رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 46 - 2
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل السادس والأربعون
الجزء الثاني
❈-❈-❈
الفتور الذي يسود العلاقة بين الزوجين، غالبًا ما يكون راجعًا لإهمال أحد الطرفين للآخر، مما ينتج عنه انطفاء جذوة المشاعر، ويقل التفاهم، حتى أن الانسجام الذي يميز العلاقة السوية المكللة بالحب، يبدأ في الاختفاء بشكل تدريجي، حتى يصبح بين الاثنين جاحز يشبه السد بين كليهما، وحتى يتم إزالته ينبغي أن يعتذر الطرف المخطيء في حق شريكة له، ومن هنا يبدأ عتاب الأحبة، الذي يذيب الخلافات شيئًا فشيء. على الرغم من أن خطأ "رفيف" الأكبر، إلا أن "جاسم" كان الأسبق في الاعتذارً لها، بالأخص عندما جالس نفسه، وأدرك خطأه، في إخفاء حقيقة ما حدث تلك الليلة، خلال لقاء "عاصم" بحبيبته السابقة.
وظن حينها أن العلاقة ستعود إلى سابق عهدها، ببعض كلمات معاتبة، وأخرى معتذرة ونادمة، إلا أنه لم يجد ما تخيله من ناحيتها، تقبلت اعتذاره بهدوء، ولم تفتح مجالًا للحديث بينهما، مما زاد من الفجوة بينهما، خاصة عنده، فقد شعر أن ابتعادها عنه متعمد، حتى راوده شك حيال انتقاص حبها له، مما جعل كرامته تزأر بداخله، وأخذ يتعامل بنفس الطريقة المتجاهلة، نائمين على ذات السرير، إلا أنهما يبتعدان آلاف الأميال عن بعضهما البعض.
ولكن عندما انتابه شعور قابض باحتمالية فقدها، حين أتاه خبر الحادث الذي تعرضت له في سيارة صديقتها، ضرب بكل شيء بينهما عرض الحائط، وهرول إليها دون تفكير مسبق، وبعدما هدأ خوفه، واطمأن على سلامتها، عاد إلى جموده، ولم يتحدث معها طوال طريق عودتهم إلى البيت، حتى أنه لم يحاول التودد لها خلال الليل، وعندما تدثر في الفراش، تظاهر بنومه، متجاهلًا إياها، كما فعلت هي لمرات عديدة، بالرغم من أنه كان متأكدًا من عدم نومها، ورغبتها في الحديث إليها، حتى أنه شعر بوضعها ليدها على ذراعه، وهي مولٍ لها ظهره، ولكنها أبعدتها حينها ظنت أنه قد خلد للنوم.
ظلت مستيقظة لم يجافِها النوم، وعينيها تعلوه الحزن، خاصة بعد ذلك التجاهل من ناحيته، فقد توقعت أن تنعم بدفء أحضانه، ليهون عليها ما جابهته اليوم من خوف بالغ، تآكل بكل خلية بجسدها أثناء هجوم تلك السيارة، ولكنه خيب ظنها، وانطوى بطرف الفراش موليًا ظهره لها، ولكن ذلك الجفاء الغريب مؤكدًا له أسبابه، فهو يستحيل أن يقصيها عنه، إلا إذا كان حزينًا من شيء بدر منها، ومن هنا بدأت تدرك إهمالها له طوال الفترة الماضية، الذي نتج عنه تغيره المريب معها، على ما يبدو أنها قد لاحظت لتوها تبدل حاله الذي كان ملحوظًا بالفعل، ولكن لاهتمامها بأمور عدة عداه هو، لم تلحظ ذلك قبل الحين، وخوفها يكمن الآن أن تكون ملاحظتها تلك قد أتت متأخرًة.
صباح اليوم التالي، كان يوافق عطلتهما الأسبوعية، نهضت عن الفراش، وأخذت خطواتها المتكاسلة نحو المرحاض الملحق بغرفتهما، وقبل أن تطرق عليه، لتستفسر عن وجوده بالداخل، فُتح الباب، وظهر من خلفه، يحيط خصره بمنشفة قطنية، تخطاها إلى الخارج، وهو يجفف رأسه بمنشفة أخرى صغيرة، دون أن ينبس بكلمة، مما أيقنت أن مصالحته ستكون شاقة، زفرت نفسًا منزعجًا، ودلفت إلى الداخل، حتى تقوم بروتينها الصباحي من الاغتسال.
بعد انتهائه، خرجت في هيئة مماثلة له، عدا أن المنشفة تحيطها من عندة منطقة الصدر، لم تجده في الجزء المخصص للثياب، كغرفة صغيرة مقابلة للحمام، ولكنها قبل أن تتوجه إليه، لمحته واقفًا في الشرفة، بعدما قد ارتدى طاقم رياضي، مكون من بنطال قطني أسود، وتيشرت له نفس الخامة واللون، لم تأخذ كثير من الوقت خلال ارتداء ثيابها، التي كانت مكونة من بنطال ذي أرجل متسعة، وبلوزة قطنية ذات حملات رفيعة، تظهر نحرها وجزء من ظهرها. أرادت أن تأخذ خطوة في إزالة ذلك الحاجز الخانق بينهما، تقدمت منه بخطوات خفيفة كالريشة، تضم شفتيها المتبسمة، وعلى حين غرة حاوطت جسده من الخلف، وقالت له باشياق جم:
-وحشتني.
لم يتفاجأ من فعلته، فقد كان شاعرًا بخطواتها، ولكنه لم يظهر غير قناع الجموع، أزال يديها عنه، وظل موجهًا عينيه إلى اللا شيء أمامه، حينها اختفت البسمة من على وجهها، ولاح بدلًا منها الندم، وضعت يدها على ظهر كفه الموضوع فوق السور، واعتذرت منه بأسف حقيقي:
-أنا آسفة.
بغير أن ينظر لها، سألها وهو على نفس الشاكلة الجامدة:
-على إيه؟
وهي مثبتة نظراتها على جانب وجهه المشدود، قالت برفق آملة أن يلين وينظر إليها:
-على كل حاجة عملتها الفترة اللي فاتت.
لم يتأثر محياه باعتذاها، الذي رآه متأخرًا، وليس قادرًا على رأب الصدع، الذي أصاب قلبه، وهتف باقتضاب:
-عادي يا رفيف محصلش حاجة.
أزعجتها عبارته التي لا توحي بعودة الأمور إلى سابق عهدها بينهما، لذا قررت ان تبدي ندمها بشكل أكبر، قربت يدها من وجنته، تتلمسه بحب غير مشكوك به، وكادت تتكلم، إلا أنه استوقفها عندما أنزل يدها عن وجهه، حينها توسعت عينيها بصدمة من فعلته، وسألته بغير تصديق لتضخم الأمر داخله إلى ذلك الحد:
-انت زعلان مني أوي كده؟
كان حزينًا منها للحد الذي جعله عاجزًا عن فتح بابًا للعتاب، صمته أقلقها، وعدم النظر إلى وجهها أرابها، وما زاد من مخاوفها، هو استدارته ليدلف دون أن يجيبها، وقتئذ منعته من التحرك، ممسكة بيده، ورجته بخوف:
-بلاش الأسلوب ده يا جاسم، انت كده بتخوفني.
كأنه يأبى النظر إليها، خوفًا من ضعف قلبه، ورد تلك المرة وهو ما يزال غير ناظر إلى وجهها:
-لو مزعلتش منك يبقى مبحبكيش، خافي بجد لو عديت من غير زعل.
تحركت للوقف في مواجهته، لتجبره على النظر لها، وهتفت تسترضيه بتوسلٍ:
-متزعلش مني عشان خاطري، أنا عارفة إني أهملتك الفترة اللي فاتت، ومفيش مبرر هقوله، لإن انت ليك الحق تزعل مني عشان المفروض إن ليك الأولوية في حياتي.
وجه بصره لها في ذلك الوقت، تمنت لوهلة ألا تبصر تلك النظرة اللائمة، وبصوته الذي ما يزال متجهمًا عقب:
-كان المفروض، بس انتي قررتي تدي الأولوية دي لكل اللي في حياتك معادايا أنا.
لم ينتظر منها تعليق معتذر، وأفصح عن حزنه بقوله الذي خرج منفعلًا:
-عارفة وانتي بتروحي هنا وهنا وبتهتمي بده ودي، ومقسمة نفسك ووقتك لمليون حاجة غيري، كنت أنا واقف مكاني وقتها مش بعمل حاجة، غير اني مستني يجي الدور عليا، حتى لو هكون آخر واحد..
زاد الشجن في نبرته وهو يضيف:
-هزعل آه شوية، بس في الآخر هترضى بإنك افتكرتيني، لكن اللي وجعني بجد إني مكنتش بلاقيكي، ولا حتى حاسة بأي حاجة جوايا، ولا حاسة باحتياجي ليكي.
أدمعت عيناها من إدراكها لكم الخطأ، الذي ارتكبته في حقه دون أن تقصد، والذي نتج عنه ذلك الوجع الكائن في قلبه، وينبثق بقوة من عينيه، بينما أكمل هو بإطناب، كأنه يفرغ التراكمات الجاثمة على روحه، مزيدًا من إحساسها بالذنب:
-يمكن كل يوم كنا بنام جنب بعض على نفس السرير، لكن كنا بُعاد أوي يا رفيف، خلقتي بينا حاجز من العدم وفضلتي تبني فيه، وانتي بتحاولي تصلحي حياة صاحبتك كنتي بتبوظي حياتنا.
انهمرت دموعها وهي تسمع لكلمات المشبعة بكل ذلك الألم الذي تسببت به، وأردفت بصوت منتحب، مليء بالندم:
-انا زي سببتلك كل الوجع ده من غير ماحس؟ بجد مكانش قصدي، سامحني يا حبيبي.
دنت منه وعانقته بقوة، لتظهر له اشتياقها، وانتظرت لبعض الوقت أن يبادلها العناق، ولكنه كان ثابتًا كالجماد، حينئذ قررت أن تعرب عن ندمها بطريقة أخرى، علها تأتي بنتائجها، ويصفح هو عنها، رفعت وجهها له، وراحت تلثم وجهه لثمات متفرقة، ومعتذرة، تفقه من لمساتها أنها تحاول جذبه إلى علاقة حميمة، لتنهي بها ذلك الخلاف، مما جعله يشعر بالضيق من تفكيرها، الذي جعلها تظن أن هذا فقط ما ينقصه في علاقتهما، وأبعدها عنه بغتة ليفصل قبلة كانت قد بدأت بها، وهتف بها برفض صريح:
-مش هقدر يا رفيف.
ارتفع حاجبيها بتفاجؤ من رفضه لقربها، وكادت تتحدث له، إلا أنه حال دون ذلك عندما أضاف بعبوس:
-أنا مش عايز يكون ده اللي بينا، وصدقيني لو اتعاملت عادي هكون بمثل عليكي.
تعقدت قسماتها وسألته بأسى:
-يعني هتفضل باعد نفسك عني بالشكل ده؟
تنفس مطولًا، وبعدما زفر زفرةً ظاهر بها حزنه، أخبرها:
-اديني وقت أصفى من ناحيتك، لإن اللي أنا حاسه جوايا مش هيروح من مجرد اعتذار.
ترك لها الشرفة، ودلف إلى الداخل، وحتى يقطع نهائيًا الحديث في ذلك الوقت غادر الغرفة كلها، باقية هي محلها، تحرقها نيران الندم، ويخنقها تأنيب الضمير، من تسببها في وضع حاجز بينهما، يحتاج إلى مجهود كبير لهدمه، إن لم يكن من الصعب.
❈-❈-❈
أشد أنواع الظلم الذي يقع على أحدهم، هو اتهامه بما لم يفعل. تعذر عليه النوم مع الاختناق الذي يشعر به في صدره، حتى تنفسه شاق عليه، أبعد الغطاء عنه وهو يزفر بضيق، وفتح عينيه بعد محاولاته الفاشلة في استحضار النوم، وارتكز ببصره في سقف الغرفة، تفكيره المنهك لم يكف للحظة عن استعادة كل ما قالته، بذلك الهجوم القاسي، الذي أعجزه للحظة عن الرد، والدفاع عن نفسه، خاصة مع تطاوله عليها بصفعة على وجهه، ولكنه سريعًا ما تدارك صمته، عندما تطرقت إلى سيرة تلك البغيضة، واتهامها مبهم التفاصيل، الذي يشير إلى سرده تفاصيل تخصها لحبيبته السابقة، وتساءل على الفور باستغراب غير مبتذل:
-انتي بتتكلمي عن إيه بالظبط؟ أنا متكلمتش عنك في حاجة لمي.
رأت أن عدم علمه مراوغة منه لصرف الاتهام عنه، ولكنها تلك المرة لن تصدقه، فتلك المرة ما علمته مدموغًا بالدليل على خيانته، فكيف ليس له علاقة بها، وبكل دناءة حكى لها عن تفاصيل علاقتهما؟ وكيف يحكي لها من الأساس؟ اشتد وجهها وازدادت نظراتها غضبها، وقابلت ادعائه بعصبية شديدة، مكذبة إياه:
-بطل بقى كدب، انا معدتش بصدقك.
مع تصميمها على تكذيبه، ككل مرة يبدي فيها براءته من أي اتهام تنسبه له، هدر منفعلًا:
-أنا مبكدبش يا داليا، وكفاية بقى.
ناظرته بذهول مما رأته تبجح منه، وهتفت بصوت لم يقل علوه:
-أنا اللي كفاية؟ أنا اللي كل ما بتحاول تديلي فرصة بتكتشف إني مستحقهاش؟
زادته عبارتها انفعالًا، وباستجان على ما توحي إليه راح يسألها:
-إيه اللي أنا عملته أو إيه اللي شوفتيه مني طول الفترة اللي فاتت يخليكي شايفة إني مستحقش أي فرصة بتديهاني؟
بنبره تماثله خاصته استهجانًا، سألته:
-خيانتك مش كفاية؟
تشنج وجهه، وسائر عضلات جسده وهو يصيح:
-قلتلك مية مرة مخنتكيش، انتي ليه مش عايزه تفهمي ده؟
ارتفع صوتها على الأخير وهي تخبره:
-وإنك تتكلم عن علاقتنا اللي قبل الجواز مع الزبالة اللي كنت بتحبها، ده بالنسبالك مش خيانة؟
اتسعت عيناه بنظرة مصدومة، وعلى الفور سألها:
-انتي بتقولي إيه؟ أنتي مين اللي قالك الكلام ده؟
لم تصدق الصدمة التي لاحت معالمها على وجهه، بل اعتلى التهكم محياها مما اعتبرته محاولة فاشلة منه في نفي الشكوك عنه وهي تجيبه:
-ده على أساس إن مش واضح مين اللي قالي.
لعن بداخله تلك الساقطة، التي تحاول بشتى الطرق التفرقة بينهما، وبعدما لفظ نفسًا سريعًا، يحاول من خلاله ضبط أعصابه، هتف بهدوء ليمتص ثورتها:
-داليا اهدي واسمعيني، أنا..
قاطعته مرددة بصياح شديد:
-أنا مش هسمعك في حاجة تاني..
توقفت عمدًا حتى تقترب بوجهها الذي تخضب بحمرة الغضب، وتابعت بندم:
-بس انت عارف، مش انت الغلطان، أنا الغلطانة إني من البداية بعت نفسي وكل حياتي واشتريتك انت، مكانش لازم اضحي بشرفي عشان واحد زيك.
ضم فمه في كبت لأعصابه، يتابع في صمت سيل كلماتها المحقرة، واتهاماتها المجحفة التي تدمدم بها:
-واحد زيك عديم الشرف، استحل شرف بنت خالته ودلوقتي بيتكلم في عرضها وهي مراته، بيسوء سمعة الست اللي شايله اسمه وأم ولاده، انت بني آدم قذر يا عاصم، قذر.
بعد آخر قولها، امتدت يدها باهتياج نحو إبرة المحلول الملتصقة بشريط لاصق في يديها، وراخت تنتزعها بغل بالغ، حينها برق بعينيه خوفًا من أن تؤذي نفسها، وسارع ممسكًا بيدها ليستوقفها عما تفعله، وهتف بها:
-إيه اللي انتي بتعمليه ده انتي اتجننتي؟
لم تتوقف واستمرت فيما تفعله، على الرغم من جرحها ليدها، ولكن قبضه على يدها كان محكمًا، مما ضاعف من عصبيتها، لذلك دفعته في صدرها بيدها الأخر، صائحة في احتجاج:
-ملكش دعوة بيا.
نتيجةً لدفعتها له، خفت حدة قبضته على يدها، حتى استطاعت إزالة الأبرة، ولكن الدماء راحت تنساب في ذات الوقت من موضع انغرازها، حيئذ لم يقدر "عاصم" على التحكم في أعصابها، مع ذلك الضغط الشديدمن ناحيتها، وأمسك بالحامل الحديدي التي تعلق به العبوة التي توضع بها المحلول، وألقاه بكامل عزمه أرضًا، ثم صرخ بها بنبرة متعبة:
-بطلي بقى يا داليا أنا تعبت.
ارتجف جسدها رغمًا عنها من صوت ارتطامه بالأرض، وما جعلها تجفل للحظة صوته الهادر:
-انتي ليه كل حاجة تسمعيها تصديقها عليا؟ من غير حتى ماتسمعيني.
أحمرت حدقتيه من شدة غضبه الذي كان مكبوتًا طوال وصلة تعنيفها له على خطأ لم يقترفه، وتابع لائمًا بنفس الصوت الهادر:
-ليه بتحكمي عليا بالخيانة والكدب وإني أسوأ واحد في الدنيا، من غير ماتديلي فرصة أبرأ نفسي من اتهاماتك ليا؟
أمسك بها من جانبي ذراعها، واكمل بحرقة:
-سهل جدا تصدقي كلام واحدة عايزه تجيب نهاية اللي بينا بكل الطرق، لكن صعب تصدقي جوزك أبو ولادك!
أغرورقت عيناها بالدموع، وقد أنهكت قواها في تحمل المزيد، شعر بها بين يديه ترتجف، حينها حفت حدة صوتها وهو يعاتبها:
-إيه الصعب في إنك تسمعيني يا داليا؟ إيه الصعب في إنك تصدقيني ولو مرة واحدة؟
انبجس البؤس من نظراته وهو يسألها:
-للدرجادي بقيت شيطان في نظرك؟ للدرجادي بقيتي شيفاني واحد (...) بيتكلم في شرف مراته ويسوء في سمعتها مع واحدة أنا رميتها من حياتي عشانك؟
انسابت دموعها وعقلها لم يعد قادرًا على تمييز الحقيقة من الكذب، في حين هو حدثها مستنكرًا غبائها:
-انتي للدرجادي مفيش عندك عقل! للدرجادي سهل أي حد يضحك عليكي بكلمتين وينجح إنه يوقع بينا! وبدل ماتبقي واثقة في حبي ليكي، تهاجميني وتتهميني اتهامات باطلة.
خارت قدميها حتى شعرت بأنها قاربت على السقوط، ولكنه كان محكمًا الإمساك بها، وعندما استشعر هو ذلك، أجلسها على طرف الفراش، وسكت لوهلة يتابع حركة يدها الضاغطة على جبينها، وكأنها تحاول استعادة اتزانها، ازدادت أنفاسه بصورة غير طبيعية، وكبح نفسه قدر المستطاع عن إضافة المزيد، ولكنه لا يضمن نفسه إن بقى محله في مواجهتها، لهذا قال لها بصوت كافح حتى خرج خفيضًا نسبيًا، ولكنه لا يخلو من الانفعال:
-انتي تعبانة دلوقتي وانا مش هتكلم معاكي في حاجة، ومش هحاسبك على مد إيدك عليا للمرة التانية، لإني ياما عملت فيكي وياما شوفتي مني، وفي كل الأحوال ده سهل إني اعديه.
رفعت عينيها له في نفس اللحظة التي أخفض جذعه ناحيتها، وتابع بغير تساهل بالقرب من وجهها:
-لكن اللي مش هعديه المرادي بجد هو طلب الطلاق اللي كل شوية على لسانك كأنه هو ده الحل الوحيد لمشاكلنا، أو بيه هتلاقي راحة مش لقياها وانتي على ذمتي.
فاق من شروده على صوت رنين هاتفه، حول وجهه نحو موضعه، وامتدت يده على الفور ملتقطًا إياه من جواره، فقد خشى أن يكون أصاب أي من زوحته أو أحد طفليه مكروهًا، ولكنه عندما أبصر الاسم المدون ظاهرًا على شاشته، حتى خبا قلقه، فقد كانت العاملة، التي زرعها في بيت "توفيق"، ارتفع بجسده حتى أصبح جالسًا نصف جلسةً، استند بظهره على عارضو الفراش، وضغط بإبهامه على شاشته مستقبلًا المكالمة، ورد بنبرة خاملة بعض الشيء:
-ايوه.
أتاه صوته المنخفض كالعادة ليعلم منه أنها ما تزال بداخل فيلته:
-ازي سعادتك يا عاصم بيه؟
رد عليها بعد زفرة سريعة بصوته الفاتر:
-كويس، في حاجة عايزه تبلغيني بيها؟
أكدت له مرددة:
-أيوه فيه، حاجة عرفتها بقالي فترة، ورنيت على حضرتك كتير عشان اعرفك، بس مكنتش بترد عليا.
استرعى اهتمامه معرفة ما لديها، وقال لها:
-كان عندي شوية مشاغل، أنا فاضي دلوقتي، اتكلمي.
بعد صمت دام لعدة لحظات أخبرته:
-أنا عرفت اسم الشخص اللي كنت شوفته في الفيلا عند سعادتك.
تنبهت مداركه إلى ما أخبرته به مسبقًا، وظهر الترقب في عينيه، وسألها باستشفاف:
-اللي بينه وبين توفيق مقابلات من اللي بيعملها في الفيلا عنده.
أجباته مؤكدة:
-ايوه يا بيه.
على الفور سألها:
-اسمه إيه؟ قولي.
بصوت كان أخفض عن السابق رددت:
-اسم كرم الزيني.
برقت عيناه عندما نفذ اسمه عبر أذنه، واستقام في جلسته والصدمة جلية على وجهه، حتى أنه لم يعطِ لباقي كلماتها النافذ عبر سمعه اهتمامًا، وكان كأنه يتردد من على بُعد:
-خطب بنته من فترة، ووقتها بس عرفت اسمه.. عاصم بيه انت معايا؟
تساءلت بالأخير عندما لم تجد منه رد، وفي نفس اللحظة هتفت بلهوجة:
-أنا مضطرية اقفل دلوقتي عشان في صوت حد برا، تؤمرني بحاجة تانية يا عاصم بيه؟
أنزل الهاتف عن أذنه، ولا يسعه تصديق أن الخائن المستتر، هو نفسه من ائمتمنه على ماله، ومن هنا بدأ يربط خيانته، بسقوط المجمعي السكني الذي قد شيده، وتسبب في خسارات مهولة، لم تقتصر فقط على المال، وإنما امتدت أيضًا لسمعة شركاته، وفي تلك اللحظة راح سؤال واحد يدور في رأسه، لمَ أقبل على خيانته وهم لم يرَ أي سوء منه؟