رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 59 - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل التاسع والخمسون
الجزء الثاني
عاد من جديد لموضعه وهو يحدق بظلمة الغرفة
نحو سقفها وأجاب:
-
أنا مش باجي على ماما عشانك، ده عشاني أنا
وعشانها هي، سواء أنتِ في الموضوع أو لأ
همهمت وهي لا تقتنع بكلماته وعقبت بنبرة
مسترخية:
-
عيد نفس الأسطوانة تاني، ماما وحشة وبابا
حلو، براحتك بقا يا عمر اعمل اللي تعمله بس عمرك ما هتكون مرتاح وأنت علاقتك معاها
بايظة، أنت مفكرتش تقرب منها طول حياتك أصلًا!
أطلق تأتأة بغضب ولتوها استبدلت ملامحها التي
كان ينوي أن ينام وهو يشرد بها بالكثير من ذكريات مريرة لا يريد أن يتذكرها واعترض
محتجًا:
-
ولا هي عملت كده، وبعدين متتكلميش في الموضوع
ده تاني عشان أنا مش مستحمل أتكلم فيه.
همهمت وهي تزفر وأغمضت عيناها وقالت بسخرية
ونبرة تستعد للنعاس:
-
نفس الراجل اللي اتجوزته زمان من اكتر من
سنتين ونص، هو هو بطريقته اللي مبتتغيرش، أول امبارح تقولي إنك هتعمل حاجة عشان
نتطلق وبعدين متقوليش عليها وتتوهني في الكلام، ويعمل حاجة حلوة يداري بيها على
الوِحش عشان اتلهي فيها، واستحالة افهمه، امبارح ينام جانبي النهاردة لأ، صدقني
بجد أنا مبقتش عارفالك حاجة.
استمعت لجلبة وخطوات قليلة ثم رأت النور
بجانبها يُضاء فنظرت له لتجد ملامحه غاضبة وهو يسألها:
-
أنتِ عايزة إيه؟
اتكأت لتجلس وهي ترفع رأسها نحوه وتنظر له
وقالت:
-
عايزاك تبقى إنسان طبيعي معايا ومع اللي
حواليك ومع نفسك من غير لف ولا دوران!
تفحصها وهو يعقد حاجباه بغضب ورتب كلماته قبل
أن يتفوه بها وهو يجلس أمامها على طرف الفِراش ثم أجاب كل ما تريد أن تتشاجر به
ويبدو أنها لن تتوقف أبدًا:
-
اللي أنا هاعمله محتاج ترتيب عشان تفهميه،
ينفع تديني سطر من الكود بتاعك وتقوليلي لما يخلص نتيجته هتبقا كذا؟
قلبت شفتاها واعتلت ملامحها بادرة للشرح
والتوضيح فبادرها قائلًا:
-
الإجابة آه أو لأ من غير رغي كتير، ينفع؟
زجره إياها بهذه الطريقة لم تشعر بسببه سوى بمرارة
في نهاية حلقها وهي تبتلع فهي لم تكن تكذب عندما قالت أنها ما زالت متزوجة من نفس
الرجل الذي لن يتغير بالكامل فأجابته باقتضاب وهي تحاول أن تبتعد عن ملامحه تلك
المقترنة بأقسى فترات حياتها:
-
لأ!
-
متشكر جدًا.. يبقا نصبر وأنا بنفسي هقولك كل
حاجة!
تفقدته بعينيها وهو يبتعد لنهاية الفراش بعد أن
لاحظ القليل من خوفها وسألها:
-
انا ومجنون وعرفنا الكلام ده وحفظناه، أنتِ
بقا مجنونة ولا بتستعبطي، هو ايه اللي اتغيرت وبقيت حلو وفجأة تقوليلي مش هتغير
أبدًا؟ أنتِ اتجننتي في اليوم اللي مش ناوي يخلص ده ولا ايه؟
لم ينتبه كيف بدا وكيف كانت ملامحه لتبدو
كمثل تلك النسخة القديمة منه ولم يلحظ كيف كانت نبرته فتوسعت عيناها وهي تجد إجابة
عليه فقررت أن تتركه وشأنه وندمت أنها تحدثت له لتقول:
-
خلاص يا عمر.
رفع حاجباه ثم نهض واقترب منها بعصبية ولم ير
أمامه سوى الكثير من صور رُسم به حياته بأكملها فانكمشت هي على نفسها للخلف ولن
تُنكر أنها عاودها شعور الخوف منه وهو يتحدث بنفس ذات نبرته التي كانت تُرعبها ومقلتاه
تبدو مخيفة للغاية لدرجة جعلت نبضات قلبها تتسارع:
-
أنا مش زرار عشان تدوسي عليه يتغير، أنا
بحاول اعمل كل حاجة في وقت واحد وسط زفت ماليش ايد فيه، فكراني مش عايز أكون كويس،
ولا فكراني عايز اصحى من النوم ناسي شهر ونص من حياتي، ولا تفتكري إني حابب احبسك
وأنسى إني حبستك، أنتِ مفيش رحمة خالص، مفيش حاجة بتعجبك أبدًا، أنا زهقت!
تحاشت النظر له وأدركت أنه لا فائدة من
النقاش معه الآن فأخبرته باستسلام:
-
قولتلك خلاص، أنا بس كنت عايزة
-
عايزة ايه؟ أنا عايزة اعرف وافهم أنتِ عايزة
إيه؟
قاطعها فتفقدته أسفل اهدابها ثم ابتلعت وهي
تعرف أنها لو قالتها ستلقي بلغم أسفل قدمه فقررت العدول تمامًا عما أرادته وقالت:
-
خلاص قولتلك مفيش حاجة.
اقترب منها وأمسك بذراعها بقوة فرفعت عيناها
له وهي توشك على البكاء بينما صرخ هذه المرة بقوة:
-
انطقي، عايزة إيه؟ متقوليش خلاص واتزفتي قولي
عايزاني اعمل إيه؟
تفقدته وهي تشعر أنها في ورطة ولكن والدته
وأخته بالمنزل، ربما صراخها سيُفيد، حسنًا، لقد رأت جوانبه الأسوأ بالفعل وعليها
أن تثبت أمام ملامحه هذه فأجابته:
-
عايزة تكون كويس في كل حاجة وتدي لنفسك فرصة
مع مامتك تاني اللي خافت تقرب منك زمان عشان خاطر باباك وهي ملهاش ذنب وأنت طول
عمرك محتاجها جانبك!
-
حاضر هتزفت، حاجة تاني؟!
هل هذا ما يُريده؟ هل انتهى الأمر هُنا؟ هل
هذا كل شيء؟! الأمر سيكون بمثل هذه السهولة معه أم ماذا؟!
أومأت بالنفي واجابته لكي يبتعد ويتوقف عن الإمساك
بذراعها بهذه الطريقة وقالت:
-
لا خلاص!
جالت عيناه بوجهها وتحدث بين أسنانه ليخبرها
بغضب يحاول أن يكتمه ولكن بلا فائدة:
-
لما بتزفت بعملك حاجة عشان بحاول يوم ما نبعد
عن بعض تفتكريلي أي حاجة كويسة، لما بقرب منك ولا بنام جانبك لأني غصب عني ببقى
عايزك جانبي حتى لو ساكتة ولا نايمة ولا بنتخانق، مبقتش بلف وادور عليكي في حاجة،
ارحميني بقا شوية عشان أنا مستحمل كتير وساكت، خلصنا ولا مخلصناش؟!
القليل من القوة بعد وعظام ذراعها ستضرر لا
محالة:
-
عمر سيب دراعي.
تفقد ما يفعله دون إرادة منه فتركها وأغلق
الضوء مرة أخرى واتجه ليحدق بالفراغ بينما شعرت بالخوف الشديد لو أكملت الليلة هنا
معه على مسافة أمتار قليلة بداخل نفس الجدران، أفضل حل الآن أن تذهب لتنام بغرفة
"عنود" ربما هذه نوبة جديدة أو هناك أمر ما به ولكنها لن تتحمل أن ترى
ملامح نفس الرجل الذي عذبها لمرات تتضح على ملامحه من جديد.
شعر بها تتحرك من فوق فراشها ببطء فازداد
غضبه ثم نهض جالسًا وهو يصيح بها:
-
رايحة فين، ده تكملة لهبل الليلادي؟
شعرت به ينهض فتوجهت سريعًا نحو باب الغرفة
لكي تستطيع الفرار ولكنه أمسك بها وبمجرد اقترابه منها استشعر أنفاسها المضطربة
فتحدث بين أسنانه وغضبه لا يتوقف وكأنه يدفعه لقتلها هي وكل من بهذا المنزل:
-
فيه ايه بقى؟ أنا بقيت بعمل كل اللي أنتِ
عايزاه، خايفة ليه؟!
-
عمر أرجوك ابعد، أنا شوية وهرجع أنام هنا!
حاولت البحث عن أي كلمات لتفيدها في هذا
الموقف ليحاول هو أن يُسلط تركيزه فيما تقوله ليعقب على كلماتها بمزيد من الغضب
والكلمات تترامى من لسانه دون وعي ولا هدف:
-
أنتِ بتعصبيني، أنتِ مش شايفة كل حاجة
بعملها، أنا تعبت، تعبت منك ومش عارف اتصرف معاكي ازاي، الحلو بينتهي بخناقة
والوحِش بينتهي بخناقة، انام جانبك ببقا وحش، بعيد عنك وحش، اعمل اللي يرضيكي برضو
مش عاجب، أنا شايل كتير وانتِ مش شايفة أي حاجة من ده، أنا غلطت واتزفت عرفت غلطي
ومش بطالبك بأي حاجة، كفاية بقى كده، أنا مش شايف حاجة قدامي غير اموتك انتي وهم
واموت نفسي، ساعتها كلنا هنرتاح!
حاولت ألا تفتعل شيئًا غبيًا دون إدراك منها حتى
لا تنتهي هذه الليلة نهاية كارثية وأخبرته:
-
طيب حاضر، هاعمل اللي أنت عايزه، متزعلش، أنت
عايزني دلوقتي اعمل ايه؟
-
ترجعي تنامي وتبطلي كلام مش كويس.
تعجبت مما يقوله ولكنها ودت أن تنهي هذا
الشجار حتى لا تحفز المزيد من غضبه فأخبرته بنبرة مستسلمة:
-
حاضر، هنام، تصبح على خير.
قام بإضاءة نور الغرفة ثم أشار لها لاهثًا أن
تعود لفراشها ففعلت وبمجرد رؤيته لها قد نامت بالفعل أسفل الأغطية عاد هو للأريكة وشعر
وكأن النوم غادره دون رجعة فتفقد هاتفه ليجد أن الساعة قاربت على الواحدة صباحًا
ليلعن حياته ونفسه وعمها الحقير الذي قرر فجأة أن يقوم بتزوير لعنة طلبًا بأحقيته
في إرث أخيه، ليتها لم تدخل مكتبه، ليت عمها مات أو ذهب لأي جحيم ليحترق بها.
-
ده أنتِ عيلتك عيلة عايزة الحرق!
رفعت حاجباها واستغربت ما يقوله، هل حقًا قال
هذا بصوت مسموع؟ لقد كان لتوه يصنع لها الحلوى ويبتسم لها، لقد وافق على كل ما
أخبرته به قبل ذهابها للنوم، ما الذي حدث له؟
نهضت وهي تضيء النور الجانبي لفراشها لتستمع
له يتذمر بكلمات ثم نظر كلاهما لبعضهما البعض بعد أن جلس كل منهما وسرعان ما عاود
الشجار معها دون مبرر واضح:
-
تاني؟ أنتِ بتستفزيني ليه؟ ولا وحشك أسلوب
زمان؟
تفقدته بأعين مرتبكة ثم سألته بهدوء:
-
عمر أنت آخر مرة اخدت دواك امتى؟
قلب عيناه ثم نهض واتجه نحوها ووجه كان
كفيلًا بدفعها للموت رعبًا ولكنها لو فعلت ستمادى فيما سيفعله:
-
دوايا باخده زي ما هو، متغيريش الموضوع وتلفي
وتدوري عليا، أنتِ عايزة ايه الليلادي؟
تأهبت عيناها لكل ما يحيط بهما وله هو نفسه
ولكل حركة قد يأخذها وأشارت له بأن يجلس بجانبها ثم دعته:
-
تعالى اقعد جنبي، هقولك على حاجة بس محتاجاك
تهدا شوية
زفر بضيق وشعر وكأنما رأسه تقارب على
الانفجار ولكنه لم يُدرك بعد ما يحدث له ليصيح بها:
-
أنتِ غبية ولا شكلك كده، بقولك انجزي عايز
أنام.
حاولت أن تكون ذكية قدر الإمكان وأخبرته
بنبرة هادئة وهي تنظر له نظرة العشق التي يعرفها هو وهي على أتم استعداد أن تفعل
أي شيئًا لكي تنقذ الموقف قبل أن يقتلها حقًا ويعميه غضبه:
-
تعالى بس.
جذبته من يده لكي يجلس بجانبها فنفض يدها
بعيدًا ونفذ صبره بالكامل فسرعان ما تكلمت قبل أن يفعل بها شيئًا وهي تتذكر كيف
عليها التعامل معه:
-
عمر احنا كنا كويسين وبنضحك وبنهزر، فجأة أنت
اتعصبت، أنت متأكد إنك متعصب من حاجة معينة نتكلم فيها ولا أنت مش لاقي جواك سبب
للعصبية دي؟ ممكن تفكر بس ثواني كده وتقولي عايز ايه وأنا اعملهولك؟
نظر لها والغضب لم يختلف بعد على وجهه بينما
رفعت يـ ـدها بتردد وهي تضعها على كتفه وسألته:
-
مش شايف إن دي عصبية ملهاش أي تبرير غير انها
نوبة أو بداية نوبة؟ انت لخبطت في أي حاجة في الدوا؟
شرد بأنفاس غاضبة وهو يحاول أن يتذكر ما الذي
حدث له وبعد لحظة أومأ بالإنكار واجابها منزعجًا بملامح مُتأثرة:
-
لا، أنا عامل reminder مبلخبطش في حاجة!
لم تثق في كامل كلماته فلربما نسى أمرٍ ما، ولكن
ما يجعلها تتعجب ولا تستطيع مواكبة ما يحدث له هو فكرة أنه لتوه خضع لجلسات على
الأقل ستستمر معه لمدة شهور، ولقد أكدت "مريم" أن الأمر كان ناجح معه،
ما الذي يحدث له الآن؟ هل من الممكن أن مفعولها كان قصير المدى أم أنه لا يستجيب؟!
ستحاول أن تهدئه قليلًا واقناعه بالنوم وفي
الصباح ستتحدث مع "مريم" بشأن كل هذا، هي ليست مستعدة أن تجد نفسها في
المنتصف بين عراك بينه وبين والدته أو أخيه أو حتى بينه وبين نفسه!
-
طيب تلاقيك بس متضايق عشان أنت صاحي من
الصبح، ممكن تنام دلوقتي والصبح هتكون كويس.
التفت نحوها بملامح ما زالت غاضبة وزجرها بنبرة
جعلتها ترتجف لجزء من الثانية:
-
ما كان من الأول!
اتجه وعاد من جديد حيث الأريكة التي كان ينام
عليها منذ قليل لتتفقده بينما استمعت لصوته الآمر:
-
اطفي النور
امتدت يدها بجانبه لتطفأ الضوء ولكنها جذبت
الغطاء فوقها وظلت جالسة فوق الفراش في صمت تحاول أن تفهم لماذا تلك النوبة
المفاجأة من الغضب؟
حسنًا لقد بالغت نوعًا ما منذ أن عادا من
"دبي" ولكن ألم يحاول أن يقبلها بتلك الطريقة وقام بالشجار معها جاعلًا إياها
تعترف بما لا تود تصديقه بداخلها وتحاول إنكاره طوال الوقت، فجأة هكذا يضطرب بغضبه
غير المبرر؟
تنهدت وهي تحاول مراجعة كل ما حدث بينهما
بالأيام الأخيرة وهي لا تدري هل اللوم يقع عليها أم عليه أم على كلاهما؟
شعرت بحركة هادئة للغاية بالغرفة فسرعان ما
أضاءت الضوء بجانبها فوجدته قد اقترب للغاية منها ويحدق بها فرفعت عيناها نحوه
باستفهام وكل ما تشعر بالخوف منه هو نوبة هوس جديدة، تقسم أنها ستجبر
"عدي" أن يصحبه للمشفى، هي لن تتحمل هذا من جديد، ولتدخل والدته قليلًا
في الأمر.. هي ليس لديها مثقال ذرة من الطاقة لتحمل كل هذا وحدها!
تفقدها بملامح غريبة خالفت ما كان عليه منذ
قليل فابتلعت وتوجست مما قد يدفع إليه عقله معها فسألته:
-
عايز ايه؟
عادت للخلف قليلًا وهو يقترب منها فأجابها
سائلًا:
-
عاجبك اللي حصل ده من شوية؟
أومأت له بالنفي وكادت أن تخبره بشيء ما
ولكنه بادر بسؤال جديد:
-
تحبي يحصل تاني؟ ولا أنتِ بتتبسطي إنك تكوني
خايفة دايمًا ولازم اعيشك في رعب عشان تخفي شوية؟!
ضيقت ما بين حاجباها وتمعنت في ملامحه ولوهلة
تريثت وهي تجده نوعًا ما اختلف عن ما كان يبدو عليه منذ قليل لتندهش وهي تعتدل
بجلستها وبدأت في مواجهته من جديد بطريقة طبيعية:
-
أنت كل ده كنت بتضحك عليا؟!
اكتفى بالنظر إليها وعيناه وحدهما تنطق
بالإجابة الحقيقية على هذا السؤال ثم واصلت وهي لا تصدق:
-
كنت متأكدة إن فيه حاجة غلط، انت حتى مكملتش
شهرين بعد الجلسات.. طول عمرك كداب كده دايمًا وأنا معايا حق مصدقش أي حاجة من الـ
كانت تنهض من فوق فراشها ففعل المثل هو الآخر
لينهض وقاطعها وهو يصرخ بها:
-
ما كفاية بقا.
اختل توازنها وكادت أن تسقط بفعل صوته وأنقذها
ذاك المسند الجانبي لفراشها والتفتت لتنظر له وهي بداخلها الكثير من الكلمات
الغاضبة ولكنه اقترب منها وهو يُحدثها بهدوء:
-
ما نفس اللي حصل من شوية ده ممكن يحصل
بسهولة، أو الأسوأ منه يحصل، استغربتي ليه فجأة إن ده يحصلي، ولا أنتِ مش فاهمة إن
اللي بتعمليه معايا وكلامك المستفز اللي مبقتش بسمع غيره ممكن يوصلني لكده،
اتضايقتي ليه؟ ولا مكونتيش واخدة بالك مثلًا؟ مش هو ده العلاج اللي كنتي عمالة
تتحايلي عليا فيه؟ فجأة اكتشفتي إني ممكن اتعصب بدون سبب أو يجيلي أي نوبة من غير أسباب
واضحة؟ انتي مش فاهمة إن اسلوبك ممكن يوصلني لكل ده من غير مقدمات أصلًا..
كلما أوشكت على الرد بقول شيء تراجعت من
تلقاء نفسها وتكرر الأمر لأكثر من مرة، تفترق شفتاها ومن جديد تغلقهما ولا ينتهي
بها الأمر سوى خاوية من كلمة مناسبة لتقولها إلى أن عقبت:
-
أنت اللي وصلتني لكده، أنا مكونتش كده زمان!
خاب أمله قليلًا بها ولكنها محقة فأخبرها
برفق مطنبًا ومتوسلًا لعلها تستجيب له:
-
عارف إن أنا السبب، بس احنا مش مضطرين نعمل
كده في بعض، لو على الأذى اللي أنا سببتهولك فأنا بعمل كل اللي اقدر عليه عشان
اشوف أنسب طريقة تعوضك ولو بجزء صغير عن كل القرف اللي عيشتيه بسببي، عارف إن مفيش
حاجة تعوض بشكل كفاية بس صدقيني بحاول، كل حاجة بخليها تكون ماشية زي ما أنتِ ما
قولتي، يوم ما بيبقا عندي جلسة ولا مضطر اخد دوا يقرفني ولا اصحا الصبح بدري وانام
بدري ولا حتى فنجان القهوة اللي اتحرمت منه بقول كل ده في سبيل اننا نخلص من
الجوازة دي واريحك وتريحيني، فلازم اضغط على نفسي عشان ميحصليش حاجة تؤذيكي اكتر، كفاية
يا روان مبقتش مستحمل، ماما بقت هنا وانتِ نفذتي اللي في دماغك قدام يزيد الجندي،
انتصرتي عليا وعليه، اخدتي اخر حاجات بسيطة تخصني عشان تضايقيني، بقيتي بتردي
الكلمة بمليون، تمام ماشي أنا موافق بس مش ورا بعض، خفي شوية عليا لأني لو وقعت
تاني أنا معنديش أي حاجة اطمنك بيها، بابا ساعتها هو اللي هيتدخل وأنا وانتي
عارفين إنه مش زيي.. ممكن كفاية كده؟! ممكن نتعامل بطريقة أحسن شوية مع بعض؟! ولا
نضغط احنا الاتنين على بعض واللي يحصل يحصل؟ ترجعي انتي تخافي وارجع انا ابوظ
الدنيا واقضيها نوبات ماليش أي تحكم فيها وكل حاجة تدمر اكتر ما هي متدمرة؟!
تفقدته بالقليل من الذنب الذي تخللها ليتنهد
بإرهاق وأخبرها بمصداقية هذه المرة:
-
أرجوكِ أنتِ اكتر واحدة البصة منها بتفرق في
كل حاجة بتحصلي، كلامك مبستحملهوش، وأنا تعبت، ومفيش حاجة حواليا سايباني في حالي
ومحدش هيفهمني غيرك، أرجوكِ كفاية، اتفقنا ولا متفقناش؟!
لم تعد تعرف ما الحقيقي، هل غضبه منذ قليل أم
مصداقيته وتوسله الآن؟! تبًا لمعرفتها رجل مثله يملك آلاف الوجوه المتعددة
المتناقضة بشراسة تتركها دائمًا مشتتة!
كادت أن تخبره بأنه يكذب كما كذب منذ قليل
ولكنها ستعيد الكرة وسيستمر جدالهما فتنهدت بقلة حيلة ولكنها اعتدلت بوقفتها وهي
تعقد ذراعيها واجابته:
-
لو بطلت تكون خبيث ورغي كتير وبوس وتلكيك كل
ما نبقى لوحدنا اعتبرنا اتفقنا، بس لو شوفت منك لف ودوران وتحوير وكدب وتلاكيك
صدقني هعيشك الأسوأ من كده!
-
اتفقنا! تصبحي على خير!
خاب أمله بها ولكنه لا يستطيع أن يكرهها، هو
حزين لأنها لم تهتم ولو بقول كلمة واحدة لكي تُهون عليه هذه الوطأة الشديدة، ولكن
هو من أول نفسه واياها إلى هذه المرحلة، لن ينتهي اشتياقه بوصوله لحديث مُريح معها
كما اعتاد، لم تعد نفس تلك الفتاة التي تزوجها وعشقته، عليه أن يقبل هذا ويتقبل
نتائج ما ترتب على أفعاله!
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعان..
للمرة المائة بعد الآلف تتفقد هاتفها وتلك
المحادثة بينها وبينه التي لم يعد بها تحديثات على الإطلاق وكأنها صحراء خاوية، لا
تستطيع تحديد ما الذي تشعر بالانزعاج منه، هل السبب أنها تريد المزيد من المصاعب
لوالده كانتقام ولو ضئيل بعد أن اتهمها بالقتل وقام باختطاف أخيها؟ هذا لن يحدث إلا
لو كانت بجانبه، هذا سبب مهم وهو ما تحاول اقناع نفسها به، وما تتمنى أن تلتزم به
حتى النهاية.
وهناك سبب آخر يقتلها، رؤيته وهو يخضع لتلك
الجلسات، توجهه بنفسه والتزامه بمواعيد "مريم".. تلك الحلوى التي صنعها
لها، كل ما تريده أصبح ممكن، ولكن بعد ماذا؟ يستحيل أن تدع تكون ضحية هذا السبب،
لقد حاولت اثارة كل المُشكلات بينهما، لقد تشاجرت، حاولت أن تتذكر كل ما فعله معها
بالسابق، كل ما يدفع رأسها للانفجار هو حقيقة انها لا تريد الحكم عليه مطلقًا في
أي وقت تأكدت خلاله ورأت بأم عينيها أنه كان يُعاني من نوبة من نوباته!
ومن جديد، ولو اتبعت كل المنطق لكي ترى الأمر
وتحكم عليه دون أن يندرج حكمها تحت العاطفة والعشق، بعيدًا عن الشفقة، بعيد عن كل
ما شعرت به في الذكريات الجيدة القليلة بينهما، عندما تتخلى عن كل هذا وتتذكر كل
ما حدث يكمن حكمها فأنها يستحيل أن تبقى معه ولو ليوم واحد كزوجين طبيعيين يُفترض
أنهما ذاقا العشق معًا..
تساقطت دموعها في صمت وهي تطفأ شاشة هاتفها وسرعان
ما جففتها عندما استمعت لخطوات قادمة فأدركت أن "بسام" سيمر عبر باب
غرفتها في أي لحظة وقد فعل ليسألها بابتسامة:
-
ربى وصلت ومستنية تحت، خلصتي يا روري ولا لسه؟
أومأت له بالموافقة وبادلته الابتسامة لتطفأ
ضوء غرفتها واتجهت بصحبته للخارج وهي تُخبر نفسها أن عليها الاستمتاع، كل ماضيها
معه لن يوقفها عن الحياة بكل ما فيها، ستستمر شاء أم آبى كما يحلو لها..
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية