-->

رواية جديدة عسل مالح الجزء الثالث لأسماء عبد الهادي - الفصل 2

 

قراءة رواية عسل مالح الجزء الثالث كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





قراءة رواية عسل مالح 3

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء عبد الهادي


الفصل الثاني

ألا يشعرون بما يعانيه، ألا يقدرون حالته، ألا يفهمه أحدهم، كيف يطلبون منه مواجهة مخاوفه، يخشى أنه إن رآها بعد هذا اليوم فسينهار بكل تأكيد، لا، هو لا يقدر حتى على مواجهة أخيه ولا أن يرفع رأسه في وجهه بعد الآن، فكيف سيدخل الدار ثانية، لا، هو لن يتحرك من مكانه البتة، سيغادر البلدة على الفور.


 إلا أن راضي قد سحبه من يده كطفل صغير، وصار معه عز الدين يتهادى في مشيته فلا يسير باتزان، وكأنه سينكب على وجهه في أي لحظة، لولا ذراع راضي الغليظ الذي يحكم لفه جيدا حول ذراع عز الدين؛ لسقط بالفعل على الأرض من تيه روحه التي سيطرت على عقله وقلبه وكل جسده.


 سار به راضي في الطريق بغية استضافته في بيته، إلا أنهم في الطريق شاهدوا فاطمة التي كانت تسير في طريقها متجه نحو أرض والدها لتبحث عن أخيها، وما إن رأتهم حتى هرولت تجاههم، وما إن رأت أخيها ليس على طبيعته حتى هتفت متسائلة في لهفة 

_عز ياخوي مالك فيك ايه، ماله اخوي يا راضي ردوا عليا الله يرضى عنيكم، عز اخوي هيئته عاملة اكده ليه 


لم يهتم لها عز الدين بل ولم يرد على سؤالها، ولكن من تكلم هو راضي الذي قال بانزعاج واضح ظهر على قسمات وجهه المقتضبة فلم هي تخرج من دارها في هذا التوقيت؟

_فاطمة، ايه اللي مخرجك من الدار في وقت زي ديه 

أجابت وعينها على أخيها تريد أن تعرف ما به وما أهمه وما الذي يحدث حولها من الأساس.

_كنت بدور ع عز اخوي، عز قولي فيك ايه يا واد ابوي 

ليهتف راضي على نفس النبرة المنزعجة منها، لا يدري لم هو منزعج منها وكلما يراها يود لو يمسك في خناقها أو يختلق المشكلات معها

_ بردك مفاهمش انتي بتعملي ايه برات الدار ها، وعز اخوك عيل اياك علشان تخرجي اتدوري عليه وفي وقت زي ديه ، هتفضل تصرفاتك طايشة اكده علطول لحد امتا؟ 



انزعجت هي من كلماته التي نعتها إياها لتوه، وأخرجت سريعا الكائن الهمجي الطائش، المختبىء داخلها، وقالت بكلمات ربما لا تعنيها وإنما خرجت في وقت الغضب

_ وانت مين انت علشان تحكم على تصرفاتي أن كانت طايشة ولا لاه ، وكمان اخوي متكلمش فأنت بتتكلم بأي حق وبأي صفة مفهماشي ، بتدخل ليه في اللي ميخصكشي 


قالتها وهي ترمقه بنظرات متحدية متمردة.


اغتاظ راضي كثيرا وضم قبضته في غضب جم يحاول كظمه قدر المستطاع، وفتح فمه استعدادا ليطلق هوجاءه هو الآخر والكائن الهمجي في داخله، فلم تفعل وهو لا؟ لكن  عز أنقذ الموقف ومنع الحرب قبل أن تندلع بينهما

_راضي خدني  لبيت الضيافة في الدار، بسرعة مش قادر اقف على رجلي 


أومأ له راضي بأنه سيفعل متنهدا بضجر

لتمسك فاطمة بالذراع الآخر لأخيها وتحاول معاونته وإبداء أقصى ما تستطيع فعله من مساعدة وهي تقول بلهفة وقلق عليه

_اخوي فيك ايه بس انت اكده قلقتني عليك ؟


ليتحدث راضي مجيبا بالنيابة عن عز الدين الذي ليس في مزاج رائق لأن يتحدث مع أحدهم أو لأن يرد على تساؤلات أخته التي لن تنتهي، ولا أجوبة لديه لها.

_ أخد ضربة شمس قوية حبتين علشان اكده ممطوح زي ما انتي شايفة ومش جادر يصلب طوله   

رفعت فاطمة أحد حاجبيها ونظرت لراضي بحدة وقالت بنزق مصطنع

_أنا مسألتكشي اني كنت بسأل أخوي 


قالتها ثم نظرت لأخيها وقالت باهتمام

_سلامتك يا خوي.


طالعها راضي بنظرات محتدمة فتلك الفتاة ستصيبه بالجنون حتما، أو ربما يفقد صوابه عليها يوما، كيف تتحدث معه بتلك الطريقة المتكبرة، أنسيت نفسها، أو أنه هو الذي لم يعرفها جيدا قبلا، وأسند صاحبه من سكات دون أن ينطق بكلمة واحدة بعد، وعندما وصلا بالقرب من بيت الضيافة الخاصة بالحج عيسى سأل راضي" عز الدين" _المفاتيح معاك؟

أومأ عز الدين برأسه مجيبا دون ان يفتح فمه بحديث، ليضع راضي يده في جيبه مخرجا المفاتيح الخاصة بعز الدين ويمسكها في يده

_ طيب اهي المفاتيح جبتها بس هو انهي مفتاح فيهم،  خلينا نجرب واحد واحد 


أخذ يحاول عدة مرات لتمد فاطمة كفة يدها أمامه لينظر لها باستغراب دون أن يتحدث، لتشير هي للمفاتيح دون أن تنطق هي الأخرى، فيلوي فمه بامتعاض من فعلتها فهو لا يفهم، فترمقه هي باستياء وهي تقول بصوت رخيم

_ناولني المفاتيح اني اعرف نهون المفتاح بتاع بيت الضيافة 

إلا أن راضي تملكه العند ولم يشأ أن يعطها المفاتيح فلا يحب أن يراها تتغلب عليه او أن ترمقه بنظرة انتصار او تكبر أخرى، لذا قال هادرا بصوت آمر

_لاه هفتحه اني روحي انتي اعملي لاخوكي كوباية ليمون باردة او متلجة يلا  بسرعة 


ودت هي لو ترفض كي تعانده فهي لا تريد أن تطيع له قولا، لكنها ترى حالة أخيها تستدعي ذلك بالفعل فتنهدت بقلة حيلة واستدارت متوجهة نحو الدار، ليهتف راضي مرة أخرى وهو يجرب المفاتيح ثانية ودون أن ينظر لها، بينما جلس عز الدين منكسا رأسه على حجر كبير كان على جانب الباب

_وهاتي معاكي خافض للحرارة وغيار كمان وبسرعه.


حركت فاطمة رأسها وركضت على الفور لتحضر لأخيها وما يحتاجه، ليتلف إليها راضي الذي بدى وكأنه متجاهل لها لكنه كان في الحقيقة يتابعها بطرف أعينه وقال بانزعاج

_ انتي يا مصيبة متجريش ، انتي نسيتي نفسك يا غبية انتي ولا ايه 


هدأت فاطمة من سيرها وبدأت تمشي على تؤدهة ومهل، وهي تبرطم في إزعاج وعدم تقبل طريقته معها وهي تقول في نفسها_ يا باي عليك ،،ايه الراچل ديه اني مشوفتش في رعونته وغلاسته  هو فيه اكده مفكر نفسه مين الواصي عليا 

❈-❈-❈


قامت من مكانها بعدما رأت فاطمة وبهية لا يعبأون لأمرها، وإنما دلفتا بكل لهفة من أجل أن يطمأنن على نادين وما حدث معها، فتنهض هي من مكانها تجر ذيول خيبتها، وتحصد ثمار مكرها وخطتها الدنيئة للخلاص من نادين، رغم أنها لم تقصد شيئا مما فعلته سوى أنها تريد أن تبعد نادين عن زوجها، لكن ما فعلته كان حقا سيئا بدت هي به في موضع أساء لها كثيرا وهو الذي ليس معهودا عنها من قبل، ترى أهو الحب الذي يدفع صاحبه لفعل أي شيء حتى لو كان مخالفا لمبادئه وما هو عليه؟ 


دلفت إلى غرفتها لتجد زوجها يغلق دفتي خزانته حاملا في يده غيارا نظيفا له وعلى ما يبدو أنه سيذهب ليأخذ حماما منعشا، تجاهل حمزة وجودها وكأنها ليست موجودة معه بالغرفة ودلف إلى المرحاض، مكث بداخله ما مكث، بينما كانت نوارة تقف مكانها لا تتحرك، وعينها على باب المرحاض ومن بداخله مترقبة لحظة خروجه، كان حمزة يعرف أن نوارة تقف تنتظر خروجه لذا إدعى أن مزاجه في أحسن حالاته، إلا أن مزاجه كان في الحقيقة في أشد حالته بؤسا مما فعلته نوارة بنادين وخطتها الماكرة، لذا خرج يدندن بفمه بأصوات لا كلمات فيها، بينما ينشف شعر رأسه المبتل بتلك المنشفة القطنية البيضاء التي في يده، 

فغرت هي فاهها عندما وجدته على هذا الحال، فهو في العادي بطبيعة حاله، لا يدندن هكذا هو ليس معتاد على ذلك، إذا لم يفعلها الآن؟، والذي جعلها تفتح فمها على وسعهما أكثر هو أنها رأته يرتدي ثيابا جديدة يرتديها لأول مرة ويقف يمشط شعره أمام المرآة ويمسك بزجاجة عطره المفضل وينثر منه على ملابسه وعند عنقه باستفاضة، وكأنه يخبرها بأنه بالفعل عريس جديد ويريد أن يهتم بمظهره وهيئته أكثر من ذي قبل، 

مر من جوارها وكأنها طيف لا تُرى ولا يوجد له أثر مرئي، وتوجه نحو الفراش ليتمدد عليه، لتتحرك من مكانها نحوه بحنق متناسية ما فعلته بنادين، وليست على علم بما علمه حمزة من حقيقة ووقفت أمامه جوار الفراش وهي تقول بصدمة مخبول فقد عقله

_عملتها يا حمزة، عملتها فيا بجد؟؟؟ 


أجابها حمزة ببرود شديد وهو يوليها ظهره ويحاول أن يتثائب بتعمد

_عملت ايه، بجولك ايه يا نوارة انا تعبان وهلكان وعايز انام سيبيني الله يسترك


جن جنونها هي فهي بالفعل فقدت صوابها وآخر ذرة صبر وتحمل كانت تمتلكها فانحت نحوه بجسدها وأمسكت ذراعه لتلفه إليها وهي تقول صارخة

_ تعبان؟؟؟ وعايز تنام في عز الضهيرة، تعبان من ايه ها؟؟ انت مش مكسوف من عملتك لا وبتقولها قدامي عادي اكده ولا كأنك عملت حاجة واصل؟؟؟ 


بقي على نفس بروده متعمدا عدم النظر إلى عينيها، لأنه على وشك الإنقضاض عليها في أي لحظة لكنه يحاول أن يضبط انفعالاته ويستمر في خطته من أجل تأديبها 

_أيوة وفيها إيه، أني أنام في أي وقت إني عايزه انتي عندك مانع؟؟ 

لتصرخ هي أكثر وهي تحاول الامسكاك بيده لينهض من الفراش

_حمزة، انت رايد تجنني ولا ايه، ايه اللي حصلك، هو اني مش نوارة مرتك حبيبتك وأم عيالك؟؟  

أجابها بصوت تخلى عن البرود قليلا ليظهر فيه بعض الحدة والصرامة وهو يعتدل على مهل في الفراش

_لاه اللي واقفة قدامي دلوك مهياش نوارة حبيبة الجلب والعين أبدا دي واحدة تانية اني معرفهاش ولا رايد اعرفها 


أثارت كلماته تلك  ذاك الجزء الذي تبقى لديها من تحمل وقالت صارخة حانقة وهي تضربه ضربات عشوائية في صدره

_ ايوة طبعا، دلوك هتنكر وجودي وتشوفني مختلفة ومتغية، ما خلاص انت اتجوزت واحدة تانية ، للدرجة دي تأثيرها سريع اكده عليك ، لاه وكتاب الله  منتاش حمزة جوزي اللي اتجوزته وحبيته 



أبعد يدها بهدوء متجاهلا تلك الدمعات التي تخرج من أعينها تباعا بعد كلماتها تلك، واستدار بجسده ليوليها ظهره  كما كان.

_ بقولك ايه يا نوارة لو كان عندك حاجة تجوليها ياريت تأجليها لوقت تاني علشان مزاجي دلوقتي رايق ومش رايد حاجة تعكره 

حركت هي رأسها برفض ما يحدث وما تسمع ودموعها تنهمر أكثر من ذي قبل وقالت

_لا، وكتاب الله كأني في حلم لاه حلم ايه ديه كابوس، مكنتش اتوجع انك جاسي اكده ، بجي انت تطعني في جلبي وجدام عيني اكده ، وكماني بتبص في عيوني اكده من غير خجل او حتى ذرة ندم؟؟ ولا حتى اعتذار؟  


تحرك بجسده بانفعال والتف ليكون مواجها لها وهو يقول بينما يحاول أن يتحرك من مكانه

_اسمعي يا بت عمي لو مسكتيش فأني هجوم امشي ،ماهو اني لو ملجتش راحتي اهنه في فرشتي هلاجيها هناك في فرشتي التانية بردو 


جفت الدموع في مقلتيها فجأة وضاقت أعينها قليلا وظلت ترمقه بنظرات مستغربة، أهذا هو حمزة زوجها حقا الذي كان طوال الوقت رقيقا حليما لطيفا معها، أهذا هو زوجها المحب بل العاشق لها الذي يتمنى لها الرضا والسعادة دائما ولا يفعل إلا ما يرضيها ولا يسمعها الا ما يسعدها؟، أهذا هو الآن الذي آمامها؟، هو وعدها أن زواجه من نادين لن يغير شيئا وهي تراه تغير مائة بالمئة بل انه تحول لشخص آخر هي لا تعرفه ولا تدري عنه شيئا، أتراه كرهها بين لحظة وضحاها، هل سحرت له نادين أم ماذا؟، هو لا يظهر عليه أي علامات بؤس من أجلها ومن أجل قلبها المجروح الذي ينزف دما الأن، ألا يشعر بها وبوجعها، أنهار ذاك الحب الجميل الذي كانا يبنياه معا خطوة بخطوة ودرجة درجة حتى بلغ أقصى درجاته؟ أتراه انهدم بين لحظة وضحاها؟

_أنى مجدراشي اصدج أبدا، لاه وربنا مصدومة فيك صدمة عمري يا حمزة 


عند تلك اللحظة فقد حمزة ذاك الحلم والهدوء الذي كان يتحلى به ليتحول لوحش ثائر ينقض هو على تلك التي تقف وتلومه الآن، ليقف هو مكانه ليكون مقابلتها ويقول بفحيف كالحية المرعبة 

_ ايه ياختي، منتيش مصدجه ايه ومصدومة ليه ها كل ديه لاني اتجوزت نادين ؟؟  مش ديه كان مرادك من الأول ، انتي مش جلتيلي بعلاجتها مع عز اخوي وطلبتي مني مقفش اتفرج كدا لازم اتأكد من ان شرفي متهانش ولا اتداسش في التراب اديني كنت بتأكد،،، انتي عايزه ايه دلوك مصدومة ليه ومش مصدجه ها جاية تلوميني ليه 

 


حركت نوارة رأسها وهي تبكي أسفا وتكز على أسنانها بقهر حتى أدمتهما بالفعل

_ايوة معاك حج اني اللي عملتها في نفسي اني اللي غلطانة، اني اللي قربتكم من بعض 

ضحك بشماته

_ بالظبط اكده كنتي عايزة تكيدي لنادين فوجعتي انتي في شر اعمالك، دخلت ليها علشان اتأكد من شرفها فاتأكدت من حجيجتك انتي،،، بتجولي انك مش مصدجه اللي عملته ، لكن في الحجيجه انا اللي لحد دلوك مش مصدج انك تعملي اكده وعمري ما كنت اتوقع انه يطلع منك انتي يا نوارة 


  


قالها وهو يقترب منها بينما هي تقف مشدوهة من تأثير صدمتها ورغم خوفها وزعرها منه في تلك اللحظة الا أنها لم تستطع التحرك من مكانها فقدماها قد شلتان عن الحركة لفترة مؤقتة، ليقف هو أمامها مباشرة لا يفصله عنها شىء، لينظر إلى عينيها بحب لوهلة تتهوه هي فيه ومن ثم يتحول هو في لمح البصر إلى نظرات قسوه غاضب يريد القصاص ويقول

_ مش اني اللي اعتذر على اللي عملته اني اتجوزت على سنة الله ورسوله 

لكن انتي اللي بدل ما تعتذري جاية ترفعي عينيك في عيني من غير خجل وبعين مكشوفة ولا كأنك عملتي حاجة ولا كأنك اتهمتي بنت في شرفها ، انتي ارتكبتي غلطة لا يمكن اغفرها ليكي ابدا 


تحرك لسانها يتفوه بأول كلمة طرأت على بالها في ذلك الموقف بغية الدفاع عن نفسها

_اني معملتش حاجة يا حمزة اني كنت بدافع عن بيتي وجوزي 

لينقض هو على ذراعها ليكون بين مخالبة الجارحة ويقول

_ بتدافعي عن بيتك وجوزك بالطريجه  الحقيرة دي ، بتتهميها بالباطل وبترميها بالفحش وكمان بتعترفي اكده من غير اي ذرة ندم او خزي يا خسارة يا نوارة يا خسارة   


صرخت بألم لقوة قبضته على ذراعها فأول مرة في حياتهما يعاملها حمزة بتلك الطريقة الخشنة وعلى ما تبدو أنها ستكون معاملته لها دائما.


لا أحد يفهمها هي لم تكن تريد أذية نادين، بل فقط كانت تدافع عن زوجها وبيتها وحياتها وسعادتها بالطريقة الوحيدة التي رأيتها مناسبة في ذلك التوقيت

ظل ممسكاً بيدها ضاغطا عليها بقوة، فبقدر حبه لها هو غاضب منها كثيرا، فهو لا يراها نادمة على فعلتها بنادين بقدر ماهي نادمة على أن فعلتها أدت لأنه تزوج نادين بالفعل، لم يستطع تحمل ذلك لذا ولأول مرة في حياته يقسوا عليها ويعاملها بتلك الحدة وهي التي كانت طفلته المدللة دائما يخاف عليها من نسمة هواء طائشة، لكنه في الجد لا يتهاون أبدا ولا يستطيع أن يغفر خطئا جسيما كهذا أبدا لذا قال

_ اللي عملتيه لا يمكن انساه ولا اسامح عليه، للأسف صورتك اتهزت جدامي خلاص، ولو حد غيري كان زمانه رمى عليكي يمين الطلاق علطول بسبب عملتك دي .


حاولت أن تتحرك بجسدها في فزغ وانتفاضة شديدة رغم انه مازال ممسكا بذراعها بحدة لكنها تناست ذلك بمجرد قوله بأنه ربما كان ليسرحها بعد فعلتها تلك، وخاصة أنها فهمت أنه أكتشف أن كل كلامها غير حقيقي وأن نادين شريفة عفيفة، رفضت بشكل قاطع أن يتفوه هو بمثل هذا أيقول أنه من المفترض أن يسرحها او يطلقها؟، لا هي لن تستطيع تحمل هذا أبدا، اسيبنقلب السحر على الساحر في النهاية أهي فعلت كل هذا لتأمن بقاء زوجها إلى جوارها وهو يقول الآن أنه يريد تطليقها؟

 عجز عقلها عن استيعاب ما قاله بدأت تتلوى أمامه وهي تضع بيدها المتحررة من قبضته على صدره تمسك بالقميص القطني الزيتي الذي يرتديه وهي تقول بوجع يعصف كل خلية من خلاياها

_لاااه، لاه بالله عليك يا حمزة متجولهاش  اني بعشجك ، اوعاك بس تفكر فيها، ورب الكعبة اني مفكرتش اكده الا علشان تكون جاري أني وبس ومتبعدش عني ، اا اني عارفة اني غلطت وغلطة  كبيرة اوي كماني  واني استحج عقابك، لكن اوعى تطلجني يا حمزة بالله عليك اني مش هتحمل اكده ابدا ، انا نلت عقابي وجزاتي بما يكفي بمجرد انك اتجوزتها  و مستعدة لأي عقاب تاني منك المهم ترضى عني الا انك تبعدني عنك 


رغم أن حمزة لم يتحمل رؤيته لنوارة تنتفض بزعر بين يديه هكذا، وود لو انه سحبها إليه ليضمها إلى صدره بحنان، ليهدئها وليغرقها بعطفه وحبه إلا أنه حافظ على جموده معها وقرر إكمال خطته في تأديبها برغم قسوة العقاب عليه قبلها إلا أنه أصر عليه ،لذا فما كان منه إلا أنه ترك يدها وابتعد عنها مستدريا موليا ظهره لها،صدره يعلو ويهبط بعنف.


لتتقدم هي مسرعة نحوة ثانية بلهفة وتضع يدها التي شعر بها حمزة وكأنها خدر سري في شراينه، فهي لمسات معشوقته، لذا أغمض أعينه ليتحلى بالجمود أكثر، لتقول هي برجاء تبكي بندم واعتذار عله يعفو عنها

_بالله عليك سامحنى يا حمزة، اقسملك اني مش هكررها تاني ، وربنا ما هكررها ، بس متكسرش جلبي مرتين يا حمزة كفايا النار اللي جوايا بسبب اللي حصل، انت كدا عايز تموتني بالحيا يا حمزة 


أخذ هو نفسا عميقا وأخرجه بإنزعاج وهو يكز على أسنانه، فما الذي تقوله، هو لن يفعلها أبدا ولن يفكر في فعلها، رغم غضبه الشديد منها، ورغم استياءه وانزعاجه مما فعلت إلا إنه لا يستطيع تركها أبدا، فهي من سكنت الفؤاد وترعرت بين أنفاسه، استدار لها  مرة أخرى وحاول أن يجعل وجهه متجهما محتدا ويقول بنبره قاسية جافة 

_اهدي لو كنت رايد اعملها كنت عملتها في وجتها ايه اللي هيخليني استنى الوجت ديه كله


لتهدأ قسمات وجهها وتعود الدماء إلى عروقها، ليرمقها هو بنبرة مستاءة وهو يقول

_ لكن ديه ميمنعش اني غضبان عليكي


أمسكت بيده تقبلها بطاعة وخضوع وهي تقول

_مستعدة أعمل أي شيء إلا أنك تبعدني عنك، عاقبني زي ما تحب الا انك تخاصمني.

زفر حمزة بحنق فبحالتها تلك ستحطم حصون جموده تماما وربما يلين لها في أي لحظة ويقطع عقابه، تبا لقلبه الرقيق الذي لا يتحمل رؤيتها هكذا، لكن لابد من تأديبها كما يرى هو 

لذا قال محتفظا بجموده

_ وديه اللي هعمله هعاقبك بالفعل، لكن اول حاجة رايدك تعمليها، انك تنسي تماما اني اتجوزت نادين ووتصرفي عادي وكأن شىء لم يكن  


طالعته بصمت متألم فيالا قسوة عقابه أيتزوج غيرها والآن يطلب منها تجاهل ذلك الأمر وعدم إعطاءه بالا، كيف ذلك وهذا الأمر بالتحديد يأكل من قلبها بنيران الغيرة والتي قلبها هو حطبها.

قالها هو ونظر إليها يطالع وجهها الجابس لبعض الوقت ومن ثم تركها وغادر وهو يقول عندما وصل لباب الغرفة، 

_أني رايح الأرض.


قالها وغادر تاركا إياها تتلوى من خنجر الغيرة المسموم، فجلست مكانها على الأرض تبكي تألما وحسرة على حالها، جثت على الأرض وزرفت أعينها الدمعات كالشلال تسقط تباعا على الأرض وكأنها زخات مطر محتدة هي الأخرى، ومن ثم بدأت تضرب الأرض بقبضتي يدها وهي تقول "أنا الملومة ولا أحد غيري، فلتدفعي أيتها الحمقاء ثمن اخطاءك، ولتبكي على أطلال حبك المتدامي"

❈-❈-❈

جلس متكئا على مخدعه، في تلك الحجرة التي أشبه بالخرابة من رائحة ذاك العفن الذي يستنشقه بانتشاء عجيب وتلذذ مقزز، وقال وهو يحرك رأسه الخبيث بمكر ودهاء ثعلب ماكر بعدما تذكره لرؤيته لفاطمة وعز يقفان مع راضي، وعز الدين يقف مستندا بيده على كتف راضي وكأنه مريض، ويسيرون معا نحو الدار، والتي عرف من خلالها بقوة العلاقة التي تربط كل من عز براضي الذي يعمل في أرضهم، وكذلك بقوة العلاقة بين كل من عز الدين وأخته فاطمة

_عجبتني اوي العلاقة اللي بينك يا عز انت وراضي، وهيكون مسلي اوي واني بشوفها بتتهدم وبإيديا دلوك، وبكده اكون ضربتك يا عز مرتين في مج. تل وابجي وريني هتجوم منها ازاي ، استناني بس 



قالها وأتبع قوله بضحكات متتابعة متعالية ومن ثم أخذ نفسا عميقا من ذلك العفن الذي في يده، انفتح فمه على إثره وخرج الدخان متناثرا من فمه وأنفه بشكل مقزز ومثير للإشمئزاز.


❈-❈-❈

حضرت فاطمة بعد أن أحضرت الغيار الخاص بأخيها، والعصير البارد لكل من أخيها وراضي، طرقت الباب وما إن سمعت إذن راضي بالدخول حتى دلفت وناولته الأشياء التي معها وهي تقول

_كيفه اخوي دلوك؟؟


أومأ لها راضي برأسه دون أن ينطق بحرف واحد يجيب به عليها، وأشار لها بيده بالانصراف دون أن يكلف نفسه بأن يفتح فمه ويقولها، لترمقه فاطمة بحنق ويتغير لون وجهها للانزعاج

_  ما ترد عليا اني مش أمة عندك  علشان تتجاخل سؤالي اكده، ولا انت مبجاش عندك لسان او انخرست 



اتسعت أعين راضي بما قالته وتلك الحدة التي هي عليها، هو بالفعل لم يقصد شيئا، لكنه حقيقة لا يدري لم يفعل معها هكذا، مغتاظ من تفكيرها السطحي في إختيار شريك حياتها كما يظن هو، لذا هو يغضب عندما يراها أمامه، رغم فرحه برؤيتها ومحاولته جاهدا لأنه يغض بصره عنها، إلا إنه لا يستطيع أن يمنع حدته تلك في معاملتها


لذا رد بغضب هو الآخر بغية استثارة غضبها أكثر فهي من بدأت

_ انتي اتجنيتي اياك انتي ازاي يا بت انتي تتكلمي معاي أكده. 

 انت اللي بتجبريني اعاملك اكده، اني بعاملك بالمثل، ايه مضايجاكي اوي المعاملة بالمثل ؟

 اني يا مصيبة مكانش جصدي ايتها حاجة خالص ، كل الحكاية ان بالي مشغول على اخوكي عز لكن انتي اللي اندفعتي زي الطور الهايج بتهاجمي لمجرد الهجوم 


ظنت أنه ربما يكون محقا بالفعل، فهي اندفعت بالفعل وطاحت به بسرعة، رغم أن هذا ليس من شيمها أن تتحدث مع الرجال من الأساس، فلا تدري ما الذي دهاها وجعلها تتصرف هكذا برعونة مع راضي، لكنها ورغم معرفتها بأنها اندفعت إلا أنها لم تقبل أن يشبهها بالطور الثائر، ففتحت فمها وقالت 

_انت بتجول عليا اني طور؟ 

طالعها وهو يفتح فمه باندهاش، أهي حقا تركت ما قاله وأمسكت في تلك الكلمة بدلا من أن تعتذر منه، أغتاظ منها ومن أسلوبها لذا لوح لها بيده لأن تكف عن الحديث وهو يفضل ألا يجادلها ثانية.

فتركل هي الأرض بقدمها بفعلتها التي هي معتادة عليها وتستدير مغادرة المكان على الفور وهي حانقة منه جدا، رغبة عارمة دعته للإبتسامة الواسعة انفرجت لها شفتيه كثيرا، ووقف مربعا ذراعيه إلى صدره وينظر للفراغ شاردا.


أيا قلب أما آن لك أن تفرح، بطيف عزيز زار القلب لا يبرح، أهناك فرصة للوذ به، أم أنه حلم جميل في سماءك يُلمح...بقلمي أسماء عبد الهادي 

❈-❈-❈

بعدما استيقظت نادين مساءً وكان حمزة قد دلف للإطمئنان عليها فوجدها نائمة فغادر بهدوء.


اتصلت نادين بسمر وقصت عليها كل شيء وما حدث معها أخبرتها سمر بأن هذا ما كان عليها أن تفعله منذ بادئ الأمر وأن الوضوح والصراحه هم أساس كل شيء وأنها كانت ترى أنه  كان لابد من أن تخبر حمزة بالحقيقة منذ أول يوم خطت قدمها بداره كما أخبرتها سابقا، وكانت نادين ترفض التصريح لأحد بحبها لعز،  وأخبرتها سمر أيضا أن عليها أن تخبر عز الدين الحقيقة كاملة حتى ولو أرادت  أن تبعده عنها ولكنه عليه أن يعرف الحقيقة هو الآخر

لتقول نادين بتباكي وهي مازالت راقدة في فراشها بإعياء

_ مش هيحصل يا سمر عز مش لازم  يعرف أي حاجة خالص، بالله عليكي بلاش الموضوع دا انا تعبانة تعبانة اوي 

تنهدت سمر بقلة حيلة وقالت

_خلاص يا نادو متزعليش صحيح مش وقته كلام ف الموضوع دا لكن لما اقابلك اكيد لينا كلام تاني مع بعض.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عسل مالح 3، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة