-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 23

 

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 


الفصل الثالث والعشرون

وضع عينيه عليها يتابع حالتها الغريبة عليه، مؤكد ما حدث بينهم لا يستدعي ذلك أبدًا، أقترب إلى الداخل باستغراب تام ينظر إليها بدقة ويرى نظراتها نحوه المُعاتبة بشدة، الحزينة والكارهه له، أقترب أكثر ووقف أمامها دهشته واستغرابه لوضعها أُرسل إليها بوضوح واستمعت إلى صوته الجاد يهتف بقلق مُتسائلًا:


-سلمى! مالك 


عينيها كانت تتابع اقترابه منها، ترفع رأسها إليه لتستطع الوصول إلى ملامحه بعينيها وهي جالسة، وهو يقف شامخ طوله، رجل قادر، ليس مبالي بأي شيء يحدث لهما، بل لها، لها وحدها..


وقفت ببطء وهدوء، تقدمت خطوة بعد وقوفها لتكن أمامه مُباشرة، رفعت رأسها قليلًا تقابله بنظرات عينيها الزيتونية المُعاتبة والكارهه في ذات الوقت ثم حركت شفتيها بابتسامة ساخرة والدموع تنهمر على وجنتيها:


-ليه؟ ليه عملت فيا كل ده؟ أنا اذيتك طيب؟ دا أنا غلطي الوحيد إني حبيتك... ومكنش المفروض اتعاقب على الغلط ده منك أنت


حرك عينيه البُنية المُستغربة عليها، تقدم خطوة هو الآخر ورفع يده على وجنتها يحاول إزالة الدموع بإبهامة وهو يهتف مُتسائلًا بصوت حاني:


-سلمى في ايه؟ أنا مش فاهم حاجه 


ابتسمت مرة أخرى ساخرة وهي تبعد يده عنها بتقزز واشمئزاز:


-مش فاهم؟


مرة أخرى تكمل حديثها وهي تستدير إلى الخلف تنحني للأمام تأخذ الهاتف من على الفراش ثم توجهت إليه مرة أخرى تُصيح بعنف:


-أفهمك أنا


نظرت إلى شاشة الهاتف تحاول العبث به بيد مُرتعشة للغاية تحت نظراته المُستنكرة لما يحدث منها، رفعت الهاتف ليبقى بينهم وضغطت على زر رفع الصوت ليستمع هو إلى صوته وكلماته التي أوقفت قلبها وسلبت منها روحها إلى آخرها..


لم يهتم بحديثه أبدًا الذي يستمع إليه فهو يعرفه جيدًا بل وجه عينيه الاثنين ينظر إليها بلهفة وقلق، يتابعها بحيرة وخوف..


دق قلبه بعنف وارتفعت وتيرته بقلق خالص وعقله توقف عن التفكير تمامًا، أو عبث به وهو ينظر إليها غير مُستقر على شيء واحد..


من أين أتت بهذه التسجيلات؟ كيف توصلت إليهم؟، هل من تلك الحقـ ـيرة "إيناس"؟ ولكن الأخرى من أين أتت بهم؟


ما الذي سيفعله معها الآن؟


حاول الإمساك بيدها يهتف بجدية عاقدًا حاجبيها:


-سلمى دي حاجات قديمة أكيد مش هتحاسبيني عليها


دفعت يده بعصبية مُبتعدة عنه إلى الخلف، تُصيح بعنف وصوت عالي ونظراتها نحوه تحمل الاشمئزاز والتقزز:


-قديمة!.. يعني كان في حاجه بينك وبين إيناس صاحبتي؟ اللي كنت كل يوم تقولي ابعدي عنها! كان علشان كده صح؟ علشان خايف أكشف قرفكم ده؟


أقترب الخطوات التي ابتعدتها عنه يتابعها بقوة ونفى الكلمات التي هتفت بها مُحاولًا إبراء نفسه:


-لأ يا سلمى مش كده.. إيناس أنا عرفتها قبل ما تكون صاحبتك ولما بقت أنا بعدت عنها ومحتها من حياتي


صرخت بعنف وعصبية وصدى صوتها يرتفع كل لحظة والأخرى والدموع مازالت تنهمر على وجنتيها دون توقف بحرقة: 


-وليه تعرفها وهي صاحبتي ولا لأ؟ لــيــه


أردف بهدوء مُشيرًا إليها بيده:


-سلمى اهدي شوية 


صرخت مرة أخرى وهي هذه المرة التي تقترب منه تدفعه في صدره عدة مرات متتالية ترفع صوتها الصارخ قائلة:


-مش ههدا، أنت إيه يأخي.. أنت ايه جاوبني إزاي بترسم عليا الحب وأنت في كل لحظة عدت علينا كنت بتخوني


أمسك يدها الاثنين التي كانت تدفعه بهما وقربها منه للغاية ينظر إلى وجهها ويمرر بُنية عينيه على خاصتها يقول بنبرة راجية:


-سلمى متفتحيش في القديم كل ده كان زمان دلوقتي غير.. دلوقتي أنا معاكي أنتي وعايزك أنتي وبحبك أنتي من البداية


وجهها مرفوع للأعلى قليلًا لتنظر إليه وتبادله كما يفعل، تابعته للحظات وصدى كلماته في أذنها مرة وأخرى واثنان تنظر إليه بذهول كيف قادر على الكذب بهذه الطريقة؟ خرج صوتها هذه المرة بخفوت وهي تبكي مُنتحبة:


-أنت إزاي قادر تقول كده؟ إزاي قادر تقول بحبك وأنت خونتني أكتر من مرة 


ضغط على يدها الاثنين أكثر من السابق وأكمل حديثه بجدية وصدق وصوته حاد في أذنها يقول ما أملاه عليه قلبه:


-أنا عمري في حياتي ما خونتك يا سلمى، بعترف إني عرفت عليكي بنات كتير، قبلك وبعدك لكن ولا واحدة لمستها ولا حتى لمست قلبي 


عقد حاجبيه وتابع بصوت خافت هادئ ينظر إلى دمعاتها التي تهبط بسببه في كل مرة:


-أنتي الوحيدة اللي حبيتها بجد وأنتي أول واحدة أقرب منها وحياتك 


الكلمة التي كانت تصدقه بها ها قد نطقها ولكن الصدق لم يكن موجود معهما في تلك اللحظة لتتبع خلفها، استنكرت كلمته وأكملت:


-وحياتك! أصدقك إزاي دلوقتي


تفوه بجدية ونظرة راجية:


-لازم تصدقيني 


جذبت يدها الاثنين منه على حين غرة ودفعته للخلف بقوة ثم صرخت غير مبالية بأي شيء من حولها تتذكر كم كانت غبية بينهم وتتعامل معهم بحسن نية:


-وأنا الهبلة في وسطكم كنت بقول هما ليه بيكرهوا بعض كده.. ليه عامر عايز يبعدني عنها وليه إيناس بتكرهه وبتحاول تخليه وحش في نظري


وضح لها مرة أخرى وهو يشير بيده يحاول الاقتراب وهي تبتعد:


-سلمى أنا قولتلك عرفتها قبل أنتي ما تعرفيها يعني أنا معملتش حاجه تمسك


ابتسمت بسخرية لاذعة تنظر إليه باندهاش واضح ثم قالت متهكمة:


-كل ده ومعملتش حاجه تمسني؟ ياه قد ايه أنت برئ وأنا اللي وحشة 


بعد أن توقفت دمعاتها وأرهقها النقاش معه، مرة ثانية تعود وانهمرت على وجنتيها بكثرة وهي تجلس على طرف الفراش ترفع رأسها إليه تقول بجدية مُتسائلة:


-طيب خلينا نفترض إنك معملتش حاجه، ليه مقولتليش؟ بعد ما بقت صاحبتي ومعرفتش أبعدها عني كل السنين دي ليه كنت ساكت؟ ليه كنت بتخترع حجج فارغة


أجابها بعد حيرة بينه وبين نفسه، وكيف له الإجابة من الأساس أو حتى النظر بوجهها:


-مكنش ينفع أتكلم! مكنش ينفع أقولك أنا كنت على علاقة بصاحبتك


تسائلت باستخفاف ساخرة:


-ليه؟ مش بتقول معملتش حاجة 


جلس أمام الفراش وأمسك بيدها الاثنين، أبصر داخلها وشعر به فقال بهدوء وحنان:


-سلمى أرجوكي كفاية.. إحنا ليه كده 


أجابته ترد عليه بحديثه مرة أخرى تسأله هو لما هما الاثنين على هذا الحال دائمًا:


-ما تقول لنفسك! قول لنفسك إحنا ليه كده 


بكيت بكثرة بعد أن سحبت يدها من ووجدته لم يعرف كيف السبيل للوصول إلى الإجابة فوقفت مرة أخرى تندم على ما فعلته سابقًا:


-أنا الوحيدة اللي غلطت في الحكاية دي من الأول.. لما أهلي ماتوا مكنش ينفع أبقى هنا ولا ارجعلك 


وقف هو الآخر خلفها يرفع صوته وينظر إلى ظهرها، يقول بحزن وضعف، بعصبية وغضب وكل المشاعر متناقضة به:


-يوه مش كل ما حاجه تحصل تقولي لما أهلي ماتوا.. أهلك هما أهلي وأنتي تخصيني أكتر ما تخصي نفسك وأنا مكنتش هسمحلك تمشي 


استدارت بعيون أرهقها الحب وعذبها تتسائل:


-بس تسمح لنفسك تعذبني مش كده 


هتف بضعف ونبرته تحولت مرة ثانية إلى الخفوت وعينيه بها الندم أكوام:


-سلمى كفاية 


عادت للخف تبكي، تنظر إليه بعيون مُتألمة في كل لحظة، تتابعه بعتاب خالص، بجسد يرتعش ويموت في كل لحظة تراه بها وتدرك أنه فعل بها كل شيء:


-لأ مش كفاية.. مش كفاية، أنت الوحيد اللي قدر يخلص عليا يا عامر 


صاحت في وسط الغرفة وهي تتابعه تشير بيدها بكل بساطة والبكاء لم يتوقف لديها إلا للحظات ويعود أقوى من السابق:


-عامر القصاص ابن عمي هو الوحيد اللي خلص على الحب اللي جوايا، وهو الوحيد اللي آذاني ودمرني وآخر حاجه أهي ليه علاقة مع صاحبة عمري الخاينة


حاول الإقتراب ينفي ما قالته، فهو يضحي بكل ما يملك لأجلها، يقـ ـتل نفسه فقط لأجل ابتسامه منها أو نظرة من عينيها:


-سلمى متقوليش كده.. أنا أضحي بنفسي علشانك، علشان تكوني مبسوطة 


كل ما حدث ما كان إلا خطأ كسابقه، ما كان إلا لهو ولعب تعرفه جيدًا وهو لم يبتغي في حياته سواها:


-سلمى اللي حصل بيني وبين إيناس كله كان لعب عيال وتسلية زي كل مرة وعمري ما لمستها ولا هي ولا غيرها


أكمل في محاولات عديدة وعدة أن يجعلها تفهم ما الذي حدث منذ سنوات، ما الذي دفعه للتعرف عليها ومتى أبتعد عنها وكيف تركها:


-وأول ما عرفت أنها صاحبتك بعدت عنها وقولتلها تبعد عني نهائي مش مشكلتي أنها اتمسكت بيا مع أني من البداية قولتلها إن كل ده تسالي 


توجهت إلى الفراش وجلست من جديد عليه، وضعت وجهها بين يدها الاثنين وأخذت في البكاء بصوت عالي تنتحب بشدة، قلبها يؤلمها وعقلها لم يكف عن التفكير يعبث بها في كل لحظة تمر عليها، أردفت من بين شقاتها بصوت خافت يقطع نياط القلب:


-ليه عملت كده؟ أنا مش عارفة هثق في مين تاني مافيش حد في حياتي وثقت فيه وطلع قد الثقة دي، أنت وخاين من البداية، وإيناس طلعت بتنتقم مني بسببك، حتى هشام كمان معرفش عملتله ايه.. وأخويا كمان طلع خاين لسه في مين تاني؟ لسه في ايه مستخبي لسلمى؟ 


جلس أمامها على الأرضية مُتكأ على قدميه، شعر بأنها مُحقة للغاية! ما الذي ينتظرها غير كل ذلك! شعر بأنه كان السبب في كل حزن راودها:


-اهدي يا سلمى.. أنا آسف


رفعت وجهها إليه ومسحت على وجنتيها تزيل دموعها ثم هتفت ببساطة مصطنعة:


-دلوقتي أنت على علاقة مع سلمى ولا جومانا ولا إيناس؟ حاجه تحير صح 


أجابها بيعون تلمع بالحب والعشق لها هي فقط:


-أنا عمري ما كنت مع حد غيرك والله العظيم.. وحياتك يا سلمى صدقيني 


حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما يردده بقوة:


-مبقاش ينفع 


تسائل باستغراب يضع عينيه عليها بتمعن يخاف من كل شيء في تلك اللحظات فقد تخرب حياتهم في لحظة:


-هو ايه ده اللي مبقاش ينفع يا سلمى 


انتحبت بصوت عالي وعاكسته بصوتها الهادي الخافت الذي أصبح مرهق للغاية وهي تُجيبه:


-مبقاش ينفع أصدقك.. ماينفعش 


صاح بصوتٍ جاد مرة أخرى يقول مُبررات ويوضح لها ما حدث منه:


-لأ يا سلمى ينفع والله العظيم أنا مكدبتش في كلمة، أنا غلطت لما سيبتها في حياتك من غير ما تعرفي اللي كان بينا لكن.. لكن أنا كنت خايف تسيبيني، كنت خايف تبعدي عني 


أمسك بيدها يهتف بالحب الخالص لها عبر الكلمات البسيطة التي تدل على أنها ملكه ومملكته وكل ما بقيٰ له:


-سلمى أنا معرفش في حياتي واحدة ست غيرك.. كلهم ولا حاجه جنبك أنتي الوحيدة اللي حبيبتي ومراتي وكل حاجة.. اللي عدا خلص خلاص أرجوكي 


خرجت الدموع من عينيها الاثنين تتسابق بحرقة على وجنتيها، كلما فعلت خط تسير به تترك أثره ندبة موجعة لها، استنزفت كل ما بها من مشاعر في هذه العلاقة السامة التي لم يكن لها ذنب بها:


-أنا ذنبي ايه؟ ذنبي ايه إنك تعرف واحدة ست وتسيبها فتيجي تصاحبني وتطلع خاينة وبتنقم منك فيا؟ ذنبي ايه يا ابن القصاص؟


تسائلت بعيون أصبحت تفهم أن كل ما أخذته منه ما هو إلا.. إلا مشاعر حزينة:


-أنا ليه موجودة هنا؟ ليه معاك أصلًا، أنا مأخدتش منك غير الوجع والقهر 


ضغط على يدها والندم يحاصره من كل زاوية يهتف قائلًا برجاء ومُعاتبة:


-سلمى متقوليش كده.. كل دة عدا أنا وأنتي دلوقتي كويسين وحياتنا كويسة


سحبت يدها منه وعارضت حديثه موضحة له أن كل ما كان يمر عليهم يراه سهلًا كان يأخذ من كل شيء بها في الخفاء:


-لأ معداش، كل ده معداش ولا حاجة.. أي حاجة كانت بتعدي كانت بتاخد من روحي وعمري وطاقتي


أكملت والبكاء يستمر معها والنحيب يقـ ـتلها ودقات قلبها تتسارع والحزن داخلها يدق بعنف: 


-كل لحظة عدت أخدت مني سعادتي وبدلتها بحزن وحرقة، كل ده كان بيقـ ـتلني بدل المرة ألف..


برجاء أكبر، وعتاب أصدق، وبكل المشاعر الصادقة لديه هتف بصوت خافت مُحب مُعذب بالندم لأجل كل نزوة عاشها وقلبه محب لفتاة مثلها:


-أنا آسف صدقيني أنا آسف والله العظيم كنت هقولك على كل حاجه بس كنت خايف تبعدي يا سلمى.. أنا ماليش غيرك 


أومأ برأسه مُعترفًا مرة أخرى بأنه فعل كل شيء سيء لها ولكنه لا يستطيع التخلي عنها مهما حدث:


-عارف إني وجعتك كتير واتسببتلك في حزن كتير بس كل ده خلاص إحنا النهاردة عامر وسلمى اللي مافيش منهم.. أرجوكي بلاش نضيع كل التعب ده في الفاضي ونرجع لنقطة الصفر 


حركت رأسها تقول بهدوء ونظرات عينيها مُنصبه عليه بقوة ووضوح:


-إحنا خلاص رجعنا..


وقفت على قدميها وسارت بضع خطوات بسيطة إلى الفراش صعدت عليه ونامت في مكانها، وأخذت الغطاء فوق جسدها تبعد وجهها عنه للطرف الآخر، تبكي بقهرة كما كانت تبكي على فراق عائلتها، تبكي بحزن وألم.. الوجع داخلها كل يوم يزداد بسببه.. بسبب كل ما أخذته منه، يعطيها كل الحزن ويبدله بسعادتها.. إنه سارق أحلامها


أخر ما توقعت أن تأخذه منه هو أن يكون على علاقة مع صديقتها! أن يخونها مع تلك الصديقة التي دلفت حياتها بطريقة خاطئة.. تلك التي كان يحذرها منها دومًا بحجة أنها فتاة سيئة السمعة.. ولم تكن تعلم أنها كانت سيئة معه..


لما يحدث لها كل ذلك؟ لما حياتها معه مدمرة؟ قد تكون كل هذه إشارات أنها ليست مقدرة له وهي من عاندت القدر وأصبحت زوجته رغم أنف الجميع..


صحيح منذ البداية وكل الإشارات والمواقف تدعو إلى الفراق بينهم.. لما قد تعود وتأتي بآلام إلى قلبها.. لما قد تجعل ذلك السارق يأخذ كل فرحة تشعر بها..


الآن وبعد كل ذلك تنتظر خيبة أخرى من خيباتها تهطل عليها من السماء وستصدقها في الحال..


تابعها بعينيه ولم يستطع التفوه بحرف آخر، وقف على قدميه وأبتعد إلى نهاية الغرفة ينظر إليها ويعيد شريط الذكريات على رأسه مرة أخرى.. 


ما ذنبها لتشعر بكل ذلك؟ ما الذي فعلته بحياتها لتعاقب بهذه الطريقة البشعة وبسببه! لما كان هو هكذا وجعلها تتألم!..


لما كان رجل بلا قلب وبلا عقل وبلا رحمة! لما كان يحبها ومهووس بها وعينيه تنظر إلى كل واحدة غيرها وتأتي بها من الأعلى إلى أسفل قدميها.. معها كامل الحق في كل ما قالته وما فعلته..


هو الوحيد المخطئ في هذه الرواية كما قالت.. عليه أن يصلح خطأه ويكمله على النحو الصحيح كي يستطيع أن يعود إليها طالبًا السماح..


❈-❈-❈


"في الصباح" 


هبطت "هدى" من أعلى الدرج وخلفها زوجها "تامر" الذي كان يحمل حقيبة سفر محملة، تقدمت إلى الداخل في غرفة الصالون بعد أن وقفت في الردهة ولم تجد أحد، فترك "تامر" الحقيبة وسار خلفها بهدوء دون حديث..


ألقت تحية الصباح على والدتها التي كانت جالسة في الغرفة وحدها تحتسي من فنجان القهوة الذي بيدها، تركته على الطاولة وأبعدت نظرها إليهم وهم يدلفون إلى الغرفة، جلست "هدى" جوارها وتحدثت بهدوء مُتسائلة تبحث بعينيها عن والدها:


-فين بابا؟ 


أجابتها والدتها ويبدو على وجهها الحزن وأنها ليست على ما يرام:


-فين الاوضه فوق منزلش 


استغربت ابنته وجوده في الأعلى إلى هذه الساعة فضيقت مابين حاجبيها وكادت أن تتحدث متسائلة عنه ولكن زوجها سبقها:


-ماله في حاجه؟ تعبان ولا ايه 


أردفت بهدوء ونبرة خافتة تنظر إليه بجدية:


-سلامتك يا تامر يابني هو كويس 


مرة أخرى استمعت إلى صوت ابنتها المُتسائلة باستغراب وأصبح صوتها خافت هي الأخرى:


-ماما فين عامر وسلمى 


تنهدت والدتها بضيق وانزعاج بسبب ما يحدث في هذا المنزل من عبث لا تبرير له وقالت:


-عامر نزل من بدري وسلمى لسه فوق منزلتش 


نظرت "هدى" إلى "تامر" زوجها ثم عادت مرة أخرى إليها قائلة باستغراب:


-امبارح كانوا بيتخانقوا بصوت عالي أوي.. طول الليل وإحنا سامعين خناقهم 


لوت شفتيها بقلة حيلة وقد قالت ما لديها بتعجب:


-إحنا كمان سمعناهم، أبوكي طول الليل معرفش ينام بسبب التفكير اللي هيقتله وخوفه على سلمى 


قالت الأخرى بجدية:


-بس هما كانوا كويسين 


أومأت إليها وقالت:


-أيوه منعرفش ايه اللي حصل بينهم.. ربنا يصلح حالهم 


-يارب 


وقفت على قدميها وأقتربت منها تسلم عليها منحنية بجذعها العلوي تنخفض عليها قائلة بجدية:


-طيب أنا همشي بقى أنا وتامر.. الطيارة هتفوتنا 


وقفت والدتها معها بعد أن سلمت عليها بحرارة وقالت بهدوء:


-تروحوا وترجعوا بالسلامة يا حبيبتي.. انبسطوا هناك ومتقلقوش على أي حاجة هنا 


سلم الآخر عليها بيده وتقدم منها يبتسم بوجهها مُودعًا إياها بحب، ليذهب مع زوجته إلى خارج البلدة في عطلة لقضاء وقت أكبر معها فلم يفعل ذلك بعد الزواج والآن أراد ذلك بموافقة منها بعد أن أصبحت أمور العمل على ما يرام.. 


يطمع في أن يعود من هناك وهي محبة له ولوجوده في حياتها إلى الأبد، يطمع في أن يأخذ جميع الأدوار ليكون الأب والاخ والزوج والصديق، يطمع في أن يكون لها كل شيء وأي شيء..


حاول أن يكسب هذه الفرصة لصالحه ويفعل بها كل ما يستطيع فعله، ليظهر إليها كم الحب المحفور داخل قلبه لها.. وليمحي أي شيء حتى ولو كان شفقة لغيره في قلبها.. أتراه هو فقط أمامها زوجها وحبيبها..


أمله كبير للغاية في هذه العطلة التي سيأخذها معها، أن يعود بها إلى هنا وكل ما بينهم ما هو إلا حب وود واحترام، ما هو إلا عشق خالص لا يشوبه خجل وتساؤل من خلف الشفاه.. في انتظار أيام السعادة والحب النابعة من قلبين يتبادولون مع بعضهم المشاعر النقية الصادقة.. مشاعر صعب الحصول عليها إلا من قلب لآخر..


❈-❈-❈


وقفت أمامه بقلب مجروح وروح مطعونة بقسوة وشراسة من سكين حاد، وقفت بدموع عينيها تغلف وجنتيها الاثنين وجمالها الغير برئ..


أنهى "عامر" التوقيع على الأوراق التي أمامه ثم ازاحها بيده إليها وهي تقف أمامه في الطرف الآخر للمكتب..


صاح بجدية شديدة وملامح حادة للغاية ليس بها أي مشاعر أخرى:


-اتفضلي يا جومانا


كانت هذه الكلمات تعبر عن أن كل ما كان بينهم حتى الصداقة التي فعلها هو لم تعود موجودة بعد ما فعلته وتسببت به بينه وبين زوجته، إنه لا يريد أي شيء آخر يخرب عليه حياته معها..


مرة أخرى أردف بجدية وعيناه عليها بلا شفقة أو تردد للحظة واحدة، مقارنة أي شيء بزوجته وحبيبته "سلمى" يكون ليس بالوجود من الأساس:


-هتروحي الفرع التاني وهناك هتقابلي محمد هو عارف هيعمل ايه معاكي كويس.. متقلقيش ليكي منصب هناك أحسن من هنا بكتير


خرجت الكلمات من بين شفتيها بنحيب والبكاء يزين وجنتيها الاثنتين وصوتها خافت خجل للغاية:


-عامر أرجوك خلاص.. بلاش تبعدني كده


دقق النظر بها كثيرًا وبعينيها بوضوح دون خجل وأكمل فيما بدأ وتحدث بصوت حاد كما السابق وقال:


-كده أفضل ليكي وليا يا جومانا 


أقتربت إلى الأمام تضع يدها على المكتب وتقترب منه قائلة بعتاب وحزن ونظراتها نحوه حزينة للغاية:


-أنت كده بتقتل كل اللي بينا.. حتى صداقتنا 


وقف على قدميه وهو يتابعها جيدًا، أكمل على حديثها بقسوة وشراسة تخرج من بين شفتيه:


-إحنا كل اللي كان بينا صداقتنا دي.. وأنتي اللي نهتيها 


ضيقت ما بين حاجبيها وتابعت باستغراب ودهشة:


-أنا يا عامر؟


أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثه بجدية وقوة:


-أيوه أنتي.. لأنك عارفه كويس أوي إني بحب مراتي


هتفت قائلة بوجه باهتت وشفتين ترتعش:


-وأنا محاولتش أعمل أي حاجه تضيع حبك ليها بالعكس أنا...


قاطع حديثها الغبي الذي كانت تود الاسترسال فيه مُكملة التبرير لنفسها وقول ذلك العبث الذي كانت تريد فعله وهو أن يكون معها وعلى علاقة بها أثناء زواجه..


صاح قائلًا بقوة مقاطعًا إياها:


-حاولتي يا جومانا.. حاولتي وأنتي عارفة كدة كويس.. الكلمتين اللي سمعتهم سلمى والوضع اللي شافتنا فيه كان كفيل أنه يدمر كل اللي بينا بس الحمدلله سلمى طلعت واثقة فيا وأنا نهيت الموقف دة معاها


أكمل بجدية شديدة لا تحتمل النقاش ولا العبث بها.. يرسل إليها الحديث بالطريقة الصحيحة لكي تفهم أنه لن يرحم أي شخص مهما كان من هو حاول التفريق بينهم:


-ومش مستعد إني أكرر الموقف ده تاني ولا مستعد اشوف أي حد بيحاول يفرقنا.. لأني في الوقت ده هنسفه مهما كان مين هو


ابتسمت بسخرية وعادت للخلف تقف مُعتدلة قائلة بعتاب:


-قصدك أنا مش كدة؟


نظر إلى داخل عينيها وأجابها:


-أي حد.. أي حد يا جومانا 


ابتعدت للخلف أكثر بعد أن أمسكت بالأوراق بيدها وذهبت بضع خطوات وهي تحاول الإمساك بتلك الدمعات الرخيصة:


-وعلى ايه! خلاص يا عامر أوعدك إنك مش هتشوفني تاني 


نظر إلى الأرضية ثم إليها مرة أخرى، لانت نظرته ناحيتها فهي في يوم من الأيام كانت الصديقة الوفية إليه ولكن القلب ذلك الذي يخرب كل شيء بين البشر..


أقترب منها وأردف بهدوء ونبرة لينة:


-مش عايزك تزعلي مني يا جومانا.. بس القلب وما يريد وأنا رايد سلمى وبس ومش مستعد إني اخسرها لأي سبب..


أومأت إليه برأسها وخرجت بعد أن استأذنت منه تحاول النيل من قلبها النازف ألمًا، والتخفيف عن عقلها الذي حذرها كثير من المرات ولكن.. كما قال هو القلب وما يريد.. أراده قلبها وكان من طرف واحد، وأراد قلبه غيرها على الرغم من أنها كانت في حضرته وغيابه والأخرى في البعد والفراق مسماة..


جرحت كبريائها معه وذلت كرامتها.. جرحت الأنثى بداخلها وأخجلت ما بقيٰ منها ولكنها كانت على أتم الاستعداد لفعل أي شيء فقط كي يكون معها "عامر القصاص" الرجل الوحيد الذي اشتهت قربه منها.. ليس لأجل المال أو الجاه أو أي شيء فقط هو الوحيد الذي أرادته من بين كل البشر.. وكان هو الوحيد الذي وخز قلبها وحطم كبريائها وبعثره إلى أشلاء في الأرضية يدعس بقدمه فوقه بمساعدة منها..


الآن عليها أن تجمع خيباتها وما بقيٰ من كرامتها وكبريائها وتزيل دمعاتها ثم تأخذ الرحيل سبيلًا إليها..


ارهقها الحب من طرف واحد وقطع نياط قلبها، جعلها مرغوبة لحظة ويبغضها عشرة..


تركته في الداخل لا يهمه أي شيء مما حدث ولا يفكر فيه مثلها، بل يفكر في تلك التي تركها في المنزل نائمة منذ الأمس والبكاء لم يبتعد عنها والنوم لم يجافيها بل تنام مُغمضه العينين لتبتعد عنه


يفكر فيما وصل إليه معها بسبب تلك الحقـ ـيرة التي أرسلت إليها كل ذلك وما جعلها تتحول إلى أخرى تريد تركه في أي لحظة.. ولكنه لن يتركها تفعل ذلك مهما حدث..


بشتى الطرق سيحاول تبرير الأمر مرة واثنان وعشرة، وبشتى الطرق سيحاول انهاءه وقول كل ما حدث سابقًا منذ البداية إلى آخر لحظة تحدث بها معها لتكون على دراية تامة بكل ما فعله معها..


ومن بعد ذلك سيغلق عينيه كلما رأى امرأة تسير أمامه.. سيقطع عملية التنفس كلما شعر أن هناك من ستمر بجانبه.. لن يجعل أي عضو بجسده يتبع أي واحدة من الجنس الآخر سوى زوجته وحبيته.. وهذا أن وافقت على بداية أخرى جديدة غير السابقة والتي لم يعد يعرف عددها منذ لحظة معرفته بها..


يعترف أنه أخطأ كثيرًا وكثيرًا ولكن الآن سيقسم بأنه لن يفعلها مرة أخرى ولو كانت على رقبته..


فقط تهدأ وترضى عنه


❈-❈-❈


في اللحظات السابقة وقفت أمام المرآة بعد أن استفاقت من نومها الذي لم يجافيها إلا في الصباح الباكر، رأت مظهرها الغريب عليها، عينيها المنتفخة وشفتيها المُكتنزة الظاهر عليها التغير ووجهها المرهق الباهت..


توجهت إلى المرحاض وقامت بالاستحمام والضجيج داخل عقلها منذ أن فتحت عينيها يعمل ولم يتوقف.. حتى أن تلك الساعات التي خلدت للنوم فيها قد أتاها كابوس مزعج ليكمل عليها ما كانت تعيش وهي مستيقظة..


ارتدت ملابسها وهي مقررة أن لا تسجن حالها هنا حزنًا على ما يحدث بينهم بل ستنطلق وتذهب إلى الجمعية وتترك زوجها الخـ ـائن وصديقتها الخـ ـائنة وتصب كل تركيزها على عملها مع الله وتلك التجارة الرابحة بينهم..


طوال الطريق وهي تقود السيارة ومازال الضجيج لم يتوقف يداهم عقلها بشراسة وكثير من العبث داخله مع كثير من التساؤلات المزعجة..


لما خانها "عامر" في ذلك الوقت وهي كانت العون الوحيد له في المنزل؟


لماذا أكمل في خيانتها بعد أن تبدل حاله بفضلها هي ووالدها؟


لما قد تنتقم منها "إيناس" وهي لم تفعل أي شيء لها؟


لماذا قد يقترب "هشام" ويفعل بها كل ذلك ومازال مستمر؟


وكثير من لما ولماذا وكثير من العبث والتفكير، وهناك صداع قد أمسك رأسها من الصباح منذ بداية العجلة الدائرة بداخله.. 


أوقفت السيارة أمام الجمعية وأمسكت بالمقود بيدها الاثنين تضغط عليه كثيرًا تحاول أن توقف الدوامة بداخلها.. تحاول أن تكون هادئة وعقلها ليس مشوش.. لأنه الآن في اسوأ حالاته..


نظرت إلى المقعد المجاور لها كي تأخذ حقيبتها ولكنها لم تجد إلا الهاتف!. حتى أنها نسيت أن تأتي بالحقيبة!..


أمسكت بالهاتف بين يدها الاثنين وأرادت أن تكون منعزلة عن الجميع فقامت بوضعه على الصامت كي لا تستمع إلى أي إتصال أو رسائل من أي شخص..


وضعته بجيب بنطالها ثم خرجت من السيارة وأمسكت بالمفاتيح بيدها وسارت على قدميها متوجهه إلى بوابة الجمعية لتدلف منها.. 


ولكن قبل دلوفها وعبورها الرصيف أمامها كانت هناك سيارة تنتظر من الصباح أمام بوابة الجمعية وتقدمت قليلًا فقط ثم وقفت خلفها وهي تدلف وهناك من هبط منها سريعًا والآخر قام بالنزول منها وفتح الباب على مصراعيه في حين أن الأول تقدم بسرعة ثم انحنى وهو يقف خلفها في لمح البصر يحملها على يديه الاثنين بمنتهى السهولة..


وخرجت منها في تلك اللحظة صرخة مدوية بخضة ولهفة غير عادية بعد أن تسارعت دقات قلبها من الخوف والرهبة وهي تنظر إلى الرجل الذي يحملها ثم ألقى بها داخل السيارة في لمح البصر ومن بعدها لم تدري بأي شيء سوى أنه وضع يده على فمها وأنفها!..


في لحظات غابت عن الوعي ولم تعد تعلم إلى أين يأخذها مصيرها، وإلى أين يقودها القدر الذي يرمي بها في كل محطة أيام قليلة والفاصل بينهم كارثة يحملها قلبها في كل مرة..


بعد أن حدث ذلك في لحظات لا تذكر أسرعت السيارة وأختفت عن المكان وكأنها لم تكن موجودة من الأساس.. وكأن "سلمى" هي الأخرى لم تأتي إلى هنا!..

..يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة