رواية جديدة عازف بنيران قلبي لسيلا وليد - الفصل 14
قراءة رواية جديدة بقلم سيلا وليد
تنشر حصريًا على مدونة رواية و حكاية
لا شيئ في غيابك يملأ وحدتي
فكل الوجوة من حولي عند ذكراك تتلاشئ وتختفي
بقيت على ذاك الوعد انتظر فلعلك تعود وتنهي غربتي
فبعدك الحياة مظلمه ولا احد سواك ينير ظلمتي ....
''فأقونا ميتًا،، وأنا على قيد الحياة،، عندما فقدت شخصا كنت أحبه أكثر من نفسي.،٠
ويعلم الله أني بذلت حتى ذبِلت
وأني تغاضيت حتى سئِمت
وأني تمسكت بالحبال حتى جُرحت كفّاي..
❈-❈-❈
بعد خروج سليم، جلست على مخدعها تبكي بنشيج على ماحدث لها، لقد أحرقت قلبها حتى تسعده، لقد وعدت ربها تكون له زوجته وجنته في دنياه، ولكن ماذا فعل بها، كل مافعله وجنته هي الألم والحزن لقلبها، لقد أنشق قلبها حتى لم تشعر بشيئا
دلفت سيلين بساقين مرتعشتين، تبكي على مظهرها، فماذا فعلت لتجني الخيانة، لقد شعرت بالجنون، هل يفعل بها سليم ذاك، لو أحدهم قال ذلك لم تصدق ابدا، ولكن حديثه، زرع مزرعة من شياطين الشك
تحركت حتى وصلت وجلست أمامها على عقبيها تضم يديها وتنظر إليها بألمًا
-انا مش عارفة أقولك إيه ولا أراضيكِ بالكلام وأطيب جرحك إزاي، لكن كل اللي عايزة أقوله
-سليم مستحيل يخونك، لأنه عمره ماكان دا من صفاته، ضغطت على كفيها وانسدلت عبراتها
-طيب عارفة فرح دي من زمان وهي بتجري وراه، لو بيحبها كان اتجوزها، ليلى حاولي تهدي وتفكري، ومتأكدة من براءة أخويا
كانت تجلس بجسد كل انش بها يرتجف ويرتوي بدموع حزنها، مالذي فعلته لتجني أنكسارها بذاك الشكل؟!
ماذا فعلت لكي يجرحها بتلك الطريقة المؤذية لروحها
هبطت سريعًا للأسفل تبحث عنه، وجدته جالسًا يضع رأسه بين راحتيه، توقفت أمامه حتى انتبهى إليها
نهض واقفا يتطلع على هيئتها التي ابكت قلبه، فمهما فعلت تظل جزء من نبض قلبه الصامت
غاصت في ملامحه وتحدثت بصوتًا باكي
-قولتلي لو اسعدتيه هخليكي ملكة، دلوقتي انا طالبة حقي، ولا هو بس اللي له حق، ولا عشان ابن البنداري يدوس عليا، فين عدلك ياحضرة القاضي، أنا اتهنت واتخانت، وحقي عندك قبله، ودلوقتي عايزة حقي
نظر إليها مكبل الأيدي، مصفد المشاعر ولا يعلم أيشفق عليها، أم يجلدها، فهي المسؤلة الأولى بما صار ..رسمت عيناه ملامحها الحزينة، فاستدار بعيدا بنظراته عنها قائلا
-سليم مخنكيش، وبدل مخنكيش مالكيش حق عندي، وفيه حاجة لازم تعرفيها لو مش واخدة بالك
-انتِ السبب في اللي عمله فيكي..تجمدت بمكانها محاولة إستيعاب كلماته، اقتربت كالمجنونة تلكمه بصدره
-هتقول ايه غير كدا، كنت مفكرة إنك بني آدم لكن غلطت للاسف، انت أحقر واحد شفته في حياتي
-احترمي نفسك ولما توقفي تتكلمي قدامي تعرفي انت بتتكلمي مع مين، فوقي واعرفي مكانتك في البيت دا، وصلت زينب على صراخ ليلى
-هطلق منه وهمشي من البيت المقرف دا، أمسك رسغها يضغط عليه حتى غرز انامله بلحمها وتحدث بصوتًا كفحيح أفعى
-اتحركي خطوة لبرة، وشوفي هعمل فيكِ ايه، شكلك متعرفنيش
وصلت زينب محاولة فكاكها من قبضة راكان
-ليلى اهدي يابنتي، ولما سليم يجي هعرف ليه عمل كدا، مفيش حاجة بتتاخد كدا
حدجتها وهي تجيبها
-هيقول ايه ياطنط، إحنا خلاص مينفعش نكمل مع بعض، أنا همشي من البيت دا ولما يجي يبعتلي ورقة طلاقي، دا آخر كلام عندي
-ماما طلعي الباشمهندسة فوق لحد ماجوزها يجي، متخلنيش اتهور واعمل حاجة مش هتعجبكم، وصل توفيق ينظر إليهما بشماتة قائلا
-قولتلك احفادي مش بتوع جواز، دا هيتجوزك متعة شهرين تلاتة ويرميكي، ومصدقتنيش وعندتي، فرحان فيكي إشربي
ابتلعت جمرات كلماته التي ألهبت حواسها، فاقتربت منه قائلة :
-مش ذنبي اني اتجوزت من بيئة أكبرها فاسدة، قالتها واتجهت بنظرها إلى راكان
-انتوا فعلا مش غلطانين، أنا الغلطانة، أنا اللي غبية فعلا، قالتها وتحركت من أمامهم تأكل خطوايها الأرض، كما تأكل النار سنابل القمح
تقدم بخطواته إلى جده بخطوات ثابتة
-يارب تكون ارتحت وإنت شايف بيت حفيدك بينهار بسبب دناءة تفكيرك، أنا مش هتغاضى على اللي حصل، بس اللي المفروض يتحاسب أنا لاني ماخدتش موقف حاسم من أول مرة حبيتوا تلعبوا عليا بيها،
أطلت من عينيه نظرة قاسية اتبعها حديثه
-صدقني انتوا اللي فتحتوا باب الجحيم أتمنى تعرفوا قيمة الشخص اللي قدامكوا
زوى توفيق مابين حاجبيه قائلا بإستنكار
-هو ليه دايما بتفكرني عدوك، ليه مبتفكرش في المصلحة للكل
وضع يديه بجيب بنطاله واستدار بظهره ولم يجيبه، رمق زينب الجالسة
- حافظي على ولادك يازينب، راكان داخل النار برجله، وبيدق مسمار نعشه، حاولي تلمي ولادك حواليكي، كفاية اللي ضاعوا منك قبل كدا
قالها توفيق وتحرك مغادر...بالأعلى دلفت غرفتها وبدأت تحطم كل مايقابها، وصلت سيلين على صوت التحطيم وصرخاتها، حاولت ايقافها ولكنها لم تقو عليها ...اتجهت للأسفل في حين أمسكت ليلى هاتفها بيد مرتعشة وانفاسًا متقطعة من سرعتها
-تعالى خلصني من صاحبك الحقير دا، أصل اقسم بالله اموته، قدامك نص ساعة يانوح لو مجتش خرجتني من البيت دا هموت نفسي
قالتها وأغلقت الهاتف تلقيه بالمرآه حتى تهشم، نظرت لكفيها الذي جُرحت وشهقة خرجت من جوفها بنيران تلتهمه
-انا يتعمل معايا كدا..طيب ليييييييه
قالتها بصراخ هزت له جدران المنزل حتى شعرت بآلام تحطم جسدها، فهوت جالسة على الأرضية الصلبة، جسدًا بلا روح، عينان ضائعتان تنسدل عبراتها بقوة
بالأسفل جلس بجوار والدته محاولا تهدئتها
-ماما حاسس فيه حاجة مش مظبوطة، مش معقول سليم يكون بالحقارة دي، هو بيحب ليلى، يعني موضوع قسوته معاها دا مش مرتحله
قاطعتهم سيلين وهي تكاد تأخذ أنفاسها من سرعتها
-ليلى مش مبطلة صراخ وتكسير فوق أنا خايفة عليها
مسح على وجهه بغضب وهو يزفر بغضب
-معرفش أعمل إيه، أنا بدوس عليها، بس هي عندها حق ياماما ..دي واحدة من كام يوم جوزها عاملها بقسوة، ودلوقتي بتقول بيخونها
اتجه خلف والدته التي أسرعت بعد صوت صراخ ليلى، وصل راكان إلى غرفتها اولا، كان الباب مفتوحًا على مصرعيه
دلف يبحث عليها بعيناه في وسط الفوضى التي فعلتها بالغرفة
-مدام ليلى..قالها بهدوء عندما وقعت عينيه على عيناها الضائعتين اللتين طمس بريقهما الحزن، تفجر قلبه بالحزن علي ماتوصلت إليه، وصلت والدته شهقة خرجت من فمها عندما وجدت حالة الغرفة
اتجهت تجلس بجوارها تجذبها لأحضانها تربت على ظهرها عندما وجدت حالتها المتهشمة كحال الغرفة التي بها
-ليلى يابنتي، مش عايزة منك غير انك تصبري نتأكد من سليم انه ممكن يعني
خرجت من أحضانها تمسح دموعها وتتحدث بصوتًا متقطع:
-ابنك بقى غريب، مش دا الشخص اللي اتجوزته، دا واحد تاني، ولا هو كان كدا، ولعب عليا
أمسكت يدي زينب وتابعت بنبرة يشوبها التوسل
-اعتبريني سيلين وساعديني وخليني أمشي لو سمحتِ، خليني اروح عند بابا، مش هقدر اتحمل وجوده في مكان واحد
تحرك راكان وهو يتحدث إلى والدته
-ماما ممنوع الخروج من باب البيت لحد ماجوزها يرجع، وخليكِ فاكرة يامدام إنك حكمتي قبل ماتعرفي الحقيقة، أنا معرفش حالة أخويا عاملة إزاي دلوقتي بعد الكلام اللي حضرتك قولتيه، ممكن هو ينسى عشان بيحبك، لكن أنا كلماتك وشمت في ودني
أغلقت جفونها بشدة تحاول السيطرة على نفسها حتى لا تنهض وتمزق قلبه القاسي الذي لايشعر بنيران جسدها من الخيانة
بعد قليل بمكتبه ..كان يجلس بجوار نوح ويقص عليه ماصار، نهض نوح وهو يلومه
-مستني منها إيه ياراكان تاخده بأحضانها وتقوله برافو عليك، ماتعقل ياراكان وتوزن كلامك المجنون دا
واحدة لسة بقالها تلات شهور متجوزة، وفجأة تعرف ان جوزها بيخونها، هتوقف تصقفله ولا ايه، يعني مش كفاية وجع قلبها وهي شايفاك قدامها طول الوقت، لا كمان بتوجع قلبها بموضوع سليم
كان واقع كلمات نوح على قلبه كنغزات توقف نبضات القلب، رفع نظره إلى نوح وأردف بلسان ثقيل
-مين السبب في وجع قلوبنا، انت تعرف أنا بكون حاسس بإيه لما بشوفها، أنا بحاول أبعد طول الوقت على البيت يانوح، رجفة قوية مرت بسائر جسده، وهو يتذكر تلك الليلة، لولا لطف ربه به لكان صار مالايُحمد عقابه
تاهت نظراته كتيه قلبه وهو يتحدث بقلبًا منشطر
-انا في نار من جحيم يانوح، وعلى قد مابشعر بيه بس لازم أكون قدام الكل القوي، اللي مفيش حاجة تهزه، للأسف بنت خالتك هي اللي رمتني في النار دي، متجيش دلوقتي وتبكي على اللبن المسكوب، لازم تتحمل قرارتها الغلط
ذهل نوح من حديثه فنهض يقف أمامه
-إنت عايز تقنعني إن ليلى غلطانة، لا وكمان عايز تلبسها غلط سليم...ابتعد يرمقه بغضب قائلا:
-متخليش وجعك من ليلى تظلمها، ودلوقتي أنا جاي كأخ اخدها ودا حقها ومن قبل ماتتكلم، هي هتبعد شوية يكون أحسن للكل
هب فزعًا من مكانه يخطو إليه محاولا منعه، ولكن توقف عندما إستمع إلى رنين هاتفه
-أيوة مين..قالها راكان باستفهام
حضرتك سليم البنداري، في المستشفى وحالته خطيرة بسبب حادث
هوى على مقعده كمن تلقى ضربة موجعة قصمت ظهره نصفين فهشمت عموده الفقري، ثم تحدث بلسان ثقيل:
-بتقول مين، سليم البنداري
-أيوة يافندم وياريت حضرتك متتأخرش هو دخل عمليات وحالته خطيرة
نهض بتثاقل يتخبط بسيره، توقف نوح أمامه متسائلا:
-راكان فيه إيه، أستند على كتف نوح عندما شعر بفقدان وعيه، وشعور بضعف الدنيا يحتل كيانه، من سنيورهات تخيله
رفع نظره إلى نوح وأردف بلسان ثقيل كالذي يتعلم الحروف
-نوح مش قادر أتحرك وديني المستشفى حاسس بنار في صدري
-فيه ايه ياراكان؟! مين كلمك؟!
-سل..سلي..سليم عمل حادثة وحالته خطيرة، وديني لأخويا يانوح مش قادر اتحرك، خايف يكون حصله حاجة ومقلوش
اتجه نوح متجهًا للخارج، توقفت ليلى، التي تحمل حقيبتها، تنظر إلى نوح
-أنا جاهزة يانوح..كنت هتمشي من غير ماتاخدني، هو حضرة المستشار سكتك بكلمتين
تحرك بخطوات مبعثرة تاركها تتحدث مع نوح، كاد أن يسقط بسبب ثقل خطواته كأنه يتحرك على نيران تحرق أقدامه
وصل إلى سيارة نوح، أسرع نوح خلفه وهو يحادث ليلى:
-بعدين ياليلى مش وقته، لازم ألحق راكان دا ممكن يعمل حادثة بحالته دي..هوى قلبها بين اقدامها، حينما استمعت لكلمات نوح..وجهه الشاحب، وعيناه الزائغة، وخطواته الثقيلة، اجزمت أن هناك شيئا أصابه..أسرعت خلفهم وامسكت يد نوح
-إيه اللي بيحصل ماله راكان
أطلق رأسه للأسفل ولم يرفع نظره إليها
-تعبان ولازم اوديه للدكتور حالا، قالها وتحرك من أمامها، توقف قبل ركوبه السيارة لقيادتها
-اوعي تتحركي لما أرجع، اتجه بنظره إلى راكان الذي فك رابطة عنقه عندما شعر بالأختناق قائلا ياله يانوح
أحست بألمًا يغزو قلبها من حالته، جلست على الدرج، تنظر لمغادرة السيارة تبكي بصمت، وصلت سيلين وزينب التي كانت تبحث عنها
جلست زينب بجوارها تمسد على ظهرها
-انا مش هلومك يابنتي، بس عايزة أكدلك ابني مظلوم اكيد اتلعب عليه، إنتِ متتخيليش العقارب دول ممكن يعملوا ايه، لكن أنا عندي يقين بربنا انه هيظهر الحق
وضعت رأسها بأحضان زينب تبكي ببكاء مرير
-سليم اتغير وبقى واحد أنا معرفوش ياطنط، من وقت مارجع من السفر واتغير خالص
احتضنت زينب وجهها
-خدي جوزك في حضنك، ومتخلهمش يلعبوا بيكوا، حتى لو غلط زي مابيقولوا هيكون غصب عنه، أنا مش باخد حق ابني ، لا انتٍ زيك زيه حبيبتي، ربنا أعلم أنا بحبك قد إيه
دلوقتي هخليكي تروحي عند باباكي تقعدي كام يوم تغيري جو، وتبعدي عن جو النكد، عشان الحمل بتاعك زي ماالدكتورة قالت غلط الزعل
أومأت برأسها موافقة:
-هعمل كدا إن شاءالله..اتجهت زينب بنظرها إلى سيلين
-خدي مرات أخوكي ووصليها...قاطعتها سيلين
-راكان قال ماتخرجش غير لما سليم يجي ياماما
-أنا هتصرف مع راكان، مالكيش دعوة، هو مالوش حكم عليها، ولما سليم يجي هفهمه، وهيتقبل الوضع ان شاءالله
نهضت ليلى تجذب حقيبة ثيابها، ولكن أوقفتها زينب
-بلاش الشنطة دي يابنتي، اللي يشوفك يقول مغادرة ومش هترجع ..
ظلت للحظات صامتة، ثم اتجهت لحقيبتها ونظرت إلى سيلين
-هطلع الشنطة وأصلي العصر وهنزلك ياسيلين
هزت سيلين رأسها بالموافقة وجلست بجوار والدتها متسائلة
-ماما أنا مش مصدقة إن سليم يعمل كدا، اتجهت زينب بنظرات تائهة وهي تتحدث
-أنا متأكدة انهم عملوا حاجة..نهضت من مكانها
-هروح أصلي العصر، وأقرأ شوية في المصحف قلبي واجعني، وحاسة بضيق بصدري
سحبت سيلين كفيها وتحدثت
-ماهو لازم بعد دا كله تحسي بكدا
في المشفى عند راكان، ترجل من السيارة بأنفاسًا متقطعة وشعور بضلوعه التي تنقبض بقوة معتصرة قلبه، بصوتًا متقطع بجواره نوح تسائل:
-سليم البنداري اللي جه في حادثة فين؟!
نظرت لجهازها وأجابته:
-في الدور التالت، هو في العمليات.. تحرك سريعًا كأن كلمة عمليات صفعته حتى يفيق لحاله، ويؤكد له أن أخيه مازال على قيد الحياة
وصلا وتوقفا بالخارج ينتظران الأطباء حتى يطمئن..خرج الطبيب ووجه يظهر إليهم بأسفًا
وصل إليه بخطوة يسأله بأنفاسًا حارة متقطعة
-اخويا اخباره ايه؟!
نزل الطبيب بنظره للأسفل قائلا:
-الحالة صعبة، إحنا عملنا اللي علينا والباقي على ربنا، ادعوله، هو مش محتاج غير الدعاء
جحظت عيناه وهو يطالع الطبيب بصدمه، حتى اتجه يمسكه من تلابيبه
-أخويا لازم يعيش سامعني، انتوا لازمتكوا ايه، حاول نوح التدخل
-راكان اهدى، هو بيقول عملوا اللي عليهم، ممكن تهدى..هو فين؟!
تسأل بها راكان...أجابه الطبيب في العناية المركزة
بخطى متعثرة اندفع متجها يركض بعض الخطوات الملكومة بنيرانها، حتى وصل إلى العناية، وجده على الأجهزة، ظل ينظر إليه من خلال زجاج النافذة لبعض اللحظات وجسده يرتعش من حالته
اتجه للممرضة عايز ادخله، رفضت الممرضة المسؤلة عن العناية
-ممنوع يافندم، هو مش حاسس بحاجة، دفعها راكان بغضب
-قولتلك عايز اشوفه، دلف للداخل، ظلت تصرخ عليه، طيب لو سمحت ألبس الواقي
تراجع لخطوتين مردتيا الخاص بالعناية..دلف إليه، وقف بجوار فراشه، وعيناه على جسده ظللت العبرات مقلتيه، وأطلق شهقة بكاء قوية وهو يردف متسائلا لنفسه
-مين دا؟فين سيلم ؟!
جثى بركبتيه أمامه، يرفع يديه المرتعشة على وجهه الموصلة بالأجهزة
-إيه اللي عمل فيك كدا ياحبيبي؟!قالها بدموعه المنسدلة بقوة على خديه حتى منعت عنه الرؤية
مسد على خصلاته يحادثه من بين بكائه
-انت زعلان مني عشان مديت أيدي عليك، طيب قوم اكسرها ومش هقولك حاجة، وضع رأسه بالقرب من أذنيه
-سليم متزعلش من اخوك، أخوك غبي وغلط، افتح عيونك وبلاش تكسرني كدا ياحبيبي
لحظات بل دقائق وهو يحادثه ببكاء، ظل لفترة حتى وصلت الممرضة
-كفاية لو سمحت، مينفعش كدا
رفع نظره للممرضة وتسائل
-هو المفروض يفوق إمتى..نظرت الممرضة إليه بأسف وأجابته وهي تنظر لحالته
-معرفش يافندم، كل اللي اعرفه أن حالته خطيرة ادعيله
شعر بتحرك أصابع يديه..اقترب منه يبتسم
-كنت عارف انك قوي وهتقوم، ياله ياسليم، متكسرش أخوك وافتح عينك حبيبي
-"ليلى" همس بها بصوتا متقطع...وضع راكان اذنه بجوار فمه حتى يسمعه
-ليلى، عايز ليلى ..قبّل جبينه وأردف:
-حاضر ياحبيبي، هجبهالك حالا
خرج سريعا يمسك هاتفه..عند يونس ترجل من السيارة، وجد العديد من المكالمات التي لم يجب عليها، بسبب عملياته
-ياترى نوح بيتصل ليه دا كله، ربنا يستر
رفع الهاتف لمهاتفته، ولكن قطع رنين هاتفه برقم راكان
-ياااه دا أنا مهم يخليكم هتموتوا وتكلموني
- اسمعني كويس وإياك تغلط، هتوقف على الباب الخارجي للقصر، ليلى هتيجي لعندك تجبها وتيجي عندي خلال عشر دقايق، سمعتني، أرجع على القصر مهما كان مكانك وتتصرف حالا
-اتجننت ياراكان، عايز مرات أخوك ليه، انت ناوي تخطفها ولا ايه، شكلك اتجننت
-يوننننس صرخ بها راكان، قدامك عشر دقايق تكون عندي في مستشفى( )
صدمة أصابت جسد يونس، فتصنم جسده متسائلا:
-مستشفى ليه، مين عيان، ابوها هيموت ولا إيه
أغلق راكان واتجه يهاتف ليلى..بغرفة ليلى، أكملت ارتداء ثيابها، متجهة لحقيبة صغيرة توضع بها ثيابها البسيطة، قاطعها رنين هاتفها
ضيقت عيناها متسائلة
-ودا عايز ايه، هو مفكر هرد عليه دا بيحلم
وضعت الهاتف بالحقيبة ولم تجيبه، صار يهاتفها عدة مرات متتالية وكأنها لم تستمع لرنين الهاتف
زفرت بملل من صوت الهاتف، فاستمعت إليه مرة أخرى بعدما انقطع الرنين
-نعم..افندم، لسة ناوين تعملوا فيا إيه
❈-❈-❈
سحب نفسًا وزفره، حتى أفرغ شحنات ندمه وبأسه وتذكر كلماته التي اخترقت قلبه تعنفه على أهانتها وإيذائها ..حمحم ليجلي صوته
-ليلى اسمعيني كويس، سيبي كل الخلفات اللي بينا، وتعالي مع يونس، سليم عمل حادثة وهو عايز يشوفك
على رغم انشطار قلبها من كلماته الحزينة، إلا أنها اردفت بقسوة:
-لا إلعب غيرها انت واخوك، أنا مستنية ورقة طلاقي، سمعتني ياحضرة المستشار، غير كدا ياريت تنسى في يوم إنك قابلتني..كانت أنفاسه المرتفعة تخترق اذنها، حتى قاومتها بشدة،وأكملت ماهشم قلبه
-راكان لو سمحت سبوني في حالي عايزة أرجع نفسي اللي ضاعت من يوم ماعرفتكم
صرخ بوجهها عندما فاض به الحال :
-عشر دقايق وتكوني هنا مع يونس، وبلاش شغل الستات دا، وشغل الكرامات دا، جوزك عمل حادثة يامدام
أغلقت الهاتف بوجهه وصاحت بصراخ
-كداب واحد كداب، إزاي سليم عمل حادثة، وعمو أسعد نايم تحت وماما زينب، دا بيشتغلني، وحياة ربنا لأدوس عليكم كلكم، وضعت يديها على أحشائها
-متخافش ياحبيبي هعرف اربيك في بيئة نضيفة عن القذارة دي، سحبت حقيبتها وأمسكتها متجهة للخارج
هبطت كانت زينب تجلس بغرفة المعيشة توقفت عندما وجدتها، انسدلت دموعها وأردفت بصوتًا حنون
-ليلى، روحي ارتاحي يومين ياحبيبتي يومين وتعالي، بلاش تخلي الشيطان يفرح فيكم ياحبيبتي
دنت بخطوة من زينب وامسكت كفيها
-عايزة أقولك حاجة ياطنط زينب، أنا بحبك قوي، بجد لو حزنت في البيت دا، هحزن على فراقك بس مش أكتر
جذبتها زينب لأحضانها تربت على ظهرها
-لا مفيش فراق ولا حاجة، هتروحي ترتاحي شوية، ومتخافيش هربيلك سليم، بس عايزاكي تتأكدي انه مظلوم، سليم مش بتاع كدا
تذكرت حديث راكان فأردفت
-طيب ممكن أطلب منك طلب..أومأت زينب برأسها وتحدثت
-قولي ياحبيبتي...حمحمت ليلى قائلة:
-اتصلي بسليم وعرفيه، عشان ميرجعش يلومني
أمسكت هاتفها سريعا لمهاتفته، ظل الهاتف يرن بيد راكان الذي جلس بجوار نوح بجسدًا هاوي، لا يشعر إلا بإختناق أنفاسه، بسط يديه إلى نوح بالهاتف
-رد على ماما، قولها نوح راكب الحصان وبعيد عني، مش عايزها تعرف دلوقتي لما اطمن عليه، دي ممكن تروح فيها
أومأ نوح برأسه ساحبا الهاتف
-طنط زينب حبيبتي..نظرت زينب إلى ليلى مبتسمة
-عامل أيه ياحبيبي، ينفع تيجي وتمشي من غير ماأشوفك، نهض نوح مبتعدا عن راكان الذي جلس مغمض عيناه من قسوة الألم الذي يشعر به بصدره
اكيد عايزة سليم مش كدا...أجابته زينب
-أيوة ياحبيبي ياريت أكلمه، قوله مامتك عايزاك ضروري
وقف نوح ساكنًا للحظات يفكر بحديث راكان فأجابها سريعا ورغم سرعة حديثه إلا أن الحروف خرجت ثقيلة عندما اردف:
-سليم بعيد عني ياطنط، راكب الحصان هو وراكان، لما يرجعوا هخليهم يكلموكِ
هزت رأسها بتفهم قائلة:
-طيب يا حبيبي، خليهم يكلموني ضروري، وخصوصًا سليم، قلقانة عليه من وقت ماخرج بحالته دي، وقلبي وجعني
هنا انذلقت دمعة من جفنيه وهو يطالع راكان الذي مازال على حالته، فأجابها
-اكيد ياطنط زينب، وقت مايوصل هخليه يكلمك، ممكن تدعي له كتير، شكله حزين ومضايق قوي ادعيله ياطنط زينب، محتاج لدعواتك كتيير
-ربنا يسعد قلبه ياحبيبي، بدعيله يانوح، وهروح أصلي وادعيله كمان هو وراكان
أغلقت الهاتف تنظر لليلى المنتظرة حديثها على نيران ملتهبة خاصة عندما ذكرت دعوتها
أمسكت كفيها تطالعها بنظراتها المستفهمة دون حديث، ورغم ماتشعر به زينب من إختناق صدرها إلا أنها ابتسمت لها تربت على يديها التي احتضتنت يد زينب قائلة
-هو مع راكان في مزرعة نوح، راكبين الأحصنة، وطبعا بيكونوا مجانين زي العيال الصغيرة، بيجروا في المزرعة، لما يجي هخليه يكلمك، وهفهمه كل حاجة
هزت رأسها رافضة وتحركت بعض الخطوات تبحث عن سيلين
-لا خلاص، حبيت أعمل كل حاجة عشان مطلعش وحشة، وشوفي سابني وراح يعمل ايه أنا كنت همشي، ممكن تنادي لسلين لو سمحتِ
جلست على المقعد
-سيلين مستنياكي برة
تحركت للخارج تبحث عن سيلين التي كانت تقف تنتظرها بجوار سيارتها حزينة على ماصار لأخيها ..وصلت ليلى واستقلت بجوارها وهي تهمس لنفسها
-واحد كذاب، معرفش الراجل دا ايه، حياته كلها كذب وخداع ومقرفة
وصلت ليلى بعد قليل لمنزل والدها..دلفت للداخل بعدما فتحت درة الباب ووجدها بحقيبتها بصحبة سيلين..وصلت والدتها إليها
-إيه دا يابنتي، إيه اللي معاكي دا، دققت النظر بعيناها، دنت مقتربة
-ليلى، مالك انتٍ معيطة ولا إيه!!
هزت رأسها بالنفي وتحركت للداخل، وهي تحاول الأ تبكي أمام والدتها
-إيه ياماما مش عايزة بنتك ولا إيه؟! جاية اقعد شوية عندكو، ولا معدش ليا مكان في البيت
سحبتها والدتها وهي لم تقتنع بكلماتها، جلست وأجلستها تنظر إلى سيلين
-اقعدي حبيبتي واقفة ليه، استمعت سيلين لهاتفها فتحركت معتذرة
-انا مش قولتلك ما تتصلش بيا تاني!!
مسك يونس هاتفه بأصابع مرتعشة وأعطى الهاتف إلى راكان الذي حاول لملمت شتات نفسه
- سيلي حبيبتي إنتِ فين ومعاكِ ليلى؟!
اجابته سيلين بنبرة يشوبها الحزن
-أيوة ياآبيه، ماما قالتلي اوصلها لبيت باباها، فيه حاجة..اشتعل نيران الغضب لدرجة جعلته يتوعد إليها، بعدما أخبره يونس أنها خرجت بصحبة سيلين
-تمام حبيبتي ارجعي على البيت حالًا، لما توصلي كلميني هطلب منك حاجة من هناك...استمع لحركات الأطباء تتجه بحركات سريعة نحو العناية التي يوجد بها سليم
تحركوا سريعا متجهين للعناية، توقفوا أمام النافذة والأطباء يحاولون انعاش قلبه،
جف حلقه ورجفة أصابت جسده، وعيناه على نبضات قلبه الذي توقفت يهمس
-ياله ياسليم، ياله حبيبي اتمسك بالدنيا عشان ابنك، لحظات عدت كسنوات عليه،
رفع يديه على الزجاج وكأنه يلمسه وعيناه تحجرت بالدموع لأول مرة يشعر بتوقف قلبه لما رآه من حالة أخيه.. عاد تنفسه عندما عادت نبضات أخيه، خرج الطبيب، أسرع إليه راكان
-إيه اللي حصل؟! ليه قلبه وقف؟!
وزع الطبيب نظراته بينهم قائلا:
-أنا فهمتكم الوضع حالته خطيرة، اتجه راكان بنظراته إلى نوح وأردف
-كلم باباك يجهز لسليم غرفة في المستشفى بسرعة، لازم انقله من هنا، أنا مش كل شوية هموت من الخوف عليه
توقف الطبيب أمامهم يحذره من نقله
-اللي بتعمله غلط، مش عايز اقولك أخوك يعتبر ميت ..أظلمت عين راكان بشكل مخيف، وأطبق على عنقه قائلا
-حياتك قصاد حياته سمعتني
جذبه يونس بقوة وصاح بغضب
- راكان اتجننت، أبعد عنه هتموته، استدار يونس إلى الطبيب :
-إحنا هنجيب دكاترة تانية، اعذرنا دا مش تقليل منكم ابدًا بس دول دول دكاترة العيلة، فياريت تقدر الحالة اللي احنا فيها
هز الطبيب رأسه ولكنه قبل تحركه اردف
-معنديش مشكلة، لكن ممنوع خروجه بالحالة دي
أعاد راكان خصلاته للخلف محاولا السيطرة على نفسه، زفر الهواء الذي أصبح كنيران تلتهم جوفه
-اتصل باسما يانوح خليها تجبلي بنت خالتك، لازم تكون هنا، أنا معرفش ايه اللي هيحصل
أجابه نوح بحزن :
-أسما مش هنا ياراكان، أسما عند والدتها بالجيزة، أنا هروح اجيبها
أوما برأسه في وصول حمزة الذي وقف يوزع نظراته بينهم
-سليم ماله، وإيه اللي حصل؟!
تحرك راكان إلى غرفة العناية مرة أخرى، بينما جلس يونس وحمزة بالخارج، في حين ذهاب نوح لليلى
دلف للداخل يجلس بجواره، يمسد على خصلاته
-سليم حبيبي، كدا تخضني عليك، ياله قوم، بلاش تموت امك ياسليم
وضع رأسه بجانب رأس أخيه، وشهقة ملتاعة بالألم خرجت بأنفاسه الحارة:
-مبقاش لماما غيرك ياسليم، عايز تموتها بحسرتها، مهما كان أنا وسيلين مش ولادها، ياله حبيبي لو بتحب ماما افتح عيونك وأرجع
دقائق مرت عليه وهو يحادثه، حتى شعر كصخرة منعت تنفسه حينما وجده على حالته كجثة هامدة، رفع كفيه يحتضن كف أخيه
-ماهو إنت لازم تقوم، مش هسيبك تستسلم كدا، لازم تفوق عشان ابنك وأمك، استمع إلى همسه
-"ليلى"كررها عدة مرات، أطبق راكان على جفنيه بقوة حتى شعر بإحتراق عبراته
"راكان"..أردف بها سليم بتقطع، دنى منه
-بلاش تتعب نفسك حبيبي، ليلى في الطريق
حاول رفع يديه ليمسك يد راكان وهمس بصوتا يكاد يسمع
-خلي ليلى تسامحني، أنا مخنتها...ش، أنا بحبها
تقاطعت أنفاسه وارتفع صوت الأجهزة
دنى راكان منه:
-حبيبي متتكلمش، ليلى دلوقتي هتيجي، انسدلت عبرة بجانب جفنيه وأكمل
-مش هتيجي، ليلى مش هتسامحني، ابني ياراكان، أبني وصيتك، مفيش حد هيحميه زيك
انسدلت دموعه كالشلال وهو يستمع لحديث أخيه فأردف بصوتًا مفعم بالبكاء
-سليم اسكت، انت هتقوم وتربي ابنك، لازم تقوم سمعتني، سليم لو بتحبني قاوم عشان، ومراتك
أغمض عيناه وهو يهمس بصوته المتقطع
-"ليلى" ياراكان...هنا استمع لصوت بانذار توقف الأجهزة وتوقف النبض نهائيا
جحظت أعين راكان عندما انزلقت يدي أخيه من يديه، وانسدلت العبرات بقوة، وتوقف نبضه ، أسرع الأطباء إلى الغرفة، بوقوف حمزة ويونس الذي شعر وكأن الأرض تميد به عندما حاول الأطباء لفترة لأنعاش قلبه ولكن لقد انتهت حياتك ياانسان ولم يتبقى سوى المرحوم فلان ابن فلان