رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل الأخير - 1
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الأخير
انتقل خبر القبض على أنس بين أفراد الناس بالمنطقة أنه حاول سرقه محل زاهر الذي قتل على يد مساعده الآخر في السرقه ...
أخذ الناس و الجيران المارئين يراقبون بأعين غير مكترثة، إلى أن لفت انتباههم ذلك السيد العجوز الذي يجلس على عتبه باب منزله وهو ينوح ويندب حظه، أردف زكريا بنبرة باكية ونظرات زائغة
= تحويشة عمري كلها، فلوسي راحت ..!
ضيقت سيدة ما عينيها لترى ما الذي يفعله وهي تقترب منه فغرت شفتيها لتسأله بتوجس وهي محدقة بعبراته
= يا لهوي مالك يا عم زكريا قاعد كده ليه وعمال تولول وتعيط زي النسوان .. حد من ولادك حصل له حاجه .
إنتحب أكثر بأنين خافت وهو يضغط على رأسه بكفيه بحسرة ثم إلتفت برأسه للجانب وصاح بنبرة مرتفعة
= يا رايتها جت في ولادي.. شقي عمري كله راح فلوسي كلها راحت و اتسرقت .. رجعت من بره لقيت اوضه النوم مقلوبه والفلوس مش في مكانها .. يخرب بيتك يا زكريا آآه
يا مصيبتي السوداء
في تلك اللحظه عادت حسناء من الخارج وكادت أن تصعد الدرج لكن نظرت حولها ببراءة زائف وهي عابسة الوجه
= مالك يا حمايا قاعد كده ليه بره ؟ خير يا جماعه فهموني انا كنت بره بجيب عيالي من عند أمي .
لم يتحدث وبكي بحرقة وهو يتذكر سرقه ماله، و تدخل رجل ما في الحوار قائلاً بجدية
= يا عم زكريا ما تدور كويس ممكن يكون هنا ولا هنا وانت ما خدتش بالك، حرامي بس ايه اللي هيطلع واحنا منحسش بيه واشمعنى انت الوحيد اللي تتسرق فينا .
أخذ زكريا يضرب صدره ويلطم على وجهه بطريقة هيسترية والناس من حوله يتعجبون لحاله وهو يصيح بصوت مقهور بحرقة
= ادور فين يا اهبل انت التاني وايه اللي مش واخد بالي منهم، دول ٣٠٠ ألف شقي عمري كله راح .. يخرب بيتك يا زكريا .. تحويشه العمر كلها راحت .. تحويشة عمري كلها .
شهقت حسناء بفزع زائف وهي متجهمة الوجه
لتقول بنبرة مصدومه
= أنت معاك ٣٠٠ الف يا حمايا ومخبي علينا كل السنين دي كلها ومعيشنا في الفقر ده، ده ابنك المسكين كل يوم والتاني متشحطط في شغلانه وبتذلل للناس عشان يطلع بقرش يصرفوا علينا
تلاحقت أنفاسه بشدة وبدأ يتنفس بصعوبة بالغة، تأوه زكريا من الآلم الذي شعر به بقلبة ورفع ذراعه المرتعش في الهواء وأشار بإصبعه بضعف ونطق بصوت متقطع مرتجف
= آآ مـ مـ..ـا هم خلاص راحوا.. قـ قعدت احوش فيهم سنين واحرم نفسي من كل حاجه.. وفي الاخر جي اللي خدهم على الجاهز .. آآآه قلبي آآه هموت .
جحظت حسناء عينيها في رعب وهربت الدماء من عروقها وتسارعت دقــات قلبها حتى كادت أن تصم آذانها .. عندما وجدتة يلتقط انفاسه بصعوبه شديدة بينما أضافت سيدة أخــرى بنبرة منفعلة
= حد يطلب الإسعاف بسرعه يا جماعه الراجل شكله هيموت بسكته قلبيه من اللي حصل.
ركض الجميع في اتجاهه وحاول احدهم يتفحص حالته حتى بعد دقائق، أردف قائلاً بحزن
= لا اله الا الله ما لوش داعي يا جماعه الراجل مات خلاص وما استحملش الصدمه.. ادعوا له بالرحمة
تسمرت حسناء في مكانها أمام جثته وعينيها جاحظتان من هــول الصدمة فلم تتوقع ان يتوفي حماها من سرقتها للمال، ثم صرخت بإهتياج زائف
= يالهوي ، الحقونا يا نــــاس !!! لألأ.. حمايا عايش ، أبويا مامتتش
إلتفت حولها بعض الجيران وربت أحدهم على ظهرها وهي تقول مواسياً إياها
= شدي حيلك يا حسناء مش كده وادعيله بالرحمه .
صرخت والدمعـات تتسابق لتغرق وجهها وهي تصطنع البكاء والحزن
= لأ لأ لأ، يا حبيبي يا حمايا هعمل ايه من بعدك لاااااااا .
و وسط تلك الفاجعه، ركض أحدهم من الخارج إليهم، وصــــاح رجل ما بصوت عالي
= الحقي يا ست حسناء بيقولوا جوزك اتمسك وهو بيسرق محل زاهر اللي كان بيشتغل عنده .. والراجل اتقتل ومات .
اندهشت حسناء من كلماته العجيبة، والغير متوقعة على الإطلاق ...
❈-❈-❈
= البقيه في حياتك يا مهرة، فرحه اتوفت .
لم تتمكن مهرة من تدارك معنى كلمات تسنيم لتركض نحو أول سيارة أجرة ظهرت أمامها دون أن ترى أمامها بشكل واضح راجية بأن يأخذها إلي المستشفي التي كانت محجوزه بها ابنتها الصغيرة فرحه، لحقت بها تسنيم بينما كانت تحاول أن تهدأ من فزع مهرة وهى تمسك كفيها البارد ببطء بين يدها تساندها . و لم تتوقف مهرة عن الدعاء طوال الطريق آملة أن تكون بخير وذلك الخبر ليس صحيح .
بعد فتره وصلوا إلى المستشفى ، هبطت هي تركض وتساءل عنها الممرضين والدكاتره وكل من تصادفه أمامها مثل المجانين، حتي توترت ملامح أحد الممرضين ليزداد فزع مهرة .. تمنت أن تنفى التوتر الذى ظهر عليها وابتلعت مهرة أنفاسها بعد تساؤلها وانتظرت إجابت تلك السيدة، التي هتفت بأسف
= هي اتوفت .. شدي حيلك .
صمت تام خيم عليها فور تصريح الممرضة للمره الثانيه لتؤكد لها بان الخبر صحيح وابنتها رحلت عن الحياه، لتضم مهرة أذنيها رفضا للاستماع وهذا يبدو مؤشراً غير جيد فى موقف مشابه، وهي تشعر بانكسار ترق له القلوب .
تراجعت خطواتها التى عبرت عن الكثير مما تعانيه وحبست أنفاسها متوقعة الأسوأ في حين أشارت الممرضة علي الغرفة التي تكون بها جثة ابنتها، حاولت تسنيم أن تمنعها من الموقف ورفضت ان تعيشة حتي لا يظل مثبت بذاكرتها، فلم تتحمل موقف مثل ذلك بعمرها الصغير هذا، لكن مهرة لم تراها أو تسمع لها فتلك الدموع التى تملأ عينيها لا تسمح لها برؤية واضحة فقط اجسام متحركة ، أرادت أن تقف لكن هناك ما يمنعها من الحركة تشبثت بالمقعد وهى تستقيم واقفة حين وقفت تسنيم أمامها ورغم شعورها بالدوار تحركت وهي تريد الدخول .
نظرت لها تسنيم وعينيها محملة بالشفقة قبل أن يرق قلبها عليها لما تراه وما تواجهه دائما من ألم نفسى فى هذا العمل فتعلن الإنسانية رايتها فوق ساحة العمل كالعادة لذا تركتها تفعل ما تريد وتواجه باقي مصيرها بنفسها .
طلبت منها مهرة أن تتركها وحيده لبعض الوقت الأخير مع ابنتها كي تودعها، هزت راسها بإستسلام قبل أن تربت على كتفها ثم غادرت تاركه إياها وحيدة داخل الغرفة، بمجرد أن دلفت إلى الداخل شعرت بإنقباض شديد في قلبها.. كانت تلك الغرفة باردة للغاية تماماً كمشاعر البشر تجاه مهرة.. رأت الجثمان فوق الفراش محاوط بمفرش أبيض! رجفة قوية احتاجت سائر بدنها تسببت في انتشار
قشعريره بجسدها و تسارعت نبضات قلبها .
بأنامل مرتعشة وباردة كالثلج تماماً كتعابير وجهها أبعدت الملاءة البيضاء عن وجه ابنتها لينكشف لها، ذلك الوجه الملائكي الذي كان بحياتها و يشعرها بالأمل دوماً موجود قد رحلت !! تأملت مهرة ملامح فرحة الصغيرة التي حاربت لأجلها جبروت زاهر و الدنيا والناس و المجتمع.. وكانت ستكمل المشوار حتى وان تسببت في تعاستها منذ اليوم الأول التي ولدت فيه!
نمت على ثغرها ابتسامة ساخرة بمرارة ونظرات لا تنام، فكان زاهر طلقها يضغط عليها مقابل ان تعود إليه وحينها سيعترف بها ! ولكنها وفرت عليها ذلك العذاب ورحلت .. لتترك لها عذاب من نوع آخر بالدنيا .. وهو عذاب الفراق !!.
أغمضت عينيها وهي تجلس فوق الفراش جانبها وجذبت الصغيرة وهي ساكنه الروح لتسكن في أحضانها، ثم فتحت عينيها وتطلعت فيها بنظرات راجية لتقول بتنهيدة حارقة
= فرحه.. رد عليا فرحه، ما تموتيش و تسيبيني لوحدي انتٍ كمان.. والله ما هستحمل فراقك انتٍ بالذات .
أمسكت بها من وجهها بخوف وهزتها بعنف أشـد، لتنظر نحوها بتوسـل لتهدر بصراخ حـــارق
= لألألأ .. ما تموتيش يا فرحه.. ما تموتيش و تسيبيني للدنيا لوحدي ! لااااا ابوس ايدك اتحركي، ما تستسلميش والله كنت هجيبلك حقك وهحارب كل الدنيا عشانك ده انتٍ كنتي الأمل الوحيد ليا .
لكنها لم تجبها بل ظل جسدها ساكناً، وبدأت مهرة بالصراخ عالياً والعويل بصوتها اللاهث
وهي تضرب بيدها على صدرها بكفها، واطلقت صرختها المقهورة والتي أرهقت قلوب الجميع حتي التي لم تعدْ تعرف الشفقة أو الرحمة
= آآآآآآآه يا بنتي يا وجع قلبي عليكي .
بعد ذلك كل شيء تم بسرعه من الإجراءات اللازمه، حتى يتم دفن الصغيره في المقابر
وصلت مع ساعات الصباح الأولى، فاستأجرت تسنيم سيارة خاصة لتوصلها إلى أحد مدافن الصدقات الجاريه إلي أحدهم وقريبة بنفس الوقت من منطقة سكن مهرة القديم..
بينما كانت مهره تسير وسط تلك الاجراءات والعادات بروح خاويه وشحوب وجهها أصبح كالموت يكلل الوجه وكأنها لا تشعر بشيء! حيث ماتت مشاعرها مع موت ابنتها، وقفت بنفسها و بدات في تغسيل ابنتها ! أبشع موقف قد يضطر إنسان لحدوثه لفقدان شخصاً عزيزا عليه، برودة تتسلل للأرواح فترتعد لها القلوب وتتعرقل العقول عن التفكير المنطقي .
وبدت في وضع لا تحسد عليه حينما رأت القبر يفتح وابنتها يهبطون بها الى الاسفل ، لتهرول دموعها لهذا المشهد وتكاد قدميها أن تتخلى عن حملها، وللحظات انقطعت أنفاسها وتوقفت دموعها وهى تنظر لهم بإنكار صارخة لحظات قبل أن يبدأ رأسها يتحرك يميناً ويسارا معلنة عن رفضها وقبل أن يتمكن لسانها من إيجاد كلمات للصراخ بهذا الجنون الذى يحيط بها انسحب عقلها فى لحظة واحدة وكأنها بحاجة للمزيد من الألم .
حبست أنفاسها وراقبت المشهد بتوتر جلي..
ومع ذلك لم تتحمل فخــارت قواها من أثر الصدمة البشعة وسقطت على الأرض فاقدة للوعي... وكانها لقد إقتربت النهايه.. وأصبح الموت على بعد لحظات منها .
❈-❈-❈
تحركت سعاد كالشاردة وهي تجلس على المقعد داخل السجن بانتظار السماح لها بزيارة ابنها، هزت رأسها يائسة متذكّرة عندما ذهبت إلى عاصم شقيق زوجها ، لتطلب منه المال ومساعدته فهو معروف عنه. المواقف الرجولية
كانت تثق به وستقنعه بطريقتها الخاصة لدعم ابنها الوحيد والوقوف إلى جانبه وعدم تركه في مثل هذا الموقف ..
لكنها فقدت الأمل في ذلك و ألقت اللوم على نفسها على تفكيرها المحدود ، كانت معتقدة أنه سيلبي ندائها بعد كل الخلافات الدائرة بينهما، صدها بطريقة صعبة للغاية ولم يعد لديها من تذهب إليه وكان الأمل الأخير لها هو ، فذهبت إلى منزله لمقابلته. وشعرت بالدهشة عندما أظهر عاصم سعادته بسُجن حسام وطلب منها تركه حتى يتم إعادة تربيته داخل السجن.
انتبهت هي الى دخول المساجين ونظرت بلهفه بينهم تبحث عن ابنها حتى وجدته يتقدم منها وجلس بصمت، حاولت رسم ابتسامه خفيفه وهي تتسائل بلهفه
= طمني يا حبيبي اخبارك ايه .
حدق بها بشراسة ، وهتف بعصبية واضحة
= مش عاوزكي تاني مره تيجي تساليني اخباري ايه؟ عشان مش هتسمعي حاجه مني غير اني زفت واحوالي ما تصرش، و اكيد مش هكون مبسوط في الحبسه دي .. وبعدين هو انتٍ ايه اللي اخرك عليا مش قلتي لي هتتفقي مع المحامي عشان يرفعلي نقض واستئناف كمان وقال لك ان ممكن بالطريقه دي يخرجني من هنا قريب
ابتلعت ريقها متوجسة وهي تقول بنبرة متوترة
= الفلوس اللي معايا ما كفتش ولما رحت اطلب من عمك عاصم وعرف الفلوس دي انا هاخدها عشان اديها للمحامي عشان يعمل نقض كمان ليك وتطلع، رفض وقال لي سيبيه في الحبس عشان يتربى .. وحلف عليا مش
هيديني اي فلوس تاني غير لما يتاكد ان انا مش هديها للمحامي وقال لي لو مش عاجبك روحي ارفعي عليا قضيه وطالبي بحقك وشوفي هيحكملك بعد كام سنه وانتٍ كمان معكيش اوراق تثبت .
فرغ شفتيه مصدوم وجحظ بعينه في عدم تصديق، وهتف بغل شديد
= مش انتٍ قلتلي لما تطلع من هنا أبدأ من جديد وما لكش دعوه بفريده ولا تحاول تقرب منها عشان ما تضيعش مستقبلك، اوعدك بقى ان مستقبلي هيضيع لما اخرج عشان هقتلك الزفت عاصم ده ابن الـ***
هزت رأسها نافية بخوف علية، في حين نظر لها حسام شزراً وهتف بحقد
= هو مال اهله هتاخدي الفلوس تعملي بيها ايه؟ ده حقك هو هيتامر علينا والله العظيم لو كنت برة السجن لكنت جبت سكينه وغزيتها في قلبه من غير ما أتردد لحظه وانا اصلا مش طايقه .
أخفضت سعاد رأسها مكلومة القلب ولم تستطيع الرد علية، بينما احتدت نظراته وبدت أكثر إظلامًا و هتف من بين أسنانه بقسوة
= هو انتٍ ناويه تسيبيني فعلا هنا ولا ايه؟؟ لا اتصرفي، وخرجيني من هنا خدي منه الفلوس حتي ولو بالغصب .
إختنق صـوتها وهي تسترضيه قائلة بقله حيلة
= يا ابني هو انا بايدي ايه اعمله معناش فعلا أوراق تثبت و ابوك الله يرحمه كان عارف انهم مش هياكلوا حقنا عشان كده كان سايب كل حاجه ليهم، سامحني يا ابني مش هقدر اعمل لك حاجه ولا اقف لوحدي قدامهم، معلش استحمل هم ثلاث سنين وهيعدوا هوا ومش هتحس بيهم صدقني وانا هاجي على طول ازورك .
في حين رمقها هو بنظرات محتدة وضغط على شفتيه بقوة وهو يأخذ نفساً عميقاً ليسيطر على غضبه.. وقبل أن يتحدث بالمزيد من الكلمات، جاء صوت العسكري وهو يقول بصوت أجش
= الزياره انتهت .
❈-❈-❈
مرت ليالي وبدأت فريدة تتعافى قليلاً من حالتها النفسية ولم تسمع خبر من أبيها بعد ! أحقا لا تعنيه لهذه الدرجة !! لا تصدق ذلك؟ حتي أنه لم يلومها على عدم اللجوء له لأنه هو نفسه يعلم أنها لو فعلت لأعادها مجدداً للعذاب .
استلقت فريدة فوق الفراش ونظرة عينيها المتألمة تترأى أمامها مأساة حياتها بتعمد لإيلامها ذلك، بدأت مؤخرا تفكر بشيء ما؟ لكن تخشى فعلة! كانت تائهة حقا بين الماضي وبين الواقع، ولما لا تشعر بتلك الحيرة وهي وحيده ولا يوجد شخص جانبها يحتويها ويساعدها على اختيار الاختيار الصحيح.
أوشكت على بلوغ الأرض وعقلها لم يتوقف لحظة عن التفكير، لماذا لم يقف أحد جانبها و يعاملها باحترام ويحترم قرارها؟ أليست بحاجة للاهتمام مثل الآخرين؟ و ربما تحتاج أكثر من الاهتمام!
زفرت بضيق وحيرة وهى تعيد خصلاتها للخلف بحدة فهى تراوغ نفسها يمكنها أن تفعل ذلك بالفعل! وتثق أيضاً أن الألم لن تظل طويلا والكل يتجاوز ألم الجسد والقلب سريعاً .. لكن فقط حين يجد شخصا آخر يقدم له ما حرم منه ينتهى الألم وهكذا سيكون حالها.
هزت رأسها نافية، إن كان ذلك الحل مقياس لتتجدد معاناتها باخرى سعيدة! لن تقوم به فهذا التخبط سيمنع اى تقدم وعلى العكس تماماً هى تعجز عن مبادله شخص الحب أو مودة، بل هى تخشى أن تفعل والسبب الذى تهرب من الإعتراف به ليس لخوفها من الخذلان بل هى تخشى خذلان الاخر، تخشى الألم منه، تخشى الجرح منه هو.. وتخشي ان لا تقدم له شيء.
فهي امرأه مطلقه الآن ولا تستطيع الانجاب وتعرضت لماساه كبيره لم تنسى! تخلى عنها الجميع ومنهم أهلها .. فبعد تلك اللحظات التي عاشتها يمكن ان يكون لها فرصه ثانيه مع شخص اخر ؟ أبتسمت بسخرية فذلك مستحيل ولا يحدث الا في الخيال وليس الواقع !
لطالما كانت قوية تتحمل التنمر وتتحمل عدم التقبل وتتحمل قسوة ونظرة الناس إليها بإبتسامة ساخرة و تستعيد للتفكير مرارا عن مخاوفها التى تستعمر صدرها وتدعي نفسها دائما لعدم التقدم فى الحياة سوى بدعم نفسها فقط، لكن اليوم هي تخاف من القادم . لهذه الدرجة؟ هل ما حدث كسرها بحق .
ربما لأن عليها أن تعتاد علي هذه الوحدة؟ ربما ليس لصالحها أن تكون لديها عائله ولا أن تكون أم ولا تصلح للزواج ايضا.. وإن كان زواجها من حسام اكبر نائبة نزلت بحياتها ؟ و ربما أسوأ من اكتشاف عدم إنجابها !! فلتترك أمر الزواج الذى تجرعت منة خسارتين متتاليتين !! الخساره الاولى شرفها و عمقها .
نهضت فريدة عن الفراش ورمقت غرفتها بنظرات جافة ثم انتصبت بكتفيها وسارت إلى الدولاب لتخرج ثيابها وهي عاقدة العزم على تنفيذ الأمر التي اصبحت تفكر به مؤخرا خصوصاً بعد الانتهاء من أخذ حقها .
كانت فريدة قد إنتهت من إرتداء ملابسها و تحضير حقيبتها تستعد للرحيل، تحسست بيدها طرف ياقة قميصها الأسود وتأكدت من غلق غالبية أزرارها و تلامست باصابعها حجابها لتتاكد من خصلات شعرها بالداخل كلها، نظرت حولها نظرة أخيرة ثم صارت في إتجاهها للخروج من غرفتها، لتجد في مقابل وجهها زوجه عمها !.
قطبت جبينها متعجبة وهي تري حقيبتها معها، وتساءلت باهتمام
=ايه الشنطه دي يا بنتي هو انتٍ ماشيه ولا ايه؟ هترجعي لاهلك خلاص
أجابت فريدة بحزن واضح على ملامحها
=آه يا مرات عمي هرجع لاهلي ! يعني هروح فين لغيرهم .. ما انا خلاص ما بقاش في قواضي تانيه هرفعها والسبب اللي خلاني ابعد عنهم حققته وخلاص اطلقت وسجنت حسام، متهيالي قعدتي هنا ما بقاش ليها لازمه خلاص
ردت عليها زوجه عمها مواسية إياها بلطف
= عين العقل يا بنتي برده مهما حصل بينكم دول اهلك، وهم اكيد هيسامحوكي وهيعدوا اللي حصل وتبداوا بقى صفحه جديده و انتم في النهايه ملكوش غير بعض .
ألقتها فريدة بنظرة غير راضية فهذه الإشارة المستترة بكلماتها تزعج جزء داخلها دون أن تعرف السبب لذا اكتفت بنظرات غير راضية ولم تتحدث، بينما احتضنها هي بحنان واضافت قائله
= ربنا يهدي سرك يا بنتي ويسعدك، طب مش كنتي تستني عمك يجي وتطلعوا سوا بلاش تطلعي ليهم لوحدك؟ ولا اقول لك انا هطلع معاكي اكيد ابوكي لما يشوفني مش هيفتح في القديم
نظرت فريدة إليها بنظرات جادة ، ثم أردفت بصوت هــاديء بثبات عجيب
= لا يا مرات عمي ما لوش لزوم ما تقلقيش عليا، انا هعرف اتصرف معاهم وانتٍ لسه قايلاها في النهايه هم اهلي .. لازم اسكت واستحمل مهما يعملوا فيا و أهو بالمره خلينا نفتح في القديم عشان نتصافى ونعرف نعيش الايام إللي جايه من غير زعل ! بس تفتكري اللي حصل ممكن يتنسي يا مرات عمي بسهوله؟
تنهدت في مرارة وأخفضت عينيها بآسى ثم تشدقت تضيف بنبرة منكسرة
= يعني ممكن انسى ان انا في يوم من الأيام اتعرضت لاغتصاب واهلي ضغطوا عليا عشان اتنازل واتجوز واحد ما صنيش وقتل ابني و هو في بطني لسه وحرمني من الامومه .. وهم اتخلوا عني لثاني مره وسابوني اواجه كل ده لوحدي ! تفتكري بقى كل ده والاحساس اللي انا حسيته ساعتها ممكن يتنسي .
استأنفت الأخري حديثها مبررة
= طول ما انتٍ بتفكري فيه عمرك ما هتنسيه، يا فريده صدقيني اهلك بيحبوكي وخايفين عليكي واللي عملوا ده عشان الـ...
رفعت رأسها لتنظر في تجاهها ، و قاطعتها بخفوت
= خلاص يا مرات عمي سمعت مبررات كتير والكلام مش هيفيد في حاجه عن اذنك بقى انا همشي .. لما يرجع عمي سلميلي عليه و قولي لي شكراً على كل حاجه عملها معايا وسلميلي كمان على بنات عمي أوي لما يرجعوا من مدرستهم قولي ليهم كان نفسي اقعد معاهم و اودعهم قبل ما امشي .. كلكم هتوحشوني اوي .
تبادلت زوجه عمها نظراتها متعجبة من كلمات فريدة، فلم تفهم مقصدها بوضوح، لتهتف بإبتسامة عابثة
= في ايه يا فريده مالك بتتكلمي وكانك مهاجره يا حبيبتي؟ هو انتٍ رايحه بعيد عننا ده بيننا وبينك دورين وسهل ان احنا نشوف بعض تاني، ولما كلهم يرجعوا هنطلع كلنا ونسلم عليكي.
اخذت فريدة نفساً مطولاً لتسيطر على توترها الذي بدأ يزيد حدته مع حديثها ذلك، وتحشرج صوتها قائلة بإرتباك
= ان شاء الله اشوف وشك بخير مع السلامه
إبتسمت لها السيدة وهي تردف
=خلي بالك من نفسك يا حبيبتي ومهما تسمعي من اهلك حاولي تعدي وتفوتي.. تعالى اوصلك لحد الباب
هزت رأسها برفض ثم سارت ببطء شديد في اتجاه باب المنزل وهي تتمتم بإيجاز
= ما لوش لزوم يا مرات عمي انا عارفه طريقه كويس .. يلا مع السلامه .
هزت زوجه عمها رأسها بقله حيلة وتركتها ترحل، سحبت فريده حقيبتها وفتحت الباب لترحل ونظرت خلفها لها بإبتسامة باهتة قبل أن تخرج و تغلق الباب خلفها .. لكنها بكل هدوء تحركت و لم تصعد الى الاعلى بل هبطت الى الاسفل !.
هبطت فريدة من طابق المنزل للاسفل! و ظلت تسير خطوات كثيرة ثم توقفت مكانها حتى تأكدت من ابتعادها تماماً عن المنزل، أوقفت إحدى سيارات الأجرة وأملت السائق العنوان لينطلق بها نحو مجهول جديد! فهذه حياتها مجهول يتبعه مجهول وهى بين هذا وذاك مدانة من قبل الجميع رغم أنها بالواقع الضحية لجميعهم .
وبداخل السيارة قد هداها تفكيرها بالاتصال لصديقتها الوحيدة والتى لم تسأل هى عنها إلا قبل أيام قليلة، ثم اخرجت هاتفها واتصلت بها
وعندما أجابت سألتها باهتمام
= الو يا سماح عملتلي ايه في اللي قلت لك عليه؟ لقيتي لي سكن وشغل ولا لاء.
❈-❈-❈
في منزل وفاء، كانت تجلس فوق الأريكة وبجانبها شقيقها طه وهم ينظرون الى ذلك الضيف باستغراب، بينما تلـوى فم المحامي الخاص به زاهر بابتسامة صغيرة قائلا
= أهلا يا مدام وفاء اخيرا رضيتي تشوفيني بقيلي اسبوعين بحاول اوصل لك وانتٍ رافضه تتواصلي معايا لحد ما سالت على عنوانك وعرفته .
نظرت له وفاء بنظرات جـافة وقالت بصوت خافت
= انا مش فاهمه انت ليه مهتم توصل لي اصلا من امتى وانا بيني وبين حضرتك كلام .. على العموم اديك شفتني يا ريت تقول عاوز ايه .
هز المحامي رأسه ليجيبها بهدوء
= البقيه في حياتك اولا، كلنا زعلنا على موت زاهر بيه شدي حيلك وربنا يجعلها اخر الاحزان .
لوت فمها بإبتسامة باهتة وهي تجيبه بإقتضاب
= ربنا يرحمه اهو دلوقتي بقي بين ايدين ربنا وبيتحاسب على اللي عمله، كان عايشها بالطول وبالعرض وعمره ما فكر ولا عمل حساب ليوم زي ده، واهو في النهايه مات
وما اقدرش افتكره غير بالرحمه .
بلع المحامي ريقه هاتف بحرج طفيف
= احم طب نخش في الموضوع على طول دلوقتي إحنا عملنا اعلان وراثه وما لقيناش حد غيرك ممكن يورث في زاهر بيه، اهله وهم اتبروا منه شبه تقريباً و قالوا لي ولا هنحضر العزاء ولا عاوزين حاجه منه وهم الحمد لله مستريحين عشان كده ما اهتموش بالفلوس دي وانتٍ مراته و لسه على ذمته يعني انتٍ دلوقتي الوريثه الوحيده اللي هتورثي كل املاك زاهر بيه
إرتسمت علامات الصدمة المصحوبة بالإندهـاش على وجـه وفاء حينما اخبارها المحامي بتلك الاخبار، والصدمة لم تقل كثيرا عن طه الذي تحدث بذهول
= نعم ورث!!.
هز كتفيه بالموافقه وهو يجيبها باهتمام كبير
= المرحوم الله يرحمه كان لي محلات لتجاره الذهب غير تلات عماير بسكانها وارض بمساحه كبيره في محافظه اسكندريه و واحده تانيه بنفس المساحه بالمنطقة هنا وغير حساباته في البنك.. وكل ده عن قريب هيكون ملكك لوحدك .
ابتلعت ريقها وبللت شفتيها وهي تهمس بصوت مضطرب
= وانا هعمل ايه بكل ده؟ انا مش عايزه منه حاجه اصلا ولا كانت في دماغي الفلوس انا طول عمري بطلب منه الطلاق وهو اللي رافض ومعلقني على ذمته عشان ينتقم مني .. اتبرع بيهم لاي حد .
رد عليها طه بضيق شديد
= ايه بس اللي انتٍ بتقوليه ده يا وفاء ده رزقك وربنا بعتهلك عشان يعوضك على اللي عمله فيكي زاهر، تقومي ترفضيه ده حقك اقبليه طبعاً .. وابقي اتبرعي بجزء منهم بسيط للغلابه زي ما انتٍ عاوزه
هتف الآخر بهدوء حذر وهو يشير بكفه أمام وجهها
= استاذ طه بيتكلم صح الفلوس دي من حقك والافضل فعلا انك تاخديها وتبداي كمان تنزلي وتشغلي المحلات دي .. كده هتدي فرصه للتجار انهم يسرقوا وينهبوا في الحاجات دي طالما مش لاقيين ليها صاحب و انا زي ما
قلت لك انتٍ الوريثه الوحيده دلوقتي .
نظرت إلى الاثنين بحيرة ثم سألته بعدم فهم
= ايوه بس انا ما بفهمش حاجه في الكلام ده ولا اعرف اشغل المحلات ولا عارفه اعمل ايه بالفلوس دي كلها .. انا ما كانتش في دماغي ولا في حساباتي حكايه الورث دي.
هتف أخيها بتلهف وهو يشير بيديه
= تتعلمي يا وفاء زي غيرك او بيعيهم وافتحي حاجه تفهمي فيها هم يعني اللي دلوقتي ماسكين مراكز اكبر منك اتولدوا وهم فاهمين فيها ما كله بيتعلم وبيعرف مع الوقت.. اسمعي الكلام مني ده حقك وما تفرطيش فيه، اهي حاجه كويسه تكون جاتلنا منه، و الفلوس دي انتٍ الوحيده اللي اولى بيها و اعتبريها تعويض علي إللي عمله فيكي
صمتت للحظة تفكر في حديث الاثنين فتلك الأموال لم تكن في تفكيرها او حسابتها مطلقاً،
وعندما أخبرها اخيها ان تاخذها مقابل ما فعله معها كتعويض، لا تعرف لما فكرت بتلك الفتاه الصغيره التي تزوجها زاهر منذ فتره، فا أليس هي أيضا تحتاج تعويض الى عذابها معه مثلها ! ثم نظرت إلى المحامي وأردفت متسائلة بإقتضاب غامض
= بقول لك ايه هو حضرتك تعرف اي اخبار عن مهره مرات زاهر اخر واحدة اتزوجها تعرفها .
عقد المحامي حاجبيه باستغراب واجاب وهو يضغط على الكلمات ليؤكد علي حديثه
= ايوه طبعاً أعرفها، بس دي ملهاش حاجه في الورث أصلا و الجواز كان عرفي من الاول وهي دلوقتي ما بقتش مراته وهو طلقها لما رفعت عليه قضيه الخلع.. يعني في الحالتين ملهاش ولا جزء بسيط في الفلوس دي من حقها .. وبعدين البنت عندها مشاكل كثير في العيله ابوها مات بسكته قلبيه تاني يوم مات في زاهر بية وبالنسبه لاخوها هو اللي حاول يسرق محل زاهر بيه وصاحبه اشتبك مع المرحوم وقتلة وهو دلوقتي في السجن .
صدمت مما سمعته للتو ومع ذلك لم تتراجع عن قرارها، ثم هزت رأسها بضيق قائله بقلق واضح في نبرتها
= انا فاهمه كل ده حضرتك بس معلش عاوزه منك طلب، عاوزه اعرف عنوانها يا ريت توصلني بيها ضروري ، تعرف !
إستغرب المحامي من تصرفها واهتمامها بتلك الفتاه واجابها مستفهماً وهو محدق بها
= الموضوع مش صعب حتى المحاميه بتاعتها من مده اتصلت بينا عشان تعرفنا ان البنت اللي والدتها ماتت، بس بصراحه زاهر بيه محضرش دفنها ولا اهتم بيها! عشان كده انا قلت لك وباكدلك انها ملهاش اي ورث.. بس تمام زي ما تحبي اديني خمس دقائق هعمل تليفون واعرفلك مكانها طالما محتاجاها أوي كده.
ثم وضـع المحامي يده على جيب بنطاله من الخارج ليتحسس هاتفه المحمول ثم دسها يده داخله ليخرجه واستاذن منها بان يدخل الى الشرفه ليتحدث مكالمه هاتفيه، وهي سمحت له بذلك! بينما تحول وجه طه للعبوس قليلاً و
رمقها بنظرات ساخطة قبل أن يتساءل بغضب مكتوم
= وفاء هو انتٍ ايه اللي في مخك بتسالي على البنت دي ليه؟ ومالك بيها، انا ابتديت اشك ان في حاجه في دماغك بس انا مش عارفها انتٍ مش اول مره تسالي عليها وتهتمي بيها اوي كده .. والمحامي بنفسه قال لك انها ملهاش حاجه في الورث يبقى بتسالي عليها ليه وموضوع ايه اللي عاوزاه فيها ضروري
لم تهتم إليه وفاء حيث كانت شاردة بأفكارها حتي خرج المحامي من خارج الشرفه، تسائلت وفاء بحماس بادي في نبرتها
= عرفتلي مكانها؟
قطب جبينه بشدة ورمقها بنظرات جدية وهو يتحدث بنبرة ثابتة
= اتصلت بالجمعيه اللي هي كانت قاعده فيها قالوا لي انها بعد ما دفنت بنتها جالها حاله انهيار ومحجوزه في المستشفى هم بصراحه رفضوا يدوني العنوان عشان المشاكل اللي بينها وبين طليقها المرحوم زاهر ، بس انا حاولت باتصالاتي اعرفلك عنوان المستشفى اللي هي فيها وعرفته .
ابتسمت وفاء بارتياح كبير ثم أشارت بإصبعها قائله بلهجة رسمية وهي محدقة أمامها
= متشكره جدا خمس دقائق هغير هدومي عشان اروحلها، وأنت يا طه استناني عشان تروح معايا
اتسعت طه عيناه بدهشة وكاد أن يتحدث باعتراض لكن أضافت هي بنبرة جادة للغاية
= وانت يا متر بالنسبه للورث تمام انا قبلت اخده طالما ده حقي زي ما انتم قلتوا وانا اقتنعت بكلامكم .