رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 6
قراءة رواية نزيلة المصحة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نزيلة المصحة
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل السادس
دلف الطبيب حمزه الى حجره ود، واسرعت عيناه تتفقدها،، وهاهم وجداها تجلس جلستها المعتادة علي فراشها،، تنظر من نافذتها،
فتقدم اليها ووقف امامها لثوانٍ كانت كفيلة ان تجعل ود تنتبه له وتطالعه بنظرة سريعه، ثم تعود مجددا لعالمها الخاص قبل ان يغلق ابواه عليها وهي خارجه..
تحرك الطبيب حمزه الي المنضدة، فوضع عليها حقيبته، ثم فتحها واخرج منها الدفتر.. وفتحه علي اللوحة. التي رسمها لود.. ثم اخذه وتقدم به نحو ود،
وترك الدفتر بجوارها ولكن بعيداً بعض الشيء، وذهب للنافذه ليسد عنها طاقتها للمرور الي عالمها الآخر لكي تبقي معه قليلاً،، فتمطأ ثم عقد ذراعيه خلف رقبته ووقف يطالع الحديقه، اوهذا مايظنه من يراه،
لكنه فالحقيقه كان منتبهاً بجميع حواسه مع تلك العنيده الصامته، التي تأبي الخروج من قوقعتها،
مراقبا لها من خلال انعكاس صورتها فوق زجاج النافذه..
وهاهي ابتسامة تتسلل لشفتيه بطيئاً وهو يطالعها ،
ابتسامة منتصره وهو يراها ترتفع بهامتها وتنظر لدفتر الرسم، وبمجرد ان وقعت عينيها على ما به، حتي توسعت عيناها، ومالت بجسدها للامام اكثر ليتثنى لها الرؤيه جيدا وبوضوح،،
وماان فعلت ذلك حتى انفرج ثغرها عن ابتسامة ساحره لاول مره يراها الطبيب منذ اليوم الذي اتت فيه الي المشفي،،
فتوسعت ابتسامته هو الاخر انتصارا،، وفرحاً بنجاح اولى خطواته لهدم حصون خوفها، واختراق قوقعة الصمت التى سُجنت بداخلها طويلا ..
❈-❈-❈
تحرك تاركاً النافذه، متقدماً اليها حتي وقف امامها وهمس لها سائلاً :عجبتك؟
لم تنظر اليه ولم تجبه واستمرت في النظر للوحه ...
فأكمل :خلاص لو معجبتكيش هاخدها..
ومد يده ليأخذ الدفتر من جوارها، ولكن يدها كانت اسرع الي الدفتر من خاصته، فخطفته وقامت بضمه الي صدرها بتملك، وهي تنظر له بترجي خائفة ان يأخذها منها، فرد الطبيب حمزة على خوفها مطمئناً:
ما تخافيش مش هاخدها هتبقي بتاعتك وما حدش هياخذها منك،، انا راسمهالك انتِ مخصوص، بس لو هتاخذيها انا لي شرط،
انك تطلبي بنفسك انك تحتفظي بيها، وحاجه ثانيه كمان تشربي معايا فنجان قهوه انا عاملهولك بأيدي..
تم تجبه وعلم ان شرطه الاول تم رفضه،، ولكنه سيحاول معها في الشرط الثاني،، فذهب في اتجاه حقيبته على اى حاله،، فتحها واخرج منها قدحا القهوة. ،، ووضعهم على الطاولة، ثم اخرج المج وفتحه وملأ منه القدحين واغلقه مرة اخري، واعادة الي الحقيبه،،
ثم حمل قدحاً من الاثنين وقربه من انفه، واخذ نفساً عميقاً كانه قبلة الحياة،، فاغمض عيناه بعدها وابتسم بإنتشاء، ثم فتح عيناه ببطئ كمدمن أخذ للتو جرعته المعتادة من المخدر،
كل هذا كان يحدث تحت انظار ود المستغربه لما يفعله هذا الطبيب!! ويالَ المفارقة العجيبه فقد نعتته الان بالطبيب المعتوه في قرارة نفسها بعد أن رأت تصرفه هذا!!
ضحك حمزه ضحكة خفيفه وهو يري علامات التعجب علي وجهها وعرف بالتأكيد انها تتسائل ماذا يفعل ذلك المعتوة، فقد كانت هذه ردة فعل جميع من رأى او سمع عن عشقه للقهوة ممن حوله،،
حمل قدحه والقدح الآخر وتقدم نحوها، ومد اليها يده بخاصتها،،
لم تبدِ ود اية رد فعل وهي ناظرة ليده لكنه اجبرها علي التجاوب حين قال لها مهدداً :
ياإما تاخدي مني القهوة وتشربيها يأما هاخد منك الدفتر والرسمه.. هاه قولتي ايه؟
قالها ورفع حاجبه مهددا لها،
وهي بمجرد ان طالعت وجهه ورات التصميم علي ملامحه،،
مدت يدها بتردد واخذت منه فنجان القهوه،
فرقص قلب الطبيب حمزه فرحا، فها هي افروديت آلهه الجمال قد عادت اليها الحياه من جديد وتحركت،،
ابتعد الطبيب حمزه عنها، وجلس على المقعد امامها،،
وارتشف اول قطرات قهوته باستمتاع تام وهي تراقبه،، ثم اردف قائلا:
تعرفي ان القهوة دي اعظم اختراع فى الكون،، اعظم حتي من اختراع الكهربا،، عارفه ليه ياود؟ عشان الكهربا بتنور بيوتنا وشوارعنا لكن القهوة بتنور عقولنا وتسعد روحنا..
القهوة دي متعه لا تضاهيها متعه،، ريحتها،، قوامها،، طعمها،، لذتها،، الحالة. النفسيه الجميلة اللي بتدخلك فيها،، السحاب اللي بتطلعك لعنده وتفضلي هناك من اول شفطة لاخر شفطه، ومتنزليش غير مع انتهاء آخر قطره فالفنجان،، كل دي حاجات مفيش حاجه تقدر تعملها غير القهوة ،، بس القهوة.
كانت ود تسمع حديث الطبيب حمزه وهي تنظر الي القدح الذي بيدها متعجبة،، فهل هو بالفعل يصف هذا السائل الذي بيدها؟
ام يصف حبيبته متحججاً بانه يصف القهوة؟
فهى حقيقتاً لم تقابل طوال حياتها من يصف قدحاً من القهوة بهذا الوله،،
نعم صادفت من يهوي القهوة ويقدسها،، ولكن ابدا لم يكن الامر كما يقول ويفعل هذا الطبيب!!
ولكن،، رغم التعجب ورغم الغرابه التي كانت تشعر بها،،
الا ان كلامه عن القهوة قد خلق لديها شغفاً وفضولاً ان تختبر هذا الاحساس الذي يصفه،، فربما تكون قهوته هي ماتختلف عن باقي القهوة؟
ورفعت القدح وارتشفت منه رشفة، ومن بعدها ضمت حاجباها بتعجب،
فما تذوقته لم يكن سوي قهوة!! مجرد قهوة عاديه! بل وتكاد تكون اقل من العاديه فهي تفتقر الى وجه القهوة الذيذ الذي يزيدها جمالاً،، وهنا تأكدت ان هذا الطبيب يعاني من خطباً ما.
فرح الطبيب حمزه لتجاوبها معه مرة اخري وأن حديثه قد ظهر تأثيرة عليها، فاستغل انشغالها بمطالعة قدح القهوة واردف لها بنبرة طبيب نفسي عميقة، تبعث الطمأنينة في النفس، وتجعل اعصاب من أمامه ترتخي غصباً :
ود انا عارفك مش تعبانه،، وعارف انك هربانه من ظلم اتظلمتيه،، واللي انا لسه ما اعرفوش لغاية دلوقتي ،
بس صدقيني لو عرفتيني ايه اللي حصلك، وايه اللي وصلك لكده، اوعدك هاساعدك وهاخليكي ترجعي احسن من الاول،،
وتتخطي اي ظروف وحشه قابلتك في حياتك بس انت ساعديني،، ساعديني وانا عارف انك قويه وهتقدري تتجاوزي اللي انتي فيه دا كله ولوحده..
اللي تقدر تعمل الكيان والاسم اللي انتي عملتيه دا وهي فالسن الصغير دا تبقي اكيد قويه... ومش بس قوية،، لأ وذكيه كمان،،
واظن ان عيب على وحده بذكائك انها تستسلم بالشكل دا ومتعرفش تاخد حقها من الدنيا ولا من الناس اللي وصلوها للحالة دي.. وغير القوة والذكاء..
انتي جميله ياود.. جميله جمال خاص.. جمال اللي تملكه لازم تكون اسعد وحده فالدنيا بيه وبسببه.. انتي جميله ككوب ساخن من افخر انواع القهوة..
نظرت اليه ود وقد ترقرق الدمع فى عينيها فقامت بوضع قدح القهوة جانباً، ثم عادت الي نافذتها مرة أخري،
وفي هذه الاثناء بدأت يداها اللتان تحملان الدفتر وتضمانه لصدرها بالتهدل شيئاً فشيئاً، الي ان سقطتا في حجرها،، فأيقن الطبيب حمزه انه ضغط على موضع الالم لديها تماماً..
❈-❈-❈
ومن هنا تيقن ان مشكلة ود ماهي الا انها جُرحت في انوثتها، وزُعزعت ثقتها في نفسها، لدرجة انها تستقبل كلمات الثناء والإطراء بلهفة وفرحة عارمه حتي وإن تُرجمت سعادتها لدموع ،،
ولكنها تشعرها انها لازالت على قيد الحياة...
فأكمل الطبيب حمزة حديثه سريعاً قبل ان تهرب منه كلياً الي عالمها الخاص ولا يستطيع اللحاق بها :
كلميني ياود عن حياتك... كلميني عن شغلك، عن بيتك، عن قطتك عن عصافيرك، عن الورود اللي انتي زارعاها،، انتظر لبرهة ليري ردة فعلها علي كلامه لكنه لم يجد،، فتنهد وحاول آخر محاولة قبل ان يعلن فشله : طيب كلميني عن كريمه،، كريمه ياود...
وهنا حان وقت إعلان الاستسلام،، فهذه المراوغه كانت أسرع مما تخيل وقامت في الإختباء داخل عالمها الخاص،، فأرخت جسدها علي الفراش ونامت وقامت بإغماض عينيها لتخبر الطبيب حمزه ان يصمت،، ولكن بطريقتها..
فتنهد الطبيب حمزه وهو يرتشف آخر قطرات قهوته،، ثم هب واقفاً بعد رفع رايات استسلامه امام هذه العنيده،، واستعد لإتمام باقي مهامه فالمشفي،،
فلم تكن ود الا البداية.. فغادر غرفتها تاركاً اياها غارقة في محيط ذكرياتها الأليمه،،
ولكنه ترك لها الدفتر، وقدح القهوة وكلماته المحفزة، لكي ينتشلاها من هناك ويحملوها علي العودة الي هذا العالم ،، فتدرك ان كل ماحدث ماهو الا ماضِ يجب ان تتخلص منه و الا يكون له وجود،، وانها تعاني من تبعاته ليس إلا ..
❈-❈-❈
اكمل الطبيب حمزه يومه بين مرضاه كالعاده ولكنه كان مشتت هذا اليوم،، فقد كان يخرج هاتفه تقريبا كل دقيقتين فينظر اليه ليتأكد انه لازال يعمل جيدا،، فيجده كذلك.. ويتعجب لم لم تتواصل معه كريمة مرة اخري؟ هي قام أحد بإذائها؟ ام انها متعبة منذ الامس ولم تستريح بالقدر الكافِ بعد؟
لم يستطع ان يجزم اى السببين ارجح،، ولكن، مع مرور ساعت النهار، وإنقضائها،، بدأ القلق يتسرب الي قلبه عليها،، فإن أسند الغياب لحجة التعب والراحه،، فقد مر الوقت الكافِ لزوال هذا السبب تماما،، فلم يكن امامه الا الإنتقال الي السبب الثاني.
اخرج هاتفه للمرة الاخيره وفتحه واخرج رقم كريمه وكاد يهاتفها، ولكنه تراجع في آخر لحظاته عن ذلك، خوفا من ان يتسبب لها في مشكلة ما..
انتهي الدوام وهاهو الطبيب حمزه يغادر مشفاه، عائداً الى بيته،، بعد أن القى نظرة اخيره على سنوايت،،
ولكن الاختلاف ان سنوايت الاخرى كانت نائمه،، اما هذه السنوايت فهي صامته،،
فتمني لو انه كان اميرا واستطاع إعادتها الي الحياة واخراجها من صمتها بقبله..
وصل حمزه الي منزله، ولم يلبث ان يجلس فوق اريكته بتعب، ليستريح من عناء الطريق،،
حتى إعتدل في جلسته سريعا وهو يسمع صوت هاتفه يغرد في جيبه،، فأخرجه ونظر لشاشته بلهفة،، ويال السعادة فقد وجد اسمها ظهر من العدم اخيراً علي هاتفه.. ام ود..
فرد متلهفاً :
ام ود.. قلقتيني عليكي كنتي فين كل دا؟ وغبتي ليه مطمنتنيش، دنا القلق اكل قلبي عليكي!
كريمه بنبرة صوت حنونه : سلامة قلبك يابني،، معلش اعذرني اصل كان عليا حجر من امبارح معرفتش اكلمك بسببه،، الست سعاد اخدت مني التليفون وفتشته،، وخلته معاها عشان تشوفني بكلم مين ومين بيكلمني،،
لانها شكت فخروجتي امبارح وخافت اكون رحت لود من وراهم ،،
والحمد لله انك ماأتصلتش ولا رنيت عليا والا كانت هتبقي مصيبه..واهو مدتهونيش غير من شويه لما اطمنت انه مفهوش حاجه ولا حد اتصل عليا
فأغمض الطبيب حمزه حامدا الله علي انه تراجع فاللحظات الاخيرة عن الاتصال بكريمه،، َوتيقن إن الله منعه لانه لم يرد بها شراً.
وأكملت السيده كريمه حديثها سائلة : طمني يابني ود عامله ايه النهاردة :
فأجابها الطبيب حمزه مطمئنا اياها : اطمني ياست كريمه ود بخير واحسن شويه من امبارح ،، والحمد لله النهارده لقيت منها استجابه ولو كانت مش كبيره، بس برضوا تعتبر تقدم كبير،، لكني محتاج سبب اقوي عشان اقدر ادخلها منه واحط ايدي علي جرحها بالظبط وأشوف مدي خطورته وابتدي فعلاجه فوراً..
كريمه : وانا هديك السبب النهارده يادكتور وهوصلك لسبب المشكله،، عندك وقت دلوقتي تسمعني؟
حمزه بلهفة : عندي كل الوقت،، اصلاً انا وقتي كله تحت امرك بس احكيلي،،
وهنا بدأت السيدة كريمه اكمال مابدأت فأردفت :
راحت سعاد لخالتها آخر النهار وفضلت هناك لحد الليل،، وفي الاثناء دي قاسم طلب مني اني الم كل حاجتها هي وحسام من الشقه لأنها مكملتش لمهم،،
وانا برغم خوفي من رد فعل سعاد علي حاجه زي دي، الا اني نفذت امر ابو ود من غير اعتراض..
ولميت باقي حاجتهم وحطيتهم فالصاله،، كل دا وحسام كان قاعد ساكت خالص،، ومن أول المشكله وهو ساكت،، ولا اتكلم ولا اعترض ولا حتي قال ليه،، مفيش اكتر من عنيه بتبص فكل زاويه فالشقه ويبص لود ولعمه قاسم كأنه بيقوله ليه ياعمي بتعمل كده! هو انا صدر مني أيه؟ لكنه فضل سؤال عين مااتنقلش للسان ابداً..
ورجعت سعاد واول مالقت حاجتها فالصاله بصتلها وبصتلي وابتسمت ابتسامه انا عرفت بيها انها مش هتعديلي دا ابدا،، ولا هتعديه لقاسم،،
وبالفعل تاني يوم اخدت حاجتها وابنها وراحت علي شقتهم من سكات ومن غير ولا كلمه.. والغريبه انها حافظت علي سكوتها وهدوئها دا حتي بعد ماراحت شقتها،،
❈-❈-❈
وابتدت الايام تعدي وقاسم بين هنا وهناك، وانا اطمنت علي بنتي ونفسيتي ارتاحت انا كمان،،
لكن للأسف الراحه مااستمرتش كتير،، عشان بدأت تظهر عليا اعراض تعب اول مره احس بيه،،
الم فمعدتي وفكل عضم جسمى وصداع وخنقه مستمره،، رحت لدكتور واتنين وبصراحه ابو ود مسابنيش ولا اهمل فيا، وأخدت علاجات كتير لكن مفيش فايده، واصلا كل دكتور اروحله يقولي معندكيش اي حاجه، ويديني اي نوع حبوب وخلاص لما افضل اقوله انا تعبانه اوي واشتكيله من حاجات لما يكشف عليها يلاقيها سليمه،، والوجع كل مادا بيزيد مابينقصش..
قعدت مع نفسي شويه اتأمل فحالي واللي جرالي،، وعرفت ساعتها علتي فين،، وعرفت انه اكيد حاجه من قذارة سعاد هي وخالتها،،
وجريت فوراً علي الشيوخ ورحت لشيخ واتنين وتلاته وبقيت اعمل كل اللي الشيوخ تقولي عليه، لغاية ماكرمني ربنا والعمل اللي الكل اكدلي انه معمولي اتفك وابتدا يروح اثره...
لكني كنت مخبيه دا، وكل ماييجي حسام عندنا البيت اعمل نفسي لسه تعبانه وبتألم ومش قادره اقوم من السرير.. وطبعا هي منعت من عندنا خالص مبقتش تيجي مفيش غيره هو بس اللي كان يجينا زياره من وقت للتاني،، ويجيبه عمه وياخده يرجعه بنفسه..
معداش كتير وزي اللي جرالي جرا اكتر منه لقاسم،،
لكن قاسم اللي جايله كان بترجيع واسهال اكرمكم الله،، ومفيش اي حاجه كانت بتقعد فبطنه خالص حتي لو صغيره،، جسمه فكام يوم نزل نزول رهيب وعنيه اتنقرت،، عرفت علي طول ان دي بركات ست سعاد وان قاسم طاله من الحب الجانب الاكبر،،
فضلت اقنع فيه كتير ان دا عمل ولازم يروح لشيخ يفكهوله،، لكن قاسم ابدا مكانش يؤمن بالحاجات دي، وفضل يقول عليها خرافات،،
حاولت اني اجيبله انا شيخ للبيت لكنه عمل معايا مشكله وقتها وزعل وطرد الشيخ،، الشيخ اللي اكدلي بعد مامشي انه معموله عمل فعلا ولازم يتعالج منه فأسرع وقت، لانه واضح انه عمل سفلي وقوي جدا كمان،،
فضلت احاول معاه واحاول واحاول وهو مفيش فايده،،
غلبت معاه وقلبي وقلب ود كانوا بيتقطعوا عليه واحنا شايفينه يوم عن يوم يدبل قدام عنينا ومش عارفين نعمل ايه او نتصرف اذاى،، وفي عنده ورفضه لاي تدخل من اي شيخ او راقي،،
والغريب بقي ان سعاد كانت تجيله تزوره هي وحسام وتقعد جمبه وتتكلم معاه وتهزر ولا كأنها عامله حاجه،، ولا كأنها شايفه جوزها والانسان اللي حماها وحافط عليها وعلي ابنها ومعزش عنهم اي حاجه بيموت قدامها وهي السبب وواقفه بتتفرج عليه بدم بارد..
ايام،، ايام بس كانت تمر كانت حالته تتدهور فيها كأنه تعبان بقاله سنين،، وهنا بقي سعاد لبست توب الاصل وجات تقعد جمب جوزها وتراعيه،،
وهو ياقلبي بطنه اتنفخت ومبقاش يقدر يتحرك،، ودكاتره داخله ودكاتره خارجه وكل دا من غير اي نتيجه،، وطبعا ست سعاد مقيمه عندنا فمقدرتش اتصرف واجيب شيخ، واستغل ان قاسم مبقاش يقدر يقاوم دلوقتي واعالجه غصب عنه ..
❈-❈-❈
لغاية مافيوم خرجت سعاد وراحت لخالتها هي وحسام، وانا استغليت الفرصه واتصلتله بشيخ وجاله البيت، وطبعا بعت ود عند وحده صحبتها مكنتش عايزاها تشوف اي حاجه،، عشان لو باباها تعب متتعبش قصاده ويبان عليها واول ماسعاد ترجع وتبصلها تعرف علي طول..
وصل الشيخ واول ماشاف حالة قاسم صابه الهم، وفضل يحوقل ويضرب كف علي كف ويحسبن فكل شخص مؤذي،،
قالي اننا للأسف اتأخرنا عليه جدا وان الامل في شفاه دلوقتي ضعيف،، لكن الامل في ربنا اكبر..
قرا عليه شويه وكل ماكان يقرا حالة قاسم كانت تسوء ومع هزال جسمه انا خفت عليه من التخبط اللي كان بيتخبطه،، والشيخ كمان اشفق عليه وسابه بعد شويه وقال كفايه عليه كده النهارده وهبقي اجيله مره تانيه..
لكن المره التانيه دي ياتري هتكون امتا والحيه مبتسيبهوش ليل ولا نهار ولا بتدي فرصه لحد انه يعمله حاجه..
خرج الشيخ من عند قاسم بس بعد مابصله بصه بشفقه اكدتلي ان قاسم خلاص امره بقي محسوم،، ومشي علي امل انه يرجعله مره تانيه،، لكن للأسف
❈-❈-❈
عدوا بعدها يومين و قاعدين الصبح نفطر انا وود وخرجتلنا وش الشوم من اوضة قاسم وهي بتصرخ وتبلغنا بأصعب خبر سمعناه فحياتنا،... قاسم مات..
قاسم مات مكنتش جمله او مجرد كلمه،، دى كانت نهاية لكل حاجه جميله فالدنيا،، نهاية للاخ والصاحب والاب،، نهاية للطيبه والاخلاق والشهامه والمروة،، نهايه للإنسانه.. ومات قاسم وانتهي عمره بسبب الخرافات اللي مكانش مصدق بيها..
وفضيت علينا الدنيا انا وود، اللي وصلت لقمة ضعفها وانهيارها بموت عزيز روحها وابوها ومصدر امانها وحمايتها،،
معداش كام اسبوع وبصينا انا وود لقينا حسام وسعاد داخلين علينا الشقه وجايبين كل حاجتهم،، وبمنتهي البجاحه سعاد قالت انها أجرت شقتها وهتعيش معانا على طول،،
وإن اللي عاجبه الوضع يفضل واللي مش عاجبه يتفضل،، دي شقة جوزها وليها ورث فيها وهي مش هتسيب حقها لحد..
وقعدت معانا هي وحسام رغماً عن انوفنا ،،
وطول الوقت كانت تبصلي بنظرة انتصار عشان ضيعت مني اللي كنت مستقويه بيه،،، ابتدت بعدها حياتنا تتحول لجحيم انا وود،، اوامر مستمره اعملوا دا ومتعملوش دا كأننا عبيد تحتها تحكم في كل كبيره وصغيرة،،كانت بتتجنن كل ماتشوفني بصلي انا وود او بنقرا قرآن،، كانت تلهينا وتمنعنا بأي عذر،، ولو شغلنا قرآن فالتلفزيون او الراديو تجري وتطفيه ودا خلاني حاسه طول الوقت ان البيت بقي مليان شياطين..
معاش ود من باباها كانت هي اللي بتقبضه وتاخده كله متصرفش عليها منه غير ملاليم،،
ودي بنت وففترة مراهقه ومحتاجه طلبات،، وفمدرسه ومحتاجه دروس وملازم ومصروف زي صاحباتها،، كنت بضطر اني ابيع من دهبي حته ورا حته،،
دهبي اللي كنت بشتريه من مرتبي اللي كان بيديهوني قاسم واحوشه بعد مامات ابويا، واجيب بيه كل فترة حتتة دهب لما اكمل تمنها،، وفضلت عالحال دا لغاية مادهبي كله خلص،،
وطبعا المُنَعم الوحيد بخير قاسم وفلوسه كان حسام،، اللي كان عايش عيشة الملوك، مصاريف، وخروجات، وهدوم وعزومات لاصحابه،، وكل دا من فلوس بنتي وابوها،،
حسام كان شخص مسالم عكس امه،، لكنه كان سلبي جدا،، ملهوش دعوه باي حاجه تحصل فالبيت،، من امه او من غيرها،، مكنش مهتم غير بطلباته وبس،، ومهما شاف ظلم من امه لينا انا وود مكنش يتدخل،،
ولا كأن اللي قدامه دول بنى آدمين بيتعذبوا،، ولا كأن دي بنت الراجل اللي مرضيش عليه هو وامه زمان انهم ينهانوا ويتذلوا،، وخلصهم ورخصلهم الغالي عشان عضم التربه،،
عضم التربه اللي هو وامه داسوه بالجزم،، هو بسكوته وهي بجبروتها.. لكن يلا هو فالاول وفالاخر ابن مين يعني!
وعدت الايام يوم يباعد يوم ووصلت ود لاولي جامعه.. ودخلت اعلام،، كانت فرحتي بيها متتقدرش عشان اجتهدت ونجحت ودخلت بمجهودها،، مش زي حسام نجح علي الحروكرك ودخل جامعه بفلوس،،
فالوقت دا انا وود كنا على فيض الكريم محيليتناش اي حاجه،،
ولا البنت اللي داخله الجامعه وفرحانه دي جابتلها لبس جديد ولا حاجه زي البنات تفرح بيها والحقيقه هي مطلبتش،،
لكن لما كانت ترجع من كليتها مهمومه ومدايقه كنت بفهمها وقلبي يتقطع عليها،، وقررت قرار عرفت اني ممكن اندم عليه لكن عشان مصلحة بنتي عملته،،
طلبت من ناس كبار فالمنطقه اللي احنا فيها انهم يتدخلوا لود ويكلموا مرات ابوها انها تديها قبضها من معاش ابوها،، كفايه بقي ظلم لغاية هنا...
وبالفعل قد كان والناس اتدخلت واتحكم ان ود تاخد معاش ابوها،، وبشق الانفس ومع تهديد الناس لسعاد بأنهم هياخدوا البنت ويروحوا يعملو فيها بلاغ لو موافقتش تديها مرتبها،، وافقت ورضخت وادتها معاشها،،
لكن فالمقابل اخدت منها راحتها،، مكانتش تخليها تقعد ثانيه او تذاكر الا وتطلعلها بحجه شكل وتبهدل وتمرمط فيها فالطالعه والنازله..
انا بصراحه مقدرتش اتحمل دا اكتر ولا ود حسيتها قادره تتحمل زياده،، فقررت اني هاخد ود ونبعد ونسيبلها الشقه ونتاجرلنا شقه صغيره علي ادنا نعيش فيها انا وبنتي لغاية ماربنا يعدلها وتكمل تعليمها،، وخصوصا ان معاشها كان كبير ماشاء الله ويغطي مصاريفنا والايجار..
لكن فين العَدَل بقي،، دي سمعت الكلام دا من هنا واتجننت،، وفضلت تشتم وتسب وتلعن، وخصوصا ان ود من ساعة قبض المعاش وهي اللي بتجيب منه اغلب طلبات البيت من اكل وشرب،، ماهي الست هتأكلنا من مرتبها يعني..
صممت علي رأيي قدامها وقلت خليها تهدد ونمشي ايه يعني اول ماهنبعد عنها مش هيكونلها اي سلطه علينا،،،
لكنها المرادي هددتني باللي مقدرش اتجاهله.. دخلت عليا اوضتي وكانت ود فالكليه وقفلت الباب وراها وقالتلي بالحرف الواحد :
حاولي تاخدي ود وتمشي من هنا وانا هندمك عليها زي ماندمتك علي ابوها،، عارفاكي عايزه تاخديها بعيد وتستفردي بيها وبفلوسها لوحدك،،
انما دا بعدك،، انا عارفه انك لا ليكي حد ولا معاكي حاجه، وعشان كده عايزه تأمني نفسك وتعمليلك حاجه للزمن،، ودا مش عيب وحقك،، لكن مش مني ومش علي قفايا،، ود هتفضل هنا ومرتبها هتصرف منه عالبيت اكل وشرب وكل طلباته،،
ياكده يالاهتكون فيه ود ولا مرتبها،، انا عارفه انك فاهمه انا اقصد ايه كويس،، وعارفه انك اتعالجتي وعرفتي انا عملت فيكي ايه بالظبط،، وكنت اقدر ارجعك للي كنتي فيه تاني واشد واقوي من الاول،، لكن انا مرضتش اعمل كده،،
عشان ببساطه مش انتي اللي كنتي السبب الاكبر فأذيتي وجرحي.. السبب كان اللي مكنتش اتوقع انه يقف قدامي فيوم ويعصالي امر ويعاندني فطلب،، واهو اخد جزاته علي اللي عمله،، اما انتي فشفت ان فحياتك عذاب اكتر من موتك،، البنى آدم لما يخسر كل حاجه كانت فأيده ويقف خالي الايدين يتحسر وقتها بس الشماته فيه بتشفي الغليل.. وانتي خسرتي ولسه هتخسري وانا بتفرج وبشمت،، وكل ماتحاولي تقفي قصادي خسارتك هتكون اكبر..
❈-❈-❈
صمتت قليلا لتلتقط انفاسها وصمت معها الطبيب حمزه كي يعطيها كل الوقت،، فقد تحدثت طويلا دون توقف حتي اصبحت الكلمات تغرق في فمها.. ثوانٍ سمع خلالها صوت البخاخ ثم نفسا عميقا تلته زفرة من كريمه قبل ان تردف مكملة :
انا سمعت كلامها وحطولي عقلي فكفي،، ياربي دي ممكن تموت ود بجد زي باباها وتنهي لبنتي حياتها اللي لسه مبدأتش..
خفت مش هكدب عليك وتراجعت عن قراري، وقولت هفضل عشان احافظ علي حياة بنتي،، وفالوقت دا وفكل وقت مكنتش بخلي ود تفوت فرض او تاخره وتلتزم بأذكارها صبح وليل عشان الذكر يحميها من كل شر..
وعدت الايام وود فجامعتها،، متغيرتش حاجه غير بس حسام،، اللي بقت عنيه هتاكل ود طول الوقت،، وخصوصا انك شفت بنفسك يادكتور جمال ود عامل ازاي،، علي العكس دي كانت اجمل من كده واضعاف جمالها دا،، بس اللي شافته خلاها دبلت كده وخسرت كتير من جمالها وحلاوة. روحها..
انا لاحظت دا وبقيت طول الوقت عيني عليها وعليه واحاول اني ابعدها عنه بكل طريقه ممكنه لدرجة اني كنت بخليها فالاوضه جمبي اغلب الوقت وطول ماهو قاعد متخرجش غير للحمام واروح معاها كمان،،
طبعا ست سعاد لاحظت دا،، ولما شافت ان المحروس ابنها عينه علي ود وانا مانعاها عنه،، ليه وليه وازاي بقى اعمل كده،،
بقت كل شويه تنادي علي ود تعملها حاجه او تجيبلها حاجه، وكل دا عشان تفضل قدام عيون ابنها ويشبع عيونه منها ،، ومن الواضح انها كمان كانت بتخليه يعاين البضاعه اللي عاجباه كويس قبل الخطوه التاليه..
واتفاجئنا كلنا بسعاد بتطلب ايد ود لحسام،،
انا اتجننت وود كمان،، ود رفضت فوراً وقالتها لسعاد صريحه،، مش حسام الراجل اللي اتمناه زوج ليا،، وانا بعد كلام ود مكنتش محتاجه اقول حاجه تانيه، عشان كلامها جاب من الآخر،،
لكن الغريبه ان سعاد تقبلت رد ود بمنتهي البرود والظاهر انها كانت متوقعاه،، وسكتت بعدها وهديت هدوء الافاعي اللي تكون بتخطط لصيد فريستها وبتتحرك ناحيتها بهدوء تام،،
والفريسه مش واخده بالها ولا سامعه اي صوت ينبهها للخطر اللي بيقرب عليها،،، وراحت سعاد لخالتها زيارة ومن هنا عرفت ان فيه مصيبه جايه او خليني اقول كارثه عشان المصايب ممكن الانسان ينجى منها،، لكن الكوارث دي بتكون حاجه مدمره.. لكني سلمت امري وامر بنتي لله وقلت لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا.. ولو هيكون فيها موت الموت ارحم من عيشه زي دي كلها خوف وظلم وقهر،،
لكن اللي حصل انه يادوبك عدى شهر ولقيت ود بنتي بتتغير،، لقيتها فجأه بقت بتحب القعدة مع حسام ومهما امنعها مفيش فايده،،
بقت تخرج معاه كل يوم بعد الجامعه وتتفسح ومهما احذرها من كلام الناس مفيش فايده،، وختمتها بأنها وافقت انها تتخطبله وتتجوزه وكانت طايره كمان من الفرحه بيه ومبتتكلمش غير عليه وكأن حسام فجأه بقي كل دنيتها،،
جاتني سعاد وزي ماصارحتني اول مره صارحتني التانيه،، قالتهالي صريحه انها عملت لود عمل بالمحبه،، وحذرتني اني لو حاولت اعمل حاجه او افكه هتعمله مره تانيه لكن مش هيكون محبه ابداً،، المرادي هيكون بالموت...
❈-❈-❈
كتمت وجعي علي بنتي فقلبي وسكت،، اصل الحاجات اللي بتعملها سعاد دي الانسان لو هرب منها لآخر الدنيا هتصيبه هتصيبه،، دي حاجه بتكون عارفه صاحبها ومسخره مخصوص عشان تأدي مهمتها معاه وتنهيها علي اكمل وجه..
سكت وفضلت اتفرج وانا شايفه بنتي بتتخطب وتتجوز وماشيه ورا حسام وامه وهي فرحانه زي الدبيحه اللي مغميين عنيها وواخدينها وهي ماشيه معاهم ومش عارفه انهم واخدينها للدبح..
وتم الجواز فشقة حسام اللي جمبنا وكانت وقتها ود نجحت ودخلت سنه تانيه كليه..
كنت ابصلها وانا شايفه سعادتها مع حسام وكنت بقول كان يجرا ايه لو كانت السعاده اللي عايشاها ود دي حقيقيه،، مش سعادة مزيفه،، ومش بفضل اعمال وشرك بالله وقذاره من وحده متعرفش ربنا،، متعرفش بس غير مصلحتها ومصلحة ابنها اللي مستعده تموت اي حد يقف في طريقها...
فى الفتره دي ود طبعا عشان اتجوزت اتشال منها معاش ابوها،، لكنها قبضت مبلغ محترم وهو اللي كانت بتصرف منه علي البيت وعلي نفسها وعلي حسام..
واستمر الحال علي كده لغاية مالفلوس خلصت ومبقاش معاها حاجه تصرف منها،، وطبعا بنى آدم زي حسام من يوم يومه وهو ميعرفش يعني ايه تعب ولا تحمل للمسئوليه، ولا عنده نخوه ولا رجوله،
اتجه لامه عشان تصرف عليه من معاشها،، لكن المعاش كان هيكفي ايه ولا ايه،، مصاريف بيت ولا مصاريف حسام اللي ملهاش آخر؟ وطبعا ود دي كانت بعيده تماما عن حساباتهم،،
ابتدت شكوت سعاد من قلة الفلوس، وابتدت مشاكل حسام معاها عايز فلوس،، ولما ملقاش منها فايده اتجه لود وطلب منها بكل برود انها تشتغل عشان تصرف مش بس علي نفسها وجامعتها لو عايزه تكمل،،، لا وتصرف عليه هو كمان..
❈-❈-❈
انهت جملتها وصمتت تاخذ انفاسها،، تاركة المجال للطبيب حمزه كي يسب ويلعن في نفسه ذلك المدعوا حسام ووالدته، ويشتمهم باصعب الشتائم التي يستحقونها علي مافعلوه بتلك البريئه،، والتي منعته اخلاقه من ان يبوح بها امام كريمه وتخرج منه علي مسامعها...
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية