-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 23 - 1

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


 الفصل الثالث والعشرون



نقف دائما على حافه الطرق لا نعلم اتجاهتنا نرى أمامنا جميع الابواب مغلقه وبين أيدينا مفاتيحها ولكننا مقيد لا نعلم اى الابواب نخوض وعندما يجب علينا الاختيار نقف في المنتصف كعصفور صغير اتاح له الهروب من سجنه ولكنه مكسور الجناح لا يستطع أن ينال من حريته لذلك الحريه كلمه نتداولها كتيرا ولكننا لم نحصل عليها إلا بعد مرور الزمان......


خرجت فريده تركض من قاعه المحكمه و

تحولت تعبيراتها من الشدة للعبوس والحزن

للحظة توقفت في مكانها عاجزة عن التقدم خطوة نحو الدرج للرحيل من هنا دون ان تحقق انتصارها كله، كورت قبضتها ضاربًا الدرابزون بعنف ومفرغًا فيها شحنة مكبوتة، ظلت في مكانها محدقة أمامها بحسرة و زاد بكائها النادم عن التنازل بقضيها السابقه و ارتفعت أصوات شهقاتها، شاعره بخذلان وحزن لا محتمل ولا يساعدها عن التسامح والتجاوز بسهولة.


في تلك اللحظه خرجت تسنيم هي الاخرى تنظر حولها وتبحث عنها لتجدها تقف جانب في حاله وهن، عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام


= فريده انتٍ كويسه؟ مالك مش حاساكي فرحانه ليه بالحكم المفروض تكوني فرحانه وسعيده ان خلاص حسام اتسجن وكابوسك قرب ينتهي 


تحركت فريده دون ان تنظر اليها تجاه المرحاض، بينما ركضت تسنيم خلفها بقلق وهي تحاول اللحاق بها وتابعتها للمرحاض قائلة بصوت جـــاد 


= انتٍ فيكي حاجه ردي عليا مالك؟ حالك ليه اتقلب كده بعد ما سمعتي الحكم على حسام بالسجن بثلاث سنين 


صرخت بمرارة فجاه فتبعثر ما بداخلها و شحب لون وجهها من هول الصدمات التي تعرضت إليها 


= عشان مش راضيه حاسه ان ناري ما بردتش

أول ما القاضي نطق بالحكم وأنه هياخد ثلاث سنين بس حسيت بالخيبة! طب إزاي؟ بعد ما اغتصبني مرتين! و ضربني وقتل ابني و آآ حرمني من الامومه وان اكون ام.. انا مش بشكك في حكم القاضي والقانون لاني عارف ان انا السبب لو ما كنتش اتنازلت وضيعت حقي كأن زمانه دلوقتي خد على الاقل ١٥ سنه ولا مؤبد .. بس كنت آآ ..


إنتفضت تسنيم بخضه على صوتها و ارتجف بدنها من قوة صوتها المتألم وتركتها تصرخ و تخرج كل ما في داخلها، فهي تعلم جيدًا أنها في أشد حالاتها ضعفًا، بدا صوتها مبحوحًا وهي تضيف من الكلمات فوق عذابها


= ‏كنت عاوزة اثبت إني ممكن احقق حاجة ، علشان لما ابص في المراية احس ان ليا قيمة .. لكن دلوقتي لما ببص في المرايه مش بقدر من كتر الوجع اللي بشوفه من بره وجوه ! ولسه بسال نفسي نفس السؤال بتاع كل مره انا ايه اللي عملته غلط في حياتي يستحق كل ده؟ انا كل اللي كنت طالبه حقي! هو ده غلط في مجتمعنا ؟. 


لم تستطع حبس عبراتها أكثر من ذلك، فبكت أمامها بشهقات متتالية و زاد بكائها بداخل المرحاض وانهارت جاثية على ركبتيها بأرضيته، و صوت أنينها الأتي منها يقبض القلب القوي، توجست تسنيم خائفه أن يكون قد أصابها مكروه ما، فركضت ناحيتها هاتفة بتلهف


= فريدة !. 


