زين بضيق قبل أن يقول:

-ربنا يهديكي يا حبيبتي ويربط لسانك اللي مودينا في داهية ده 

-إنتَ في ايه ولا ايه يا زين...قول لفارس يمكن يمنعها تيجي 

-ماشي...سلام

اغلق زين الهاتف دون أن يستمع لها وعاد مرة أخرى لمكانه بجوار فارس 

مال رأسه قليلاً ليصبح مقابل أذنه وقال بصوت منخفض لا يسمعه غيره:

-نغم جاية القصر دلوقتي

وقف في هذا الوقت إياد صاحب أحمد أمامهم وهو يمد يده مصافحاً فارس وهو يقول:

-البقاء لله ربنا يجعلها أخر الأحزان

أماء له فارس وهو يقول بذهن شارد بما أخبره به زين:

-الدوام لله

سلم إياد على زين هو الأخر ومن ثم عاد ليجلس جوار صديقه أحمد 

فرح عندما رأي فارس موجود بالعزاء فمعنى هذا أن نغم هي الأخرى عادت من السفر معه 
فعزم على الذهاب إليها غداً فلأول مرة منذ معرفته بها يبعد كل هذا البعد عنها

نظر فارس بالساعة وجدها تخطت الثانية عشر 
أخرج هاتفه سريعاً وجد العديد من الإتصالات الآتية من نغم 

نظر فارس إلى زين وهو يقول بتساؤل:

-مين قالك انها جاية؟

-رانيا ادتها العنوان 

نظر له نظرة لها معنى 
فسكت زين لا يعرف ما سيقوله له فرانيا مخطئة ولكن ماذا سيفعل هذا طبعها 

مسك فارس هاتفه وهو يبتعد عن مكان جلوسه 
مهاتفاً نغم 
قال بغضب بعدما فتحت المكالمة دون أن ينتظر سماع صوتها:

-إنتِ فين؟

شعرت بالخوف عندما لمست نبرة الغضب المحتلة صوته فقالت بحذر:

-أنا راكبة التاكسي وجاية القصر يا فارس 

رد عليها فارس بعصبية وهو يقول:

-ده بمزاجك كده...كيس جوافة أنا أعرف إن مراتي خرجت من البيت من صاحبي

-يا فارس انا لما عرفت إن جدك توفى رنيت عليك كتير عشان أقولك إني هاجي بس إنتَ مردتش عليا فضطريت إني أخرج 

أغمض فارس عيناه بشدة عله يُهدأ من غضبه 
لا يصدق أنها خرجت من المنزل في ذلك الوقت المتأخر والأدهى أنها تنفرد برجل في سيارة التاكسي بهذه الساعة

-إنتِ فين دلوقتي 

قالها بصوت جاهد في خروجه بهذا الهدوء 

-أنا نزلت أهو وواقفة قدام القصر،تعالى خدني
عشان هتكسف أدخل 

أغلق الهاتف ووضعه بجيب بنطاله بعد معرفته بوقوفها أمام البوابة الخارجية للقصر وعاد مرة أخرى للداخل قائلاً لزين:

-أنا خارج ثواني وجاي خليك قاعد مكاني 

أماء له زين ثم قال بإستفسار:

-في حاجه ولا أيه 

رد عليه فارس بسؤال ليس له علاقة بما يقوله:

-هو النهاردة كام في الشهر

رد زين على سؤاله بإستغراب:

- ٥/١٢.....ليه

- عرفت ليه أنا مبحبش رقم ١٢ ولا لسه 

- لاء مش واخد بالي مبتحبوش ليه؟

-عشان مبيحصلش فيه غير المصايب

قالها فارس قبل أن يغادر المكان الجالس فيه الرجال

ووقف أمام باب النساء وهو ينادي على "لين" 
ذهبت إليه لين عندما إستمعت إلى صوته 
وقالت بتساؤل:

-بتنادي عليا يا فارس؟

-اه يا حبيبتي كنت عاوز في خدمة عارف إنه مش وقتها بس عشان خاطري أقفي جمبي 

-في إيه يا فارس،إنتَ عارف إني أعمل اي حاجة عشانك 

إبتسم لها فارس إبتسامة بسيطة رداً على كلامها قبل أن يقول بتوتر:

-نغم مراتي برة وإنتِ عارفة إن لسه متعرفتش على حد هنا وأنا مش هقدر أقعد معاها وأسيب الرجالة فهسيبها معاكي أمانة يا لين

صمتت لين للحظات رافضة الفكرة حتى لا تجرح سارة إبنة عمها وصديقتها ولكن اخرجها فارس من صمتها هذا برجائه:

-عشان خاطري عندك يا لين مترفضيش ده اول طلب أطلبه منك...إنتِ بس هتقابليها حلو ومتخليش حد يضايقها وهي هتقعد مع رانيا 

أماءت له لين موافقة بالإجبار بعدما قالت:

-هاتها

قبل رأسها بحب قبل أن يقول:

-شكراً يا حبيبتي

تركها فارس وخرج من باب القصر الداخلي متوجهاً للخارج وجدها بالفعل تقف أمام البوابة الرئيسية ملتحفة بالأسود بالكامل ووجها كالبدر المنير بين عتمة الليل 

جريت نغم عليه بسرعة فور وقوع عيناها عليه 
وارتمت بأحضانه وهي تقول بإشتياق:

-وحشتني أوي

ضمها فارس إلى حضنه أكثر وقبل رأسها قبل أن يقول:

-وإنتِ كمان 

بعدت عن حضنه وهي تقول بأسى:

-البقاء لله أنا والله معرفتش غير من رانيا...أنا اصلا مكنتش أعرف إنك عندك جد

إبتسم فارس على مزحتها الأخيرة وهو يقول:

-في حاجات كتير مكنتيش تعرفيها وتقريباً كده هتبان النهاردة

نظرت له بإستغراب وهي تقول:

-حاجات زي إيه 

-هقولك لما نروح النهاردة،بس أوعديني اي حاجة هتشوفيها جوة أو تستغربي منها متسأليش فيها غير لما نروح بيتنا 

أماءت له نغم بإستغراب وهي تقول:

- حاضر

❈-❈-❈

بمكان تجمع السيدات

تجلس سارة تستقبل العزاء من الضيوف الوافدين وبداخلها جمر مشتعل تريد أن تأخذ بعضها وتغادر المكان لتترك نفسها لحزنها 
فإبراهيم طلقها دون أن يرف له جفن 

بداخلها شعورين شعور يريد أن تذهب إليه وتحتضنه لتخفف عليها ألم فراق والده التي تعلم جيداً كيف سيؤثر عليه 
والثاني يريدها أن تهرب من هنا فالحقيقة المُرة أنها أصبحت طليقته ليس إلا

وقف فارس على الباب وبيده نغم يبحث عن أمه وأخته بعيناه حتى وجدهم 

تقدم بخطاه إلى الداخل ونغم تسير جواره مشددة على كفه
وبمجرد دخوله وهو ماسك بيدها جعل أنظار كل السيدات الموجودين بالمكان منصبة عليهم محاولين تخمين من تلك الموجودة مع فارس الهواري 

وقف أمام والدته وقال بنظرة ذات مغذى:

-نغم يا ماما،مراتي

توقيت غير مناسب تماماً حتى تستقبل زوجة ابنها التي عادت الحياة لإبنها مرة أخرى كما قال لها.....سعيدة لسعادته ولكن بداخلها جمر من النار مشتعل من طلاقها من إبراهيم،حتى الآن لا تصدق ما حدث

لو كان في وقت أخر لكانت تطير من الفرحة الآن ولكن صدمتها بطلاقها من إبراهيم جعلتها في صدمة كبيرة لا تقدر على استعابها 

نظر لها فارس نظرة رجاء لمحتها في عيونه 
فاغتصبت نفسها لتتصنع إبتسامة واسعة وهي تأخذها بين أحضانها قائلة:

-ما شاء الله عليكي زي القمر يا حبيبتي..فارس مكدبش في اللي قاله عليكي 

إبتسمت لها نغم بخجل وقالت لها:

-ربنا يخليكي يا طنط...الصراحة إنتِ اللي زي القمر 
وفي سؤال بيدور في ذهني دلوقتي إنتِ إزاي أم فارس 

ضحكت سارة من قلبها وهي تقول لها:

-طفرة جينيه بتحصل عادي

جاءت لين إليهم قائلة لفارس حتى لا تُحزنه فهي تعلم أنه ذهب بها إلى والدتها لمعرفته أنها لن تستطيع محادثتها ولا النظر بوجهها ولكنها قامت وفعلت ذلك من أجل أخيها:

-مش هتعرفها عليا يا فارس 

إبتسم فارس لها إبتسامة إمتنان ووضع يده على كتفها وهو يقول لنغم:

-دي يا ستي لين القلب...أختي 

إبتسمت لها نغم وقالت بهدوء:

-البقاء لله

-الدوام لله يا حبيبتي...تعالي أقعدي معانا هناك 
احنا والبنات 

نظرت نغم لفارس أماء لها برأسه وهو يقول:

-روحي يا حبيبتي معاها

ذهبت نغم مع لين لمكان الفتيات

أما فارس قبل رأس أمه قائلاً لها بهدوء:

-عارف إنك زعلانة ومش قادرة تقعدي أكتر من كده بس صدقيني لما الناس تمشي هنشوف حل 

أماءت له برأسها وهي تقول له:

-ربنا يباركلي فيك يا حبيبي

❈-❈-❈


سلمت نغم على رانيا وجلست جوارها بعدما دخلت مع لين غرفة جلوس الفتيات 

نظرت لها سارة نظرة شمولية عرفت من خلالها أنها نغم سكرتيرة فارس سابقاً وزوجته حالياً فهي رأت صورتها بالجريدة مع فارس من قبل 

لا تعلم لما هذا الشعور الذي استوطنها ولكنها كرهتها،على ما يبدو أن المرأة تفضل مرأة مهما كانت الظروف...تحب إمتلاك الأشخاص وها هي نيران الغيرة اشتعلت بجسدها تجاهها 

لا تغير على فارس ولكنها تغير من سرقتها لإسمها الذي كان الكل يهابها به من قبل وهو 
"زوجة فارس الهواري"

أخفضت بصرها لأسفل عندما لاحظت نغم نظرات الكره التي تخصها بها 

مالت نغم على رانيا وقالت لها بصوت منخفض وهي تشير على سارة بعيناها:

-رانيا هي مين اللي قاعدة هناك دي

-بنت عم فارس 

قالتها رانيا بسرعة رهيبة قبل أن تفكر في الإجابة لانها عندما تفكر تخرب الأمور 

-من وقت ما دخلت وهي عمالة تبصلي بقرف 

-سيبك منها وبصي قدامك 
❈-❈-❈
وقف فارس بإستغراب عندما وجد جده مُنير وخاله وائل 
داخلين من الباب الرئيسي لمعزى الرجال 

ومن خلفهم دخل علي

كانت وجهة منير الأولى هي فارس حفيده الذي يفتخر به وبدهائه في العمل رغم أنه يعود عليه بالضرر

احتضنه مُنير دون أي انذار وقال:

-وحشتني يا ابن الهواري 

إبتسم فارس وقال:

-ما هو باين من أخر صفقة يا منير بيه

-واخدها عند فيك خد في بالك...أصلي بحب ألعبك في السوق أوي 

ضحك فارس وقال:

-وانا بحب اللعب معاك يا منير

-قليل الأدب بس بحبك أعمل إيه...مش بيقولوا أعز الولد ولد الولد 

ثم إستكمل حديثه قائلاً بجدية:

-البقاء لله...العمر الطويل ليك إن شاء الله

-الدوام لله... شكراً على نزولك 

سلم وائل هو الأخر على فارس بحب كبير فوائل علاقته بفارس ليس خال وإبن أخته ولكن علاقة أخ بأخيه رغم العداوة التي أصبحت بين أبيه وعائلة الهواري مؤخراً في العمل

ذهب أحمد إلي مكان وقوفهم وسلم على جده وخاله هو الأخر 

أما علي فوقف أمام فارس قائلاً بسخرية:

-البقاء لله يا فارس يا بني منجلكش في حاجة وحشه تاني 

نظر له فارس بعيون تطلق شرارات تحرق الأخضر واليابس قبل أن يقول:

-قول لإبنك فارس الهواري هيجيبك والمرادي مش هيرحمك 

توتر علي قليلاً قبل أن يقول:

-ملكش دعوة بيه يا فارس ابني بعيد عنكم خالص 

-هعرف إذا كان بعيد ولا قريب بس وقتها حضرله كفنه عشان زي ما قولتلك مش هرحمه

❈-❈-❈


في الساعة الثانية ليلاً بعد انتهاء العزاء ومغادرة أغلب الحاضرين 

دخل مُنير ووائل القصر وبجوارهم علي بما أنه صديق منير الصدوق

عندما رأت سارة والدها جريت سريعاً إليه وهي تحتضنه بإشتياق لا تصدق أنها رأت والدها أخيراً بعد تلك المُدة التي سافر بها 
ضمها اليه أكثر بإشتياق وهو يقول:

-وحشتيني يا حبيبتي

-حقك عليا يا بابا أنا أسفة أني قاطعتك كل الفترة اللي فاتت دي عشان ناس متستهلش 

خصصت تلك النظرة لإبراهيم الواقف خلفهم 

قبل رأسها وقال:

-مفيش حد بيزعل من روحه يا حبيبتي

خرجت من حضن أبيها لحضن وائل 

خرجت لين والبنات على الصوت الأتي من الخارج 

سلمت لين عليهم بحب هي الأخرى وظلت بجوار خالها متمسكة بحضنه 

أردف مُنير أخيراً بعد فترة من الصمت:

-هنستأذن إحنا عشان نسيبكم ترتاحوا 
يلا يا وائل إنتَ وعلي 

وجاء ليلتفت حتى يغادر 
أوقفته سارة بصوت قوي لا تعلم من أين  أتى:

-استني يا بابا أنا جاية معاك

رد عليها منير بإستغراب وهو يقول:

-جاية معايا فين؟

-أنا وابراهيم اطلقنا يا بابا 

جاء ليرد عليها سمع صوت علي الذي يقول بصدمة:

-نغم

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة