-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 23 - 2

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


 الفصل الثالث والعشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة


❈-❈-❈



ألقي أنس بعض النقود القليله بحجر زوجته ليخبرها بتعب شديد بأنها راتبه من عمله اليوم

بينما شهقت حسناء بصوت مرتفع وهي تلطم على صدرها 


= وده إيه ده ان شاء الله هو ده مرتبك بس؟ شويه الملاليم دول حاسبهم مرتب وانت شغال في اليوم اكتر من ٨ ساعات


أشـار لها زوجها بإصبعه محذرة إياها


= احمدي ربنا يا حسناء غيرنا مش لاقي، وانا اعمل لك ايه شفت شغل تاني وقلت لا! اديني عمال اشتغل ليل ونهار عشان اصرف على البيت وكمان مش عاجبك .. وبدل ما تعملي لي لقمه اكلها وتريحيني قاعده تقطمي فيا ومش عاجبك الفلوس اللي خدتها .


نظرت له زوجته شزراً وأجابته بنبرة حقد


= انا مالي بغيري ما غيري برده عنده اللي مش عندي، وبعدين هي فين الفلوس؟؟ هم دول يعملوا ايه شويه الفكه دول هياكلونا ويشربونا انا وعيالك وابوك اللي مبلط في الخط ومش راضي يشتغل .. الله يرحم لما كنت شغال عند زاهر كنت بتجيب اكتر منهم.


نظر أنس لها باستهزاء وسخرية قائلا


= دلوقتي بس بتترحمي على ايام زاهر اللي كنت بشتغلها معاه وكان بيقبضني اكتر من الفلوس اللي في ايدك، وما كانوش عاجبينك برده عشان تعرفي بس ان انتٍ نمروده و مش بيعجبك العجب .. والله لو في ايديك اكتر من خمسين الف هتشتكي برده وتقولي مش عاجبني 


لم يحد أنس بنظراته القوية عن زوجته وهدر إياها بصرامة 


= وبعدين هو بمزاجي غاوي انا مرمطه وتعب لنفسي، كله من مهره بعد ما كنت شغال صاحب محل وبقبض مرتبي وانا حاطط رجل على رجل بقيت دلوقتي مش لاقي .. وبعدين اهو طلقها واحنا مش عارفين طريق لمهرة فين؟ يعني تنسي العز اللي كنتي بتحلمي بيه وتخططيله، الفقر هيفضل مكتوب علينا .


نظرت حسناء له بغضب مكتوم قائلة بنبرة حادة بعد أن عبس وجهها من طريقته الفظة في الحوار معها 


= الفقر هيفضل مكتوب عليك انت وبس يا أنس.. عشان انت طول عمرك بترضى بقليلك وما بتحبش تتعب عشان تكبر نفسك ولا تدور على مصلحتك فين وتطلعنا لبره ونبقى اصحاب ملوك زي غيرنا .. طول عمرك حابب العيشه دي وعمرك ما بتسعي تغيرها


ربتت على صدره بكفها وهي تضيف بتهكم


= لكن انا بقى مش هفضل راضيه بقليلي ولا هرضى بالفقر ده .


أردف أنس بلهجة صارمة وحادة وهو يشير بيده 


= وناويه بقى تعملي ايه عشان تبقي اصحاب ملك، لو لسه بتفكري في فكرتك الخايبه عشان مهره حامل و هتورث في زاهر تبقى غلطانه ومش هينوبك حاجه البنت خلاص اللي عملنا فيها فتح عينيها وخليها مش سهله و وش الطيبه بتاع حاضر ونعم ده ؟؟ ما بقاش ياكل معاها، ولو زاهر اجله قريب و ورثه عمرها ما هتدينا مليم واحد بعد اللي عملنا فيها .


مطت هي شفتيها في سخط وحدثته بتفكير و بصوت واثق 


= صح انت معاك حق اللي تهرب في انصاص الليالي لوحدها ويا عالم مين اللي مقويها على راي زاهر وتروح ترفع قضيه على جوزها عشان يطلقها وهي في السن ده تعمل اكتر من كده كمان .. يعني مهره بقيت كارت محروق بالنسبه لي عشان كده لازم افكر في فكره ثانيه .


أجابها ببرود وهو يحك طرف ذقنه بعدم مبالاة


= طب شاطرة عقبال ما تفكري بقى وتخططي إزاي نأب على وش الدنيا هروح انام، انا جاي مش قادر من تعب الشغل .


التفت بالفعل نحو الفراش تاركها تصارع افكارها وحقدها بمفردها، سبته زوجته بحدة وهي تتابع رحيله بغل 


= الهي تنام ما تصحى يا بعيد.


❈-❈-❈


في المساء سارت تسنيم بصحبه سالم حتى وصلوا إلى السيارة وكادت أن تصعد بالسيارة لكن توقف واستدار سالم ناحيتها ممتعًا عينيه بتأمل ملامحها الهادئة، فضاقت نظراتها نحوه، وعبست بوجهها قائلة


= خير وقفت ليه ما تيلا عشان نطلع مش قلت هتوصلني في طريقك


أشار بحاجبيه مازحًا وهو يفتح لها باب السيارة


= طب ما إحنا هنطلع، بس دي تيجي تدخلي  العربيه كده من غير ما افتحلك الباب بنفسي


فغرت شفتيها متفاجئة بما قاله، فهزت رأسها سريعًا نحوه لتسأله باندهاش


= ومن امتى الدلال والدلع ده كله


ابتسم ببلاهة مرددًا بنبرة ذات مغزى 


= من أول ما خليناها رسمي ودبلتي لبستيها في إيدك اليمين .


ردت بتهكم مبتسمه وهي ترفع أحد حاجبيها للأعلى باستنكار


= والله! ماشي مع اني مش مرتاحه لك، بس بلاش الله يكرمك الحركات دي، أنا قلبي مش ناقص! وانت ليك كده حركات وقلبه وش ما يعلم بيها الا ربنا بتطلع فجاه.


نظر لها بضيق مظهر انزعاجه، فأشارت بسبابتها في وجه عندما عبس بشده لتقول موضحة 


= أهو ده اللي بأتكلم فيه، بتقفش في ثانية!

انا عارفه كويس قلبه الوش دي؟ خلاص مش هاهزر تاني! 


تابع حركاتها العفوية تلك باهتمام كبير، وتنهد قائلاً بحب


= لا دي مش قلبه وش ولا حاجه، وهزري براحتك انا عمري ما ازعل منك انتٍ بالذات


أبتسمت تسنيم بإبتسامة هادئة وهي تقول بعدم تصديق بمداعبًا


= وكمان بتقول كلام رومانسي، لا أنا قلبي مش مستحمل اللي أنا فيه ده ولا تغيرك الملحوظ.. بس اشمعنى انا بالذات اللي مش هتزعل مني؟ عشان اتخطبنا 


هز كتفيه نافيًا، و رد عليها بنبرة جادة وهو يرمقها بنظرات عاشقة


= لا عشان بحبك يا تسنيم


اتسعت عيناها بصدمة واضحة من تصريحه المفاجئ، وانفرجت شفتاها ببلاهة جلية، فتابع قائلاً ببساطة


= مالك مصدومه كده ليه المفروض تكوني متوقعه اصلا انا سبق و قلتلك ان الانسانه اللي عاوز ارتبط بيها في مشاعر جوايا ناحيتها اتحركت فشيء طبيعي اعترف دلوقتي بحبي ليكي وباللي انا حاسه، بس ما كنتش عارف أقولهالك ازاي، بس كان لازم أديهالك خبط لزق عشان تحسي بيا وتعرفي .. مش ناويه تردي وتقولي اي حاجه ؟. 


رمشت بعينيها غير مصدقة أنه يفصح لها عن مشاعرة الشديد بها و عن حبه الشغوف لها، وهي لم تشعر بما يكنه لها كل ذلك، فخرجت الكلمات بصعوبة من جوفها وهي تقول مرتبكه


= هاه، معنديش حاجة أقولها دلوقتي .. يعني ممكن قدام يكون في كلام تاني بس بلاش تضغط عليا.


نظر لها بضيق خفي، فتنحنح بصوت خشن قبل أن يتحدث بصبر


= اكيد مش هضغط عليكي براحتك


صمت عمدًا ليجذب انتباهها ونجح بسهولة في هذا، فابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول بنبرة ذات مغزى


= بس كنت عاوزه اقول لك حاجه مهمه انا من قبل ما اشوفك في البدايه، أنا كنت كرهت فكرة الزواج والارتباط، وانتٍ اكيد لسه ما تعرفيش السبب ولا اي حاجه عن حياتي القديمه مع مراتي الاولى الله يرحمها، و بصراحه مش حابب اتكلم في الموضوع ده خصوصا انها مش موجوده دلوقتي وميته.. بس كل اللي اقدر اقولهلك كان بيننا مشاكل كثيره طول الوقت والمشاكل دي حتى بعد ما ماتت، أثرت عليا لفتره ودخلت في دوامه عقبال ما عرفت اخرج منها 


انتبهت اليه بقوة مستشعرة الحرج الشديد من استرساله في أمور خاصة لا يستوجب عليها معرفتها، فقالت بتهذيب


= مافيش داعي فعلا تتكلم على واحده ماتت وانا عمري ما هسالك عن اي حاجه خاصه بحياتك القديمه تاكد من كده انت مش ملزم تحكي لي اصلا..


انطفأ ميض عينيه ولمعت حدقتيه إلى حد كبير تأثرًا بما قاله بل بالأحرى الحزن قد خيم سريعًا على قسماته، و ازدرد ريقه قائلاً بتريث


= وقتها أنا خدت عهد على نفسي مخليش أبدًا واحدة تقرب مني، ولا أتجوز تاني! واجيب مرات اب لبنتي، بس الظاهر قلبي مطاوعنيش!

أول ما حس بيكٍ وشافك 


تورد وجهها من كلماته فأبعدت نظراتها بعيدًا عنه، فواصل بحذر دون أن يخفي ابتسامته العذبة


= تسنيم انتي ظهرتي في حياتي، وشوية شوية عرفتي تدخلي قلبي، وتسيطري على عقلي!


زاد حرجها من اعترافاته المتواري، وهو استشعر من طريقته المندفعة تهورًا أعمى، فتدفق الأدرينالين بقوة في دمائه يحثه على احتوائها، لذا صمت مطولاً قبل أن يضيف بإيجاز


= انا مش بقول لك كل الكلام ده عشان اضغط عليكي بس حبيت تعرفي إحساسي اللي جوايا .


أبعدت عينيها عن مقلتيه التي تبثان لها حبًا غير محدود، وتورد وجهها بخجل وهي تهتف باضطراب كبير


= هو احنا مش هنمشي، الكلام خدنا و بقيلنا كتير واقفين في الشارع


نظر سالم حوله بدهشة ثم أبتسم قائلا 


= اكيد طبعا هنمشي، يلا بينا.


❈-❈-❈


طالعت ليان انعكاس زوجها من المرآه وهي تُمشط خصلات شعرها، زفرت أنفاسها حانقه من ردوده المقتضبه عليها وتركيزه نحو شاشة هاتفه الذي أصبح طول الوقت يجلس امامه ويتواصل مع احدهم، اقتربت منه وهي تحل عقدة مئزرها الحريري واردفت متسأله وهي تجلس جانبه فوق الفراش


= شايفاك يعني بالك كام يوم مش بتروح الشغل وبتاخد اجازات على طول والغريبه انك مش بتخرج مع أصحابك وبتقعد في البيت


لم ينظر اليها وظل محدق بالهاتف زافراً أنفاسه بقوه ليرد مُتذمراً


= هو انتٍ مش عاجبك كده ولا كده، كنتي على طول بتشتكي عشان بخرج وبسيبك لوحدك بتضايقه ليه دلوقتي من قعدتي في البيت


امتعضت ملامحها من حديثه المحبط وقالت

بضيق


= عشان مش قاعد معايا وعلى طول ماسك التليفون و مش عارفه بتعمل ايه شغلك فيه، أيمن من فضلك ممكن تسيب التليفون شويه ونقعد مع بعض ونتكلم زي اي اتنين متجوزين بيوحشوا بعض .


لم يسمعها بل ظل مهتم الي هاتفه بتركيز، و عندما طال صمتها هتف بعدم انتباه


= هاه، كنتي بتقولي ايه ما سمعتكيش .


رمقته بنظرات مضطربه بيأس فكلما حاولت الاقتراب منه و العودة لحياتهم السابقه يظل كل شئ ينقلب معها وهو لا يرحمها إنما يزيد قلبها عذاب ولوعاً، هتفت دون تردد وهي تمسح على جبينه بحنان


= يا ايمن ركز معايا بقول لك سيب التليفون واقعد معايا شويه، انت ما زهقتش منه وبعدين بتتكلم مع مين ومركز اوي كده 


صمته ونظراته زادتها غضباً لتدفع فوق صدره بقوة قائله بحنق


= يا ايمن ابوس ايدك رد عليا، وركز معايا شويه .


رمقها أخيرا بنظرات ساخطة قبل أن يهتف بغضب شديد دون وعي


= في ايه؟ يا مهرة ما توطي صوتك شويه وانتٍ بتتكلمي معايا ، عاوزه ايه من كل القلق ده بقي.. اتكلمي اديني سبت التليفون 


إرتسمت علامات الصدمة المصحوبة بالإندهـاش على وجـــه ليان حينما هتف مناديا إياها بأسم فتاة أخرى! تشنج فمها وجسدها بإهتياج، وصمتت تُطالعه بملامح باهته ولكن عيناها مازالت تتوهج ببريق الغضب


= مين مهره دي اللي نادتني بيها من شويه؟ هي دي بقى اللي شغله تفكيرك ومخلياك مش مركز مع مراتك ؟.


انتفض مفزوعاً من نطقها لذلك الإسم ولكن أدرك فعلته وعاد لرقدته قائلا بإنكار 


= مهره مين يا ليان، شكلك اتلخبطي ولا سمعتي غلط .. انا كنت بتكلم مع واحد صاحبي عن مشروع في الشغل كده هنعمله سوا قريب .


لم تتحدث لكنها ظلت ترمقه بوجع ثم احتدت ليان وهي تمعن النظر في ايمن الذي جاهد على سيطره اعصابه حتي لا تشك به وقال بتوتر شديد


= انا هنام بقي الوقت أتأخر تصبحي على خير .


صمتت للحظات بألم وهي لا تعرف تشجع نفسها ان تواصل وتحارب من أجل حبها ام تتخلى عنه وتتركه وتنظر لمستقبلها بعيد عنه، لكن آثار حنقها اكثر عندما ناداها بغيرها؟ عدلت من وسادتها تغفو فوقها وهي تفكر ياتري من تلك مهره التي حصلت على تفكير زوجها .


❈-❈-❈


توجهت خيرية نحو باب المنزل لتفتحه فكأن زوجها عائد من العمل، تفاجا بها تركت الباب مفتوح ودخلت للداخل، ولم ترحب به كما تعود بالسابق! كانت تتشكل على محياها ابتسامة ودودة وهي ترحب به، لكن تلك الايام اصبحت تقابلة بفتور رغم الألفة المعهودة بينهما، هي تلقت تعليمات صارمة من زوجها والذي سبق ومنعها من رؤيه ابنتها بعد ان طردها وحرمها منها، لذلك حرصت على أن يكون أسلوبها جافًا ورسميًا، دخل عابد بعد ان اغلق الباب خلفه ليجلس فوق الأريكة امامها وهي كانت تنظر له بعتاب كل لحظه واخرى .


هتف عابد حديثه بجدية وهو يشير بيده نحو باب المنزل 


= بدل ما انتٍ عماله تبصيلي كل شويه كده، انزلي هاتيها من عند عمها انا ما منعتكيش وقلت لك من المره اللي فاتت لو هتطلع وهتعتذر على اللي عملته هرجع استقبلها في بيتي تاني 


تنهدت بأسي وهي تستمع عما يُخبرها به زوجها، و ردت عليه بنبرة جـــافة


= وهي رفضت وقالتلي انا ما غلطتش عشان اعتذر و قالت كمان وفري عرضك مش هطلع معاكي ولا هرجع البيت من تاني اللي اتطردت منه في انصاص الليالي .


تنحنح عابد بصوت خافت وبرر قائلاً بصوته المتحشرج 


= خلاص سيبيها تتربى هتلف تلف وهترجع هي ملهاش حد غيرنا يعني هي هتفضل عند عمها طول العمر .


أجابته زوجته بصوت ضعيف وهي تملي عينيها منه بنظرات أخيرة بيأس


= هو انت لسه ماشي على الاسطوانه دي يا عابد وما زهقتش؟ بالك قد ايه من ساعه ما مشيت وانت عمال تقول لي هترجع ما تقلقيش هي يعني ليها مين غيرنا .. وبقلنا دلوقتي داخلين على سنه ولا عتبت عتبه الباب من تاني .. شكلها كده خلاص هتنسانا زي ما انت خرجتها من حياتك ونسيتها. 


إبتسم لها إبتسامة باهتة وهو يخفض رأسه بهموم واردف بنبرة آســى


= انا ما نسيتهاش يا خيريه وما تتكلميش على حاجه انتٍ مش عارفاها ولا حاسه بيا، و ما تعرفيش انا بنام متعذب قد ايه من ساعه ما هي مشيت من البيت وتهمتني ان انا جبان وفرطت في حقها ، ولا انتٍ ولا هي فاهميني! حاجه ومهما بعمل فيها هتفضل بنتي، وحتى لو باذيها فده من خوفي عليها .


❈-❈-❈


تمر الأيام و الأسابيع والشهور والايام لا تتوقف عن احدهم،ومازال كل شخص يسعي للتخلص من معاناته وحدة أو يبحث عن حلول لمشاكله، و بالتحديد في ذلك المكان علي أمل لانتصار الحق على الباطل وهو في "قاعه المحكمه" و بذلك الأثناء دخلت فريدة المحكمه فهي تعلم أن تسنيم هنا لاجل قضيه أخرى كما أخبرتها عبر الهاتف فكانت تريد مقابلتها حتى تخبرها باخر التطورات التي حدثت في قضيه الخلع التي رفعتها ضد حسام. 


اعتدلت مهرة في جلستها واضعة يدها جيد خلف ظهر الصغيرة محاولة تهدئه طفلتها ثم قالت بتنهيدة متعبة


= بس يا حبيبتي عاوزه ايه ما انتٍ مش راضيه ترضعي مني.. بطلي عياط قلبي بيوجعني لما بشوفك كده.. خلاص شويه وهتطلع ابله تسنيم وهنروح 


في تلك اللحظة اقتربت فريدة لتجلس جانبها فوق المقعد وصوت الطفله الصغيره يصدي بالمكان وهي تبكي بحرقة، رمقتها فريدة بنظراتها بصمت لتنظر مهرة إليها وتراجعت بظهرها للخلف بإحراج وهمست بصوت آســـف 


= معلش صدعتك بس مش عارفه مش راضيه تسكت ليه ؟ 


هزت رأسها بإيماءات خفيفة مرددة بهدوء بينما كانت تحاول الإتصال بتسنيم لتعرف اين اين هي؟ لكن هاتفها كان مشغول 


= ولا يهمك يمكن دوشه المحكمه مخوفيها ، هي بنتك مش كده؟ 


ردت عليها مهرة بأعين متأثرة 


= ايوه بنتي واسمها فرحه، قلت اسميها كده 

يمكن تبقى ليها نصيب من اسمها في الدنيا وما تطلعش زي امها حماله قاسيه 


لم تتفاجا فريدة بكونها طفلتها وهي بذلك العمر الصغير! فقد رات وعاشت ما لا يتحمل أو يتخيل لبشر! أخفضت أنظارها لتحدق في رضيعتها التي وضعت إلى جوارها لتبدأ في مداعبتها بلطف وحب، هتفت بإبتسامة هادئة 


= تعرفي فيها شبه منك عيونها جميله اوي ربنا يخليها لك وتفرحي بيها، ويبقى نصيبها في الدنيا الحلو كله أن شاء الله .


قبلت مهرة رأس طفلتها برفق ثم ابتلعت غصة أشد مرارة في حلقها لتتحدث قائله بنبرة خائفة من القادم عليها


= يارب .


أخفضت فريدة أنظارها لتداعب الرضيعة بحنان وشعور أموي انحرمت منه ولم تعيشة من قبل بسبب استئصال رحمها وموت طفلها قبل أن ترى وتحضنه حتي، وذلك ألمها أكثر ثم ابتسمت مهرة للطفها معها وسألتها الأخري بهدوء


= هاتيها عنك شويه هحاولي اسكتها


نظرت مهرة نحوها مترددة بتوجس ثم هزت راسها بموافقة، وتناولت فريدة الرضيعة منها لتهدهدها بود، ظلت ابتسامتها الساحرة مرسومة على ثغرها و ربتت على ظهر فرحه برفق وبدأت الصغيره تصمت نوعاً ما! كانت مهره تتابعها وابتسمت وهي تتسائل باهتمام


= انتٍ متجوزه قصدي عندك ولاد شكلك بتعرفي تتعاملي معاهم اصل انا لسه بتدرب وجديده في الموضوع


لمعت فريدة عيناها بقوة بانكسار، وأخرجت تنهيدة متعبة من صدرها تحمل الكثير، لن تنتهي معاناتها أبدًا، لن يشعر بأوجاعها أحد، تنهدت مرة أخرى لترد بعدها بنبرة ثابتة زائفة


= انا يعتبر ربيت ولاد اختي، لما كانت بتولد كانت بتيجي عندنا كام شهر وكنت بعرف اتعامل معاهم وماما علمتني .. قالتلي انتٍ على وش جواز اصل كنت مخطوبه وقتها وماما قالتلي كام شهر وهتخلفي زيها فخدي فكره واتعلمي من دلوقتي .


هزت رأسها بالإيجاب مرددة بإبتسامة صغيرة


= على كده بقى عندك اولاد دلوقتي و بتعرفي تتعاملي معاهم مش كده، ربنا يخليهملك


إزداد ضيق فريدة وهي تستمع إلى سؤالها الموجعة بالنسبه لها، فقالت بنبرة شبه مريرة


= تعرفي أختي كانت مرحبه اوي بموضوع اني اتعلم في عيالها وانا كنت عيله صغيره هبله 

ومش فاهمه انها لما بتصدق حد يشيل عيالها عنها شويه عشان ترتاح من زنهم ، هم برده العيال متعبين في اول شهور وبتكوني نفسك تاخدي راحي وتفصلي من الزن شويه، بس كل يهون عشانهم وانك تشوفيهم قد ايه بيكبروا قدامك وحياتهم احسن منك 


نظرت لها مهرة وهي تقول بإبتسامة عريضة


= انتٍ هتقولي لي، هو انتٍ ولادك عندهم قد ايه


وضعت فريدة يدها على ظهر فرحه وبدأت تداعب وجنتيها بلطف مغدقة عليها بقبلات صغيرة وهي تجيب عليها بنبرة حزينة بصعوبة بالغة


= المفروض كان هيبقى عنده حوالي سنه ونص كده .. و هو ولد! انا فاكره كويس الدكتوره قالتلي في المستشفى انه ولد! 


عقدت مهرة حاجبيها بتعجب وعدم فهم بينما إرتجفت فريدة شفتيها بشدة ودبت قشعريرة قوية في جسدها وشحب لون بشرتها بطريقة ملفتة وخفق صدرها صعوداً وهبوطاً بإضطراب ملحوظ عندما بدأت تتذكر تلك اللحظات عندما هجم عليها حسام وضربها بطريقه مهينه و عنيفه للغاية حتى مات طفلها بالاخير، لتكمل وهي تبتسم بألم


= وكنت هسميه آآ سعد يمكن ساعتها كنت بفكر بنفس النظريه بتاعتك عشان يكون لي نصيب من اسمه في الدنيا .. بس ده كان اسم جدي برضه هو كان حنين معايا أوي .. عشان كده بحب الاسم ده و كان قريب لقلبي ! بس اهو مات من قبل ما يشوف الدنيا ولا الحق اسميه حتى .


خفق قلب مهرة بقلق بالغ عليها بعد أن رأتها بتلك الحالة الحزينه المسيطرة عليها فاقترب منها بخطوات حذرة وهي تقول بنبرة تعاطف 


= انا اسفه ما كنتش أعرف ، ربنا يرحمة .


كان شريط حياتها في تلك اللحظه يمر عليها ببطء وبثقل يهلك القلوب قبل العقول، رغمًا عنها خرج أنينًا من جوفها شاعرة بوخزات قاسية تعتصر فؤادها، أجهشت بالبكاء سريعًا، كورت يدها ضاغطة على أصابعها بقوة وهي تتذكر طفلها التي لم تري ملامحه! و تحدثت هي الأخري بأسى 


= ربنا يرحمه، انا ما لحقتش اشوفة ولا احفظ شكله بس متاكده اني هشوفه في يوم .. يوم موتي أن شاء الله في الأخري .


ساد الصمت بينهما بعد ذلك! لم يدري أي منهم لمن يجب ان تكون المواساة لنفسهم أم بعضهم البعض بسبب هذه المعاناة.


نظرت فريدة إلى تلك مهرة الصغيرة التي لا تعرفها ولا تعرف حتى اسمها؟ لكنها تشعر بألمها الواضح على ملامحها وأنها هي أيضا تعاني من ظلم واضح ومن أقاربها ، مثلما حدث معها؟ بالإضافة إلى أنها تراها في دار الحق وحدها! بدون مساندة أو دعم من شخص ما ، مثل عائلتها، لتعرف هنا أنها لم تكن الوحيدة التي تعاني من تلك الحياة ، لأن تلك النظرات كانت مشابهة لمظهرها عندما تخلى عنها الجميع بين لحظة و أخرى.


فأحيانا تشعر وكأنها عالقة تحت الأنقاض أكثر من ايام وليالي وشهور ، رغم ذلك أنها حاولت التخلص من أكوام الركام و الحطام فوقها لكن هيهاته كمن يحرك جبلا .


اعتدلت مهرة تستند ظهرها للخلف، تستمع إلى دقـات قلبها الهادئة و تراقب حركه المارئين أمامها وهي شاردة في ذكريات ماضيها و أحلام طفولتها المنتهكة، ثم كفكفت عبراتها بظهر كفيها، وتحركت فريدة الاخرى جانبها فوق المقعد وارجعت ظهرها للخلف تتطلع للفراغ بصمت وهي تحمل "الصغيرة" علي حجرها بقاعه المحكمه .


وبدأت هي أيضا تتذكر ماضيها، بعد أن أغتال حسام شرفها و تزوجت به لأجل اعطائه فرصه اخرى لكنه عملها كحثالة وافقدها طفلها وحرمها من الأمومة بأكملها .


لتنظر فريدة بطرف عينها لها مع ابتسامه مريرة تحدثها مع نفسها، مضحك حالنا أقسم أننا نصلح لمسلسل تلفزيوني أو قصة في جريدة، يا لنا من بائسين في مجتمع ضاعت في الحقوق !. 


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة