رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 23
قراءة رواية البريئة والوحش كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية البريئة والوحش
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أميرة عمار
الفصل الثالث والعشرون
أَنتِ الَّتِي وَكَّلتِ عَيـنِي * بالسُّهادِ وَبِالبُكاءِ
إِنَّ الهَوَى لَو كَانَ يَنفُذُ * فِيهِ حُكمِي أَو قَضائِي
لَطَلَبتُهُ وَجَمَعتُهُ * مِن كُلِّ أَرض أَو سَماءِ
فَقَـسَمتُهُ بَينِي وَبَينَ * حَبيبِ نَفسِي بِالسَّواءِ
فَنَعيشَ مَا عِشنا عَلَى * مَحضِ المَوَدَةِ وَالصَّفاءِ
حَتَّى إِذَا مُتنَا جَميعا * والأُمورُ إلى فَناءِ
مَاتَ الهَوَى مِن بَعدِنا * أَو عَاشَ فِي أَهل الوَفاءِ
❈-❈-❈
مسك هاتفه المحمول وزاح من عليه غطاء الظهر
وأخرج منه كارت الإتصال الخاص به راكنناً إياه على الكوميدينو
ووضع الكارت الجديد الموجود بيده مكانه
ومن ثم وضع الغطاء مرة أخرى وعاد تشغيل الهاتف
كتب رقمها الذي يحفظه عن ظهر قلب و قف قليلاً حتى يلتقط أنفاسه ومن ثم ضغط على زر الإتصال قبل أن يضع الهاتف على أذنه منتظراً ردها
وثواني معدودة وكان صوتها العذب الذي إشتاقه بشدة يصل لأذنه
أغمض عيناه وهو يأخذ زفير وعلى وجهه إبتسامة بسيطة من أثر عذوبة صوتها
جعدت حاجبيها بأستغراب وقالت بتساؤل:
-مين معايا
رد عليها بصوته الرجولي ذو البحة المميزة قائلاً:
-أنا يا نغم
-فارس
لفظتها نغم بصدمة فهي لم تنسى صوته أبداً مهما مرت الأيام والساعات
أخذ نفساً عميقاً وهو يغلق عيناه بشعور جلي عندما إستمع إلى إسمه يخرج من بين شفتيها الناعمة، لم يتذوق حلاوة إسمه قبل أن تناديه
به... جعلته يرى أشياء كثيرة بنفسه لم يكن يعلم عنها شئ، أخرجت من داخله شخصاً اخر خاص بها هي معاملته مختلفة تماماً عن معاملة فارس مع البقية
-عشان خاطر كل لحظة حلوة بينا سبيني اتكلم
يا نغم معاكي وأطلع كل اللي جوايا ولو مش عاوزة تردي تقدري تقفلي التليفون بعد ما اخلص كلامي
قالها بنبرة مليئة بالرجاء لكي توافق على طلبه
صمت قليلاً منتظراً ردها على حديثه
أردفت بصوت مهزوز شعر به:
-عاوز إيه يا فارس؟
أخذ نفساً عميقاً ليهيئ نفسه للحديث ومن ثم بلل شفتيه لشدة جففنها قبل أن يقول:
-عاوزك يا نغم، مش قادر أعيش من غيرك
انا ولا حاجة من غيرك والله....حياتي ناقصة يا نغم ومش حياتي بس انا ذات نفسي حاسة بالنقص
عارف إني غلط وغلطة كبيرة كمان بس والله من حبي فيكي خبيت عليكي، كنت متأكد إنك لو عرفتي عمرك ما كنتي هتوافقي بيا
أنا ملعبتش بيكي يا نغم ولا كنتي نزوة في حياتي انتِ كل حياتي والله
صمتت قليلاً حتى يبتلع ما بجوفه قائلاً:
-كنت كل ما أجي اقولك حاجة تمنعني وتقولي هتخسرها،عمري ما خوفت من حاجة زي ما خوفت من إني أخسرك
جوازي من سارة كانت ظروفه مختلفه يا نغم وأكيد إنتِ عرفتيها بس اللي متعرفيهوش إني عمري ما حبيتها ولا بادلتها أي مشاعر
قلبي ما دقش غير على إيدك، اتعلمت الحب بيكي وفيكي يا نغم
وأنا لما منعتك من الخلفة كنت حقيقي عندي عقدة من الموضوع، عارف إنك ربطي المواضيع ببعض وقولتي اني مخلف من سارة معني كده إني كنت بلعب بيكي
بس والله ده ما حقيقي...أنا كنت رافض الموضوع برضو بس قدرة ربنا كانت اكبر من كل شئ ورزقني بمالك
يستمع لصوت أنفاسها المرتفعة يشعر بدموعها الجارية على وجنتيها الآن ولكن ليس بيده شئ أن يفعله... فهي بعيدة كل البعد عنه لكي يأخذها بين أحضانه مخففةً عليها جرج ما فعله بها
استرسل حديثه مُردفاً:
-مقدرش أقولك إني بكرهه لأني هكون كذاب
مالك ده كل حياتي ربنا عوضني بيه عن معاناتي مع سارة ويمكن مالك الحتة الحلوة اللي خرجت بيها من علاقتي مع سارة
عارف إنك مجروحة مني وعارف إنك فقدتي الثقة فيا وشيفاني شخص وحش أوي
وده حقك يا نغم مقدرش أقل حاجة
بس عدى شهرين أو اكتر وإنتِ لسه واخدة نفس الموقف مني
حبك ليا مشفعليش عندك يا نغم؟
مبيوحشكيش حضني زي ما بتوحشك؟
مفيش اي حاجة حلوة فكرهالي؟
مصعبتش عليكي يا نغم وأنا مكسور ومدمر في بعدك عني؟
كل هذه أسئلة ألقاها على أذنها ودموعه تهبط بهدوء مع كل سؤال يلقيه عليها
طاقته نفذت،لم يعد قادر على قول المزيد
لا يعلم ما هي الكلمات المناسبة التي من المفترض أن يلقيها على مسامعها حتى تلين له
أنهى حديثه وصمت،صمت وهو ينتظر حديثها بشدة
أما هي فاستمعت لكل كلمة بل لكل حرف قاله
لم تقدر على السيطرة على دموعها التي تنزل كالشلالات على وجهها
يتحدث عن الأمر بكل يسر وسهولة
إذا كان الأمر لا يستدعي كل هذه الدراما كما يقول معنى حديثه لما تشعر بتلك الوخزات بقلبها منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي اكتشفت به الحقيقة ؟
بكل تبجح يلقى عليها أسئلة كتلك حتى يُضعفها
يذكرها بأحضانه الدافئة التي كانت تأخذ منها وطناً
يذكرها بحبها له التي كانت تتغنى به طيلة الوقت
يذكرها بأيامهم الحلوة التي قضوها سوياً ولياليهم الدافئة
يحاول أن يجعلها تتعاطف معه بكل شئ ممكن
نجح في ذلك بالفعل جعل تفكيرها يذهب إلى أحضانه التي كانت ترتمي بها بكل لحظة
كانت تشعر بأن صدره يحتويها ويجلي عنها حزنها
جعلها تتذكر كل كلمة حب قالتها له وكيف كانت ردة فعله
جعل شريط حياتهم سوياً يمر أمام عيناها
منذ أول لقاء حتى أخر حبل كان يربط بينهم
لو هذا الحديث دار بينهم من قبل كانت لانت له وسامحته على الفور
أما الآن فمن سابع المستحيلات أن تعفو عنه
فهي تدربت كثيراً على نسيانه والعيش بدونه وعلى ما تظن أنها نجحت بذلك بفضل طبيبتها النفسية
-مش فاكرة أي حاجة غير إنك ضحكت عليا وخدعتني...بقيت اشوفك شخص تاني يا فارس غير اللي حبيته، إنك تبررلي سبب جوازك من بنت عمك أو إنك محبتهاش ده مش هيفدني بحاجة
أنا امنتك عليا وعلى قلبي بس إنتَ مطلعتش قد الأمانة دي
لما قعدت مع نفسي وفكرت ليه ربنا حطك في طريقي برغم إنك أذتني
وصلت وقتها إنك كنت سبب في إني ألاقي اهلي ودي حاجه انا بشكرك عليها
غير كده انتَ خرجت من حياتي يا فارس ودي حاجه مفيهاش راجعة
وده طلب شخصي مني ليك لو سمحت إبعد عن طريقي وسيبني أعيش حياتي من غيرك
-يعني أنا كنت مجرد محطة عرفتي فيها أهلك وبعدها نستيني يا نغم؟
قالها فارس بعصبية وصوت عالي حاد، حديثها جعل ثباته يتبخر في الهواء
من اين لها بهذا الحديث الكبير على سنها؟
هتفت بصوت معتدل جاهدت في خروجه :
-كلامنا خلص يا فارس وأنا قولتلك كل اللي في قلبي وسمعتك زي ما طلبت مني
وأتمنى إنك تكون سمعت كلامي كويس
وتنفذه...عن اذنك لازم اقفل
رد عليها فارس قائلاً بغضب:
- أستني يا نغم أنا لسه مخلصتش كلامي
ولكن كان صوت أنهاء المكالمة يدوى بأذنه
اخفض الهاتف من على أذنه ليرى إذا كانت اغلقت الاتصال ام لا
أغمض عيناه بقوة عندما تأكد من إنهائها للمكالمة
وعقب غلقه لعينه نزلت كل الدموع التي كانت مختزنة بهم
كل مدى يشعر أنه خسرها للأبد
تغلق كل الطرق بوجهه بطريقة مهينة
أما هي فألقت هاتفها على الفراش بعد ان أنهت الإتصال وانهت معه كل خيط يربطها بفارس
نبضات قلبها تتسارع بشدة، شئ ما بداخلها يشعر بالحرية وآخر يجلس حزيناً على فارس
إستلقت على الفراش ناظرة لسقف غرفتها
ودموعها تهبط من عيناها واصلة لأذنيها بسبب تسطحها
قهرة قلبه تصلها وتشعر بها ولكن ألمها هي كان أقوى...لحظة كشفها للحقيقة شعرت بتكسير بقلبها مازال صوته يدوي بأذنها حتى الآن
عندما تجلس مع نفسها لتفكر قليلاً تشعر أن ردة فعلها كانت مبتزلة للبعض
كانت على حفى الجنون بسبب شخص !!
أمر يدعى للإستنكار حقيقي
ولكن هي الوحيدة التي تعذر نفسها
هي الوحيدة التي تعلم كم أحبت فارس
كانت حياتها عتمه وأتى هو بحنانه المعهود
أنار به طريقها، رأت فيه العالم بأكمله
وفجاة وبدون أي إنذار تكتشف ان عالمها
كان محتل من شخص مخادع بنى سعادته على كذبة كبيرة
ما دفعها للجنون التفكير الذي كان يدوي برأسها وقت، كيف ومتى ولماذا
السؤال الذي كان يدور بذهنها وقتها
هل كل ما عاشته معه وهم؟
ومن جهة اخرى يراودها تفكير أخر
من هذا الشخص الذي اتيت معه لبيته ويدعي أنه أبي؟
كانت حروب تقام بذهنها
أما الآن فللحق تشعر بالراحة، طبيبتها النفسية
قائمة بدورها على أكمل وجه
تشعر بتحسن كبير، طيبة قلبها الزائدة على ما يبدو انها تخلصت منها أخيراً
وحبها لفارس بدأ ينتقص شيئاً فشئ
وأكبر دليل على هذا الحديث أن حديثه
لم يقصر بها قط، لو كانت كالسابق لكانت
سامحته منذ أن عبر لها عن إشتياقه
أغمضت عيناها بسلام وهي تقنع نفسها أنها تسير على الطريق الصحيح
❈-❈-❈
خرج الطبيب من غرفة الكشف الموجودة بها سارة
وجد مازن يقف أمام الباب مباشرةً ينتظر أي شئ يطمئنه عليها
إبتسم الطبيب إبتسامة هادئة وهو يقول:
- متقلقش يا أستاذ مازن الجرح اللي في راس الآنسة سطحي والحمد لله هي بخير ومفيهاش اي حاجة
لم يلفت نظره في الحديث سوى كلمة " أستاذ مازن" الذي قالها الطبيب بكل ثقة
باقي الحديث لم يستهين به ولكنه كان يعلم أنها لم تتأذى من هذه الحادثه لسرعة استيعابه
عند ظهورها وضغطه على فرامل السيارة
جعد حاجبيه بإستغراب قائلاً للطبيب بتساؤل:
-حضرتك عارفني؟
اتسعت إبتسامة الطبيب وهو يتمتم بمزاح:
- حضرتك اشهر من نار على علم هنا يا فندم
انا كل ما أمر على اوض المرضى ألاقيك كل مرة في اوضة شكل
ضحك مازن على مزحة الطبيب قائلاً:
-معاك حق والله عمري بيضيع في المستشفى دي
ثم إستكمل حديثه قائلاً:
-اقدر أدخل الاوضة دلوقتي؟
- اه طبعاً وأول ما المحلول اللي في ايديها يخلص هاجي أشيلها الكانولا وتقدر وقتها تاخدها وتخرجوا
- تمام شكرا لحضرتك يا دكتور
مسك مازن مقبض الباب بيده اليمنى وأخذ نفساً عميقاً ومن ثم أخرجه كزفير حتى يُخرج التوتر الذي تلبسه من جسده
هذه تعتبر أول مقابلة حتمية بينهم
كل المقابلات التي مرت كانت عابرة
مجرد نظرات
أما الآن فهو سيتحدث ويخرج ما بجبعته
يشعر انه يحتاج لذلك او للحق هو لم يكن محتاج لذلك إلا عندما حملها بين يده وشعر
بها مرة أخرى، عندما تغلغت رائحتها المميزة أنفه مرة أخرى بعدما كان محى تلك الرائحة من ذاكرته
دار المقبض ببطئ وهو يقول لنفسه واحد إثنين ثلاثة
صوت صرير الباب هو من جعلها تنتبه لدخول شخص ما
فهي عندما فاقت من الإغماء الذي أصابها
وجدت الدكتور جوارها وحينما سألته من الذي جلبها لهنا
اخبرها ان الشخص الذي دعسها بسيارته هو من اتى بها لهنا وينتظرهم بالخارج
رمشت عيناها عدة مرات لتستوعب ما تراه
مازن!!!!
كيف؟
تقدم الخطوتين الفاصلتين بينه وبين الكرسي الملاصق للفراش، سحبه قليلاً ومن ثم جلس عليه قائلاً بهدوء:
-إزيك يا سارة
تنظر إليه وكأن طير يقف على رأسها، شفتيها متفارقتين قليلاً من أثر الصدمة...ما هذا الهدوء الذي يتلبسه أهم بينهما ذلك العشم الذي يجعله يدخل الغرفة بكل الثقة تلك
ويجلس على الكرسي ويسألها عن أحوالها أيضاً
-مستغربة من وجودي هنا صح؟
قالها مازن بتساؤل واصفاً لحالتها التي تعتري وجهها بوضوح تام
أماءت له برأسها بصمت تام ونظرات عيناها يملأها الذهول
تنهد بعمق قبل ان يقول بكل ثقة وكأنه يخبرها عن طقس اليوم:
-أنا اللي خبطك بالعربية
اهتز جسدها من جملته الذي قالها بسلاسة وهدوء وللحق لم تسعفها أحبالها الصوتية على الحديث، تنظر إليه فقط وكأن الحادثة جعلتها تفقد صوتها
لم تصدق حتى الآن أنه جالس معها بغرفة لا يوجد بها سواهم ويتحدث معها بأريحية كما لو كانوا أبناء خالة
لحظة!
هذا الموقف يشبه لموقف قديم ظهرها في ذهنها الآن
يالله!!، أول لقاء بينهم
أغمضت عيناها قليلاً حتى تهاجم ذلك الفيض من الذكريات الذي ضرب ذهنها فجأة
اما هو فكان ينظر لتعبيرات وجهها التي كانت تتغير بين الثانية والأخرى، هو لا يعلم بأي حديث يبدأ أيتلبس ذلك الوجه القاسي ويلومها على ما فعلته به
أم يظل على ذلك الوجه الهادئ وينتظر أن ياتي الحديث بمفرده
-افتكري أول مرة شوفتك فيها صح؟
سألها مازن هذا السؤال وهو على ثقة تامة بالجواب
أماءت له سارة برأسها دون حديث أيضاً، مازالت الصدمة تسيطر على جسدها، لا تفعل اي شئ سوى النظر لوجهه وعيناه وكأنها تتأكد
ان من يجلس جوارها الآن هو مازن وليس أحدا غيره
أردف مازن بصدق وهو يعود للخلف سانداً على الكرسي :
-تعرفي إنك متغيرتيش عن أول مرة شوفتك فيها؟
ثم إسترسل حديثه موضحاً:
-كل حاجة فيكي كنت بحبها لسه موجودة لحد دلوقتي بس اللي مبقاش موجود هو حبي ليها
نظرت سارة للكانولا الموجودة بيدها بعجز فهي تريد أن تقتلعها وتغادر المكان بأسرع وقت فهي تشعر بإنقباض في صدرها وصعوبة بالتنفس، المكان ضاق عليهم فجأة
عادت ببصرها نحوه قائلة بإرتباك:
- أنا عاوزة أمشي
-لما الكانولا تخلص هنمشي
قالها مازن بجدية وهو ينظر إليها بنظرات حادة كالصقر ، يعلم أن هذه محاولة فاشلة لهروبها من الحديث...لم يخفي عليه إرتباكها ولا صعوبة تنفسها
ولكن لو إنطبقت السما على الأرض لم يضيع تلك الفرصة من بين يده سيواجهها بخيانتها له
سيخرج ما بجبعته من حديث لها
ومن بعدها يقوم من مكانه ويخرج من تلك الغرفة وهو مرتاح البال
-عاوزة تمشي ليه يا سارة للدرجادي مش طايقة وجودي معاكي في نفس المكان
قالها مازن وهو يبتسم بتهكم
- مازن لو سمحت إسكت
قالتها سارة برجاء له حتى لا يتحدث ويخوض أكثر بعمق الموضوع، تعلم انه سينفجر الآن ترى ذلك بعيناه
حتى وان مرت السنوات ستظل تعرف خطواته القادمة عن ظهر قلب
لا تريد ان تتحدث في اي شئ مر، ليست لديها تلك الرغبة الآن قد فات الأوان على توضيح الأمور فأي حديث الآن من وجهة نظرها ليس
له أي لازمة
ابتسم مازن بدون شغف قائلاً بنبرة قوية:
-سكت كتير، ضيعت عمري كله وأنا ساكت
أظن كفاية كده على الأقل عشان اعرف أعيش عمري اللي جاي
ثم استكمل حديثه قائلاً بقهرة:
-مش كل الناس زيك يا سارة، ما شاء الله تخطيتي بسرعة البرق وكملتي حياتك واتجوزتي صحبي وجبتي ولد والحياة
موقفتش...أما أنا حياتي وقفت بالمعنى الحرفي
ردت عليه سارة بصوت عالٍ وقلباً يحترق:
-حياتي أنا اللي مشيت يا مازن؟
انتَ دمرتلي حياتي، انتَ دمرتني أنا شخصياً مش حياتي بس...صدقتك وأمنتلك واديتك كل حاجة بس أنتَ طلعت متستاهلش
ثم أكملت حديثها ودموعها تهطل على وجنتيها بكثرة:
-اللي يحط كاميرات لمراته في أوضة نومهم
ميبقاش راجل يا مازن ولا عمره هيكون راجل
اللي يخطط مع أبوه إزاي يوقعوا عيلة الهواري وميلقوش غير قلب عيلة صغيرة يلعبوا بيه
يبقوا ناس مفيش في قلبهم رحمة
رفعت أناملها تمحي أثر الدموع التي هبطت قائلة:
-طلعتني قدام أهلي وقدام نفسي خاطية يا مازن لما داريت ورق جوازنا
بتلومني إني عيشت حياتي وانتَ حياتك وقفت؟
ضحكت بوجع قائلة بتساؤل:
-تعرف حياتي اللي مشيت دي كانت ماشية إزاي؟
لم تنتظر رده على السؤال الذي طرحته عليه
بل جاوبت هي ببكاء:
-هقولك أنا كانت ماشية إزاي...كنت كل يوم الصبح أضِرب وقبل ما أنام أضِرب
كنت بسمع كلمة زانية أكتر ما بسمع اسمي
عايشة زي الجزمة أسمع الشتايم وأسكت
خلوني إنسانة جشعة كل همها إزاي تجمع فلوس عشان تهرب من وسطهم
واللي أكبر من ده خلوني أكره ابني
نظرت إليه قائلة بوجع يملئ وجهها قبل نبرة صوتها :
-إنتَ ظلمتني يا مازن وأنا عمري مهاسمحك على ظلمك ليا...إنتَ السبب في كل حاجه وحشه حصلتلي
قام مازن من مكانه وكأن عقرب قد لدغه قائلاً بصوت عالٍ يملؤه الغضب:
-إنتِ بتقولي إيه يا سارة، إنتِ اتجننتي
أنا هصورك وانتِ معايا في أوضة نومنا
انتِ فاكرة إني عملت كده بجد!!!
فاكرة إن جوازنا كان كدبة بالإتفاق مع ابويا
طب إزاي وانتِ أكتر واحده عرفاني
ثم استكمل حديثه قائلاً بعصبية شديدة لم يعد قادر على السيطرة عليها:
-ردي عليا إزاي تخدي عني الفكرة دي مين اللي وصلك الكلام ده
أنا يا سارة هعمل فيكي كده!!
إزاي تصدقي حاجة زي دي عني
-كنت فاكرة اني أكتر واحدة عرفاك فعلاً يا مازن بس للأسف طلعت معرفش أي حاجة عنك
هز رأسه بنفي مصعوقاً مما تقوله هل تراه بهذا الشكل المهين؟!، بقيت كل تلك السنوات التي مرت تضعه بهذه الصورة!
-سارة انتِ بتهزري صح؟...ده كلام بتقوليه عشان مش لاقيه حاجة تبرري بيها بياعتك ليا صح؟
إبتسمت سارة بسخرية على حديثه ومن ثم قالت بجدية:
-نادي حد يشيل المحلول ده أنا عاوزة أمشي من هنا
-عاوزة تمشي يا سارة؟....ماشي انتِ حرة بس قبل ما تمشي لازم تعرفي إن كل الكلام اللي انتِ قولتيه ده مش صح أنا عمري ما أعمل كده فيكي يا سارة
قالها مازن بهدوء قبل أن يغادر الغرفة ليجلب الطبيب حتى ينزع المحلول ويسمح بمغادرتها المستشفى
ظلت متابعة خروجه من الغرفة بعيناها وهي شاردة الذهن
صوت طرقات قلبها يعلو بشدة، تتذكر حديثه ونظرات عينه خائبة الرجا وهو يقول لها أنه لم يفعل شئ من كل تلك الجرائم التي وجهتها له
كيف ستصدقه وهي الذي رفضت تصديق تلك الحقيقة لسنة كاملة
كانت كل ليلة تُقنع نفسها أنه سيعود ويحارب الجميع من أجلها ولكن كانت تستيقظ خائبة الرجا
أكان مطلوب منها أن تصدق أنه أحبها بصدق؟!!
كيف وهو جعلها تشعر بالخزى أمام نفسها؟
❈-❈-❈
أشرقت شمس يوماً جديداً على جميع الأبطال
فلعل هذا اليوم يكون أفضل مما سبق
يكون دواءً لقلوب أنهكها العشق
يأتي بلحظات تُسعدهم وتزيل من عليهم غبارة ما فعلته بهم الأيام الماضية
دخل زين جناح فارس بعدما طرق على الباب
وجده يقف أمام شرفة غرفته عاري الصدر يتأمل المنظر الخارجي
شارد بذهنه إلى البعيد لدرجة أنه لم يستمع لطرقات الباب ولم يشعر بدخول زين إلى الجناح
تقدم مازن نحوه ووقف جواره مادداً بصره للخارج ليرى ما يشد إنتباهه لهذه الدرجة
لم يجد شئ مذكور يستدعى وقفته تلك وشروده الغير طبيعي
ضربه بكتفه قائلاً بمزاح:
- اللي واخد عقلك
-مين غيرها
قالها فارس بإرهاق وهو مازال ينظر للخارج
إبتسم زين ومن ثم قال بمزاح:
-بقى نغم تعمل فيك كل ده...صحيح يوضع سره في أضعف خلقه
-أنا منمتش من إمبارح يا زين
قالها فارس وهو يتجه إلى الفراش يجلس عليه بإرهاق يظهر على وجهه جلياً
جلس زين على الفراش هو الأخر وهو يقول:
- يا بني كل حاجة هتتحل والله... الموضوع مسألة وقت
-أنا قررت أطلقها يا زين
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية