رواية جديدة عازف بنيران قلبي لسيلا وليد - الفصل 14 - 2
قراءة رواية جديدة بقلم سيلا وليد
تنشر حصريًا على مدونة رواية و حكاية
رواية عازف بنيران قلبي
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة سيلا وليد
الفصل الرابع عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
وصل حمزة إلى راكان الذي وقف ونظراته مصوبة تخترق أخيه وهو يهز رأسه رافضا، عندما تملك الرعب من قلبه بمايصير، ارتجفت اوصاله من الذعر من هيئة الطبيب وهو يهز رأسه
- آسف البقاء لله، ربنا يصبركم
تجمد بوقوفه وتثلجت اوصاله حينما شعر بالبرودة تجتاح جسده بالكامل، حاول حمزة سحبه للخارج ولكن كأن ساقيه تصنمت وجسده شل بالكامل، اتجه بنظره إلى حمزة وإلى يونس مرة وهو يبتسم من بين دموعه
-سامعين الدكتور بيقول ايه؟!حد يقوله هو اتجنن ولا إيه، قوله يايونس سليم عايش بس هو اللي غبي ومش عارف يصحيه
تنقل بخطواته حتى وصل إلى فراش أخيه ونزع عنه جهاز التنفس، وبعض الأبر المغروزة به والأجهزة الموصلة به، ورفعه بين أحضانه ينظر لملامح وجهه التي كادت أن تختفي بسبب الحادث الذي تعرض له
اتجه بنظره إلى يونس وأردف كالذي فقد عقله
-تعالى شيل ابن عمك معايا، لازم نخرج من هنا
توقف الطبيب يمنعه عما يفعله، نظر حمزة للطبيب يسحبه
-سيبه لو سمحت، هو مصدوم، شوية وهيفوق ثم نظر إلى راكان الذي بدأ يتحرك خطوة وهو يحمل أخيه
-أنا هأكدلكم انه غبي، مستحيل أسيبه هنا ولا لحظة
وقف حمزة أمامه وحاول جذب سليم من بين يديه وحضنه
-راكان، مينفعش كدا، فين إيمانك بربنا، كل نفس ذائقة الموت
رفع نظره إلى حمزة ورمقه بنظرات نارية، كانت عيناه لهيب من اللون الأحمر من كثرة بكائه
-بقولك أبعد عني، أخويا عايش، وهاكدلكم دا
نزل ببصره لأخيه ودموعه تفترش خديه
-كدا ياسليم، كدا تسيب الأغبياء دول يشمتوا في راكان البنداري، ويقوله عليا غبي
ضمه كطفل رضيع وشهقات مرتفعة منه
-مش مهم ، أنا غبي، هم عندهم حق، راضي بكل اللي يقوله، المهم تفتح عيونك،جثى بركبيته على الأرض أمام الجميع وهو ينهار وصوت بكائه شق المكان، يضم أخيه عندما تسربت برودته ليديه، ويصيح بأسمه
-سلييييييم، صرخ بها راكان حتى اهتزت جدران المشفى، وقفت ليلى بجوار نوح على باب الغرفة، وهي تهز رأسها رافضة ماتراه عيناها..دلفت بخطوات مهزوزة وعيناها المحجرة بالدموع، وصلت حيث جلوس راكان وضمه لأخيه بمشهد يبكي العدو قبل الصديق
جلس يونس بجواره يربت على ظهره
-راكان، سيب سليم ياراكان، هو خلاص عند ربنا، بلاش تعذبه ياحبيبي، ياله خليهم ياخدوه، ينفع تكون ضعيف كدا، سبت إيه لطنط زينب، انت دلوقتي قوتها
وضع كفيه على فم يونس
-اسكت يايونس، متقولش كدا، ماما ممكن تموت فيها.
أطبق على جفنيه يعتصرها، ورغم عنه صدرت منه شهقة بكاء مريرة خرجت من أعماق قلبه المحترقة على أخيه
حاوطه أصدقائه وهو يضع رأسه فوق راس أخيه ويردف:
-انا مش هسيبك ياحبيبي، هسيبك وأروح اقول لماما إيه، اقولها ابنك التالت مات، لا محدش هياخدك مننا، لا محدش يقولي انك مت
ظل يردف بكلماته الهسترية كالمجنون، كانت تقف على بُعد خطوتين منهما لم تقو على الحركة، انظارها على الجاثي الذي يحمل أخيه بأحضانه ويبكي بهستريا، تمنت حينها لو تصرخ من أعماق قلبها صرخة لتزهق روحها مما رأته
أيعقل ماحدث، لقد ذهب زوجها عن دنياه وهو حزين، هل يعقل أنها لن تراه مرة أخرى
لم تلمسه، وضعت كفيها على أحشائها وانسدلت عبراتها تحرق وجنتيها
-ابني هيجي الدنيا من غير أب...آهة خفيضة خرجت من جوفها بنيران تكويه، تحركت كجسدا بلا روح إلى أن وصلت إليهم، نهض يونس عندما رآها
جثت بركبتيها بجوار راكان، هنا انهارت قواها وشهقات مرتفعة ببكائها وهي تردف
-"سليم" أنا جيت، بسطت يديها إليه تمسد على خصلاته وهمست من بين بكائها
-"سليم" ماتعملش فيا كدا، قوم حبيبي، قوم أنا مش زعلانة،اتجهت بنظرها إلى راكان
-راكان سليم ماله، وشايله كدا ليه، وليه جسمه عامل كدا ..قالتها بشهقات مرتفعة
هنا افاق راكان ، يمسح دموعه بجانب كفيه، يرمقها بنظرات جحيمية، قائلا بصوت كفحيح أفعى:
-خدو البت دي من قدامي. صدمة عنيفة أصابتها وهي تهز رأسها وعبراتها تتجمع بعينها
-راكان متعملش كدا لو سمحت، أنا مكنتش أعرف
لم تتحرك عضله من وجهه واستمر على نفس وضعه، أمسكت كتفه
-"راكان" صرخ بصوتًا جهوري غاضبًا
-قولت خدوها من قدامي، مش عايز أشوف وشها قدامي
اقترب نوح يجذب ليلى عندما وجد تحول راكان للجنون
ليلى قومي معايا حبيبتي.. تعالي، هزت رأسها رافضة حديثه:
-عايزة أشوف جوزي يانوح، هو سليم عامل كدا ليه، اوعي تقولي انه..قالتها وهي تضع كفيها على فمها تبكي بصوتًا مرتفع
جذبها راكان من ذراعها بقوة واشتعلت نظراته بشكل مخيف غارزا أظافره في لحمها يتعمد إيلامها ثم هدر بصوتًا كاد أن يخترق اذنيها
-وحياة أخويا اللي موتيه بحصرته لأنتقم منك،وأعرفك إزاي تعاندي، قالها ثم دفعها بقوة حتى سقت بجلستها
أسرع نوح إليها يضمها لأحضانه يربت على ظهرها،يهز رأسه بغضب إلى راكان
-انا مراعي حالتك مش أكتر..قالها نوح وهو يساعد ليلى في النهوض
-تعالي حبيبتي، تعالي ارتاحي، جوزك في ذمة الله دلوقتي، ادعيله بالرحمة
وضعت رأسها بأحضانه وهي تبكي بنشيج وشهقات مرتفعة
-متقولش كدا يانوح، قولي دا مقلب عشان اسامحه، والله انا مسمحها، خليه يفتح عيونه يانوح، محدش يقولي ان ابني هيجي مالوش أب
هنا رفع نظره إليها بعدما أخذوا سليم من بين يديه بمساعدة حمزة ويونس..نظر إلى بطنها وكلمات أخيه
-"راكان ابني، حافظ عليه" نصب عوده ونهض
يجذبها من أحضان نوح متحركًا بها للخارج
حاول حمزة إيقافه
-راكان هتعمل ايه، متبقاش مجنون اهدى، كانت تتحرك بجواره كانسانًا أليا فقط، نظراتها للخلف تنظر إليهم وهم يقومون بتغطية وجهه
صرخت بصوتًا مرتفع وهي تنزع يديها من راكان، وهرولت إليه تبكي وتضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها، وصلت تجذب الغطاء من فوقه وبكت بكاء مرير
-سليم متسبنيش ياسليم، قوم ياسليم عشان خاطري، بدأت تهز جسده بهستريا
-بقولك قوم مين هيربي ابنك، سمعتني بقولك ابنك ياسلييييم
جذبها نوح محاولًا السيطرة عليها، وهو ينظر للممرضة بإنهاء عملها، ضمها وخرج بها حيث وقوف راكان الذي نظراته على وجه أخيه الذي أصبح أمامه ماهو إلا جثة هامدة بعدما قاموا بتغطيته بالكامل، هرول للخارج يحبس أنفاسه داخل صدره ضاغطا على كل عصب في جسده حتى لاينهار كليا قبل إخبار والده ووالدته
خرج يونس خلفه سريعا، بينما جلس نوح يضم ليلى التي انهارت كاملا، وصوت بكاء يقطع نياط القلوب، حتى خارت قواها وفقدت وعيها
خرج بخطوات أقرب للركض، ورغم أنها خطوات سريعة إلا أنها متخبطة من يراه يقسم انه أصابه مسا ، أنفاسه تتصارع داخل صدره، دمعاته تلاحق بعضها واحدة تلو الأخرى، يبكي في صمت، وهو يتخيل حالة والدته
استقل يونس السيارة بجواره يقودها إلى منزلهما، جلس ينظر من الشرفة، وعيناه تائه كطفل فقد والده، دموع كزخات المطر، ليتها كذلك حتى تغسل ذنوبه، أغمض عيناه يدعو ربه بقلبه
" يارب صبر امي على ماسيؤذي قلبها، رحمتك بعبدك" توقف يونس حينما وصلوا أمام القصر
نظر إلى القصر بمقلتين جاحظيتن وتحدث:
-إحنا وصلنا بسرعة كدا ليه...ربت يونس على ظهره قائلًا:
-راكان لازم تقوى، الجاي صعب، بلاش ضعفك دا
انتحب بحرقة خرجت من بين أعماقه المحروقة
-بتطلب مني أقوى، أقوى إزاي يايونس وانا هدفن أخويا، أخويا بدل يستنى ابنه، هدفنه بالتراب، اتجه بنظره ليونس
-الألم صعب قوي يايونس، أنا مش قادر أواجه امي، هروح أقولها تعالي ودعي ابنك التالت وادفنيه واترحمي عليه، الست دي الله يكون في عونها دا لو فضلت سليمة
ترجل مترنحا بأعين مغمضة مصعوقًا بما صار له، توقف للحظات ينظر إلى يونس،الذي ربت على ظهره يحثه بالدخول، وضع كفيه على صدره فكأن حجرا ثقيلًا أصاب صدره ونزف قلبه، خطى للداخل قابلته سيلين وهي تخرج من باب القصر ..توقفت تنظر إلى حالته، ثم نظرت إلى يونس متسائلة:
-مالكم!! فيه أيه وسليم فين؟!
بأنفاسًا مرتجفة ولسانًا تجمدت فوقه الكلمات، جذبها يونس للخارج
-تعالي معايا ياسيلي، فيه موضوع هنتكلم فيه ضروري..رفعت نظرها إلى راكان تمسك كفيه
-آبيه راكان مالك، ايديك بترتعش كدا ليه، توجه ليونس حتى يخرج بها ..
جذبها يونس بروح محترقة وقلب يتمزق ألمًا
-تعالي حبيبتي لازم نتكلم
بخطوات ظاهرها ثابت ولكنها متعثرة وحجرًا ثقيلا يطبق على صدره كمن يساق لمنصة الإعدام ويذهب للجحيم صعد للأعلى،وصل لغرفة والدته
سكن أمام باب غرفتها برهة يمسح عبرة غائرة احرقت وجنتيه بل احرقت جدران قلبه كذلك، دلف يخطو وكأنه يذهب لجحيم جهنم
وجدها تجلس بيديها مصحفها، وقف يتأمل وجهها المبهج لقرائتها القرآن، ببؤس مزق المتبقى من روحه المحترقة لأشلاء خطى حتى وقف أمامها، رفعت نظرها بإبتسامة
-تعالى ياحبيبي واقف كدا ليه، الحمدلله طمنتني عليك يابني، كدا دايمًا وجعلي قلبي عليك ياراكان
كانت نظراته تهرب من نظراتها المحاصرة به،
"راكان" أردفت بها زينب، رفع عيناه المتورمة الحمراء، وجلس تحت أقدامها متهدل الكتفين بحزن وألم لم يشهده روحه من قبل، وضع رأسه على ساقيها وانسدلت عبراته وهي تمسد على خصلاته
-فيك إيه ياضي عني، زعلان على سليم، أنا كمان زعلانة عليه قوي، بكى بنشيج مرير وارتجفت أوصاله، كيف له يمزق قلبها، كيف له أن يخبرها بما حطمه وأشعره باليتم
كيف اخبركِ ياأمي أن روحي انتزعت مني، ليتني أنا وليس هو، ليتني أنا حتى لأرى قهرك على فلذة كبدك، ليتني أنا ياأمي حتى لا أرى ولا أشعر بما سيحدث لكي، من الذي قال أن الحزن للمفقود، بل الحزن لفارقه، الحزن ثم الحزن لقلبا توقف نبضه عن الحياة عندما فقدت الروح ملجأها
راكان قالتها بلسان مرتجف وقلبا بالضلوع يتمزق عندما وجدت حالته تلك
-مالك ياحبيبي...آهة حارقة خرجت بعلقم مايشعر به الآن
قائلا"اللهم لا إعتراض"
رجعت للخلف بجسدها، ثم رفعت وجهه تحتضنه بين كفيها
-إيه اللي حصل؟! والدك كويس، اه هو لسة مكلمني وقالي عنده اجتماع مهم
جحظت عيناها فجأة ثم دققت النظر إليه
-س..س..سليم فين، بتصل بيه مبيردش
اكتسى الحزن ملامحه وبكائه المرتفع الذي أيقنت من خلاله ان هناك مكروه أصاب إبنها
نهضت واقفة تتأمل شحوب ملامحه، ووصول أسعد الذي يقف على باب الغرفة مناديًا
-راكان فين أخوك، إيه اللي حصل، فين سليم، حادثة إيه اللي يونس بيقول عليها
صرخة شقت الصدور من سيلين وهي تصيح بصرخاتها بأسم سليم
ذهلت زينب وهي تهز رأسها نافيه ماتسمعه، تجمعت العائلة بالكامل بعدما استمعوا لصيحات سيلين، وزعت زينب نظراتها بينهم جميعًا حتى توقفت بنظراتها على راكان..ودموعه التي لم تتوقف، عيناه المتورمة من البكاء وملامحه الشاحبة، هوت جالسة وهي تقول
-قصدكم سليم مات، يعني ابني راح لأخواته، ضمها أسعد وهو يردف بصوته المتقطع
-اللهم لاإعتراض، إن لله وإن إليه راجعون
هزة عنيفة أصابت قلبها من كلمات أسعد البسيطة
صمتت عن الحديث وهي تنظر في نقطة وهمية، تقاوم صرخة عبأت صدرها لكنها كتمتها وتابعت بصوتها الذي حاولت أن يكون طبيعيا
-وديني لأبني ياأسعد، عايزة أودع ابني ياأسعد، عايزة أشوف أخوك قبل ماتدفونه ياراكان
هز رأسه وهو يضمها ويقبل رأسها
-أنا آسف ياأمي، آسف ياحبيبة قلبي، ياريتني كنت أنا عشان مشفش كسرتك دي
رمقته بنظرة نارية وأردفت
-ربنا يخليك لشبابك ياحبيبي، انت إيه وهو ايه، الوجع واحد، وابني ربنا بعتهولي هدية، وجه الوقت اللي ياخد هديته، أنا راضية بقضاء
اللهم لا اعتراض..اللهم لا إعتراض
رغم كلماتها إلا أن قلبها مشطور، وجسدها متألم من الحزن
تحرك الجميع إلى المشفى، زينب التي أصبحت جسدا بلا روح، ورعشة قلبها الحزين على فلذة كبدها، ترجلت بخطوات مرتعشة وهي تخطو بين حشود الصحفيين الذين يقفون بالخارج ليعرفون ماذا أصاب رجل الأعمال سليم البنداري
وصلت حيث غرفته، يحاوطها راكان بين ذراعيه، واسعد الذي يضمه خالد أخيه وهو يتمتم إبني، انت فين يابني
دلفت للغرفة التي يوضع بها سليم، كان نوح وحمزة بالخارج مع الطبيب الذي أوصى به راكان لفحص أخيه
دلفت بساقين تكاد تحملناها ..صرخة بآهة عالية خرجت من جوف حسرتها يتبعها نحيبها الذي بدأ يعلو لأول مرة في الأرجاء
-ياحبيبي يابني، ياحبيبي ياسليم، كدا ياحبيبي هانت عليك امك، كدا عايز تسيب امك ياسليم
آآه يابني، صرخت بها زينب عندما فقدت السيطرة وجثت بجانب فراشه، رفعت الغطاء على وجه وصرخاتها صمت الآذان وهي تضمه بكفيها المرتعش، نزلت تطبع قبلة على جبينه
سلامتك من الموت يانور عيني، بدل ماتدفني ادفنك ياحبيبي
"اللهم مااعتراض، الصبر من عندك يارب"
قالتها زينب عندما شعرت بضعف جسدها، وسقطت كمن تلقى ضربة موجعة مغشيًا عليها
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات توقف الجميع أمام المقابر، بيتك الأخير أيها الفاني، فياإنسان يامن كنت تجري هنا وهناك تمشي على الأرض او تسبح في الماء او تركب الفلك، أو تطير في الهواء، ولك من المال والأولاد والزوجة الحسناء، سيأتيك في يوم من الأيام لهذا المكان، لا ملك يفر ولا انسان،
نعم أحبتي في الله الموت أعظم المصائب التي تحل بالإنسان وقد سماه الله في كتابه مصيبة
"فأصابتكم مصيبة الموت "
وهاهنا نجد فقيد الشباب، يقف حوله الاهل والأحبة ينظرون لتلك الجثة الذي يقومون عليها بالدعاء، هل هذا الذي ملأ الدنيا ضجيج وصراخ أهذا الذي منذ قليل كان يتحرك هنا وهناك، أين هو الآن ، هو الآن أصبح جثة هامدة بها لقد تقلصت الشفتان وشخصت العينين وبردت القدمان وتوقف اللسان، وتحرك الأهل والأحباب ولم يكن سوى عملك، فاللهم ارزقنا حسن الخاتمة
نزل نوح إلى قبره لتلقيه لمثواه الأخير عندما انهار راكان كاملا فلم يعد له القدرة على الحركة او الكلام بعدما أصيب والديه بجلطة اودتهم لحجزهم بالمشفى
كانت تقف بعيدا وعبراتها تنسدل بقوة على خديها بجوار اختها تبكي وتردف..أنا السبب انا اللي قتلته، ربنا ينتقم منكم..قالتها سلمى بنحيب
طالب الشيخ بمسامحة الفقيد، رفع راكان نظره إلى ليلى التي تمكث بأحضان والدتها واختها وتبكي بصمت، أتجه إليها أمام الجميع، بعدما أنهى الشيخ الدعاء، وسحبها من كفيها حتى وصل إلى جثة أخيه
-سامحيه، مش عايز اكتر من إنك تسامحيه، عشان يرتاح..كان الجميع ينصت حتى يسمعوا حديثه، ولكنه كان صوته منخفض من كثرة آلامه ..ضغطت على كفيه حينما فقدت الكلام
شعرت بالدوران يجتاحها وهمست له
-مسامحه ياراكان، قالتها وغمامة سوداء تسيطر عليها، فهوت ساقطة بين ذراع نوح الذي تحرك خلفهما ووقف على بعدا من خطوة
كان ينظر إليها ولم يرف له جفنً،حملها نوح وأسرعت والدتها ووالدها عليها، متجهين لسيارتهما
بعد فترة انتهى دفن الفقيد، وقف أمام قبره ينظر بجمود، كجمود عيناه التي توقفت عن البكاء، فلقد رحل أخيه، والظلام حاوطه من أعدائه، والضربات تهاوت لقلبه، وكأن القدر يصفعه دون رحمة،كان يقف بنظارته السوداء التي غطت حزن عيناه ولكن كيف للعين ان تحزن دون حزن القلب، فالقلب أصبح دامي
-هتفضل واقف كتير هنا، قالها حمزة الذي يقف خلفه..ظل ينظر لقبر أخيه
-عايزك ورا قاسم الشربيني متسبهوش غير وهو على حبل المشنقة
اقترب حمزة قاطبًا حاجبه
-عمل إيه تاني؟! ظل كما هو ولم يجيب، ثم استدار متحركا بشخص آخر إلى أن وصل لسيارته
-الحادثة مدبرة، وسليم كان بيتعاطى حاجة هو اللي عمل فيه كدا، عايزك انت وجاسر تجبهولي من غير غلطة
قالها واستقل سيارته بطريقه للمشفى
بعد مرور أسبوعين، دلفت ليلى إليه المكتب بساقين هاوية، بملامح مرتجفة وعينين تهتز من ثقل العبرات، وقلب فتته الوجع، اتجهت تقف أمامه، كان جالسًا مغمض العينين، شاحب الوجه، رسمت ملامحه بوجع، رغم مافعله بها في تلك الأيام المنصرمة إلا أنها أشفقت عليه كثيرًا
تمتمت بصوتًا متقطع
-"راكان" ممكن نتكلم شوية، فتح عيناه التي تشبه قرص الشمس ولكنها يغشوها الحزن والوجع
اعتدل جالسًا ولم يجيبها، جلست بمقابلته تفرك يديها، ثم رفعت عيناها إليه، كان ينظر في اللاشئ، انزلقت دمعة غائرة من طرف عيناها
-عايزة أقولك أنا ماليش دعوة باللي حصل لسليم، اللي عملته كان ردة فعل على اللي حصل
رفع عيناه إليها وبداخلي نيران تغلي وتحرق أوردته التي ثارت عليه بالحال من وجودها
استند بظهره للمقعد وتحدث بهدوء رغم نيرانه التي تحرق دواخله
- سليم الله يرحمه يامدام، حقه وهعرف اخده منك ومن غيرك، جاية بعد إيه تكلميني، بعد مامات وشبع موت، عايزة تعرفي مين السبب في موته...أشار بيديه عليها وعلى نفسه
-أنا وانتِ، أنا اللي موثقتش في أخويا، ومقدرش أحافظ عليه، وانت وغرورك لما حاول يفهمك انه مظلوم
صاح بصوته على احد العاملين
-روحي هاتيلي فرح، وابعتيلي كاترين ونعيمة
تحركت العاملة من أمامه بعدما ردت بطاعة
-حاضر ياباشا...بعد قليل وصلت فرح، بملامح شاحبه، وجسدًا ينتفض رعبًا وقفت أمامه
-بعتيلي ياآبيه، نهض يضع يديه بجيب بنطاله واتجه إليها
-جواز سفرك جاهز، بالليل ماألمحش خلقتك دي هنا، وحياة ربنا يافرح أنا اللي حاشني عنك وخليتك عايشة لحد دلوقتي أمي ليس إلا، هتتغابي وتعملي حوارت هتكون بموتك
تراجع خطوة يشير على نفسه قائلا
-اللي واقف قدامك دا بايع الدنيا واللي فيها، يعني مفيش حاجة هخسرها لسة، بس اللي مخليني واقف بعقلي امي وسيلين فخليني بعقلي، ودلوقتي قبل ماتمشي أحكي للمدام إيه اللي حصل في الليلة إياها
هزت رأسها بالرفض
-أبيه راكان أنا ماليش دعوة، هم اللي قالولي لو بتحبي سليم لازم تعملي كدا عشان يرضى بالأمر الواقع ويتجوزك
أشعلت كلماتها جحيم غضبه والذي تجلى بعينيه التي احترقت بإحمرار داكن وملامحه التي اكفهرت فدبت الرعب لقلب فرح، دنى يجذبها من خصلاتها
-متقوليش حاجة انا عارفها ياحيوانة، أنا عايز اللي يخص المدام، سليم عمل ايه معاكِ، وقفت ليلى تخلصها من يديه
-راكان سيب شعرها حرام بتوجعها، اتجه بنظره إليها ورمقها بنظرة نارية
-اخرصي، مش عايز أسمع صوتك، دورك جاي، دنى يهمس لفرح بهسيس مرعب
-قولي ياحقيرة إزاي سليم لمسك، قالها ثم دفعها بعيدًا عنه، كأنها عدوى
وقفت خلف ليلى تتحامى فيها عندما وجدت لهجته المرعبة ونيرانه التي تظهر على ملامحه
-سليم كان واخد منشط ومش حاسس بحاجة، كان مفكرني إنتِ، كل كلامه ليا في الليلة دي بإسمك، هو مكنش حاسس بحاجة
ذهلت ليلى من حديثها غير مستوعبة، فهمست "منشط" قالتها بتقطع، يعني إيه
أشار راكان على الباب
-ثانية واحدة لو شوفتك قدامي هموتك، برة، ومش عايز اشوفك في البيت دا تاني، واعملي حسابك لو جيتي وقولت أنا حامل هدفنك، قسمًا عظمًا هدفنك، غورررري
دلفت العاملة نعيمة وكاترين، توقفا أمامه وجسدهم يرتعش من الرعب عندما وجدوه بتلك الهيئة المرعبة
أشار لنعيمة، وحاول السيطرة على نفسه
-تعالي يانعيمة، اقعدي ..خطت بخطواتها المهزوزة ووقفت بجوار ليلى
أحكي اللي قولتيه من يومين، اتجهت بنظرها لليلى ثم رجعت إليه، فأردف بغضب
-قولت احكي، مبتسمعيش..فركت يديها وبدأت تقص
-قبل سفر المرحوم بكام يوم، كاترين كانت دايمًا تعمل قهوة الباشمهندس وتقولي انا بحب اعمل قهوته، ماخدتش الموضوع على خوانة، قولت يمكن بتحترمه وبتحب تعمله حاجاته
لحد مارجع من السفر، أنا كنت بعمله قهوته، لقيتها جت بسرعة وقالتلي سيبي القهوة يانعيمة، أنا هعملها وروحي اعملي كوباية حليب للمدام، وفعلا اتحركت على أساس كدا
اليوم دا بعد فترة كنت طالعة لفوق، قابلني الباشمهندس وكان فيه دموع بعيونه، أنا فكرت انه مضايق، أو مخنوق، المهم عديت الموضوع، بعدها بشوية سمعت المدام بتصرخ وحضرتك اخدتها المستشفى، وعرفت انها تعبت ونزفت، والله ياباشم مكنتش أتصور انهم بيحطوله حاجة في القهوة
دنى بخطوات مرعبة إتجاه كاترين ولم يشعر بنفسه إلا هو يهوى بصفعة قويه حتى أسقطتها أرضًا
صاح بصوته المرعب
-عامر، دلف إليه الرجل سريعا، فأشار على كاترين
-ارميلي الحقيرة دي في مذبلة لما أفوقلها
خرج الجميع وظلت ليلى بمكانها وكأن الأرض تسحب من تحت قدميها، وكأنها بكابوس وستفيق منه
جلس أمام مكتبه يشعل تبغه وينفثه، يطالعها بسخرية فتحدث مستهزئا
-أنا بعرفك ببراءة أخويا، عشان يرتاح في تربته، مش عشانك ابدًا ، اوعي تفكري إنك تعنيلي إنك تبرئيه ولا لا، أنا حبيت أنزل بغرورك وأعرفك قدر نفسك، للأسف مكنتيش تستاهلي واحد زي سليم، لكن معلش ملحوقة يامدام
لكل حدث حديث، ودلوقتي مش عايز ألمحك قدامي، متخرجيش من اوضتك طول ماأنا موجود في البيت، نظر إلى بطنها وأكمل
-لحد ماتولدي وبعد كدا هقرر أعمل معاكِ إيه
ألقى كلماته عليها ثم إستدار يواليها ظهره ينفث تبغه بشراسة، دنت منه عدة خطوات حتى وقفت خلفه تماما وهمست
-عارفة فقدان سليم صدمة هزتك من جوا، بس ارجوك ياراكان بلاش تظلمني، اوعى تدوس عليا وتظلمني
استدار متجها إليها حتى اختلطت أنفاسهما، أمسك كفيها الذي تشبست بذراعه حتى لا تسقط، وضغط عليه حتى كاد أن يحطمه وهمس بالقرب من شفتيها حتى كاد أن يلامسها
-أظلم مين يامدام، إنت مين أصلًا عشان ادوس عليكِ، أو تهميني، إنتِ هنا عشان حاجتين بس الولد اللي في بطنك اللي هو ذكرى أخويا، ثانيا عشان أخد حقي وحق أخويا، في الأول اتهاونت في حقي، معلش كل وقت وله آدان
دفعها بعيدًا عنه حتى اصطدم ظهرها بسطح المكتب فصرخت متأوهة، لم يعيره آلامها، فأشار إلى الباب
-غوري من وشي، متخلينيش اتجنن وأقرف من نفسي كل ماأشوفك
انسدلت عبراتها، وكلماته التي غرست أسهم الأهانة بصدرها فهزت رأسها مع عبراتها فكانت عبارة عن لوحة من الألم والحزن، فتحدثت بصوت متقطع
-"راكان" استدار إليها سريعًا ورمقها بنظرات جحيمية
-متنسيش نفسك هنا، اسمي حضرة المستشار
عند حمزة ودرة
جلست أمامه تبكي بنشيج، هعمل إيه، دا اتجنن على الأخر، أطاح بيديه كل ماقابله على سطح المكتب، وصاح بغضب
-هقتله وحياة ربي لأقتله، دلف جاسر على صراخ حمزة ..زفر بغضب ونظر إلى درة
-مسكنا نور، وبيقول انا مخطفتهاش دي مراتي، هو فيه حد بيخطف مراته، ودلوقتي عمل دعوة، ان درة هربت منه وعاملة علاقة غير شرعية معاك
هوت جالسة على المقعد وهي تصرخ بصرخات مدوية، أسرع إليها حمزة، جلس أمامها
-درة اهدي، ممكن تهدي، ماهو احنا كنا عارفين كدا، لازم نهدى ونفكر
رفع بصره لجاسر واردف
-دعوة بيت الطاعة مش كدا، أومأ جاسر رأسه بحزن على حالة درة، فتحدث
-دعوة الطلاق عملتوا إيه فيها، هز حمزة رأسه
حتى يصمت، نظر إلى درة
-أهدي درة لو سمحتِ، أنا معاكي مش هسمحله يوصلك
❈-❈-❈
عند أسما ونوح
كانت تجلس بين الزروع تنظر بشرود، وصل نوح يضمها من الخلف
-حبيبتي بتفكر في إيه؟! استدارت تمسح عبراتها ...ضمها لأحضانه متسائلًا
-أسما إيه اللي حصل لدموع دي كلها، وضعت رأسها بأحضانه وبكت بشهقات وهي تتحدث من بين بكائها
- راكان بيعامل ليلى وحش قوي يانوح، ليلى صعبانة عليا، مش قادرة تتكلم، ولا قادرة تلجأ لباباها عشان ميعرفش حاجة
ضم وجهها بين راحتيه
-حبيبتي ممكن تهدي، هو فيه واحد عاشق ممكن يأذي حبيبه ياأسما، راكان مجروح دلوقتي عامل زي المدبوح ، شوية ويفوق
هزت رأسها رافضة حديث نوح
-لا دا بيحملها موت سليم يانوح، دا اتجنن، ضمها من خصرها متجهًا لمنزله
-حبيبتي قولتلك راكان معذور الأيام دي، متنسيش سليم كان بالنسباله ايه، توقفت بجسد متيبس
-وليلى تبقى عنده ايه، مش دي اللي كان بيقول عليها بيحبها
زفر نوح بحزن، وسحبها من رسغها
-أسما ممكن نسيب ليلى وراكان شوية ونركز في حياتنا، قولتلك ان راكان بيعشق ليلى ومستحيل يأذيها...قاطعهم وصول أحداهن
-هي دي اللي مقاطع العيلة كلها عشانها يانوح، استدار ينظر بصدمة للتي وقفت أمامه
عند سيلين ..تجلس بجوار والدتها تطعمها
-عارفة ياماما، اول مرة أشوف جدي حزين كدا، لدرجة شكيت انه توفيق البنداري، جه من اليومين وطلب مني صورة لسليم، اخدها ومشي، قابله راكان تعرفي عمل ايه، ضمه لحضنه وقاله كلام غريب قاله
-بلاش تلعب بالنار ياحبيبي مش مستعد أخسرك زي أخوك..انزلقت دمعة زينب وتحدثت بصوت متقطع
-هاتيلي راكان ياسيلين، قوليله تعالى لماما عايزاك ضروري
بعد مرور شهرين كاملين، مازال أسعد في العناية، أما زينب خرجت ولكنها عاجزة، تتحرك بمقعد العجزة
دلف مقتحما غرفتها دون إستئذان، كانت تجمع ثيابها بحقيبتها، رفعت نظرها إليه، لأول مرة تراه منذ شهر بعدما عاقبها بأشد العقاب
وقف منتصب العود بملامحه الجامدة، لقد تغير كثيرا، فقدانه للوزن، لحيته التي طولت عن سابقيها، ورغم ذاك إلا أنه مازال وسيما
-إيه قلة الذوق دي إزاي تدخل الأوضة بالهمجية دي ..نظر لحقيبتها ورفع نظراته الخاوية إليها
-مفيش خروج من البيت إلا بإذني، متنسيش إنك حامل في ابننا
ضيقت عيناها مستفهمة
-يعني ايه، هتحبسني، اللي كان رابطني بيكوا خلاص مات
جذبها من رسغها بقوة وهو يهمس إليها بهسيس
-البيت دا مش هتخرجي منه غير في حالتين، وانت رايحة تولدي، والتاني لما تموتي، غير كدا مالكيش تخرجي منه سامعة ولا اسمعك بطريقتي
نزلت كلماته على قلبها كصاعقة، بل اشواك تخربش جدران قلبها المجروح، طالعته بذهول
-اكيد اتجننت مش كدا، وإن شاء الله هتمنعني بصفتك إيه
استدار متحركا ولم يجيب عليها حتى وصل لدى الباب واردف دون أن يعريها إهتمام
-تفتكري ممكن أسامح في حق اخوكي اللي اتقتل لواحدة ذيك
هرولت حتى وقفت أمامه وهي تصيح بوجهه
-انت مش طبيعي ليه بتحملني موت أخوك
أمسك ذراعيها يعقدها خلف ظهرها وهمس بفحيح
-عشان انتِ المسؤلة الأولى في موته، وعجز امي، وركض ابويا بين الحيا والموت، ودلوقتي لو سمعت صوتك هدفنك، أنا اللي مصبرني عليك ومستحمل أشوف وشك اللي أكتر وش بقيت اكره هو ابن اخويا اللي في بطنك
وضع كفيه على أحشائه وأكمل ماهشم قلبها
-حياتك قصاد حياته هتحاولي تقتليه هدفنك حية، قسما عظما ادفنك حية
قالها ثم دفعها بقوة بعيدا عنه، يمسح يديه من ملامستها قائلا
-اعملي حسابك بعد ولادتك هكتب عليكِ، ودا مش حبًا فيكِ، دا عشان ابن اخويا، لو عليا عايز اخلص منك، وادفنك في سابع أرض
استدار بجسده كله يتابع أثر كلماته على ملامحها، رسم إبتسامة انتصار عندما وجد تبدل ملامحها وشحوب وجهها
دنى إلى أن وصل أمامها واقترب يهمس بجوار اذنيها
"اهلا بيكِ في جحيم حبيبك مراتي المستقبلة"