رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 8 - 1
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثامن
لم يستطع أيمن كبح جماح غضبه بعد معرفته بقدوم طارق عزاء والد زوجتة بكل وقاحة جاء ليراها، لذا فشل في ضبط انفعالاته وفي السيطرة على نوبة الهياج العصبي التي تملكت منه ولم يشعر بنفسه الا وهو يهينها باقسي طريقه ممكنة.. رغم انه راى تاثير كلماته الثقيلة عليها فهو اهانها بطريقه صعبة !.
وعندما رآها كذلك تحاول السيطره على انهيارها امامه لم يستطع إضافة المزيد، ولكن على أقل تقدير أفرغ به جزءًا من ثورته المشحونة وهو فعل ذلك ورحل تارك إياها تصارع مع انهيارها .. صعد سيارته و ارخي جسده للخلف محدقًا في الفارغ أمامه ثم رفع نصب عينيه علي خاتم زواجه ليشرد فيه مطولاً.
ليتساءل نفسه ماذا يريد منها بالضبط؟ اذا كأن غير قادر على مسامحتها ونسيان خيانتها فالحل سهل يبتعد عنها ويتركها؟ ارحم من ذلك العذاب الذي يتصارع به كل يوم ويعذبها هي الاخرى بكلماته القاسية.. لكن ليكن صريح مع نفسه هذه المره! هو أيضاً غير قادر على تركها فما زال قلبه ينبض إليها بعد كل ما حدث ؟؟. يحبها رغم خيانتها له؟؟ وهذه النقطه تجعله يغضب ويثور اكثر واكثر .
عبس وجه أيمن بشدة متذكر كلماته لها الوقحه والجريئه وهو يسب اخلاقها علنًا؟ بصراحه بوجهها، لكن أليس تلك الحقيقه؟ فاذا كانت زوجه صالحه لكانت اغلقت باب طارق من البدايه ولم يستمر الأمر معها الى هنا !!.
انزعج أيمن من نفسه من تبدل حاله من الغضب و للتجهم والعبوس إلي حزنه عليها، أحس بتأنيب الضمير لتعامله معها بتلك الطريقة بجفاء قاسٍ، فقد ندم علي حديثه ذلك وخشي أن يحيد عن هدفه الأساسي، وينشغل بأمور ندمه ويضعف تجاهها.. لكن لن يستمر طويلاً فالغيره تنهش جنيات نفسه بقوة بلا رحمة، لذلك الاسلم أن يلمح دومًا إلى قرب انتهاء ما بينهما.
لكن مهلا! هل بالفعل سيتركها وينفصل عنها؟ هل سيطلقها لتذهب وتتزوج بغيره !!. يا إلهي لتلك اللحظة مزال يشعر بالغيرة عليها ولا يسيطر على نفسه عندما يتخيلها بحضن رجل آخر ! . إذن لما لا يعطيها فرصه ثانيه !!. ويسامح؟ لكن الى هنا يشعر هو بالاهانه لنفسة فاذا عاد وسامحها بعد كل ذلك كبريائه كرجل شرقي لم يساعدة لفعل ذلك، خصوصا وهو ليس لدي الثقه الكامله بها .
فتلك هي المشكله غير قادر على الانفصال عنها وغير قادر على المغفرة !. تنهد بضجر واضح عليه ثم أغمض عينيه محاولة إجبار نفسه على عدم التفكير في أي شيء.
❈-❈-❈
شعرت فريدة بسكاكين تغرز بقلبها وتنفست بغضب وهي تقترب نحو والدتها و اختها الذي يجلسون بالخارج، أسرعت بخطوات سريعه و أدمعت عينها لتهتف بصوت حاد
= ماما هي تسنيم اتصلت وانتٍ رديتي عليها قلتلها ايه؟ انا من ساعتها بحاول اتصل بيها مش بترد؟
كزت أمها على أسنانها صائحًة بغضبٍ فيها
= أحسن أن شاء الله عنها ما ردت، قلت لها ان احنا خلاص ما بقاش في قضيه وهنحل كل حاجه ودي وقريب هنلغي التوكيل اللي عملناه ليها
رفعت عينيها وقد اهتزت شفتاها قائلة
بإصرار
=و مين قال لك ان انا هتنازل عن قضيه و وافقت على الهبل اللي انتم بتقولوه؟ انا مش هعمل كده! مش هتنازل عن حقي فاهمين ولو مصممين تعملوا كده يبقى استلمه بقى اللي هعمله عشان انا هقف قدام العالم كله والناس واقول لهم ان أنتم عاوزين تغصبوني اتجوز واحد مش عاوزاه .
هزت أمها رأسها بيأس منها وهي تنهض لتقف قبالتها ثم قست تعابيرها لترد مدافعة عن نفسها
=يا بنتي ما تحسي بينا وتفهمينا، إزاي كنا هنقف لوحدنا قصاد العالم القادر ده؟ ده احنا حيالله ناس غلابة لا لينا في التور ولا في الطحين، ده بدل ما تريحينا في الدنيا هتيجي انتٍ كمان تكملي علينا.. انتٍ لسه صغيره و ما تعرفيش حاجه في الدنيا الصعبة دي
مسحت بيدها دمعاتها الساخنة التي انهمرت بغزارة على وجنتيها، وتلاحقت أنفاسها المختنقة وهي تردف بانكسار
= انا تعبت حرام عليكم حسوا بيا، زي ما عمالين تتهموني ان انا انانيه انتوا كمان انانيين ومش بتفكروا غير في نفسكم !. كل اللي بقى يهمكم ازاي تداروا على الفضيحه وتسكتوا الناس، بقيتوا خايفين على بيوتكم لا تتخرب و مش خايفين على مستقبلي اللي بيضيع .. انا تعبت خلاص .
أشارت ريهام لها بكفها قائلة بتهكمٍ حاد
= ياسلام .!! ماكلنا تعبنا و كلنا طلعان عين اللي جابونا في الدنيا، انتٍ ليه مفكره انك الوحيده إللي في العالم بتعاني
اسخف ما يقول للمواسيه، فإن الجميع يعاني ليس بمفردك من يتألم، هاجت دمائها من جديد داخلها لتردف بعصبيةٍ مقهوره
= يطلع عيني وعين أهل اللي جابوني كمان بس علي حاجه تستاهل السبب، بس مش أشيل ذنب حاجه انا معملتهاش واتحاسب عليها وابقي شايله همها ليه!!.
أجابتها أمها على مضض وعبوس واضح يكسو ملامحها
= ما إحنا لو ما عملناش كده فيكي يا حبيبتي الوضع ده هيستمر معانا كلنا، انتٍ هتفضلي طول عمرك في القرف ده ومش قادره تبصي في عيون الناس ولا احنا، و اختك هتطلق بعيالها .. وكلنا هنفضل في الهم ده.
وجدت فريده بأن الحديث لا فائدة منه معهم لذا انسحبت الى غرفتها وقد فاض بها الكيل، حاولت ان تتصل بتسنيم مره ثانيه وثالثه ورابعه حتى ردت بجمود
= خير يا فريده عماله تتصلي كل شويه عاوزه
إيه؟ مش كفايه الكلام اللي سمعته من والدتك ولا عاوزه انتٍ كمان تكملي
انحبست دمعاتها في حدقتيها ولمعت بشدة وهي تردف برجاء علها تستعطفها لتلحقها من تلك المصيبة قبل حدوثها فقد تضاعف خوفها
من القادم بشدة
= انا لسه عارفه من شويه اللي ماما قالته لك صدقيني انا ما ليش ذنب فيه وكل حاجه بتحصل بتم غصب عني تحت ضغط عليا، ارجوكي انتٍ كمان ما تسيبنيش وتتخلي عني زيهم.. خليكي جنبي انا محتاجه لك أوي ومحتاجه اجيب حقي .
ردت عليها بوجه ممتعض ونظراتها تجوب الملفات التي أمامها
= هم ايه اللي خلاهم يغيروا كلامهم؟ وليه عاوزين يتنازلوا عن القضيه فجاه كده إيه اللي في دماغهم بالظبط .
تنفست بعمقٍ لتستدعي هدوئها حتى لو كان زائفً، ثم قالت بصوتٍ بدا أكثر تشنجًا
= عاوزين يتجوزوني للشخص اللي اعتدى عليا؟!!! مفكرين كده هيصلحوا اللي اتكسر، انا بضيع ومحدش منهم حاسس بيا.
انفرجت شفتاها عن شهقة بعدم تصديق لتهتف بنبرة مصدومه
= نعم يجوزوكٍ مين ؟.!!
❈-❈-❈
كانت طول حياتها فاقدة للإحساس بالأمان في حضرة أسرتها، فالجميع هنا يشعرها وكانها
عبء المسئولية الملقاة على عاتقهم وكل يهم الآخرين هو الحصول على النقود والتخلص منها باي شكل مهما كلفهم الأمر !!. لكن دائما كانت مهره تبحث عن الأمان وعن طفولة غير التي تعيشها او التي لم تعيشها من الأساس .
فإن عُقدت مقارنة بسيطة بينها وبين اطفال غيرها فستجد حياه مرفهه وارق يعيشونها غير التي تعيش بها الآن، طالما ارادت ان تخرج عن ذلك الاطار ويصبح لها كيان غير أشقائها لتصنع بيديها مستقبل باهر كما تتنمي و تريد ! بينما هم في ذلك الأثناء يبحثون عمن ينتشلهما من الفقر، حتى وإن كلفهم ذلك التضحية بها دون الاكتراث بنتائج بعد ذلك وما تأثيره على نفسيتها ومستقبلها.
اندفعت مهرة واقفة من فوق الفراش لتراقب دخول والدها المفاجأة بتوترٍ، ثم تحرك زكريا بتعجل أمامها و انحني عليها ليجذبها من ذراعيها بكل ما أوتيت من قوة وهو يصيح بها
هادرًا بنبرة شرسة دون أن يرف له جفن
= مين يا بنت اللي كنتي واقفه معاه يوم ما شفتك؟ انطقي تعرفيه من امتى؟ وايه علاقتك بيه ..و اياكي تكدبي
تشبثت هي بذراعه تحاول دافعة إياه عنها وهي تهمس له بصوتٍ أقرب للبكاء
= والله العظيم ما اعرفه ده واحد وقفني في الشارع وكان بيسالني على مكتبه قريبه وانا وصفتله وبعد كده سبته ومشيت.. وما اعرفش اخويا لية بيكدب عليك هو ومراتة .. صدقني يابا اللي بيقولوه مش حقيقي انا ما اعرفش ولاد ولا بكلم حد من وراكم.
اشتعلت نظرات زكريا أكثر من أسلوبها الملتوي في الحديث كما يعتقد، فنهرها بغلظةٍ
= وهم هيكذبوا ليه يا خلفة الندامة والشوم ، بقى دي اخره جزائي طافح الكوته عشانك وعشان اخواتك.. ومانيش ملاحقة من طلباتكم وانتٍ تروحي تفضحيني .. انتٍ الأحسن ليكي على راي اخوكي الجواز هو الحل، وانا اللي كنت فاكرك مؤدبه والوحيده اللي هتنفعي في اخواتك وكل اللي يهمك التعليم و بس..اتاريكي طلعتي ميه من تحت تبن وكنتي بتغفليني .. بس ماشي ملحوقه هي غلطتي وانا هصلحها بجوازك .
أمسكت به من ذراعيه برجاء لكنه دفعها للخلف بقسوة وهي تردف ترجوه قائله
= طب يابا مش كنت صبرت شوية لحد ما أخذ الدبلون ، وبعد كده كنت اعمل اللي انت عاوزه وجوزني براحتك .. ورحمه امي ما تقعدنيش من التعليم .
رمقها والدها بنظرات نارية تعكس حنقه منها،
ثم صاح بها بنبرة قاسية أجفلت بدنها وجعلتها ترتعش مهابةً منه
= بلا تعليم بلا قرف ، هناخد إيه يعني منه؟
مش التعليم ده اللي خلاكي تدوري على حل شعرك يا بنت الـ*** وتكلمي شباب من ورانا
انتٍ اللي عملتي كده في نفسك، وجابتلنا الجُرس والفضايح
ابتسم بتهكم لها وأنحنى رأسه عليها يضيف موضحًا بصوته الغليظ
= وإحمدي ربنا إني هعرف أسترك بعد المصيبة اللي عملتيها .
تأكدت من كلماته المهلكة أنه يريد تدمير حياتها و مهما تحدثت من كلمات للدفاع عن نفسها لم يصدق، هتفت صائحة بصوت مقهور مدافعة عن نفسها من الظلم الذي تتعرض له لكن كان وكأنها تتحدث مع نفسها
= يا ناس ارحموني قلت مظلومه، وما اعرفش الجدع اللي كان واقف معايا مين واول مره اشوفه .. حرام عليك يابا ما تضيعش مستقبلي وتصدقهم ده انت اللي مربيني وعارفني كويس .
❈-❈-❈
رفع سالم عيناه عن تلك الاوراق الموضوعه امام المكتب، ليصوب نظره الى تسنيم التي كانت تقف أمامه بوجه متوتر للغايه، ليقول باستفسار
= خير يا تسنيم عاوزه حاجه؟
حدقت به بعمق ثم هتفت
= فريده اقصد البنت الممرضه اللي اتعرضت لاغتصاب اللي انا كنت ماسكه القضيه بتاعتها هتلغي التوكيل اللي عامله ليا عشان ما ترفعش عنها بالمحكمة .
عقد حاجبيه باستغراب وقال متسائلا باتهام
= ليه؟ عملتلها ايه عشان تتنزل عن القضيه؟ ايه اللي حصل منك .
تطلعت فيه بنظراتٍ حادة من خلف نظارتها القاتمة واغتاظت من أسلوبه المستفز المنفر فدائما يتهمها دون ادله
= ما عملتلهاش حاجه وما فيش حاجه حصلت مني، هم عاوزين يتنازلوا عن القضيه ويحلوا الموضوع بشكل ودي، ما فهمتش أوي الموضوع من كلام مامتها بس ده اللي قالته ليا لما اتصلت بيها اسألها ليه ما جتش في ميعادنا المحدد
عبس وجه سالم للغاية وهو يحدق بها وقد بدا يستوعب الامر ويتفهم ليشعر بالضيق قليلا، ثم قال بإيجاز
= آه فهمت طب خلاص ما تحطيش في دماغك ولا أول ولا اخر واحده بتنزل عن حقها انتٍ عملتي اللي عليكي، و هم بقى احرار في حقهم
تضايقت من أسلوبة وهي تقول بنبرة مختنقة مترددة
= بس انا مش هقدر أقف ساكته وانا شايفه واحده بتتظلم فريده اتصلت بيا وقالتلي ان اللي بيحصل ده غصب عنها وهي مش موافقه انها تتنزل عن القضية، فريده كانت بتستنجد بيا عشان انقذها من اهلها .. انا بفكر اروحلها البيت ان شاء الله حتي اعمل محاوله أخيرة؟. جايز ربنا يهديهم ويتراجعوا عن اللي عاوزين يعملوا وما يخليهاش تتنازل عن القضيه .
تحولت نظرات سالم لعدم الرضا وتمتم بتذمرٍ
= اديكٍ قلتيها بنفسك أهلها !!. يعني احنا ما لناش حق ان احنا ندخل غير لما هم يطلبوا مننا، اسمعي نصيحتي وما لكيش دعوه بالموضوع أحسن .. تسنيم احنا مش عايزين مشاكل طالما اهلها بنفسهم قالوا ليكي ما تتدخليش يبقى ما تدخليش بدل ما هم اللي يرفعوا عليكي القضيه وتدخلي نفسك في مشاكل .
❈-❈-❈
أخرجت ليان تأوة حارة من صدرها مع تلك الدموع التي لم تتوقف عن التساقط من عينيها، تغلغل بداخلها إحساسها بالانهزام و الضعف، تشنجت في حزنٍ حيث سمعت من زوجها آخر من توقعت سماعه، في البداية حاولت السيطرة على نفسها نحوه لكن هذه المرة غير، فهو سب اخلاقها واشعرها بالإهانة المفجعة... كانت منكسة لرأسها محدقة أمامها بانكسارٍ .. ما يؤلمها أنها لم تستطيع الرد علية و ايقافة وهي من أخطأت بحقه، لكن هي بشر بالنهاية ولديها إحساس ولم تتحمل كلمات منه مثل ذلك!.
في الخارج انتظرت والدتها خروجها من الغرفة بعد للجلوس معها كعادتها، لكن لم تخرج اليوم ما أثار ريبتها لتذهب إليها وفتحت باب غرفتها وقد وجدتها تجلس فوق الفراش.. لاحت شبح ابتسامة باهتة على ثغرها وهي تقول بلطفٍ
= مالك يا ليان من ساعه ما جوزك مشي وسيبك وانتٍ قاعده هنا لوحدك وما خرجتش تقعدي معايا، هو انتم متخانقين ولا ايه
أشاحت وجهها بسرعه حتي لا تري دموعها، ثم عضت عفويًا على شفتيها السفلى بحرجٍ وهي تردف
= لا يا ماما مش متخانقين ولا حاجه انا بس كنت عاوزه اقعد لوحدي شويه
تنهدت والدتها بعمق قائله
= طب قومي البسي هدومك عشان تقابلي الضيف اللي بره جاي يعزيكي بيقول انه صديق ليكٍ من ايام الجامعه وعرف بالصدفه اني باباكي اتوفى وجي يعزيكي
تطلعت بها بنظراتها الفاترة و بدت وكأنها تبذل مجهودًا كبيرًا للحديث وهي ترد عليها
= مليش مزاج اقابل اي حد يا ماما كنتي قلتي له مش موجوده ولا نايمه
قالت الأخري بعتاب هاتفة
= يا بنتي عيب كده الراجل بيقول جاي من سفر مخصوص عشان يعزيكي مش هيجرى حاجه لو قعدتي معاه ١٠ دقائق وبعد كده استاذنتي منه .
لم تجد ليان غير الموافقة على طلب والدتها و نهضت ترتدي ملابس مناسبه، ثم خرجت خلف والدتها بخطوات بسيطة وهي تنظر فيما يوجد أسفل قدميها حتي استمعت الي صوت
صوته المألوف يمر في أذنيها
= إزيك يا ليان؟
رفعت رأسها لتنظر إليه بذهول وخوف فقد اقتحم عقلها كافة المشاعر السلبية المشحونة ضده، لم يكن ينقصها إلا حضوره المتطفل ليذكرها بالماضي التي تحتقر نفسها بسببه كلما تذكرت.. ضغطت على يدها بعنف وضيق و رمقته بنظرة مطولة حانقة لتردف بتلعثمٍ بائن
= طارق !.
في البداية نظر طارق لها بابتسامةٍ حب حاول إخفائها، ولكن حينما أمعن النظر في تفاصيلها جيدًا لاحظ ذبول ملامحها، الذي أشتاق لها بشدة، ثم آفاق علي صوت والدتها وهي تتسائل
= لسه يا ابني مش عاوز تشرب حاجه ما هو ما يصحش كده
خشيت ليان أن تلاحظ والدتها عليها شئ لذا فضلت الصمت، بينما ابتسم طارق وقال بمجاملة
=خلاص يا طنط طالما مصممه يبقى ممكن فنجان قهوه مظبوط لو مش هتعب حضرتك
هزت راسها والدتها بالايجابي ثم رحلت بهدوء،
و ظلت ليان صامته تستوعب الصدمة وأنه بالفعل جاء لمنزلها؟ لتتذكر هنأ كلمات زوجها بأنها هي من اعطته الاشاره من البداية لفعل ذلك وأكثر، ليقول بغموضٍ ونظراته تنم عن عبثية صريحة
= ايه يا ليان مش هتيجي تسلمي عليا؟ ما وحشتكيش ولا ايه
اقتربت منه بغضب ولم تمهله الفرصة لاختلاق الأكاذيب وإقناعها باهتمامه الزائف بها مثل سابق وبدأت تلومه على مجيئه
= طارق هو انت ايه اللي جيبك هنا؟؟ ايه اللي رجعك تاني تظهر في حياتي؟؟ ظهورك في الوقت ده قالقني ومتاكده ان في دماغك حاجه، شفتك في العزاء وبعد كده اختفيت ودلوقتي جايلي البيت بكل جرأة و مش خايف من جوزي
تفاجأ من عصبيتها الزائدة وهجومها العنيف نحوه بالرغم من كونه لم يفعل ما يسيء لها، هو فقط أراد أن يراها حيث كان مشتاق إليها و كان يعتقد أنها ستستقبلة بترحيب شديد وتبدا بالتودد اليه مثل ما كانت تفعل سابق! اقترب منها عدة خطوات لتلتقي النظرات الحادة مع بعضها البعض، ثم هتف قائلاً بخشونة
=بخاطر كل المخاطره دي عشانك! عشان وحشتيني ونفسي اشوفك باي طريقه.. بقيلي كتير أوي ما شفتكيش ولا سمعت صوتك .. وحشنا كلامنا و رسايلنا سوا زي زمان يا ليان
فاكره
وضعت يدها الاثنين فوق أذنها تكتمها فلم ترغب بسماع ذلك أبدا، و تحتقر نفسها أكثر فأردفت بوجهٍ عابسٍ ونظراتٍ قاسية
= اخرس خالص و اوعى تاني مره تقول الكلام ده واتفضل امشي من هنا قبل ما ايمن يجي ويشوفك، هو شافك في العزاء على فكره ولولا الناس اللي كانت حواليه كان زمانه طردك من العزا وضربك كمان .
ثم أضافت بنبرة أشدُ بأسًا
= وبعدين انا مش فاهمه انت عاوز ايه؟ اخر حاجه كانت ما بينا ان احنا قطعنا اي حبال وصل ما بينا وقلت لك خلاص احنا كنا غلط وما ينفعش نستمر في القرف ده كتير .. سيبني بقى اعيش حياتي اللي فاضله مع جوزي بهدوء .
حملق طارق مصدومًا من كلماتها، انفرجت شفتاه عن ذهولٍ غاضب، في حين قال بإصرار
= انتٍ اللي نهيتي كل حاجه مش انا وما استنيتيش حتى رايي، وانا كمان فاكر اني اخر حاجه كانت ما بيني وبينك ان احنا اتفقنا كل واحد فينا يتطلق وهنتجوز !.
نظرت له بنظرة كرة عدائية مع إصرارها على انتهاء الوضع بينهما، فقد عرفت قيمة خطاها الفادح ولم تكرر ذلك مره اخرى، نطقت من بين أسنانها المضغوطة
=وانا رفضت الهبل ده وقلت لك مش هيحصل طارق انا حياتي شبه اتدمرت وانت كمان حاول تنقذ حياتك قبل ما تتدمر وكفايه مشاكل اوي لحد كده... إحنا علاقتنا كانت غلط اصلا من البدايه و كويس ان احنا وقفنا كل حاجه قبل ما نتمادى اكثر من كده.. الحق حياتك انت كمان وحاول تصلح اللي فاضل فيها، حاول قبل ما مراتك تعرف وتعمل لك مشاكل أنت كمان .
تراجع طارق للخلف عنها ليتأمل ملامحها بعينين اللامعة تشعان حبًا، ثم أردف هاتفًا بارتجافة محسوسة
= ليان انا طلقت مراتي بسببك !! عشان اتجوزك بس بعد كده اكتشفت ان انتٍ بتنهي كل حاجه في لحظه بعد ما دمرتلي حياتي وخليتيني اطلق مراتي وانتٍ لسه على ذمه جوزك وعايشه حياتك .. كنت فاكر هتفرحي اول ما اقول لك خبر زي كده عشان نكون مع بعض بس انتٍ صدمتيني بانك بتسيبيني
اتسعت عيناها للحظات بعدم استعياب، و صمتت صمت مريب تحاول تصديق ما سمعته للتو منه فكلماته تنذر بكارثة وشيكة، احتقن وجهها بشدة قائلة بعصبية شديدة وهي بحالة غير طبيعية
= ايه؟؟ يعني ايه طلقت مراتك ازاي تعمل كده وبتحملني ذنبك ليه حرام عليك كفايه اللي انا فيه، انت لما عرضت عليا الموضوع ده انا رفضت على طول.. ما كانش لازم تتسرع وتعمل كده! انت بتصلح الغلط بالغلط يا طارق واحنا كنا غلط من البداية فما ينفعش نكمل .. افهم بقى احنا ما ننفعش لبعض .
اغتاظ طارق من رفضها له و طريقتها الحاسمة في علاقتهما التي لم تبدأ حتي، رمقها بنظرة جادة وتحدت قائلا بتحدي قاصد جرحها
= هو في ايه؟ انتٍ ما كنتيش كده في البدايه ما انتٍ كنتي موافقه على كل حاجه ليه فجاه قلبتي عليا؟ وعاوزه تنهي اللي كان ما بينا انتٍ ناسيه اللي بيننا كانت عباره عن ايه؟؟ فاكره الرسائل اللي كانت ما بينا كلها كانت حب وغرام وكنا طول الوقت بنشتكي من حياتنا اللي نحن مش طايقينها .. ويوم ما عرضت عليكي ان احنا نسيب حياتنا القديمه ونكمل مع بعض؟ تبعدي !!. و دلوقتي جوزك اللي كنتي بتشتكيلي منه انه على طول بيهمل فيكي، بقى حلو وانا الوحش
اغرورقت عينا ليان بالدمعات الحارقة وهي تقول بنحيبٍ مؤلم
= بس أخرس مش عاوزه اسمع حاجه بحاول انساها من زمان وضميري معذبني لحد دلوقتي بيها .. كفايه بقى يا طارق مشاكل لحد كده، انا بدفع ثمن غلطتي دي لغايه دلوقتي ولسه بدفعها.. من فضلك امشي وسيبني في حالي ... امشي بقى ما تظهرش في حياتي تاني .
❈-❈-❈
انفرجت شفتاه السيد حسين شقيقة عابد في ذهولٍ غاضب، في حين تقلص وجه عابد بارتباك قلق من صمت أخيه ليقول بتوتر
= مالك ساكت وبتبصلي ليه انت كمان كده؟ في ايه يا حسين؟ أنا قلت حاجه غلط !.
عقد ما بين حاجبيه باستغراب وهو يسأله بعدم تصديق
= مالي!! انت بتسأل بجد عن حالي بعد اللي انا سمعته منك! كنت متوقع مني ايه اخدك بالاحضان اباركلك وانت بتقول لي هجوز بنتي للشاب اللي اعتدى عليها، مش مصدق بصراحه ان اخويا يعمل كده في بنته ويظلمها ويضيع حقها.. ليه كده يا عابد ده انت روحك في بناتك الاثنين وبتحبهم وما لكش غيرهم، ليه تفكر في تفكير زي كده
كز عابد على أسنانه بغضبٍ ونفاذ صبر فلقد أرهق من الشرح والتبرير طول الوقت الى الجميع عن موقفه لما يفعل ذلك بابنتة، وان يريد مصلحتها وقد صار بذلك الطريق خوفاً على سمعتها وشرفها ويعتقد بتلك الزيجه سيحافظ علي المتبقي منها فاذا استمر الحال معها هكذا ستخسر اكثر من ذلك، ليصرخ في وجهه منفعلاً
=وأنت بجد بتسالني وعاوز تعرف فيا ايه يا حسين، فيا ان انا تعبت وجبت اخري من الموضوع ده و ما بقتش قادر استحمل اكتر من كده، كل واحد منكم ملهي في حياته ومش حاسس بيا، قبل ما تيجي تعاتبني شوف انتم كنتم فين اصلا وسايبيني اواجه كل ده لوحدي.. بس عارف ليه محدش منكم كان معايا عشان انتم كمان كنتم خايفين من الفضيحة ذيي بالضبط ..
رد الآخر بفتورٍ وتحولت نظراته لعدم الرضا
= ناس مين اللي عامل حسابهم على حساب بنتك يا عابد، في البدايه لما لقيتك جنب بنتك بتساندها وواقف جنبها، و وافقت انها ترفع قضيه على الحيوان اللي اغتصبها فرحت انك ما همكش كلام الناس و واقف معاها خطوه بخطوه.. لكن دلوقتي اتصدمت وطلع انا اللي كنت فاهم غلط وانت كنت عامل حساب لكلام الناس زي غيرك .. وما تعاملناش حجتك يا عابد جايز فعلا كل واحد منا انشغل في حياته بس ده ما يدكش مبرر انك تفكر بالطريق دي وتعمل كده في بنتك وتضيع حقها .
أبعد عيناه الغاضبة عند الذي كأن يرمقة بها بنظرة مليئة باللوم والعتاب، لذا اختنق صوته وهو يقول له بضعف حال
= فين حقها اللي انا بضيعه ده، انت مش فاهم حاجه ذيها،وماتعرفش الأيام اللي فاتت علينا كانت عامله ازاي؟ انا استحملت اللي ما حدش يستحمله في الدنيا، في الراحه وفي الجايه الناس كلها بقت عماله تلسن في سمعه بنتي وشرفها .
أستمر عابد مكمل دفاعه عما يفعله ومع الاستمرار في صراخه وكأنه شعلة انطلقت فجأة
= عاوزني اقف حاطط ايدي على خدي وانا شايف سمعه بنتي بقت على كل لسان! وانت عارف الناس لما بيصدقوا اي موضوع يتكلموا فيه ويا ريتهم بيقولوا الحقيقه؟ ده كل واحد دلوقتي بقى بيالف الحكايه على هواه ووصلوا انهم يقولوا ان اللي حصل لها كان برضاها
ثم أشار إلى نفسه متابع بأنفاس لاهثة يهدر
=أنا ما كانش قدامي حل غير انها لازم تتجوز عشان أخرس السنه الناس واديك شايف بنفسك حتى البيه اللي كانت مخطوبه لي سابها وراح يخطب غيرها من غير حتى ما يفسخ الخطوبه معانا ويمشي بالاصول و يحترم البيت اللي استضافوا و امنه على بنته... كفايه اهانه بقى حتى دي ما كنتش قادر اخد حق بنتي فيها واحط عيني في عين الحيوان أسر واقول له ازاي تهين بنتي بالشكل ده وتتعامل معاها ولا كأنها كانت في حياته .
صعق حسين من الطريقة المريبة التي يتحدث بها أخيه فهو لم يكن تفكيره كذلك ابدا لكن هذه التجربه قد غيرت في الكثير بالتاكيد، لكن مع الاسف تغير للاسوء
= يا عابد افهم ده الواحد مننا لما بيجي يجوز بناته لشاب بيشرب سجاير بنبقى مترددين وخايفين نوافق علية، حتى لو احنا كمان بنعمل كده بس بنبقى عاوزين لاولادنا الاحسن ما بالك واحد !. ما عندوش مشكله يغتصب واحده وياخدها غصب عنها في الحرام!. بنتك مش ناقصه حاجه عشان ترميها لواحد زي ده ما عندوش اخلاق، فكر كويس يا عابد في الموضوع قبل ما ترجع وتندم لما تضيع بنتك .. واذا كان يا سيدي عشان كل واحد انشغل عنك شويه بوعدك الأيام اللي جايه هنحاول نبقى جنبك ونساندك بس راجع نفسك قبل فوات الاوان .. وصدقني حتى الناس اللي انت عامل ليهم حساب بكره يسندوك هم كمان زيي .. دول ناس فقراء وغلابه في الاخر وبيمشوا ورا اي كلمتين تتقال لهم بس ساعة الجد هتلاقي معامله غير كده .
ابتسم باستهزاء وسخرية داخله وتهدل كتفيه في انكسارٍ مؤلم ليقول ببحةٍ
= الناس بتتكلم كويس لكن وقت الفعل بيكون ده رد فعلهم مجرد كلام بيقولوا علشان يبانوا اد ايه هما مثاليين، خلاص يا حسين انا اخذ قرار في الموضوع ومش محتاج ولا مستني حد جنبي ولا رايه .. ودي بنتي ومحدش لي دخل في اللي بعمله معاها
هز حسين برأسه بـ قلة حيلة من تفكيرة الخطأ، ليهتف بجدية قائلًا وهو يرفع عيناه في وجهه ليحدق به
= انا شايف ان انت واخد قرارك وما فيش فايده يبقى بلاها انك تاخد راينا احسن وانت اللي هتتحمل نتيجه اختيارك مش احنا، ربنا يهديك يا ابن ابويا .
❈-❈-❈
في منزل سالم دلف الي غرفة أبنته ليلي ليجدها تجلس فوق مكتبها الصغير تذاكر درسها، اقترب منها وهو مبتسماً بحنان وقال
= عامله ايه يا حبيبتي في مذاكرتك في حاجه واقفه قدامك
تعلقت ليلي عيناها به تتأمله بإعجابٍ بالغ فابتسمت متحدثة مؤكدًا له عن ثقة كاملة
= لا خالص يا بابا شكراً لو عزت حاجه هقول لك أكيد علي طول .
رفت على شفتيه إبتسامة بسيطة، ثم تردد بالنطق والتسائل عن حديث جدتها فلم يرغب في منحها وعدًا لن يستطيع الإيفاء به عندما طلبت منه حماته قبل سابق بأن يترك أبنته تتكلف هي بتربيتها أفضل منة، بسبب انشغلة في بعض الأحيان بالعمل، لكن سالم لم يستطع الابتعاد عن أبنته الوحيدة حينها، شعر بالتوتر للحظات ومع ذلك طلب منها برقةٍ
= بقول لك ايه يا حبيبتي كنت عاوزه اكلمك في موضوع كده .. انا سمعت بالصدفه تيته وهي بتكلمك في موضوع انك تنقلي معاها وتعيشي هناك لو عاوزه يا حبيبتي تروحي عندها نص الاسبوع عشان الايام تتساوى بينا بالتساوي، انا ما عنديش مانع هي في النهايه جدتك وخايفه عليكي ونفسها تفضلي معاها على طول
أرخت ليلي عينيها بعدم رضي والتفتت نحو والدها حينما هتفت بلهجتها الصارمة
= بس انا مش عاوزه ابعد عنك وكفايه أوي ان انا بروحلها اقعد يومين معاها.. أما بقي لو انت مصمم تبعدني عنك دي حاجه تانيه
أبتسم سالم عندما لاحظ انزعاجها من طلبة، ثم أوضح لها ببساطة و وجهه محتفظ بإشراقته
= بطلي تتقمصي زي العيال الصغيره، انا حبيت اقول لك عشان لو كانت في دماغك حاجه زي كده ومتردده تقولي لي ، لكن في النهايه انتٍ اللي تختاري عاوزه تقعدي مع مين! وتمام براحتك طالما مش عاوزه اكيد مش هغصبك على حاجه مش عاوزاها .. انتٍ كبرتي وكملتي الـ ١٤ سنه و بقيتي كبيره كفايه تختاري قراراتك.
شعرت هي بالارتياح علي الفور وهزت راسها بمعني "لا علية"،ثم التقط كف يدها وقربه من فمه بعد أن انحنى عليها يقبل أعلي رأسها ايضا، ثم تذكر هامسًا متسائلا لها
= هو انتٍ صحيح مش كان ليكي واحده صاحبتك اللي قابلتها امبارح في المدرسه ساعه لما كنت جاي اخدك وقالت هتيجي تذاكر معاكي في البيت عشان اشرحلها حاجه مش فاهمها.. هي ما جتش ليه صحيح مش المفروض تيجي النهارده .
رمقته بنظرة ذات معنى تمثل البراءه وهي تجيبه بعبثية
= أبدا بس رجليها اتكسرت.. حد كعبلها من غير ما يقصد و وقعها على الارض !!.