تنهدت مطولاً مخرخة عن صدرها ثقلاً كاد أن يجثو عليها ويصيبها بالهموم، إبتلعت ريقها وتلألأت العبرات في مقلتيها وهي تقول بأسي


= أنا بقيت حاسه وعارفه أنو هيجي يوم وأموت بسبب الزعل اللي موجود في قلبي ده ..! ⁦


شعرت تسنيم بجفاف أشد في حلقها وهي تحاول تبرير الوضع واختلاق الأعذار لكنها بكل بساطه لم تجد، اي كلمه تفيد في وضع كذلك

دفنت فريدة وجهها في راحة يدها متابعة بحسرة


= كان نفسي كل حاجه تمشي زي ما كنت عايزه ، بس ما عرفتش.. ما قدرتش أقوم 


واصلت صراخها المتألم صائحة ببكاء يدمي القلوب


= آه من غدر الزمن، لا منك رحمتني ولا منك عدلت بس ربك العدل والرحمة وانا داقت من الوجع والحسرة كتير أوي ومبقاش في قلبي ذره رحمه او تسامح .. يـاررررررب.


كانت تسنيم تقف أمامها و دموعها تتساقط بحزن شديد وهي تشاهدها في تلك الحاله وهي شبه منهارة، ثم تابعت بألم حاد يعتصر قلبها و همست بصوت مرهق بشدة


= انا كره نفسي وكره عائلتي و كره الواقع! والمجتمع و القانون؟ وكل حاجه كانت بتوقف قصادي تمنعني من حقي، ليه الدنيا قاسية أوي عليا كده ؟ لـيــه .


ظلت فريدة على تلك الحالة تبكي بندم وحزن 

حتي اقتربت منها تسنيم وضمتها إليها تحتويها لعلها تعيد لها الثقة والأمان، ارتمت الأخيرة في أحضانها متابعة بكائها، فلفت المحامية ذراعيها حول ظهرها ماسحًا عليها برفق وهي تقول بصوتها المختنق


= عشان إسمها دنيا يا فريدة؟ هي قاسيه علينا كلنا مش لوحدك بس كل واحد بياخد نصيبه من الوجع منها غير التاني؟ وكل واحد عنده قدره يتحمل وفي ناس لا! وهنا نستفيد ايه؟ انو احنا لازم نتعلم نعيش حياتنا ده المهم و الأهم، لأن احنا عايشين ضيوف في الحياة و ما حدش مخلد فيها .


❈-❈-❈


في ذلك المكان الذي انتقلت اليه مهرة قبل شهرين هي وابنتها "فرحه" في جمعيه تعاونية تساعد السيدات الذي يتعرضون للعنف، نظرت المشرفه إلي مهرة باهتمام وقالت بامتعاض مزعوج مستخدمة يدها في التوضيح


= مهرة الظاهر انك سبتي الشباك مفتوح وانتٍ نايمه البنت تعبت تاني ولازم ننقلها المستشفى دلوقتي .


مطت مهرة شفتيها ، وردت عليها بصوت ثقيل


= دي لسه خارجه بقيلها اسبوع من المستشفى هترجع تاني انتٍ مش وعدتيني انها المره دي هتكون كويسه ومش هتتحجز تاني، انا مش فاكره اذا كنت سبت الشباك مفتوح ولا قفلته؟ عشان خاطري ما تاخدهاش مني مش بلحق اقعد معاها و هي على طول تعبانه


أجابتها بإقتضاب وهي تنفخ في إنزعاج و جذبتها من يدها 


= مهرة عشان خاطري ابعدي وسيبيهم يشوفوا شغلهم احنا اكيد مش بنضرك ولا بنضرها بس هي فعلا من ساعه ما اتولدت وحالتها صعبه وانتٍ شايفه بنفسك اهو من اقل حاجه بتتعب وتتنقل المستشفى من تاني 


سحبت يديها من راحتي المشرفه ، وصرخت فيها بإهتياج وخوف


= خلاص سيبوها وانا المره دي هخلي بالي منها كويس و والله ما هنسى ولا هخفي عنها دقيقه واحده ، انا بس بتلخبط وعلى طول متوتره عشان كل حاجه جديده عليا واول مره اعملها غير القضيه اللي شغاله ومستنيه الحكم فيها، انا كل حاجه فوق دماغي لوحدي عشان خاطري ما تبعدهاش عني هي كمان .


أمسكت إياها المشرفة مجدداً هذه المرة وحركتها جانب حتى تمر، وهي تردد بجدية


= يا مهره احنا مش هناخدها منك خالص، يا حبيبتي اهدي اسبوع بالكتير وهتكون عندك زي كل مره، انتٍ لو بتحبيها فعلا وعاوزها تفضل معاكي ابعدي وخليهم ينقلوها المستشفى بسرعه انتٍ كده بتضريها ...


سريعًا اقتحم عقلها ذكريات متنوعة من ماضيها الموجع حتى لحظة اكتشافها خطه زاهر الخبيثة، قبل عدة أشهر وبالتحديد في يوم ولادتها في المستشفى كانت تجلس فوق الفراش وتحضن طفلتها وشعرت مهرة بتلك اللحظة بدفئ مشاعر وهي تتلمس وجهها بحنان و برفق, وتلك اللمسات الساحرة أشعلت جمرة من المشاعر الثائرة داخلها من الخوف والذعر و القلق والسعادة في نفس الوقت، لتقول بين دموعها


= شكلها جميل وصغيره اوي اوي


ردت تسنيم عليها مبتسمة


= عادي ما تقلقيش كل الاطفال بيكونوا في الاول كده .. مبروك يا مهرة ربنا يخليهلك 

وتفرحي بيها يارب


كادت ان تتحدث بالمزيد لكن توقفت عن التحدث عندما سمعت صوت هاتفها يرن، ثم أخرجته من حقيبتها وفتحت الخط وأجابت بصوت هادئ، في حين جاءها صوت رجل يتكلم بخشونة 


= المحاميه تسنيم معايا مش كده 


عقدت حاجبيها وهي تجيب عليه باستفهام


= ايوه انا مين معايا 


لوي زاهر ثغره وصر على أسنانه قائلاً بغيظ 


= انا زاهر جوز مهرة او اللي كنت جوزها! افتحي الاسبيكر انا عارف انها جنبك و ولدت النهارده .. افتحي يلا مكبر الصوت عشان تسمع الهانم اللي جنبك كلامي عشان ما ليش مزاج اعيد كلامي مرتين ؟.


ترددت تسنيم قبل ان تفتح مكبر الصوت بالفعل، و نظرت مهرة نحوها بقلق ثم بدأ الأخر يتحدث ببرود و كأن الأمر غير هام


= ازيك يا مهره مبروك يا حبيبتي يا ترى جبتي ايه؟ ولد ولا بنت! ولا اقول لك ما ليش مزاج أعرف لأني كده كده مش فارق معايا

العيل ومش ناوي كمان اكتبه على اسمي! ومحدش هيقدر يغصبني على حاجه مش عاوزها وانتٍ معكيش اوراق تثبت ان العيل ده أبني؟ ولو فكرتي ترفعي قضيه تاني ضدي اثبات نسب هيتحكملك فيها بعد كام سنه.. يعني تكوني جبتي اخرك خلاص في المحاكم علي قله فايدة 


ظهر الخوف في عينيها حينما شعرت بالتهديد في حديثه، فأضاف زاهر بتهكم و نظرة تشفي تملأ عينه


= لاني هتهرب ومش هحضر محاكم وابقي وريني هتعرفي ازاي تاخدي معايا حق ولا بطل و خلي المحاميه اللي رحتي تتحمي فيها مني تشرحلك وتفهمك معنى كلامي اكتر.


أدمعت عيناي مهرة بشدة وهي تحاول فهم الأمر، وبدأت تصرخ بعصبية واضحة


= هو الكلام اللي بيقوله ده صح؟ اتكلمي ساكته ليه .. انا مش هعرف اسجل بنتي على اسمه ولا اطلعلها اوراق طول ما هو مش معترف بيها


اساءت بعدها حالتها الصحيه طفيفًا بعد ارتفاع معنوياتها النفسية فعندما طلقها زاهر وانفصلت عنه كانت تعتقد حينها بعد الانفصال قد أزاحت عنها الكثير من الهموم والأحزان ويجب تفائلها الدائم بعد ذلك، لكن قد هدم زاهر كل ذلك مره ثانيه عندما رفض ان يعترف بنسب ابنته فرحه! لتبدأ تلك الصغيره هي الاخرى تحمل من اعباء الهموم والظلم وهي لم تكمل عده أشهر حتى، بسبب جبروت والدها الذي رفض ان يعترف بناسبها وجعلها يحتقرها الناس ولا تستطيع أن تمارس حياتها الطبيعيه بصوره جيده دون اوراق رسميه ثبت من تكون هي ومن اسرتها؟ ورغم كل ذلك لكنها تمسكت مهرة بذلك الأمل الجديد الذي أوجده في روحها الفانية وتشبثت به عندما اخبارتها تسنيم انها لم تتخلى عنها وسترفع قضيه اثبات النسب باسرع وقت .


كذلك تعلقت أكثر برضيعتها، وأفضت عليها بعاطفة حرمت منها بسبب جفاف أسرتها وقسوتهم، لكن بعدها دخلت في دوامه أخرى وبدات تسيء صحه الصغيره وتتعب وكل يوم تذهب الى المشفى تقريبا واحيانا يضطر الطبيب المعالج لها بان يحجزها عده ايام لسوء حالتها.


اخذت المشرفه الصغيره "فرحه" وتم نقلها الى المستشفى ورفضت ان تاتي معها مهره حتى لا تسوء حالتها هي الاخرى.. فانسحبت مهرة بعدها سريعًا قبل أن يكتشف أحدهما وجودها فيتسبب ذلك في إحراجها، شعرت بعبء ثقيل يُلقى على كاهلها، وبهم كبير يجثو على صدرها، تحركت للخارج في الجنينه الخارجيه وجلست بجسدها و جاهدت لتبدو تعبيراتها طبيعية لكنها لم تستطيع الصمود وبدأت أن تبكي بشدة من اجل حالتها البائسه التي أصابتها هي وطفلتها.


وفي نفس الوقت اقترب أيمن منها فهو احيانا ياتي و يزورها باستمرار هنا، تطلع لها بقلق وهتف بتسأل بتوجس


= مهرة مالك بتعيطي ليه هي فرحه جريلها حاجه


رفعت مهرة نظراتها نحوه بألم وشعرت بالضعف و الاحتياج في تلك اللحظة لذلك لم تشعر بنفسها الا وهي دفنت وجهها داخل صدره وهو لم يجد سوا أن يطوقها بذراعيه بحنان ويمسد على ظهرها برفق ولكن تلك اللمسات تلك جعلته يتخبط بأفكاره وعقد حاجبيه بضيق وتوتر ثم أنتفضت هي من داخل أحضانه كأنها أصابت بماس كهربائي صعقها فجأة وخجلت من فعلتها المتهوره وقالت بصوت مرتبك وحزين


= عمو أيمن خدوا فرحه بنتي مني تاني يودوها المستشفى والله ما كنت اقصد اتعبها 

ما اعرفش ازاي نسيت شباك الاوضه مفتوح انا ام فاشله ومستاهلهاش كل ما تخرج من المستشفى و اقول الحمد لله بقت كويسه ترجع تاني وتتعب .


أشـار لها أيمن بكفه ونظر لها بحنو قائلاً بحذر 


= هشش خلاص اهدي فهمت، في اطفال كتير بيتولدوا كده وبعد كده بتكون صحتهم احسن مني ومنك ما تقلقيش عليها يا مهره دي مرحله في حياتك وان شاء الله هتعدي على خير .. وبعدين هو انا كل ما اجي الاقيكي بتعيطي على حاجه شكل مره عشان موضوع قضيه اثبات النسب اللي رفعها تسنيم علي الزفت زاهر ومرة عشان بنتك لما بتتعب .


مر أمام أنظارها الشاردة شريط حياتها العابث، 

وتنهدت في تعب وهي تقول بخفوت


= انا كده على طول حظي وحش في كل حاجه، اذا كان في اهل ولا في بنت ولا بزوج

ما فيش حاجه بتكمل معايا للاخر .


هـز هو رأســه بخفة وأجابها بجدية


= استغفري ربنا ده ابتلاء وما ينفعش نقول كده، مهره اللي انا اعرفها قويه مش ضعيفه انتٍ استحملتي إللي محدش يستحمله مش هتيجي في الاخر وتعملي كده 


هزت راسها بيأس وحسرة قائلة بنبرة باكية


= لا انا ضعيفه وما بقتش قادره على اللي بشوفه، هي دي حياه اصلا! اللي في عمري زمانهم دلوقتي بيخشوا مدارس وموجودين في بيت اهاليهم انما أنا اتجوزت بدري وبربي عيله مش عارفه مسؤوليتها .. اشمعنى انا مش زيهم.. اشمعنى انا اللي بيحصل لي كده؟ 


ابتسم أيمن برقة وهو يجيبها بنبرته الهادئة ليحاول بث الطمأنينة والسكينة بها


= عشان تكوني مميزه عنهم يا مهرة! عشان انتٍ ربنا بيحبك وبيختبرك عاوز يشوف قوه صبرك لحد فين ؟ و عاوز يشوف كل ما تقعي في مشكله هتكملي ولا هترجعي لورا؟ عاوز يشوف قد ايه انتٍ بنت شجاعه وقويه و اتحملتي كثير عشان يعوضك على صبرك ده بحاجات جميله هتشوفيها قدام .. صدقني بكره الايام دي هتفتكريها وهتضحكي عليها


تطلعت مهرة به منتحبة، و بأعين قد جف بها الدمع ليقول أيمن مبتسم بحنان 


= اضحكي بقى وبعدين في بنت جميله زيك كده تعيط مناخيرها تحمر وعيونها ووشها كله يا بنتي بقيتي شبه الطماطمايه .. بس تعرفي حتى وانتٍ بتعيطي شكلك جميل مع خدودك دي 


ضاقت نظراتها أكثر متعجبة من طريقته معها، همست بصوت مرهق


= أنت بتجبر بخاطري شكلي جميل ايه بمنظري ده بس يا عمو أيمن


شعرت بجفاف شديد في حلقها، فلأول مرة تجد من يهتم بها وايضا شخص خارج نطاق الأسرة، ومن يشعرها بأهمية وجودها في الحياة! من يبث في نفسها روحًا إيجابية تعيد بعث التفاؤل في روحها المستهلكة، رأت ابتسامة عذبة تتشكل على ثغره وهو يقول بصوته الرخيم 


= اولا الملامح الجميله دي أي مدح فيها تاكدي عمره ما هيكون جبر خاطر بالعكس هيكون حقيقه عشان انتٍ جميله في كل حالاتك يا مهره .. ثانيا بقى من هنا ورايح قولي لي ايمن بس مش عاوز اسمع عمو ايمن اللي ماسكه فيها دي بتخنقني 


خجلت مهرة من غزله المتواري عنها، وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه رغم تلك الحماسة الرهيبة التي تملكتها و انتابتها مشاعرًا مختلفة عن ذي قبل، أحاسيسًا لم تخوضها أبدًا، لم تشعر بشفتيها وهما تبتسمان بنعومة، لكن التقطتها عيناه فزادتا إشراقًا لكنها رفضت بأن تنطق إسمه هكذا، هاتفة بعبوس شديد


= بس ما ينفعش اناديك كده .. ما يصحش يا عمو أيمن


تحرك وتعمد الجلوس إلى جوارها ليقلص المسافات بينهما، قائلاً بزعل زائف


= يا بنتي تاني انا لسه قايل لك ايه وبعدين يصح ويصح جدا طالما انا اللي موافق وبقول لك ناديني ايمن بس .. يلا سمعيني كده قولي أيمن، عاوز اسمع اسمي من بين شفايفك هو أنا اطول بنت جميله ذيك كده تناديني بايمن .


تورد وجهها من جملته تلك، ورغم يقينها أنها عبارة مجاملة لكنها لمست قلبها، صمتت بخجل شديد و تنهد هو بضجر


= يلا يا مهرة مش هفضل اتحايل عليكي كتير.. الفرق بينا مش كبير أوي اصلا عشان كل شويه تقعدي تناديني عمو ايمن 


هزت رأسها برفض بإصرار، و اعتدل أيمن في جلسته أعلي المقعد قائلاً بلؤم


= كده يا مهره ماشي انا زعلت وماشي 


عبست مهرة بوجهها لزعله و بسرعه امتصت مقاومتها كليًا، وهتفت باضطراب كبير


= لأ لأ، استنى يا آآ يـ.. يا، استنى يا أيمن


استدار ناحيتها بسعادة وهو يشير بيديه بمداعبًا


= هو انا للدرجه دي زعلي ما هنش عليكي، ده انا طلعت عزيز عليكي وما اعرفش بقى؟ لو مش عاوزه فعلا تضايقيني افضلي قولي لي على طول أيمن بس.. يلا عاوز اسمعها تاني


نظرت له بتوتر شديد، واصطبغ وجهها بحمرة شديدة، ارتجفت أكثر وهي تقول بصوت متقطع


= آآ أيمن


لمعت عينة بفرحه، و رد عليها أيمن وهو يتفرس وجهها


= نعم يا مهرة عاوزة ايه؟ لو مش عاوزاني امشي حاضر هفضل جنبك اهو .


هزت راسها برفض بتوتر شديد، ليبتسم أيمن ابتسامة مليئة بالسعادة وقال مقترح


= طب بقول لك ايه ، ما تخشي تستاذني منهم وتعرفيهم انك هتخرجي معايا، و نخرج نتمشى شويه و بالمر تغيري جو بلاش تقعدي لوحدك في الاوضه خصوصا بعد ما اخذوا بنتك للمستشفى 


❈-❈-❈


في مكتب تسنيم، كانت تتحدث عبر الهاتف مع فريده لتخبرها باخر التطورات حول قضيه الخلع التي رفعتها ضد حسام! وفي نفس الوقت دلف سالم إليها وتفرس ملامح خطيبته باهتمام وهي تتحدث معها، فإقترب منها عندما انهت المكالمه وسألها بخفوت 


= دي فريدة اللي كنتي بتكلميها ؟ هي مش القضيه خلصت و اتحكم فيها و جوزها اتسجن بتكلمك ليه تاني؟ 


هزت رأسها بخفة ، وهي تتحدث بإهتمام


= لسه قضيه الخلع اللي هنرفعها عشان جوزها يطلقها، وهي كانت بتكلمني عشان بتتاكد رفعت القضيه ولا لسه عاوزه تخلص من الموضوع ده بسرعه .


قطب هو جبينه وعقد ما بين حاجبيه في إهتمام ثم سألها بحيرة قائلاً 


= انا اعتقدت هيبقى عنده دم ويطلقها من نفسه بعد ما سجنته، مش لسه هيستنى ترفع قضيه وتلف تاني في المحاكم عشان تخلص منه 


وضعت خصلات شعرها المتمردة خلف أذنها، وتطلعت له بإحباط ثم أجابته بإيجاز 


= ما ده نفس اللي فكرت فيه انا وفريده، بس تفتكر واحد بعقليته هيريحها ويطلقها من نفسه ولا هيسيبها تتمرمط عشان توصل للي هي عاوزاه كا انتقام.. اكيد الاجابه وصلت طالما لحد دلوقتي مطلقهاش .. وطالما عاوز كده بقى؟ يشرب اهو هيبقى مخلوع .


تنهد سالم بضيق شديد من ذلك الشخص ثم هتف متسائلا باهتمام


= طب هو انتٍ صحيح بالنسبه لقضية مهره البنت اللي كانت قاعده معاكي قبل ما تتنقل

رفعتلها قضيه الخلع ازاي من غير ورقه جواز مش قلتي لي قبل كده الورقتين مع جوزها.


ابتسمت تسنيم بهدوء وقالت بتوضيح


= اه ما انا ما قلتلكش مهرة طلع كان معاها ورقه الجواز العرفي وقعت في ايديها بالصدفه وهي بتنظف اوضه جوزها في مره وحاجه جواها خليتها تحتفظ بورقه منهم، و وقت ما هربت الحاجه الوحيده اللي خدتها هي الورقه دي والهانم ما قالتليش في الأول عشان كانت لسه مش مطمنه لي 


تابعت حديثها قائله بنبرة خافتة 


= بس المده اللي قعدتها عندي بدات تثق فيا، وكمان لما شرحتلها الوضع وانها تنفع ترفع قضيه خلع في سنها ده، والمحكمه هتكون في صفها وان شاء الله هتحكم ليها اعترفت لي علي الموضوع ده واديتني الورقه وانا على طول رفعتلها القضيه .. بس كويس عملت حاجه لصالحها انها احتفظت بالورقه دي دليل.


تنحنح سالم بصوت خشن وهو يقول بجدية


= طب سيبك من موضوع الشغل اللي مش بيخلص ومشاكله، انا كنت جاي عشان أبلغك أن ليلى خلاص خلصت الامتحانات والنتيجه طلعت ونجحت الحمد لله


ابتسمت تسنيم بإبتسامة عريضة وهي تقول


= بجد الف مبروك عقبال الشهاده الكبيره يا رب .


أجابه الأخير بنبرة سعيدة وهو يمسح طرف أنفه 


=الله يبارك فيكي، انا كنت هعمل لها حفله صغيره في البيت تعزم فيها زمايلها ويتبسطوا ولو يعني انتٍ كمان فاضيه وتقدري تيجي يا ريت


إعتدلت تسنيم في مكانها وقالت بنبرة حماسية وهي تنظر إليه 


= طبعاً هاجي عشان نتعرف على بعض و اديها هديتي، و بالمناسبه دي انا هعمل لها بنفسي قالب كيك بالشكولاته هيعجبها، انا شاطره في الحاجات دي أوي و هتتبسط بي .


❈-❈-❈


مُؤلم أنْ تودَع أشِْياء لاّ تَتمْنىّ أنَ تَودعَها يٓومْاً.


في منزل عم فريدة، كانت هي بغرفتها تؤدي صلاتها حتي تستمد قوتها من ربها، ثم بعد الإنتهاء من الصلاه لم تنهض وظلت فوق سجاده الصلاه و رفعت يديها لتقرا دعاء لتعب النفس وعينيها مغرورقتان بالدموع 


اللهم نجني مما أنا فيه من كرب وتعب نفسي بفرج عاجل وغير أجل وبرحمتك يا أرحم الراحمين. هبني اللهم الصبر والقدرة لأرضى بما ليس منه بد، اللهم يا من كفاني كل شيء اكفني ما أهمني من أمور الدنيا والآخرة. يارب فرج عني كل ضيق ولا تحملني مالا اطيق، برحمتك استغيث اللهم أبدل كدري وحزني بضيقتي بالرضا والراحة والسلام. اللهم إني أسألك سلاماً ما بعده. رضا ما بعده سخط، وفرحاً ما بعده حزن اللهم املأ قلبي بكل ما فيه الخير لي .

اللهم آمين يارب العالمين

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم.


كانت والدتها بتلك اللحظة اقتحمت الغرفة وشعرت بالارتجاف وهي تستمع الى دعائها، شعرت فريدة بها لترفع وجهها للاعلي و رمقتها بنظرات مصدومة لرؤيتها إياها أمامها ، و قالت بنزق 


= خير اللي جابك؟ هو مش جوزك برده حلف عليكي انك لو شفتيني من وراه هيطلقك ولا ده كلام كأن بيقوله لي عمي عشان يلاقيلك مبرر ! ويحاول يقنعني ان امي الفاضله ما تخليتش عني زي جوزها .


أجابتها والدتها بصوتها المضطرب وهي تجاهد للحفاظ على هدوئها 


= لا هو حلف فعلا يا فريده ومنعني اجي ازورك من ورا بس انا قلت له قبل ما اجيلك وفضلت اتحايل عليه عشان يرضى يخليني اطمن عليكي، خصوصا بعد ما عرفنا ان خلاص الحكم صدر وحسام هيتسجن ثلاث سنين زي ما قال لنا عمك 


لوت فمها في إستنكار وأغمضت عينيها بيأس ثم تابعت أمها بصوت شبه حزين


= أنا عارفة إن إنتٍ فيكي اللي مكفيكي، بس أنا معرفتش امنع نفسي واجي واشوفك.. طمنيني يا حبيبتي انتٍ كويسه؟ طب مش خلاص عملتي اللي انتٍ عاوزاه يبقى ليه ما رجعتيش بيت ابوكي على طول؟ وما تقلقيش انا وعمك هنحاول معاه وهو هيرضى والدليل انه بدا يرجع في كلامه لما رضي يخليني أشوفك النهارده 


نهضت فريدة لتقف مقابلها ثم مطت فريدة شفتيها للجانب بقهر وردت عليها بنبرة جافة للغاية 


= شكلك بتدوري علي حاجه تايهه منك؟ اوعي تكوني بتدوري عليا انا.. تبقي غلطانة وبتضعي وقتك و يبقي قلبك لسه بيستنى يخليني اعرف ازاي تصعبي عليا وارجع معاكي صدقيني دة مش هيحصل .. سيبك من الكلام اللي انتٍ جاية وعايزة تقولهلي، سيبك حتى من الكلام اللي ممكن تسمعيه مني.. و وفري على نفسك وعليا لانه مش هيفيد بحاجه


شعرت بالتشوش بسبب كلماتها فأردفت لها بتلعثم واضح وهي تبتلع ريقها بتوتر 


= يعني ايه؟ مش فاهمه تقصدي ايه يا فريده 


عقدت فريدة ساعديها أمام صدرها وأشاحت بوجهها للجانب بجمود وبالرغم من حالة الضعف الشديدة المسيطرة عليها إلا أن فريدة لم تتوقف عن اللوم والتحدث، عادت تنظر إليها وهتفت بصوت مرتفع وهي تنظر مباشرة في عينيها بتحدٍ


= اللي قصاده من كلامي وعاوزه اقولهلك ان انا حتى بعد ما سبتك وبعت اللي انتم عاوزينه حصل وانا ما انتصرتش لوحدي؟ زي ما انتم كنتم دائما بتقولوا و أن الدنيا عامله زي الغابه

والضعيف ما بيعرفش ياخد حقه ولا يحقق العدل، والمجتمع اللي احنا فيه والواقع بيقول غير كده؟ بيقول أن الجاني اللي ينتصر بنكافئه كمان، انما الطيب اللي زيي و الضحيه 

المفروض يخجل من اللي عمله في الجاني

وتبقى عيبه لو فكر ياخد حقه 


كففت دموعها خيريه التي تساقطت وهي تنظر إليها بألم، وتراجعت فريدة في الخلف وأضافت قائلة بصوت حزين وباكي 


= ايه رايك فيا دلوقتي؟ فرحانه مش كده بقيت زي ما انتٍ عاوزة! انتوا اللي طلعتوا صح وانا اللي غلط ! كان المفروض اضحي زي ما انتم عاوزين اكثر من كده كان مفروض اقبل بالوضع؟ ايه يعني بتضرب هو انا اول واحده جوزها يضربها، وايه يعني ابني يموت! وايه يعني اترمي زي الكلبه في المستشفى وانا دمي سايح ويضطروا الدكاترة يشيلوا الرحم و يحرموني من أني أبقي أم وما حدش يسال عليا عشان خايفين الحكومه تشم خبر والبيه إللي المفروض اسمه جوزي يتسجن! هو ده اللي صح وهو ده اللي اضحي عشانه مش كده ؟؟ يلا اطلعي فرحي جوزك وناديه كمان يشمت فيا 


توقفت عن الحديث لشعورها بالانكسار فضمت قبضتيها إلى صدرها وهي لا تصدق ولا تستوعب ما فعلوا بيها، بينما أخذت خيرية نفساً عميقاً وزفرته في إحباط، وضمت يديها إلى صدرها محدقة فيها بنظرات نادمة وهي تبرر تصرفها


= ايه اللي بتقولي ده يا فريده احنا برده هنشمت فيكي يا بنتي! ده احنا اهلك و لما كنا بنحاول نحذرك ونمنعك من الوضع ده عشان كنا خايفين توصلي لكده ؟ عشان كنا عارفين اللي هيحصل ومش عاوزين تتوجعي و تتجرحي تاني وتاخدي امل على الفاضي 


إنسابت عبرات فريدة الحارقة على وجنتيها بغزارة شديدة لتنظر إليها بغضب وهي تصرخ بعصبية 


= ما تبطلي طريقتك دي! طول الوقت جاهزين بردود ومبررات! بطلي المثالية اللي بتتكلمي بيها.. ده غلط وده صح.. و ده ينفع وده مينفعش.. و انا امك وانا عارفه الصح..و احنا اهلك و مش عاوزين نشوفك بالوضع ده واكيد عاوزين مصلحتك! ارحميني بقي.. تحبي أطلعلك مية غلطة في حياتكم اللي فاكراها مثاليه و ما بتغلطوش؟ تحبي أقولك ان كل اللي انتٍ بتحاولي تبرري انتٍ وجوزك واللي عملتوا ده اسمه ايه؟ اسمك اتخليته عني وما لهاش اسم تاني وما تحاوليش تبرري انا مش عيله صغيره عشان تضحكي عليها بكلمتين؟ أنتم كل اللي كان فارق معاكوا مصلحتكم وبس كل واحد فكر في نفسه الا فيا ! عشان انتم انانيين وجبنا .


نظرت لها خيرية بأعين باكية وهي تشعر بالخوف عليها والندم، ثم تابعت بأنين مرير


= تحبي أضايقك كل شوية واسمم بدنك وأوجعك؟ زي ما كنتم طول الوقت تعملوا معايا واخره المتامه سبتوني اواجه كل دي لوحدي وفي الاخر جايه دلوقتي بكل بساطه احنا أهلك..و لما انتوا اهلي كنتم فين من الأول؟؟ ما حدش واقف جنبي لــيه؟ سبتوني لــيه اواجه الدنيا دي كلها


إزداد نحيبها بمرارة ثم أضافت بجمود 


= دايماً بيقولوا إن نقدر نعرف الشخص من علاقته بأهله طب أفرضي الشخص ده أهله مش كويسين أو ناس انانيين ذيكم .. اتحسب عليكوا لية ان انانيه زيكم 


إرتجف جسد فريدة أكثر وهي ترى أنظــار والدتها العميقة مسلطة عليها في حين تتجسد أمامها ذكرياتها العنيفة معهم، فصرخت بإهتياج وإنكمشت على نفسها 


= بس اديني بتعلم وبالمره اعود نفسي ابقى لوحدي من النهارده، و كمان عرفت أن التضحيات اللي طول الوقت بتطلبوني بيها للى يستحق مش لأى حد ..


نظرت أمها أرضا ولم تستطيع أن تتحدث بكلمه واحده، هتفت فريدة بصلابة و عينيها مغرورقتان بالدموع 


= يا ريت ترجعي زي ما جيتي وعرضك ما قابلتوش ومش هرجع و متخافش عليا يا ماما، زي ما واجهت كل ده لوحدي هعرف اواجه اللي جاي كمان ولما اموت اكيد هتعرفوا