رواية جديدة عسل مالح الجزء الثالث لأسماء عبد الهادي - الفصل 1
قراءة رواية عسل مالح الجزء الثالث كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عسل مالح 3
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء عبد الهادي
الفصل الأول
نظرات بائسه ألقتها كل من بهية وفاطمة على نادين التي ترقد على فراشها نائمة في عالم آخر تماما وكان روحها قد سحبت منها مؤقتا وفارقت الحياة لبعض الوقت، ظنت بهية من هيئة نادين الشاحبة ولونها المخطوف والدماء التي فرت من عروق وجهها الذي أصبح أبيض كالثلج، أنها كانت تصارع وحشا ضاريا تخشى على نفسها منه الموت وتحاول الفرار منه بأي طريقة كانت للنجاة ببدنها ألا وهو زوجها "حمزة" الذي أراد ان يأخذها عنوة، فكانت نادين تحاول أن تبعده عنها لكنها لم تستطع، وبعدما حدث ما حدث، جثت هي بعدها كالجثة الهامدة لا حراك فيها ولا طاقة.
هذا ما ظنته بهية ودار بخلدها ولم تكن تدري بأن نادين كانت بالفعل تصارع وحشا ضاريا، ولكن ليس هذا الوحش هو ابنها حمزة؛ وإنما كان وحش الألم والمرض الذي يفتك بجسدها وروحها، ويأكل من صحتها حد الموت، ابتأست فاطمة هي الأخرى وازرفت أعينها الدمعات حزنا على تلك المسكينة نادين وما حدث معها، فهي تراها مسالمة جدا مسكينة لا تحتاج سوى المعاملة الطيبة، ضربت بهية كفا بكف وهي تحوقل في سرها فقالت فاطمة ببكاء
_ شوفتي اللي عمله ولدك حمزة في نادين المسكينة ياما ؟
لترد الأم وهي غاضبة من فعلة نوارة التي جعلت ابنها حمزة الطيب الوديع، يتحول لوحش كاسر هكذا
_لاه مهواش حمزة ولدي، حمزة معملش حاجة دي غلطة نوارة انتي مسمعتيهاش قالت ايه؟!
كانت فاطمة تعرف أن أخيها لا لوم عليه ولا عتب بالفعل، فنوارة هي من ألقت بسمها في أذنه، فاستقبلتها أذنه جيدا ولم يتحملها عقله ولا حميته كرجل صعيدي غيور على محارمه، ففعل بها ما فعل، وتدرك جيدا أن غضبه ربما لن ينال فقط من نادين، بل سينال عز الدين أيضا وبقوة وشراسة أكبر مما حدث مع نادين ولكن بطريقة أخرى، فخافت على أخيها هو الآخر وابتأست من أجله وودت لو تذهب له لتجعله يتحدث إلى أخيه بهدوء ويفهمه ما في الأمر جيدا، لأنها تعلم أن أخيها يعرف نادين من قبل، وربما سبب تغير حاله وانقلابه وتغير مزاجه هذا بسبب هذا الشأن؛ لذا أرادت أن تذهب لتطمئن على أخيها وتحاول أن تفهم منه كل شىء عسى أن يخبرها، لكن هل فعلا سيخبرها عز بما تريد معرفته أم لا؟
__
ظل يمشي خلفه هرولةً، ورغم أنه بالفعل يركض خلفه إلا أنه لم يستطع اللحاق به، فكيف سيلحق بهزيم رعد، يهدر في الأجواء بحدة وضراوة، غير عابئا بما حوله وبما الذي يصطدم به فيحرقه بصاعقته النارية والتي في الحقيقة لن تصعق ولا تؤذي غير قلبه هو، وربما قد تميته، فلمَ يود هو حياة قلبه بعدما فقد من كانت سببا في انتعاش حياته وإحياءه ونضارته وخسرها للأبد؟
يعرف أنها خائنة لا تستحق حزنه عليها ولا أن يذكرها حتى، لكنه حقا لا يستطيع، فلقد كان حبها كمجرى الدم في العروق، وكأن حبها لعنة أصابته.
وجده راضي من بعيد يقترب بالقرب من ماء البحر، وقف أمامه هنيهة يلتقط أنفاسه المتعبة المبعثرة الجريحة، ومن ثم قام بنزع قميصه"جلبابه" عنه وألقاه بإهمال هو وبقية أشياءه الهامة كالهاتف ومفاتيح سيارته وأمواله، ألقاهم بإهمال أيضا غير عابئا بهم، ولا خائفا من أن يأتي لصا ويسرقهم في خلسة منه، وبعدها ألقى بنفسه في البحر يعوم ويعوم بلا توقف.
عندما وصل راضي وهو يتلقط أنفاسه المتلاحقة من التعب، منحيا بجسده للأمام رغم أن أعينه على ذاك الذي يسبح بسرعة كبيرة وكأنما هنالك سمكة قرش كبيرة تود التهامه فتطارده بينما هو يفر خوفا منها، بعدما استعاد راضي نفسه، قال في نفسه
_بيعمل ايه المخبول ديه ، هو فيه حد عاقل يعمل في نفسه اكده ، حد ينزل في عرض البحر في وقت زي ديه في عز القيالة والشمس قايدة مولعة نار، والمية كيف الزيت المغلي عتشوي اللحم من على الجلد ،مجنون ورب الكعبة
لكنه لا يدرك أن عز الدين نفسه يشتغل غليانا من الداخل، كحمم بركانية تتأجج وتتوهج وعلى وشك الثوران، ألقى عز الدين نفسه في عرض البحر، ظنا منه أنه إن فعل فلربما يخمد تلك النار الضارية المؤججة داخله بمياه البحر التي يمكنها إخماد أي حريق بسهولة ويسر ،ولسوء حظه أن مياه البحر ساخنة أيضا فلم تساعد على إسكان لوعة قلبه وحرقته، لم يشعر عز الدين بحرارة الماء فهي لا شىء مقارنة بالحرارة المضرمة بقلبه، لذا كان يستمر في العوم والسباحة إلى أبعد وأبعد.
جلس راضي جوار قميص عز الدين وحمل أشياءه ووضعها في جيبه ليحفظها له ريثما يعود وينهي من نوبة غضبه الثائرة ككل مرة، ويتابعه بهدوء شديد، يعرف أنه مهما تكلم ومهما نادى عليه أن يتراجع عما يفعله فلن يصغي إليه عز الدين أبدا، لذا فضل الصمت وتركه يفعل ما يحلو له ربما يرتاح بعدها، ويعود إلى رشده وصوابه، ظل على وضعه ينتظر عز الدين ويراقبه كحارس شخصي له مسؤول عنه وعن حماية فكيف لا وبالطبع عز الدين صديق عزيز على قلب راضي فكيف لا يقلق بشأنه ويعطل مصالحه من أجل الاطمئنان عليه ، بينما كان عز الدين يسبح هنا وهناك، وبينما هو كذلك إذ وصل لنقطة محظورة لا ينبغي العوم عندها ولا حتى مسموح للقوارب سواء قوارب الصيد وغيرها الوصول عندما لأن بها دوامات شديدة الخطورة تمتص كل من يمر من جوارها، وكان كل أهل البلدة يعرفون ذلك وكذلك راضي وعز الدين._ يا بوي ديه راح عند الدوامات اللي عاملة كيف الحوت الكبير عتبلع اي حد يقرب منيه او حتى يلمحه من على بعد
كان يتجه صوب تلك الدوامات وهو غير منتبه فلقد كان باله مشغول بها، بصراخها الذي صم أذانه وجعل بها طنينا لا يبرحها أبدا، طنينا يشج قلبه نقرا، حتى أنه كان يحرك رأسه يمنة ويسرة محاولة منه لنسيان ذلك، تزرف أعينه الدمعات بينما كان يسبح فيخيل للرائي أن ماء البحر ما هو إلا سيل أعينه بالدمعات الباكية.
نهض راضى من مرقده بفزع، منتصبا في وقفته في الحال، وقال بأعلى صوته مناديا ومحذرا عز الدين الغافل ذاك الذي يتجه مباشرة صوت تلك الدوامات وتلك المنطقة المحظورة
_عز الدين، عز الدين خد بالك ياخوي من الدوامات ، الدوامات يا واد عمي، يا عز يا عز الدين انت سامعني
لم يهتم عز الدين لنداءات راضي في بادىء الأمر ظنا منه أنه يحاول اثناءه عما يفعل أو يطلب منه العودة إلى اليابسة مرة أخرى بينما هو لم يكتفي بعد، ولم تسكن وتخمد ناره حتى الآن، لكنه وعندما كرر راضي نداءاته وتحذيراته الفزعة عدة مرات انتبه عز الدين الذي كان على وشك الدخول في محيط المنطقة الشافطة لكل شىء قبل يدخل بها ،فهي شبيه بمثلث برمودا الذي يبتلع كل ما يمر في محيطه سواء في الماء أو في السماء، انتبه عز الدين على آخر لحظه لكنه وعن غير قصد أو تحكم منه تخطى المحيط الممنوع، وضع راضي يده على رأسه يندب حظ صديقه ويفزع من أجله
_لاااا عز الدين، اوعاك، انت اكده دخلت المنطقة المحظورة يخربيت شيطانك هتشفطك اكده يا عز الدين فوق بالله عليك يا واد عمي
تاه عقل راضي وشعر أنه لا عقل له في هذا التوقيت وظل يدور حول نفسه لا يدري ما الذي عليه فعله لإنقاذ صديقه، إن قفز في البحر في محاولة لإنقاذه وسحبه، فلن يلحق في الوصول إليه فالمسافة بينهما بعيدة والدوامات شديدة، كاد عقله يطير فلا يدري ما الذي عليه فعله بالضبط، أما عز الدين فحاول بقدر ما استطاع من قوة أن يتخلص من سحب تلك الدوامات له، رغم ان قوة عز الدين البدنية والنفسية قد ضعفت للغاية، لكن قوة البقاء ونازعة حب الحياة ومواجهة الموت هي من أمدته بالقوة كي يسبح بقوة وسرعة فيخرج نفسه بعد عدة محاولات لم يستسلم فيها لتلك الدوامات أبدا، حتى استطاع النجاة منها واللوذ ببدنه في مكان آمن، ليتنفس بعدها عز الدين براحة لنجاته، وكذلك فعل راضي الذي حمد الله في نفسه على أن الأمر قد مر بسلام، ومن ثم نادى عليه قائلا
_الحمد لله يارب الحمد لله ، عز الدين بكفياك لحد اكده اطلع بقا يا واد عمي وجعت قلبي عليك
استجاب عز الدين له وبدأ بالسباحة عائدا إلى حيث يقف راضي، مستغربا وجوده في نفس المكان وفي ذلك التوقيت وكأنه كان يتبعه أو يعرف ما سيود عز الدين فعله.
وصل إلى اليابسة ليمد راضي ذراعه نحوه بلهفه ليلتقطه من البحر وليعاونه على الخروج، بمجرد أن خرج عز الدين من البحر، ألقى بجسده على الأرض العشبية أسفله ممدا كل من ساقيه وذراعها فاتحهما على وسعهما، ومغمضا أعينه بألم، متنهدا على حال بائس قد وصل له، لا ينبث ببنت شفة على الإطلاق وكأنه وحده في المكان، ولم ينظر حتى تجاه راضي الذي قال
_حمدا لله على سلامتك يا واد عمي، هون عليك ياخوي مفيش حاجة مستاهلة
هناك من يعالجون أوجاع قلوبهم بالصمت، وهناك من يحاولون نسيان أوجاعهم بكثرة الكلام، وكذلك كان عز الدين في تلك اللحظة الموجعة من ضمن تلك الفئة الصامتة والتي لا يكفي أي كلام لترجمة أو للتعبير عن حزنه، فاحيانا تعجز الكلمات عن وصف حالتك، ربما ليس لأنه عاجز عن التعبير أو الوصف، أو لا يكفي الشرح ليُفهم حالته وإنما لأن لا شىء سيتغير، مهما قال ومهما اشتكى ومهما أنهى ماء البحر بعدما استبدله بكلمات فلن تغير شيئا من الواقع، فما حدث قد حدث وانتهى، لذا فلا داع للكلام، فالصمت أبلغ في ذاك التوقيت الذي هو بعيد كل البعد فيه عن الحكمة والتعقل، فهو يشعر بأن عقله قد فقد عقله هو الآخر، وكأنما أصابه مس من جنون.
سكون غيم المكان و كأنما أسدل ستائر الليل باكرا عليهما، فأحاط المكان بعتمته، لبث فيها عز الدين جاثيا على الأرض وكأنما غط في ثبات عميق غير أن أعينه مفتوحة ينظر للفراغ وكأنه يطالع شيئا ما باهتمام، صورة مشوشة غير معروفة المعالم ولا التفاصيل، لكنها تبدو كهيئة امرأة في صورة عسل كان مدمنه له لكنه بات الآن يكرهه، أصبحت رؤيتها مشوشة لقلبه وأعينه، كان بإمكانه ان يجعل تلك الرؤية واضحة، لكن بعدما أدرك فظاعة ما كان يفعله أو حتى يفكر فيها بعدما أصبحت زوجة أخيه، حاول أن يعود إلى صوابه ولا يجعل أبدا حتى هيئتها تمر بذاكرته، لذا ظهرت على هيئة خيالات غير واضحة المعالم.
سأم راضي الانتظار كل هذا الوقت في تلك الشمس المحرقة التي لفحت وجهيهما وجسدهما بحرارتها، ونهض من مكانه مخاطبا عز الدين وهو يحاول الامساك بيده ليجعله ينهض من مكانه هو الآخر
_يلا نعاودوا بكفايانا لحد اكده اهنه، الشمس سيحت راسنا يابو خالو يلا
تخلى عز الدين عن صمته وتنهد بألم وتحدث بصوت ظهر فيه كل ما يحمله في قلبه من وجع
_خذ المفاتيح وهاتلي عربيتي من الدار وتعالى يا راضي
_ عايز العربية تعمل ايه بيها دلوك، انت لساتك تعبان ومحتااج لراحة، سند عليا خليني اروحك يلا .
أبعد عز الدين يد راضي بعيدا عنه وقال بينما يطيح جسده بغير تحكم منه وكأن سكيرا، فقد السيطرة على نفسه من كثرة ما شربه من مسكرات أذهبت بعقله، بل بالفعل هو كذلك فلقد أسكره عشقه لنادين، فأصبح السكارى حقا وقال حانقا
_لاه مش هرجع للدار، هاخد العربية واروح ع القاهرة، يلا انجز روح هاتها
قضب راضي جبينه، ونظر لعز الدين باستياء وأظهر بعضا من الصرامة يحتاجها عز الدين في هذا الموقف
_ مش هيحصل مش هسيبك تمشي وانت فحالتك دي مش هسمحلك تمشي مش هخليك تهرب زي كل مرة، انت هتفضل هنا وهتواجه مخاوفك واوجاعك لحد ما تتخلص منها نهائي عز الدين صاحبي مهواش ضعيف ولا جبان علشان يتعود ع الهروب، اقف وواجه بشجاعتك المعهودة عنك
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عسل مالح 3، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية