رواية جديدة عسل مالح الجزء الثالث لأسماء عبد الهادي - اقتباس
قراءة رواية عسل مالح الجزء الثالث كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عسل مالح 3
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء عبد الهادي
اقتباس
❈-❈-❈
ظل يمشي خلفه هرولةً، ورغم أنه بالفعل يركض خلفه إلا أنه لم يستطع اللحاق به، فكيف سيلحق بهزيم رعد، يهدر في الأجواء بحدة وضراوة، غير عابئا بما حوله وبما الذي يصطدم به فيحرقه بصاعقته النارية والتي في الحقيقة لن تصعق ولا تؤذي غير قلبه هو، وربما قد تميته، فلمَ يود هو حياة قلبه بعدما فقد من كانت سببا في انتعاش حياته وإحياءه ونضارته وخسرها للأبد؟
يعرف أنها خائنة لا تستحق حزنه عليها ولا أن يذكرها حتى، لكنه حقا لا يستطيع، فلقد كان حبها كمجرى الدم في العروق، وكأن حبها لعنة أصابته.
وجده راضي من بعيد يقترب بالقرب من ماء البحر، وقف أمامه هنيهة يلتقط أنفاسه المتعبة المبعثرة الجريحة، ومن ثم قام بنزع قميصه"جلبابه" عنه وألقاه بإهمال هو وبقية أشياءه الهامة كالهاتف ومفاتيح سيارته وأمواله، ألقاهم بإهمال أيضا غير عابئا بهم، ولا خائفا من أن يأتي لصا ويسرقهم في خلسة منه، وبعدها ألقى بنفسه في البحر يعوم ويعوم بلا توقف.
عندما وصل راضي وهو يتلقط أنفاسه المتلاحقة من التعب، منحيا بجسده للأمام رغم أن أعينه على ذاك الذي يسبح بسرعة كبيرة وكأنما هنالك سمكة قرش كبيرة تود التهامه فتطارده بينما هو يفر خوفا منها، بعدما استعاد راضي نفسه، قال في نفسه
_بيعمل ايه المخبول ديه ، هو فيه حد عاقل يعمل في نفسه اكده ، حد ينزل في عرض البحر في وقت زي ديه في عز القيالة والشمس قايدة مولعة نار، والمية كيف الزيت المغلي عتشوي اللحم من على الجلد ،مجنون ورب الكعبة
لكنه لا يدرك أن عز الدين نفسه يشتغل غليانا من الداخل، كحمم بركانية تتأجج وتتوهج وعلى وشك الثوران، ألقى عز الدين نفسه في عرض البحر، ظنا منه أنه إن فعل فلربما يخمد تلك النار الضارية المؤججة داخله بمياه البحر التي يمكنها إخماد أي حريق بسهولة ويسر ،ولسوء حظه أن مياه البحر ساخنة أيضا فلم تساعد على إسكان لوعة قلبه وحرقته، لم يشعر عز الدين بحرارة الماء فهي لا شىء مقارنة بالحرارة المضرمة بقلبه، لذا كان يستمر في العوم والسباحة إلى أبعد وأبعد.
جلس راضي جوار قميص عز الدين وحمل أشياءه ووضعها في جيبه ليحفظها له ريثما يعود وينهي من نوبة غضبه الثائرة ككل مرة، ويتابعه بهدوء شديد، يعرف أنه مهما تكلم ومهما نادى عليه أن يتراجع عما يفعله فلن يصغي إليه عز الدين أبدا، لذا فضل الصمت وتركه يفعل ما يحلو له ربما يرتاح بعدها، ويعود إلى رشده وصوابه، ظل على وضعه ينتظر عز الدين ويراقبه كحارس شخصي له مسؤول عنه وعن حماية فكيف لا وبالطبع عز الدين صديق عزيز على قلب راضي فكيف لا يقلق بشأنه ويعطل مصالحه من أجل الاطمئنان عليه ، بينما كان عز الدين يسبح هنا وهناك، وبينما هو كذلك إذ وصل لنقطة محظورة لا ينبغي العوم عندها ولا حتى مسموح للقوارب سواء قوارب الصيد وغيرها الوصول عندما لأن بها دوامات شديدة الخطورة تمتص كل من يمر من جوارها، وكان كل أهل البلدة يعرفون ذلك وكذلك راضي وعز الدين._ يا بوي ديه راح عند الدوامات اللي عاملة كيف الحوت الكبير عتبلع اي حد يقرب منيه او حتى يلمحه من على بعد
كان يتجه صوب تلك الدوامات وهو غير منتبه فلقد كان باله مشغول بها، بصراخها الذي صم أذانه وجعل بها طنينا لا يبرحها أبدا، طنينا يشج قلبه نقرا، حتى أنه كان يحرك رأسه يمنة ويسرة محاولة منه لنسيان ذلك، تزرف أعينه الدمعات بينما كان يسبح فيخيل للرائي أن ماء البحر ما هو إلا سيل أعينه بالدمعات الباكية.
نهض راضى من مرقده بفزع، منتصبا في وقفته في الحال، وقال بأعلى صوته مناديا ومحذرا عز الدين الغافل ذاك الذي يتجه مباشرة صوت تلك الدوامات وتلك المنطقة المحظورة
_عز الدين، عز الدين خد بالك ياخوي من الدوامات ، الدوامات يا واد عمي، يا عز يا عز الدين انت سامعني
هناك من يعالجون أوجاع قلوبهم بالصمت، وهناك من يحاولون نسيان أوجاعهم بكثرة الكلام، وكذلك كان عز الدين في تلك اللحظة الموجعة من ضمن تلك الفئة الصامتة والتي لا يكفي أي كلام لترجمة أو للتعبير عن حزنه، فاحيانا تعجز الكلمات عن وصف حالتك، ربما ليس لأنه عاجز عن التعبير أو الوصف، أو لا يكفي الشرح ليُفهم حالته وإنما لأن لا شىء سيتغير، مهما قال ومهما اشتكى ومهما أنهى ماء البحر بعدما استبدله بكلمات فلن تغير شيئا من الواقع، فما حدث قد حدث وانتهى، لذا فلا داع للكلام، فالصمت أبلغ في ذاك التوقيت الذي هو بعيد كل البعد فيه عن الحكمة والتعقل، فهو يشعر بأن عقله قد فقد عقله هو الآخر، وكأنما أصابه مس من جنون.
سكون غيم المكان و كأنما أسدل ستائر الليل باكرا عليهما، فأحاط المكان بعتمته، لبث فيها عز الدين جاثيا على الأرض وكأنما غط في ثبات عميق غير أن أعينه مفتوحة ينظر للفراغ وكأنه يطالع شيئا ما باهتمام، صورة مشوشة غير معروفة المعالم ولا التفاصيل، لكنها تبدو كهيئة امرأة في صورة عسل كان مدمنه له لكنه بات الآن يكرهه، أصبحت رؤيتها مشوشة لقلبه وأعينه، كان بإمكانه ان يجعل تلك الرؤية واضحة، لكن بعدما أدرك فظاعة ما كان يفعله أو حتى يفكر فيها بعدما أصبحت زوجة أخيه، حاول أن يعود إلى صوابه ولا يجعل أبدا حتى هيئتها تمر بذاكرته، لذا ظهرت على هيئة خيالات غير واضحة المعالم.
سأم راضي الانتظار كل هذا الوقت في تلك الشمس المحرقة التي لفحت وجهيهما وجسدهما بحرارتها، ونهض من مكانه مخاطبا عز الدين وهو يحاول الامساك بيده ليجعله ينهض من مكانه هو الآخر
_يلا نعاودوا بكفايانا لحد اكده اهنه، الشمس سيحت راسنا يابو خالو يلا
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عسل مالح 3، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية